مراجعات كتب

اختراع أو صناعة التقاليد/خالد المزيني

 

 

 

يناقش إيرك هوبزباوم في كتابه الشهير “اختراع التقاليد” (Invention of Tradition) والذي يحتل مكانة مرموقة في أدبيات العلوم الاجتماعية، أشكال التفاعل بين المجموعات البشرية. بداية، يفرق هاوبزباوم ما بين “التقاليد” traditions و”الأعراف” customs ويرى أن التقاليد صارت مع مرور الزمن من أساسيات الكثير من الدول التي تشكلت منذ نهاية القرن الثامن عشر والتاسع عشر مثل الرموز والطقوس والشعائر، وأن ما دفع إلى تأسيس الكثير من التقاليد والأعراف هو دور المؤرخين الراغبين بجعلها جزءاً أساسياً في تاريخ الثقافات البشرية، بحيث تشتغل هذه التقاليد على تشكل السلوك الجمعي وتنميطه، وفرض معيارية جماعية وتاريخية، تدفع أفراد المجتمع المعني لخوض صراعات دائمة “للدفاع” عنها، الأمر الذي يؤدي إلى تخليق هويات تبدو وكأنها متجذرة في الماضي، كما هو الحال ما بين أعراف وتقاليد أهل بلاد الشام التي تتشابه إلى درجة كبيرة مع تركيا واليونان.

يتوسع الكتاب في تناول عدد من الأمثلة الدالة والمعبرة حول أثر التقاليد وتخلقها في صوغ الهويات والرموز والسلوك الجمعي، وهنا نتناول شرح الكاتب لحالة إسكتلندا وتقاليدها الموروثة، حيث يفسر أن أهم ما يفعله سكان إسكتلندا في احتفالاتهم بهويتهم الوطنية هو لباسهم لـ “الكيلت” Kilt، اي تلك التنانير الرجالية التي تميزهم عن الإنجليز والإيرلنديين، وهو بالفعل رمز القبائل التي استوطنت ذلك الإقليم من المملكة المتحدة، بالإضافة إلى أداة موسيقى القرب “bagpipe”. ويناقش الكاتب أن سكان هذه المنطقة هم مجرد مهاجرين من إيرلندا، حيث تعكس الكثير من أعرافهم وتقاليدهم وأدبهم سكان إيرلندا، ولكن ما قاموا به هو خلق هوية جديدة لهم ميّزتهم عن شعوب تلك المنطقة، الا أنها مرت بثلاث مراحل:

أولاً، التمرد الثقافي ضد إيرلندا، وذلك بإعادة كتابة التاريخ الاسكتلندي وجعل قبيلة السيلتك الاسكتلندية جزءاً أساسيا من تشكل إسكتلندا الحديثة واعتبارها الوطن الأم. ثانياً، صناعة تقاليد مختلفة بجعلها ثقافة تأسست منذ قرون مثل لباس الكيلت وموسيقى القرب. وثالثاً، عملية تبني إسكتلندا لهذه التقاليد وترقيتها الى مرتبة عنصر من عناصر التكوين الهوياتي والتاريخ لهذا الإقليم. في قلب هذه العملية التخليقية لهوية اسكتلندية متميزة عن الإنجليز والإيرلنديين، بالاعتماد على رموز حديثة مثل الكيلت وموسيقى القرب من ناحية زمنية وتاريخية، يتم إغفال روايات متعددة حول نشوء “الكيلت”، منها أن هذا اللباس هو اختراع إنجليزي أصلا! فبعضهم يقول إن بعض اللوردات الإنجليز في القرن السابع عشر فرضوه على عمال إسكتلنديين يعملون لديهم لأنه أكثرعملية من الثوب الطويل، وبعضهم يقول إن الذي جاء بالفكرة هو تاجر قماش إنجليزي سكن مدينة يورك حيث “خلق” تنورة خاصة بكل قبيلة إسكتلندية حتى تتميز عن القبيلة الأخرى ليزيد من مبيعاته، ونجحت فكرته بشكل مدهش. ثم تطورت تلك الفكرة من المستوى “القبلي” إلى المستوى “الوطني” وأصبحت الكيلت رمزا للقومية الإسكتلندية تتمايز بها عن القومية الإنجليزية، وكأن هذا اللباس متجذر في التاريخ الإستكلندي وليس حديثا من صناعة تاجر إنجليزي.

(أكاديمي عربي)

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى