صفحات سوريةغسان المفلح

ارموا السوريّين بالبحر/ غسان المفلح

 

الدولة أهمّ ما في تأسيسها أنّها مرجعيّة مواطنيها، لكن عندما تُغتصب الدولة رمزيّاً ووظيفيّاً، من قبل سلطات فاسدة وفاشيّة كالنظام الأسديّ، يصبح الانتماء لهذه الدولة انتماء للقاتل، لأنّه جعل من الدولة جهازاً يدافع به عن فساده.

مرجعيّة الدولة تتعلّق بشعور وبلا شعور جمعيّ، وفرديّ بالآن معاً، إحساس بالانتماء والأمان والأمن والمستقبل. هذا الامر جعله فساد الأسد ووحشيّة نظامه، ممزّقاً وعارياً أمام التحدّيات. لأنّه لا يمكن أن يتعايش قاتل مع قاض. الدولة هي التي من المفترض أن تحكم على ممارسات الاشخاص وليس العكس. لهذا هي مرجعيّة عبر مؤسّساتها القضائيّة والدستوريّة. القضاء تعيّنه المخابرات الأسديّة والدستور يتغيّر بظرف خمس دقائق مرّتين. هذه ليست دولة، ولم تكن بحياتها الحدود الجغرافيّة هي الدولة. عندما خرج شعبنا بثورته ومن أجل حرّيّته أراد إعادة الاعتبار لسورية الدولة وللتخلّص من سورية الأسد. سورية الأسد تعني سورية هتك كلّ المرجعيّات الوطنيّة. تعني البحث عن مرجعيّات جديدة، خاصّة بعد كلّ هذا القتل والدمار. من وقف مع الأسد كانت مرجعيّته آل الأسد، مرجعيّته القتل والفساد والشرخ الوطنيّ. لكن ماحدث للثورة والموقف الدوليّ وعوامل أخرى، جعلت صورة الشعب مبعثرة، لأنّ تمثيلاته السياسيّة والعسكريّة تبعثرت. وأدخل جميع الإرهاب الجهاديّ ليكون طرفاً في زعزعة هذه الصورة التمثيليّة للحرّيّة.

من هذه العوامل وغيرها نجد أنّ شعبنا أرادوا له أن يكون شعباً فلسطينيّاً جديداً. يحمل مأساته وتغريبته لأنّه بثورته تجاوز الخطوط الحمراء للبنية العميقة للنظام الدوليّ والاقليميّ المؤسّس إسرائيليّاً ونفطيّاً. أصبح شعبنا بين خطرين خطر السلطة الاسديّة وخطر الإرهاب المتعشّق معها. فطُرحت قضية المرجعيّات من جديد. في سورية هنالك من يقول إنّ الأقليّات بعضها لم يشارك بالثورة لأنّ الثورة لم تعطه الأمان وهذا محض افتراء على التاريخ ورياء، يصبّ في مصلحة الأسد.

السُّنّة في سورية كالسُّنّة في أيّ مكان من هذا العالم، بلامرجعيّة- كهنوتيّة- تجعل كلّ من هبّ ودبّ يريد أن يكون مرجعيّة، سواء كانت سلطات أو تنظيمات سياسيّة وأحياناً أشخاص!! لدينا ثلاثة أطراف تتنازع مرجعيّة سُنّيّة دينيّة والتي من المستحيل إنشاؤها، فما بالنا بمرجعيّة دنيويّة أيضا!! في أفق نظام دوليّ أمريكيّ. بعض السلطات الإسلاميّة، الإخوان المسلمون، التيار الجهاديّ- السلفيّ واختلاطاته القاعديّة المحمولة على احتراف جهادي- استخباراتيّ عابر للوطنيّات. المرجعيّة على مستوى العلاقات الدوليّة، عندما تمطر في “قمّ” تحمل غالبيّة التنظيمات الشيعيّة الشمسيّة في العراق ولبنان. كما كانت موسكو من قبل. السُّنّة تأسيساً لا مرجعيّة كهنوتيّة لهم. ولم تكن تعنيهم هذه المسألة في السابق، إلّا بعد ظهور المشروع الإيرانيّ في المنطقة. رغم محاولات العديد من فقهاء السُّنّة اللعب على هذا الوتر سياسيّاً، ومحاولات الإخوان المسلمين تأسيساً أن يكونوا هذه المرجعيّة، محاولات الأزهر أيضاً باءت بالفشل لأسباب سياسيّة بالدرجة الأولى، كذلك الحال على مستوى بعض المشايخ في دول الخليج.

هل مطلوب من السُّنّة أن يتحوّلوا إلى طائفة إسلاميّة بمرجع كهنوتيّ واضح؟ كما حدث مع مجيء ولاية الفقيه الخمينيّة؟ هل يحتاجون إلى وليّ فقيه معصوم كـ”الخامنئيّ”؟أم إلى خليفة معصوم أيضا كـ”أيمن الظواهريّ” سليل الاستخبارات الدوليّة؟ ولدينا كلّ الروؤساء والملوك العرب معصومين، ماعدا تونس والعراق ولبنان واليمن. هذا لايعني أنّ “نوري المالكي” لايحاول أن يكون وليّاً فقيهاً عراقيّاً!! في إيران ولدى من يواليها من الشيعة في العالم مرجعيّة واحدة دينيّة ودنيويّة، متمثّلة في الوليّ الفقيه. الوليّ الفقيه يمتزج فيه مشروعان الأوّل إيرانيّ قوميّ والثاني شيعيّ إيرانيّ، ربّما يزيد الطموح قليلاً نحو مشروع ثالث إيرانيّ إسلاميّ. هذا المشروع ما كان له أن يرى النور دون أداته الطائفيّة، التي استخدمها بأموال النفط الإيرانيّ، لتمويل كلّ القوى الطائفيّة التي انتجها هذا المشروع. في لبنان والعراق واليمن والبحرين وباكستان وأفغانستان. لأنّها وقعت الواقعة الطائفيّة، وكان أداء العالم السُّنّي بكلّ سلطاته، رغم كلّ التهويشات اللفظيّة، إلّا أنّه أداء بقيت تتحكّم به سياقات أنّه ليس للسُّنّة مرجعيّة دينيّة أو دنيويّة واحدة. ليس مطلوباً أن تكون. القرار الإيرانيّ الشيعيّ مركزيّ، بينما القرار السُّنّي المواجه- كما يُفترض بلعبة الفتنة المفروضة وفقاً للمشروع الايرانيّ- مشتّت ومتعدّد ومنقسم بين أعداء سياسيّين وغير سياسييّن في أحيان كثيرة. ممّا جعل الفتنة الطائفيّة كما تسمّى، تجعل الدم السُّنّيّ فيها رخيصاً. أوّلاً إنّ الطرف الإيرانيّ فقهيّاً وسياسيّاً الذي يقتل ويتعامل معه كونه طرفاً سُنّيّاً!! لأنّه هو صاحب المشروع في العراق ولبنان والبحرين واليمن. ثانياً لايوجد مشروع سُنّيّ في المنطقة، ولن يوجد. لهذا السُّنّة لا يمكن أن يكونوا طائفة. حتّى أقليّاتهم في دول أخرى لاتجد لهم مرجعيّة دينيّة ودنيويّة واحدة، لأنّ هذا يتنافى مع أبجديّات التفسيرات( السُّنّيّة) للقرآن والسُّنّة أيضاً. كما أنّ إيران هي الدولة الوحيدة التي في نظامها ودستورها مرجعاً يحكمها دينيّاً ودنيويّاً. بينما هذه لا تجدها في أيّ دولة غالبيّة سكّانها من السُّنّة. لايوجد في دستور أيّة دولة منها أنّ الملك أو الرئيس معصوم عن الخطأ. صحيح تجد القائد الخالد والرئيس المفدّى والملك المعظّم. لكنّها ألقاب سياسيّة غير مدسترة، لزوم الديكتاتوريّة. رغم محاولة بعض الملوك تصعيد خطاب المديح لدرجة تقديسه. لكنّها كلّها محاولات لا تستند إلى أيّة مصادر فقهية. ولم يستطع أيّ منهم دسترتها. هذا التجييش الطائفيّ المنبثق عن مشروع ولاية الفقيه، بمرجعيّة الفقيه نفسه تجييشاً مقوننا في إيران، انطلاقاً من الوضعيّة الدستوريّة للفقيه نفسه، قابله”سُّنّيّاً” تجييشاً غير منضبط ومزاجي، ويخضع لاعتبارات عابرة. الثورة السوريّة رفعت الغطاء عن كلّ الأطروحات في لعبة” الفتنة” الطائفيّة والمذهبيّة والدينيّة. فضحتها في سورية ولبنان والعراق وإيران. في المحصلة مشاريع سياسيّة من أجل السلطة الفاشيّة والنفوذ والنهب. كي يكتمل المشهد تحوّل شعبنا، إلى ضحيّة تكالب كلّ هذه القوى، فكان لابدّ من استخدام كلّ الأوراق لكي تنفّذ الجريمة دون عقاب أو موقف دوليّ يعبّر بالحدّ الادنى عن تضامن مع الضحايا. فكان لابدّ من الإسلاموفوبيا أن تتصدّر المشهد. والإسلام فوبيا المستخدمة هنا، لم تعد موجهة سوى إلى ما يمكننا تسميتهم المسلمين السُّنّة في سورية، لكونهم أكثريّة سكّانية، حيث يشكّلون أكثر من 75% من السكّان. لابدّ من إشعال كلّ الحرائق لكي تلتهمهم أحياء أو أمواتاً لافرق.. لم تعد جحافل الوليّ الفقيه تشكّل خطراً على إسرائيل والغرب لماذا؟ ببساطة لأنّها تقتل الشعب السوريّ وتدمّره. بالعكس يحاول أوباما احتواء الوليّ الفقيه لكي يحتوي معه كلّ اتباعه في العالم. ولسان حاله يقول له اقتل بالشعب السوريّ كما تشاء لكنّك ستسلّم النوويّ. وستصبح واحة للهيمنة الأمريكيّة على المرجع الأوّل للشيعة في العالم. من الطبيعيّ أن يكون حجم الضحايا وأعدادهم من السُّنّة السوريّين أكبر بكثير من بقيّة الشعب السوريّ وهذا السيناريو؟ لأنّهم أكثريّة موضوعيّة. لو كانوا الأكثريّة موضوعيّاً من دين آخر أو طائفة آخرى، لتمّ قتلهم كما يحدث الآن. الأمريكان ومعهم هذه البنية العميقة للغرب، لم يتبقّ في جعبتهم من خطابات وأكاذيب سوى أن يرفعوا شعاراً عالميّاً لافشال الثورة ومكافحة الارهاب( ارموا الشعب السوري في البحر). الثورة فتحت أفقاً لن يستطيع آل الأسد إغلاقه ولن تستطيع معه البنية العميقة للغرب إغلاقه. بغضّ النظر عن مهاتراتنا. بفضل الثورة السوريّة نحن مقبلون على نظام إقليميّ جديد، لم تتّضح معالمه بعد. نظام إقليميّ سيكون لحرّيّة شعبنا دور فيه. إلّا إذا أرادوا تقسيم سورية وهذا الأمر يدخلهم في تعقيدات لايريدونها. على التيار الإسلاميّ السوريّ أن يقطع مع المرحلة السابقة. أليس نموذجكم “أردوغان” حسناً كونوا مثله.

كلنا سوريين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى