صفحات سوريةعمر كوش

استقالة الإبراهيمي فشل أممي/ عمر كوش

 

لم تكن استقالة، الأخضر الإبراهيمي، مفاجئة بالنسبة إلى العديد من السوريين والمهتمين بالشأن السوري، بل كانت متوقعة بالنظر إلى الاخفاق الذريع الذي آلت إليه مفاوضات مؤتمر جنيف-2 في فبراير/ شباط الماضي، بسبب سلوك وفد النظام، ورفضه أجندة التفاوض التي وضعها الإبراهيمي بنفسه، وبالتالي جاءت الاستقالة متأخرة، خصوصاً بعد تبيّن للجميع، أن النظام الأسدي ماضٍ في إجراء مهزلة انتخابات رئاسية في بداية حزيران/ يونيو القادم، ضارباً بكل الحلول السياسية عرض الحائط، ومنهياً أية فرصة أمام استمرار جهود أي حل سياسي للأزمة.

ومع استقالة الإبراهيمي، فإن صفحة جديدة تفتح في سجل الكارثة السورية، خصوصاً في ظل غياب أي تصور بديل للأمم المتحدة عن مؤتمر جنيف، الذي أعلن تشييعه رسمياً، وعدم التوصل إلى تحديد خلف للإبراهيمي، والخطة التي سيعمل بناء عليها.

وتشير الاستقالة إلى فشل المجتمع الدولي في إيجاد مخرج سياسي للمسألة السورية، وبخاصة بعد أن تبيّن من خلال سلوك وفد النظام الأسدي خلال جولتي التفاوض في جنيف، أن النظام لم يرسل وفده للتفاوض على تطبيق القرار 2118، وتطبيق بنود اتفاق جنيف -1، بحسب ما نصت الدعوة إلى مؤتمر جنيف -2، بل كي يراوغ ويماطل، في محاولة منه لحرف قطار التفاوض عن سكة الحل السياسي، التي تفضي إلى قيام هيئة حكم انتقالية. كما اتضح أنه ليس هناك من بين جماعة النظام، من هو صاحب إدارة سياسية، أو من يهمه إيقاف سيلان نهر دماء السوريين، بل إنهم مجموعة من المتعطشين للدماء، وثلة من المتغطرسين والمدجنين في بوتقة نظام فاشي، يستند إلى أسطورة، تنهض على سردية ثأرية غابرة، ويستقوي على العزل بعصبية طائفية بربرية، شعارها الأساس هو الموت أو الخضوع.

أما رسالة الاستقالة فتبدو واضحة جداً، وتفيد أن النظام الأسدي أغلق أبواب السياسة، ولا يريد حلولاً سياسية للكارثة السورية التي سببها، كونه أعلن منذ اليوم الأول للثورة السورية الحرب الشاملة على غالبية السوريين، وراح يرتكب الجرائم والمجازر المتنقلة من منطقة إلى أخرى، واستخدم كل أنواع الأسلحة المتوفرة لديه ضد الحاضة الشعبية للثورة، بما فيها الأسلحة الكيميائية.

وإذا تفحصنا أسباب الاستقالة، فإننا نجد بعضها في إعادة إنتاج الإبراهيمي مهمة كوفي أنان، التي أعلن الأخير بنفسه فشلها سريعاً، وانسحب بصمت، لكن السبب الأهم هو عجز مجلس الأمن الدولي عن القيام بمهماته حيال الأزمة السورية، بسبب الموقف الروسي الداعم للنظام الأسدي في حربه الشاملة ضد غالبية السوريين، إضافة إلى أن مجمل الخطوات التي قام بها الإبراهيمي شخصياً، وقبوله شروط الدول المؤثرة في الملف السوري، حيث اشترط عليه ساسة روسيا أن يسير على أساس خطة أنان، وحاولوا إملاء فهمهم وتفسيرهم لاتفاق جنيف-1 عليه، لذلك وقفوا ضد تشكيل هيئة الحكم الانتقالية في مفاوضات جنيف -2، التي انتهت إلى اخفاق ذريع.

وتمتد أسباب الاخفاق إلى المبدأ الذي وضعه الإبراهيمي للتفاوض خلال جولتي جنيف، وهو مبدأ الرضا، الذي يقتضي موافقة الطرفين ورضاهم على أية قضية تطرح للمناقشة، فضلاً عن أن كل بنود أجندة الإبراهيمي التي طرحت للتفاوض، اختلف فهمها وتفسيرها ما بين فهم وفد النظام وفهم وفد الائتلاف المعارض، حيث إن مسألة وقف العنف مثلاً، أراد وفد النظام حصرها في محاربة الإرهاب، وجعلها موضوع المفاوضات الحتمي، والمبرر لقتل السوريين، لذلك أصر وفد النظام على أن مصدر العنف هو المجموعات المسلحة التي تقاتل النظام، وأراد أن يتعهد وفد الائتلاف بمحاربة هذه المجموعات، وتحويل الكارثة السورية المتفاقمة، الناتجة عن تعامل النظام مع الأزمة الوطنية السورية، التي تمتد على طول أكثر من ثلاث سنوات، إلى قضية إرهاب، يتعرض لها هذا النظام المسكين والمسالم، الذي لم يقصف الغوطتين بالأسلحة الكيميائية، وبكافة أنواع الأسلحة المتوفرة لديه، ولا يلقي يومياً عشرات البراميل المتفجرة على المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته.

في المقابل، لم يجد وفد المعارضة سوى بحث مسألة تشكيل هيئة الحكم الانتقالية، واعتبار العنف الذي يتطلب الإيقاف هو عنف النظام وإرهاب الدولة، الذي خلّف أكثر من مائتين وخمسين ألف ضحية، وهجّر وشرّد أكثر من تسعة ملايين سوري من أماكن سكناهم إلى خارج البلاد وداخلها.

ومع طول أمد الأزمة السورية، يبدو أن تعامل الولايات المتحدة الأميركية والغرب، الرخو وغير المكترث بجريان نهر الدماء السورية، أفسح بالمجال لروسيا كي تتمادى في دعم النظام الأسدي، بما يعني أن عدم دعم الغرب المعارضة السورية عسكرياً، هو الذي شجع النظام في تماديه بارتكاب الجرائم، ورفضه لأي مبادرة سياسية، والأخطر هو تراجع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن توجيه ضربة عسكرية للنظام، الصيف الماضي، وبدلاً منها راح ساسة القوة العسكرية الأكبر، والأكثر مرونة، في العالم، لا يتحدثون إلا عن الحل السياسي، عبر التفاوض بيدين مقيدتين إلى الخلف، طيلة أكثر من ثلاث سنوات من عمر الأزمة السورية، فيما أوغل النظام الأسدي في القمع والإجرام، وتمادى رصيفه الروسي في مدّه بالأسلحة التي يدفع ثمنها نظام الملالي الإيراني، بالنظر إلى الالتحاق الكلي للنظام الأسدي بنظام الولي الفقيه، المطمئن إلى عدائه التاريخي لأبناء المنطقة وشعوبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى