صفحات سوريةغسان المفلح

استخدام المسيحية والارهاب في الشرق الاوسط/ غسان المفلح

قبل انهيار السوفييت 1990 وسقوط جدار برلين، وانتصار الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، لم يكن متداولا في الشرق الاوسط سلعا اسمها( الارهاب وتهجير المسيحيين والاسلام فوبيا) بل كان متداولا رجعية وتقدمية، يسارية ويمينية اشتراكية ورأسمالية. كانت هذه السلع التي استخدمتها الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بزعامة السوفييت والمعسكر الغربي بزعامة اميركا.

عندما بدأ النظام الدولي الجديد بالتشكل في اثناء الانهيار، لم تستطع أمريكا أن تحول انتصارها بشكل ناجز، بحيث أنها تنخرط في تشكيل نظام دولي جديد، يأخذ بعين الاعتبار متطلبات الشعوب التي كانت تعيش تحت قهر متطلبات حربها مع السوفييت والعكس ايضا. لكنها مع ذلك ساهمت في تحقيق شيئا منه في أكثر من منطقة بالعالم، ومنها بعض دول الشرق الاوسط، وما بقي من نشاز في العالم هي انظمة إيران وكوريا الشمالية وسورية وليبيا والعراق، حيث كان لتونس ولمصر ولليمن ودول الخليج اوضاعا خاصة ومتحركة.

ونتيجة لمادتي النفط وإسرائيل كأهم سلعتين بالنسبة للولايات المتحدة خصوصا وللغرب عموما، حاولت الولايات المتحدة والغرب التعاطي مع هذه الانظمة، حرصا على هاتين المادتين. حتى أتت المحطة الاولى وهي التخلص من النظام الديكتاتوري في العراق، عبر احتلال العراق وتحرير شعبه من الطاغية 2003.

وعادت للتعامل مع بقية الانظمة دون أن ترفع قدمها عن اعناق قادتها في كل من دمشق وطهران وطرابلس الغرب. حتى أتى الربيع العربي واسقطت ثوراته النظام الليبي والتونسي والمصري واليمني وانطلاق الثورة السورية آذار 2011 ضد آل الاسد، ثورة حرية وكرامة شعب غابت خلال اربعة عقود ونصف تقريبا من استيلاءهم على السلطة، بمباركة نظام دولي هو نظام الحرب الباردة، ترسخت هذه السلطة أيضا بمباركة نظام اقليمي تكرس نهائيا بعد حرب تشرين 1973بمباركة أمريكية ورضا إسرائيلي عميق واستراتيجي.

هذا النظام الاقليمي بكل مفاعيله وارتباطاته داخليا واقليميا هو السبب الاساس في تأخر انتصار الثورة السورية والمهادنة مع قاتل شعبها بكل انواع الاسلحة بما فيها الكيماوي. سبب هذا التواطأ الدولي مع الطغمة الكيماوية هو سلعتي النفط وإسرائيل، لأن( اليهود وإسرائيل) أيضا سلعة بالنسبة للغرب لا أكثر ولا أقل.

الارهاب الاسلامي من اوجده هو الغرب، وتحديدا امريكا ونظام الاسد بالذات، ودفعت اموالا طائلة من أجل انجاز سلعة رابحة للسياسة الغربية في المنطقة، ليقابلها في الغرب الاسلاموفوبيا. سلعة حتى يكتمل تعليبها باكثر العلب رونقا!! كان لابد من تصنيع سلعة اخرى اسمها الخطر على الوجود المسيحي وتهجيره.

بعد مجزرة الغوطة الكيماوية21 آب 2013 والتي راح ضحيتها اكثر من 1400 سوري بينهم أكثر من 400 طفل، لم يكن بينهم مسيحيا واحدا، انقلبت الآية للحديث عن الخطر على الوجود المسيحي، ردا على أن امريكا اعلنت أنها سترد على هذه الجريمة الكيماوية بضربة عسكرية، ودخول الجيش الحر لمدينة معلولا، والتي لم يمسها الجيش الحر ومقاتليه بأي أذى..بدأت لوبيات مسيحيي الشرق الاوسط التي لها مصلحة مع نظام كيماوي، تشحن كل الرأي العام العالمي من أجل عدم معاقبة مجرمهم. المصلحة السياسية هنا، تستوجب ثقافة متناسبة معها أو ربما العكس او تفاعل متناغم بين السياسة هذه وهذه الثقافة، التي تستوجب أيضا معادل قيمي وأخلاقي، لا يأبه لمئات الالوف من السوريين الذين قتلهم حاميهم!! ملايين شردوا نساء واطفال وشيوخ لاحول لهم ولا قوة، ومئات الالوف اعتقلوا او فقدوا، كل هؤلاء لاقيمة لهم أمام الخطر الجهادي المزعوم على الوجود المسيحي في سورية. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، محاولة تضليل ايضا تتعلق بتاريخ المنطقة عموما وسورية خاصة، حيث رهن الوجود المسيحي بوجود آل الاسد يجعل ذهاب آل الاسد هو نهاية المسيحية في سورية، وكأن سورية ما قبل آل الاسد لم يكن فيها مسيحيين!!

وهذا يرتبط ايضا بدالة اخرى اشد هزلا وهي أن الدولة لا يعد من وجود لها، بعد الاسد وتهجير المسيحيين!

فيكون (الاسد أو نحرق البلد شعارا) رفعه القتلة في وجه شعب طالب بحريته، وكانت السلعة المسيحية في سوقه. ويقابلها سلعة ان الارهاب هو البديل فهذه تحتاج تلك، والصانع نفسه في كل الحالات.

وللسلعة حركيتها في السوق يشتريها نصرالله أو يشتريها ميشيل عون، او تشتريها إيران، إلا أننا يجب ألا نغفل عن ناحية أن سلعة الارهاب هذه اصبح لها صناع مقلدين، لم تعد حكرا على المصنع الغربي الامريكي، بات لها مصنع روسي أو إيراني أو من قبل النظام في دمشق ودول أخرى، لأنه لايوجد في العالم ارهاب قطاع خاص لأنه لا يستطيع تأمين مستلزماته اللوجستية، طبعا دون أن نغفل عن أن لكل سلعة ثقافتها، وثقافة الارهاب أيضا صناعة، لكن الخطورة في تفلتها مجتمعيا، نتيجة للاعدالة النظام الدولي برمته تجاه شعوبنا. إن كل المعطيات الرقمية تشير أن الهجرة الكبرى لمسيحيي سورية تمت بعهد نظام التصحيح، فمنذ عام 1970 وحتى ما قبل الثورة، أكثر من 4% من المسيحيين قد هاجروا بسبب قمع النظام للحياة العامة وفساده من جهة والبحث عن فرصة عمل، وليس خوفا من مسلمي سورية من جهة اخرى. تكسير الرابط التاريخي الانساني بين المجتمع السوري والاقلية المسيحية، والذي تساهم فيه فعاليات مسيحية وغير مسيحية ومن كل حدب وصوب من مرتزقة النظام، إلى مرتزقة ميشيل عون في لبنان، واصبحت الاقلية المسيحية على يدهم لا يوجد لديها اي ارتباط تعايشي مع المجتمع السوري، بل مرتبط وجودها فقط بآل الاسد خاصة بعد أن استخدم الكيماوي، فأي معادل اخلاقي وقيمي يحمله ميشيل عون وجماعته؟ وهنا نسأل كل مارقي الثورة السورية وجماعة عون غبطة البطرك بشار الراعي، والفعاليات الروحية المسيحية في لبنان، لماذا لا يوجد خطر على مسيحيي لبنان؟ لماذا يهاجرون وهاجروا على كل اصقاع الدنيا ويعودوا إلى لبنان؟ أليس لأن فيه نظام ديمقراطي رغم طائفيته، ويضمن حرية البشر، التي لم تتعرض للقمع والسجون إلا على يد الاستخبارات الاسدية والقوة الاغتيالية لحزب الله الايراني؟ أية كذبة هذه تمارسونها؟ هنا أيضا يحضرنا أمر آخر وهو الذي انتجه الغرب في العراق، انتاج نموذج لدول معطلة السيادة من خلال اللعب على موضوع الاقليات السيادية. مع ذلك لنلاحظ مفارقة أخرى، كره الآخر السني أمر تستوجبه هذه البضاعة. لكن بالمعنى الديمقراطي للكلمة أكثرية الشعب السوري لا تريد آل الاسد، بكل مكوناته، هنالك مكونات مقسومة على بعضها، لكن من يقود تسويق سلعة الخوف على الوجود المسيحي في سورية؟

بإمكانكم رؤية اللوحة. كيف يقبل بعض مسيحيي سورية أن يتحول مخبري الاستخبارات الكيماوية في لبنان، ومرتزقة إيران إلى متاجرين بدم الشعب السوري خاصة والاقلية المسيحية خاصة؟ التي اظهرت احداث معلولا كم هم مرتزقة وإلى أي حد؟

من فجر في مسيحيي العراق ارهاب إيران واحزابها داخل العراق، وارهاب الاسد باعتبار أن الاقلية المسيحية في العراق كانت تعتبرها إيران ومعها القوى الشيعية العراقية قريبة من صدام حسين.

هنالك أمر لابد أن نعرفه أيضا في هذا السياق لايوجد في سورية منذ تسلم نظام الاسد الحكم، وخاصة مسيحيي سورية يستطيع ان يهاجر ورفض، إلا المنعمين من جماعة الاسد مصلحيا. لهذا الهجرة المسيحية لم تكن تتعلق بالخوف من الاسلاميين او من المسلمين!! بل تتعلق بطبيعة النظام السياسي الذي حكم البلد ودمرها.

أتت دعوة بابا روما الى الصلاة والسلام من اجل مسيحيي سورية، حيث لا أحد يريد المذابح والقتل العشوائي في سورية إلا السلطة الكيماوية، ونيافة الحبر الاعظم يعرف ذلك هو وكل موظفي دولة الفاتيكان، يعرف أنه لم يشهد التاريخ وحشية تماثل وحشية آل الاسد، بلغت أكثر من مئتي الف قتيل معلن ومئتي الف معتقل ومفقود، وملايين المهجرين من المسيحين والمسلمين ومن الكنائس الخمسين المدمرة ومن الف وخمسماية مسجد دمر ايضا. لقد استدرجت الطغمة تدخلات عدوانية خارجية على سورية، أولها التدخل الايراني الذي دفع بألوية من الحرس الثوري ولواء القدس وفصائل حزب الله الايراني من لبنان، وكلها قبل التهديد بضربة اميركية محتملة”. كما وجه بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل خطابا الى الرئيس الأمريكي باراك اوباما، جاء فيه (وأعرب البطريرك كيريل عن قلقه البالغ ازاء مصير السكان المسيحيين في سورية المهددين في هذه الحالة بالقضاء التام عليهم أو طردهم، وهذا ما يحدث في المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين. وقال “التأكيد الجديد لمخاوفنا هي محاولة التشكيلات المسلحة للمعارضة السورية السيطرة على بلدة معلولا التي تقطن فيها غالبية مسيحية.).

 لماذا بعض الفعاليات الروحية المسيحية اظهرت كم هي هزيلة، ولا يختلفون في شئ عن بعض مشايخ الاسلام في دمشق وحلب، في تبعيتهم والمصلحية للسلطة السياسية. حيث من المعروف عن العلاقة الوطيدة بين البطرك وبوتين مموله الخاص، لأن كافة الوقائع اثبتت كذب ما تم ترويجه عن معلولا وما حدث فيها.

الارهاب وتهجير المسيحيين، سلع لاقيمة فعلية لضحاياها، لدى السياسة الدولية في الشرق الاوسط وخاسرة، لكن سلعتي النفط وإسرائيل تعوض هذه الخسارة وهنا مربض الفرس.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى