صفحات العالم

اسئلة الثورة السورية

 

ساطع نور الدين

 القوة الاخلاقية لا تكفي، الحتمية التاريخية لا تجدي نفعا. الثورة السورية امام معضلة حقيقية، لا يمكن انكارها. هي تواجه نظاما ما زال متماسكا، ولا يمكن ان يعزى صموده فقط الى الدعم الايراني او الروسي او الى التسامح الاميركي او التساهل الاسرائيلي. ثمة بنية داخلية ما زالت تقاتل بلا هوادة، لا يحفزها فقط الخوف على المصير، المنسوب الى العصبية الطائفية، التي لا تندرج في سياقها طوائف اخرى ما زالت تدفع ابناءها الى حرب لا تبدو من وجهة نظرها اهلية.

لا يمكن للثورة السورية ان تنتصر طالما ظل النظام موحدا والمعارضة مفككة. حساب بسيط ولكنه دقيق، ويستدعي التأمل في افق المستقبل، الذي لم يعد يرجح الحل السياسي نظرا لغزارة الدم المسفوك طوال العامين الماضيين، كما لا يحتمل المراجعة السياسية من قبل جانبي الصراع، خصوصا بعدما ثبت بما لا يدع مجالا للشك بان النظام اقوى بكثير مما كان يعتقد، والمعارضة اضعف بكثير مما كان يفترض.. ولم يعد في الخارج وسطاء عرب او اتراك او اجانب آخرين يمكن ان يساهموا في تبريد الرؤوس الحامية في المعسكرين.

وصلت الامور الى صيغة عجيبة من التوازن: النظام لا يحكم ولا يمكنه ان يعود الى المناطق التي دمرها، والمعارضة لا تسيطر الا على الارياف وعلى بعض الاحياء من المدن الكبرى. لكن الجانبين يتبنيان خطابا خياليا يتجاهل الواقع الميداني ويعبر عن ثقة عمياء بالنصر. فمن جهة يحق للنظام ان يفخر بانه صمد اكثر بكثير من النظام التونسي او المصري او الليبي او اليمني، ومن جهة اخرى يحق للمعارضة ان تتباهى بانها، وبالحدود الدنيا من الدعم الخارجي، ما زالت تتحدى واحدا من اقوى الجيوش العربية واعنفها. لكن النهاية لن تكون كما يشتهي الطرف الاخر، او كما يتوقع.  الحوار لم يكن واردا في الاصل ولن يكون واردا على الاطلاق، بل هو قاتل لكل من يفكر به من الجانبين. وما يتردد الان عن مسعى اميركي روسي جديد، جرى تحريكه في اعقاب استقرار موازين القوى العسكرية على مختلف الجبهات، ليس سوى تخفف دولي من مسؤولية متبادلة عن ادامة الصراع الداخلي وتحويله الى حرب استنزاف شاملة، استدعيت اليها مؤخرا شبكات الارهاب الاسلامي الباحثة عن ارض جهاد بديلة، تريح الاميركيين والروس من عبء مواجهة الارهابيين في المدن الاميركية والروسية.

النظام ما زال قويا، وقد زادته تلك الشبكات قوة ومنعة. كانت شعبيته الوحيدة في العالم العربي لبنانية، ولاسباب لا تختصرها صورة التظاهرة السياسية التي اجتاحت قبل ايام قصر الرئاسة السورية. اليوم يمكن التحدث بسهولة عن جمهور تونسي ومصري واردني ويمني يتمنى بقاءه، مثلما يمكن التأكد من وجود جمهور غربي واسع يدعمه.. ولا يكترث طبعا بالكلفة البشرية الباهظة التي يدفعها الشعب السوري.

المعارضة ما زالت مفككة، وقد زادتها التجربة تشرذما. زالت من الوجود، سواء بالقتل او الاعتقال او النفي، تلك الشرائح المدنية السلمية التي تصدرت الثورة، واخلت مكانها للسلاح والمسلحين وما استتبع ذلك من انهيار البنى والضوابط الاجتماعية، بحيث لا يزال يندر الحديث عن مظاهر استقرار او انتظام في المناطق التي جرى اخراج السلطة المركزية منها. كما لا تزال الدول الداعمة للثورة السورية تواجه مشكلة جدية في ايصال هذا الدعم الى مستحقيه او في تنسيق الجهود في ما بينها، فهي تتعامل مع المعارضة السورية بصفتها اقطاعيات جغرافية مستقلة، شمالية او جنوبية او شرقية، اكثر مما تتفاعل مع مؤسسات او حتى شخصيات وطنية يمكن ان تلتقي على فكرة واحدة غير فكرة اسقاط النظام.

انتصار الثورة السورية مؤكد، اما كيف ومتى، فذلك هو السؤال الذي لن يجيب عليه سوى السوريين انفسهم ، بغض النظر عن جدية المسعى الاميركي الروسي الجديد.

 المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى