صفحات العالم

احتضار بشار


اغناثيو الباريث-اوسوريو

الاحتجاجات الشعبية الواسعة، و تفاقم الأزمة الاقتصادية، و الضغط الدولي الشديد، كل ذلك سيأتي بالنتيجة المرجوة، وسيضع نهاية للنظام السوري. فالأسد لن يقود تحولاً ديموقراطياً.

النظام السوري في عزلة متزايدة و سقوطه يمكن أن يكون مجرد مسألة وقت. هذه هي القراءة الأكثر معقولية التي يمكن استخلاصها من الشهور الستة الأولى للانتفاضة الشعبية.

فالاسـتياء الشـعبي الشامل مـن المسؤولين، والصعـوبات التي يعانيها الاقتصـاد السوري، والعزلة الدولية للبلاد تؤشر إلى أنه لم يعد هناك عودة إلى الوراء، وإلى أن قيادة الأسـد للتحول باتجاه الديموقراطية أمر يجب استبعاده بشكل قاطع.

في نصف العام هذا، شهد توزع القوى تغيراً جذرياً. في أولى مراحلها، استطاعت المظاهرات بالكاد حشد آلاف قليلة في مناطق بعيدة عن المراكز الحضرية الرئيسية. أما اليوم، فإن الاحتجاجات امتدت إلى مناطق واسعة من البلاد و ذات أهمية كبيرة، خاصةَ في المثلث السني الذي تشكِّله حمص و حماة و حلب، لكن أيضاً في مناطق أخرى ذات غالبية كردية. في كل الأحوال يُلاحَظ وجود نمط متشابه: المسيرات السلمية يتم قمعها بوحشية من قبل الوحدات العسكرية والميليشيات الموالية للحكومة، الأمر الذي يزيد من الاستياء الشعبي، وهذا بدوره يؤجج الاحتجاجات.

حتى هذه اللحظة، ووفق إحصائيات مختلفة، كان ما بين 2500 و 3000 شخص قد لاقوا حتفهم. وعلى عكس المتوقع، فإن سياسة القبضة الحديدية هذه لم تستطع كبح جماح الثورة، بل إنها بالأحرى فعلت العكس تماماً، حيث يستمر مئات الآلاف من الأشخاص بالخروج إلى الشارع من المساجد كل جمعة بعد الصلاة. لقد اتهمت منظمات حقوق الإنسان الرئيسية – العفو الدولية وهيومان رايتس وتش – النظام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ودان مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، من جانبه، “الانتهاكات الممنهجة والخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة بصورة مستمرة من قبل السلطات السورية، كالإعدامات العشوائية و الاستعمال المفرط للقوة وقتل واضطهاد المتظاهرين و المدافعين عن حقوق الإنسان” وقام بفتح تحقيق من أجل تحديد هوية المسؤولين عن ذلك، عندما يكون ذلك ممكناً، بهدف ضمان خضوعهم للمساءلة عن أفعالهم.

إزاء هذا التدهور في الأوضاع، تبدأ المعارضة في دراسة خيارات مختلفة من أجل التسريع في نهاية الديكتاتورية. البعض يؤيدون الاقتداء بالنموذج الليبي، حيث أدت انتفاضة الثائرين و التدخل العسكري للناتو إلى انهيار النظام. أشرف المقداد، رئيس إعلان دمشق (في استراليا) الذي يشمل شخصيات من المجتمع المدني، صرّح مؤخراً لصحيفة الشرق الأوسط العربية بأن “النظـام السوري لن يوقف أبداً القمع و عمليات القتل، و لهذا يوجـد أمامنا خياران اثنـان فقط: التدخـل الأجنبي أو تسـليح الثائـرين”. رغم أن هذه الأصوات ما زالت حتى الآن أقلية فإنها تعكس يأس المعارضة السورية التي تعتبر أن الثورة يمـكن أن تفـقد زخمها إذا لم تتوصل إلى تحقيق أي مـن أهدافـها بشكل سـريع.

إن عسكرة محتملة للانتفاضة سيكون لها آثار مدمرة، نظراً لأن النظام سيعمل على استخدامها لتقديم نفسه على أنه الضامن للاستقرار الداخلي، محاولاً بهذه الطريقة استعادة جزء من أرضه المفقودة بين حلفاءه التقليديين. إن مجرد احتمال اندلاع حرب أهلية سيثبط الشارع السوري، المعارض بشكل كلي لمواجهة عرقية طائفية سيتم استثمارها من قبل المتطرفين على كلا الجانبين. كما أنه سيكون لها آثار غير متوقعة في منطقة شديدة الحساسية كمنطقة الشرق الأدني، حيث تشترك سوريا في حدودها مع إسرائيل و لبنان و تركيا و العراق و الأردن. كما كان قد حذر مؤخراً نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بأن “سوريا ليست ليبيا… سوريا تلعب دوراً مركزياً في المنطقة، وما يجري فيها سيكون له تأثير مباشر على لبنان و العراق”.

لجان التنسيق المحلية التي توجّه الثورة، حاولت قطع هذا الجدل من جذوره. فعلى الرغم من إقرارها، في بيانها الصادر في التاسع والعشرين من أغسطس/آب بأن “القسم الأكبر من السوريين يشعرون بأنه لا تتوفر لهم الحماية في وطنهم أمام جرائم النظام” فإن من الثابت أيضاً ما يؤكدون عليه بشكل قاطع : “نرفض الدعوات الى حمل السلاح أو إلى التدخـل الأجنبـي، اللذين نعتبرهما أمـرين مرفوضين من وجهـة النظـر السياسـية و الوطنية و الأخلاقيـة “. و بهـذا يبدو مستبعَداً، حالـياً على الأقل، تطور للأحداث عـلى الطـريقة اللـيبية: “الوسيلة التي سيتم بها الإطاحة بالنظام ستكون مؤشراً إلى ما ستكونه سوريا ما بعد الأسد. إذا تمكنا من جعل مظاهراتنا تستمر بطريقة سلمية، فإن احتمالات الديموقراطية ستكون أكبر بكثير. وإذا كانت هناك مواجهة عسكرية أو تدخل عسكري أجنبي عسكري فسيكون من غير الممكن عملياً تأسيس قاعدة شرعية لسوريا المستقبل”.

الأخبار السيئة لا تأتي فرادى أبداً، فإلى ضغط الشارع تُضاف الحالة الاقتصادية الهشة التي زادت في ضعف النظام. فالجفاف الذي تعاني منه البلاد منذ أربعة أعوام وضع القطاع الزراعي في مأزق: في عشر سنوات بالكاد تناقصت نسبة ما يمثله من إجمالي الناتج المحلي من 28,5 % إلى 18 % فقط. أما السياحة التي كانت تشكل ما نسبته 12 بالمائة من الاقتصاد السوري فهي تشهد انهياراً كاملاً. و إلى السحوبات الضخمة للعملات الأجنبية وهروب رؤوس الأموال يُضاف الآن ضعف الليرة السورية. و تتزايد الشائعات في الأشهر الأخيرة حول نقص السيولة لدى الحكومة والصعوبات التي تواجهها في دفع رواتب موظفيها. إن مجموع كل هذه العوامل يمكن أن ينتهي إلى إقناع النخب الاقتصادية والتجارية في دمشق و حلب، وهم الحلفاء التقليديون لآل الأسد، بأن الوقت قد حان لإعادة النظر في مساندتهم للنظام.

لقد دفع عدم الاستقرار المتنامي إلى انسحاب المستثمرين الدوليين أيضاً، الأمر الذي يزرع الشكوك حول تنفيذ العديد من المشاريع الحيوية بالنسبة إلى مستقبل البلاد. قبل بضعة أعوام، طرح بشار الأسد، وسط دعاية صاخبة، ما تُسمّى باستراتيجية البحار الأربعة التي سعت إلى تحويل سوريا إلى نقطة محورية لنقل المواد الهيدروكربونية بين بحار الأبيض المتوسط و الأسود وقزوين والخليج (الفارسي). كانت سوريا، بهذا المشروع ، الذي هو موضع شك الآن، تحاول الاستفادة من موقعها المميز كجسر اتصال بين أوروبا و الشرق الأدنى و وسط آسيا. و بالإضافة إلى أنبوب نقل الغاز الذين يصل مصر مع تركيا عبر الأردن و سوريا، كان هناك أيضاً سعي الى بناء أنبوب لنقل النفط من إيران و العراق، يتيح نقل البترول من كلا البلدين إلى الساحل السوري على البحر المتوسط. إن الانطلاق في هذه المشاريع يتطلب استقراراً، وهو أمر يبدو من الصعب ضمانه اليوم.

إزاء استحالة إقرار عقوبات ضد سوريا في مجلس الأمن بسبب حق النقض الصيني و الروسي، جمدت الولايات المتحدة و أعضاء الاتحاد الأوروبي أرصدة رجال النظام الأقوياء وحظرت استيراد النفط السوري. و رغم أن هذه الإجراءات لن تؤدي وحدها إلى نهاية النظام ، إلا أنها سوف تزيد من مشكلاته فعلاً . فسوريا كانت تصدر 95% من نفطها الخام إلى أوروبا وستكون مضطرة الآن إلى البحث عن زبائن جدد من المحتمل أن تعثر عليهم في جنوب شرق آسيا. أيضاً فإن التباعد المتزايد بين سوريا وتركيا يمكن أن يكون له عواقب كارثية اقتصادياً، حيث أن التبادلات التجارية بين البلدين تصل إلى 2,500 مليار دولار سنوياً. وأخيراً، إن سحب سفير العربية السعودية في دمشق يُظهر أن العلاقات الثنائية ليست في أحسن حالاتها.

إن حقيقة أن أيّاً من الإصلاحات المُتبناة إلى هذه اللحظة من قِبَلِ بشار الأسد لم يتم ترجمتها إلى تحسن للأوضاع على الأرض تُظهِر افتقاره التام إلى المصداقية و نفاد رصيده السياسي. و كل هذا يبدو أنه يؤشر إلى أن الاحتجاجات الشعبية الواسعة و تفاقم الأزمة الاقتصادية و الضغط الدولي القوي ستؤدي، عاجلاً أو آجلاً، إلى النتيجة المرجوة و ستضع نهاية لاحتضار النظام السوري.

** الكاتب هو أستاذ الدراسات العربية و الإسلامية في جامعة أليكانتي – إسبانيا.

(صحيفة ال باييس)

ترجمة : الحدرامي الأميني

www.elpais.com/articulo/opin…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى