صادق عبد الرحمنصفحات الناس

احتجاجات “العلويين”.. سوء الفهم المريع/ صادق عبد الرحمن

 

حملة “صرخة” ثم “انتفاضة” عكرمة، وبعدها “مظاهرة” طرطوس، تظهر كأحداث متلاحقة يُراد لها أن تبدو نُذُرَ “انتفاضة علوية”، أو ربما تباشير “ثورة علوية” ضد الأسد، أو حتى انضماماً “علوياً” إلى صفوف الثورة السورية. ولكن الحقيقة أن حملة “صرخة” لم تكن سوى واحدة من عشرات المحاولات طيلة سنوات الثورة للقول إن ثمة “علويين” مناهضين لنظام الأسد. وأما احتجاجات حي “عكرمة” في حمص فقد كانت تعبيراً عن الغضب جراء التقصير الأمني الذي بدا متعمداً، والذي أفضى إلى عملية انتحارية أودت بحياة عشرات الأطفال في الحي، وهو الحراك الذي خبت جذوته مع إقالة بعض المسؤولين الأمنيين في حمص، واشتعال معركة حي “الوعر”. أما “طرطوس” التي قيل على منابر كثيرة إنها شهدت مظاهرة مناهضة للأسد، فإن ما شَهدته في الحقيقة كان إضراباً عن العمل واعتصاماً نفذه بعض سائقي “ميكروباصات” النقل العمومي على خلفية ارتفاع أسعار الوقود.

ثمة غضب في أوساط “العلويين” دون شك، يرتكز هذا الغضب قبل أي اعتبار على حقيقة أنهم محكومون من قبل نظام سياسي يسيء إدارة جميع الملفات. يضاف إلى هذا عشراتُ آلاف الضحايا من أبناء العائلات العلوية الذين سقطوا ويسقطون في حرب مخيفة مستمرة من دون أي أفق للخلاص، وهناك أيضاً الفشل الأمني في حمص وغيرها، والأوضاع الاقتصادية المتردية والفساد الذي ينخر جميع مفاصل الدولة. كل هذا يغضب “العلويين” دون شك، ولكن هل هناك من بين أنصار الثورة السورية من يراهن فعلاً على حراك للعلويين يساهم في تقويض سلطة الأسد؟

لعل الخطيئة الأولى التي يرتكبها هؤلاء المراهنون، تتمثل في إقحام كل حراكٍ يقوم به بعض المعارضين من أصول علوية في مسألة ما يفترض أنه “حراك شعبي علوي”. أما الخطيئة الثانية فهي إقحام كل “حراك شعبي علوي” في سياق الثورة التي اندلعت قبل ثلاثة أعوام ونصف، ومحاولة تحميله شعارات هذه الثورة ومطالبها، وأخطاء نخبتها السياسية، وتحميله أيضاً عبء الحفاظ على وحدة سوريا بالتوازي مع إنجاز الثورة لأول أهدافها في إسقاط الأسد.

تنطلق الخطيئتان في الأصل، من خطيئة واحدة تتمثل في سوء الفهم، حيال معنى كلمة “علويين” في هذا السياق؛ فإذا كان المقصود بها: جميع المنحدرين من أصول علوية، فإن البحث في المسألة يفقد قيمته تماماً، لأن المنحدرين من أصول علوية متنوعون إلى درجة أن أفراداً منهم حملوا السلاح في صفوف الجيش الحر في مراحل سابقةٍ من عمر الثورة، وربما مازال بعض المنشقين من “العلويين” يقاتلون ضد قوات النظام حتى اللحظة. فضلاً عن ذلك فإن حشر جميع “العلويين” في خانة واحدة يتناقض مع المسألة المطروحة أصلاً، أي مسألة مساهمة العلويين في إسقاط الأسد حفاظاً على وحدة سوريا. لأن من يحشرهم في خانة واحدة، سينتهي به المآل إلى القبول بتقسيم سوريا، أو إلى التحريض على إبادتهم أو إخضاعهم جميعاً بالقوة العسكرية للحفاظ على وحدة التراب السوري.

أما إذا كان المقصود هو ذلك القسم من العلويين، الذي يُقدّم أفراده انتماءهم للطائفة على انتمائهم لسوريا، وينظر كل منهم إلى “العلويين” بوصفهم قومه دون بقية السوريين؛ فإن هذا القسم لا يمكن أن يتأثر بحراك ناشطين “علويين” تمايزوا في موقفهم تجاه الطائفة. ولا يعتقد هذا القسم، بأن يقود الحراك المحلي للمجتمعات “العلوية” إلى التخلي عن الأسد لصالح الثورة السورية. ففي الثورة من التيارات الإسلامية المتشددة، والخطاب الطائفي، والفشل السياسي، ما قد يشوش الرؤية على أي سوري يؤمن بدولة المساواة والمواطنة، فضلاً عن شخص يؤمن في الأصل بانتمائه الطائفي.

لا شك أن رهان البعض على غضب “العلويين”، وفقدان شرائح واسعة منهم لثقتها بالنظام، قد يكون رهاناً صائباً إذا ما نُظر إليه في سياق تداعي النظام التدرجي جراء الحرب الطاحنة. كما يمكن الاستفادة من هذا الغضب وفقدان الثقة من خلال خلق قنوات تواصل مع البيئة المحلية العلوية، تؤسس لشراكة في إيقاف الحرب، والسير على طريق حل سياسي في الفترة التي ستلي الانهيار المحتمل لسلطة الأسد في دمشق. وأيضاً يمكن أن يشكل أولئك الناشطون “العلويون”، قنوات لهذا التواصل اليوم، أو في المستقبل.

عدا ذلك، فالأمر يساهم في خلق مسافة أبعد بين هؤلاء النشطاء وبيئاتهم المحلية، التي يعتقد معظم أفرادهم أنهم يواجهون هجوماً “سنياً” إلغائياً وشاملاً وممنهجاً ضدهم. وكذلك فإنه يساهم في الحد من الاحتجاجات المحلية ذات الصبغة المطلبية، والتي تخف حماسة أبناء البيئة المحلية “العلوية” لها كلما تم توظيفها إعلامياً في خدمة مشروع إسقاط النظام، الذي يعني بالنسبة لعموم “العلويين”، مشروعاً لإقصائهم عن مؤسسات الدولة والحياة العامة.

أياً يكن الأمر، فإنه يبدو مفهوماً أن يُشيح كثير من أنصار الثورة السورية بنظرهم عن جميع المنحدرين من أصول علوية، وخاصة أولئك الذين شهدوا بأم أعينهم المذابح والممارسات الطائفية للمليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات النظام. أما أولئك الذين لا يشيحون بنظرهم عن “العلويين”، ويصرُّون على هذا الرهان، فإن عليهم أن يسلكوا طريقاً آخر غير تضخيم الأحداث وانتزاعها من سياقها جراء الاستسلام لأوهام أو أحلام لا تشبه الحقيقة، ذلك لأن الحقيقة وحدها مهما كانت قاسية ومؤلمة، هي التي يمكن أن تقود إلى الخلاص.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى