صفحات العالم

ادفع المائة جنيه أفضل!

 


طارق الحميد

سألت شخصية عربية رفيعة، آنس برأيه وأثق في رؤيته، حول الأوضاع في سوريا، وما هو الأفق السياسي لأزمة النظام هناك. أجابني قائلا إنه مع بدء الأزمة السورية كانت القراءة الرائجة بين الدوائر السياسية العربية، وبعض الدوائر الغربية، أن النظام السوري أمام أربعة خيارات: الأول أن يقوم النظام بعملية أمنية سريعة ومحدودة جدا، ولا تتجاوز أضرارها وقوع 15 قتيلا، واعتقالات محدودة، وتخمد الحركة الاحتجاجية ويتجاوز النظام الأزمة. والخيار الثاني هو أن يلجأ النظام لعملية أمنية وحشية يقع ضحيتها عدد كبير من الناس مع اعتقالات، وتخمد الانتفاضة، أو أن يلجأ النظام إلى الخيار الثالث، الأكثر خطورة، وهو فتح جبهة صراع دولية مع الإسرائيليين من الجولان، أو جنوب لبنان أو غزة.. عندها قاطعت مصدري قائلا: لقد جرب النظام السوري كل الخيارات الثلاثة وفشلت؟

ضحك قائلا: «دعني أكمل بالخيار الرابع، ثم سأروي لك قصة عن الخيارات الثلاثة، علها تساعدك على رؤية الصورة الأكبر». واسترسل قائلا إن الخيار الرابع هو أن يقوم النظام بإصلاحات حقيقية وجذرية تغير شكل ومضمون النظام السوري، وعندها يعبر النظام الأزمة، وتتغير سوريا. إلا أن المصدر الرفيع أضاف قائلا إن هذا الخيار بات غير وارد اليوم، خصوصا أن النظام قد جرب الخيارات الثلاثة ولم تنجح في قمع المحتجين السوريين بشكل ملحوظ، فالنظام يتأرجح بين الحوار وبين القمع تارة، والموقف الدولي بات يتصاعد، وخصوصا بعد حادثة الحدود الأخيرة مع إسرائيل استغلالا لذكرى النكبة.

ثم عاد المصدر الرفيع ليقول: «الآن دعني أروِ لك قصة الخيارات الثلاثة.. ففي زمان ما أقدم رجل طاعن في السن على ارتكاب أمر تطلب محاكمته.. أخذ الرجل للمحكمة فنظر إليه القاضي قائلا إن فعلتك تقتضي العقوبة، فقال الرجل للقاضي تذكر أنني كبير في السن». ويضيف المصدر: «حينها نظر القاضي للرجل وقال له سأخيرك بين ثلاث عقوبات تختار واحدة منها: فإما أن تدفع مائة جنيه ذهب، أو أن تتلقى مائة جلدة، أو أن تأكل مائة رأس فلفل شديد الحرارة! فقال الرجل للقاضي: أما الجنيهات الذهب فانس أمرها تماما، ولا تفاوض أو حديث حولها، والجلد أمر لا أتحمله بحكم سني، وسألتهم الفلفل، فهو مقدور عليه».

ويسترسل المصدر مكملا: «بدأ العجوز في التهام الفلفل حتى بلغ رقم ستين، فاحمرت عيناه واشتعل رأسه، وصرخ: أيها القاضي سيقتلني هذا الفلفل.. دعني أتلقَ الجلدات فهي أهون. فقال القاضي حسنا.. وعندما بدأ الجلد ووصل العجوز للجلدة الأربعين قال للقاضي يكفي سأموت أنا رجل كبير، فقال القاضي وماذا تريدني أن أفعل معك؟ فقال الرجل سأدفع المائة جنيه»! وهنا يقول المصدر: «لو دفع الرجل المائة جنيه لجنب نفسه كل المصائب، والمائة جنيه هنا هي الإصلاح»!

وهذا الأمر ينطبق على سوريا واليمن وليبيا، وإن كان القذافي قد جرب الفلفل والجلد، وفي طريقه لدفع المائة جنيه، وهو ما رأيناه أيضا في تونس ومصر، وخصوصا ما يحدث لعائلة مبارك، حيث لا يملك المرء إلا أن يتساءل: لماذا يفعلون بأوطانهم وأنفسهم هكذا؟

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى