بيسان الشيخصفحات العالم

استعراض روسي «حزب إلهي» على أطلال حمص/ بيسان الشيخ

 

 

تزامن العرض العسكري الذي أجراه «حزب الله» في مدينة القصير السورية بآليات عسكرية تبين أن بعضها يعود إلى الجيش اللبناني، مع انتشار فيديو روسي عالي الدقة صُوّر من الجو، يوثق الدمار الهائل الذي أصاب مدينة حمص نتيجة القصف السوري – الروسي المزدوج عليها.

حمص، التي تعتبر اليوم جبهة هادئة نسبياً مقارنة بحلب على سبيل المثل، تحظى باستعراض بري وآخر جوي قد يعتبران خارج السياق الميداني الساخن للمعارك. لكن الواقع أن رمزية حمص في سياق الثورة السورية لم تخبُ بعد، كما أن قمع التظاهرات فيها ثم «إخضاع» ما بقي من جيوب متّقدة عبر اتفاقات وقعت بسلاح الحصار والتجويع، يقدم بصفته «قصة نجاح» لكل من «حزب الله» وروسيا في اصطفافهما إلى جانب النظام السوري.

اللافت أن الغائب الأبرز عن استعراض العضلات ذاك هو الجيش السوري (النظامي) ذاته، أو أي رمز من رموز «الدولة» التي هب الحليفان اللبناني والروسي لنصرته.

والحال أن الفيديو الذي يعبر مساحات ومساحات من الركام، ويتوقف عند معالم أساسية تحمل رمزية كبيرة لأهل حمص ومجتمع الثورة السورية الأوسع، يوحي للوهلة الأولى بأن المشاهد تلك هي من برلين ما بعد الحرب العالمية الثانية. برلين التي دمرتها أيضاً الآلة العسكرية السوفياتية انتقاماً للنينغراد، وللقضاء على النازية، أو ما يمكن تسميته اليوم «إرهاب» ذلك العصر.

لا يفوت المشاهد أن إقامة ذلك التوازي البصري بين المدينتين متعمد ومقصود. فلا محاولة لإخفاء هول ما جرى ولا مبادرة لتجميله أو نكرانه عبر رصد حياة طبيعية رغدة تدور في أحياء أخرى من المدينة، كما يفعل إعلام النظام في دمشق والساحل السوري، حيث يصور حياة الليل وحركة الأسواق وارتياد الشواطئ بوتيرة عادية. على العكس تماماً. هنا، ثمة من يقول لنا متباهياً: انظروا جيداً إلى ذلك الدمار، تحسسوا هوله. إنه ما فعلناه بأيدينا وإرادتنا، بل ما «أنجزناه» وما نحن مستعدون للمزيد منه.

يقدم الفيديو الروسي مشاهد الدمار في حمص، بصفتها «إنجاز الضرورة» الذي يمهد لبارقة أمل بحياة جديدة بعيداً من تهديد «الإرهابيين»، تماماً كما كانت عليه الحال في برلين ذات حرب في القرن الماضي. فهل كان ممكناً مثلاً دحر النازية عن أوروبا لولا «إنجاز الضرورة» ذاك؟ الرسالة التي يحملها الفيديو واضحة، لا مواربة فيها. هناك من يقول للعالم: فعلناها في ألمانيا لوقف «الإرهاب النازي»، ونفعلها اليوم في سورية لوقف «الإرهاب الديني»، ونحن مستعدون لتكرارها حين تدعو الحاجة. وتحمل تلك الرسالة التي تسعى موسكو إلى تصديرها بشتى الوسائل الديبلوماسية والعسكرية والإعلامية، وزناً إضافياً على مشارف عهد رئاسي جديد في واشنطن، وضع نصب عينيه «استعادة مجد أميركا». فهناك في موسكو مَن يذكر بتحالف العدوين اللدودين في الحرب العالمية الثانية، للقول أنه من غير المستحيل استعادة ذلك المجد عبر تحالف ظرفي جديد اليوم، في سياق الحرب على الإرهاب.

وإلى ذلك، فإن العرض العسكري الآخر، الذي أجراه «حزب الله» في القصير، يحمل رسالة إيرانية واضحة ومتعددة الاتجاه هذه المرة. فهي أولاً تأكيد جديد لأن معركة القصير كانت «إنجازاً ضرورياً» في سياق تجفيف منابع الإرهاب وتأمين الطريق نحو «سورية المفيدة»، ولكن أيضاً نحو «لبنان المفيد». فلا يجدي كثيراً اليوم تأكيد المؤكد من أن «حزب الله» أثبت مرة أخرى أنه امتداد للحرس الثوري الإيراني، وأن ولاءه ليس لبنانياً، وغير ذلك مما بات ماضياً معروفاً يفاخر به الحزب أكثر مما ينكره. الجديد ربما، هو في الدور الذي سيناط بلبنان تحت حكم «حزب الله» المطلق وفي عهد رئاسي جديد ما كان ليبصر النور لولا موافقة الحزب ومظلته الراعية.

كيف يمكن جعل لبنان هذا مفيداً، لا بل أكثر إفادة، لـ «سورية المفيدة» تلك؟ ذلك هو التحدي الذي ترفعه مشهدية القصير التي تظهر شريطاً كاملاً من الحدود السورية – اللبنانية المشتركة وقد باتت تحت سيطرة الحزب الكاملة، لا سيما أنها استعانت بآليات عسكرية يعتقد أنها تعود إلى الجيش اللبناني حصل عليها هو من منحة أميركية. وإذ سارعت قيادة الجيش إلى إصدار بيان نفي وتبرّؤ، لا يمكن اعتبار المسألة هفوة أو زلة قدم من الحزب في أي شكل من الأشكال. إنها رسالة إيرانية واضحة تقول فيها للإدارة الأميركية الجديدة، أنها مفاوض أول على الطاولة الإقليمية. ليس في سياق «الحرب على الإرهاب» في سورية فحسب، وإنما في سياق أوسع يشمل المنطقة كلها.

وهي بذلك تحذرها من دعم جيش في المنطقة قد يقف في وجه حلفائها وأذرعها العسكرية، أو يكون قراره وولاؤه لغيرها، سواء في بلد هائل كالعراق، أو في حرب مستعرة كسورية، أو حتى في خاصرة رخوة كلبنان. وليس من قبيل المصادفة الآن أن يعارض «حزب الله» أي تشكيلة حكومية لا يكون فيها وزير الدفاع (وبالتالي صلاحيات تعيين قائد الجيش) من حصته المباشرة.

استعراض عسكري هنا، وإشهار مسؤولية عن دمار شامل هناك، ومفاوضات معلنة لتقاسم السلطات ومراكز النفوذ، وغير ذلك من إشارات تسلط القطبين الإيراني والروسي على المنطقة حتى لم يبق دور، أي دور، للنظام السوري أو «مؤسساته» المزعومة التي جاء الجميع بذريعة الدفاع عنها والحفاظ على «المفيد» منها.

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى