صفحات سورية

اتهام وتخوين… في حضرة الدم السوري!


طارق حمو

 في أثناء مروره على المواقع الكردية والآشورية السورية لقياس درجة الاخلاص لدى أبناء هذه المكونات السورية للثورة الجماهيرية الحالية، ولضبط كل من يخرج على “ضوابط” و”شرائع” الثورة أو يكفر بمقدساتها (والتي يضعها ويقررها هو وحداه دائما) يخصص لنا المعارض غسان المفلح مقالا كاملا بعنوان( الكرد السوريون ولحظة الثورة) للحديث عن السوريين الكرد وهم يعيشون “لحظة الثورة”. ويبدأ غسان المقال بتقديم عام نمطي اعتادته اقلام المعارضة العربية المؤدلجة والمغلقة من التي تهتز وتترجرج حينما تسمع عبارة “الشعب الكردي”، فيبعد عن نفسه اتهامات “العنصرية” و”التعصب”، ويحاول تفادي هجمات المعلقين الكرد( التي لانتفق مع أغلبها) فينثر بعض الثناء على “الشعب السوري الكردي” ومن يثم يجهز و”يتهندم” فيطلق، ودفعة واحدة، حمما من التخوين والاقصاء والحكم بالعداء للثورة، فلايدع أي مجال للحوار، ولايترك “خط رجعة” مع أناس وشخصيات وصفهم، ومايزال يصفهم، بالأصدقاء!.

يفرد غسان عدة أسماء، فيمدح وينتقد، ويصل الى اسمي فيكتب العبارة المهولة الصاعقة المدمرة الآتية:” وحامل سيف العداء للثورة بالعمق الصديق طارق حمو”. وهو اتهام هزّ كياني، وجعلني مشلولا لأيام وانا افكر في كم الظلم والجور والعداء والحقد وقلب الحق باطلا، وأكثر من ذلك بكثير، من امور تضمنها ذلك الاتهام المزلزل بحقي.

أنا الذي أثرّ دم السوريين على أعصابي وحياتي، ككل السوريين وغير السوريين من اصحاب القلوب والضمير، وبكيت مرارا ومرارا أمام هول جرائم بشار الأسد وزبانيته بحق الأطفال والنساء والمسنين، أصبح ـ بشخطة من قلم غسان ـ عدوا للثورة السورية، ليس لأني حملت السلاح مع بشار وزبانيته وشاركت في قتل أبناء شعبي، وليس لأني دافعت عنه في المنابر المقروءة والمرئية، وليس لأني تخاذلت في وصف هذا الحراك الجماهيري بالثورة الشعبية المحقة، ووصف قمع نظام الاسد للمواطنبن بالجرائم والمذابح والابادة، ليس لذلك كله، لكن لمجرد اختلافي مع غسان المفلح في بعض الآراء وانتقادي لبعض خطاب المعارضة السورية القائم على الطائفية والمذهبية والمراهن على محاور اقليمية، ودفاعي عن حق شعبي الكردي في عيش كريم ومستقبل مشرف في بلد اسمه سوريا، حرّمنا من لغتنا منذ أن أسسته “سايكس ـ بيكو” مطلع عشرينيات القرن الماضي، ولم تعر كل انظمته وحكوماته أي اهتمام لوجودنا، بل نكّلت بنا وظلمتنا وقمعتنا وقتلتنا، فلما جاءت الثورة ووقفنا معها ومع شعبها ـ ووضعنا في خدمتها وخدمتهم ـ كل امكانياتنا ومؤسساتنا التي بنيناها بدماء أبناء شعبنا، وبذلنا، لما نظنه تصحيحا لمسار هذه الثورة ـ نذرا من النقد، صرنا من “الأعداء” و”المدسوسين” و”حاملي سيوف ومعاول الهدم” للثورة السورية الناهصة، الناصعة البياض، والتي رفض كل ثوراها سفك أي قطرة دم، أو الرد بالمثل، أو اطلاق حتى عبارة طائفية واحدة في حق أي مكون من الشعب السوري.!

أيٌ اتهام هذا الذي كلته لي ياغسان. والله تنوء الجبال تحته.

والحال ان غسان “منرفز” ومتشنج، لايريد احدا خارج الثورة التي يخط هو وحده ـ ويمنح لنفسه فقط الحق ـ حدودها المقدسة ويوزع شهادات الانتساب لمن يجد فيه الثوروية الصادقة. لامجال لأي نفسّ للرأي الآخر. من ينتقد هو في صف النظام. أما ان تكون معنا أو ضدنا. انها “المعركة المصيرية” مع النظام ومحرم النقد والرأي المخالف. لقد اعلن غسان حالة الطوارئ ونصّب (محكمة أمن دولة) جديدة واصدر حكما بالخيانة على كثيرين: هيئة التنسبق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، وعلى هيثم منّاع وعبدالعزيز الخيّر وغيرهم من المناضلين، وحكما آخرا مهولا ب”العداوة للثورة” على طارق حمو ( المطعون في وطنيته وولاءه لسوريا العروبة والإسلام مرتين: فهو كردي و…إيزيدي ايضا!). وأي حكم عظيم هذا، وماذا عساني فاعلا واحكام (محكمة امن الدولة) غير قابلة للنقض والرد؟.

يٌريد غسان منا ان نسكت على اخطاء المعارضة الطائفية وعلى تخبطها. تلك المعارضة التي تلحق الضرر الأكبر والأعظم بثورة الشعب السوري، وتشحن النفوس، وتستند الى جرائم وابادات النظام المجرم، المتوحش، القاتل بحق كل السوريين، فتنفخ في نار خلافات مذهبية تاريخية، اذما استعرت وجرت الدم بالدم، فلن تتخلص منها سوريا لمائة عام قادمة.

أما أن نسكت فنكون من “الثورجية” و”المرضي عليهم” وأما ان نٌتهم بحمل “سيف العداء للثورة”!.

فهل انتقاد (المجلس الوطني السوري) وطريقة تشكيله في اسطنبول، و”بيان الغدر” الذي اصدره ضد حزب العمال الكردستاني، وتصريحات القيادي فيه علي صدر البيانوني بحق الكرد في برنامج بثته فضائية “العربية”، وتصريح رئيسه برهان غليون بحق( ولن نقول ضد) الكرد والذي شبههم فيه بالمهاجرين المغاربة في فرنسا، وتسريبات حول موافقة المجلس على تمرير اتفاقية “اضنة” الخيانية في أي نظام قادم، الى جانب نقدنا لجرائم النظام الأسدي القاتل، هو عداء للثورة؟.

وهل انتقاد جريمة قتل ضباط طيارين في باصات المبيت وغيرهم من كوادر طبية وعلمية وعلى خلفية مذهبية، الى جانب نقدنا لجرائم النظام الأسدي القاتل، هو عداء للثورة؟.

وهل انتقاد الخطاب الطائفي وتصريحات الفضائيات والشتم العلني لطوائف سوريّة، الى جانب نقدنا لجرائم النظام الأسدي القاتل، هو عداء للثورة؟.

وهل انتقاد تصريحات القيادي في تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري حول الثورة السورية، وتدخلات السلفيين الكويتيين، وبيانات “كتائب الأنبار” العراقية، الى جانب نقدنا لجرائم النظام الأسدي القاتل، هو عداء للثورة؟.

وهل انتقاد بعض عمليات الجيش السوري الحر( والاشارة الى الخلافات بين الضباط المنشقين، وانشقاق بعضهم عن بعض، وتصريح رئيسه العقيد رياض الاسعد المؤنب والمخوّن للمجلس الوطني السوري)، الى جانب نقدنا لجرائم النظام الأسدي القاتل، هو عداء للثورة؟.

وهل تقديم النصيحة للأحزاب الكردية بعدم التورط في أي مواجهات مذهبية وطائفية، أو تصفية حسابات قد تحدث بين الطوائف السورية( وخلف كل واحدة منها غابات من الأموال والسلاح) الى جانب نقدنا لجرائم النظام الأسدي القاتل، هو عداء للثورة؟.

وهل الدعوة للتركيز على ابراز الخصوصية الكردية في الثورة السورية، والتشاور مع القوى الكردستانية الكبرى في شمال وجنوب كردستان، الى جانب نقدنا لجرائم النظام الأسدي القاتل، هو عداء للثورة؟.

وهل الدعوة الى سلمية الثورة ورفض التدخل الخارجي العسكري، الى جانب نقدنا لجرائم النظام الأسدي القاتل، هو عداء للثورة؟.

تتهمني بمعاداة الثورة ياغسان، وماذا فعلت اكثر مني لكي تكون انت في قلب الثورة وانا ضدها؟.

كتبتٌ حوالي 50 مقالا بالكردية ترٌجمت معظمها للتركية، وكتبتٌ عشرات المقالات بالعربية، وبضع أخريات بالالمانية، واعددتٌ عشرات البرامج التلفزيونية الحوارية عن الثورة شارك فيها مناضلون عرب وكرد وآشوريون. منهم من رفض التدخل العسكري وتمسك بسلمية الثورة، ومنهم من “قام على حيله” في البث المباشر، ودعى الى التسليح و”التعاون مع الشيطان” للخلاص من بشار الاسد ونظامه، ولعن عظام حافظ الاسد مثنى وثلاث ورباع الى ان هدأت نفسه!.

الآن وانا اكتب هذه السطور، وصلتني معلومات بان هناك 20 جثة لجنود كرد رفضوا اطلاق النار على اهلهم في حمص ودرعا وادلب والزبداني في برادات حلب تنتظر “فرزهم” على اهلهم، وبعض هؤلاء ينتمون لعائلات من انصار حزب الاتحاد الديمقراطي، ماذا سيقول هؤلاء اذما قرأوا مقالك وانت تخوّن طارق حمو وتتهمه بالعداء للثورة؟.

أي سوريا جديدة هذه ننتظرها منكم وانتم تخونوننا وتتهموننا بالردة عن الثورة و”بحمل سيف العداء” لها، لشرعنة تطبيقات الاقصاء والتهميش ورفض الحقوق مستقبلا؟. الايحق لنا ان نٌقيم مقارنة بينكم وبين النظام الحالي، والحال هذه؟.

لماذا تتم القراءة لنا بمعزل عن كوننا كردا ولنا خصوصية؟. لماذا تجرّون علينا القراءة الشمولية العامة، وتنسون بأننا أبناء أمة تعرضت للتمزق والقتل والطعن في الظهر مرارا ومرارا ومرارا؟.

لماذا تخونوننا حينما نطالبكم بالضمانات؟. لماذا تنكرون علينا الاشارة الى هويتنا الكردية بينما انتم تصرون على “الجمهورية العربية السورية” وعلى “نشيد حماة الديار” الذي يعتبر سوريا “بيت العروبة” ويشيد بتاريخ الوليد والرشيد؟. ومادخلنا بالوليد والرشيد؟ هل تعرفون بان الكرد الذين ساعدوا مصطفى كمال “أتاتورك” في تحرير واستقلال تركيا تم مكافأتهم بالقتل والتهجير والتتريك؟. بل أن أسماء مدنهم اختفت تماما وصارت تركيّة صرفة، وعلى أسماء جزاري أهلها: كديرسم التي تم اختيار اسم الجنرال “تونجلي” لها!.

لماذا تريدوننا “سوريين خالصين”، أي سوريين عربا؟. ألا تعرفون بأن فرض العروبة، أو أي قومية أخرى، علينا وتخويننا اذما رفضنا ولم نرضخ، يعني خراب كل شيء. يعني حملنا للسلاح.

لماذا لاتعون أن لنا بٌعدا قوميا، وان لنا ملايين الأخوة في كردستان الكبرى، واننا نتفاعل معهم كل يوم ثقافة واتصالا، مستفيدين من “العولمة” مثلنا مثل بقية خلق الله. ولماذا اذما فهمتم ذلك، فسرتموه على انه “تحويل عن الثورة” و”ابتعاد عن الوطنية السورية” وطالبتمونا بابراز “وثائق حسن السلوك الوطني” الا نصبح”حاملين لسيف العداء للثورة”؟. هل تعرف اني شاركت في عشرات البرامج التلفزيونية والاذاعية باللغة الكردية، وكانت كلها تناصر دماء السوريين وتعادي جزارهم وتٌحي المنشقين والمقدم الشهيد حسين هرموش؟. هل قرأت ذلك؟. وماذا تسمي ذلك ان لم يكن حسا وطنيا سوريا وولاءَ تاما للثورة؟. أم ان لاحاجة لك طالما صدر حكم عليّ بالخيانة العظمى؟.

لماذا تصرون على عقلية “المركز” و”الاطراف”. لماذا تريدون قيادتنا ونحن سوريون سواسية في المواطنة؟. لماذا تعتبرون اتصالنا مع أربيل ودياربكر خروجا عن الوطنية والطاعة وانتم حلال عليكم اسطنبول والدوحة وتونس الخضراء؟. وهل عهدتم الكرد يدخلون، غصبا وعنوة، في طاعة أحد؟. وهل عهدتم اننا نتقبل دروسا في النضال والمقاومة من أحد؟. عذرا غسان. نحن تظاهرنا في مناطقنا قبل أكثرية المدن السورية وحطمنا تماثيل الطاغية ووالده، عندما كانت الوفود الجماهيرية للبعض تزور المسؤولين وتحاول “لملمة” الموضوع وعدم التصعيد. عذرا غسان، ان مظاهراتنا ( رغم انها لاتساوي عندك شيئا لان النظام لم يحصد المشاركين فيها برصاصه حصدا) أكبر بكثير من “المظاهرات الضخمة” التي سيرتموها، انتم السوريون الاصلاء العرب وفي كل مناطقكم، تضامنا معنا عندما كان النظام وشبيحته وشرطته تقتل شبابنا في 12 آذار 2004؟.

لماذا تغضبون من ذكر الحقائق؟.

هذا الخطاب الذي تعتمده ياغسان المفلح منذ فترة، والذي توجته بالمقال الأخير، يجعلني أتحقق من مخاوفي وهواجسي، واستخلص بأن الثورة الرائعة، المحقة، الشريفة، المعمدة بدماء اطفال حمص وادلب تتحول رويدا رويدا الى صراع طائفي، محاوري/اقليمي مقيت لن يدع حجرا على حجر. وانتم في المعارضة العربية المسؤولون عن ذلك. المعارضة التي قال عبدالرحمن الراشد امس بانها “افسدت ثورة الشعب السوري بصراعاتها وسوء تصرفها”. وصدق الراشد في تشخيصه.

نعم لقد فقدتم الكثير من الكرد بسوء تصرفكم. هرعتم لتركيا وصرتم تواعدونها علينا، وانتم تعلمون باننا قدمنا آلالاف من أبنائنا دفاعا عن شرف وكرامة اخوتنا هناك. وتعلمون بان تركيا قتلت خيرة شباب أمة الكرد على مر تاريخها الدموي. اعدمت قادتهم: سيد رضا، الشيخ سعيد بيران، عبد السلام البرزاني . لن نغفر لكم. واطلقتم هناك التصريح تلو الآخر لطمأنة عسكر أنقرة وملاليها والتعهد لهم باقصائنا وحرماننا من حقوقنا. ووالله لولا غلاوة وقدسية الدم السوري لكفرنا بهذه الثورة التي تقومون عليها، الى جانب العداء للنظام الأسدي القاتل، جراء تصرفاتكم وتخبطكم ومواقفكم المتآمرة.

اذا كان ماتفعلونه في صالح الثورة السورية، ويريحكم، ويريح تاريخكم النضالي، و”يطفأ” نار قلوبكم على “النظام الطائفي المجوسي الصفوي الايراني” فامضوا فيها. ثورة حولتموها لمواجهات مذهبية، لن نشترك فيها…

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى