صفحات الرأي

اسلاميون من دون حضارة اسلامية

 

دلال البزري

  ليس للإسلاميين، بمختلف درجات “تطرفهم”، أية صلة، عميقة أو سطحية، بالحضارة الاسلامية، ناهيك العربية: لا أثر ولا تأثير عندهم للمعمار الاسلامي، او الذوق أو التقاليد، أو الفلسفة والفكر والطب، أو الفنون، أو الآثار الاسلامية. فهم، إن لم يحملوا كلهم المعاول لتهديم الأضرحة، غير انهم جميعا غير مبالين بهذه الحضارة. والأمثلة، الطريفة منها والبشعة حاضرة أماما أعيننا: لباسهم، هندامهم، وهندام نسائهم، معاركهم ومناوشاتهم وفتاويهم ضد التماثيل الوثنية والرسم والموسيقى، ذوقهم معدوم الأبعاد، أثاث منازلهم ومكاتبهم، حبهم للألوان النافرة المتضاربة وللبلاستيك وللانضباط السري… جهلهم، مثل رئيسهم المصري، محمد مرسي، بكل الإرث الاسلامي؛ وقد فنّد الروائي المصري يوسف زيدان خطاباً ألقاه هذا الأخير في باكستان، فبيّن الاخطاء “الكارثية” التي ارتكبها بخصوص البيروني وابن الهيثم وابن النفيس وابن خلدون…

كل هذا يشي بموقف ما، مسكوت عنه، تشرّبه الاسلاميون عموماً، تجاه التراث الاسلامي التاريخي. وما يفضح هذه الضمنية المتجاهلة للتراث هو الاهتمام الذي يلاقيه هذا التراث نفسه في أوساط خصوم الإسلاميين من ليبراليين وقوميين وحتى يساريين…. يجمعهم كلهم صلة ما بالحضارة الغربية، ثقافية او حياتية او الإثنتَين معاً. تراهم يتزينون، أو يزينوا بيوتهم بجواهر أو تحف أو أثاث… كلها من وحي تراثي اسلامي؛ يستوحون من فنونه، وألوانه، يدرسون الفكر والتاريخ، ينبشون في الآثار… كل هذا وهم على عداء مع الاسلاميين. هذه مفارقة تصبح اثنتين، عندما ننتبه الى ان حب هؤلاء الليبراليين للتراث نابع من احتكاكهم بثقافة الغرب، التي كانت السباقة في التنقيب عنه.

إذن الجانب التقليدي التراثي الحضاري للاسلام غائب تماماً عن كل ما تزخر به الحالة الاسلامية من خطب ومواقف وفتاوي وانماط حياة … وإذا أضفتَ الى هذا التجاهل، الحرب التي يشنها الإسلاميون على الحضارة الحداثية، القريبة نسبياً، بكل مظاهرها وتنويعاتها، تكون ثقافة الاسلاميين مقتصرة على نص لإبن تيمية، الكاره للجميع، والمقتطف من سياقه، ثم برامج الدعاة التلفزيونية وعلى كتب “المؤسسين” أو المرشدين أو رسائل “الأمراء”، أو المواقع الإلكترونية، حيث تجد كل شيء، حتى التدريب القتالي وصنع القنابل… ولكنك لن تجد رابط “التراث” أو “الحضارة”. من هنا رثاثة الثقافة عند الاسلام السياسي، وركاكة ذوقها، وفراغ معانيها، إلا السياسية المباشرة منها.

وإذا استطعت ان تتجاوز الضجر، فأمعنتَ في قراءة هذه النصوص، فسوف تجد الحجر الأساس،  أو النواة الصلبة التي تغطيها أحيانا هذه النصوص او تكشفها، بحسب درجة صراحة “تطرف” إسلامية من يتفاعل معه.   ولكنها حاضرة، هنا، في المتون، في اللسان وفي العمق… لم تضف اليها التجارب غير التمويه الغشاش. انه سيد قطب، صاحب “معالم في الطريق”، “شهيد” الناصرية في أواساط ستينات القرن الماضي. في هذا الكتاب المستوحى من الباكستاني أبو الأعلى المودودي، يقسّم سيد قطب العالم الراهن بين إسلام وجاهلية؛ أي بين الاخوان وباقي المواطنين. “الجاهلية” هو كل ما ليس إسلامي؛ على الإسلاميين أن ينعزلوا عن هذه “الجاهلية”، أن يبنوا مجتمعهم الإسلامي الذي لا يأخذ بغير “الحاكمية لله”، أي حاكميتهم. وبما ان هذه الجاهلية اليوم أشد فتكا من جاهلية الأمس، ايام الدعوة المحمدية، فان الحرب عليها يجب ان تكون ليس أقل من  إلغائية. يحذف سيد قطب كل التواريخ، لحساب الدعوة المحمدية، وأحياناً حتى الخلفاء الراشدين. ليقفز على زمن الدعوة، كأنها حاصلة اليوم، ولم يمر عليها ما يستحق المعرفة، أو التذوّق أو التعلّم أو التذّكر… في هذه الحالة، كيف يكون لأصاحب “السمع والطاعة” ان يعلموا بأن دنيا “مرشديهم” تغلق عليهم معرفة تاريخهم نفسه، تقاليدهم، فكرهم؟

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى