صفحات مميزة

اتفاق الهدنة وشبح تقسيم سورية –مقالات وتحليلات مختارة-

 

 

 

 

روسيا أمام امتحان الهدنة وتحدّي السلام/ برهان غليون

على الرغم من كل ما يقال في الأوساط الدبلوماسية التي كانت تصطف في لحظة ذعرٍ سابقة وراء أطروحة الحفاظ على الأسد كأفضل الشرّين مقابل داعش، ليس هناك أحد، بما في ذلك طهران، المدافع الأول عن نظام دمشق، يعتقد بالفعل أن من الممكن وقف الحرب السورية مع الإبقاء على الأسد. المشكلة كانت، ولا تزال، كيف يمكن إزاحته، قبل التفاهم بين أصحاب المصالح الرئيسية والدول الفاعلة على مرحلة ما بعد الأسد.

بمعنى آخر، قبلت جميع الأطراف الدولية والإقليمية أن يستمر نزيف الدم السوري، وأن يضحّى بالسوريين، بانتظار أن تضمن كل الأطراف مصالحها في سورية المستقبل. ولأن هذه المصالح متناقضة ومتنافية، استمر القتال، مع ترديد جميع الأطراف، في وجه خصومها، شعاراً واحداً تبرّر به حربها وتدعو الآخرين إلى التراجع: ليس هناك حسم عسكري، ولا مخرج، إلا بالحل السياسي. لكن، في الواقع، جميع الأطراف تسعى إلى تغيير ميزان القوى، قبل أن تقبل بالدخول في أي مفاوضات جدية. أما الأسد فكان، ولا يزال وسيبقى، لا يفكر بشيء آخر سوى سحق أعدائه واستعادة مملكته الوراثية، معتقداً، عن حق، أنه مهما كان الحل السياسي القادم فسوف يكون لا محالة على حسابه، ولن يكون حل من دون خروجه حياً أو ميتاً من المسرح.

بيان فيينا ثم إصدار قرار مجلس الأمن رقم 2254 بتوافق جميع الأطراف، أظهر كما لو أن شرخاً ما حصل في هذه الحلقة المفرغة، أوحى للجميع بأن دورة جديدة من مفاوضات الحل السياسي يمكن أن تبدأ، أو أن الشروط لإطلاقها أصبحت جاهزة. منذ التدخل العسكري الروسي الواسع والمباشر في الحرب. وهذا ما بعث بعض التفاؤل في أوساط الرأي العام، ويمكن أن يخلق زخماً ما لو ثبتت الهدنة التي أعلنت في 27 من فبراير/ شباط 2016، ويكمن وراء هذا التغيير التفاهم الأميركي الروسي الذي يضمر وجود إرادة مشتركة لوضع حدٍّ للحرب الداخلية السورية، أو على الأقل، لتغيير قواعد اللعبة الحربية المستمرة منذ خمس سنوات، يقود إلى تخفيف حدة العنف، وتقليص النتائج المدمرة لاستمرارها على البيئة الإقليمية والدولية.

في هذا المستوى من التحليل، هناك من دون شك فرصة للتقدم نحو عمليةٍ سياسيةٍ جديدةٍ أكثر حظا من سابقاتها جنيف 1 و2، لأن جميع الأطراف المعنية المحلية والإقليمية مضطرة للمشاركة فيها، حتى لو أنها ليست مقتنعة بها، ولأن روسيا التي عرقلت العملية السياسية في السابق هي اليوم العراب الرئيسي لجنيف 3، بمشاركة واشنطن ومباركتها.

وهناك، من دون شك أيضاً، مصلحة كبيرة لروسيا في إنجاح المهمة التي أوكلت لها، والدفع

“روسيا التي أوكل إليها دور رعاية الحل السياسي لا تملك أي رصيد إيجابي في مسألة الاستجابة لتطلعات الشعوب” بعمليةٍ قد تفضي إلى الخروج تدريجياً من الحرب. فليس من مصلحتها الغرق في مستنقع حرب عصاباتٍ لا تنتهي، على الطريقة الأفغانية، كما أن موسكو تدرك أن هذه فرصتها الكبيرة لتبسط نفوذها في المشرق الذي كانت على وشك أن تطرد منه، وأن تتحول من قوةٍ خارجيةٍ مهمشةٍ إلى القوة الإقليمية المهيمنة التي تملك بين يديها مفتاح إعادة تنظيم العلاقات بين دول المنطقة وترتيب أوضاعها، بمقدار ما أصبحت الدولة الوحيدة التي تملك علاقاتٍ قويةً مع جميع الأطراف المتنازعة والمتنافسة العربية والإيرانية. وإذا نجحت في تجميد النزاع الإقليمي وتحقيق الحد الأدنى من الاستقرار في منطقةٍ ملتهبة، ستتحول إلى مركز استقطاب، وتقطف ثمار تقرب جميع الدول في الإقليم منها والمراهنة عليها والاعتراف بها دولة عظمى مشاركة في صنع أجندة السياسة الدولية، بعد أن كانت مهمشة تماماً. يُضاف إلى ذلك أن الروس الذين أنقذوا المشروع الإيراني من الفشل ونظام الأسد من الانهيار يملكون وحدهم وسائل الضغط الكافية، إذا أرادوا، لإجبار الطرفين على التأقلم مع المطلب الدولي في تحقيق الهدنة، ثم الانتقال إلى عملية سياسية. لا يشذ عن ذلك إلا تركيا التي ستبدو الخاسرة الرئيسية في هذه التسوية الروسية الموعودة.

المشكلة الأولى في هذا التغيير الحاصل من حول القضية السورية هو أن باعثه ليس تحقيق تطلعات الشعب السوري التي تدخلت جيوش وقوى إقليمية ودولية عديدة لقطع الطريق عليه، ولا حتى السعي إلى تخفيف معاناة السوريين، بالرغم من احتمال أن يكون ذلك من آثارها. الحافز الحقيقي لذلك هو خوف الغربيين والروس معا من مضاعفات استمرار الحرب على مصالحهم الاستراتيجية، سواء ما تعلق منها بتجذر الإرهاب وانتشاره وتمدده في اتجاهها، وقد عانى بعضها منذ الآن من التفجيرات الإرهابية، أو بتفاقم أزمة اللجوء التي تهدد بتقويض التفاهم الهش أصلا داخل الاتحاد الأوروبي وبدرجة ثالثة الضغط المتزايد لدول الخليج العربي التي تشعر بالتهديد المباشر على أمنها الوطني والإقليمي. وهذا يعني أن المقاربة الدولية للحل سوف تكون مرتبطةً بشكل أكبر بتحقيق هذه الرهانات الإقليمية والدولية الجيوسياسية، بصرف النظر عن مصالح السوريين ومستقبل سورية نفسها، أو ربط هذه المصالح الأخيرة بأجندة الحل الدولية. بل من الأغلب أن تتم على حساب سورية والسوريين سواء بالذهاب نحو نوع من التقسيم السياسي الذي يشرعن تقاسم مناطق النفوذ بين الدول، أو التقسيم الطائفي الذي يضمن للجميع التدخل للتحكم بمستقبل البلاد ومصيرها.

المشكلة الثانية أن روسيا التي أوكل إليها دور رعاية الحل السياسي لا تملك أي رصيد إيجابي في مسألة الاستجابة لتطلعات الشعوب، بل ربما كانت من أكثر الدول عداءً لها، وأن معالجتها هذا النوع من الثورات، أو التحولات الاجتماعية، تكاد تقتصر على اللجوء إلى العنف واستخدام القوة. وما من شك في أن مثل هذه المقاربة المغرقة في الرجعية والمحافظة، والتي تركّز في جوهرها على الحفاظ على مؤسسات النظام، أي في الواقع على نظامٍ ومؤسساتٍ، كان فسادها السبب في الانفجار والأزمة الراهنة، ستشكل العائق الرئيس أمام تقدم العملية السياسية، وربما مقتلها. والسبب أن موسكو، حتى لو تمكّنت بالضغط العسكري من دفع المعارضة والدول الداعمة لها إلى الانخراط في المفاوضات، إلا أن رؤيتها تفتقر إلى البصيرة التي يحتاجها التوصل إلى تسويةٍ متوازنةٍ، توفق بين تطلعات الشعب السوري الذي قدّم أعظم التضحيات في السنوات الخمس الماضية، ومصالح الأطراف الإقليمية والدولية التي ساهمت في الكارثة التي حلت به، بما فيها روسيا نفسها. كما أنها تفتقر إلى المرونة الكافية للتعامل مع قوىً سورية مشتتة، نظامية وغير نظامية، تابعة للدول أو مستقلة عنها. بالإضافة إلى أنها تفتقر للروح الإبداعية الضرورية لصوغ التوافقات الممكنة بين المصالح والرهانات المتباينة والمتناقضة والمتداخلة. وعلى الأغلب، سيحتاج الوضع إلى وقت طويل، قبل أن تدرك روسيا نقائص مقاربتها، في ما لو حصل وأدركت ذلك، وأن تتقدّم باقتراحاتٍ إيجابية قادرة على فكفكة العقد القائمة، وإعادة ترتيب الوضعين، الداخلي والإقليمي.

والمشكلة الثالثة موقف روسيا المسبق من نتائج مفاوضات التسوية السياسية، والذي يدفعها إلى

“وقف الحرب وإحلال السلام في سورية والمنطقة لن يتحققا إلا بالاعتراف بأسبقية مصالح السوريين، المعارضين والموالين، التي يتقدمها تفكيك نظام الرق والعبودية والانتقال نحو نظام ديمقراطي” تبرير الاستمرار في الحسم العسكري، أو في تحقيق تغيير جذري في ميزان القوى على الأرض، من أجل فرض وجهة نظرها القائمة على مبدأ تعزيز وضع النظام، وإجبار المعارضة على الاندماج به من خلال حكومة وحدةٍ وطنيةٍ، ضماناً لمصالح الدول التي تعتقد خطأ أن نظام الأسد هو آخر حاجز أمام توسع الإرهاب وانتشاره وسيطرة منظماته. والحال، لا يمكن لمصير الهدنة أن ينفصل عن إطلاق عمليةٍ سياسيةٍ ذات صدقية تنظر إلى مصالح جميع الأطراف، وتدرك مركزية الرهانات القائمة وراء تضحيات السوريين واستبسالهم. ولن يكون من الممكن إطلاق مثل هذه العملية، ما لم تتوقف جميع الأطراف، وليس طرفاً واحداً عن التفكير في الحسم العسكري، أو في تغيير أساسي لميزان القوى على الأرض. ولا يهم ما إذا كان الساعي إلى هذا الحسم بشار الأسد أو الرئيس بوتين. ففي حال استمرار بعض الأطراف في سياسة الحسم العسكري، لن يعني قبول الأطراف الأخرى بها سوى تحييد نفسها، وإخراجها من الصراع، والمقصود هنا بشكل خاص فصائل الجيش الحر.

مهما كانت قوة موسكو وقدرتها على المبادرة، لن يكون من الممكن تحقيق أي تقدم في العملية السياسية، وقبل ذلك في وقف إطلاق النار، قبل أن يدرك الروس أنه لا يمكن إنهاء الحرب السورية فقط من خلال التوصل إلى تسويةٍ، لا تأخذ في الاعتبار سوى مصالح الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة فيها. وأن وقف الحرب وإحلال السلام في سورية والمنطقة لن يتحققا إلا بالاعتراف بأسبقية مصالح السوريين، المعارضين والموالين، التي يتقدمها تفكيك نظام الرق والعبودية والذل والانتقال نحو نظام ديمقراطي، ومؤسسات قانونية، ودولة مدنية تخضع لحكم القانون، وتساوي بين جميع مواطنيها وتتعامل معهم من منطق الاحترام والسيادة، وتضع نفسها في خدمتهم، بدل أن تجندهم لتحقيق مصالح طغمة صغيرة تعمل وسيطاً لخدمة مصالح الدول الأجنبية على حساب مصلحة شعبها وضد تحرر أبنائه وانعتاقهم.

الاعتقاد بأن حرباً ضروساً أزهقت أرواح أكثر من نصف مليون سوري يمكن أن تنتهي من دون تحديد المسؤوليات ومعاقبة الجناة مهما كانوا، أو أن السلام والمصالحة الإنسانية والوطنية يمكن أن يعودا من دون مساءلة أحد.

فكما أن الحرب لا يمكن أن تنتهي بالتوصل إلى تسويةٍ تقتصر على توزيع مناطق النفوذ والمصالح بين الأطراف الإقليمية والدولية، وتتجاهل مصالح الشعب السوري وحقوقه، كذلك لا يمكن للسلام الأهلي في سورية أن يتحقق إذا أصرّت موسكو على تجاهل مبادئ المساءلة والعدالة وتطبيق القانون. هذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يخرج سورية من محنة الحرب، ويضعها على طريق التفاهم والتعاون والازدهار.

العربي الجديد

 

 

 

هدنة روسية لتقسيم سورية/ غازي دحمان

اتصفت السياسة الروسية في سورية باتباعها تكتيك الموجات التصعيدية، وبدت كل موجة منفصلة عن الأخرى، سواء لجهة أهدافها القصيرة المدى، مثل إبعاد المخاطر عن مناطق تجمع الأقليات، أو لجهة حجم الانخراط ونوعية الأسلحة المستخدمة، وحتى طبيعة التفاعلات الجارية مع اللاعبين الآخرين، سياسيةً كانت أو عسكرية، فكما ناورت موسكو على خط واشنطن، لتغير مقاربتها عبر مؤتمر فيينا وقرار مجلس الأمن 2254، وصولاً إلى الاتفاق على خطة لوقف إطلاق النار، مارست على المقلب التركي سياسة الاستفزاز المدروسة تجاه تركيا، والتي انتهت بإسقاط طائرة السوخوي التي نتج عنها، لاحقاً، انكفاء تركيا نهائياً واستفراد روسيا بوضع قواعد اللعبة.

لكن، في رؤية كاملة للمشهد، يتضح أن تلك الموجات ليست منفصلة، وهي سلسلة توالدية، بحيث تهيئ السابقة للاحقة، وإذا كانت الموجة الأخيرة المنطوية على تكتيكٍ يهدف إلى إجهاض إمكانية قيام تحالف إقليمي، بدأت تتبلور ملامحه، فإن النية تذهب إلى الرغبة في إغلاق سلسلة الموجات، واختتامها بتغيير كبير بحجم تقسيم سورية، يهدف إلى وضع اللاعبين الآخرين أمام أمرٍ واقع، يدفعهم إلى أحد خيارين: التعامل بواقعية من لا حول له ولا قوة، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سورية والمنطقة. وبذلك تكون موسكو قد انتقلت من مرحلة الاستثمار في الأزمة إلى مرحلة بدء جني العوائد المتوقعة.

هل نضجت الحالة السورية لمثل هذا الخيار، أو التطور، ولم يعد مجدياً تجريب خيارات أخرى؟ ليست الإشكالية في سورية، بقدر ما هي عند روسيا، وتسريع موسكو الذهاب إلى هذا الخيار هو انعكاس لطبيعة الأزمة عندها، وليس لواقع سورية، ذلك أنه ليس شرطاً أن تفضي أزمةٌ في بلدٍ ما، حتى لو كانت حرباً أهلية، إلى حالة انقسام، والدليل أن موسكو عملت على تثمير عناصر الانقسام في مفاصل الأزمة السورية، وتكريسها معطياتٍ غير قابلة للإزاحة، وتجسد ذلك عبر إصرارها على توصيف بشار الأسد والمليشيات الشيعية طرفاً طبيعياً في الصراع، عبر خطة وقف إطلاق النار المتفق عليها مع واشنطن.

لكن، ما هي دوافع الكرملين ومحفزاته للذهاب إلى مثل هذا الخيار الخطير؟ ثمّة مؤشرات عديدة، مصدرها روسيا نفسها، تفيد بأن فلاديمير بوتين لا يملك ترف الوقت الكافي، لانتظار تحقيق أهدافه في سورية، إجراءات أميركا و”الناتو” تخنقه. وقد بدأت النتائج السلبية لعقوبات أوروبا تظهر بقوة على اقتصاده، وشكل عامل انخفاض أسعار الطاقة متغيراً سلبياً طارئاً ومدمراً. وقد ساهمت هذه المتغيرات في التأثير على الاستراتيجية الروسية، حتى على المديين، القصير والمتوسط، وبأسرع مما كان يتوقعه خصوم روسيا، ووضعت نفوذ موسكو في دول الجوار “التي تعتبر المجال الحيوي للأمن القومي الروسي” في وضع خطير، بل وأثرت على استراتيجية موسكو في التحوّل إلى قوّةٍ معتبرةٍ في النظام الدولي من خلال استثمار عناصر

“تنطلق استراتيجية موسكو في الاستفادة من خطة وقف إطلاق النار، والانتقال إلى المرحلة التالية في استراتيجيتها التقسيمية” قوتها المالية والعسكرية، ذلك أن إدارة بوتين ارتكزت، في بناء نفوذها، وقوتها من خلال القروض والهبات وبشروط ميسرة، بهدف تشكيل حوافز لحث الدول المستفيدة على اتخاذ قرارات سياسية خارجية، بما يتماشى مع الاحتياج الروسي، واحتمالية تراجع الدعم من شأنه أن يخرج تلك الدول من دائرة النفوذ الروسي، والبحث عن مصادر غربية، مثل روسيا البيضاء التي تعيش على الدعم، وكذلك أرمينيا وقيرغيزستان وكازاخستان، وهي دول تقع في نطاق النفوذ الروسي المباشر، ويهم موسكو بقاء هذه الدول بعيدة عن التأثير الغربي، وخصوصاً تلك الواقعة في الطرف الأوروبي، كما سعت موسكو إلى إتباع الآليات نفسها مع دول أوروبية، صربيا وبلغاريا واليونان والمجر، لتحقيق أغراض استراتيجية معينة في مواجهة حلف الناتو والغرب، وحتى دول ذات تأثير إقليمي وموقع استراتيجي، مثل مصر وإيران.

بوتين الذي على اطلاع تام على وضع احتياطاته المالية، وتراجع الصناعة الداخلية، يحركه هاجس أن الغرب يدير عملية استنزاف له في سورية. وبالتالي، إفشال كل مناوراته وجهوده على مدار السنوات السابقة، ودفعه إلى خفض سقف توقعاته في التفاوض معه في الملفات الأخرى. لذا، فهو يحاول الدفع بمتغيراتٍ مفاجئةٍ، تعيد الغرب إلى سكة الصدمة، وتدفعه إلى تغيير سياساته تجاهه، والدفع باتجاه التقسيم وتحطيم النظام الإقليمي الشرق أوسطي، أحد أهم أدواته الصراعية وأوراقه التساومية.

على ذلك، يبدو بوتين محكوماً بزمن محدّد، يكون خلاله قد رسم تماماً جغرافية تموضعه ونفوذه في سورية، المناخ الاستراتيجي الراهن مقدم على تغييراتٍ، تتمثل بقدوم إدارة أميركية جديدة. الآن هو قادر بتكتيكات دبلوماسية على مواجهة إدارة باراك أوباما، وإنفاذ جهدها، في حين أنه سيضطر إلى ما هو أكثر من ذلك، مع إدارة جديدة، بما يفوق جهود روسيا وقدراتها. كما تواجه موسكو بدايات تمرد أوروبية، من شأن تلاقيها مع اتجاهات التحركات العربية والإقليمية، ووصولها إلى حالة من التبلور، التأثير بدرجة كبيرة على مشاريع موسكو في سورية والمنطقة، وهذا ما يشكل حافزاً لإدارة بوتين، لكي تسرّع بتغيير المعطيات في سورية، بما يمكنها من إجهاض أي إمكانية لتخريب سيناريوهاتها السورية.

وتنطلق استراتيجية موسكو في الاستفادة من خطة وقف إطلاق النار، والانتقال إلى المرحلة التالية في استراتيجيتها التقسيمية، من جملة ركائز، ستبدأ معالمها في الظهور في المرحلة المقبلة:

– إيجاد حالة من الفوضى في سورية بدرجة أكبر، بإيجاد دينامية صراعية بين الأطراف المعارضة للأسد، بذريعة التفريق بين إرهابي ومعتدل، وبالتلميح إلى وجود أطراف سورية معارضة، تتعاون مع الخطة الروسية، وتنسق معها على الأرض.

– العمل على خطوط الصدع بعنف، مثل تظهير حدود الإقليم الكردي في سورية، وفرضه واقعاً منجزاً، وتهديد طرق المواصلات في البحر الأبيض المتوسط، بذريعة الحفاظ على أمن القواعد الروسية فيه. وهذا نمط من تزخيم فعالية الوجود الروسي ورفع سقفه التفاوضي، بما يضمن الدفع إلى ترتيباتٍ تستطيع روسيا من خلالها، ترسيخ مكاسبها، والانتقال إلى مرحلة ما بعد التقسيم.

– تحييد القوى الإقليمية ما أمكن، على الأقل مدة محدودة، حتى تظهير ملامح إجراءاتها، وذلك من خلال جملة من التكتيكات. العزل كما هو حاصل مع تركيا، أو عبر التطمين والتسكين، كما هو حاصل مع الأطراف العربية. وعندها، يصبح من المستحيل على هذه الدول القيام بأكثر من إجراءات دفاعية داخل حدودها، لن يكون لها تأثير على خريطة تحركات موسكو في سورية، ولا على المشهد الذي ستصنعه هناك.

– استدراج المجتمع الدولي إلى قبول حالة التقسيم، بعد أن يجري تيئيسه من إمكانية نجاح أي خياراتٍ بديلة، وتصوير التقسيم بوصفه الخيار الأقل سوءاً، وذلك للحفاظ على الأقليات والمجتمعات المدينية في سورية.

ما هو المدى الزمني لصناعة هذا المشهد؟ نحن إزاء مشهدٍ منهك، لا يحتاج تحطيمه أكثر من

“مشكلة المواقف الإقليمية والعربية أنها متأخرة، وبدل أن تكون أفعالاً تتحول إلى ردات أفعال متأخرة” مدى زمني بسيط، وهو الزمن اللازم للإعلان عن البدائل، ولن تكون مرحلة فحص الهدنة، الفاشلة أصلاً، سوى فترة لإقناع إدارة أوباما بعدم وجود خيارات بديلة، المرحلة التي تلي ذلك ستركّز على المحافظة على هذا التشكّل الناتج وترسيخه، وستتمكن روسيا، حينها، من تطوير استراتيجيتها وتحويلها إلى طور الإنتاج، لأنه سيكون لديها معطيات جديدة: وجود ثابت في المتوسط، يحمي بوتين من التداعيات الداخلية، ووضع مربك للأطراف الخارجية التي ستجد نفسها أمام واقع تهديدي، يدفعها إلى البحث عن مخارج بالنسبة لها، وليس للحالة السورية، كما يدفعها إلى التوافق مع الاستراتيجية الروسية، ولو بالإكراه، نتيجة سلسلة التداعيات المتوقعة. بالطبع، لن تكون روسيا محميةً من التداعيات، ولن تكون في وضع مريح بشكل مطلق، لكن الحسابات الروسية تقوم على قاعدة أن هذا الخيار هو أفضل الخيارات السيئة الممكنة.

وليس من الواقع تصور أن روسيا ستضع نفسها في مأزق، وتحت سكاكين مختلف الأطراف، كما أن الجميع، باستثناء روسيا، ليست لديهم رؤية واضحة. لذا، لن يكون مستغرباً تطوير هذه الرؤية، وتحويلها إلى واقع، ولا يمكن لموسكو صرف كل تلك الموارد وتزخيم خطوط القتال واللعب على حافة الهاوية، من دون توقع مردود بحجم اقتطاع مساحة على المتوسط بمثابة ملكية خاصة وحصرية لها.

ما العمل؟ لا حل، في مواجهة سياسة الموجات الروسية، سوى وجود مبادرة من الدول الإقليمية، تستثمر مناخ الاضطراب والانقسام في إدارة أوباما، وتشجّع أوروبا على تحويل تململها إلى سياسات إجرائية. مبادرة تصل إلى حد اللعب على الحافة بمنطق بوتين نفسه. مع الانتباه إلى حقيقة نجاح استراتيجية روسيا حتى الآن في سورية تعود إلى أن بوتين يدير استراتيجيته بخليط من سياسات حافة الهاوية مع الدول الإقليمية، واستخدام تكتيكات مع أميركا تقوم على إقناع إدارة أوباما، بأن موسكو تعمل على إراحتها من الصداع الشرق أوسطي.

– يجب كسر المعادلة الروسية القائمة على رأي عام نامٍ، ومناخ استراتيجي سهل وإجراءات إقليمية متأخرة. كسر أحد أطراف هذه المعادلة سيدفع إلى انهيار التقدم الروسي.

مشكلة المواقف الإقليمية والعربية أنها متأخرة، وبدل أن تكون أفعالاً تتحول إلى ردات أفعال متأخرة. وثمّة فارق، من حيث القوة والتأثير بين الفعل ورد الفعل، لأن الفعل يصنع قواعد اللعبة، ويحدّد قواعد الاشتباك، في حين يأتي رد الفعل لمحاولة تقليل الخسائر أو تعديل ما أمكن، ودائماً يخسر.

 

العربي الجديد

 

 

 

من هي القوى الدافعة لتقسيم سوريا؟/ غازي دحمان ()

تعاملت بعض الجهات الدولية بجدية مبالغ بها مع تصريحات بشار الأسد التي ادعى فيها أنه سيستمر في القتال حتى استعادة كامل الأراضي السورية، وذلك في محاولة بدت مقصودة منه لإطلاق مؤشرات تضليلية لإثبات استقلاليته ووطنيته التي لم يعد يشك أحد بعدم بوجودهما، فعدا عن كونه أصبح مجرد أداة تشغيلية في مشاريع أطراف خارجية، فإنه من المستحيل تصديق أن الوطنية يمكن اختزالها بالسيطرة على الأرض وتعمد قتل أبناء الوطن واقتلاعهم من أرض الوطن وإغلاق كل نافذة قد تؤدي إلى عودتهم.

لا يريد بشار الأسد من سورية سوى دولته الطائفية، الوقائع على الأرض أكثر بلاغة ودلالة من تصريحاته التي إذا أراد المراقب فهمها على حقيقتها فإنه لا يمكن تفسيرها منطقياً سوى أنها مجرد تكتيكات الهدف منها ليس فقط التضليل على إجراءات بناء دولته القائمة على قدم وساق، بل محاولة منع قيام دولة مقابلة لدولته فيما تبقى من سورية، لذا فإن مضمون مناورته يقوم على التقسيم والحصول على دولة هو حق حصري للأسد أما باقي سورية فالأفضل بقاؤه مجرد متاريس من الركام خالية من البشر بذريعة أنه سيتعيد السيطرة عليها يوماً لصالح سورية موحدة وكبيرة.

الوقائع أيضاً تقول إن مشغلي بشار الأسد قد أنجزوا ترسيم حدود دويلته، الجهد الروسي منصرف بشكل كبير لتحديد تخوم تلك الدويلة من الشمال، فيما تسعى إيران وذراعها حزب الله إلى إغلاق صندوق حدود تلك الدويلة من جهة الجنوب والغرب، ويشارك بشار الأسد في يوميات هذا الحدث عملانياً، وبالتالي فإن تصريحاته بين الفترة والأخرى ليست سوى تكتيكات يستخدمها في سياق التعمية على العملية الجراحية الكبرى التي ينجزها شركاؤه على حواف دولته، ولعلّ مبالغاته المكشوفة هي ما دفعت بمندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، إلى تذكيره بأن المتفق عليه وما يتم العمل لتظهيره لا يتفق مع الحماسة التي يحاول إثارتها لدى أتباعه من خلال وعدهم باستعادة السيطرة على كامل سورية.

لم يكن الهدف من تقريع تشوركين العلني للأسد حرص روسيا على إيجاد حل سلمي للأزمة السورية ورغبتها في الهروب من المأزق الذي بدأت ملامحه تلوح في أفق الصراع السوري على ما راح الكثير من محللي السياسات تقديره، وعلى رغم أهمية هذا الهدف، إلا أن روسيا تعمل على أهداف أهم بكثير من حصول السلام بين الأفرقاء المتصارعين، كما أن قضية وحدة سورية من عدمها ليست هدفاً مركزياً لإدارة بوتين، ولا سلام سوريا ووحدتها هي القضايا التي حفّزت روسيا على إرسال قواتها إلى المنطقة والمغامرة في الانخراط بصراع مفتوح على كل احتمالات الخطر، ثمّة أهداف أكثر إلحاحية وحيوية وذات مردودية أكبر بالنسبة لروسيا التي ليست في وارد التبرع بتحقيق السلام والوحدة لسورية في ظل واقع مأزوم تعيشه داخلياً وخارجياً:

– تأمين وجود دائم ومؤثر في البحر الأبيض المتوسط، ومثلما أصبح بحر الصين مركز إستراتيجية أميركا، يتحول المتوسط إلى مركز إستراتيجية روسيا وذلك بالنظر لما يتيحه من إمكانية لاختراق حلف الناتو الذي يعمل على تطويق روسيا، وكذلك لتركز غالبية مصالح روسيا في أوروبا.

– إغلاق الحدود السورية مع تركيا عبر إنشاء إقليم كردي لضمان منع مرور خط الغاز القطري المنافس للغاز الروسي عبر الأراضي السورية، والمعلوم أن سلاح الطاقة هو أنجع سلاح تملكه روسيا في مواجهة أوروبا وأي منافسة لها في هذا المجال ستضعّف من أوراقها وقدراتها في مواجهة الغرب.

وبالنسبة لإيران، فهي أيضاً ليست أكثر اهتماماً بوحدة سورية واستمرارها كما كانت في السابق، وعلى العكس من ذلك، تجربتها في انخراطها بالحرب السورية على مدار الأعوام السابقة ولّدت لديها قناعة بأن الحل الأفضل هو تقسيم سورية شريطة حصولها على مناطق جغرافية ذات تأثير وازن في رؤيتها الإستراتيجية العامة، وهي المناطق التي تشكل جسر التواصل بين العراق ولبنان وتلك التي على تماس مع إسرائيل والتي تمنحها دور القوى الفاعلة في صراعات المنطقة، بالإضافة إلى تعزيز اختراقها للنظام الإقليمي العربي، عدا عن ذلك فإن المساحات الجغرافية الكبيرة ليست هدفاً إيرانياً ولا تشجع إيران على إعادة وحدة سورية حتى لو كانت سيطرتها عليها مضمونة.

تتقاطع مصالح هذه الأطراف « الأسد، روسيا، إيران» عند نقطة تقليص مساحة سورية في إطار الحيز الجغرافي المفيد فيها، وتمارس هذه الأطراف مناورات سياسية وعسكرية للوصول إلى هذا الهدف، وكل ما تتحدث عنه تلك الأطراف من حرصها على وحدة سورية واستمرارها ليس سوى تقية للحصول على أغراضهم وتحميل الخصم مسؤولية التقسيم الذي يشتهونه ويعملون عليه.

() كاتب من سوريا

المستقبل

 

 

 

 

 

الهدنة وعودة المظاهرات في سورية/ عمار ديوب

ما إن سرت الهدنة على الأرض في سورية، في ليل 27 فبراير/ شباط الماضي، حتى عادت المظاهرات الشعبية. عمّت مدن سورية بأكملها، من درعا إلى حمص وحماة وحلب وجسر الشغور والقنيطرة، وريف دمشق وسواها. إذاً، هناك رغبة كبيرة في استعادة القرار الثوري للداخل، ورفض الخيار العسكري من كل الأطراف، ونزعة الالتحاق بالدول الإقليمية والعظمى.

أكثر المُكرهين على الهدنة هم النظام وإيران وحزب الله والمليشيات الطائفية أولاً، والتنظيمات العسكرية المناهضة له ثانياً، فالنظام يعلم أن الهدنة “تقويه”، لكنها بداية النهاية له! تثبت الهدنة التقدم الروسي على الأرض السورية، لكن الانتقادات الروسية لم تتوقف عن ملاحقة كل ما يصدر عن النظام، وأن هدف الروس بسط سيطرتهم على سورية، وهذا لا يتحقق من دون حلٍّ سياسي، سيقلص نفوذه ونفوذ حلفه الإقليمي، ويجعله طرفاً، وليس مسيطراً على سورية.

كانت الهدنة شرطاً لوفد الرياض للتفاوض، وأراد الروس والأميركان البدء بهذا الإجراء الأكثر أهمية للسوريين الذين فرحوا بالهدنة، وراحوا يجدّدون العودة إلى المظاهرات الشعبية، وإلى شعارهم المركزي حينذاك: الشعب يريد إسقاط النظام. هم أرادوا إيصال رسالةٍ واضحةٍ للعالم: نريد الهدنة ونريد التفاوض، ونريد تحقيق أهدافنا في سورية للجميع، وكل هذا التدخل يجب أن يوصل السوريين إلى هذه الغاية تحديداً.

تأتي الهدنة ويلوح، وعلى لسان وزراء خارجية أميركا وروسيا وبريطانيا، كلام عن التقسيم. هناك قوى سورية تعتاش من أفكار كهذه أيضاً، ولا سيما أن الحل العسكري لم يُسقط النظام، وبالتالي، أي حل سياسي ستخسر منه بالضرورة، ويأتي التقسيم ليعطيها سلطةً على بقعةٍ محددة. يشار في ذلك لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ولما قيل عن سورية المفيدة، وهناك داعش وأيضاً مناطق أخرى. هذه “الثرثرات” ترفضها تركيا، اللاعب الأكبر في الساحة الإقليمية، وكذلك السعودية. وإذا كانت إيران لم تمانع بذلك، فإن الروس، وعلى الرغم من تصريحهم عن الفيدرالية، فإن سياساتهم تنطلق من أن تدخلهم لصالح احتلال سورية، والهيمنة على قرارها الوطني، عقوداً متتالية. ويتأتى الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي في هذا الإطار، أي أن الفيدرالية لا تساوي التقسيم، بل تساوي توسيعاً أكبر في الحقوق للمناطق، ولا سيما للحزب الكردي المذكور، وبما يبقي التحكم الفعلي على سورية في العاصمة دمشق تحديداً، أي أن الفيدرالية تعطي حقوقاً أكبر للأقاليم، لكنها تُبقي كذلك المركز في دمشق.

تأتي الهدنة في سياق عملية التفاوض من أجل سورية دولةً بحدودها الراهنة. ترفض المعارضة التقسيم بالكامل، والقوى المسلحة الرافضة للنظام رافضة، في الوقت نفسه، داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي “با يا دي”، وبالتالي هي قوى من أجل سورية بأكملها، وبموافقتها على الهدنة، والمشاركة في وفد التفاوض من قبل، فهي تصطف مع كل الأطراف الساعية نحو دولة لكل السوريين، وفق بنود فيينا وجنيف.

رسالة المظاهرات أنها تتوافق مع أي جهدٍ يُنهي الحرب في سورية، وينهي وجود السلاح،

“رسالة المظاهرات أنها تتوافق مع أي جهدٍ يُنهي الحرب في سورية، وينهي وجود السلاح” ويوحد كل الجهود للخلاص من استخدام السلاح ضد الشعب، بدءاً بالنظام والمليشيات الداعمة له وإيران وحزب الله، وكذلك من سلاح داعش ودولتها، ومعها بقية الجهاديات، ولا سيما جبهة النصرة، وكذلك التخلص من انفلات العمل العسكري في سورية. وتدفع المظاهرات إلى توحيد (أو تنسيق) جهود الفصائل التي تمتلك حساً وطنياً، وتدعم التفاوض، وتقرّ بفشل الحل العسكري.

تتجه السياسات الدولية والإقليمية نحو تثبيت الهدنة، والبدء بالتفاوض من ناحية. ومن ناحية أخرى، ستتوسع المظاهرات ما دامت الهدنة مستمرة وتؤيّد الهدنة. النظام وحده من خرق الهدنة، ومنذ اليوم الأول لها، وسيبحث دائماً عن طرق لإفشالها، فهو وعلى الرغم من فائدته العظمى من تثبيت الأطراف المتصارعة في أماكنها، فإنه الخاسر الأكبر، حالما تبدأ المفاوضات على الحكم الانتقالي والنظام المقبل.

إذاً، هناك إرادة دولية ومحلية للبدء بالحل السياسي، وقبالة ذلك، هناك النظام وإيران وحزب الله سيكونون من أكبر المتضرّرين منها. يريد التنسيق الأميركي الروسي تفادي حرب إقليمية واسعة، وتحديداً بعد التهديدات المتكررة لتركيا والسعودية أن التدخل الروسي يُمكّن إيران والنظام، ويشكل خطراً على الأمن الداخلي لهذه الدول. إذاً انتهت اللعبة الدولية والإقليمية على الأراضي السورية، وصار التنسيق الدولي يريد خلاصاً من الكارثة، والتي أصبحت تهدد بمشكلات إقليمية ودولية كبرى. وهنا، نشير إلى أزمة اللاجئين في أوروبا، والتي أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على دواخل تلك البلاد، وتستخدم في صعود اليمين العنصري في أوروبا والتخوف من اندلاع مشكلاتٍ اجتماعيةٍ بسببها هناك.

لا أريد أن أبدو متفائلاً، ولا سيما وأن خمس سنوات عجاف مضت من أعمار السوريين، وقد أفشل النظام عشرات المحاولات لإنهاء المأساة المستمرة، لكن جملة ما أشرنا إليه يوضح أن إغلاق المسرح السوري أصبح ضرورة. إذاً، الهدنة شرط للتفاوض، وبداية نحو الحل السياسي.

ما سيكون لاحقاً للتفاوض هو الموقف من الوجود الروسي في سورية، وكذلك الوجود الأميركي، ولا سيما من خلال الدعم الواسع لقوات سورية الديمقراطية، فهي قوات “أميركية” الآن، وإذا كانت المظاهرات تنديداً بالنظام وترحيباً بالهدنة، فهي ستكون ضد الوجود الروسي والأميركي في المرحلة اللاحقة.

لم تكن الثورة لتستبدل الاستبداد بالاحتلال، لكنها تمكر كما مكر الآخرون بها، وسربلوها بالدماء والتبعية، وبكل أشكال المأسي. والآن، حان وقت التغيير في سورية، وربما المواجهة ضد الاحتلال الخارجي.

العربي الجديد

 

 

 

 

وقف إطلاق النار بين الخيبة والأمل/ أكرم البني

هو حدث مهم التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في سورية بعد سنوات من عنف دموي ومدمر، والحدث الأهم هو صموده النسبي حتى الآن، إن كان مجرد هدنة موقتة أم وقفاً للأعمال العدائية، ويبقى أن ثمة أسباباً ومعوقات تجعل الأمل ضعيفاً في أن يغدو هذا الاتفاق فاتحة لوقف الصراع نهائياً ووضع البلاد على سكة المعالجة السياسية.

أولاً، أن ينجم اتفاق وقف إطلاق النار عن إرادة دولية أساسها التوافق بين واشنطن وموسكو، يثير الشكوك حول فرص نجاحه وثباته ما دام يرتهن إلى درجة صدقية هذا التوافق ومدى جدية الطرفين في إجبار حلفائهما المحليين على تنفيذه، فكيف الحال مع غموض آليات مراقبته وتحديد الجهة المسؤولة عن خرقه ووسائل محاصرتها وردعها؟ يزيد الأمر تعقيداً التباين اللافت في تحديد ماهية الجماعات التي لا يشملها الاتفاق وتوصف بالإرهابية، ثم وجود نيات مضمرة لدى الراعين، ليس في الإصرار على إنجاح الاتفاق ومعالجة مثالبه ونواقصه، بل للتصعيد وخلق بدائل حربية في حال فشله، أوضحها استمرار الضربات الروسية لمحاصرة بعض أطراف المعارضة المسلّحة، ثم التهديد الأميركي بالانتقال إلى «الخطة ب» للتدخل في مجرى الصراع السوري، هذا ناهيكم عن حضور قوى إقليمية ليست لها مصلحة في إخماد بؤرة التوتر السورية، بل يهمها إذكاء الصراع عبر تمويل الأطراف المتنافسة وتشجيعها لخرق الاتفاق وخلق ذرائع تطيح فرص التهدئة، ولا تخفى على أحد تجارب مريرة في المنطقة لعب فيها التدخل الإقليمي دوراً نافذاً في تسعير الصراعات المحلية ومنع الوصول إلى حلول ملموسة في شأنها.

ثانياً، يتقدم في خصوصية الصراع السوري احتمال تحويل وقف النار من بعض الأطراف التي يغريها منطق الغلبة وما تحققه من تقدّم على الأرض، إلى ورقة لربح الوقت كي تمعن في سياسة الحصار والإخضاع وتتوغل أكثر في الفتك والتنكيل لتحسين مواقعها الميدانية، بخاصة أن أهم القوى المتصارعة لا تزال تراهن، وإن بدرجات متفاوتة، على الخيار العسكري لكسر إرادة الآخر، إن من جهة نظام أدمن رفض تقديم التنازلات السياسية ويحلم بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتحقيق انتصارات يستعيد بها السيطرة على البلاد، وإن من قوى وجماعات نمت على هامش سنوات الحرب المتواصلة ولا مصلحة لها في وقف إطلاق النار والخضوع للمسار السياسي، وستفعل ما في وسعها لإفشال هذا الخيار، والقصد أن طول أمد الصراع وتداعيات الحصار والعقوبات الاقتصادية خلق ما يسمى اقتصاد حرب، بات يسيطر على مجريات الحياة، ويدار ممن تصحّ تسميتهم بأمراء حرب يتعزز نفوذهم وامتيازاتهم من استمرار العنف ووأد فرص التسوية والسلام، وتعزز هذا الواقع الطبيعة المعقدة والمتفردة لبعض مراكز القوة لدى النظام والمعارضة المسلّحة وتعدد مرجعياتها، ما يكشف مروحة واسعة من الأسباب المحلية التي تؤدي إلى إفشال أي هدنة وإطالة أمد الاقتتال.

ثالثاً، صحيح أن استمرار الاستعصاء العسكري يعتبر دافعاً رئيساً لوقف العنف ولغة السلاح، ربطاً بتوصل غالبية الأطراف المتصارعة، وإن على مضض، إلى قناعة باستحالة تحقيق نصر حاسم، وصحيح أن وقف إطلاق النار لن يكون مقبولاً ومستداماً إلا بتوفير الشروط السياسية الضرورية لاستمراره والمستندة إلى صيغة عادلة للحل تلبي مطامح الناس في التغيير وإقامة مؤسسات ديموقراطية واعدة، الأمر الذي يقع على عاتق المفاوضات المرتقبة في جنيف وقدرة الأطراف الفاعلة فيها على دفع العملية السياسية إلى الأمام، لكن الصحيح أيضاً أن ما قد يعزز وقف النار في الخصوصية السورية هو فصل الملف الإنساني والإغاثي عن الملف السياسي، والبدء بإلغاء توظيف معاناة الناس لربح بعض النقاط، واعتبار مصير البشر وشروط حياتهم، مسألة أعلى وأنبل من الغايات السياسية لأي طرف في الصراع، وإذ نعترف بوجود عقبات متنوعة تعترض هذا الخيار، نعترف أيضاً بأن النجاح في الفصل بين المفاوضات حول أسس نظام الحكم القــادم وبــين تقدم الملف الإنساني، كالشروع في فك الحصار عن مناطق محاصرة منذ مدد طويلة وإيصال المساعدات الغذائية والدوائية لها وكشف مصير المفقودين وإطلاق سراح المعتقلين، يمكنه أن يأتي بمناخ جديد ينعش بعض الأمل عند من يقاسون الأمرّين من فظاعة الصراع ودمويته، ويثير الثقة بجدوى التهدئة وخيار المعالجة السياسية، والقصد أنه ثبت في كثير من الصراعات الأهلية أن التركيز على الوجه الإنساني وضمان تنفيذ القرارات المتعلّقة بالملفات الإغاثية، بما في ذلك القدرة على توفير الخدمات وتحسين شروط الحياة، يعتبر دافعاً قوياً لأطراف النزاع للتهدئة والتواصل، ويفتح الباب تالياً لتفعيل دور قوى واسعة من المجتمع متضررة من استمرار منطق السلاح وهيمنة لغة القوة، بما في ذلك تمكين جهات من المجتمع المدني لتضطلع بدور أكثر أهمية في دعم وقف مستدام لإطلاق النار، ما دامت تستطيع التواصل مع مختلف الأطراف الداخلية الفاعلة والتوسط في ما بين.

أخيراً، وعلى رغم مرور سنوات من العنف المفرط والدم والخراب، تلمس لدى عموم السوريين توقاً شديداً الى الخلاص مما هم فيه ورغبة عارمة في وقف القتال وإحلال السلام، تحدوهم دوافع قوية لتمكين اتفاق وقف إطلاق النار القائم، وتشديد المطالبة بالجدية والصدقية في تنفيذه، وإدانة كل من يخرقه أو يتجاوزه.

والحال هذه، وبعيداً من تشاؤم العقل، ينتعش بعض الأمل بأن يشكل اتفاق وقف إطلاق النار الساري، فرصة لتخفيف حدة الاستقطاب وذاك التفشّي المفزع للغة الحقد والإلغاء، وربما لاستعادة شيء من العقلانية التي دمّرها منطق الحرب، بخاصة مع تنامي اقتناع بعبثية استمرار القتال وبأن الجميع سيخرج خاسراً منه، والأهم فرصة لاجتراح حل سياسي يحاصر جماعات التطرف والإقصاء ودعاة العنف والغلبة، ويمهد لإنقاذ سورية وشعبها المنكوب من دوامة الفتك والتنكيل والخراب.

الحياة

 

 

 

لماذا الفيديرالية هي الحل/ لمى الأتاسي

هذه الرؤية المقترحة حول  الفيديرالية للحفاظ على سوريا طرحناها من خلال عملنا في إطار الجبهة السورية في اغسطس 2014

لامركزية لا تعني عودة للوراء، فمن خمسة  دول عثمانية ثم الى اتحاد فيديرالي عام  ١٩٢٠ ثم الى دولة حكم مركزي في الثلاثينات ثم الى دولة ب ١٤ محافظة.

اعيدت طرح فكرة تقسيم سوريا لدويلات طائفية  خلال الثورة و لكن هذا الطرح ليس الحل للازمة فسوريا اليوم ازداد تعددها السكاني و اختلف توزيع المكونات فيها جغرافيا فلا يوجد منطقة تجمع فقط مكون واحد يقطن فيها دون غير ها   . بالنالي هي اليوم مختلفة عن  تلك التي كانت منذ ١٠٠ عام ، و لذا فاعادة طرح تقسيم الى ٥ دول سيثير مشاكل و حروب اكثر من اي فائدة ممكن ان تجنى.

الفيديرالية التي يوجب أن تطرح لا تعني  تقسيم لسوريا بل هي حل لبقاء سوريا و للتعايش المشترك و لتعزيز المشاركة الفردية للمواطن و لتكريس الديموقراطية الشعبية و ترك هامش اكبر لمراقبة الادارات السورية التي اتسمت بفسادها على مدى العقود الماضية.

ان الفيديرالية و لامركزية الدولة التي يوجب طرحها كحل هي  عملية مكلفة ماديا على الدولة السورية و لكنها حل

مبتكر. انها تعزز وجود سوريا كدولة محورية مهمة اقليميا  و تحل ازمتها الداخلية و توجد التوازن  الداخلي المنشود لاعادتها على مسار التنمية الذي عرفته قبل المرحلة الاسدية.

ان رؤيتنا في الجبهة السورية كالتالي

تمت في العقود الماضية  سياسة دمج للمكونات السورية ليس تحت راية الهوية السورية بل تحت راية الهوية العربية المرتبطة بالاسلامية (البعث) و  كنا نفضل ان تكون تحت راية الهوية السورية فقط لكي لا نحث الغير عرب و الغير مسلمين على المطالبة بالانفصال للشعور بالظلم، حيث هناك مسالة المساواة التي يجب اعتمادها. المكونات اللاعربية و اللا اسلامية  لها ذات الحقوق بسوريا و بالمساواة.

فكر الجبهة السورية هو فكر يصبو لانجاز العدالة و المساواة : التوازن

هذا التوازن مطلوب اليوم : في الماضي كان ممكن ابقاء سوريا دولة مهمة خارجيا عبر حكم مركزي قوي مستمد قوته من الخارج، اما  اليوم التوازن الداخلي هو الحل لايجاد القوة الخارجية.

القضية الكوردية لا علاقة لها بالفيديرالية:

الفيديرالية لا علاقة لها بالقضية الكوردية انها اختيار بهدف  ايجاد  توازن داخلي و حسن ادارة تنموية :

هناك الحلم الكوردي بدولة مستقلة  و هو حلم مشروع و نحن كسوريين لن نقف بوجهه ان تم يوما و هو ليس مرتبط بارادتنا.

لن نعاديه لان الاكراد ليسوا ناس قادمين من الخارج و ليسوا اتين كمستعمرين انهم يملكون الارض التي يقفون عليها  و نحن  نعتبر بان المواطنة هي عملية مشاركة ودية و ليست بالاكراه.

بالنالي فان تم هذا و اعلنت دولة كوردية فهم سيبقوا اهل للسوريين و حتما سيبقى في سوريا سوريين اكراد كما حال الارمن و التركمان.

ليست سوريا العائق امام قيام الدولة الكوردية. و لكن القضية الان غير مطروحة  لانها متوقفة على قرار دولي يمت بصلة لثلاث دول اخرى معنية  اي العراق و ايران و تركيا. و سوريا هي الأقل تأثر جغرافيا و اقتصاديا و اجتماعيا.. و كورد سوريا هم الأكثر تمسك بسوريتهم …

بالتالي

الثورة السورية الان كارثة انسانية و علينا انقاذ السوريين كافة وطرحنا غير متعلق بالحلم الكوردي.    ثم نحن كسوريين متمسكين بوحدة سوريا لكن لن نقف ضد تواجد دولة كوردية  فهي كما وضحنا سابقا ان تواجدت فسوريا هي اقل دولة من بين الاربع دول  ستعاني من هذا.

لذا فيجب طرح موضوع الاقليات  و حقوقها دستوريا من منطلق عام لا كوردي، يطرح  كموضوع اخر بملف موازي لموضوع الدولة اللامركزية اوالفيدير الية التي نطرحها هنا كاسلوب ادارة سياسي .

هناك اذا ملفين :

١-الفيديرالية اللامركزية كادارة سياسية لدولة مركبة كأداة  للتطور حيث اننا بعد بحث لم نجد حل اخر لاستمرارية الدولة و تطويرها سوى تغيير اسلوب الادارة و توزيعه. الفيديرالية هي تغيير اُسلوب الادارة management بالتالي تغيير اُسلوب التفكير بالدولة بالحكم بالمنصب بالعمل بعلاقة الانسان بعمله بالمواطنة ..

٢-معالجة القانون السوري لكل ما يتعلق بالخصوصيات و التعددية السورية كملف خاص. يدرس  لاحقا نتعرض فيه لكل المطالب الخصوصية و كيف يمكن ان يتم ايجاد حلول للتعايش و ما هو دور القانون و دولة القانون في التدخل للحد من تعسف و ظلم الطوائف لبعضها و الحد من التحرش المعنوي و الضغوط المعنوية على الفرد السوري الذي من واجب دولة القانون ان تحمي حرياته الشخصية و خصوصياته بغض النظر حتى عن انتمائه لاي فئة او مكون او طائفة(سنتطرق هنا للنقطة الاولى فقط)

مـن المعـروف ان الـدول والشـعوب تتبـاين وتختلـف مـن حيـث اخـتلاف عنصـر القـوة والضـعف والبيئـة المحيطـة

بها. وان هذا التباين ينعكس على المستوى الفكري والاجتماعي الذي يميز هذه الشعوب عن غيرها.

والمعروف ان الاختلاف بمختلف اشكاله ما هو إلاّ سمة مجتمعيـة لا يمكـن تجاهلهـا او اغفالهـا لاي

سبب كان، فالتباين العرقي والديني واللغوي والاجتماعي والاقتصادي امر طبيعي في كل مجتمع. ولكن الفـرق الحضاري بـين مجتمـع وآخــر هـو قـدرة مؤسســات كـل مجتمـع فــي التعامـل بحكمـة ودقــة مـع هـذه المكونــات وبمـا يضــمن تحقيـــق الانصـــهار والتعـــايش الســـلمي لمختلـــف هـــذه المكونـــات وهنـــا تبـــرز مســـؤولية الدولـــة فـــي تحقيـــق هـــذا

الفيديرالية التي تطرحها الجبهة السورية هي :

مشروع عقد وطني اجتماعي جديد لعيش مشترك كحل للخروج من الازمة

و  لانقاذ سوريا من مشاريع التقسيم  و لكي تنتهي الازمة بمكتسبات جديدة لسوريا بوضعها على طريق التنمية الاقتصادية و التطور السريع.

 

الثورة السورية فرضت علينا واقع جديد و هو الاعتراف بفشل الدولة  المركزية الحالية بادارة سوريا مما يشكل خطر على بقاء سوريا كدولة و يعرضها حاليا لمخاطر التقسيم العرقي و الديني و هنا نهايتها.

تقترح الجبهة السوري بطرحها العلماني المحاييد دينيا و طائفيا  تحويل الدولة المركزية السورية لدولة  لا مركزية سياسيا على اساس جغرافي و ليس عرقي او ديني.

التوزيع الجغرافي الاداري :

انطلاقا من المخطط الاداري الحالي تحويل المحافظات الحالية الى ولايات مع تقسيم بعض المحافظات

ذات الكثافة السكانية و التي تعاني من مشاكل و احقاد تعد مؤقتة ضمن مكوناتها

مما يمكننا الى الوصول لفوق العشرين ولاية و هذا الامر يستشار فيه سكان الارض انفسهم بطريقة ودية

الهدف يبقى ان يختار السكان في كل مكان ممثليهم و الا يكون هناك ظلم لاحد من قبل احد

ياخذ التقسيم الاداري الاقليمي بعين الاعتبار احتياجات المناطق و نقط ضعفها و كذلك مواردها الطبيعية و البشرية و نسبة تعليم و تاهيل السكان فيها.

يتطلب هذا احصائيات جديدة تاخذ بعين الاعتبار مخلفات الحرب

يتم وضع خارطة تخصصية لكيتكون الدولايات متكاملة لبعض و تحتاج بعض.

قانونيا  يتم توزيع الوظائف الحكومية المختلفة – التشريعية والتنفيذية والقضائية– بين الحكومة الموجودة في اقليم مركزي و الاقاليم الاخرى

اقليم الشام يبقى هو الاقليم المركزي

يتم انشاء اتحاد فدرالي سوري يتكون من عدة ولايات تشكل بمجموعها اتحاداً واحداً، فكل ولاية حكومة، ولكل حكومة سلطات ثلاثة: تشريعية وتنفيذية وقضائية.

يتم ايجاد صيغة رقابية

السلطة التشريعية (البرلمان)

هي المُشرع. غرفتا البرلمان (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) تناقشان تعديلات الدستور، وتصدران القوانين الفدرالية، والمراسيم الفدرالية، وتقبلان معاهدات القانون العام. كما تنتخبان أعضاء الحكومة الفدرالية وتراقبان الإدارة الفدرالية.

تتكون السلطة التنفيذية

من الحكومة الفدرالية وإدارتها. تمثل أعلى سلطة قيادية في البلاد وهي مسؤولة عن النشاط الحكومي. تشارك أيضا في العملية التشريعية بتوجيه المرحة التحضيرية خلال بلورة القوانين، وبتقديم القوانين والمراسيم الفدرالية إلى البرلمان.

أما السلطة القضائية،

فهي تتألف من المحاكم. وعلى المستوى الفدرالي، يتعلق الأمر بالمحكمة الفدرالية والمحكمة الجنائية الفدرالية والمحكمة الإدارية الفدراليية.

الادارة المركزية تحتفظ بالجيش و بالعلاقات الخارجية و بالملفات الاقتصادية و الرقابة و طبعا الهيئة التشريعية و الدستورية العليا

-تحتفظ الادارة المركزية بقرار العلاقات الدولية و لا يحق للولايات ان تبني علاقات منفردة لانه يتنافى مع سيادة الدولة ووحدتها

– الدولة المركزية السورية بحاجة لجيش حرفي تقني على مستوى عالي علميا  منفصل عن السياسة و الطائفية

و مستوى التعليم في الكلية الحربية يجب ان يخضع لمعايير عالية جدا و ذو رواتب جيدة

البعث انتهج دمج الغير متعلمين بالجيش و اقر تسليمهم المناصب و مفاصل البلاد و هنا كان خطر على استمرارية الدولة لان نخبتها القيادية كانت جاهلة و يجب عكس الاية و رفع المستوى.

يحتاج هذا لاعادة هيكلة الجيش السوري و اعادة تركيبه

سوريا ستحتاج لجيش لكي تبقى قوة اقليمية مهمة

(سويسرا لها جيش قوي رغم عدم انحيازها و لا يمكن لدولة ان تبقى بدون جيش و الا سيترك الهامش متروك للعصبيات و القبضايات و الكتائب و الفوضى التي لن تسمح باعادة اعمار البلد او اقامة نظام نظيف ديموقراطي.)

تفويض هام للولايات و اعطاء حريات اقتصادية و ادارية محلية:

الفكرة اللامركزية هي هدفها تحسين مستوى التطور العام عبر تفويض اكبر للسوريين و توكيلهم امورهم بشكل اكبر : المركزية تتسم بقاسمين

– الأول اللامركزية Decentralization (ويقصد بها تفويض الإدارة المركزية السلطات المناسبة إلي الإدارات البعيدة عنها جغرافياً للقيام بمهام عهدت بها إليهم) .

– والثاني التفويض devolution  (ويقصد به تحويل السلطات الدستورية المحلية الصلاحيات اللازمة للقيام بوظائف أو مهام معينة أوكلت إليهم) .

التفويض يبقى متصل بالمردود المتوقع ان الدولة المركزية تفوض الادارات اللامركزية و توكل مهام و لكن هناك ايضا رقابة تفرضها الدولة المركزية على الولايات و رقابة يفرضها الراي العام و حرية التعبير

بالتالي يشترط بالتفويض مقابل انتاجي الذي معياره تنمية القطاعات المختلفة

مثلا ان تخلفت ولاية عن بقية المناطق بتطوير قطاع انتاجي او حتى تطوير المستوى العلمي فمن حق الادارة المركزية ان تسائلها ( التجربة الالمانية)

المسائلة برنامج كامل يتم ترتيبه على مستوى الفيديرالية.

التنافس الايجابي بين الولايات لتطوير المناطق السورية سيكون عامل ايجابي توجده نظام الدولة اللامركزية

اللامركزية ستعطي شعور اكبر بالحرية لدى السوريين و بالتالي سيزيد ارتباطهم و يتنمى شعورهم الوطني

سيزيد كذلك شعورهم بالمسؤلية تجاه الفساد و ضعف الانتاج و سيفرض الواقع عليهم معالجة امور كالتضخم السكاني مثلا او المياه اوحتى السلام الاقليمي مع كافة دول الجوار لان الهدف القادم الذي سيفهموه هو التطور الاقتصادي.

ان التجربة الالمانية التي تكرس الدولة القوية هي من التجارب التي نحتذي بها و نتمنى ان نصيغها بشكل يتوافق

مع النسيج السوري

سيقتضي هذا دورات تدريبية في كل الولايات و جزئياتها و في كل الدولئر الصغيرة لاعادة تربية الروح المدنية لدى المواطن ليحترم الاخر و يكون هناك اسلوب اخر غير الاحتقار و البيروقراطية التي عرفتها سوريا.

سيكون هناك امكانية مراقبة السلوكيات فهي التي ستؤثر على نسبة نجاح العملية.

نعتمد الاستيحاء من النجربة الالمانية التي انتهجت اسلوب اثبت نجاحه :

مثلا الاستيحاء من اسلوب التنظيم و مؤسسات الدولة الالمانية

مثلا  ان يكون البرلمــان الاتحـــادي اي  المجلـــس التشــريعي المعـــد لحمايــة مصـــالح الولايـــات، لا يتكون من اشخاص منتخبين مباشرة ولكن من اعضاء حكومات الولايـات، وبـذلك فـأن هـذا المجلـس يكون مهامه اقرب الى المراقبة منه الـى المشـاركة فـي العمليـة التشـريعية، اذان كـل عضـو يحـرص على حماية حقوق اقليمه من أي تجاوزات

مهمتـه الاساسـية هـو ان يضـمن تنسـيق العمـل بـين الاتحـاد والاقـاليم بشـكل يحـول دون حدوث تناقض كبير لا يمكن اصلاحه وقد يخل بوحدة البلاد.

بالتالي يجب ايجاد مواد دستورية  تمنع أي تعديل في الدسـتور يرمـــي الـــى الضـــرر بمبـــدأ المشـــاركة والاســـتقلال للولايـــات السوري.  فـــي ادارة الدولـــة فالولايـــات ستكون بمثابة  دول ذات سـيادة، وتبـرز هـذه السـيادة مـن خـلال الصـلاحيات التـي يمنحهـا الدسـتور.

الدسـتور سينــنص علـى اســتقلال الولايـات وعلــى توزيـع الصـلاحيات بينهــا وبـين الدولــة المركزيـة. وقــد تجعل من خصوصيات و  مـــن اختصـــاص الولايـــات اساســـاً لهـــذا التوزيـــع. فالـــدول او الولايات الاعضـــاء تتمتـــع بكامـــل الصـــلاحية الاداريـــة وبأستقلال تام في الامور المالية. اما في التشريع فأن هناك مجالاً تشـريعياً خاصـاً للدولـة المركزيـة لا تسـتطيع الولايـــات الـــدخول فيـــه الا اذا خـــولتهم الســـلطة المركزيـــة ذلـــك. ويـــدخل فـــي هـــذا الاطـــار التشـــريعات الخاصـــة بالشؤون الخارجية، الجنسية وحرية التنقل داخل وخارج الاتحاد وعدد من الشؤون الاقتصادية و الضريبية و التنقل و غيرها.

امــا فيمــا يتعلــق بتنفيــذ القــوانين الفيد ارليــة، فالمبــدأ هــو ان تنفيــذ القــوانين يعــود للولايــات مــا لــم يقــرر الدستور عكس ذلـك،لكـن الدسـتوريمـنح الحكومـة الفيدارليـة سـلطات تنفيذيـة علـى الصـعيدالاداري.

فالحكومـة الفيدارليـة تمتلـك السـلطة التنظيميـة وتأخـذ قرارتهـا بشـكل اوامـر اداريـة عامـة.

كمـاان الحكومـة تتمتـع بسـلطة  الرقابة على تنفيذ القوانين الفيدارلية ،ومع هذه الصلاحيات فأن  على الدولة المركزية حريصـة علـى احترام اسـتقلالية  الــدول الاعضــاء ولا تحــاول التجــاوز عليهــا، فهــي لا تلجــأ الــى سياســة اصــدار اوامــر ملزمــة لحكومــات الــدول الاعضاء. بل تسعى الى اعتماد اسلوب المفاوضات والتنسيق معها،

مخاف من التجربة العراقية:

يجب الا نجر لفيديرالية كتلك التي انجر اليها العراقيون ، في العراق الاقليم الكوردي كان منعزل من ١٤ عام اما الكورد في سوريا فهم مندمجين مع المجتمع لان تركيبته ليست عشائرية كالعراق و هذا واقع ، هناك كورد سوريين في مناطق اهملت من النظام يطالبون بالانفصال و لكن هذا ليس حل لهم الان في هذه الظروف الماساوية و نحن نؤكد باننا مستعدين لبحث مشروع انفصال ان توافقوا فيما بينهم ( بهدف عدم تحويل سوريا لعراق جديد)

حاليا يجب ان نطرح الفيديرالية ضمن سياق عودة الحياة الدستورية للبلاد لضرورة لا مركزية دولة شديدة المركزية

سيضطر الامر للتهيئ القانوني لهذا جديا. و يجب عدم حرق المراحل.

اهم ما في الموضوع ان يستشار سوريين خبراء بمناطقهم علميا  بما يخص بلادهم و الا تفرض علينا حلول خارجية توقعنا بكارثة لا نهاية لها.

الفيديرالية هي اتحاد دول و هي كادت تكون حاجتها  في سوريا  مجرد لا مركزية ادارية  متطورة على الطريقة الفرنسية و لكن واقع الاحداث  و تمزيق البلاد و تقسيمها الطائفي الحاصل الان يجبرنا ان نبحث الموضوع و كاننا نريد  اقناع المتمزقين بان يتحدوا طوعا

الفارق بين العراق و المانيااو سويسرا او بلجيكا   مع سوريا هي ان تلك البلاد كانت فعلا الاقاليم تعيش بمعزل عن بعضها بدون اختلاط جغرافي كبير اما سوريا فلا يوجد اقاليم كبيرة و دويلات منفصلة عن بعض

التوزع السكاني للطوائف ممتزج ببعضه و القرى المسيحية مثلا تتواجد متوزعة بين القرى الغير مسيحية و كذلك العلوية و غيرها

الخطر الذي يحدق بالديموقراطية هو كثرة النزعات الدينية و الطائفية و القومية و هذا الذي يجب على الدولة القادمة ذات سيادة القانون ان تحتضنه و تواجهه بحكمة و دون عنف بل بسياسة مدروسة

بالتالي اللامركزية تحت مسماة الفيديرالية التي نطرحها لسوريا يجب ان تكون في بداياتها مركزية بممارستها لوضع السلك الاداري على عجلة صحيحة بمنهجية ( الفيديرالية الاميركية مركزية و الفيديرالية السويسرية مركزية) و كذلك لوضع سوريا هلى طريق الحياة الدستورية الجاد.

لا يمكن بين ليلة و ضحاها ايجاد الدولة اللامركزية التي تمشي فيها الادارات بشكل مستقل كعقارب الساعة  كما هو الحال في المانيا يجب القبول بان عملية التطبيق يجب ان تمر بمراحل زمنية و تطويرية مكلفة للدولة حيث ان السلك الاداري يجب تحضير ليمكنه تطبيق.

المشكلة التي نواجهها في مجتمعاتنا النامية هي ليست بسن القوانين بل بروح التطبيق و عقلية التطبيق و العقلية التي ننطلق منها في الجبهة اقصد العقلية المحايدة و المتسامحة و المنطلقة من تطوير المصلحة العامة للحصول على مصالح الجميع الخاصة و تنظيف البلد من الثقافة الفسادية و البحث عن الربح السهل و كذلك الفكر الانتاجي و اهمية  العمل المتقن الانتاجي ..الخ كل هذا سيتطلب منا ان نبثه و نعمل على ايجاده لكي تتطبق الفيديرالية بتلك الروح لنطوي صفحات الماضي

كلنا شركاء

 

 

 

مكاسب الهدنة/ فاطمة ياسين

اقتصر إعلان وقف الأعمال العدائية في سورية على شخصَي وزيري الخارجية الروسي والأميركي، من دون وجود عسكري أو سياسي يمثل أياً من الأطراف التي ستلتزم بهذه الهدنة، وبغياب مسؤولي الدول الإقليمية التي تدعم الأطراف المتقاتلة على الأرض.

كان واضحاً أن روسيا وأميركا تمتلكان ما يؤهلهما لإقرار إعلانٍ من هذا النوع، ولديهما الضمانات الكافية بأن ما سيتم إقراره سيجري التقيد به، وظهورهما منفردين يؤكد أنهما يأخذان الأمر على محمل الجد، وأن ثمة هدوءاً سيعم جبهاتٍ بعينها. تفيد تقارير الأيام الأولى بأن الالتزام كان جيداً بالقياس على ما كان يجري قبل إعلان الهدنة، وأبدى مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، سعادة أممية بالهدوء الأخير، وأظهر تفاؤلاً دولياً باستمرار هذا الركود العسكري الذي سيمهد لتنفيذ خطته التي أقرها مجلس الأمن في قراره رقم 2254 .

إعلان الهدنة المقترن بصرامة عضوين من أعضاء مجلس الأمن الدائمين جاء بعد فشل افتتاح مؤتمر جنيف الثالث، الذي جعل دي ميستورا حينها يضطر للتأجيل منعاً للحرج الذي سيسببه إعلان الفشل النهائي، خصوصاً إذا تذكّرنا ما رافق المؤتمر، أو حتى ما سبقه، من ضجيج حول عدم الاتفاق على الوفود التي ستحضر، مع الإصرار الروسي على أسماء محدّدة، وطريقة محادثات معينة، لكونها، أي روسيا، غير مستعدة أن تخسر على الطاولات الدبلوماسية كل ما حققته من مكاسب عسكرية..

تجاوز بشار الأسد أمر إعلان الهدنة، وصرّح، خارج السياق، عن نيته إجراء انتخابات نيابية في إبريل/ نيسان! متجاوزاً أحد أهم بنود قرار مجلس الأمن، ولم يتلق على ذلك ردوداً “تقريعية” من روسيا على نمط الإهانات السابقة التي وصلت إليه منها.

تعتقد روسيا أن موسم القطاف قد حان، فوقف إطلاق النار يعطي شرعية، وإن كانت معنوية، لنظام بشار الأسد، ما يجعل إصرار الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على أن مكانه الطبيعي خارج النظام وخارج سورية كلها، بلا قيمةٍ فعليةٍ، فالتعامل مع وقف إطلاق النار سيكون مع قوات بشار الأسد بشكل رئيسي، وستلي تحقيق هذا الوقف عمليات إغاثية، قد تحرص روسيا على أن تكون واسعةً، وربما سيساعد على توسيعها ثباتُ وقف إطلاق النار، ما يعني تعاوناً دولياً جديداً مع نظام الأسد، وإعادة تلميعه على أرضية المساعدة في العمليات الإنسانية، بعد أن تتراجع أخبار البراميل والقتل الجماعي.

لكن حقيقة الأمر أن روسيا ترغب من وراء “وقف الأعمال العدائية” أكثر مما يظهر، فهي تراهن على زيادة الانقسامات الداخلية في صفوف المعارضة الرئيسية للنظام، وربما تطمح إلى تحويل هذه المعارضة إلى مجرد شظايا، فتصبح الجبهتان الوحيدتان العدوتان هما تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وبعد أن تستجمع قوات النظام نفسها قد تبدأ هجوماً، بمساعدة الروس، على تنظيم الدولة في الرقة، وقد يسبقه هجوم على التنظيم في جبهة تدمر الأضعف، عندها تتحول القضية السورية برمتها إلى مجرد حرب ضد الإرهاب..

أما الجائزة الكبرى لروسيا فهي عزل تركيا وإبقاؤها على الطرف الآخر من الحدود مع استمرار اعتراضات كلامية لمسؤوليها يملأ صداها فراغ خلفه غياب أصوات المدافع.

أعلن دي ميستورا السعيد بهدوء بعض الجبهات أن المفاوضات ستعود في السابع من شهر مارس/ آذار الحالي، وسيكون المتغير الوحيد، عند بدء الجولة الجديدة من المفاوضات، هو الكسب المعنوي الذي حققته روسيا، فيما بقي كل شيء على حاله في الميادين الأخرى، كالخلاف على أسماء الوفود، وبند المعتقلين، وبند مصير الأسد الذي تحول إلى مجرد بلاهةٍ خطابيةٍ بدون محتوى عملي، الأمر الذي يُظهر أميركا في موقع المتواطئ، خصوصاً بعد تراجع تركيا والسعودية عن تصريحاتهما بشأن التدخل البري، والرمي به خلف إعلان الهدنة الذي يثبِّت فيه النظام أقدامه على الأرض التي اكتسبها في الهجمات العسكرية الروسية الأخيرة، وفي الوقت نفسه، يأخذ الطيارون الروس جرعة تنفس واستجمام على الشاطئ الأزرق، وكأن المطلوب من وقف الأعمال العدائية الإفادة من بريق الكلمة، للتخلص من وزر أخلاقي كبير.

العربي الجديد

 

 

 

سوريا وشبح التقسيم/ د. رياض نعسان أغا

أطلق نائب وزير الخارجية الروسي بالون اختبار بتصريحه حول جدوى تطبيق الفيدرالية في سوريا مستقبلاً، وأطلق وزير الخارجية الأميركي تحذيراً من التقسيم عشية انطلاق الهدنة المؤقتة، بينما أطلق مجلس الأمن تأكيدات في قراره 2258 على قراره المؤسس للمفاوضات (2254) التي تهدف إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية، وكانت كل قرارات مجلس الأمن التي وقعت عليها روسيا وأميركا وأعضاء مجلس الأمن تؤكد وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وتعلن أن السوريين وحدهم هم الذين يقررون مستقبلهم ويختارون شكل الحكم الذي يريدون والدولة الجديدة التي سيبنون. ولكن التصريحات المتلاحقة تخالف ذلك وتجس نبض الشعب السوري حول موقفه المتوقع من تفتيت سوريا مرة عبر انزلاقات «فيدرالية» سرعان ما قد تتطور إلى «كونفيدرالية» ثم إلى التقسيم الذي يريده بعض الموالين للنظام السوري الراهن كي يضمنوا بقاء مناصبهم التي تحميهم من المساءلة وتشبع شهوتهم للتسلط على الشعب.

ويبدو أن فاعلية الشعار الشهير «الأسد أو ندمر البلد» قد تحققت بدمار البلد ونزوح الملايين من شعبه، ولكن بقيت الأرض، لهذا يتم التمهيد لشعار جديد «الأسد أو نقسّم البلد»، والمؤسف أن موضوع التقسيم كان الحل المقترح الخفي من أول يوم ظهرت فيه الاحتجاجات قبل أن تتطور إلى مواجهات عسكرية. وقد كنت أسمع من دوائر مهمة قريبة جداً من مركز القرار همسات تردد «لا حل إلا بالتقسيم»، وكنت أقول لهم «هذا يعني إما أن تحكموا سوريا أو تنفصلوا عنها»! وقد سبق أن قسمت سوريا في عهد الانتداب الفرنسي، ولكن الشعب كله رفض ذلك، ولم يتفاعل أحد مع التقسيم، وهذا ما سيحدث الآن بعد مئة عام من تجربة فاشلة إذا فرضته قوى دولية وساندته مجموعات صغيرة من طوائف أو أقليات متورطة في الدم السوري وتخشى المحاسبة، أو أنها لم تعد قادرة على العودة إلى موقع المواطن بعد التعود الطويل على دور الحاكم المستبد.

ولا يمكن أن ينجح تقسيم في سوريا لأن شعبها يعيش في تمازج كلي، فحتى الأكراد الذين تريد فئة منهم تكوين كانتون كردي في الشمال السوري لا يتفردون وحدهم بهذا الشمال، فهناك العرب وأعراق عدة وقوميات أخرى تعيش في المنطقة منذ مئات السنين، وغالبية الكرد يرفضون الانفصام عن سوريتهم الأصيلة وعن صلتهم الأعرق مع العرب عبر التاريخ كله، وسكان أحياء ركن الدين وحي الأكراد في العاصمة مثلاً، دمشقيون شاميون مثل كل سكان دمشق الأصلاء. والعلويون الشباب يعيشون في دمشق التي ولد غالبيتهم فيها بعد أن هجر آباؤهم جبال العلويين في الساحل ليسكنوا في العاصمة، وصارت جبال العلويين لهم موقع نزهة واستجمام. أما الساحل السوري، ففيه غالبية من أهل السنة، وقد نزح إليه مؤخراً كثير من مؤيدي النظام من السنة ومن سواهم، فضلاً عن الصامتين، ولن ينجح التغيير السكاني إلا بإقدام الانفصاليين على ارتكاب مزيد من المجازر الجماعية تروع السكان ليجبروا على الهجرة إلى تجمعات طائفية، وهذا سيعني حروباً جديدة طويلة ترهق السوريين جميعاً ولن تستطيع الولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل معاً أن توقف شلال الدماء. وسيكون شعور أهل السنة بالمظلومية مريعاً إذا تركوا ضحايا كما حدث في السنوات الماضية التي كان منهجها تشريدهم وتدمير أماكن تجمعهم السكني في المحافظات، وقتل أبنائهم واعتقالهم وتهجيرهم إلى مخيمات بائسة لا يوجد فيها إلى اليوم غير أهل السنة، ومن ثم تحويلهم إلى أقلية في سوريا وهذا ما يوشك أن يحدث! وبعضهم يتندر وسط الأسى، ويقول ربما سيكون من حسن حظنا أن نصير أقلية في سوريا عسى أن نحظى باهتمام دولي وتشملنا الرعاية الأممية!

لقد عاش أهل السنة السوريون منذ الانتداب الفرنسي وهم يحاذرون أن يظهروا أكثرية، حتى بات أحدهم يخجل أن يذكر أنه من السنة، وكانوا يقدمون الشخصيات الوطنية من كل المكونات العرقية والطائفية ويجلونها كما فعلوا مع صالح العلي وسلطان باشا وفارس الخوري ومئات سواهم، وحين ظهر حافظ الأسد رحبوا به ولكنهم ثاروا مرات على الاستهانة بالحريات، ولم تكن القضية الطائفية تعنيهم، وهم الذين أعادوا توحيد سوريا بعد أن قسمها الانتداب. ومرة قلت في مؤتمر رسمي حول ضمان مستقبل الأقليات في سوريا عقد في واشنطن العام الماضي «لقد عشت عمري وهويتي سورية، أنتم الآن تذكرونني بأنني سني». والتقسيم يدمر الهوية السورية، وسيحيي الطائفية رغماً عن كارهيها، وستكون له تداعيات كبيرة وخطيرة في المنطقة. وأما الفيدرالية فالحديث عنها سابق لأوانه، ولا مانع من تعميق اللامركزية ومن تمكين الإدارة المحلية، وهذه أمور تترك للدستور القادم، لقد خرج شعبنا يطلب الحرية، ولن يقبل أن يكون عقابه تقسيم سوريا ومحوها من الخريطة.

الاتحاد

 

 

تسوية بوتين «الصعبة» تحاصر الأسد وخصومه/ جورج سمعان

الهدنة التي توافقت عليها واشنطن وموسكو آخر علاج للأزمة السورية. فإما أن تجدد المواجهات وإما أن تدفع نحو تسوية سياسية شاقة وطويلة. وهي امتحان للرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين وقدرتهما على فرض وقف النار، وإطلاق المفاوضات المقررة في السابع من الشهر المقبل. للمرة الأولى ستكون القوى الكبرى، أو القوتان الرئيسيتان أمام تحد لفرض إرادتهما على جميع اللاعبين الآخرين، كما كان يحدث أيام الحرب الباردة. فهما اتفقتا وحدهما وقررتا وقف النار وهندستاه وحيدتين. ولن يكون مصير هذا الاتفاق مسؤولية روسيا والنظام السوري وحلفائه فقط. إنه مسؤولية الإدارة الأميركية أيضاً. سيكون عليها أن تثبت ولو لمرة وحيدة في هذه الأزمة أنها تلتزم كلمتها. عليها أن تنتقل إلى الخطة باء إذا انهارت الهدنة. هذا ما لوح به وزير الخارجية فيها جون كيري وأثار حفيظة نظيره سيرغي لافروف الذي لا يستسيغ التهديدات وإن أتت من الدولة العظمى!

لم تكن واشنطن وموسكو في حاجة إلى تدخل أحد في هذا الاتفاق، وحتى الدول الكبرى الأخرى في مجلس الأمن فكيف بالقوى الأخرى إقليمية أو محلية! عليهم جميعاً أن يمهروا تواقيعهم. «الائتلاف الوطني» المعارض نابت عنه الهيئة العليا للمفاوضات. هي العنوان الرئيس، في هذه المرحلة، لغالبية القوى السياسية ومجموعة كبيرة من الفصائل المقاتلة. وبات واضحاً أن دور «الائتلاف» يتلاشى تدريجاً، لئلا يقال أن مهمته انتهت فعلاً بفعل حجم التطورات التي شهدتها وتشهدها الأزمة السورية بعد التدخل الروسي الكبير وما خلف من تداعيات عسكرية وسياسية. حتى اجتماعه الذي كان مقرراً في إسطنبول لانتخاب رئيس وهيئات جديدة أرجئ إلى أجل مفتوح بلا موعد جديد! وليس النظام أفضل حالاً. فالرئيس بشار الأسد الذي كان يهدد بأن لا تسوية قبل استعادة السيطرة على أراضي البلاد كاملة، اتصل بالكرملين مبدياً التزامه الهدنة. وكان سمع ردوداً قاسية من موسكو على مواقفه. ولن يكون أمامه قريباً، إذا انطلق قطار المفاوضات في جنيف، سوى إلغاء الانتخابات النيابية التي دعا إليها في 13 نيسان (أبريل) المقبل… وإن كانت «حقاً دستورياً» كما عبرت المستشارة الرئاسية بثينة شعبان! الانتخابات بند في خريطة طريق نص عليها القرار 2254 وكانت موسكو سوقتها في لقاءي فيينا. وقد لا يبدي الأسد ارتياحاً كبيراً لإمساك القوات الروسية بغرفة العمليات وإمرة القيادة والتعامل المباشر مع القادة الكبار وإعادتها الاعتبار إلى بعض الجنرالات الذين قد يساهمون يوماً بالتسوية على طريقتهم!

التحكم بمسار الأزمة ومآلاتها لم يعد ملك اللاعبين المحليين. حتى اللاعبون الإقليميون الكبار يشعرون بضيق الخيارات أمام ضغوط واشنطن وموسكو. وعندما تتدخل الآلة العسكرية الروسية لإنقاذ النظام بعد عجزه وحلفائه، تكون الإمرة والقرار لصاحب الآلة. وبالتأكيد يشعر الرئيس بوتين بالنشوة عندما يتحدث إليه نظيره الأميركي للتوافق على الهدنة. يرمي إلى أبعد من ذلك. هدفه أن تنخرط القوتان الكبيرتان مجدداً لتسوية أزمات كثيرة. قد لا يكون في حاجة إلى اعتراف بشرعية ضمه شبه جزيرة القرم، بقدر حاجته إلى رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا. هذا الحصار لا يؤلمه اقتصادياً فحسب، إنه يجرح كبرياء بلاده. فهي ليست بلداً صغيراً من بلدان العالم الثالث لترضخ للعقاب. رأى إلى العقوبات نوعاً من الحرب، ولم يكن أمامه سوى رفع التحدي. استعجل ملء الفراغ الذي خلفه انكفاء أميركا عن المنطقة عموماً ومحاذرتها التدخل في سورية. وهو يدرك أن المتضررين من تمدد إيران في الإقليم لا يضيرهم في نهاية المطاف أن تحل موسكو محل طهران. فهذه يصعب التفاوض والمساومة معها، بخلاف تلك التي تملك ما يمكن أن تقايض به هنا وهناك. أفاد من تخلي الأميركيين عن ربط قضايا المنطقة وعلى رأسها تدخلات الجمهورية الإسلامية في المفاوضات النووية. كان على واشنطن أن تضغط لوضع التدخلات بنداً على طاولة التفاوض لإبرام تسوية للبرنامج النووي. لكنها لن تفعل. لذلك، خسرت مرتين. مرة أمام إيران التي تواصل حروبها في الإقليم، ومرة أمام روسيا التي عادت لاعباً رئيسياً في المنطقة. وكل ذلك على حساب المصالح الأميركية.

لا يرغب الرئيس بوتين في حرب طويلة في سورية. همه إعادة بناء المؤسسة العسكرية. ويعرف أن ما حقق لها حتى الآن من إنجازات على الأرض بالكاد يمكنها الحفاظ عليه. لذلك، وضع ثقله وراء الهدنة. حتى استفزازه تركيا وضع له سقفاً. لم يرد إحراجها وإحراج شركائها العرب لإخراجهم. لم يبالغ في إغضابهم. جمد تسليم إيران صواريخ «إس 300». وقف في منتصف الطريق، بخلاف رغبة دمشق وطهران. لم يواصل حملته لإقفال الحدود مع تركيا. ولم يكمل الحصار على حلب. ولم يغب عن ذهنه ربما احتمال لجوء واشنطن إلى «الخطة باء». مثلما لا يغيب عن باله وجوب إدارة الأزمة بالتوافق مع الغرب فلا يضطر إلى التعامل مع إدارة جديدة مطلع السنة المقبلة قد لا تتيح له ما كان في عهد الرئيس أوباما. لذلك، لم يرق لوزير خارجيته أن يلوّح نظيره الأميركي بخطة بديلة عن الهدنة. ولا تحتاج موسكو إلى التحري عن هذه الخطة. لا حرب بين الكبار بالتأكيد. لكن الولايات المتحدة يمكنها رفع الحظر عن بعض الأسلحة الفعالة لفصائل في المعارضة السورية يمكنها أن تعيد نوعاً من التوازن على الأرض. وأن تغض الطرف عن مد قوى إقليمية أخرى هذه الفصائل بأسلحة لمواجهة الآلة الجوية. مثلما يمكن واشنطن أو حلف «الناتو» توفير غطاء لعمليات برية تشنها قوات خاصة تركية وسعودية شرق سورية وشمالها تحت راية التحالف لمحاربة الإرهابيين. في مثل هذه الحال، وتحت هاتين «الرايتين»، الأطلسية والتحالف، لا يمكن روسيا أن تبادر إلى المواجهة. فلا شيء يوحي بأن أميركا تراجعت عن رفضها إقامة منطقة آمنة أو منطقة حظر للطيران.

الهدنة الموقتة تضع صدقية الرئيسين الأميركي والروسي على المحك. أوباما لا يرى نهاية لدولة «داعش» إلا بالقضاء على الفوضى في سورية. وبوتين يعرف أن التسوية السلمية لهذه الفوضى ستكون صعبة، ولكن لا حل سواها. والمهم في الأيام المقبلة أن تصمد الهدنة وتصبح وقفاً دائماً للنار لإطلاق عملية تفاوض جدية وشاقة. سيكون على جميع المعنيين تقديم تنازلات مؤلمة. وهذه مهمة الرئيسين لإظهار مدى قدرتهما على فرض الحل. والمسؤولية الكبرى تقع على عاتق موسكو التي باتت اللاعب الأكبر على الأرض. سيحتم عليها ضربها بعض فصائل المعارضة، والتزام بعضها الآخر شروط التسوية مهمة حل الميليشيات الداخلية وترحيل الخارجية التي تؤازر النظام، إذ لا معنى في أن تنصرف إلى إعادة تأهيل المؤسسات العسكرية والأمنية، وترميم علاقاتها بدول عربية فاعلة، فيما تشكل الميليشيات جيشاً رديفاً يبقي بلاد الشام في فلك الجمهورية الإسلامية. ولا يمكنها أيضاً، كما الولايات المتحدة وأوروبا، أن تتنصل من المسؤولية الأخلاقية عما يدور من مآس ومجازر وتهجير وتدمير في سورية.

تسوية بوتين «الصعبة» تحاصر المعارضة وتهددها بمزيد من الغارات، مثلما تحاصر الأسد وحلفاءه. فالميليشيات التي تؤازر النظام ستغادر الميدان السوري إذا انطلق قطار التسوية. وإذا كانت عودة بعضها العراقي والأفغاني لا تشكل هماً لإيران، فإن عودة «حزب الله» إلى أرضه بعد إخلاء الساحة السورية لروسيا قد تفاقم الوضع الداخلي في لبنان. ستحرص طهران على تعويض ما قد تخسره في دمشق. ستزداد وطأة يدها على بيروت التي تعاني اليوم من أزمتين مصيريتين. قد يكون من باب المصادفة أن تهب في وجه حلفاء إيران في بيروت أكثر من عاصفة. فليس قليلاً أن يعيش لبنان على وقع أزمة غير مسبوقة في علاقاته مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً، بسبب سياسة خرقاء لحكومة يقبض «حزب الله» على عنقها. أزمة تهدد آلاف العائلات بلقمة العيش وتفاقم الأزمة الاقتصادية. مثلما تهدد الإجراءات الأميركية لمحاصرة الحزب مالياً بضرب القطاع المصرفي. الصدمتان الأخيرتان هزتا الساحة السياسية الراكدة والمستسلمة، واستنفرتا أنصار إيران التي لن ترضخ بتسليم كل أوراقها. لذلك، على اللبنانيين ألا يعلقوا آمالاً كبيرة على حل أزماتهم على وقع مسيرة التسوية في سورية. لن يكونوا بمنأى عن «الصعوبات» والجراحات لرتق الخريطة السورية، خصوصاً مع شعور «حزب الله» بأن معركة حصاره قد بدأت… وقد تتفاقم إذا بدلت نتائج الانتخابات الإيرانية المشهد السياسي ومنحت الرئيس حسن روحاني حرية أكبر لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الغرب ودول الجوار. وهي صفحة لها شروط وموجبات أولها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

الحياة

 

 

 

هل هذه فعلاً بداية النهاية للصراع على سوريا؟/ د. بشير موسى نافع

دخل الاتفاق على ما سمي بوقف «الأعمال العدائية» في سوريا حيز التنفيذ منتصف ليلة 26 فبراير/ شباط. خلال الأيام القليلة التالية، كانت الأوضاع على الأرض تشير إلى تراجع ملموس في حدة الاشتباكات، بالرغم من أن قوات النظام والطائرات الروسية قامت بخرق الاتفاق في أكثر من موقع. قبل ذلك بيوم واحد، بينما كان مجلس الأمن الدولي في طريقه للتصويت على قرار الهدنة المؤقتة، المتفق عليه أميركياً وروسياً، أعلن أكثر من تسعين تنظيما مسلحا، معارضا للنظام، التزامه بالاتفاق. كما أعلن نظام الأسد في دمشق تعهداً مشابهاً.

في الإطار العام للأزمة السوريا باهظة التكاليف، إنسانياً وعلى جميع المستويات الأخرى، يعتبر وقف الأعمال العدائية خطوة كبيرة على طريق التسوية السياسية. ما تأمل به الجهات الداعية للحل السياسي أن يضع الاتفاق حداً لاستهداف المدنيين، أن يوفر ممرات آمنة لإغاثة المناطق المحاصرة، وأن يصنع مناخاً أقل عدائية، يساعد على بدء تفاوض جاد في مباحثات جنيف الثالثة. ولكن أدلة عديدة تشير إلى أن الاتفاق قد يكون فجراً كاذباً، وأن القوى الدافعة لاستمرار الصراع لم تزل فاعلة.

ليس ثمة ما يبعث على الأطمئان بأن اتفاق وقف الأعمال العدائية سيصمد طويلاً. الاتفاق أصلاً ليس مقرراً له الاستمرار أكثر من أسبوعين. وباستثناء مناطق سيطرة تنظيم الدولة وجبهة النصرة، التي تتداخل مع مناطق سيطرة قوى المعارضة الأخرى، التي تسمى الآن بالمعتدلة، من الاتفاق، سيصعب مراقبة ما إن كانت غارات طائرات النظام الطائرات الروسية تستهدف هذه الجهة أو تلك. كما أن مصادر النظام ألمحت إلى استثناء آخر من الهدنة، يتعلق بداريا ومناطق ريف دمشق المحيطة بها.

في حال استهداف هذه المناطق، المحاصرة بصورة بشعة منذ سنوات، سيصعب تصور قدرة مجموعات الثوار على ضبط النفس. أحرزت قوات النظام، والميليشيات الشيعية والكردية التي تقاتل إلى جانبها، مدعومة بالطيران الروسي، تقدماً ملموساً في ريف حلب الشمالي وبعض مناطق ريف حلب الشرقي وريف اللاذقية خلال الشهرين السابقين على إعلان الهدنة. ولكن النظام لم يحكم سيطرته بعد على خطوط الإمداد عبر الحدود التركية، ولم ينجح بعد في حصار حلب؛ إضافة إلى أن قيام تنظيم الدولة بقطع الطريق الرئيسي إلى حلب، قبل أيام من سريان الهدنة، وجه ضربة موجعة لجهود النظام العسكرية في المنطقة الشمالية. وليس من المتوقع أن يلتزم النظام التزاماً جاداً بالهدنة بينما تتأرجح إنجازاته العسكرية الأخيرة في الميزان.

بيد أن هناك مخاطر أخرى تواجه استقرار حالة الهدنة ووقف الأعمال العدائية. فمنذ بداية هذا العام، وبفعل دعم تسليحي ملموس من الولايات المتحدة وروسيا ونظام الأسد، وتنسيق عملياتي مع القوة الجوية الروسية في سوريا، نجحت الميليشيات الكردية في إحراز تقدم عسكري ملموس غرب الفرات، سيما في ريف حلب الشمالي. بهذا، أصبحت الميليشيات في تماس مع تركيا على طول قطاع كبير من الحدود السوريا ـ التركية. ولم تخف تركيا، التي لم تتوقف عن قصف مواقع الميليشيات الكردية طوال عدة أسابيع، أنها لا تعتبر الهدنة ملزمة في التعامل مع هذه الميليشيات، تماماً كما أنها غير ملزمة في الحرب ضد تنظيم الدولة.

في التصنيف التركي، لا تقل الميليشيات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا إرهاباً عن تنظيم الدولة. وبالنظر إلى أن الميليشيات الكردية تخوض حرباً متعددة الجبهات، سواء ضد تنظيم الدولة أو قوى المعارضة السوريا الآخرى، وأنها تعمل جاهدة لتأسيس اتصال بين المناطق الكردية شمالي شرق وغرب سوريا، بأقل تواجد ممكن للسكان العرب في هذه المناطق، فإن معجزة فقط يمكن أن تلزم هذه الميليشيات بالهدنة. إلى جانب ذلك كله، فإن موقف إيران، التي تقاتل قواتها إلى جانب النظام على الأرض، من الهدنة ليس واضحاً.

هذا على المستوى التكتيكي البحت لمصير اتفاق الهدنة. ولكن ثمة ما هو أكثر أهمية وأبعد مدى ودلالة. فمن ناحية، ليس ثمة ما يشير إلى أن هناك أي تقارب محتمل بين تصور قوى المعارضة وتصور الأسد والمجموعة الملتفة حله للحل السياسي. ترى المعارضة أن الحل الوحيد الممكن للصرع المحتدم هو في تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، بدون وجود النظام الحالي وقادته، تقود سوريا إلى حقبة جديدة كلية، بينما يرى الأسد أن المفاوضات ستوفر له فرصة تأمين حكمه واستمراره، بتأييد، أو على الأقل قبول، دولي. ثمة عاملان رئيسيان سيحددان مصير هذا الافتراق في تصوري الطرفين، وما إن كان مستقبل سوريا سيميل نحو تصور هذا الطرف أو ذاك: الأول، ويتعلق بتوافق القوى الدولية؛ والثاني، ويتعلق بالتوازنات العسكري بين النظام وقوى المعارضة.

خلف كل الجدل حول التدخل الروسي المباشر في الأزمة السوريا، يغفل كثيرون العلاقة الوثيقة بين هذه الخطوة الروسية الكبيرة والصراع على أوكرانيا. سوريا، من وجهة النظر الروسية، هي رد أتاحته الظروف على الخسارة المؤلمة في أوكرانيا وورقة مساومة مناسبة على حدود النفوذ الغربي المحتمل في الجوار الروسي اللصيق. وبالرغم من أن لكل تدخل عسكري من نهاية، فلم يزل بإمكان روسيا مواصلة الدور الذي تلعبه في سوريا لعدة شهور أخرى على الأقل. من جهة أخرى، ليس في وارد إدارة أوباما لا التدخل في سوريا، لا ممارسة ضغط ملموس على روسيا لإيقاف تدخلها، ولا المساومة على أوكرانيا. سوريا، بالنسبة لواشنطن، ليست موقعاً استراتيجياً، ولا تمثل تهديداً مباشراً للأمن الأميركي. في الرؤية الاستراتيجية الأميركية الأوسع للشرق الأوسط، طالما استمر التوازن بين المعسكرين الشيعي والسني، ووجدت القوى المحلية ذات الاستعداد لمحاربة تنظيم الدولة، فليس ثمة ما يدعو للتورط في الأزمة السوريا. هذا التباين بين موقفي ودوري واشنطن وموسكو ينعكس بالضرورة على مواقف وأدوار القوى الإقليمية. فالحشد الإيراني لدعم نظام الأسد مستمر، بينما تبدو السياسة التركية والسعودية تجاه الأزمة أكثر ارتباكاً وتردداً.

ليس ثمة ما يشير إلى حسم عسكري ممكن، أو حتى انقلاب مفاجيء في ميزان القوى العسكري. يلعب الخلل في الموقفين الدولي والإقليمي دوراً هاماً، بالطبع، في الحفاظ على خطوط النظام العسكرية، بل ونجاحه، وحلفاؤه، في تحقيق بعض المكاسب مؤخراً. ولكن المسألة الأهم، في الحقيقة، المسألة التي شابت قوى الثورة السوريا طوال الأعوام القليلة الماضية، هي حالة التشظي واسعة النطاق في معسكر المعارضة العسكرية. كان من المفهوم، بالتأكيد، أن تتعدد الجماعات المسلحة المناهضة للنظام في 2012 و2013؛ إذ لم يكن الذهاب للسلاح خياراً مركزياً للثورة، بل رد فعل محليا في أغلب الحالات على بطش النظام وعنفه الوحشي ضد الشعب وانتفاضته السلمية. ولكن إخفاق الجماعات المسلحة في تشكيل إطار موحد، بالرغم من بعض الجهود التي بذلت بهذا الشأن، شكل، ولم يزل، قصوراً بالغاً في أداء قوى الثورة. وبتحول الثورة إلى ما يشبه حركة التحرر الوطني ضد نظام متواطيء مع احتلال أجنبي، أصبح هذا القصور أكثر فداحة. كيف يمكن لأكثر من تسعين جماعة مسلحة الانتصار في حرب ضد نظام يقود أقلية متماسكة، تسنده جبهة إيرانية، مسكونة بهيستيريا طائفية، وقوة دولية لا يستهان بإمكاناتها العسكرية؟ ولا يقل خطراً أن هذا التشظي ترك هامشاً لا يستهان به لتواجد ونمو وانتشار جماعة الدولة.

في ظل خلل كهذا في المواقف الدولية والإقليمية، وتراجع الضغوط العسكرية على الأرض، معجزة فقط ستحول أسبوعين من وقف الاعمال العدائية إلى هدنة جدية، أو تدفع النظام إلى المفاوضات لإيجاد حل مقبول من عموم الشعب وقوى المعارضة.

إن كان ثمة من يقين، فلابد أن الصراع على سوريا مرشح للاستمرار. ولكن هذه لم تعد ثورة ضد نظام طاغية مستبد وحسب، بل ونضال تحرر وطني ضد قوى محتلة. وفي النهاية، ومهما طال هذا الصراع، سيذهب من وفدوا إلى سوريا من بعيد كما جاءوا، ولن يتبقى إلا أصحاب البلاد والأرض، سوريين، أتراكاً، وعرباً.

٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

القدس العربي

 

 

 

 

 

أهوال وقف النار/ غسان شربل

وقف النار لا يقل خطورة عن إطلاق النار. جحيم المعارك يمنع الرؤية ويحجب الصورة. يشحذ الأحقاد والآمال. استحالة الضربة القاضية تذكر بالتوازنات المريرة. صمت المدافع والبراميل يفتح العينين. يضع من كان يوصف بالمواطن وجهاً لوجه أمام ما كانت توصف بأنها بلاده. أمام ما تبقى منها. ابتهاج الناس باستراحة آلة القتل لا يلغي حقيقة مدمرة. الشهيد الأول في سورية اسمه سورية.

وقف النار مطلوب لكنه رهيب. يسمح للمواطن بالشروع في الإحصاءات. المدن التي اغتيلت. البلدات التي تبخرت. القرى المسكونة برائحة الموت والغياب. ستتذكر عائلة ابنها الذي ذهب ولم يعد. ابنها الذي لن يعود. ستتذكر نصفها التائه في أوروبا أو مخيمات الدول المجاورة. ستتحسس أم صورة نجلها الذي أخذوه. ستصلي لعودته وهي تعرف أن شمس عمرها ستغرب من دون أن تعانقه.

وقف النار رهيب. سيتحدث السوريون تحت أطلال منازلهم عن نهر من القتلى. وبحر من الجرحى والمعاقين. وعن اللاجئين الذين يتعلقون بأطراف مركل هرباً من قسوة بلاد الأمويين. عن لاجئين سيطول انتظارهم لأن إعادة إعمار سورية أكبر بكثير من قدرة الذين منعوا حسم الحرب.

وقف النار رهيب. لأن الحرب ستستمر تحت عناوين أخرى. لا «داعش» يرف له جفن إذا تدمر ما بقي. ولا «النصرة» يرف لها جفن. ثم أن سورية الجديدة التي ستولد من المفاوضات ومناوراتها وأفخاخها قد لا تستحق هذا البحر من الدم والركام.

أنا لا ألوم السوريين الذين ارتكبوا حلم التغيير وتدفقوا إلى الشوارع والساحات. هذا حقهم وقرارهم. لكن مسار الأحداث أوقعهم في قلب المأساة. اغتال «داعش» وأخواته شعارات التغيير والتهموا مواقع المحتجين ولم يبخل النظام عليهم بالغارات والبراميل.

ذهبت سورية إلى الحرب وخسرت كل شيء تقريباً. حصانتها. وسيادتها. وتعايشها. وقرارها. سقطت تحت وصايات أبرزها الوصاية الروسية. المستقبل السوري يُكتب اليوم بحبر لافروف ومصادقة كيري.

انتهت سورية التي يعرفها القارئ العربي ويحبها. سورية العربية المتعددة التي لا بد من طرق بابها للبحث في مستقبل الأمن والاستقرار في جوارها. سورية التي يتقاطر إليها المسؤولون الأجانب للبحث في تسوية النزاع العربي – الإسرائيلي أو أمن العراق واستقرار لبنان. سورية التي كانت لاعباً صارت ملعباً. كل أنواع المقاتلين على أرضها. كل أنواع الطائرات في أجوائها.

يذهب المقاتلون إلى الحرب مجروحين أو حاقدين. يطلقون الرصاصة الأولى مثقلين بأحلام واسعة وأوهام كثيرة. يراهنون على الضربة القاضية. وإسقاط النظام. وانتصار الثورة. أو إجهاض المؤامرة. وقصم ظهر الإرهابيين. لكن الرصاصة الأولى لا ترسم مسار الحرب. خصوصاً إذا تحصن النظام بمكون وحلفاء، وتحصنت المعارضة بآخر وأصدقاء. وإذا سقطت حصانة البلد واستدعى كل فريق حلفاءه الأقرب إلى ميوله وثاراته ومذهبه ومصالحه. ويزداد المشهد تعقيداً حين يختلط الاقتتال الداخلي بدم الميليشيات العابرة للحدود ومطامع الدول الكبرى ومناوراتها.

لحظة وقف النار بالغة القسوة. في عز الحرب لا يشتهيها أحد من المحاربين. ربما لأنها بطبيعتها تُعلن العجز عن الانتصار. وربما لأنها تشير أيضاً إلى أن النتائج قد لا تبرر الخسائر.

سألت سورياً تحصن في السنوات الماضية بصفة المراقب. قال إن سورية ما بعد وقف النار لن تشبه ما كانت عليه قبل اندلاع النار في أرجائها. شدد على أن أكراد ما بعد وقف النار هم غير الأكراد السابقين والأمر نفسه بالنسبة إلى السنة والعلويين. الجروح كثيرة والمخاوف كبيرة والنسيج تمزق. واعتبر أن بقاء سورية موحدة مرهون بولادة أقاليم معلنة أو مضمرة تقيم في كنف دولة مركزية ضعيفة. شيء من العراق وشيء من لبنان.

قال أيضاً أن نجوم المرحلة المقبلة ثلاثة هم فلاديمير بوتين وأبو محمد العدناني الوكيل السوري للبغدادي وأبو محمد الجولاني. ورأى أن مستقبل سورية معلق بقرارات القيصر. وحده القادر على برمجة جرعات السم وتوزيعها على المدعوين من موالين ومعارضين. على الأعداء والحلفاء. وفي غضون ذلك سيطرح وقف النار على جهات كثيرة سؤالاً بالغ الصعوبة هو «ماذا فعلت في سورية؟».

يبرمج الكرملين لعبة توزيع الطعنات والضمادات والضمانات على اللاعبين المحليين والخارجيين. تحتاج سورية إلى وقف القتل. لكن من المبكر الحديث عن وقف نهائي لإطلاق النار. القيصر يحتاجه للفتك بأعدائه وتقليم أظافر أصدقائه. خسرت المعارضة حلمها باقتحام معقل النظام. خسر النظام حلمه باستعادة كل المناطق. يجمد وقف النار حلم الأكراد باستكمال رسم إقليمهم. حين يقدم لك القيصر كأس السم لا يبقى أمامك غير أن تشرب.

الحياة

 

 

 

وقف إطلاق النار في سوريا يواجه تحديات/ د. لينا الخطيب

في مقابلة أجريت معه أخيراً، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد نيته استعادة كل سورية عسكرياً. أثار هذا الإعلان ما فسر كتوبيخ علني من قبل موسكو، جاء في شكل تصريحات مبعوثها إلى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين. فقال تشوركين في مقابلة مع صحيفة روسية إن بيان الأسد «يتناقض بوضوح مع الجهود الديبلوماسية الروسية»، وأنه «إذا كانت الحكومة السورية… تتبع القيادة الروسية في هذه الأزمة، سيكون لديها فرصة للخروج من الأزمة بكرامة. أما إذا ابتعدت عن هذا المسار… فسيكون هناك وضع صعب من شأنه أن يشملها أيضاً».

قد فسرت كلمات الأسد وتشوركين كمؤشر على وجود صدع في التحالف الروسي السوري. لكن رد تشوركين ليس تأكيداً للشقاق بين موسكو ودمشق. وإنما هو تأكيد تشامخ روسيا على النظام السوري. وبعبارة أخرى، فإنه يضع الأسد في مكانه.

ليست هذه هي المرة الأولى التي سعت فيها روسيا علناً لوضع نفسها في موقف متفوق على الأسد في سياق الصراع السوري. في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، بعد وقت قصير من بدء حملة الضربات الجوية الروسية في سورية، استدعي الأسد إلى موسكو. كان مظهره مقابل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس بصاحب مكانة سيادية بجانب حليف، ولكن بدا كالعميل بجوار سيده.

أصبحت هذه الديناميكية في ميزان القوى الروسية-السورية أكثر وضوحاً في كانون الثاني (يناير) عام 2016، عندما نشر موقع للحكومة الروسية تفاصيل العقد بين موسكو والحكومة السورية المبرم في آب (أغسطس) 2015 في شأن الحملة الجوية الروسية في سورية. ينص العقد على أن «مجموعة الطيران الروسية يجب أن تكون قادرة على عبور الحدود بحرية… ولا تخضع للجمارك أو مراقبة الحدود»، وأن «ليس من حق ممثلي الجمهورية العربية السورية الدخول إلى مكان نشر القوات الروسية من دون اتفاق مسبق مع القيادة الروسية»، وأن «الجمهورية العربية السورية تتحمل المسؤولية لتسوية جميع المطالب التي يمكن طرحها من قبل أطراف ثالثة نتيجة الأضرار الناجمة عن أنشطة المجموعة الجوية الروسية وموظفيها».

وبعبارة أخرى، فإن العلاقة الرسمية بين موسكو ودمشق هي الآن مبنية على الامتثال الكامل من قبل نظام بشار الأسد، وروسيا تذكره بذلك في شكل دوري وعلني.

على رغم خطابه، فإنه من غير الوارد بالنسبة للأسد أن يتصرف بطريقة تعتبر غير مقبولة من قبل روسيا. وقد أكدت موسكو أنه لولا تدخلها في سورية خلال الأشهر القليلة الماضية، لكان لنظام الأسد أن ينهار. هذا التدخل يأخذ المزيد من الشكل العملي مع مرور الوقت، فروسيا توجه العمليات العسكرية من مركز قيادتها في اللاذقية، وكما رأينا في شريط فيديو وزع على الإنترنت، فإنها حتى تقلد ميداليات لضباط الجيش السوري بمثابة مكافأة لأدائهم في المعارك. في الفيديو، يظهر العلمان السوري والروسي جنباً إلى جنب، مما دفع بعض المراقبين إلى تسمية وجود روسيا «احتلالاً».

روسيا تلعب بالتأكيد اللعبة طويلة الأمد في سورية. فقد وجدت في الصراع السوري أداة مفيدة للوقوف في وجه الغرب والحصول على اعتراف من الولايات المتحدة على وجه الخصوص بأنها قوة عظمى عالمية مرة أخرى. وهنا جاءت اتفاقيات وقف إطلاق النار الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة، والتي أبرمت للمرة الأولى خلال مؤتمر ميونيخ وفي وقت لاحق من خلال محادثة بين جون كيري وسيرغي لافروف، لتؤكد لروسيا قيمة موقفها في شأن سورية.

وفيما يأمل الكثيرون أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير سيتم تنفيذه، لا تزال الاحتمالات ضده. إذ تواصل روسيا لعبة القول بعكس الفعل. فهي أطرت توبيخها العلني للأسد لقوله أنه يريد الفوز عسكرياً على أنه تأكيد لالتزامها إنهاء الصراع في سورية. ولكنها تدلي بمثل هذه التصريحات في حين تستمر في شن حملتها الجوية في سورية لاستهداف جماعات المعارضة السورية بحجة محاربة المجموعات الإرهابية.

طالما استمرت هذه الحملة في هذا الشكل، لن تكون هناك إمكانية لوقف إطلاق النار في سورية. القضية ليست مجرد عدم واقعية أن يتوقف المعارضون المسلحون السوريون عن القتال في حين أنهم لا يزالون مستهدفين من الجو. بل هي أيضاً أنه لا يمكن أن يسمح القادة السياسيون للمعارضة السورية بأن تدمر مصداقيتهم من خلال المصادقة على اتفاق لوقف إطلاق النار يتجاهل القانون الإنساني الدولي ويغض النظر عن وضع الجناح العسكري للمعارضة.

نفس الحلقة المفرغة التي شهدناها خلال مؤتمر ميونيخ تتكرر، مع إصرار لجنة المفاوضات العليا للمعارضة على تنفيذ بنود قرار مجلس الأمن رقم 2254 (حول وقف القصف ضد المدنيين، ورفع الحصار، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، والإفراج عن المعتقلين) كشروط لقبول أي اتفاق لوقف إطلاق النار، في حين أن الولايات المتحدة وروسيا تعبران عن الاستياء إزاء وضع مثل هذه الشروط، ومن دون أي انتباه إلى قابلية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه.

اللافت في هذه الديناميكية هو أن المعارضة السورية تتخذ موقفاً حازماً في مواجهة الضغوط من قبل الولايات المتحدة وروسيا، ولكن لا يمكن أن يقال الشيء نفسه عن بشار الأسد. في حين أن المعارضة لديها دعم واسع النطاق من الشركاء الإقليميين، يتكل الأسد الآن في المقام الأول على روسيا. حتى إيران، لسنوات الداعم الخارجي الرئيسي للأسد في الصراع، قد اتخذت الآن المقعد الخلفي نتيجة للتدخل الروسي.

وهذا يعني أنه يجب على من يعول على استغلال الخلافات بين الأسد وروسيا أو على نجاح اتفاقيات وقف إطلاق النار الثنائية إعادة حساباتهم. في حين يجب أن يؤخذ موقف المعارضة السورية ومؤيديها في المنطقة على محمل الجد، فإن جدية روسيا نفسها لا يمكن تحديدها إلا من خلال مراقبة سلوكها لا خطابها. أما بالنسبة للأسد، فالمفارقة هي أنه الآن حشر نفسه في دور مساند في الصراع السوري.

* د. لينا الخطيب كاتبة لبنانية وباحثة في «مبادرة الإصلاح العربي»

المصدر | الحياة

 

 

 

لماذا توبّخ موسكو الأسد؟/ راجح الخوري

أكثر من عشرين خرقاً لوقف النار الهش في سوريا والحصيلة ثلاثون قتيلاً يوم الأحد، لكن كل ذلك لن يغير في النتيجة من التقدم في إتجاه ما يسمى “الخطة ب”، التي كانت دائماً تمثل الأرجحية الأولى في حسابات الجميع؟

ما هي “الخطة ب”؟

انها تضافر أو استعمال القتال والمفاوضات بما يكفل الوصول الى خلاصة واحدة هي التقسيم، فلا روسيا مستعدة للإنغماس في حرب طويلة توقع مئآت آلاف القتلى لإعادة بسط سلطة الأسد على ما خسره من مساحة سوريا وهو ٧٥٪‏ تقريباً، ولا ايران في وارد خوض حرب من هذا النوع، ولا الأسد قادر على الإحتفاظ حتى باللاذقية لولا دعم الروس والإيرانيين، وليس في حسابات أميركا سوى مباركة خطط اسرائيل التي طالما حلمت بمنطقة مقسّمة تجعلها المحور الأقوى في الإقليم.

تقسيم سوريا يمثل جائزة ترضية للنظام ومؤيديه ولو أنكروا، انه جائزة لروسيا التي ستحتفظ بقاعدة على المتوسط وعند شواطىء طرطوس، التي تختزن كميات كبيرة من النفط والغاز، وهو جائزة ترضية لإيران التي قدمت وتقدم تضحيات مالية وبشرية منهكة دعماً للنظام، فإن لم تتمكن من الإحتفاظ بسوريا فعلى الأقل تبقى الدولة العلوية الكوريدور الذي يصلها بالجنوب اللبناني.

والدليل انه عندما قدم الأسد في ١٨ من الجاري تفسيره لموضوع الحكم الإنتقالي في سوريا بطريقة تنسف جنيف والقرار ٢٢٥٤ وشنّ هجوماً عنيفاً على أميركا والغرب معتبراً انها يرعى الإرهاب، لم يأتِه الجواب من واشنطن بل من موسكو وعلى شكل توبيخ صريح او تقريع باغت الجميع.

التقارير الديبلوماسية العليا تقول إن الإتفاق العسكري بين الأسد وروسيا يمنعه من تقديم الإجتهادات التي تتعارض مع نظرة موسكو، ولذلك عندما قال إن الحكم الانتقالي هو فقط الإنتقال من الفوضى الى الإستقرار ومن خلال الدستور القائم، جاءه الرد على لسان فيتالي تشوركين الذي قال: “لا تركّزوا على ما يقوله الأسد بل على ما سيقوم به في النهاية” بما عنى ما سنملي عليه القيام به!

أكثر من ذلك قال تشوركين ما معناه، فقط اذا عمل الأسد بوحي ما تراه موسكو فستكون لديه الفرصة للخروج من الأزمة بكرامة. ميخائيل بوغدانوف بدوره ذكّر الأسد بأن عليه ان يمتثل لتوصيات موسكو “لأن قواته لم تكن لتصمد طويلاً لولا التدخل الروسي”.

لا داعي للتذكير بما سبق الفلاديمير بوتين ان قاله لصحيفة “بيلد” عن الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها الأسد، ولكن من الضروري الإنتباه الى ان التحضير للبدائل في سوريا لن يتوقف عند شخص الأسد بل سيطاول شكل سوريا التي نعرفها، وهو ما يعمّق القلق الإيراني الى مداه الأقصى هذه الأيام!

النهار

 

 

 

لأن العداء مستمر… لا وقف جدّياً للأعمال العدائية/ د. عصام نعمان

كم يبدو الوضع في سوريا سريالياً! قرار مجلس الأمن الدولي 2268 دعا إلى وقف فوري للأعمال العدائية ووجوب التزام الأطراف المتصارعين بالقانون الدولي الإنساني. هل يمكن وقف الأعمال العدائية فيما العداء مستمر ومتفاقم بين الأطراف المتصارعين؟ ثم، هل يعقل أن تقبل أطراف ليست دولاً ولا تعترف بالقانون الدولي الإنساني الالتزامَ بأحكامه؟

قرار مجلس الأمن أكّد على وحدة سوريا وسيادتها، وحق شعبها في تقرير مستقبلها، فلماذا يُوقف الجيش السوري حربه الدفاعية على تنظيمات تقاتله، سواء كانت إرهابية بمفهوم دمشق وموسكو، أم «معارضة معتدلة» بمفهوم واشنطن؟ إلى ذلك، أعلنت تركيا بلسان رئيس وزرائها أن «الهدنة ليست ملزمة، ولا تعني سوى سوريا، وأنه عندما يتعلق الأمر بأمن تركيا لا نطلب أي إذن، بل سنقوم باللازم مع كلٍّ من «وحدات حماية الشعب» (الكردية السورية) و»داعش» عندما نرى الأمر يتطلب ذلك» .

السعودية جهرت وتجهر بعدائها للحكم السوري ودعمها للتنظيمات التي تقاتله. تركيا أعلنت وصول أربع طائرات حربية ومعدات سعودية إلى قاعدة انجرليك، فهل هي طليعة الاستعدادات لتطبيق «الخطة ب» التي لوّح بها وزير الخارجية الامريكي جون كيري؟ وإذا كانت تركيا ستقوم، عاجلاً او آجلاً، بالتصدي لـِ«وحدات حماية الشعب» الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة وكانت أعلنت موافقتها على التزام الهدنة، فماذا سيكون موقف واشنطن؟ وهــــل ستكون ملزمة، بموجب «الخطة ب» (الغامضة) بالتصدي لتركيا في حال دخول جيشها إلى شمال سوريا لمواجهة «وحدات حماية الشعب»؟ وهل، في معمعة الصراع المتواصل بين جميع الأطراف، تنفذ أنقرة مشروعها القديم بإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا؟

أخيراً وليس آخراً، ماذا سيكون موقف واشنطن وموسكو من التنظيمات المقاتلة التي تعتبرانها غير إرهابية بعدما قامت «جبهة النصرة» بإخلاء بعض مقارها ومواقعها في محافظة ادلب وتوكيلها بالحلول محلها؟ هل صفة الإرهاب ستشمل الوكيل الذي يتولى إدارة أعمال الأصيل؟ وهل تقبل دمشق سكوت واشنطن (وموسكو) عن هذا الإخراج المريب لتمثيلية التوكيل؟

باختصار، الهدنة المعلنة في سوريا ستبقى هشّة، متقلقلة وغير ملزمة لمعظم الأطراف المتصارعين، ولاسيما للتنظيمات المتعاونة مع تركيا والسعودية. هذا الواقع سيستمر طويلاً وينعكس سلباً على مفاوضات «الحل السياسي» التي يسعى مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي مستورا إلى إحيائها. استمرارُ هذا الواقع المضطرب يمكن تفسيره بأسبابٍ ثلاثة:

أولها وأهمها، استمرارُ حال العداء العميق والمتفاقم بين اطراف الحرب في سوريا وعليها، ولاسيما بين محور السعودية – تركيا من جهة، ومحور سوريا – إيران – حزب الله، من جهة أخرى. طالما العداء مستمر، فلا سبيل إلى وقف الأعمال العدائية قبل إيجاد حل أو تسوية سياسية أو عسكرية، لحال العداء.

ثانيها، ترددُ إدارة اوباما وعدم وضوح سياستها بسبب قرب انتهاء ولاية الرئيس الديمقراطي، واحتمال حلول رئيس جمهوري محله في نوفمبر المقبل ما يؤدي، على الأرجح، إلى تعديلٍ في سياسة أمريكا حيال الأزمة والأطراف المتصارعين في سوريا.

ثالثها، أن سوريا، مدعومةً من إيران ومحكومةً بوجوب تحرير اراضيها من تنظيمات الإرهاب وإعادة توحيدها وفرض سيادتها عليها، تجد أن ميزان القوى في الميدان يميل إلى جهتها ويشجعها على اغتنام الفرصة لاستكمال موجبات حربها الدفاعية وتحقيق أهدافها.

الى ذلك، ثمة سبب إضافي لاستمرار حال العداء، وبالتالي الأعمال العدائية، هو أن عاملاً مستجداً دخل في الصراع بين «اسرائيل» وقوى المقاومة العربية، اللبنانية والفلسطينية، أدى إلى اختلالِ معادلة الردع التي كانت قائمة. فقد تبيّن أن حزب الله يمتلك ما سماه أمينه العام السيد حسن نصرالله سلاحاً له مفعول قنبلة نووية. لذا فإن تفجير حاويات الامونياك الإسرائيلية في منطقة حيفا من شأنه أن يؤدي إلى مقتل مئات الآلاف الإسرائيليين وأن يلحق بالمدينة ومحيطها تدميراً هائلاً.

مع امتلاك حزب الله صواريخ موجّهة قادرة على إصابة حاويات الامونياك وإحداث تفجير له مفعول نووي، وجدت القيادة العسكرية الإسرائيلية نفسها في حال انكشاف أمني نتيجةَ اختلال معادلة الردع لسببين:

عدم موافقة البلديات في جميع أنحاء «اسرائيل» على نقل حاويات الأمونياك من منطقة حيفا إلى محيطها، تفادياً لمخاطره الشديدة.

إعلان ايران عزمها على تقديم مساعدات مالية اضافية للشعب الفلسطيني وانتفاضته الثالثة ضد الاحتلال. هذا التدبير يعني أيضاً، في مفهوم «اسرائيل»، زيادة الدعم العسكري لحركتيّ «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، بما في ذلك تزويدهما مزيداً من الصواريخ الموجّهة أو، في الأقل، تزويدهما الدراية الفنية والتجهيزات اللازمة لتمكينهما من تجميع أو تصنيع صواريخ متطورة وبالغة الفعالية، ذلك يتيح لهما كما لحزب الله التعاون عسكرياً وميدانياً في حال نشوب حرب مع «اسرائيل».

وإذ تحاول «اسرائيل» جاهدةً مع الولايات المتحدة معالجة هذا الاختلال الطارئ على معادلة الردع لغير صالحها، فإن احدى وسائل المعالجة ربما تكون إطالة الحرب في سوريا وعليها، أي استمرار الاعمال العدائية، بالتعاون الضمني وحتى العلني مع الولايات المتحدة وتركيا بغية استنزاف أطراف محور المقاومة ( أي سوريا وحليفيها حزب الله وإيران ) عسكرياً واقتصادياً بقصد جعلهما في وضع لا يسمح لهما باستغلال حال الاختلال في معادلة الردع للنيل من «اسرائيل» بشكلٍ او بآخر.

هكذا يتبدّى أن صراعات الدول والتنظيمات في المنطقة مترابطة، فلا سبيل إلى عزل أحدها عن الآخر في معالجته (او زيادته تفاقماً) من دون أن تتأثر سائر الصراعات بين أطرافها الفاعلة. المطلوب، اذن، معالجة الصراعات جميعاً في وقتٍ تجد الدول الكبرى، كما الصغرى، نفسها في اوضاع سياسية وامنية واقتصادية لا تسمح لها باتخاذ قرارات استراتيجية كبرى لمصلحة السلام والاستقرار.

٭ كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

اتفاق الهدنة في سورية باقٍ ولكن لا يتمدّد/ يزيد صايغ

أثبت وقف الأعمال العدائية الذي دخل حيّز التنفيذ في سورية أنه أكثر نجاحاً مما كان متوقعاً. انخفضت الأعداد اليومية للضحايا، ووصلت المساعدات الإنسانية إلى بعض التجمّعات السكانية المحاصرة في المناطق التي يسيطر عليها النظام والمعارضة. وعليه فقد تفاءل مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستيفان دي مستورا بفرصة وقف الأعمال العدائية ليعلن أن محادثات سلام جديدة سوف تبدأ بين الحكومة والمعارضة بحلول 9 الشهر الجاري. ولكن في حين أن توسيع وقف الأعمال القتالية لتتحوّل إلى حل سياسي أمر مرغوب، فإن ذلك يعني في هذه المرحلة إنهاء الصراع بشروط أقرب بكثير إلى تلك التي طالما دعت إليها روسيا مما قد تتحمّله الولايات المتحدة أو المعارضة السورية ومؤيدوها الإقليميون. وبذلك يصبح وقف القتال إلى أجل غير مسمى وبصورة غير مكتملة وعلى مضض أكثر احتمالاً.

في الجانب الإيجابي، هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الاتفاق على وقف عام للقتال في سورية، وينطبق على جميع مقاتلي النظام والمعارضة (باستثناء «داعش» و»جبهة النصرة»). في السابق، كانت حتى الهدنات الهامة نسبياً مثل تلك المتعلقة بحمص في أيار (مايو) 2014 وكانون الأول (ديسمبر) 2015 وفي الزبداني في أيلول (سبتمبر) 2015 محلية. وبالقدر نفسه من الأهمية، تحركت الولايات المتحدة وروسيا للمرة الأولى على نحو يتجاوز الاتفاق على الأطر الديبلوماسية العامة لإنجاز خطة تنفيذية لوقف العنف في سورية. وسيكون نجاحها جزئياً اختباراً لتأثير الدولتين على المقاتلين المحليين الذين تدعمانهم وعلى اللاعبين الإقليميين الآخرين.

من الواضح أيضاً أن وقف الأعمال العدائية يواجه عقبات كبرى. إذ ستجد المعارضة المسلحة أن من الصعب أن تقف موقف المتفرّج بينما تواصل روسيا غاراتها الجوية ضد «جبهة النصرة»، وبخاصة في محافظة إدلب حيث تتداخل مواقعهم إلى حدّ بعيد، ولكن أيضاً في حلب وحولها. وجرى تبادل الاتهامات بين نظام الأسد والمعارضة، ورددتها القوى الخارجية، مع تحذيرات من انهيار وشيك لوقف القتال. كان هذا متوقعاً تماماً، على رغم أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ذكر أنه اتفق ونظيره الروسي سيرغي لافروف على عدم «المقاضاة علانية»، وأكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أنه «لم تحدث خروقات كبيرة» إلى درجة تحول دون استمرار وقف الأعمال العدائية.

وحتى في خضم الاتهامات المتبادلة حدث تغيّر لافت. من الواضح أن الأطراف المتقاتلة أوقفت الأعمال العدائية لأسباب ذاتية في الغالب: فالمعارضة لا تتحمّل تحميلها المسؤولية عن استئنافها، في حين قد يسعى النظام، بتواطؤ روسي، لخداع الولايات المتحدة كي تقبله كشريك ضد «داعش». ولكن بمجرّد مراعاة وقف الأعمال العدائية لأي فترة من الزمن، أظهر كلا الطرفين أن لديهما القدرة على فرض الامتثال في صفوفهما.

هذا الاستعراض للسياسة الواقعية والانضباط الذاتي (النسبي) ينبغي أن يبشّر بالخير لإجراء محادثات سلام، بيد أن التفاؤل سابق لأوانه. فلو صمد وقف الأعمال العدائية، فإنه سيضع نظام الأسد في وضع حرج سياسياً. وقد يزداد الضغط لاغتنام الفرصة لإنهاء الصراع من خلال المفاوضات بين مؤيديه وفي أوساط قاعدته الاجتماعية، ما يجعل من الصعب عليه تبرير عدم القيام بذلك.

يبدو أن النظام يعمل لاستباق مثل هذه المشاكل السياسية، كما يتبين من المرسوم الذي أصدره الرئيس بشار الأسد في 22 شباط (فبراير) وحدّد موعد الانتخابات البرلمانية بعد سبعة أسابيع فقط، في 13 نيسان (أبريل). هذه المحاولة لإثبات دعواه بتمثيل واحترام الإرادة الشعبية جاءت بعد فترة وجيزة من مرسوم سابق بالعفو عن الفارّين من الجيش. فقد صدرت عدة مراسيم مماثلة بالسابق، ولكن من المرجح أنه جرى توقيت صدور المرسوم الأخير لتعزيز صورة الرشد والشهامة.

كما يصب إعلان الأسد عن إمكانية العفو عن جميع مقاتلي المعارضة الذين يلقون السلاح، خلال مقابلة أجرتها معه شبكة تلفزيونية ألمانية في الاتجاه نفسه. في الوقت نفسه، تلمّح مصادر النظام مرة أخرى إلى أن الجيش والميليشيات المرتبطة به تستعد لاستعادة الرقة من «داعش»، وقد صدرت تلميحات مشابهة بعد المكاسب التي تحققت حول حلب في أواخر العام 2014، غير أنها تبدّلت في أعقاب خسائر النظام في محافظة إدلب. وهذا التلميح المتبجِّح يشكّل مبالغة خطيرة بقدرات النظام في هذه المرحلة، غير أن من المحتمل أن يكون محاولة أخرى لتلميع صورته لدى جمهوره ولدى الإدارة الأميركية الحريصة على تركيز كل الجهود على هزيمة «داعش».

التموضع قبل محادثات السلام المحتملة أمر متوقع من جميع الأطراف. ولكن نظام الأسد لا يرغب بالدخول في مفاوضات جدّية حول مرحلة انتقالية، ناهيك عن تقاسم حقيقي للسلطة، حتى وفق الشروط التي تحسنت كثيراً بفضل التدخّل العسكري الروسي. وهذا يكشف عن مفارقتين.

الأولى أن لروسيا مصلحة في أن تنهي تدخّلها العسكري بتحقيق نجاح سياسي، ولذلك فهي ستضغط على الأرجح على نظام الأسد لوقف الأعمال العدائية ما دام هذا لمصلحتهما السياسية والعسكرية المشتركة. غير أن وقف الأعمال العدائية لا يشكّل بمفرده مكسباً سياسياً كافياً. وربما تسعى روسيا لتعزيزه بتسوية ديبلوماسية على أساس مقترحاتها الثابتة لعملية الانتقال في سورية. ومن شأن هذه المقترحات أن تسمح للأسد بالبقاء في منصبه لحين إجراء انتخابات رئاسية في غضون عامين، وبخوض الانتخابات بعد ذلك كمرشح مرة أخرى، وتبقي السلطات الرئيسة في يديه أو في أيدي الوزراء والقادة الموالين له، وتعرقل إجراء إصلاحات أساسية لمؤسّسات الدولة بحجة ضرورة الحفاظ على سلامتها حتى اكتمال العملية الانتقالية.

هذه المقترحات غير مقبولة من المعارضة، ومن الولايات المتحدة كذلك. بيد أن هذا يشير إلى المفارقة الثانية. فإذا كانت الولايات المتحدة عازمة على حل النزاع السوري من خلال عملية ديبلوماسية، فإن من شبه المؤكّد أن تستند الصفقة الوحيدة الممكنة في ظل الظروف الحالية داخل سورية، إلى المقترحات الروسية. وتواصل الولايات المتحدة التأكيد أنها لن تقبل أن يبقى الأسد رئيساً إلى أجل غير مسمى، وأن أي اتفاق يجب أن يتضمّن رحيله في مرحلة ما، بيد أن الولايات المتحدة فشلت حتى الآن في تفعيل الوسائل التي قد تجبر روسيا على قبول هذا الرأي.

ربما لا يزال من الممكن إقناع روسيا بقبول صيغة تضمن رحيل الأسد بحلول نهاية فترة انتقالية، في مقابل أن تقبل الولايات المتحدة والمعارضة بقية مقترحاتها. بيد أنه لا يكفي أن يكون هناك تفاهم خاص أو ضمني: فقد كشفت قدرة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على استغلال اتفاق السلام الذي رعاه مجلس التعاون الخليجي للاحتفاظ بقدر كبير من نفوذه بعد رحيله رسمياً من منصبه عن الأخطار المترتبة على اتباع هذا النهج. بالتالي يجب أن تكون أي صيغة للحل رسمية، وأن يقبلها الأسد صراحة. وهذا الأمر ليس مستبعداً جداً وحسب، بل ربما لا يصل نفوذ روسيا عليه إلى هذا الحدّ.

تشير هذه الصعوبات إلى أن الحل السياسي لا يزال بعيداً. كما أنها قد تفتح الطريق لتقديم مقترحات جديدة تهدف في الظاهر إلى كسر الجمود، مثل الفيديرالية، وهو ما قال الأسد ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في أوقات مختلفة إنهما لا يستبعدانه كخيار. ويخشى كثير من السوريين أيضاً أن تتفق الولايات المتحدة وروسيا على تقسيم سورية رسمياً، والذي تعارضه غالبية ساحقة منهم وفقاً لدراسة حديثة، غير أن هذا يتعارض مع كل الشواهد حول التفكير الروسي والأميركي الحالي في خصوص سورية.

بدلاً من ذلك، من المرجح أن يتحول «الجمود الموجع» الطويل في سورية من المجال العسكري إلى المجال السياسي، على الأقلّ لبضعة أشهر. وإذا ما صمد وقف الأعمال العدائية، فهذا يعني تخفيفاً يبعث على الارتياح في معاناة الشعب السوري، بيد أن الظروف قد لا تكون نضجت بعد ليؤدّي ذلك إلى حلّ سياسي.

* باحث أول، مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.

الحياة

 

 

 

 

 

سوريا.. «دولة» اللاذقية أم الفيدرالية؟!/ عبدالله العوضي

بدأت الهدنة شبه الهشَّة في سوريا وبدأ معها طرح السيناريوهات المستقبلية لما بعد فترة الهدنة التي وقتت بأسبوعين والجهة الوحيدة التي سمح بإطلاق النار عليها رغم تلك الهدنة «داعش» و«النصرة» فقط لا غير وهو استثناء وجيه ولكن بحاجة إلى تحقق ميداني، في حين تنتشر الأخبار عن استمرار ضرب المعارضة المعتدلة أيضاً!

ومنذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011 مع انطلاق موجات ما سُمِّي «الربيع العربي» التي أغرقت العرب في دوامة لم يخرجوا منها حتى الساعة ظل تفاقم المعاناة السورية في تصاعد متواصل من دون سقف قريب.

وفي الشهور الأولى للأزمة الحقيقية كان المعوّل على النظام الحاكم أولاً بأن يرضخ قليلاً لمطالب الشعب السوري في العيش الكريم، إلا أن النظام المتصلِّب لم يقبل باستخدام القوى الناعمة ولجأ بلا أدنى تفكير أو حسن تدبير إلى الرصاص والنار. فطال بذلك الإجراء التعسفي أمد الأزمة حتى وصلت إلى مرحلة الحرب الأهلية التي يراد من العالم أجمع وقفها بأي ثمن إلا ثمن عودة إنسان سوريا إلى وضعه الطبيعي!

وعندما اشتد أوار الحرب الدامية، المستنزفة لكل أطراف الصراع كان الرهان على خروج الأسد تماماً من المعادلة السورية الخاسرة، فكان ذلك بالنسبة له عاشر المستحيلات، ولو كان الثمن التضحية بكل الشعب والوطن بجميع ما فيه من مكتسبات تاريخية وحضارية، سابقة حتى على «البعث»، لا ينكرها إلا جاحد أو حاقد، وأقلها وحدة الوطن السوري نفسه واستمرار لحمته.

وبدأ الحديث يسري تباعاً حول احتمالية لجوء الأسد إلى موسكو أو طهران، ولكن الواقع كان يتحدث عن بقائه ولو في زاوية «اللاذقية» الحادة في دولة علوية خالصة من دون الآخرين.

ومن الطبيعي ألا تتحقق هذه الأمنية السياسية القاصرة إلا بعد أن تهدأ الأوضاع نسبياً، وإلا كيف السبيل إلى ترسية دعائم دولة علوية جديدة في ظل حرب طائفية بكل ما تحمل من حمولات بغيضة.

ودارت الدوائر السياسية مجدداً على سوريا الوطن لطرح سيناريو التقسيم كأمر واقع وكأنه لا مفر منه اليوم أو بعد عام، وهذا ما شجع أولاً الأكراد على التحرك تجاه تركيا استغلالاً للأوضاع المتردية أصلاً للتحرش بدولة طالما تداخلت فيها ثارات سياسية كبرى من الأكراد منذ عقود وخاصة من خلال «حزب العمال الكردستاني» الذي يزعم أنه يسعى إلى لمِّ شمل قرابة 50 مليون كردي يحلمون بدولة خاصة بهم منتزعة من سوريا والعراق وتركيا وإيران.

ومنذ دخول الروس على خط الصراع والحديث عن هذا التقسيم يقوى صداه في الأوساط السياسية ويعلو صوته حتى حلت «الهدنة» الحالية المتفق عليها من قبل الأطراف جميعاً، عالمياً وداخلياً، لتزداد مخاوف البعض من قرب هذا التقسيم شبه الإجباري لمرحلة ما بعد الهدنة وتسوية الأوضاع على الأرض الملتهبة.

ومرة أخرى بالأمس القريب تطرح روسيا ما قد يفهم منه تفكير بهذه الطريقة لأنها هي التي لديها حق التصرف في سوريا المستقبل بعد أن حصلت على الضوء الأخضر من النظام الحاكم لفعل ما تشاء ومتى تشاء دون حسيب من أحد ولا رقيب.

والسيناريو الروسي الذي طرح بالأمس في احتمالية الحل «الفيدرالي» في سوريا في القريب العاجل كنتيجة حتمية لهذه الهدنة، قد يعني لدى البعض أن الفيدرالية في حد ذاتها جزء من مخطط التقسيم المستقبلي فيها لو تطورت الأمور نحو إعلان «الاستقلال الذاتي» وليس الإقليمي لهذه المنطقة أو تلك، والمطالبة بـ«السيادة» في جيوب أو ملاذات وفق خرائط طائفية، تكرس التمزيق والتقسيم.

ومثال صريح في ذلك يقع في محافظات إقليم كردستان العراق التي تسعى جاهدة لكي تصبح دولة مستقلة على رغم وضعه المميز بين جميع المحافظات العراقية الثماني عشرة، فهذا الوضع أيضاً يعاني من الهشاشة السياسية وقابل في أي وقت لفرض دولة أمر واقع أمام رضوخ العالم أجمع ومن ضمنهم العراق ذاته!

لقد صفق البعض للتوصل إلى هذه «الهدنة» التي تخللها أيضاً أزيز الطائرات والمدافع على رغم أنه موجه، حسب المعلن، إلى الإرهاب عدو العالم الأكبر، إلا أن البعض يَشْتَم من وراء هذه «الهدنة» أيضاً ليس رائحة البارود، بل رائحة للتقسيم تلوح في الآفاق كحل شبه مقترح، ولو ضمناً، لبقية الطوائف التي عانت من ظلم النظام المركب لعقود، في سياق واقع صعب يخرج اليوم من تحت ركام تلك الحرب القذرة لكي يرى وطناً منهوشاً من كل جانب وعلى رأسه النظام الذي قبل أن تصل الأوضاع إلى درجة استدعاء تدخل روسيا وإيران و«حزب الله». وهو ما استدعى أيضاً الآن دول التحالف الإسلامي التي تستعد في مناوراتها للدخول على خط محاربة الإرهاب أياً كان لونه، أو جنسه، أو دينه، ولا نريد أن نستبق الأحداث. وفي بانتظار انتهاء مهلة الأسبوعين يمكن أن نقرأ نتائج «الهدنة» المطلوب منها إعادة أنفاس الشعب السوري إلى الوجود من جديد، بعد أن طالت عليه ليالي البرد القارس وإحكام إغلاق الحدود الجغرافية والسياسية اللاذعة بالمهانة والمذلة، وضياع الحاضر والمستقبل والحياة بكرامة فوق أرض وطنه.

الاتحاد

 

 

 

 

 

 

هدنة أم اتفاقية تقسيم روسية أمريكية وحرب استراتيجية على العملاق التركي؟/ غادة الشاويش

اتفق اللاعبون الكبار على التقسيم والخرائط الجديدة ومناطق النفوذ. وما على اللاعبين الإقليميين الصغار الا الدخول في بيت الطاعة والا!.. هذا ما يشي به اتفاق الهدنة المعلن المشكوك في نجاحه، وتشي به ايضا تصريحات وزير الخارجية الأمريكي كيري حول الهدنة واحتمال التقسيم ان لم يتوقف اطلاق النار.

وتشير التسريبات إلى ان الأمريكيين والروس اتفقو ا على الإبقاء على الرئيس الأسد حتى نهاية العام 2017 ريثما يتم القضاء على القوى الإسلامية المعتدلة منها والمتشددة والتي ترى فيها روسيا وأمريكا واسرائيل خطرا أمنيا يمكن ان يملأ فراغ السلطة في سوريا، وتنظر اليه بنفس العين التي تذكرها بأفغانستان والشيشان وهجمات 11 ايلول. كما تم الاتفاق على قيام كيان كردي في الشمال السوري الغني بالغاز وعلى الحدود الجنوبية لتركيا تتقاسم فيه النفوذ روسيا وأمريكا بحيث يتمتع الاميركيون بنفوذ على منطقة شرق الفرات والروس على غربه، حيث سيكون الكيان الكردي مقدمة لتفتيت تركيا وشن حرب استراتيجية عليها، وإقامة كيان كردي متواصل مع عمقه الانفصالي في تركيا، يضمن قيام جوار صديق للدولة العلوية الممتدة من الساحل السوري شمالا وحتى دمشق وريفها جنوبا، حيث التواجد العسكري الروسي في اللاذقية ليس بعيدا عن الحدود التركية.

الموقف في الشمال

القصف الروسي على مناطق الشمال السوري والدعم الأمريكي للتقدم الكردي وتجاهل أمريكا للغضب التركي وتفضيلها ارهابيي YPGعلى دولة ذات وزن جيوسياسي وعضو في الناتو كتركيا، يأتي في سياق رغبة اميريكية بالحفاظ على الاتفاق الذي تم تحت الطاولة مع الروس لتقاسم الشمال الغني بالغاز، ولشن حرب استراتيجية على تركيا العدالة والتنمية، والتي يرى فيها الاميركيون والروس والإسرائيليون والإيرانيون وبعض دول العربية خطرا استراتيجيا كبيرا. فتركيا العدالة والتنمية مولود يجب ان يوأد قبل ان يتحول إلى رقم إقليمي صعب، خصوصا وأنها رقم 18 على العالم في القوة الاقتصادية وعاشر أقوى جيش في العالم لديه خبرة استثنائية في حرب الجبال وقدرة على التعامل مع أحدث الأسلحة التي ساهمت عضوية تركيا في الناتو في تلقيها والتدرب عليها، فضلا عن ان تركيا ستكتفي ذاتيا في مجال التصنيع الحربي وستستغني عن الولايات المتحدة والمانيا بحلول 2023 حيث ترى اسرائيل في تركيا العدالة والتنمية داعما للمقاومة الفلسطينية، وان تركيا ترمي إلى دعم غزة كنقطة لضرب الاحتلال في العمق في الضفة ووراء الخط الاخضر واختراق مصر لازاحة السيسي وإعادة حكم الاخوان. وهذا في حين يرى الإيرانيون في تركيا خصما اقليميا قويا جدا يتمتع بعمق سني ويمثل حنينا لشعوب المنطقة للعودة إلى المظلة العثمانية في ظل التغول والتوحش الإيراني المذهبي الدموي على شعوب المنطقة، والتوحش الإسرائيلي، والاتفاق الاميريكي الروسي الإيراني على الهيمنة على المنطقة وتسليمها لطهران واسرائيل.

يدرك الاتراك ان القصف الروسي تم بضوء اخضر أمريكي وبتشجيع إيراني – أسدي لتهجير ما بقي من سكان المنطقة الشمالية تمهيدا لتغيير ديمغرافي،وكذلك لاغراق تركيا ومن خلفها دول اوروبا بحركة لجوء جديدة كانتقام على إسقاط الطائرة الروسية، ودعم مناوئي الأسد، وكرد على الدور الاوروبي في القرم.

الاتراك بدورهم سيستمرون في القصف ان لم تلتزم روسيا بالهدنة، وتركيا تغلق حدودها نكاية بالروس في وجه حركة لجوء جديدة. وفي حال ان تركيا لم تتلق الدعم الكامل من الناتو، ستسمح بتدفق اللاجئين علنا إلى اوروبا الغربية، الأمر الذي دفع الالمان وبعض الدول الغربية إلى تأييد االتحرك التركي، ودعم إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري منعا لتدفق اللاجئين، كما يتوقع ان تحاول تركيا ان تستدرج روسيا إلى اشتباك يقع ضمن حدودها (حدود الناتو)، والذي سيجد نفسه مضطرا للرد على اعتداء وقع على دولة عضو.

االروس ضغطوا ايضا على لاعبيهم الصغار في سوريا، حيث ترفض طهران تنحية الأسد، ووقف النار وتميل والأسد إلى التصعيد العسكري، و استثمار التفوق المنجز مؤخرا على الأرض عبر الغطاء الجوي الروسي، للتمدد إلى نقاط ابعد من الدولة العلوية على الساحل، والتي تعتبر الخيار الوحيد لبقاء الأسد.

عصيان الأسد للاوامر الروسية، كشف ان الاخير تلقى دعما من طهران لرفض الهدنة و الانتقال السياسي، والتمتع بحق الترشح، وهذا ما اكدته محادثات وزير الدفاع الروسي مع روحاني في طهران، حيث ذكر الاخير انه لولا الدور الروسي لانهار الأسد والميليشيات الشيعية على الارض وان على طهران ان تنصاع هي وميليشاتها والأسد لاوامر التنحي، جاء الرد باردا من روحاني والذي اكد على ان طهران لن تقبل بوقف اطلاق نار قبل ازاحة الثوار بالكامل من المنطقة الشمالية والجنوبية الواقعة على الحدود الأردنية الإسرائيلية التي تريدها طهران ورقة بديلة عن الجنوب اللبناني.

ودول الخليج مستاءة من صفقات اس 300 وصفقات سوخوي 30، التي ستكسر التفوق الجوي العسكري ا لخليجي على طهران المتفوقة في مجال الصواريخ الباليستية، وترى فيها اخلالا للتوازن العسكري بين الافرقاء في المنطقة،و ردا روسيا على التسريبات التي قالت ان السعودية قد تخرق القرار الاميركي وتختار في مواجهة القصف الروسي الخيار الافغاني، وتزود الثوار بمضادات طيران Manbads التي قد تلغي فاعلية الغطاء الروسي الجوي للاسد وميليشيا طهران، وترى ان صفقة اس 300 قد تعدل الميزان لصالح إيران في اليمن، اذا تم تزويد الحوثيين بها.

ترمي السعودية إلى تنفيذ تدخل بري عبر قوات خاصة، وبغطاء جوي من التحالف في المنطقة الجنوبية، على عكس الاتراك المهتمين بالشمال الذي يرونه عاجلا وملحا، وينظر الروس والأسد إلى تسلم الأردن المعابر في المنطقة الجنوبية على انه مقدمة لمنح السعودية قاعدة جوية و عبور لوجستي لقوات خاصة إلى سوريا تتولى مهام الاشتباك مع قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله المتمركزة على بعد 20 كم من الحدود الأردنية، كما سجلت حركة قصف روسي غير مسبوقة للثوار في مثلث الحدود الأردنية السورية مع كيان الاحتلال ترمي إلى ازاحتهم شرقا وتمكين الكتيبة 71 للجيش السوري ودعمها،الامر الذي سبق وعبر ت عنه المؤسسة الامنية الإسرائيلية بالرضا ومؤكدة ضرورة التعاون الامني مع طهران والأسد ضد «منظمات الجهاد العالمي».

لكن لوحظ معها تحليق كثيف للطيران الحربي الإسرائيلي والروسي!! في السماء السورية!! ما يشي اما بتفاهمات روسية إيرانية اسرائيلية، أو احتمال تحول مثلث الحدود الجنوبية إلى منطقة حرب خطرة جدا ان لم تكن هذه التفاهمات موجودة،و ستتطلب تدخلا اميركيا. ولعل هذا ما قصده كيري بتدخل محدود للتحالف، وربما ضم الجزء الجنوبي إلى الأردن الذي زود من قبل أمريكا بثلاثين بطارية باتريوت، ما يعني ان امن اسرائيل في الواجهة، وان الأردن قد يتلقى ردا صاروخيا من قبل طهران والأسد أو اجتياحا داعشيا منسقا معهم، لسماحه بتدخل بري للسعوديين بغطاء جوي أمريكي ضد الوجود الإيراني وبأيد روسية نظيفة.

القدس العربي

 

 

 

وقف للنار أم للغموض الروسي ؟/ محمد ابرهيم

الاتفاق الروسي – الأميركي على وقف النار في سوريا بطبيعته جزئي ومتدرج. ونظرا للتداخل بين مواقع المعارضة “المرضيّ عنها” دوليا ومواقع “النصرة” والتنظيمات التي تشتبه بها روسيا، يصعب تصور وقف شامل للنار يستثني مواقع “داعش” فقط، وهي المواقع التي يمكن تعيينها بدقة نظرا الى ان “داعش” تخوض حربا ضد الجميع.

لذلك الاتفاق الروسي- الأميركي قابل للاستعمال في الاتجاهين. فإذا شاءت روسيا الاستمرار في خطتها الأصلية القائمة على تدعيم مواقع النظام، حيث يحتاج، تستطيع ان تستظل بالاتفاق، مثلما تستطيع ان تفتتح مسارا سلميا جديا بتوسيع وقف النار وصولا الى مفاوضات جدية في جنيف.

حساسية الموقف الروسي تجاه ما يسميه وزير الخارجية الأميركي جون كيري “الخطة ب”، في حال فشل وقف النار، وفي حال تبين ان روسيا ممعنة في خط دعم خيار الحسم العسكري لمصلحة النظام، هذه الحساسية تشير الى ان موسكو المطمئنة الى عدم وجود خطط تدخل أميركي في سوريا، ليست مطمئنة الى الحروب بالواسطة التي يمكن ان تلجأ اليها واشنطن في حال استمرار معطيات التدخل الروسي على ما كانت عليه في الأشهر الأخيرة.

وعلى هذا الصعيد لن يقتصر الأمر على زيادة في الدعم الاميركي لأطراف المعارضة الموثوقة والتي ثبتت محدودية فاعليتها على الأرض وانما سيتجاوزه على الأرجح الى تأمين الغطاء للطرفين الإقليميين اللذين ابديا استعدادا صريحا او مضمرا للتدخل في سوريا لكنهما اشترطا ان تؤمن واشنطن التغطية السياسية لمثل هذا التدخل، وغطاء عسكريا، جويا، ولو باسم محاربة “داعش” يمكنه ان يشكل موازيا، ورادعا للاستقواء الروسي على القوى الإقليمية الحليفة لأميركا.

من هنا يأتي الاصرار الروسي على انه لا وجود لـ”الخطة ب” الأميركية، ربما ليس لوجود معلومات بشأنها، او لتقديرات للموقف الأميركي، وانما للجدية في التعامل الروسي مع مبادرة وقف النار المشتركة مع اميركا. اي ان روسيا المقتنعة بجنوح الولايات المتحدة لوقف الحرب في سوريا تعتبر ان جنوحها هي في الاتجاه نفسه كفيل بوضع حد لكل السيناريوات البديلة.

وفي هذا الاطار تأتي التلميحات المتواترة الى الافتراق في النظرة الى المفاوضات والى مستقبل سوريا بين موسكو والأسد. والى ان موسكو لم تتدخل لدعم الأسد وانما للمحافظة على وحدة سوريا ضد الإرهاب. صحيح ان هذا الموقف قديم، وانه غطى في ما سبق قرارا روسيا بتعديل ميزان القوى العسكري على الأرض، لكنه صحيح ايضا انه يمكن استعماله في الاتجاه المعاكس متى قررت روسيا انه آن الأوان لوضع حد للحرب السورية.

النهار

 

 

سذاجة أميركية.. أو سياسة واضحة في سوريا/ خيرالله خيرالله

ليس الاتفاق الروسي – الاميركي في شأن «وقف الأعمال العدائية» في سوريا سوى دعوة الى متابعة الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري منذ قرّر قبل خمس سنوات استعادة بعض من كرامته.

عندما يسمح الاتفاق بالاستمرار في شن الهجمات على «داعش» و»النصرة»، متجاهلاً النظام الذي يذبح شعبه والميليشيات المذهبية اللبنانية والعراقية والأفغانية والخبراء الايرانيين، معنى ذلك بكل بساطة أنّ الإدارة الأميركية قرّرت السماح لروسيا وايران والميليشيات التابعة للنظام بمتابعة هجماتها على المواطنين السوريين. فمن يعرف ولو قليل القليل عن الوضع السوري، يعرف أوّلاً أنّ روسيا وإيران وقوّات النظام لم تهاجم «داعش» يوماً. على العكس من ذلك، هناك تواطؤ دائم بين «داعش» من جهة وكلّ من روسيا والنظام وإيران وما لديهما من ميليشيات من جهة اخرى.

مفهوم الموقف الروسي. هناك رغبة في المساومة على رأس بشّار الاسد، في نهاية المطاف، من اجل قبض ثمن معروف مرتبط أساساً بمنع مرور الغاز الخليجي في الاراضي السورية وتحقيق مآرب أخرى. مفهوم ايضاً الموقف الايراني الذي يعتبر سوريا في غاية الاهمّية بالنسبة الى المشروع التوسّعي الذي ينادي به كبار المسؤولين في ايران، على رأسهم «المرشد» علي خامنئي.

بالنسبة الى ايران، لا خيار آخر سوى الدفاع عن النظام العلوي القائم في سوريا، كونه ضمانة لأن تكون سوريا جسراً الى لبنان والى «حزب الله» بالتحديد. الى اشعار آخر، يشكّل «حزب الله» الذي وضع يده على مفاصل الدولة اللبنانية الاستثمار الأهمّ لايران منذ العام 1982، تاريخ تأسيس الحزب الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني، عناصره لبنانية. تحوّل هذا الحزب الى افضل اداة ايرانية توظّف في خدمة مشروع يستهدف مناطق عربية عدّة من العراق، الى اليمن، مروراً بالبحرين واليمن، على سبيل المثال وليس الحصر.

ما ليس مفهوماً هو تلك السذاجة الاميركية التي قد لا تكون سذاجة بمقدار ما انّها سياسة واضحة تقوم على ترك المنطقة لروسيا وايران، غير مدركة انّه لا يمكن شطب العرب بتلك السهولة من المعادلة الاقليمية، اضافة الى انّه لا يمكن البحث في مستقبل سوريا من دون مقعد تركي الى طاولة المفاوضات. لا يمكن تجاهل العرب باي شكل عند البحث في المستقبل السوري، كما لا يمكن تجاوز تركيا والاكتفاء بالهائها بالورقة الكردية عن طريق تجييش قسم من الاكراد ضدّها.

ما الذي تريده الادارة الاميركية؟ لا وجود لجواب واضح الى اليوم باستثناء ان باراك اوباما يبدو مصرًّا على تفتيت سوريا. فالاتفاق الاميركي – الروسي الذي اعلن عنه اخيراً ليس سوى وسيلة لضمان استمرار الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري الى ما لا نهاية. لو لم يكن الامر كذلك، لما ميّزت واشنطن بين ارهابي وارهابي آخر ولما اختزلت اصلا كلّ ملفات الشرق الاوسط وازماته بالملفّ النووي الايراني، ولما تغاضت عن التدخل العسكري الروسي الذي لا هدف له سوى ابقاء نظام منته في الواجهة تمهيداً لليوم الذي يستخدم فيه بشّار الاسد ورقة في لعبة باتت تتجاوز حدود سوريا.

من الآن الى حين انتهاء ولاية باراك اوباما، بعد نحو عشرة اشهر، لا يمكن توقّع شيء من الجانب الاميركي باستثناء التظاهر بأنّ هناك تحرّكاً من اجل احتواء الازمة السورية بدل وضع حدّ لها.

مثل هذا التحرّك يصبّ في اتجاه واحد يتمثّل في الانتهاء من سوريا التي عرفناها عبر تحويلها مناطق نفوذ لثلاثة اطراف على الاقلّ هي روسيا وايران وتركيا. ليس بعيداً اليوم الذي ستجد فيه تركيا نفسها مضطرة الى التدخّل المباشر، او غير المباشر، لضمان منطقة نفوذ لها في الشمال السوري. لا تستطيع تركيا ترك الاكراد يتحرّكون في تلك المنطقة مستفيدين من التدخل العسكري الروسي. مثل هذا التحرّك الكردي يشكّل تهديداً مباشراً للأمن التركي. سيكون مستقبل رجب طيّب إردوغان وحزبه مطروحاً في حال بقي الوضع على ما هو عليه في الشمال السوري.

منذ تناسى باراك اوباما في آب/اغسطس من العام 2013 ان هناك خطاً احمر رسمه للنظام السوري وتغاضى عن لجوء النظام الى السلاح الكيميائي، حصلت نقطة تحوّل. قبل اوباما في الواقع تسليم سوريا الى روسيا وايران. استمع الى ما قال له فلاديمير بوتين وقبل الاكتفاء بأن يتخلى النظام عن الكمية الباقية من مخزونه الكيميائي.

كان لا بدّ من التذكير بهذه المرحلة للتأكّد من ان ما يجري حالياً هو في سياق سياسة اميركية تقوم على الاستسلام لروسيا وايران. من نتائج هذه السياسة النظر بعين واحدة الى ما يتعرّض له الشعب السوري. مثل هذه السياسة التي تقوم في جانب منها على التنسيق العسكري الروسي – الاسرائيلي تتجاهل كلّيًا الدواعش الشيعية وتركّز فقط على «داعش» السنّي وتوابع هذا التنظيم.

الشيء الوحيد الاكيد حتّى الآن ان ثمّة رغبة اميركية وروسية وايرانية في ايجاد حواضن لـ»داعش» في كلّ المناطق السورية وفي كلّ منطقة فيها اكثرية سنّية في العراق. هل هذا ما تريده اميركا في الشرق الاوسط؟ هل هذا ما يسعى اليه باراك اوباما الذي ليس معروفاً، الى اليوم، لماذا قرّر رؤية كلّ الالوان باستثناء اللون الاحمر الذي كان لون الخط الذي رسمه للنظام السوري؟

من حسن الحظ ان هناك في الجانب العربي من يعرف تماما ان ليس في الامكان الاتكال على الولايات المتحدة او الرهان عليها في اي شأن هذه الايّام وان لا ضير من ابقاء خط التواصل مع موسكو مفتوحاً. الدليل على ذلك الاتصال الاخير بين الملك سلمان بن عبدالعزيز وبوتين. فالكلام الروسي عن ان موازنة البلد ووضعه الاقتصادي لن يتأثرا بهبوط اسعار النفط والغاز كلام لا يمكن لاي عاقل ان يصدّقه.

لم يعد بعيداً اليوم الذي تقتنع فيه روسيا ان ليس أمامها سوى الدخول في مساومة مع الجانب العربي، اقلّه اذا كانت مهتمّة برفع اسعار النفط والغاز. ستكتشف روسيا ان الارهاب ليس «داعش» وحده. هناك دواعش اخرى في سوريا وغير سوريا. الارهاب ليس حكراً على اهل السنّة في المنطقة. هناك ارهاب مرتبط ببعض المجموعات الكردية، على حد تعبير اردوغان. وهناك ميليشيات شيعية تمارس كل انواع الارهاب في سوريا والعراق وفي اماكن اخرى.

متى يعالج الاتفاق الاميركي – الروسي هذا الواقع، ويتوقف عن النظر الى سوريا من زاوية واحدة، سيكون في الامكان عندئذ القول انّ وقف النار قابل للحياة. سيكون في الامكان القول ايضا ان هناك رغبة واضحة في معالجة الازمة السورية من كل الجوانب بدل الاكتفاء باستيعابها والتغاضي عن الحرب التي يعرّض لها الشعب السوري.

المستقبل

 

 

 

الهدنة فرصة للسلام في سورية/ فيودر لوكيانوف

«روسيا والولايات المتحدة، وهما دولتان رائدتان في مجموعة الدعم الدولية لسورية، تسعيان إلى تسوية سلمية للأزمة السورية، وهما مصممتان على التعاون الكامل». هذه مقتطفات من إعلان روسي – أميركي مشترك غير مألوف في الأعوام الماضية. فقد مضى زمن طويل على إعلانات مشتركة مماثلة.

والأمر لا يدور فحسب على مضمون البيان المشترك، بل كذلك على نبرته. تقدم موسكو وواشنطن نفسَيهما على أنهما الجهة المبادرة إلى العملية الدولية الأبرز والصراع الأكثر مدعاة للقلق، وعلى أنهما الجهة الضامنة. وقياساً على العلاقات القائمة بين البلدين في العامين الماضيين، فإنّ هذه المقاربة البناءة لا مثيل لها. وهذا بغضّ النظر عمّا سيحدث لاحقاً. ولكن ماذا تعني الاتفاقات المعقودة؟

قبل أسبوعين، قلت إنّ فشل المحادثات في جنيف ليس النهاية بل هو تأجــــيل لعملية ديبلوماسية فعلية وغير وهـــمية. ولكن، أولاً، تمس الحاجة الى تحديـد الأولويات. فالتسوية السياسية الديبلوماسية والمساومة على مستقبل سورية يجب أن يسبقهما وقف لإطلاق النار مستدام مع فك الارتباط بين المتواجهين. ووفق نص البيان المشترك، فإنّ هذا ما يجب أن يحدث الآن.

ومن السابق لأوانه القول إن كانت الهدنة ستؤدي إلى بدء عملية سياسية حقيقية في جنيف. واستعجال بشار الأسد بتحديد موعد الانتخابات النيابية في نيسان (أبريل) لا يفضي إلى مفاوضات مثمرة. فهذه إشارة واضحة للمعارضة بأن أحداً لا يريد تقاسم السلطة، ولن يعترف غير قلة بشرعية التصويت. لكن، ومهما كان الأمر، وفي ظل قتال دائر على الأرض، لا أمل في بلوغ تسوية حول مستقبل سورية.

وأخذت الولايات المتحدة وروسيا على عاتقهما تسوية الأزمة السورية. ولن يعود البلدان إلى زمن «الحرب الباردة»، حين كانت القوتان العظميان تقرران مصير العمليات السياسية الرئيسية في العالم. إذ ازداد عدد اللاعبين الذين يرغبون في المساهمة، إيجاباً أو سلباً. ولكن عدد القوى القادرة على المساهمة أقل بكثير من عدد تلك المعلنة. وتورط عدد من القوى الفاعلة في المنطقة بعمق في الأزمة، سواء سعياً وراء حلّ الأزمة أو استخراج أقصى فائدة منها. واضطرت الدول التي انتقدت في الماضي تدخل القوى الخارجية، الى تشجيعها على المشاركة، إثر غرقها في المستنقع السوري. واليوم، الأهم والأكثر مفاجأة، هو سياسة تركيا. فمشاركتها في المعضلة السورية ساهمت في تفاقم التوتر.

ويغيب في شكل لافت دور الاتحاد الأوروبي، الذي ينوء تحت ضغوط كبيرة على وقع تدفق اللاجئين الوثيق الصلة بالاضطرابات في الشرق الأوسط. وعلى رغم أنه (الاتحاد الأوروبي) من الأكثر اهتماماً بالتسوية وأكثر المعنيين بها. لا تملك بروكسيل أدوات فعّالة للتأثير في السياسة الدولية، وانشغلت السياسة الاوروبية بالسعي الى اتفاق مع تركيا لمنع تدفق المهاجرين فحسب. وهذا دليل على أن العالم القديم سينصرف، في السنوات المقبلة، الى حلّ المشاكل الداخلية، والتخلي عن الطموحات الخارجية.

ولا يجب التفاؤل كثيراً ازاء خطط «وقف إطلاق النار». فتاريخ الصراعات يقول أن الهُدن تخرق مراراً وتكراراً، وقد يندلع القتال العنيف في أثنائها. والمهم هو أن يدرك الطرفان أنّ مواصلة الحرب لن تحقق لهما أي مكاسب، بل قد تؤدي إلى خسارة مكتسبات سابقة. وتجاوز الصراع السوري منذ وقت طويل، حدود الحرب الأهلية. واليوم الصراع هذا مرشح للتحول من نزاع إقليمي إلى نزاع دولي. والعالم يحتاج إلى مثال أو قدوة تفيد بأن الدولتين الأكبر نفوذاً عسكرياً وسياسياً في العالم (ويتضح اليوم أنهما روسيا والولايات المتحدة) قادرتان على الجمع، في آن واحد، بين حال العداء والخصومة وبين امكان الاتفاق على سبل الخروج من خطر معين. ولا شك في أن وجه التسوية في الأزمة السوريّة لن يرضي أحداً، لا في الولايات المتّحدة ولا في روسيا، ولا حتّى في المنطقة. ومع ذلك، ووفق تعريف هنري كيسنجر للتسوية، فهي حلّ وسطي يتساوى فيه امتعاض الأطراف منه. في عالم اليوم يُستبعد أن تجد معادلة أكثر إيجابية.

* محلل سياسي بارز، عن «روسيسكايا غازيتا» الروسية، 23/02/2016، إعداد علي شرف الدين

الحياة

 

 

 

 

ماذا لو ماتت الهدنة السورية؟/ مشاري الذايدي

بسبب قلة الحيلة تجاه المعضلة السورية، لجأ بعض مسوقي المبادرات الدولية في الأمم المتحدة إلى لغة الأمنيات وبث التفاؤل.

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قال إن الهدنة في سوريا، التي ولدت قبل أيام قليلة، صامدة ومتماسكة، قالها بابتسام ظاهر.

الأوروبي مبعوث الأمم لسوريا، دي ميستورا، كان متقشفا وحذرا، فقال إن ما يضمن نجاح الهدنة هما روسيا وأميركا.

الواقع على الأرض، طبقا لتوثيق قوى المعارضة السورية، هو استمرار الضرب العسكري، أرضا من قوات بشار وعصابات حزب الله، وجوا من طائرات الروس وصواريخهم، وكذا يفعل بشار.

ناطقا البيت الأبيض والخارجية في أميركا، قالا حول خروقات بشار والروس وميليشيات الشيعة، علينا التريث، وكيري قال إنه اتفق من زميله لافروف على عدم نقاش الخروقات علنا.

واقع الأمر أن هناك خوفًا من اليوم التالي لإعلان موت الهدنة. خاصة لدى إدارة أوباما. وصار الحل هو في «إعاشة» الهدنة ولو بالتنفس الاصطناعي، وتعليل ذلك بأسباب إنسانية.

السبب الحقيقي في هذا الهوس الجديد في أوهام الهدنة السورية عند أميركا، هو في «فقر الخيال» السياسي الأميركي، ووهن العزيمة، في قراءة عربية، وفي قراءة أخرى «تواطؤ» أميركي أوبامي باطني بعيد المدى لتقسيم سوريا على أسس إثنية وطائفية، خاصة بعد تواتر الإشارات الأميركية عن ذلك، وآخرها كلام كيري في مجلس الشيوخ الأميركي.

الكارثة السورية تشكل تهديدًا للأمن العالمي، خاصة بعد التدخل الروسي، في ظل تذاك أميركي أوبامي أضاع سوريا، وأي سوريا أضاعوا!

هناك تباين في تفسير الخطة الأميركية (ب) فعند فريق تعني الذهاب الأميركي، مع الروس، للتقسيم الصريح، أو «الفدرلة» في أحسن الأحوال – الحديث عن هذا بمقال آخر – وعند فريق آخر تعني الاقتراب أكثر للتصور السعودي والتركي للحل في سوريا، خاصة المنطقة الآمنة والتدخل البري.

«سي إن إن» الأميركية، نقلت عن الأدميرال المتقاعد جايمس ستافريديس، القائد السابق لقوات الناتو قوله: «أعتقد أن الخطة (ب) ستكون حملة من دون روسيا، إقامة منطقة حظر للطيران يمكننا فيها بناء معارضة معتدلة». وتم الحديث عن دور للأردن هنا.

الأهم هو وجوب التفريق بين الوهم والحقيقة، هل يستطيع بشار وشبكته النزول من صخرة الحرب لسهل السياسة؟ وهل تستطيع إيران الخمينية القبول بسوريا غير التي تصورتها؟ هل ستنسحب روسيا بسهولة من سوريا بمجرد ولادة سوريا جديدة؟

الحل السياسي هو الأفضل والأسلم، وكل عاقل يريده، لكن من الخطأ بل الخطيئة المزج بين الحقيقة والخيال.. ما يمكن التفاوض عليه، وما يجب القتال من أجله.

* نقلا عن “الشرق الاوسط”

 

 

 

 

 

 

سوريا فيديرالية متفجرة/ موناليزا فريحة

لم تمض أيام على سريان اتفاق وقف الاعمال العدائية في سوريا حتى تعددت السيناريوات لمستقبلها. ولعل أبرزها ما جاء على لسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريباكوف الذي تحدث عن دولة فيديرالية في سوريا مخرجاً للحرب المحتدمة منذ خمس سنوات.

ليس سيناريو كهذا جديدا لسوريا، الا أن كلام نائب سيرغي لافروف يكتسب أهمية اضافية، بعدما أثبتت الهدنة، ولو الهشة، النفوذ المتزايد للروس لدى نظام الرئيس بشار الاسد ، وبعد اشارات عدة صدرت أخيراً تصب في سياق السيناريو نفسه.

فمن خلف الابواب الموصدة، نقلت وسائل اعلام عن أجواء لقاءات لمعارضين سوريين مقربين من موسكو والمبعوث الخاص للأمم المتحدة الى سوريا ستافان دوميستورا، أن روسيا والحكومة السورية تؤيدان فكرة قيام نظام فيديرالي في سوريا ، وأن المبعوث الدولي يواجه صعوبة في إقناع المعارضة بهذه الفكرة.

الى ذلك، أوردت مواقع كردية أن أميركا وروسيا اتفقتا خلال مؤتمر ميونيخ على مبدأ الفيديرالية في سوريا ، في إطار مشروع حلّ يبدأ بوقف النار.

لكن الإشارة الأكثر دلالة جاءت من الرئيس الأسد نفسه عندما سئل في مقابلة مع “وكالة الصحافة الفرنسية” عن مدى استعداده لإعطاء الأكراد شمال سوريا منطقة حكم ذاتي بعد انتهاء الأزمة ، فربط الامر بالدستور السوري، ملمحاً الى وجوب طرح مسألة حكم ذاتي أو فيديرالية في استفتاء شعبي أدرجه في اطار الحوار السياسي.

وخلافاً لسيناريو التقسيم الذي لمّح اليه وزير الخارجية الاميركي جون كيري واستبعدته موسكو والذي لا يلقى تأييداً علنياً من اي قوة سياسية في سوريا، يحظى خيار الفيديرالية بتأييد ملحوظ في بعض الاوساط، وخصوصا الكردية، بينما يعتبره أكاديميون خشبة خلاص ومخرجاً مقبولاً لأزمة صارت عصية على كل المخارج.

الا أن “الدولة الفيديرالية” ليست سهلة في بلد كسوريا، ويمكن أن تكون مقدمة لرسم معالم مناطق جغرافية على اسس طائفية وعرقية تمهد مستقبلاً لتقسيم نهائي.

استناداً الى تقرير للأمم المتحدة عن التطور البشري في 180 دولة، هناك أربع دول فيديرالية بين أفضل ست دول من حيث نوعية الحياة وهي: أوستراليا وكندا وبلجيكا والولايات المتحدة، تليها سويسرا وألمانيا.

ولكن هل يمكن تطبيق تجارب هذه الدول في سوريا؟وهل يمكن الفيديرالية أن تنتج سوريا موحدة وقوية حقا؟ تتفاوت الاراء في هذا الشأن، ولكن ثمة ميل الى الاعتقاد أن خيار “الفيديرالية” في سوريا تحديداً يؤدي إلى مشاكل خيار “التقسيم” نفسها وانه في كلا الحالين ونظراً الى تداخل المجموعات البشرية، يكمن الخطر في قيام بعض المجموعات بعمليات تطهير عرقي لتحقيق غالبيات في مناطق معينة.

النهار

 

 

 

طرح روسي لتقسيم سوريا .. خطة موسكو «البديلة»؟/ بدر الراشد

دخلت روسيا على خط الحديث عن احتمال تقسيم سورية، مع إعلان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس الاثنين، بأنه “من الممكن أن تصبح سورية دولة فيدرالية” وهي الإشارة الأولى من مسؤول روسي عالي المستوى، حول احتمال تقسيم سورية، في ظل الهدنة الهشة التي صمدت حتى اللحظة على الرغم من خروقات روسيا ونظام بشار الأسد.

وكانت القوى الدولية تباحثت يوم أمس، حول خروقات روسيا والنظام السوري للهدنة، في ظل تعطّل للمفاوضات السياسية بين النظام والمعارضة السورية، فالهدنة، فرصة لالتقاط الأنفاس، وإيصال المساعدات إلى المدنيين في المدن المحاصرة، أكثر من كونها فرصة لبحث فرص تسوية سياسية، لا يبدو أن المجتمع الدولي يملك أساساً لها في الوقت الحالي، إلا في حالة وجود “مفاجأة”، لا يبدو أن الأوضاع في سورية تنبئ بها.

طرح احتمالية تقسيم سورية ليس جديداً، لكن الجديد يتعلق بطرح الاقتراح من الطرف الروسي الداعم للنظام. ففكرة التقسيم تكررت خلال الأيام القليلة الماضية في دوائر القرار الأميركية، وتحديداً على لسان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في حديثه أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، حين تحدث عن إمكانية تقسيم سورية، في سياق يمكن ربطه، دون جزم، بـ”الخطة ب” الأميركية، والتي تكثر التكهنات حولها، من دون أن تُفهم ملامحها، باستثناء أنها خطة تصعيدية تشمل تسليح الفصائل السورية المعارضة، كما صرح كيري بنفسه. وتأتي “الخطة ب” في سياق نقاشات، أثارتها السعودية، في أروقة التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) تدفع باتجاه محاربة التنظيم في سورية من خلال إرسال قوات برية من دول المنطقة، بقيادة أميركية، وضمن التحالف الدولي.

وتأتي أطروحة “الفيدرالية” في سورية، كأطروحة “اللاخطة” إن صحت العبارة. فهناك الكثير من العوامل المحلية السورية، والإقليمية، تجعل فكرة “الفيدرالية”، والتي لن تكون إلا على أساس طائفي، أمراً غير ذي جدوى، خصوصاً أن الفيدرالية في السياق العربي، تعني “التقسيم”، والمحاصصة الطائفية، وانهيار الدولة الوطنية، وصناعة حالة انقسام اجتماعي حاد، ينتج دولة فاشلة، كما في التجربة الفيدرالية الوحيدة عربياً ألا وهي في العراق، بعد الاحتلال الأميركي.

وتبرز موانع كثيرة لقيام أية “فيدرالية” على الأرض في سورية، فلا يمكن أن يتم التفاوض على تقسيم الدولة، في ظل وجود فصائل سورية معارضة، ومسلحة، متعددة، بالإضافة إلى وجود مليشيات من خارج الحدود، أفغانية وعراقية ولبنانية، تعمل لصالح نظام الأسد، وفي سياق وجود تنظيم “داعش” والذي يسيطر على مساحة واسعة من التراب السوري، والذي لن يتم القبول به كجزء من الفيدرالية، ولن يحاربه النظام، أو المعارضة، أو الأكراد، وحدهم، بحيث يستفيد “الطرف الأخر” من هذه الحرب. فالجانب العسكري المفتت والمتشظي، يجعل فرض التقسيم في سورية أمراً صعباً، وفق المعطيات الحالية، والانطلاق من هذا التقسيم، لمحاربة “داعش” أمر أشبه بالمستحيل.

بالإضافة إلى الطبيعة الديمغرافية في سورية، التي تجعل مسألة التقسيم الطائفي غير ممكنة عملياً، حتى لو تم التعامل معها كخطة طوارئ، لحفظ أرواح السوريين، وإيقاف الاقتتال هناك. فلا توجد مناطق “نقية” طائفياً في سورية، إلا باستثناءات محدودة، قد لا تصمد كأقاليم في ظل نظام فيدرالي، أو كدويلات مستقلة. وبحكم وجود أغلبية سنّية تجعل الطوائف الأخرى عبارة عن تجمعات في وسط هذه الأغلبية، مما يعني أن قيام فيدراليات أو دويلات على أسس طائفية، أمر ضد الطبيعة الديمغرافية للدولة. كما أن الهوية السورية الوطنية ترسخت منذ الاستقلال، بحيث يصعب القول بأنها انهارت خلال الخمس سنوات الأخيرة، وبالتالي أصبح التقسيم على أسس هويات طائفية ممكناً، فقد حاولت فرنسا، عندما كانت تستعمر سورية، تقسيم المنطقة على أسس طائفية، وفشلت في هذا الأمر. وعلى الرغم من أحاديث بعض السوريين عن التقسيم، كخيار يائس لحفظ الأرواح وإعادة المُهجّرين، لا يبدو أن الأمر ممكن عملياً.

من هنا تبدو المواقف المعلنة، من قِبل نظام الأسد، ومن المعارضة السورية، لا سيما الهيئة العليا للمفاوضات، متقاربة لجهة رفض التقسيم في سورية. فالأسد صرح أخيراً بأنه يريد “استعادة كافة التراب السوري تحت سلطته”، الأمر الذي أدى إلى “توبيخه” من الجانب الروسي باعتبار التصريح لا يساعد على إيجاد حل في سورية.

واليوم فُهم معنى هذا “التوبيخ” فروسيا ترى أيضاً أن “استعادة الأسد سيطرته على كافة الأراضي السورية” أمر غير ممكن. والمعارضة السورية من جهتها، أكدت مراراً، أن التقسيم ليس وارداً لديها البتة، وأنها تقف ضد تقسيم الدولة السورية لذا تنازلت في “جنيف 1” ووافقت على الإبقاء على المؤسسات المدنية، والعسكرية، في سورية، في حال رحيل الأسد وأعوانه “ممن لطخت أياديهم بالدماء”.

فالتجربة العراقية أوضحت أن حل مؤسسات الدولة، سيعني تلقائياً تقسيم الدولة، وتحوّلها إلى “دولة فاشلة”.

ولا يبدو أن دول المنطقة الفاعلة في سورية، ترغب في تقسيمها، لأسباب مختلفة في سياق كل دولة، باستثناء إيران، التي سيعني تقسيم سورية بقاءها فاعلة في الإقليم. فالسعودية ستقف ضد التقسيم، لأنه في الحالة السورية اليوم، سيعني التقسيم بقاء عامل إيراني فاعل في دمشق، وهذا ما لن تقبل به الرياض إطلاقاً، وهي التي ما زالت مصرّة على فكرة رحيل الأسد “بطرق سياسية أو عسكرية” كما يردد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بشكل مستمر.

ومردّ هذا التأكيد على ضرورة رحيل الأسد، أمران:

الأول بسبب المجازر التي ارتكبها بحق الشعب السوري، وكون “يديه ملطختين بالدماء” بحسب وزير الخارجية السعودي.

الأمر الآخر، وهو ما لا يتم التأكيد عليه سعودياً في العادة، لأن بشار الأسد شخصياً، هو الذي حوّل العلاقة السورية-الإيرانية من علاقة “تحالف” خلال عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، إلى علاقة هيمنة، خصوصاً بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، في عام 2005. وبالتالي فإن بشار الأسد مسؤول بصورة شخصية، عن رهن المنطقة بيد إيران، من خلال السماح للإيرانيين باختراق سورية.

أما تركيا، فستقف ضد أية خطة تقسيم لسورية، بسبب العامل الإيراني من جهة أسوة بالسعودية، ولسبب آخر يتعلق بتركيا وأمنها القومي والتعايش الاجتماعي داخلها، يرتبط بالمسألة الكردية. فتقسيم سورية، سيعني إعطاء مشروعية لدولة أو ولاية كردية على الحدود السورية التركية، وهو الأمر الذي لن تقبل أنقرة بحدوثه.

وبسبب العداء الروسي التركي، يأتي تأكيد روسيا، يوم أمس تحديداً، وعلى لسان ريابكوف، في سياق حديثه عن “الفيدرالية في سورية”، على إعطاء العامل الكردي أهمية في أي تسوية سورية، بقوله: “الوضع سيكون ناقصاً من دون أخذ العامل الكردي بعين الاعتبار وتمثيلهم بالشكل اللازم في المفاوضات”، مما يعني أن روسيا تستخدم الأكراد كورقة في وجه تركيا، بشكل واضح وصريح، على الرغم من معرفتها بحساسية الأمر في أنقرة، مما سيزيد في تصلب موقف الأخيرة.

وقد تأتي الدعوات إلى “فيدرالية” في سورية، تحت وقع الرغبة بإيقاف العمليات العسكرية، وتخفيف الضغط عن أوروبا، بإيقاف تدفق اللاجئين، وإعادة المهجّرين السوريين، لكن الفكرة مرفوضة سورياً وإقليمياً، وإمكانيات نجاحها ضعيفة، بسبب طبيعة الصراع، والفاعلين فيه من جهة، وبسبب الطبيعة الديمغرافية للمجتمع السوري.

لكن طرح سوريا للتقسيم، يمكن أن يكون تمهيداً لبقاء القوات الروسية-الإيرانية في سورية، فيما يُعرف “إعلامياً” بـ”الدولة العلوية” على الساحل السوري، تحت حكم الأسد.

هذه “الدويلة” قد تنشأ وتبقى مرحلياً، لكن وجودها سيكون مرهوناً بفرضها، والاستمرار في دعمها دولياً، فلا شيء “محلياً” في سورية، سيسمح لها بالبقاء على المدى الطويل.

العربي الجديد

 

 

 

ترقّبوا جمهورية سوريا «الفدرالية»!

رأي القدس

بعد تصريحات عديدة تركيّة تؤكّد أن روسيا تقوم بإنشاء دولة علوية للأسد، وتصريح لوزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، يحذر فيه من انهيار الدولة السورية، جاء تصريح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، ليضع النقاط على الحروف. فعلى عكس التصريحات التركية والأمريكية، التي تحذّر من انهيار الدولة السورية، ومن خطط موسكو لإنشاء دولة علوية تدور في فلكها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، فإن التصريح الروسي يحبّذ ويروّج لفكرة سوريا «فدرالية»، وهو واضح في صراحة تأييده لهذا السيناريو.

لكن ما الذي يقصده الروس حقاً؟ وهل يتعلّق الأمر بخطّة روسية منفردة، أم بتوافقات بين القوّتين العظميين، تستخدم المباضع العسكرية والسياسية المتوفرة لديهما، لصياغة جراحية تعيد فتق وقطب الجسد السوري المنتهك؟ أم أن الأمر يتعلّق بقبول أمريكيّ ـ روسيّ بتسويات الأمر الواقع فعلاً والذي يفرض نفسه، والذي يعتبر أن سوريا القديمة قد انتهت، وأن الشعب السوري تحوّل إلى كيانات متنازعة، لا يجمع بينها غير مناخ التكاره الأهليّ الهائل الذي غذّته المجازر وحملات التطهير الطائفي والقوميّ، والهجمات الكيميائية وقصف الصواريخ والبراميل المتفجرة، والتهجير المبرمج؟

تصريح ريابكوف يمتدح النموذج «الاتحاديّ» كونه «سيخدم مهمة الحفاظ على سوريا موحدة وعلمانية ومستقلة وذات سيادة»، على حدّ قوله، ويجيء هذا القول معطوفاً على تصريح سابق للرئيس السوريّ، بشار الأسد، في أيلول/سبتمبر الماضي «لا يستبعد النظام الاتحادي». ويتوافق التصريحان في الجوهر. فالروسي يشترط ألا يكون هذا النظام «من إملاء شخص على بعد ألف كيلومتر من سوريا»!، بينما يقترح الأسد أن يكون التغيير «نتيجة لحوار بين السوريين»!

التصريح الروسيّ يظهر، بداية، انتقالاً من مرحلة التموضع العسكريّ البرّي والجوّيّ، التي غيّرت موازين القوى في سوريا لصالح النظام وحلفائه، إلى مرحلة إعادة فكّ وتركيب هذا النظام بشكل يخدّم على المصالح الروسيّة، من جهة، ويعيد تطبيع علاقات هذا النظام الشرعية والقانونية مع العالم.

مصطلح «جمهورية سوريا الاتحادية» هو أكثر من قلب لحروف «جمهورية روسيا الاتحادية»، ولا تفوت سيدا الكرملين و»قصر المهاجرين» طبيعة التشابهات الكثيرة بينهما، فالرئيسان، بوتين والأسد، تولّيا السلطة في العام نفسه، ولديهما تاريخ طويل من المجازر ضد حواضن «إسلاميّة سنّية»، في الشيشان والقوقاز، كما في سوريا ولبنان. وكلا الرئيسين يخضعان لعقوبات غربيّة كبيرة على نظاميهما، وكلا البلدين يلتقيان في شراكتهما العميقة مع إيران ومشروعها للمنطقة العربية.

ما يختفي إذن، خلف الجمل الباطنيّة عن «سوريا اتحادية» ودولة «علمانية ومستقلّة وذات سيادة» هو رغبة خالصة في استكمال هضم روسيا لسوريا وجعلها فلكاً تابعاً لها، وفي ذهن موسكو بالطبع، نموذج إسرائيل ودورانه في فلك الولايات الأمريكية المتحدة. تحت حكم الأسد تحوّل مصطلح «الجمهورية العربية السورية» إلى «ماركة» أو «براند»Brand لتوصيف الوحشية المطلقة لنظام في تعامله مع مواطنيه، وكذلك للإرهاب بكلّ أشكاله: إرهاب الدول، وإرهاب التطرّف الديني والطائفي والقومي، وهذا، يستدعي، في عرف «البزنس» السياسي العالمي، اختراع «براند» جديد: جمهورية سوريا الاتحادية.

يعود الاسم بالتاريخ لثلاثينات القرن الماضي حين ارتأت فرنسا آنذاك أن تقسم المشرق العربي إلى دول دمشق وحلب و«جبل العلويين» و«لبنان الكبير» و«جبل الدروز»، ولكل من هذه الدول علم وعاصمة وحكومة وبرلمان وعيد وطني وطوابع وبريد. واضطر الفرنسيون، بعد ثورة شعبية استمرّت سنوات، لإعادة توحيد سوريا، كما اضطروا لإجراء انتخابات فازت فيها المعارضة وصولاً إلى استقلال سوريا ورفعها العلم الذي يرفعه الثوار السوريون اليوم.

تحاول روسيا أن تقوم، من جديد، بما فشل فيه الفرنسيون، مع التركيز على «الدولة العلوية» العتيدة. ولا يبدو أن الأمريكيين بعيدين كثيراً عن هذا المشروع، ولكن من باب التعويل على الطرف الكرديّ ومغازلة أحلام الأكراد بدولة مستقلّة.

والمشكلة في المشروعين هما الطابع الانتهازيّ والقسريّ فيهما، وفي تعارضهما مع أحلام السوريين بدولة مدنيّة «مستقلة وذات سيادة» فعلاً لا يتحكم فيها طرف يبعد عنها 5421 كيلومتر (مثل روسيا)، أو 10745 كم (مثل أمريكا).

رأي القدس

القدس العربي

 

 

 

 

التقسيم أم الحرب… أو هما معا… ما بعد الهدنة الملتبسة؟/ مطاع صفدي

العجيب في أسر هذه الهدنة أن صانعيْها، الأمريكي والروسي، ليسا واثقين مقدماً بمشروعهما. فالهدنة ليست هدفاً في حد ذاتها بل قد تكون لها وظائف متناقضة تخفي نوايا الدولتين الفعلية.

بينما يتمسك الروس بما يشبه رهان السلم على نجاح الهدنة، فإن السيد كيري، الذي لا يكف لسانه يومياً عن التصاريح المتناقضة، يكاد يفشي السر الرهيب المخفي من وراء كل هذه المرحلة الدبلوماسية الملتبسة. كأنما يعتبر سلفاً أن الهدنة لن تؤدي إلى السلم بل إلى تقسيم سورية.

لعل أمريكا تريد أن تعتذر للرأي العام في بلدها، ولشعوب المنطقة، أنها في المحصلة غير قادرة على منع تطور الحرب الأهلية المرحلية إلى نكبة وطنية وقومية كبرى لشعب سورية وعالمها العربي والإسلامي، لن تقل هموماً وإنتاجاً للويلات العامة عن نكبة فلسطين سابقتها الأولى طيلة ثلاثة أرباع القرن الماضي والربع الأول من القرن الحالي.

إن لم تستطع الهدنة القادمة أن تمارس جدية فعالة تكون أقوى من كل الاختراقات والالتفاقات المرتقبة على مسيرة الهدوء المفترضة، فإنها في هذه الحالة سوف تثبت بكل وضوح صحة الرأي الآخر الذي يتهمها منذ البداية، بكونها ليست في حقيقتها سوى محاولة في تبرئة الذمة من جريمة التقسيم التي ستكون هي النتيجة الوحيدة المحتومة، بديلاً عن اليأس من امكانية عودة السلام، حتى لا يقال غداً أن سادة المجتمع الدولي هم الذين شرعوا للنكبة العربية الكبرى الثانية، كما فعل أسلالهم في ما يتعلق بشرعنة وسرقة الوطن الفلسطيني من أهله، بل هم المتفائلون العاجزون عن مسالمة بعضهم للبعض الآخر قد أوصلوا البلاد إلى أشفى مصائدها في القضاء على وحدتها السياسية والجغرافية معاً.

وبذلك سوف يبرّىُ السادة الدوليون كل ما صنعت أيديهم القذرة من مقدمات التجزئة ومهالكها الآتية، ويلقون بأعباء الاتهام والإدانة التاريخية العظمى على عاتق عناصر الأرض، أي على مختلف فصائل الميادين الوطنية والدخيلة. سوف تصبح النكبة من مسؤولية هؤلاء المتقاتلين أنفسهم، الذين سيصيرون كذلك من أوائل ضحاياها عندما سيسود قانونها قريباً.

هذه الهدنة التي يبشر بها كيري، مقدماً بعجزها المحتوم، ماذا كانت وظيفتها إذن؟ مجرد ذريعة لنقص أعباء المسؤولية عن عاتق الكبار، من مخططي وصانعي جرائم الإنسانية، ورميها على عائق عملاء الميادين الدموية المفتوحة منذ خمس سنوات وأكثر؟ فالحقيقة المرة التي يتعاون الجميع على تجاهلها هي أن كل هذه الأهوال (الأهلوية) غير المسبوقة التي هزت ضمير العالم، إنما كان لها هدف واحد في المحصلة العامة لأقذر حرب، هو القضاء على سورية نفسها، وليس على أدوارها السياسية فحسب، كما كانت العادة طيلة الصراعات القومية الساندة على مستوى المواقف الحكومية فحسب. فسورية هي التي أُدخلت إلى عصر الفوضى بدل الثورة. لن تخرج منها إلا وهي بقايا لكل ما كان قائماً في كيانها المادي والمعنوي. سورية ستخرج من هذا الجحيم وهي في حال أسوأ وأشقى بكثير مما لو أنها تقسّمت أو تجزأت شذراً منذراً بأفعال سياسية دولية محلية مقصودة. ومع ذلك فالهدنة التي يبرّىُ أصحابَها أنفسهَم من أية ضمانة لنجاحها سلفاً، سوف تُحبي ربما لمرة حاسمة إمكانيةَ الأمل بالعودة إلى نوع من السلم الأهلي، بعد أن جعلته فظائع الأحداث أشبه بالمستحيل. سوف يمكن للقوى الشعبية الأخرى المعزولة عن الميادين، أن نستعيد بعض نشاطها الواقعي، أن تدخل ساحات الصراع العنفي باعتبارها تمثل البديل الوحيد القابل لإنتاج الفارق النوعي مع أسوأ واقع إنساني انهارت نحو حضيضه دولة كاملة. كانت احدى دول الريادة الفاتحة على نهضة العرب المعاصرة.

فقد تُشكل عملُية الهدنة في حد ذاتها، مهما كانت نتائجها الميدانية، نوعاً من مفترقِ طرق، الأسوأ فيها هو الجنوح نحو التقسيم، ولكن قد يأتي مقابله من يمكنه أن يقاومه، من أكثرية الشعب التي سوف ترفضه وتفتح ضده جبهات النضال السياسي المعروف بتقاليده منذ عهود الجماهير السورية وانتفاضتها الوطنية الفاصلة. هذه الجماهير الغائبة اليوم تقريباً، قد نأت بنفسها عن الانخراط في مسلسل التفاني المتبادل المفروض على الجميع. لكنها لن تبقى هكذا إزاء تحدي التقسيم. فإذا كان العنف الأعمى المسيطر قد استطاع أن يطيح الشخصية المفهومية السلمية للثورة الشعبية الأصلية، فهاهو مخطط التقسيم يهدف ليس إلى إطاحة الثورة وحدها، ولكن البلاد نفسها. بكيانها الجغرافي تمهيداً لعمليات تذرير مجتمعاتها ومحوها من الوجود التاريخي والإنساني معاً.

وتحويل ما كان وطناً للحب والحضارة إلى شيكية اعفوانية من بؤر عنصرية وطائفية يقاتل بعضها بعضا إلى ما لا نهاية على أضيق المصالح الفئوية، والتباري في ما بينها في أحط المؤامرات ضد بعضها. ما سوف يعنيه التقسيم هو إشباعُ الشرعيات اللفظية على الفصائل المتقاتلة الحالية. سيفوز أقواها بأسماء سلطات حكومية، وكيانات دولية، مع امكانية تفريخها للجماعات الأخرى من الدرجة الثانية أو الثالثة، وهي رافعة شكلياتها (الدستورية) لتغدو دولاً كذلك متشبهّة بكبراها من الصنف الأول.

أي أن هذا التقسيم الموعودة به النكبةُ السورية، لن يكون سوى الفخ الأكبر الأخير من أجل تأبيد حالة التقاتل العمومي السارية المفعول طيلة السنوات الخمس العجاف السابقة. هذا التأبيد الذي سيحتل أشكال الدول الدستورية، سوف يدعي أنه يحول الميلشيات إلى كيانات حضارية (؟). كأنما المقصودُ (الاستراتيجي) العميق من مشروع التقسيم هو نقل الحرب الأهلية الحالية من الوضع الشاذ الاستثنائي إلى حال من الانتظام القانوني لمظاهر حياةٍ عامةٍ تتمتع بمظاهر عامة طبيعية وفق توزيع رموز الشرعنة الزائفة على مختلف خصائص العنف الأهلوي السابق، وجعله عنفاً نظامياً محمياً بسلطة (الدويلة) الجديدة المصطنعة.

ما تعيشه سورية والمشرق من حولها هي لحظة حاسمة حقاً، هي نقطة تلاق لنهايات ما قبل مشروع أية هدنة حقيقية أو فاشلة، مع بدايات أخرى لمراحل عديدة مما سيسمى بحقبة ما بعد الحرب الأهلية أو زمن التصفيات السياسية الناعمة لمصلحتها التي ستؤسس بدورها واقعاً لسلام ما معطوب بتركه ماضيه الأسود، عاجزاً حتى عن طرح لمحاولات وأحلام أخرى بأشباه السلام. ذلك أن سنوات القتل العجاف لم تحل أية مشكلة سياسية أو عسكرية بقدر أنها تنتج منتصراً واحد من بين زبانيتها. لكنها رسّخت عقيدة العنف العبثي وحده كاحتياط ضروري لعجز، تكون وظيفته إحباط السياسة المدنية القادمة وتعجيز السياسة المدنية القادمة سواء لدى دعاتها أو ممارسيها في هذه المنطقة المظلومة من عالم العصر الراهن.

تجربة الهدنة المولودة كسبحةً ممزقةً، خادعةً ومخدوعة في مطامحها الوهمية. تجربتها هذه لن تمضي بدون أية معان مصيرية. قد يلخصها ذلك الاقتراص القائل إن الحرب الأهلية إن لم تكن قد حانت نهايتها، فهي على الأقل لن تشابه عيْن وقائعها السابقة لما بعد التهدئة السطحية الخائبة هذه. ولربما ستضطر إلى طرح الخيار الأشد حسماً حتى الآن من كل ماضيه. وهو الخيار ما بين عودة الثورة المدنية، مصححةً هذه المرة بكل تجاربها المتراكمة، أو أنها ستقدم فرص التحقيق العملي لصراع المشاريع التقسيمية الحائمة كالنسور الجانحة فوق الجغرافية السورية في كل جهاتها.

هذه الثورة المدنية المغدورة سواء بأيدي بعض روادها الأوائل، أو من وراء ظهورهم، فإنها لم تستسلم لقضاء مبرم بحقها. بل انسحبت إلى ضمائر جماهيرها الكبيرة الصامتة والمبعدة عن الحدث الإرهابي السائد في كل الساحات العامة، بدلاً من سيادة المهرجانات التاريخية المليونية التليدة، تلك المتوارثة منذ عهد أعمق الأصول إلى أبعد الفروع للأمة العربية.

نقول شكراً للهدنة الكاذبة. فقد أثبتت أن القتلة لن يكونوا أبداً صناعاً للسلام تحت أية ضرورات كانت، ولا أن بعضها يعادل التهديد بنهايتهم فُرادى وجماعات، تلك الخاتمة الآتية في كل حين. صانعو السلام هم مقاتلوه الحقيقيون الرافعون لراياته فوق كل مظلة كالحة، هؤلاء هم المستحقون لعهده التليد. فقد كانوا ثواراً روّاداً لعصر الحرية والكرامة. فإذا ما كانت الثورة قد سرقت منهم في غفلة من العقل والدهر معاً، فلن يسمحوا بأن يخطف منهم السلام القادم مرة أخرى… عسّى ولعلّ!

٭ مفكر عربي مقيم في باريس

القدس العربي

 

 

 

 

“تقسيم سورية” كبديل من فشل الهدنة والمفاوضات/ عبدالوهاب بدرخان

لم يعد السؤال «ماذا يريد السوريون» مطروحاً، ولا معبراً عن شعب موجود مصمّم على العيش في سورية واحدة. بل أصبح السؤال: «ماذا يريد الأميركيون والروس والإيرانيون» لسورية وشعبها؟ نعم، هناك نظام ممتلئ الآن بمشاعر انتصار قيد الإنجاز لكن مصيره ليس محسوماً بعد على النحو الذي يتمنّاه، وهناك شعب يناوئ هذا النظام وأصبح معظم أفراده خارج الحدود فيما يعيش الآخرون في ظروف طاردة. ونعم، هناك دول عربية واقليمية تدخّلت متأخرةً ومُكرَهة بالصراع وكانت تفضّل ألّا يحصل، وهي تبدو الآن كما لو أنها خارج الصورة أو مستبعدة لأنها ترفض بالأساس ما يدور في اتصالات اللاعبين الدوليين والاقليميين عن تحويل الأمر الواقع الحالي الى واقع تقسيمي. فهكذا انزلقت أحاديث الكواليس من الانشغال بـ «وقف إطلاق النار» الى ما بعده، سواء نجح تثبيته أو فشل.

لا شك في أن خرائط القتال المتغيّرة على مدى خمسة أعوام، كذلك خرائط المجازر واقتلاع السكان، فعلت فعلها في رسم الحدود بين المناطق وفقاً لهوياتها الطائفية. ولا شك في أن المعارضة لا تزال معنيّة بشمولية قضية سورية شعباً وأرضاً ودولةً، وبإعادة طرح أسئلة الأزمة وتحليلها منذ بدايتها، لكنها باتت وحيدة. فالنظام (شريكها/ عدوّها في التفاوض) لم يتعامل بمسؤولية مع سورية وإلا لما استدرج المواجهة مع الشعب الى العسكرة والاحتكام للسلاح ولما تآمر على البلد وتاريخه وهويته للحفاظ على نفسه، ولن يفلح في ذلك أياً تكن صيغ التقسيم. أما القوى الخارجية فتريد تجاوز كل الوقائع لتتعاطى فقط مع نتائج الاقتتال بغية إنهاء الصراع، ولا ترى فائدة من أي جدل حول مخرجات نظام مستبد بانت حقيقته، ولا تزمع معاقبته في أي حال، رغم إمعانه في الإجرام.

عشية الهدنة الموقتة في سورية، أدارت واشنطن حملة تشكيك مركّزة على نيات روسيا، ليس فقط لانتزاع التزامها «وقف العمليات العدائية» بل أيضاً للتأكد من ضمانها التزام ايران ونظام بشار الأسد. ردّت موسكو بإرسال وزير دفاعها الى طهران وبجولة هاتفية لفلاديمير بوتين. كان الروس والإيرانيون والأسديون صعّدوا العمليات العسكرية فأجهضوا أوائل شباط (فبراير) محاولة لإطلاق المفاوضات السياسية في جنيف، وكانت الحجة أن لا اتفاق بين الأطراف على وقفٍ لإطلاق النار، بل توافق «ضمني» على أن تمضي المفاوضات والمعارك في آن، وهو ما رفضته المعارضة التي حدّدت شروطاً للبدء بالتفاوض – وقف القصف العشوائي (الروسي)، إنهاء الحصارات وإيصال المساعدات الإنسانية، وإطلاق المعتقلين. لم يكن هذا التصعيد على الأرض مبرمجاً فحسب، بل أوحت ردود الفعل الأميركية بأنه حصل خلافاً لـ «التفاهمات» مع روسيا ويكاد يُخرج الوضع عن السيطرة. فإدارة باراك اوباما لا تمانع الضغط على المعارضة كي تقبل بـ «الحل السياسي» المرسوم، إلا أنها تعارض شطبها عسكرياً، ليس فقط لأنه يحبط أي حل بل خصوصاً لأنه سيمدّ «داعش» بآلاف المقاتلين وسيكون بالتأكيد الخطوة التمهيدية لإرهاب «ما بعد داعش».

أدركت موسكو أنها ارتكبت خطأً تكتيكياً لكنها لم تعترف به، بل جاء سيرغي لافروف الى ميونيخ للبحث مع جون كيري في وقف إطلاق النار، وخرج الاثنان لإعلان اتفاق، لكن أيضاً لإبداء تشكيك كل منهما في الآخر، مع فارق أن الروسي أكثر تحكّماً بخططه، ولا يهمّه أن يُتّهم بالخروج عن «التفاهمات» أو عن نص القرار 2254. وقد استهلك الإعداد للهدنة ثلاثة أسابيع، بما فيها من ضحايا ومصابين ومهجّرين ودمار واستهداف منهجي للمستشفيات والمدارس. في الأثناء، استطاع الروس وحلفاؤهم فرض مزيد من التغيير في خريطة السيطرة والانتشار لمصلحة النظام. ولو لم يبلغ التوتر على حدود تركيا نقطة اشتعال مواجهة اقليمية لما اضطر الأميركيون للتفكير في مبادرات (وهذا نادر في نهج اوباما)، منها الضغط على موسكو كي توضح استراتيجيتها:

فإذا كان هدف روسيا تمكين الأسد من السيطرة الكاملة، فإنها تعي جيداً أن نظامه لم يعد قادراً على إدارة المناطق المستعادة بسبب ما هو عليه من ضعف ووهن، لذلك فإنه سيعتمد على الإيرانيين وميليشياتهم، وهذا سيكلّف روسيا صراعاً أطول وسيفتح الباب لتعقيدات جديدة لأن القوى الداعمة للمعارضة ستقدم على رفع مستوى تسليحها بضوء أخضر اميركي أو من دونه.

أما إذا كانت روسيا تجد مصلحة في ترجيح «تسوية سياسية» فعليها أن تغيّر مقاربتها كليّاً، أولاً بإعادة الأزمة السورية الى اطار فيينا والقرار 2254 المتفق عليهما، وثانياً بالتخلّي عن مناورتها بالملف السوري لانتزاع مكاسب في الملف الاوكراني، وثالثاً بوضع حدٍّ لاستفزازها المفتعل ضد تركيا وإلا فإنها ستشوّش على خطط محاربة إرهاب «داعش» وتفسدها.

لكن إدارة اوباما اعتادت على أن لا تتوقع من بوتين سوى عكس ما يعلن وعكس ما يُتفق عليه، فيما اعتادت موسكو على تنازلات اميركية متدرّجة، من قبول التدخّل الايراني الى التكيّف مع التدخل الروسي، ومن القبول ببقاء الأسد الى الرضوخ لحل قوامه حكومة تحت سلطته، ومن استبعاد عملية انتقال سياسي الى غضّ النظر عن تصفية المعارضة… ولم ينتهِ المسلسل بعد، فكلما ضغط الروس وجدوا اوباما ملبّياً. ويبدو أن جون كيري، بصفته المحاور الوحيد للروس، هو الوحيد العارف ما يريده رئيسه، أي لا تدخّل ولا تورّط ولا حسابات خاصة لمصالح الحلفاء والأصدقاء.

ما فات اوباما أن النتائج الكارثية لتدخّل سلفه جورح بوش الابن في العراق تكرّرت على نحو أفظع في سورية في عهده رغم/ أو بسبب عدم تدخّله. لا بد أن كيري يدرك هذه الحقيقة فيما يتولّى عملية الإخراج الجيد لسياسة يعلم أنها سيئة، ثم أن الروس لا يسهّلون له مهمته، لذلك استبق «وقف العمليات العدائية» بجملة مواقف راهن فيها على «الالتزام الروسي» بإنجاح الهدنة كي يمكن تفعيل الجهود الديبلوماسية، وإلّا فإن الفشل سيعني أن سورية «قد تدمّر بالكامل» و «أننا قد نتخذ مواقف أكثر حدّة بما فيها تقسيم سورية» و «وربما يفوت الأوان على إبقاء سورية موحّدة اذا انتظرنا فترة أطول»!… ثم كشف أن رهانه الآخر على الإيرانيين وما إذا كانوا سيعملون «بنية حسنة» لتحقيق «الانتقال السياسي»، فضلاً عن رهانه على الأسد و «اتخاذه بعض القرارات الحقيقية في شأن تشكيل عملية حكم انتقالي حقيقية».

كان كيري وهو يعرض رهاناته الثلاثة هذه كمن يتحدث عن ثغرات خطيرة يعرف مسبقاً أنها ستفسد الهدنة. أما إشارته الى الخطة «ب» فالهدف منها تخدير الحلفاء أو تضليلهم، لأن رئيسه يرفض أي تحدٍّ لروسيا وايران. لكن ما يستوقف هو قفزه المفاجئ الى «التقسيم»، وإذ صاغه بلهجة التحذير للروس والايرانيين والأسد فقد بدا كمن يدعوهم لمباشرة المساومة التي ينتظرونها، طالما أنهم لا يريدون هدنةً ولا انتقالاً سياسياً ولا إنهاءً للصراع، بل بدا كأنه يشير الى ما يُتدَاول فعلاً في الكواليس. بالتزامن، يظهر فجأة مدير سابق لـ «سي آي إي»، مايكل هايدن» ليتحدّث عن «تغييرات اقليمية كبيرة» و «انهيار حدود سايكس – بيكو». وإذا بلافروف يحذّر من أن الارهاب يهدّد بـ «تفكيك الشرق الأوسط». وها هو أحمد داود اوغلو يصرّح بأن تركيا «لن تسمح بتقسيم المنطقة مجدّداً على نهج سايكس – بيكو» وستتصدّى لمحاولات «تقسيم تركيا الى أجزاء صغيرة»…

شهران أو ثلاثة هي المهلة التي حدّدها كيري للاختبارين: جدّية الهدنة، وجدّية مفاوضات الانتقال السياسي. لا أحد يعتقد أن الهدنة ستصمد أو أن المفاوضات ستحقق اختراقاً جوهرياً، إذ يصعب على دعاة «حل عسكري» يرونه ممكناً أن يقدموا التنازلات الضرورية لـ «حل سياسي» يرون الالتفاف عليه ممكناً. أما إذا شاءت واشنطن الانتقال الى الخطوة التالية فقد تُفاجأ عندئذ بأن محبذي التقسيم سيكونون أشدّ الرافضين لضرب «داعش» وبالأخص لأي صيغة لإعادة اللاجئين من دول الجوار أو من ملاذات أخرى.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

لا تفتحوا أبواب الجحيم السوري/ منير الخطيب

اللبنانيون أدرى من غيرهم بهدنات الحروب، وأكثر معرفة باتفاقيات وقف إطلاق النار. خضنا حرباً أهلية استطالت بالنار 15 عاماً شهدنا خلالها عشرات الهدنات ومحاولات التسوية وحتى الحسم العسكري النهائي خلال الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، ولم نشهد نهاية للحرب المشؤومة، إلا بعد تبدل في السياسة الدولية انعكس اقليمياً باتفاق «الطائف» الذي رعت سوريا تنفيذه بالقوة. وإلى اليوم لا نزال نعيش في ظل اتفاق لم يصنع سلامًا كاملاً، بل حوّل الحرب الاهلية حروباً طائفية ومذهبية باردة.

التسوية الإقليمية آنذاك جاءت تحت عنوان: منع تغيير الخرائط الإقليمية التي خرق خطوطها احتلال صدام حسين للكويت. العنوان اليوم هو تغيير الخرائط الإقليمية وتقسيم المُقسم. وتحت هذا العنوان أيضاً تتفق الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية في تنسيق قلّ نظيره، على فرض هدنة مهما كان الثمن، ومهما تعدّدت الخروق، علماً أن العمليات العسكرية لم تتوقف.

الهدنة الأولى في مسار سنوات الحرب السورية الخمس مرشحة للانهيار في أي لحظة، في ظل وجود عشرات الفصائل المسلحة السهلة الاختراق. يستحق السوريون هدنة، بل سلاماً دائماً. إلا أن الوقائع لا تشي باقتراب تحقيق ذلك. لا يكفي أن تتفق واشنطن وموسكو على أمر ما كي يتحقق. وإذا كان ما يتسرّب من أخبار عن مخططات لتقسيم سوريا صحيحاً، فهذا يعني على أقل تقدير أن أبواب جهنم ستبقى مفتوحة لفترة طويلة، ما لم يتمدّد حريقها الى الجوار.

كثر الحديث الأميركي والروسي عن بدائل لوقف النار وعن خطة «ب»، واستخدمت كلمة تقسيم بصورة واضحة ومن دون مواربة. الروس حاولوا تلطيف المصطلح بالقول إن الدولة موحّدة ونظامها اتحادي. وقبل التنسيق الأميركي الروسي السياسي والعسكري، راج مصطلح «سوريا المفيدة»، القناع الآخر لكلمة تقسيم، ولم يجرؤ طرف من أطراف الحرب على تبنّيه علناً وصراحة. الكلام عن تقسيم سوريا يخرج مارداً شيطانياً من قمقم الاستقرار الدقيق في مستنقع شرق الأقليات العرقية والدينية. وسوريا هي المختبر، كامل المواصفات والمكوّنات عن الشرق الأكبر، وما يبدأ فيها سيمتدّ من المحيط إلى المحيط. وعلى أيّ دولة اتحادية أو تحت أي مسمّى آخر، ستتعمشق، عناوين المذاهب: سنّة وشيعة ودروز وعلويين وسريان وكاثوليك وأرثوذكس وغيرهم. وعناوين الأقليات: عرب وعجم وتركمان وكرد وأمازيغ وبربر وكلدان وأشوريين وغيرهم. اللائحة لا تنتهي والخرائط مرسومة. والتطهير كفيل بتنقية المناطق المتداخلة (بدلاً من كلمة المتعددة). العناوين تؤشر إلى نهاية كيوم القيامة.

تقسيم سوريا فكرة يسيل لها لعاب الكثير من اللاعبين الإقليميين. تخيّلوا سعادة إسرائيل عندما تلوح لها فرصة أخذ سوريا والمنطقة بالمفرّق. او تخيّلوا زهو آل سعود بتحقيقهم النصر الأول خارج جزيرة العرب، وانتقالهم إلى مرحلة الدولة التوسعيّة مع بداية عهد الملوك الأحفاد. ولكم في المقابل أن تتخيّلوا ايضاً الأتراك في مواجهة أخطر كوابيسهم: استقلال الأكراد. ومن خلفهم القيصر الروسي يراقب الدول السابحة في فلكه تسعى إلى الانفصال. وهل تحتمل إيران تعبئة مذهبية على حدودها؟ عناصر مكتملة وجاهزة لحرب الألف عام. الحرب لا تزال في بدايتها إذا كان التقسيم هو البديل عن الدولة السورية الواحدة المتعددة.

السفير

 

 

 

 

عندما يتحدث أعداء سوريا وحلفاؤها عن الفدراليّة/ محمد صالح الفتيح

وكأنّه لا يكفي هذا العام أنّ يجلب معه الذكرى المئوية لاتفاق «سايكس ـ بيكو» المشؤوم، فكان أنّ جلب لنا أنباءً عن تقسيمٍ جديدٍ مقبل. فجأةً بدت فكرة «فدرلة» سوريا، أو تقسيمها، شيئاً يتفق عليه أعداء سوريا وحلفاؤها. ولكن الحقيقة هي شيءٌ آخر تماماً. فبينما يطرح أعداء سوريا تقسيمها كمحاولة لإبقاء النزيف مستمراً، يدرك حليفها الروسيّ أنّ الفدراليّة قد تكون العلاج المرّ الوحيد.

لم تُرسم خطوط «سايكس ـ بيكو» بشكلها الّذي نعرفه فقط لمراعاة العدالة في المحاصصة بين بريطانيا وفرنسا، بل رسمت، هي وخطوط التقسيم التّالية، بكلّ عناية، لكي تبقى هذه البقعة من العالم في حالةِ توترٍ واحترابٍ مستمر. فعلى سبيل المثال، أنشأ البريطانيّون، في حصتهم، مملكتين هاشميّتين، في الأردن والعراق، حكمهما الشقيقان عبد الله وفيصل. لكن البريطانيّين أيضاً منعوا هاتين المملكتين من الاتحاد. فلم يكن مقبولاً أنّ يُصبح العراق، بموارده البشريّة والطبيعيّة الهائلة، على حدود فلسطين. وبينما منع البريطانيّون مثل هذا الاتحاد بدا أنهم لا يمانعون سعي العراق الهاشميّ للهيمنة على سوريا خلال الخمسينيات. ولكن الحقيقة هي أنّهم كانوا يدركون أنّ مثل هذه السيطرة لم تكن لتحصل أساساً، بل إنّ المحاولة ستبقي العراق وسوريا مشغولين عن القضايا الأخرى الأكثر أهمية، وستثير حفيظة الكيانين الكبيرين الآخرين في المنطقة، مصر والسعودية، اللذين سيحاولان محاربة النفوذ العراقيّ، وهذا ما حصل فعلاً. حصل هذا برغم أنّ الدول الثلاث يومها، العراق والسعودية ومصر، كانت متحالفةً مع بريطانيا، ولكن مَن قال إن البريطانيّين يريدون حلفاء عرب أقوياء؟ ألم يكن البريطانيون أنفسهم مَن رسم حدود الممالك والإمارات الخليجيّة، ورعاها جميعاً، ونقل ـ بقلم السير بيرسي كوكس وممحاته ـ الأراضي من مملكة آل الصباح إلى مملكة آل سعود؟ وبرغم ذلك لم يبدُ الإنكليز حريصين على منع العداء بين قطر والبحرين مثلاً، أو بين آل الصباح وآل سعود، أو الاقتتال الشهير حول أراضي «البريمي».

هكذا كانت خطوط «سايكس ـ بيكو» تتبع خطوط الصدوع وتفصل الكيانات المتناقضة، بما يضمن استمرار الصراع واستمرار الهيمنة الغربيّة، وإذا ما اقتضت الحاجة رُسمت خطوطٌ جديدة. لماذا ينصح الأوروبيون والأميركيون كردستان العراق بتأجيل الاستفتاء على الاستقلال؟ إذا ما حصل الاستفتاء وأصبح الاستقلال أمراً ناجزاً، أصبح للإقليم الكرديّ حدودٌ ثابتةٌ ولتطوى صفحة الاقتتال مع الباقي من العراق. ولكن هل يناسب هذا «الغرب»؟ لا يبدو أن الأمر كذلك. فبينما ينصح «الغرب» الأكراد بتأجيل الاستفتاء على الاستقلال، نراهم يستمرون بتسليحهم ويباركون مساعيهم بالسيطرة على مساحات أكبر من العراق، ما يعني إبقاء الوضع في العراق حرجاً كبرميل بارود بفتيلٍ طويلٍ جداً، والسلام ممنوع بين مكونات العراق. كذلك هو الحال في سوريا. فإذا ما طرح وزير الخارجية الأميركية، مثلاً، فدرلة سوريا، أو تقسيمها، فلن يكون هذا من باب الحرص على هذا المكوّن أو ذاك. بل لخلقِ خطوط صراعٍ واستنزافٍ جديدة. دام القتال بين بغداد والأكراد لعقود، ولم ينته العداء بعد، واستمر القتال برغم اتفاقية الحكم الذاتي الموقعة في 11 آذار 1970. فكم سيستمر القتال، إن حصل، بين دمشق والأكراد؟ قد لا يكون من الصعب إيصالُ بلدٍ ما إلى الحرب والدمار، ولكن بمجرد النجاح بإيصال ذلك البلد إلى تلك الحالة من الدمار يصبح الهدف التالي إبقاءه في تلك الدوامة. هذا ما يريده الأعداء.

روسيا: العلاج الوحيد؟

منذ أكثر من 150 يوماً، تدخلت روسيا عسكرياً لتوقف الانهيار الحاصل ولتمنع حصول زلزالٍ يتردّد صداه إلى آسيا الوسطى، وربما إلى موسكو نفسها. وبرغم أنّ الروس كانوا يعرفون تماماً حجم المهمة التي تنتظرهم، إلا أنّ المعلومات المنقولة عنهم، في مطلع تشرين الأول، كانت تقول، على سبيل المثال، إنهم يخططون لاستعادة كامل محافظة إدلب خلال ثلاثة أشهر. ولكن معركة إدلب لم تنطلق حتى اليوم، بعد خمسة أشهر. بالطبع هناك أسبابٌ موضوعيّةٌ لهذا التأخر، ولكنها بالمقابل لا تعني أبداً أنّ التأخر بلا ثمن. حرص الروس دوماً على العمل لحشد أكبر شريحةٍ ممكنةٍ من السوريّين في جبهةٍ واحدةٍ ضد الإرهاب. وقد تكون دعوة سيرغي لافروف الأولى المعارضة السورية للتصدّي للإرهاب إلى جانب الجيش السوري في نهاية العام 2013. وفي منتصف العام الماضي كُررت هذه الدعوة مرات عدة، ولكن بلا جدوى.

وحتى عندما بدأ الروس عمليتهم العسكرية في سوريا، نُقل عنهم أنهم طلبوا من القيادة السورية ضم قوات «الدفاع الوطني» إلى الجيش العربي السوري. وبرغم إعلان رئيس الأركان السوري عن تشكيل «الفيلق الرابع»، الذي فُهم أنه سيضمّ قوات «الدفاع الوطني» تحت مظلة الجيش العربي السوري، لم يتغيّر أي شيء على أرض الواقع. لم يطلب الروس هذا الدمج سعياً لمزاحمة الغير على نفوذه، بل طلبوا ذلك لإدراكهم أن الجيش هو المؤسسة الموحّدة والجامعة والضامنة لتمثيل جميع السوريين، ولهذا فلا بد من تقويته وجمع الكل تحت رايته. لم يُكلل هذا المسعى بالنجاح المطلوب. وهكذا، وبرغم تيقنهم من أنّ الأكراد السوريين قد خطوا خطواتٍ متقدمةٍ في تحالفهم مع الولايات المتحدة، أدرك الروس أنه لا مناص من دعوة الأكراد للقتال إلى جانب الجيش العربي السوري، بعد فشل كل المحاولات السابقة لحشد المزيد من القوات في وجه الإرهاب. بالطبع لا يمكن لعاقل أنّ يتوقع أن يكون انضمام الأكراد للقتال من دون الحصول على امتيازات لطالما طالبوا بها. يدرك الروس هذا أيضاً بشكلٍ جيدٍ جداً، وهم الذين احتضنوا الأكراد منذ أربعينيات القرن الماضي. ولكن من المنظور الروسي لا يبدو أن هناك الكثير من الخيارات البديلة. إذا ما استمر القتال في سوريا على هذه الوتيرة فقد يستهلك ما بين 5 و10 في المئة سنوياً من موازنة الدفاع الروسية التي تترنّح أساساً تحت عبء الحرب في أوكرانيا ومشاريع التطوير العسكرية التي قُلّصت ميزانيتها بسبب تدهور أسعار النفط والعقوبات الغربية. كما أن الأكراد المدعومين من الغرب قد يصبحون خصوماً جدداً يحاربون روسيا والجيش السوري. لا تملك روسيا أنّ تُهزم في سوريا أو أنّ تتخلى عنها أو أنّ تتركها تتمزّق كما يريد الغرب، ولكن بالمقابل ما هي الخيارات البديلة المتاحة؟ لكل هذه الأسباب تبدو الفدرالية من المنظور الروسي خياراً معقولاً. وبغضّ النظر عن مكانة سيرغي ريباكوف، أو عن الطريقة والسياق الذي أطلق فيها رأيه، يبقى الأكيد أنّ افتتاح مكتب تمثيل «لكردستان سوريا» في موسكو في 10 شباط الماضي، هو مؤشر مادي ملموس لا يمكن تجاهله.

السوريون فقط هم مَن يملك أن يشقّ طريقاً يحفظ وحدة البلاد. أيّ شيءٍ آخر، يتراوح بين الكلام المعسول عن اللحمة الوطنية وصيحات الاحتجاج على الإملاءات الخارجية، لا قيمة له. إن كنا عاجزين عن القيام بما ينبغي للحفاظ على وحدة البلاد، فلا يجوز أن نستغرب الحلول التي يقترحها حلفاؤنا. لا يقصد من هذا القول تبرير الفدرلة، بل هو الدعوة للتحرّك الحقيقي لمنعها.

السفير

 

 

 

تقسيم سوريا/ حسين شبكشي

مع حلول ذكرى مرور مائة عام على تقسيم خريطة العالم العربي بوضعها الحالي بعد سقوط الخلافة العثمانية، وذلك على أيدي وزيرَي الخارجية البريطاني والفرنسي سايكس وبيكو، يبدو أننا مقدمون على مرحلة جديدة من الخرائط التقسيمية ولكن هذه المرة «برؤية» وزيرَي الخارجية الأميركي جون كيري والروسي لافروف، وتنفيذ مجاميع إرهابية مثل «حزب الله» و«داعش»، فاليوم مع إطلاق تصريحين متتاليين من كل من كيري ولافروف أحدهما تصريح واضح بجاهزية تقسيم سوريا بشكل فيدرالي، وهي الكلمات الملطفة لفكرة الحكم الذاتي لمناطق بعينها.

ويأتي هذا التطور الأخير كنتيجة طبيعية للموقف الداعم لبقاء نظام بشار الأسد «بغض النظر عن رغبة السوريين والثمن الإنساني الباهظ لبقائه»، وهي مسألة صرح بها الروس مرارًا وتكرارًا وكذلك صرح بها الإسرائيليون وغض النظر عنها مؤخرًا الطرف الأميركي، وذلك على الرغم من حجم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في العصر الحديث التي تسبب بها نظام الأسد الذي يواصل قتله لشعبه بشكل همجي ومجنون، وبالتالي على ما يبدو أن هناك قناعة جديدة معلنة بأن التقسيم هو «الحل الوحيد» للأزمة السورية، لأن بشار الأسد غير صدام حسين على ما يبدو! وطبعًا سيناريو التقسيم في سوريا ليس بالجديد، فهو «موجود» فعلاً في العراق عبر دولة كردستان التي ترغب في التمدد بالاتجاه السوري استغلالاً للوضع الجديد، ووجود استعداد دولي للفكرة نفسها كمبدأ سياسي جديد يحاكي تغيرات جذرية على الأرض.

هذه «القناعة» ليست محصورة في العراق وسوريا، ولكنها تتشكل بشكل أو بآخر في ليبيا، وكذلك بشكل ما في لبنان، وقد يكون الأمر كذلك في اليمن.

ما هو غريب هو اتفاق الروس والأميركيين بشكل معلن على اتجاه التقسيم وإن كان على سبيل الطرح السياسي اللائق، وذلك باستخدام عبارات مثل الحكم الذاتي والفيدرالية، وجميعها تؤدي إلى كيانات جديدة ودول جديدة وأعلام جديدة.

سوريا بلد من عمق التاريخ تعوّد أن يكون حاضنًا للملل والأديان والمذاهب والأعراق والطوائف، وفرض واقع التقسيم عليه ليس بشهادة ضد شعبه في عدم قدرته على التعايش ولا التسامح، ولكنه دليل دامغ على فشل حكم طائفي بغيض حكم البلاد باسم القومية والعلمانية ليحولها إلى ميراث من أب لابن طاغية، سالبين الشعب حريته وكرامته وماله.

التقسيم المطروح على طاولة «الحل» السوري للأزمة ليس هو أول تقسيم ينال بلاد الشام وهي التي اقتطع منها الأردن وفلسطين ولبنان، وها هي اليوم تتعرض مجددًا لتقسيم جديد بمباركة دولية. كان حافظ الأسد مهندس تسليم الجولان لإسرائيل خلال وجوده على رأس الجهاز العسكري لسوريا، واليوم ها هو ابنه يضحي بنصف البلاد وأكثر في سبيل البقاء على حكم طائفته وعائلته.

للتقسيم دومًا أدوات مزروعة من الداخل تساهم بشكل فج في تسريع المشروع، ونظام الأسد وحزب الله و»داعش» هم أدوات تقسيم سوريا وما يحدث على أرضها اليوم. منذ أن بارك حافظ الأسد الموقف الإيراني وغرد وحده خارج السرب العربي في الحرب التي كانت بين العراق وإيران ومنذ أن قام وحده بدكّ المقاومة الفلسطينية في لبنان لتسليمها لحزب الله، منذ ذلك التاريخ كان يساهم في إخراج سوريا من المحيط العربي لها وتجهيز ابنه ليوم التقسيم الحالي.

الشرق الأوسط

 

 

 

هل يتحمل العالم وزر تقسيم سوريا؟/ أمين الفراتي

صدمت السوريين تصريحاتٌ غير مسبوقة ظهرت منذ أيام من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية تشي بأن هناك نوايا لتقسيم سوريا بعد نحو خمس سنوات من ثورة واجهها النظام بحرب مفتوحة، أفرزت وقائع مختلفة على الجغرافيا السورية.

وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إنه ربما يكون من الصعب إبقاء سوريا موحدة إذا استغرق إنهاء القتال فيها مدة أطول، وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أميركي كبير عن خيار تقسيم سوريا، حيث دأبت واشنطن على تأكيد ضرورة المحافظة على سوريا ديمقراطية علمانية موحدة.

كما ألمحت روسيا من خلال سيرغي ريابكوف نائب وزير خارجيتها إلى أنها لن تقف ضد فكرة إنشاء دولة فدرالية في سوريا، معربا عن أمله في أن يتوصل المشاركون في المفاوضات إلى ذلك.

وأضاف أنه “لا بد من وضع معايير محددة للهيكلة السياسية في سوريا في المستقبل تعتمد على الحفاظ على وحدة أراضي البلاد بما في ذلك إنشاء جمهورية فدرالية خلال المفاوضات”.

أثارت هذه التصريحات موجات رفض من قبل أغلب السوريين الذين يرون فيها خطوة باتجاه تمزيق بلادهم، وتحويلها إلى كانتوتات هشة تحمل في داخلها بذور شقاق ستؤدي إلى سفك الدماء، خاصة أن الطرح الدولي يقوم على تقسيم البلاد لدويلات مذهبية وعرقية، بحيث تصبح للعلويين دولة في الساحل، وللأكراد دولة شمال سوريا، إضافة إلى إقليم للدروز، في حين يصبح وسط وجنوب وشرق سوريا الذي يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة منه دولة للسنة الذين يمثلون الأغلبية في البلاد.

خطة روسية أميركية

ويرى الأكاديمي والكاتب السوري محمود الحمزة أن تصريحات كيري وريابكوف تشير إلى إمكانية تقسيم سوريا، مضيفا في حديث للجزيرة نت أن “التقسيم مطروح، ولكن كحل اضطراري نهائي وعلى شكل فدرالي”، معربا عن اعتقاده بأن هناك تفاهما مبدئيا بين موسكو وواشنطن على مصير سوريا يتضمن رحيل الرئيس بشار الأسد وأركان حكمه، وإبقاء مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية على أن تتولى الحكم “شخصية قوية تضمن مصالح أميركا وروسيا”.

وأشار الأكاديمي المقيم في موسكو إلى أن الروس والأميركيين بصدد فرض خطتهم على السوريين من خلال مفاوضات جنيف3 المقبلة، لافتا إلى أن التقسيم -إن تم- سيؤدي إلى اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد.

ودعا السوريين إلى رفض هذه الأفكار والتشبث بوحدة بلدهم أرضا وشعبا من دون الأسد والمحتلين والمتطرفين، وفق تعبيره.

من جهته، لا يستعبد الناطق باسم الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية رياض نعسان وجود مخطط روسي أميركي لتقسيم سوريا شبيه بالاتفاق الفرنسي الإنجليزي المعروف باتفاق سايكس بيكو الذي قسّم المشرق العربي الذي كان يخضع للإمبراطورية العثمانية قبل اضمحلالها قبل مائة عام.

وأضاف في حديث للجزيرة نت “ربما يتحمل العالم وزر تقسيم سوريا، ولكن الشعب السوري لن يتحمل هذا الوزر”.

ويرى مراقبون أن سوريا بطبيعتها الجغرافية وتداخل مكوناتها غير قابلة للقسمة وفق التصور الروسي الأميركي، إذ لا يستطيع أي مكون الانفصال عن غيره، خاصة أن الأقليات المذهبية والدينية والعرقية لا جغرافيا محددة لها، وليست لها أغلبية بشرية إلا في أماكن محدودة غير مؤهلة لأن تكون أقاليم مستقلة بذاتها.

التقسيم يخدم الأسد

وفي هذا الصدد يرى رئيس تحرير جريدة “كلنا سوريون” المعارضة بسام يوسف أن التقسيم ليس في مصلحة الشعب السوري، ويؤسس لصيغة تعمّق تفتيت المنطقة وإبقاءها في حيز الإضعاف والتهميش، مشيرا إلى أنه يخدم مصلحة أطراف أخرى في مقدمتها إسرائيل ودول كأميركا لها رؤاها ومصالحها الإستراتيجية.

وأعرب يوسف عن اعتقاده بأن تقسيم البلاد يصب في مصلحة نظام بشار الأسد، مضيفا في حديث للجزيرة نت أن التقسيم “قادم ما لم يتصد له السوريون”.

ويرى يوسف أن سوريا غير قابلة للقسمة، ولكن مصالح الأطراف لن تهتم بذلك، لأن مصالح الشعب السوري خارج حساباتهم، ولأنهم يرون أنه أنهك للحد الذي يجعله يقبل بأي صيغة لوقف الحرب.

وأعرب عن اعتقاده بأن التقسيم سيزج بالسوريين في حروب تستهلك بلدهم لعقود طويلة، مضيفا أنه “مشروع لإشغال المنطقة وتكريس تبعيتها وارتهانها لأطراف أخرى”، لافتا إلى أن معركة فرضه على الشعب السوري “ربما تكون قاسية”.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

 

 

 

 

 

 

 

 

موسكو وقنبلة الفيديراليّة السوريّة/ سميح صعب

لأن روسيا تدرك ان اتفاق وقف الأعمال العدائية وحده لن يكفي لنقل سوريا من مرحلة الحرب الى مرحلة البحث عن حلول سياسية واقعية لأزمة تدخل عامها السادس بعد أيام، ذهبت موسكو الى حدود الاعلان انها لا تمانع في قيام “جمهورية فيديرالية” في سوريا اذا ما قرر السوريون أنفسهم ذلك.

وتطرح روسيا الفيديرالية وهي متيقنة من أن المعارضة السورية وداعميها من تركيا الى السعودية سيرفضون ذلك، لأن الفيديرالية اذا ما طبقت في سوريا لن تقف عند الحدود السورية. فكل دول المنطقة التي تضم أقليات دينية أو عرقية ستكون مرشحة لتطبيق هذا النموذج لديها. ومع ذلك فإن الغاية من الاعلان الروسي تبدو كأنها اعلان عن المدى الذي يمكن ان تذهب اليه موسكو في البحث عن حلول للأزمة السورية وللتأكيد ان العمليات العسكرية الروسية لن تكون السياسة الوحيدة المعتمدة للانتقال بسوريا الى مرحلة البحث عن حلول.

وقبل ان تطرح روسيا الفيديرالية زادت أوراق القوة لديها في سوريا. فهي التي أقنعت واشنطن بالذهاب الى اتفاق وقف الأعمال العدائية باعتباره الاختبار الحقيقي الاول للأطراف السوريين الراغبين في الخروج من الحرب، وباعتبارة يحصن المواجهة مع التنظيمات الجهادية التي صارت الأولوية لمحاربتها في سوريا بعدما كانت أولوية واشنطن في الاعوام الماضية اسقاط النظام السوري. وهنا يبرز الخلاف منذ فترة بين أولويات واشنطن من جهة وأولويات السعودية وتركيا من جهة أخرى.

هذا المسار الجديد للأزمة السورية كان لروسيا اليد الطولى في ارسائه واقناع واشنطن به على رغم كل الحديث عن البدائل من الهدنة الحالية والتهديدات باجتياح بري لسوريا بقيادة أميركية ومشاركة الدول السنّية المنضوية في التحالف ضد الارهاب الذي أعلنته الرياض.

ومثلما قادت روسيا سوريا الى الهدنة، فإنها هي التي تتولى الان عملية المصالحات على الأرض وتشجع النظام على اتخاذ خطوات من شأنها دفع سوريين كثيرين خرجوا على الدولة، الى العودة بالمصالحة وليس بالنار. لكن الدور الروسي الناشط عسكرياً وديبلوماسياً لا يلقى قبولاً من أطراف اقليميين يرون أنهم سيخرجون خاسرين من سوريا وفي مقدمهم تركيا والسعودية ومعهما أطياف المعارضة المدعومة من هاتين الدولتين. وهذا ما يجعل المهمة الروسية – الأميركية أصعب من غير ان يوقفها.

ففي جعبة روسيا الكثير من الخيارات العسكرية والسياسية للحفاظ على مصالحها في سوريا حتى لو اقتضى الأمر الدخول في حرب أوسع. وآخذة في الاعتبار مثل هذا التصميم الروسي، تجد أميركا نفسها أمام خيار مجاراة الدور الروسي وليس مواجهته. أما الذين لا يريدون حلاً سياسياً في سوريا، فإن موسكو ألقت في وجوههم القنبلة الفيديرالية.

النهار

 

 

 

 

سوريا التي نعرفها انتهت/ غازي العريضي

أثناء التفاوض الروسي الأميركي للاتفاق على الهدنة في سوريا ثم إقرارها وبعد قرار مجلس الأمن، أطلق وزير الخارجية الأميركي تحذيرات جاءت في سياق ضغوطات للوصول إلى الهدف المذكور ومحاولة إلزام كل الأطراف به، تمهيداً للانتقال إلى البحث في العملية السياسية في جنيف 3. أبرز ما في كلامه الإشارة إلى خطة بديلة هي «الخطة باء» في حال فشلت الهدنة، وقوله إنه في حال الفشل يصعب تصوّر «بقاء سوريا كدولة موحدة»!

السعودية رحبت بالهدنة مشترطة بلسان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وأثناء مكالمته الهاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المبادر إلى الاتصال، أن تكون كل الخطوات مستندة إلى جنيف 1! والمقصود الواضح هنا أن تكون عملية انتقالية في سوريا، وألا يكون للأسد بنتيجتها أي دور في حكم البلاد! فالمملكة مصرة على رحيل الأسد بالحل السياسي أو بالقوة العسكرية. وبالتالي وافقت على الهدنة وفق موقف الملك سلمان.

روسيا رفضت الموقفين السعودي والأميركي لناحية الحديث عن خطة «باء»، فقالت إنها غير موجودة، وأن المسؤولين الأميركيين لم يشيروا إليها خلال اتصالاتهم معهم، واعتبرت أن مثل هذه الاتصالات تشكل تمهيداً لنعي الهدنة والبحث عن حل سياسي. لكنها في الوقت ذاته أشارت إلى فعالية الاتصالات مع أميركا، واعتبرت أن الجو يتحسن بين الدولتين، وأن التعاون القائم قد يمهد لإيجاد حلول كثيرة في سوريا وغيرها! واللافت هنا هو ما أعلنه نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف لجهة «ضرورة وضع معايير محددة للهيكلة السياسية في سوريا في المستقبل تعتمد على الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، بما في ذلك إمكانية إنشاء جمهورية فيدرالية خلال المفاوضات السورية – السورية». وتساءل: «إذا تمّ تشكيل معايير بهذه الصورة فمن سيعترض على ذلك؟ وفي حال اعتماد أنموذج آخر فلن تكون تلك قضيتنا شرط ألا يكون مفروضاً من على بعد آلاف الكيلومترات من سوريا وفي حال التوصل إليه من طريق المحادثات». واستبعد أن يكون تطور الأحداث وفق «سيناريو كوسوفو». يعني عملياً لا تقسيم بالمعنى الحصري الدقيق المتعارف عليه للكلمة. لكن، يكون تقسيماً واقعياً على الأرض من خلال مناطق نفوذ تسمى أقاليم أو محافظات وتكون في إطار فيدرالي، تماماً مثل السيناريو الجاري إعداده في العراق، والذي بات الحديث عنه علنياً وواضحاً وضوح خطوات تطبيقه على الأرض: إقليم سُني، إقليم شيعي وإقليم كردي! وفي سوريا، يلفت الانتباه التوافق الأميركي- الروسي على دعم قوات الحماية الكردية، وحق الأكراد في مناطق حكم ذاتي أو إدارة ذاتية أو منطقة نفوذ خاصة بهم. وفي السياق ذاته يرى البعض أن الموقف الروسي المبدئي إلى جانب الأكراد والذي فرضته ظروف الحرب الباردة- حتى الآن- مع تركيا، هو أساس التوجه نحو الفيدرالية وهذا ما يقلق تركيا ليس فقط لأنها تخشى كياناً كردياً أو منطقة نفوذ كردية على حسابها فحسب، بل لأن الأمر سينتقل لاحقاً إلى الداخل التركي ليهدد وحدة البلاد. وهذا يعني أن الحرب لن تتوقف الآن، والهدنة هي مرحلة من مراحلها وتشهد خروقات كثيرة وستنهار في لحظة معينة، وكل التجارب السابقة في سوريا وغيرها تشير إلى ذلك خصوصاً وأن الأسد اعتبر أن الهدنة فرصة لـ«المقاتلين الإرهابيين» لتسليم سلاحهم، والعودة إلى حضن الدولة مع استعداده لإعلان عفو عنهم»! هكذا يعتبر أنه في موقع المنتصر. فإما أن تستفيدوا من هذه الفرصة لتسليم السلاح وإعلان الهزيمة وإلا فإن الحرب ستبقى مستمرة. إذ أن كل من يحمل السلاح هو إرهابي في نظره ونظر حلفائه الإيرانيين خصوصاً الذين بدأوا باستخدام طائرات بدون طيار لقصف مواقع المعارضة، ورفعوا وتيرة تدخلهم إلى جانب قوات النظام، أو في نظر حلفائه الروس وإن كانت لروسيا حساباتها الخاصة في الملعب السوري وهي تتطلع إلى أميركا أولاً والى مصالحها معها في أكثر من منطقة في العالم خصوصاً على حدودها من أوكرانيا إلى بولونيا وغيرها.

في كل الحالات الهدنة محطة ليست ثابتة، وسيعود الوضع إلى الانفجار الشامل ما دام الأسد في السلطة. وخروجه ليس قريباً وليس سهلاً أو متاحاً الآن. مما يعني أن احتمال التقسيم سيتقدم واقعياً على غيره نظراً للوقائع الحالية وما ستشهده سوريا من تطورات، ومع تكرار الإشارة حول هذا الاحتمال من أصحاب الخبرة وآخرها ما أعلنه المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA ) السيد مايكل هايدن عندما قال: «إن السياسة الأميركية الحالية في الشرق الأوسط جيدة في معارك مباشرة ولكنها على مدى ثلاثة أو عشرة أعوام لا تقدر على منع الإرهابيين من إلحاق خسائر بمصالح الولايات المتحدة وبأرواح الأميركيين. تغير العالم كثيراً ونحن هنا في الغرب يجب أن ننتبه إلى ذلك». وأضاف: «لم تعد سوريا موجودة ولم يعد العراق موجوداً. لن يعودا إلى ما كانا عليه. أما لبنان فيتفكك وأما ليبيا فقد انتهت منذ فترة»! وتوقع «استمرار الحروب في الشرق الأوسط عشرة أعوام أخرى» مؤكداً أن بعض الدول الحالية هناك قد تختفي. وفي هذه المنطقة ثلاثة صراعات: «بين الدول السنية، وبين الدول السُنية والشيعية، وبين الدول الإسلامية والدول الغربية». لم يعد أحد يشير إلى الصراع مع إسرائيل وهو أساس تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة، كما لم يعد أحد يتكلم عن القضية الفلسطينية!

وزير سابق ونائب حالي في البرلمان اللبناني

الاتحاد

 

 

 

 

أوهام دي ميستورا/ الياس حرفوش

يطالب المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا أن يكون حل الأزمة السورية في يد السوريين وبقيادة سورية. ويسأل: لماذا يجب أن نقول مسبقاً ما يفترض أن يقوله السوريون طالما أن لديهم الحرية والفرصة لقول ذلك؟

الحرية والفرصة للسوريين ليقولوا ما يريدون؟ كيف ذلك ومن سيحمي هذه الحرية؟ هل يعتمد دي ميستورا على «خبرة» الرئيس الأسد في حماية السوريين ليذهبوا إلى صناديق الاقتراع في 13 الشهر المقبل تلبية لدعوته، ليدلوا بأصواتهم ويقرروا مستقبلهم بحرية، كما اعتادوا في ظل 16 سنة من حكمه، و30 سنة قبلها من حكم والده؟! أم يعتمد على فصائل المعارضة المبعثرة والمشتتة والتي تفرض الولاءات في مختلف أنحاء سورية، تبعاً لميول زعمائها ومن يعملون لديهم؟

لا أعتقد أن دي ميستورا يجهل تعقيدات الأزمة السورية، بحكم خبرته، وإن تكن قصيرة العمر، مع النظام وشبيحته، ومع قادة المعارضة المقاتلين للنظام والمتقاتلين في ما بينهم. كما لا يجهل المدى الذي بلغته التدخلات الإقليمية والدولية في مسار هذه الأزمة. لقد صارت الخريطة السورية مفتوحة الآن على طاولات قادة الدول الكبرى، بشكل لم يسبق له مثيل منذ بداية الأزمة. وما كان يصح قوله في الأشهر الأولى من عام 2011 حول قدرة السوريين على رسم صورة مستقبلهم لم يعد صحيحاً اليوم.

كان يمكن أن تبقى سورية في يد السوريين لو تجاوب بشار الأسد مع تظاهرات المعارضين السلميين في تلك الأشهر الأولى، ومع نداءات دول الجوار التي لم تكن قد قطعت علاقاتها معه آنذاك، مثل السعودية وتركيا وسواهما، ودعا إلى استفتاء أو انتخابات رئاسية مبكرة، تحدد مستقبل رئاسته وشرعية تلك الرئاسة الموروثة بتزوير فاضح للدستور السوري. أما اليوم فقد أصبحت هذه الرئاسة، بل أصبح مصير البلد كله في يد الدول الكبرى وأهوائها ومصالحها، وما يمكن أن تحصّله مما تبقى من الكعكة السورية.

لهذا لم يعد مستغرباً أن تشارك كل الأطراف، الإقليمية والدولية، في التفكير في مستقبل سورية وفي رسم مستقبلها، في غياب السوريين، موالين ومعارضين. وحتى الهدنة الحالية، التي سميت مجازاً «وقف العمليات العدائية»، تم فرضها فرضاً على أطراف القتال، من جيش النظام وفصائل المعارضة، من جانب الولايات المتحدة وروسيا. وإذا كان صحيحاً أن هذه الهدنة لقيت حماسة شعبية في المناطق التي تطبق فيها، فذلك يعود إلى أنها وفرت شيئاً من الحياة الطبيعية، وحدّت من أعداد القتلى، وسمحت بوصول بعض المواد التموينية والغذائية، خصوصاً إلى المدن والمناطق التي اعتمد فيها النظام سياسة «الجوع أو الركوع».

في مناخ الهدنة النسبية هذا، يريد دي ميستورا إحياء مفاوضات جنيف في الأسبوع المقبل، بعدما فشلت جلستها السابقة بسبب الخلاف على الأولويات، واستمرار العقبة الرئيسية التي يمثلها بقاء بشار الأسد. غير أن التصريحات الأخيرة للمبعوث الدولي توحي بأنه يأتي إلى جنيف حاملاً أفكار النظام في ما يتعلق بدور الأسد في رسم المرحلة السياسية المقبلة. فالدعوة إلى ترك السوريين يقررون مصيرهم بأنفسهم هي تماماً ما يطالب به الأسد، بعدما أخرجت مدافعه وطائراته وبراميله المتفجرة كل السوريين «الإرهابيين» من بلدهم، ولم يبقَ في المناطق «المفيدة» من سورية سوى أولئك السوريين الذين يرفعون راية النظام، ويمثلون «فائدة» كبرى في صناديق الاقتراع الموعود في الشهر المقبل.

هذا هو الاقتراع الذي يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يتفق مع الدستور السوري ولا يعرقل التسوية السياسية، على رغم أن الدعوة إلى الانتخابات تخالف القرار الدولي الأخير المتعلق بسورية والذي وافقت عليه موسكو (رقم 2254) ويضع الانتخابات الرئاسية والنيابية في المرتبة الثالثة بعد تغيير الحكومة وإقرار دستور جديد.

إنها التسوية، في نظر بوتين، التي تبقي بشار الأسد في الحكم، وتحجّم المعارضة سياسياً بعدما نجح تدخل القوات الروسية في تحجيمها عسكرياً.

… ثم يتحدث دي ميستورا عن ترك السوريين يقررون مصيرهم بأنفسهم، من دون تدخل خارجي!

الحياة

 

 

 

 

تقسيم سوريا: حدود الدم ووصفة الحرب المفتوحة/ د. خطار أبو دياب

بعد التدخل الروسي المباشر وإشارات التفاهم أو التجاذب الأميركي – الروسي مع تراجع في الأدوار الإقليمية والدولية الأخرى، أخذ مصير سوريا يخرج من يد السوريين. وإذا كان البعض يعتبر طرح شكل الدولة الاتحادية لسوريا المستقبل بديلا محتملا لفشل الهدنة والمفاوضات، فإن المتابعين لمسار نزاعات مماثلة يحذرون من سابقة استفراد واشنطن وموسكو بترتيب اتفاق وقف الأعمال العدائية، وهو أول وقف إطلاق نار جزئي منذ بدء النزاع المسلح. ولذا أصبح هذا التدويل من فوق أمرا واقعا وسينجم عنه إما استنباط حد أدنى مشترك بين مصالح كبار اللاعبين، أو تكريس غلبة روسيا. بيد أن أي مسعى لفرض خيار تقسيمي أو لتحبيذ الإقصاء والهيمنة، ستسفر عنه المزيد من الفوضى القاتلة والتطرف، وسيكون وصفة لحرب الثلاثين عاما في الشرق الأوسط الكبير.

عشية الذكرى الخامسة لاندلاع الحراك الثوري السوري، انتهى زمن التحفظ ودبلوماسية الكواليس، وأخذت تنكشف بعض الأوراق. للمرة الأولى خلال جلسة استماع في الكونغرس، الأسبوع الماضي، قالها جون كيري مواربة “في حال لم يتوقف القتال ويبدأ الحل السياسي، يمكن الوصول إلى تقسيم سوريا”. وبعد الضجة صدر نفي دبلوماسي يحمّل المسؤولية لسوء الترجمة! وانكشف المستور مع إيحاءات أوضح لنائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، الذي صرح في 29 فبراير 2016 أن “سوريا قد تصبح دولة اتحادية إذا كان هذا النموذج سيخدم الحفاظ على وحدتها”.

على الورق ووفق وثيقة جنيف 1 في 2012، والقرار الدولي رقم 2254 الصادر بعد مباحثات فيينا في خريف 2015، هناك تمسك بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية ويصل الأمر للكلام عن “سوريا علمانية” من أجل إبراز الطابع التعددي ودور المكونات الأقلية، ولذا ليس من المستبعد أن يكون ذلك المعبر لاعتماد شكل اتحادي يأخذ في الاعتبار مصالح الأكراد القومية وموقع العلويين المستقبلي في إطار يلائم تقاطع بعض المصالح الدولية والإقليمية وخصوصا الروسية والإيرانية، وربما الإسرائيلية في حال توفر ضمانات يطلبها بنيامين نتنياهو من روسيا وأميركا حول احترام ما يسميه خطا أحمر يتمثل بـ”عدم فتح جبهة الجولان بدفع من إيران، وعدم تسليم حزب الله أسلحة متطورة”، لكن ذلك يعني، عمليا، اهتمام إسرائيل بكل ما يجري من جوار دمشق إلى جنوب سوريا.

في هذا الصدد يمكن لبعض المراقبين اعتبار ما حصل في سوريا من تحطيم لقدراتها وبنيتها التحتية ملائما تماما لمصالح إسرائيل، لكن تعزيز النفوذ الروسي (بالرغم من تنسيق راعى حتى الآن مصالح إسرائيل) في سوريا معطوفا على تجذر النفوذ الإيراني، سيحد من هامش المناورة الاستراتيجية لإسرائيل. وإذا أضفنا إلى ذلك اشتداد النزعات الراديكالية الجهادية في مجمل الإقليم انطلاقا من “جوراسيك بارك الإرهاب في العراق وسوريا”، ستزداد دائرة المخاطر في ظل رقصة التحالفات والمحاور المتجسدة مثلا بتموضع حركة حماس بين طهران وأنقرة والدوحة، أو من خلال التشدد الخليجي والعربي حيال حزب الله خاصة بعد تصوره إحداث اختراق في زيارة وفد منه إلى مصر للقيام بواجب التعزية بمحمد حسنين هيكل، الذي كتب عن خسارة العرب الاستراتيجية في 1967 في سياق ما أسماه حرب الثلاثين سنة في القرن العشرين.

على كل، مستقبل سوريا لا تصنعه التصريحات والتمنيات ولا حتى الخطط والسيناريوهات، وبالطبع لا يصنع على طاولة المفاوضات في جنيف وغيرها، بل على الأرجح سيكون خلاصة التضحيات الجسيمة والنتائج الميدانية، وما يجري منذ أسابيع بالقرب من الحدود التركية وعلى أبواب الرقة، سيكون مفصليا.

في سيناريو الحكم الاتحادي، سيكون الخاسر الأكبر هو المكون الأكثري العربي السني الذي عانى من تدمير مدنه وبيئته وكان الرافد الأكبر للتغريبة السورية بعد تفاقم التطهير الممنهج ضده بالصواريخ والبراميل والتهجير والحصار والتجويع. وبالطبع فإن ذلك سيتم على حساب المصالح التركية والعربية في الإجمال (خاصة السعودية). وبالرغم من دعم باريس ولندن وبرلين للأكراد في المعارك ضد داعش، يسود الانطباع في أوروبا على ضوء أزمة اللاجئين (وصل الأمر بحلف شمال الأطلسي إلى اعتبار روسيا والنظام السوري مسؤولين عن استخدام اللاجئين سلاحا ضد أوروبا)، بأن الحلول الهشة في سوريا ستكون أيضا على حساب الأوروبيين.

ويكمن بيت القصيد إزاء مستقبل سوريا أو حيال أي مشروع لإعادة تركيب الإقليم في موقف واشنطن منه وبالقياس لمستوى التقاطع مع الدور الروسي أو التناقض معه. بعد الاتفاق حول الأسلحة الكيميائية السورية في سبتمبر 2013، كان هناك تصور بتركيب تسوية لافروف – كيري لهذا القرن بديلا عن اتفاقية سايكس بيكو، لكن الاشتباك الأوكراني في 2014 وعودة منطق الحرب الباردة أخذا يقلصان من حظوظ هذه التسوية خاصة بعد الاختراق الاستراتيجي الروسي في العام 2015، الذي يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لترجمته سياسيا، بينما يمارس جون كيري بناء على تعليمات من باراك أوباما مهمة مسايرة الجانب الروسي واحتواء اندفاعته، وهذا يعني تمرير الوقت في 2016 بانتظار الإدارة الأميركية الجديدة، ولكن لن يكون ذلك خاليا من المخاطر لأن أفق الحل السياسي شبه مسدود، ولأن تقييم الاستخبارات العسكرية الأميركية الأخير يحذر من ازدياد الدعم في 2016 لنظام الأسد من قبل روسيا وإيران وحزب الله، وهذا يعني أن اتفاق الهدنة الأخير ليس بالنسبة إلى القيصر الجديد إلا ستارا لفرض رؤيته حول تجميل النظام وتعويمه، وبدء مشوار إعادة تركيب سوريا انطلاقا من ميزان القوى الجديد المرتسم لصالح النظام وأيضا لصالح قيام وضع كردي خاص في شمال وشرق سوريا.

إذا قرأنا جيدا ترحيب إقليم كردستان باقتراح الدولة الاتحادية في سوريا، فهو يشكل تطورا سياسيا تبعا لعلاقة أنقرة وأربيل. لكن المراقب لوصول الطائرات السعودية إلى تركيا وبدء مناورات رعد الشمال، يتضح له أن الصراع السوري مفتوح ولن يقبل المكون الأكثري استبعاده عن “سوريا المفيدة” وعن دمشق الأموية كي يرضى ببعض الشمال والشرق والبادية وجزر متناثرة وسطا وجنوبا، أما التحالف العربي الإسلامي المناهض للإرهاب فستكون له مهمة تقريرية حيال مستقبل سوريا في اللحظة المناسبة إذا تحطمت الآمال الواهية حول الحل السياسي.

حتى الآن انتقلت اللعنة السورية إلى أكثر من مكان في الجوار والعالم، وإذا اعتبر البعض أن تقسيم سوريا هو أهون الشرور، فهو يهين الحاضر ويجازف بالمستقبل لأن فتح هذا الباب سيقود إلى المزيد من إسقاط الدول المركزية والتفكك، وستكون إعادة التركيب مرادفة لحرب ثلاثين سنة جديدة.

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى