صفحات مميزة

اعتداءات باريس الارهابية –مجموعة مقالات –

 

فرنسا هدف مشترك لـ «داعش» والأسد/ الياس حرفوش

إنها حرب مفتوحة بين تنظيم «داعش» الإرهابي والحكومات الغربية. حرب أصبحت تأخذ في طريقها كل من صادف وجوده على خط المواجهة، مدنياً كان أو مسلحاً. عدد من الدول الغربية، من بينها فرنسا، يقاتل التنظيم في أماكن تواجده، وفيما تقول هذه الدول أن أهدافها هي مقاتلو التنظيم، فمن غير المستبعد احتمال سقوط مدنيين أيضاً ضحايا غارات الطائرات التي تلقي قذائفها من مسافات بعيدة من الجو. في المقابل، ها هو «داعش» ينقل معركته إلى خارج حدود «دولته»، ليرد على الحرب المفتوحة عليه. غير أنه لا يستطيع استهداف من يعطون الأوامر لخوض الحرب أو من ينفذونها، فيختار أهدافه السهلة من المدنيين الأبرياء، كما شهدت العاصمة الفرنسية.

من الصعب وضع الإرهاب الذي تعرضت له باريس خارج سياق الجرائم الأخرى التي أعلن «داعش» مسؤوليته عنها، من تفجير الطائرة الروسية في شرم الشيخ، إلى التفجير المزدوج في منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية من بيروت. إرهاب يبعث رسائل واضحة، أن «داعش» مستعد لفعل كل الفظائع، إذا شعر أن العمليات التي تنفذ ضده أصبحت تعرض «دولته» لخطر الزوال. في بيروت، كانت الرسالة تستهدف تدخل «حزب الله» في الحرب إلى جانب النظام السوري، وفي شرم الشيخ كانت تستهدف الدور الروسي، أما في باريس، فقد استهدفت الرسالة الدولة الغربية الوحيدة، إلى جانب الولايات المتحدة، التي تخوض عمليات مباشرة ضد التنظيم الإرهابي في سورية، بالإضافة إلى مشاركتها في المعارك ضد من يوالون التنظيم أو «يطيعونه» في منطقة الساحل الأفريقي.

«داعش» في مأزق، ومن هنا الطبيعة الانتحارية لعملياته الأخيرة، بعد أن اقتصرت فظائعه وبربريته حتى الآن على ذبح الأبرياء من الرهائن داخل «حدوده». لقد تعرض التنظيم الإرهابي في الآونة الأخيرة لعدد من الهزائم، لعل أهمها استعادة بلدة سنجار، وما يعنيه ذلك من قطع أوصال «الدولة» التي كانت تحلم بوصل مناطق نفوذها في سورية والعراق، بالإضافة إلى أن ما بعد سنجار يمكن أن يعني أيضاً سقوط الموصل، التي كانت منها إطلالة البغدادي الأولى على العالم، بعد إعلان «خلافته».

لا يمكن كذلك تجاهل معنى قتل محمد أموازي (الجهادي جون) فيما كان يتنقل بسيارة مع شخص آخر في الرقة، «عاصمة داعش». ليس بسبب أهمية هذا الشخص في وضع خطط «داعش» أو إدارة عملياته، ولكن لأن استهدافه بطائرة من دون طيار، تمكنت من تحديد تحركه بهذه الدقة، يبعث رسالة إلى الإرهابيين الآخرين، المنضمين إلى صفوف «داعش»، أو أولئك المستعدين للانضمام، بأن يد الاستخبارات الغربية طويلة، وتستطيع تعقبهم والقضاء عليهم.

«داعش» يستهدف فرنسا، آملاً في نشر حال من الرعب في الدول الغربية، ترغمها على التراجع عن حربها عليه. غير أن فرنسا ليست هدفاً لـ «داعش» وحده. ففي الجانب الآخر من الصورة، وفيما كانت بيانات الاستنكار والإدانة لجرائم باريس تخرج على أفواه الجميع، وجد الرئيس بشار الأسد أنها فرصة للشماتة ولانتقاد الحكومة الفرنسية التي كانت الأكثر تصلباً في مواقفها ضده. فقال إن «سياسات فرنسا الخاطئة هي المسؤولة عن تمدد الإرهاب»، ودعاها إلى الالتقاء معه على التصنيف الذي حدده للتنظيمات الإرهابية، فاعتبر أن «اعتداءات باريس لا يمكن فصلها عما يحدث في سورية منذ خمس سنوات»، وكأن الإرهابيين الذين فجروا المطاعم والمقاهي وصالة الحفلات في باريس يشبهون أطفال درعا وسواهم من شبان سورية الذين خرجوا يطالبون بإصلاح النظام في آذار (مارس) 2011.

أضف إلى ذلك، التوقيت المشبوه لتفجيرات باريس عشية اجتماع فيينا لبحث الأزمة السورية. لقد طغت هجمات باريس على نقاشات المجتمعين، وصارت الأولوية للحرب على الإرهاب، وهي شعار بشار الأسد منذ بدأ معركته مع معارضيه. ودفعت جرائم باريس حتى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي كان صوته الأعلى في المطالبة بالتغيير في سورية، إلى الدعوة إلى تعزيز التنسيق الدولي في قتال «داعش»، قبل البحث في أي أمر آخر.

«داعش» يحلم ان تؤدي جرائم باريس الى إرهاب فرنسا والغرب. لكنه ليس الجهة الوحيدة التي تجدها فرصة مناسبة لقطف ثمار هذه الجرائم.

الحياة

 

 

 

 

ساعة الحرب على الظلام/ غسان شربل

«غزوة باريس» أخطر من «غزوتي نيويورك وواشنطن». وقتل الناس بعد التحديق في عيونهم المذعورة أشد هولاً من ارتطام طائرة ببرج. مذبحة باريس أفظع من 11 سبتمبر (أيلول) الأميركي. إنها عمليات إعدام وحشية ميدانية قابلة للتكرار في هذه العاصمة أو تلك. لا تحتاج إلى طائرات أو طيارين. يكفي وجود حفنة من ذئاب الظلام تشرب من نهر الكراهية المطلقة.

«غزوة باريس» هي الأخطر، لأنها تبني على الجروح التي أحدثتها الغزوات السابقة وتهيل عليها كميات هائلة من الملح والكبريت. ولأنها تعمق مشروع الطلاق بين العرب والمسلمين من جهة وسائر العالم من جهة أخرى. ولأنها تدفع الجاليات العربية والإسلامية إلى الاصطدام المروع بالبلدان التي استضافتها. ولأنها تبني مدماكاً جديداً في مشروع إيقاظ الحروب الدينية وحروب الإلغاء بين الحضارات. ولأنها تنذر بأمواج كراهية للاجئين الذين فروا من وحشية حروبنا ومجتمعاتنا. إنها تهديد قاتل لعلاقات دول وشعوب وأديان وأفراد. مشروع انتحار كوني.

أبو بكر البغدادي أخطر من أسامة بن لادن. و «داعش» أخطر من «القاعدة». ارتكب العالم إثماً فظيعاً حين سمح لآلة القتل السوداء بأن تتحصن في أجزاء واسعة من العراق وسورية. حين اختار باراك أوباما سياسة النأي بالنفس. وحين انتظر فلاديمير بوتين فرص الصيد في بحيرة الدم السورية. وما يصدق عليهما يصدق على كثيرين.

ارتكب العالم جريمة واسعة. سمح لـ «دولة البغدادي» بالتقاط أنفاسها غداة إعلانها. سمح لها بالسيطرة على حقول النفط وتنظيم الجبايات واستثمار ما استولت عليه من المصارف والجيوش. أتاح لها التحصن في أماكن آمنة. واستقطاب متعصبين قادرين على توظيف التكنولوجيا في خدمة برنامج الكراهية والتدمير. وإغراء ضباط متشددين من جيوش قريبة وبعيدة. أعطاها الوقت لإنشاء غرف للتخطيط والعمليات. وإنتاج أجيال جديدة من الانتحاريين.

لا تزعم أن بلادك بعيدة. ولا تتوهم أن عاصمتك محصنة. هذه حرب لا تشبه ما عشناه أو قرأنا عنه. إنها حرب عالمية ترمي إلى الاصطدام بالعالم. بكل من لا يعتنق هذه الملامح الصارمة المقفلة. بكل من لا يشرب من النبع نفسه. إنها ترمي إلى إعادة بلدان إلى الكهوف. وتحويل جاليات وأقليات إلى عبوات. إنها مشروع اغتيال واسع لحق الاختلاف وفرص التعايش والتقدم. إنها ليل حالك يحاول اغتيال أضواء الحرية والكرامة.

في حرب من هذا النوع عليك أن تختار معسكرك. لا تهرب ولا تفرك يديك. من الملحّ فهْمُ جذور ولادة هذا الديناصور المفترس. لكن حذار من تبرير القتل بذريعة التهميش والإحباط والفقر والظلم الضارب هنا أو هناك. الظلم لا يبرر تعميم الظلام. ولا شيء يبيح هذه المجزرة الجوالة.

إن الأمر لا يتعلق بسورية والعراق ومنطقة الرأس المقطوع. العالم بأسره مهدد. هذه ليست مبالغة. إنه مهدد في أمنه واستقراره وسلامته وسياحته واقتصاده وتعايشه وشروط تقدمه. والعلاج يتخطى بالتأكيد مصير التنازع بين النظام السوري ومعارضيه وبين حيدر العبادي ورفيقه اللدود نوري المالكي. لا يواجه قرار إطلاق حرب عالمية إلا بقرار من القماشة نفسها.

على العالم أن يستيقظ الآن وقبل فوات الأوان. على الأمم المتحدة أن تنقذ أمن العالم واستقراره. على مجلس الأمن أن يتخذ قرار إطلاق حرب عالمية ضد الإرهاب. وعلى الدول الكبرى أن تتولى تنفيذ هذا القرار. تحتاج هذه الحرب إلى أساطيل وطائرات. وتحتاج أيضاً إلى دعم مالي وإعلامي. لا بد للعالم العربي والإسلامي من أن يساهم في إنقاذ نفسه. حرب تغلق كل الملاذات التي توفر للمتطرفين فرص التحصن والتناسل وشن الهجمات.

وفي موازاة هذه الحرب، لا بد من إغلاق منابر الكراهية للآخر. لا بد من مواجهة فكرية شاملة. لا بد من مراجعة عميقة. تجب استعادة الجامعات والمدارس والمساجد والشاشات والمواقع الإلكترونية من قبضة مروجي التكفير وإلغاء الآخر. اعتبار الحرب شأناً يعني الآخرين أفضل وصفة للخسارة.

إنها ساعة القرار الكبير. أن يخوض العالم هذه الحرب الآن أفضل من أن يخوضها لاحقاً. على مجلس الأمن بلورة إرادة دولية صارمة وتسخير كل طاقات الدول للدفاع عن التقدم الإنساني. إن ما يهدد العالم العربي والإسلامي اليوم لا يقل عن الخطر الذي شكلته النازية على أوروبا والعالم. إن العالم على مفترق طرق. وقرار إنقاذ التقدم الإنساني يحتاج إلى قامات استثنائية. يحتاج إلى ما يتجاوز براعات لافروف وسذاجات كيري. حرب عالمية على الظلام ترافقها إرادة دولية لإنهاء النزاعات على قاعدة الحوار والعدالة والمشاركة. التأخر في شن الحرب لا يَعِد العالم إلا بـ «غزوات» جديدة.

الحياة

 

 

 

 

 

الإرهاب والفشل السياسي/ خالد الدخيل

يوم الأربعاء الماضي وجه الإرهاب ضربة موجعة لبيروت. في أقل من ثمان وأربعين ساعة نفذ الإرهاب ضربة موجعة أخرى في باريس. حصلت الأولى في الشرق الأوسط، وتحديداً في بلاد الشام حيث تدور أعنف وأخطر حرب أهلية بجوار بيروت. أما الثانية فحصلت في أوروبا حيث لا حروب أهلية، ولا ربيع أوروبي، بل حضارة مستقرة ومتصالحة مع نفسها، وفي حالة تمدد مستمرة. جغرافياً وزمانياً، المسافة بين الشام وأوروبا شاسعة. حتى سياسياً تبدو المسافة مثل المتاهة. لماذا لم تحصن هذه المسافة أوروبا؟ لماذا بيروت وباريس؟ قبل ذلك: لماذا الرياض، أو نيويورك، أو الدار البيضاء، أو القطيف، أو بغداد، أو سيناء، أو الكويت؟ تكاد ظاهرة الإرهاب تغطي خريطة العالم، ومع ذلك بقي السؤال نفسه. هناك خطأ ما إما في السؤال، أو صيغة السؤال، أو محاولة الإجابة عن السؤال.

دائماً ما ينطلق السؤال من فرضية أنه لا مبرر أخلاقياً للإرهاب. وهذا صحيح. لكن هذا سؤال أخلاقي، وليس سؤالاً علمياً. السؤال أكبر وأخطر من ذلك. لماذا يحصل هذا الانحراف الأخلاقي المدمر؟ هل يدرك الإرهابي ذلك؟ الإرهاب جريمة سياسية. ويتفق علماء الجريمة على أن تفشي هذه الظاهرة في المجتمع عرض مرضي ألمّ بهذا المجتمع. انطلاقاً من ذلك هناك فرضية أخرى، وهي أن الإرهاب، مهما كان الموقف منه هو نتيجة، وليس سبباً. وهي نتيجة قد تتحول مع الوقت إلى سبب لنتيجة أخرى لا تقل خطورة. لا يسعك في هذه الحالة الاكتفاء بهجاء الإرهاب. بمثل هذه المقاربة ستظل أسير حلقة مفرغة لا تنتهي حتى تبدأ من جديد.

هناك حقائق عن الإرهاب متفق عليها. أنه ينطلق من الشرق الأوسط، وأن هذا الشرق يموج بأزمات ومآسٍ نابعة منه أصلاً، لكن لا يمكن الغرب التنصل منها. وهو ما تثبته حقائق أخرى. مأساة فلسطين بدأت على صلة وثيقة بالغرب، وإن كان ليس المسؤول الوحيد عنها. كانت المقاومة الفلسطينية ولا تزال تصم أميركا بالإرهاب. بعد نهاية سبعينات القرن الماضي كانت البداية الحقيقية للإرهاب في موجته الأولى. انطلقت من أفغانستان بعد الغزو السوفياتي لهذا البلد عام 1979. ثم انطلق في موجته الثانية بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. في هذا الإطار حصل الربيع العربي ومواقف الخارج والداخل منه، وتداخلهما بشكل ضاعف من تعقيد صورة الأحداث وتشابكها. هل يمكن فصل هذه الأحداث وصورتها لدى كل طرف عنها؟

في هذا السياق تبرر الولايات المتحدة، على سبيل المثال، جرائم وانتهاكات إسرائيل في الأراضي المحتلة، وتوفر لها الغطاء السياسي، وتمدها بالدعم المالي والعسكري. تعترف واشنطن بأن إسرائيل تحتل الضفة الغربية، وأن الفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال. ومع ذلك تعتبر أن أي شكل من أشكال المقاومة لهذا الاحتلال إرهاب يبرر لإسرائيل مواجهته دفاعاً عن نفسها. ما هو الإرهاب في هذه الحالة؟ أين يبدأ، وأين ينتهي؟ هذه حالة نموذجية للحلقة المفرغة. مثال آخر: موقف روسيا السياسي من الرئيس السوري مشابه للموقف الأميركي من إسرائيل. هي لا تبرر جرائم الأسد تماماً، لكنها ترفض إدانته أيضاً. تقول موسكو إن الشعب السوري انتخب الأسد، وبالتالي ليس من حق أحد المطالبة بتنحّيه. ليس مهماً كيف تم هذا الانتخاب؟ ومن شارك فيه؟ وتحت أي ظروف؟ وهل توافرت مثلاً حرية الإرادة والاختيار للشعب؟ كل هذا ليس مهماً. الأهم أن الانتخاب حصل. تتجاهل موسكو السؤال الذي لا يمكن تجاهله. إذا افترضنا أن الشعب لم يثر أصلاً، وأن الأسد في حقيقة الأمر منتخب من الشعب، فلماذا قتل الرئيس من هذا الشعب -الذي انتخبه- حتى الآن أكثر من ثلاثمائة ألف، وهجر أكثر من عشرة ملايين؟ ترى لو أن الشعب انتخب الرئيس بحرية إرادته وخياره، هل كان هناك مجال لكل هذه الميليشيات أن تدخل سورية، خصوصاً أن الرئيس نفسه استعان بالكثير من هذه الميليشيات؟ ما هو الإرهاب في هذه الحالة؟ أين يبدأ؟ وأين ينتهي؟

مثال ثالث لا يقل مأسوية: إيران تذهب أكثر من موسكو. هي تبرر للرئيس السوري جرائمه ضد شعبه بدعوى أنه رئيس مقاوم. ولا أحد يعرف مقاوم ضد من، خصوصاً أن ضحايا هذه المقاومة هم من السوريين فقط؟ هل يمكن أن هذا ما تقصده إيران؟ ومن حيث أن هذه المقاومة ليست أكثر من ادعاء سياسي كاذب، وبالتالي ليست مبرراً كافياً، تعتبر طهران أن الثورة على الأسد أصلاً إثم في صيغة إرهاب ينطلق من عقيدة تكفيرية. لذلك تمد إيران الرئيس الأسد بالمال والعتاد، وبالميليشيات. الموقف الإيراني هنا أسوأ وأخطر من الموقفين الأميركي والروسي. موقف كل من واشنطن وموسكو سياسي، ولهدف سياسي، أما الموقف الإيراني، فمع أنه يتجه لهدف سياسي، إلا أنه في أصله ومنطلقه موقف أيديولوجي- ديني، ومساهم كبير في إشعال وتأجيج الحرب الدينية في سورية. وذلك من خلال إرسال ميليشيات عقائدية ترى أنها في حرب مقدسة لاستعادة ثارات الحسين. مرة أخرى، ما هي حدود الإرهاب في هذه الحالة؟ أين يبدأ؟ وأين يمكن أن ينتهي؟

ما حصل لبيروت وباريس وما حصل قبلهما جريمة إرهابية بامتياز. والأبرياء الذين قضوا في هذه وغيرها من جرائم نكراء هم ضحايا عمل إرهابي يستند إلى فكر ديني متوحش. لكن ماذا عن الفكر السياسي المتوحش لنظام مثل النظام السوري؟ أو الفكر الطائفي للنظام الذي نشأ في العراق تحت الاحتلال الأميركي والنفوذ الإيراني؟ لا ينبغي أن تغطي بشاعة «داعش» حقيقة ما يحصل. للفكر أكثر من وجه، وأكثر من لون، وأكثر من أداة واحدة، وأكثر من حضور واحد. أيهما تسبب في ظهور الآخر: «داعش» أم النظام السوري؟ هل هي مصادفة أن «داعش» ظهر في العراق وفي سورية؟ ما حصل بكل بشاعته نتيجة متوقعة لبيئة سياسية تُركت تتعفن. وهذا التعفن نتيجة فشل سياسي من أكثر من طرف. وإذا كان الإرهاب نتيجة قبل أن يكون سبباً، فإن تراكم الفشل الدولي في فلسطين أولاً، ثم أفغانستان والعراق وسورية، من أهم الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة.

* أكاديمي وكاتب سعودي

الحياة

 

 

 

 

اعتداءات باريس: عسكرة الإرهاب/ د .حسين مجدوبي

العمليات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة باريس يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وخلفت مقتل قرابة 130 شخصا وأكثر من 300 جريح هي امتداد لعمليات أخرى شهدتها فرنسا وأوروبا منذ تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة وكذلك في مناطق أخرى من العالم وأساسا الهند وروسيا. وتفجيرات باريس، من توقيع تنظيم الدولة الإسلامية، هي نقلة نوعية  في الإرهاب العالمي لأنها نفذت بتقنية عمليات الكوماندوهات العسكرية، مما جعل الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند يقول بقيام جيش إرهابي بمهاجمة العاصمة.

وتفيد وزارة الداخلية الفرنسية بحدوث ست أو سبع عمليات إرهابية في وقت واحد من طرف قرابة ثمانية أشخاص أو أكثر انقسموا إلى ثلاث مجموعات، وتحركوا بتقنيات متعددة منها حرب العصابات في المدن لكنها كلها ترمي إلى إحداث أكبر حصيلة من القتلى والضحايا. ولهذا فقد استهدف الإرهابيون أماكن عمومية وفي توقيت واحد خلق الصدمة وتشتيت الأجهزة الأمنية. وكان الهجوم على ملعب فرنسا وعلى عدد من المطاعم والمقاهي ومسرح باتكلان. واستهداف الأماكن العمومية التي تكون عادة مليئة بالناس هو الذي يفسر هذه الحصيلة المرتفعة التي تعتبر أسوأ ما تعرضت له فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية. وتبقى كذلك ثاني أكبر اعتداءات إرهابية في أوروبا بعد اعتداءات مدريد يوم 11 كانون الثاني/يناير 2004 الأعنف بحصيلة 192 قتيلا، وبدورها كانت ضد منشآت عمومية، حيث استهدفت قطارات.

والاعتداءات التي تعرضت لها باريس هي الحلقة الثالثة في مسلسل إرهابي يتصاعد بشكل خطير، وكانت الحلقة الأولى تلك التي نفذها محمد مراح ما بين 11 و19 اذار/مارس 2012 في مدينة تولوز وخلفت مقتل سبعة أشخاص، أربعة مدنيين وثلاثة عسكريين. ووقعت الحلقة الثانية من الاعتداءات ما بين 7 و16 كانون الثاني/يناير الماضي عندما نفذ الإخوان كواشي علميات إرهابية استهدفت المجلة الساخرة شارل إيبدو وقيام إرهابي إميلي كوليبالي نسق معها بالهجوم على متجر يهودي، وجرت العمليتان في باريس.

ولكن تفجيرات 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 تشكل قفزة نوعية في عمليات الإرهاب المستهدف للغرب لسببين رئيسيين، الأول وهو الطابع العسكري لعملية التنفيذ من طرف مجموعات متعددة  اعتمدت حرب العصابات، وهو ما يفسر نزول الجيش إلى العاصمة باريس لقدرته العالية على مواجهة عمليات من هذا النوع. والسبب الثاني هو منتهى السرية المتناهية التي عملت بها المجموعات الإرهابية رغم استنفار المخابرات الغربية ومنها الفرنسية في رصد وتتبع الإرهابيين والمشتبه بهم  دوليا. وهذا يبين أنه مهما كانت المراقبة، تقع عمليات إرهابية، إما لسوء في التقدير الأمني أو ذكاء الإرهابيين لتجاوز مختلف إجراءات المراقبة. واستخباراتيا، هذه العملية تشكل تحديا خطيرا للمخابرات الفرنسية والغربية التي تجد نفسها متجاوزة بالضغط ومستوى الخطر، كما كتبت جريدة لوموند في عدد السبت الأحد.

فهذه المرة لا يتعلق الأمر بتقنية «الذئب المنفرد» وهو قيام شخص واحد بعملية تنفيذ الاعتداءات، كما حدث في حالة محمد مراح، وهي التقنية التي كانت تشغل بال الأجهزة الأمنية والمخابراتية لصعوبة رصد فرد واحد بل بمجموعة متكاملة على شكل كوماندو تابع لقوات خاصة لجيش معين تنسيق بين الداخل والخارج. في الوقت ذاته، يستمر غياب التنسيق وتقييم الأخطار، فبعد الحاث، قالت المانيا باعتقال شخص متبه فيه يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر بالجاري بأسلحة وله علاقة بتفجيرات باريس.

انتظار تفجيرات مماثلة

وإذا كانت هذه التفجيرات مفاجئة للرأي العام الفرنسي والدولي، فهي لا تعتبر مفاجئة لخبراء مكافحة الإرهاب والدارسين لهذه الظاهرة. ولعل العنوان الرئيسي الذي يمكن إطلاقه على هذه العمليات هو «عسكرة الإرهاب» بحكم تنفيذ مجموعات متدربة على مستوى عال جدا عمليات في وقت واحد وبأسلحة ومتفجرات واستهداف أماكن عمومية. وهذه التقنيات مختلفة عن إرهاب بعض الحركات الأوروبية ما بين الستينيات وحتى السنوات الماضية، ويتعلق الأمر بتنظيمات مثل حركة إيتا الباسكية في اسبانيا والجيش الجمهوري الإيرلندي وتنظيم «العمل المباشر» الفرنسي و»بادر ماينهاف» الألماني، وهي حركات كانت عموما انتقائية في أهدافها وليست عشوائية.

وفي تصريحات للقناة التلفزيونية BMTV قال فدريك غالواز، وهو رئيس سابق لقوات التدخل الخاصة التابعة للدرك الفرنسي «كنا ننتظر هذا النوع من العمليات الإرهابية الشاملة نظرا لحدوث عمليات متشابهة في السابق في أماكن أخرى من العالم».

وعمليا، الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها باريس وقعت في أماكن أخرى من العالم وكلها تحت عنوان «استهداف أماكن عمومية» للتسبب في أكبر رقم من الضحايا. في هذا الصدد، فالهجوم على مسرح باتكلان الذي خلف أكثر من 80 قتيلا، ما هو إلا تكرار لعملية الهجوم على مسرح إشكيريا في العاصمة موسكو يوم 23 تشرين الاول/أكتوبر 2002 من طرف جيش إرهابي مكون من شياشنيين وخلفت مقتل 129 شخصا.

وتلتقي هجمات باريس كذلك مع تلك التي تعرضت لها مطاعم ومقاهي في الدائرة العاشرة في باريس في طريقة التنفيذ مع العمليات الإرهابية التي شهدتها مدينة بومباي الهندية يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 وخلفت مقتل 195، حيث قام مسلحون بالهجوم على فنادق ومطاعم فاخرة وفتحوا النار بشكل عشوائي.

ويجهل الظروف التي وقعت فيها تفجيرات ستاد فرنسا في باريس حيث كانت تجري مباراة لكرة القدم بين المنتخب الفرنسي ونظيره الألماني وبحضور فرانسوا أولاند، ولكن يبدو أن رغبة الإرهابيين هوتنفيذ تفجير داخل الملعب، ولم ينججوا في ذلك. وكانت تقارير أمنية ومخابراتية بريطانية واسبانية قد تحدثت عن عمليات مشابهة جرى إفشالها في الماضي.

في الوقت ذاته، يؤكد خبراء فرنسا انتظارهم عمليات إرهابية من هذا النوع وذات تقنية عالية لأسباب متعددة منها أساسا، في المقام الأول، تساهلت الدول الأوروبية مع شبابها المسلم للتوجه إلى سوريا بعد اندلاع الربيع العربي، وذلك لمحاربة نظام بشار الأسد. وبينما لا يشكل مسلمو الغرب حوالي 1،5٪ من مسلمي العالم، نجدهم يشكلون ما بين 20٪ إلى 25٪ من مقاتلي التنظيمات الإرهابية مثل داعش في سوريا. وهكذا، قد وجد هذا الشباب في سوريا الخاضعة لتنظيمات مثل داعش والنصرة المجال لتلقي تدريبات عسكرية عالية مثل صنع المتفجرات وفتح النار لتنفيذ عمليات إرهابية ضخمة. والآن، بدأ هذا الشباب يعود إلى الدول الغربية، مما يشكل قنابل قابلة للانفجار في أي لحظة.

وفي المقام الثاني، ارتفاع تنفيذ شباب أوروبي ومنهم فرنسيون لعمليات انتحارية في سوريا والعراق. وحول هذا الموضوع، كان الصحافي البارز في جريدة لوفيغارو كريستوفر كورنفين قد قال باحتمال تعرض فرنسا لعمليات انتحارية بعد تحقيق أجراه كشف عن تنفيذ تسعة فرنسيين لعمليات انتحارية في سوريا والعراق. ولا يتعلق الأمر بفرنسيين من جذور عربية وإسلامية بل بفرنسيين اعتنقوا الإسلام. ومن هذه الأسماء كفين شاسين الذي نفذ عملية إنتحارية في العراق خلال ايار/مايو الماضي. وبيير شولي الذي نفذ عملية انتحارية في العراق خلال شباط/فبراير الماضي، ونيكولاس بونس الذي نفذ عملية انتحارية في سوريا سنة 2013، وهناك ست حالات أخرى لفرنسيين نفذوا عمليات انتحارية.

البعد الاستراتيجي

لتفجيرات باريس

لا يمكن فصل العمليات الإرهابية التي تتعرض لها أوروبا والغرب عموما بل وحتى بعض الدول العربية مثل لبنان عن الملف السوري بتشعباته المختلفة سياسيا وعقائديا وعسكريا. وسيترتب عن اعتداءات باريس عدد من النتائج ذات البعد الاستراتيجي.

في هذا الإطار، سترفع الدول الغربية من تنسيقها الأمني وسط القارة الأوروبية وخارجها بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك لأن الخطر قادم من الخارج، من مناطق مثل سوريا والعراق وليبيا. ولا يمكن استبعاد قيام كوماندوهات أوروبية بعمليات حربية دقيقة ضد داعش في سوريا خلال الأسابيع المقبلة.

وأخيرا، فالبعد الذي اتخذه الإرهاب الديني المرتبط بالتطرف الإسلامي وتورط شباب أوروبي من جذور عربية ومعتقد إسلامي، سيطرح إشكالية التعايش بشكل مقلق هذه المرة في فرنسا ومجموع أوروبا.

تنظيم الدولة الإسلامية يعلن مسؤوليته عن اعتداءات باريس

تبنى تنظيم الدولة الإسلامية في بيان تداولته حسابات جهادية على موقع تويتر اعتداءات باريس مساء الجمعة التي خلفت ما لا يقل عن 130 قتيلا، وأكد ان فرنسا على «رأس قائمة أهدافه».

وجاء في البيان «قام ثمانية أخوة ملتحفين أحزمة ناسفة وبنادق رشاشة باستهداف مواقع منتخبة بدقة في قلب عاصمة فرنسا، فتزلزلت باريس تحت أقدامهم وضاقت عليهم شوارعها».

واوضح البيان ان الاعتداءات استهدفت «ملعب دي فرانس اثناء مباراة فريقي المانيا وفرنسا الصليبتين، ومركز باتاكلون للمؤتمرات حيث تجمع المئات من المشركين وأهدافا أخرى».

وهدد تنظيم الدولة الإسلامية فرنسا مؤكدا انها «على رأس قائمة أهداف الدولة الإسلامية ما داموا قد تصدروا ركب الحملة الصليبية وتجرأوا على سب نبينا وتفاخروا بحرب الإسلام في فرنسا، وضرب المسلمين في ارض الخلافة بطائراتهم».

واختتم البيان بالقول «ان هذه الغزوة اول الغيث وانذار لمن اراد ان يعتبر».

واتهم الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند السبت تنظيم الدولة الإسلامية بالوقوف خلف سلسلة الهجمات التي ضربت باريس مساء الجمعة واوقعت ما لا يقل عن 130 قتيلا و300 جريح.

وقال قبل صدور بيان التنظيم «ما حصل أمس هو عمل حربي .. ارتكبه داعش ودبر من الخارج بتواطؤ داخلي سيسمح التحقيق باثباتها».

وفي وت لاحق قالت مصادر مقربة من التحقيقات في هجمات باريس إنه تم العثور على جواز سفر سوري بجوار جثة أحد الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم الجمعة قرب استاد فرنسا في العاصمة باريس.

هجمات باريس الأكثر دموية في أوروبا منذ اعتداءات مدريد عام 2004

تعتبر الهجمات التي استهدفت باريس مساء الجمعة واوقعت ما لا يقل عن 130 قتيلا بحسب حصيلة مؤقتة للسلطات الفرنسية الأكثر دموية التي شهدتها أوروبا في السنوات الاربعين الأخيرة بعد اعتداءات مدريد في 11 اذار/مارس 2004.

  • 7 كانون الثاني/يناير 2015 ـ فرنسا: جهاديان فرنسيان هما الشقيقان سعيد وشريف كواشي يقتلان 12 شخصا بينهم خمسة رسامين في مقر الاسبوعية شارلي ايبدو في باريس التي كانت تلقت تهديدات لنشرها رسوما كاريكاتورية للنبي محمد في 2006 و2012. وقتل عناصر امن الجهاديان في اليوم الثالث من فرارهما.

وفي اليومين التاليين، قام جهادي فرنسي ثالث يدعى احمدي كوليبالي بقتل شرطية من عناصر الشرطة البلدية ثم اربعة يهود في ضاحية باريس القريبة قبل قتله بدوره.

واعلن الشقيقان كواشي انتماءهما لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب فيما اعلن احمدي كوليبالي انتماءه لتنظيم الدولة الاسلامية.

  • 22 تموز/يوليو 2011 ـ النروج: متطرف يميني هو اندرس بيرينغ برايفيك يفجر قنبلة قرب مقر الحكومة في اوسلو موقعا ثمانية قتلى، ثم يطلق النار في مخيم صيفي للشبيبة العمالية في جزيرة اوتويا فيقتل 69 شخصا معظمهم من الفتيان. وهو يقضي حاليا عقوبة بالسجن 21 عاما، وهي العقوبة القصوى في النروج، ويمكن تمديدها إلى ما لا نهاية طالما انه يعتبر خطيرا.
  • 7 تموز/يوليو ـ بريطانيا: اربعة اعتداءات انتحارية منسقة في ساعة الزحمة في ثلاثة قطارات مترو وحافلة في لندن توقع 56 قتيلا و700 جريح. وتبنتها مجموعة تنتمي إلى تنظيم القاعدة.
  • 11 اذار/مارس 2004 ـ اسبانيا: انفجار عشرة قنابل قرابة الساعة 7،40 في مدريد وضاحيتها في اربعة قطارات ما ادى إلى وقوع 191 قتيلا وحوالي الفي جريح. وتبنت الاعتداء خلية إسلامية متطرفة أعلنت انتماءها لتنظيم القاعدة.
  • 15 اب/اغسطس 1998 ـ بريطانيا: انفجار سيارة مفخخة في مدينة اوماغ الصغيرة شمال غرب ايرلندا الشمالية يوقع 29 قتيلا و 220 جريحا بينهم العديد من الشبان. وتبنت الاعتداء مجموعة صغيرة منشقة عن الجيش الجمهوري الايرلندي. ووقع الاعتداء وسط عملية السلام التي كانت جارية في ايرلندا الشمالية بعد اربعة اشهر على توقيع اتفاقات نيسان/ابريل 1998 المعروفة باتفاقات الجمعة العظيمة.
  • 19 حزيران/يونيو 1987 ـ اسبانيا: اعتداء بالسيارة المفخخة نفذه تنظيم ايتا الانفصالي الباسكي في مرآب مركز تجاري في برشلونة (شمال شرق) يوقع 21 قتيلا و45 جريحا.
  • 2 اب/اغسطس 1980 ـ ايطاليا: انفجار قنبلة في قاعة الانتظار في محطة بولونيا (شمال) يوقع 85 قتيلا و200 جريح. وكان الاعتداء الأكثر دموية في تاريخ ايطاليا. وحكم على اثنين من عناصر مجموعة ارهابية من اليمين المتطرف بالسجن المؤبد لكنه لم يتم التعرف إلى مدبري الاعتداء.

 

 

 

 

باريس.. الإرهاب وهشاشة المدنية الحديثة/ سمير الزبن

مرة أخرى، نصحو على عملية إرهابية في باريس. هناك من فجّر نفسه بين أبرياء، وهناك من أطلق النار على أبرياء يتناولون عشاءهم في مطعم باريسي، وآخرون دخلوا حفلة موسيقية، ليدموا من فيها، وليستبدلوا صوت الموسيقى بصوت الرصاص القاتل. باريس تحت النار، يدميها إرهابيون بقتل أسود لمواطنين، لا ذنب لهم، سوى وجودهم في مكان استهدفه الإرهاب الأسود.

في كل مرة تجري فيها عملية إرهابية تفجيرية ضد مدنيين أبرياء، يأتي السؤال: ما الذي يجعل شخصاً ما يفجر نفسه بين آخرين أبرياء ليقتلهم، أو يطلق النار عليهم، معتقداً أنه يقوم بعمل سام، أو أنه، بهذا الفعل الإجرامي، يدخل الجنة؟ لا تجد جواباً، ويبدو أن الإجابة عليه بحاجة إلى الدخول إلى عقل المجرم نفسه، لنعرف كيف يفكر؟ فأي معالجة تقليدية لهذا السؤال لا تعطي إجابة كافية ووافية عن الدوافع التي تدفع شخصاً ما إلى مثل هكذا فعل.

إذا كنت، إلى الآن، غير قادر على فهم الدوافع الفردية لمن يرتكبون هذه الأفعال، فأعتقد أن الإجابة على وظيفة الإرهاب أقل تعقيداً من آلية البحث في الدافع الفردي لكل شخص يقوم بمثل هكذا فعل.

يبدو لي أن الفكر الإرهابي يقوم على معادلة بسيطة، اكتشفها مُوظفو الإرهاب، وهو ما يعطي وزناً أكبر للإرهاب، تظهره بوصفه قوة مدمرة كبيرة، في مواجهة مدنية ضخمة وهائلة، لكنها عاجزة عن مواجهته. تقوم هذه المعادلة على أن المدنية الحديثة هشة، فأي تهديد بسيط من مجموعة إرهابية صغيرة لها، في مفاصلها الرئيسية، يؤدي إلى تعطيل هذه الآلية الضخمة والهائلة، لكنها الهشة في مواجهة افتقاد الآمان. في الأساس، تقوم المدنية الحديثة على السرعة في التنقل، والسرعة في الاتصالات، والسرعة في تبادل المعلومات، والسرعة في التبادل التجاري.. إلخ من احتياجات الحياة المعاصرة، والتي تبنى عليها حياة ضخمة ومتكاملة، ازدادت ضخامة إلى درجة رهيبة في النصف القرن المنصرمة. القاعدة الأساسية لهذه الحياة، هي الآمان، وتزدهر هذه المدنية مع الأمان، فتهديده يعطلها. يكفي أن يؤخذ تهديد بقنبلة في وسط محطة قطار في مدينة كبيرة على محمل الجد، حتى يؤدي ذلك إلى تعطيل الحركة في هذه المدينة.

“هشاشة المدنية الحديثة تجعل مجموعة من مجانين الإرهاب تأسر مدينة كاملة وتدميها، وتروّع العالم أجمع”

المثال الأبرز على هذه المعادلة هو أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 التي شهدتها الولايات المتحدة، فقد أظهر ذلك اليوم أن مجموعة مقيمة في كابول على بعد آلاف الكيلومترات من نيويورك، في بلد يفتقر إلى كل شيء بعد حرب طويلة، هذه المجموعة قادرة على ضرب أهم مدن العالم، وأهم مراكزه المالية والتجارية على الإطلاق، في الصميم. من فكرة في غاية البساطة، على الرغم من لا عقلانيتها، (اللاعقلانية من سمات الفكر الإرهابي أصلاً) تقوم على استخدام انتحاريين طائرات مدنية يركب فيها أبرياء، أداة لهدم مبان يعمل فيها أبرياء من كل العالم تقريباً، هذه حال مركز التجارة العالمي الذي استهدفته علميات الطائرات في نيويورك ذلك اليوم والتي تبناها تنظيم القاعدة. كان هذه المرة الأولى، على ما أعتقد، التي يتم فيها استخدام الطائرات المدنية الثقيلة بعد خطفها، بوصفها قنابل متحركة، تستخدم ضد أهداف مدنية. صحيح أن هذه الأفكار/ الوسائل، في أحيان كثيرة، تستخدم مرة واحدة فقط، أو مرات قليلة، لكنها، في الحالة التي تم استخدامها في نيويورك، قد غيرت وجه العالم، فالعالم بعد 11 سبتمبر غيره قبلها، وبات العالم كله مكشوفاً أمام عمليات إرهابية متنوعة الأساليب، بعد هذه العملية الإرهابية التي روّعت العالم، لا الولايات المتحدة فحسب، كما أطلقت هذه العملية المخيلة المريضة للمنتمين إلى القوى الإرهابية إلى أبعد مدى، وأشعرتهم بقوتهم الاستثنائية، خصوصاً بعد إعلان الولايات المتحدة، أكبر قوة في العالم، الحرب عليهم، باعتبارهم الخطر الأكبر الذي يهدد الأمن القومي الأميركي.

هذه المكانة التي حققها التنظيمات الإرهابية للمرة الأولى، بوصفها نداً للولايات المتحدة، باعتراف الأخيرة، بعد أن كانت، في ما سبق، جزءاً من توظيفات الحرب الباردة بين القطبين الرئيسيين المتصارعين في العالم. كما أن العملية وجهت كل مجانين الإرهاب باتجاه القاعدة، بوصفها قبلة “الجهاد” ضد الكفر، والتي تتغير اليوم باتجاه “داعش” بوصفه الأكثر إجرامية. وهناك تنظيمات إرهابية كثيرة صغيرة قد أعلنت انتماءها للقاعدة سابقاً، وهناك أخرى تعلن انتماءها لـتنظيم داعش اليوم، وأصبحت هذه القوى جزءاً من الظاهرة الإرهابية، من دون أن يكون لها علاقات تنظيمية فعلية مع قيادة القاعدة في تورا بورا في أفغانستان، أو قيادة “داعش” في الموصل، وبات العمل الإرهابي مناخاً أكثر منه صلات تنظيمية.

ما جرى في الولايات المتحدة، وأصاب العالم كله بالصدمة، تم تعميمه على العالم، وبدا أن المجتمعات الأكثر حداثة عرضة للشلل أكثر من غيرها، بفعل استهدافها بعمليات كهذه. خصوصاً أنهم حولوا المناطق التي سيطروا عليها إلى خراب تماما، كما الحال في أفغانستان، والمناطق التي سيطروا عليها في العراق وسورية. فعلى سبيل المثال، شل هجوم القطارات في لندن عام 2005 التي ذهب ضحيتها 50 شخصا المدينة تماماً، وتفجيرات مدريد 2004 التي راح ضحيتها 191 شخصا وجرح أكثر من 1700 شخص التي قامت بها الحركة الباسكية، فعلت الفعل نفسه.

وفي باريس، يرتكب عشرة أشخاص أو عشرون، مسلحون ببعض الأسلحة الأوتوماتيكية وبضعة كيلوغرامات من المتفجرات، مجزرة في عدة أماكن، يذهب ضحيتها أكثر من 125 قتيلا ومئات الجرحى، يروّعون المدينة ويروعوننا معها. فهشاشة المدنية الحديثة تجعل مجموعة من مجانين الإرهاب تأسر مدينة كاملة وتدميها، وتروّع العالم أجمع. إنه الإرهاب يدخل من المسامات الهشة للعالم الحديث، ويزرع الموت والخراب.

العربي الجديد

 

 

 

وقف تمويل الارهاب.. ليس صعباً/ البروفيسور جاسم عجاقة

لا شك أن الإعتداءات الأخيرة في باريس سيكون لها تدعيات على السياسة الخارجية لفرنسا والتي ولأسباب إقتصادية ستقوم بدعم روسيا في سوريا عبر التنسيق العسكري والمخابراتي. ويبقى الردّ الأكثر فعالية هو عبر وقف التمويل للمجموعات المُسلّحة والتي لها القدرة في ضرب العواصم العالمية كما أظهرته التفجيرات الأخيرة.

فوجئ العالم من حجم وتنوّع الإعتداءات التي قام بها مناصرو الدولة الإسلامية في باريس. هذه المفاجأة تأتي من عدد الأماكن التي تمّ الهجوم عليها في آن واحد (8 أماكن) ومن تنوع التنفيذ العسكري بين تفجير وقتل بالرشاشات. والهجوم على المسرح في باريس يُعيد إلينا ذاكرة الهجوم الشيشاني على المسرح في موسكو وهو ما قد يكون نقطة الوصل مع المقاتلين الشيشان، ما يُلزم السلطات الفرنسية بالتعاون مع السلطات الروسية لتحديد هوية المُعتدين.

ويبقى السؤال عن طريقة الرد الفرنسية. هناك ردان يُمكن للسلطات الفرنسية القيام بهما: الأول الداخلي والثاني خارجي. الرد الداخلي سيكون التشدد في شروط الدخول على فرنسا وإعطاء أوراق إقامة، وهذا الأمر سيطال اللاجئين السوريين الذين يُهاجرون إلى أوروبا. أما الرد الخارجي، فسيكون التشدد ضد داعش مع إحتمالات القيام بعمليات عسكرية في سوريا.

وبغض النظر عن هوية المُعتدين، لا بد لفرنسا من الرد عسكرياً حتى لا تخسر هيبتها وتُصبح مسرحاً لعمليات مُتكررة.

كيف لفرنسا أن ترد عسكرياً؟

المعروف أن فرنسا تُشارك في التحالف الغربي ضد داعش في سوريا. وفَشِلَ هذا التحالف حتى الساعة في لجم داعش ومنعه من تحقيق أهدافه. وهذا الأمر يظهر في عدد الغارات الجوية التي قام بها هذا التحالف منذ بدئه وحتى اليوم. لذا إذا كان هناك من رد فرنسي فسيكون على شكل غارات جوية ضمن التحالف الغربي على مواقع لداعش في سوريا. وهنا يُمكن التساؤل عن مدى فعالية هذه الضربات التي لا تعتمد أسلوب المنهجية، والأهم كيف يُمكن القضاء على من أعطى القرار بهذه الهجمات؟

وعلى الرغم من التصريحات الأميركية بدعم فرنسا على كل المُستويات في محاربتها للإرهاب، إلا أنه عملياً سيقتصر هذا التعاون الأميركي الفرنسي على تبادل المعلومات الإستخباراتية، ولن يكون هناك فعلاً من ضربات عسكرية نظراً إلى الإستراتيجية الأميركية التي تهدف إلى الحفاظ على التوازن بين داعش والنظام السوري. أما الشق الثاني من الرد الخارجي الفرنسي، فسيكون مع إسرائيل التي لن تتردّد في عرض المُساعدة على فرنسا لتأمين الغطاء والقيام بضربات جوية “لها علاقة بالتفجيرات في باريس” بحسب ما ستُظهره إسرائيل لفرنسا.

من هنا تظهر أهمية التعاون الروسي الفرنسي والذي سيُشكّل نقلة نوعية ومُغايرة للتعاون الغربي الروسي شبه المعدوم. ونظراً للوضع الاقتصادي المُتردّي لفرنسا ولحجم الإحتياط الفرنسي من العملات الأجنبية (142 مليار دولار أميركي) من المُستبعد أن تقوم فرنسا بعمل عسكري مُمنهج وبالتالي ستضطر إلى التعاون مع روسيا لضرب الإرهاب إن في سوريا والعراق أو في الشيشان إذا ما ثبُت أن للشيشان علاقة بالتفجيرات في باريس.

لذا يظهر مما سبق أن الرد الخارجي الفرنسي سيكون محدوداً وأسبابه إقتصادية بحتة.

محاربة تمويل الإرهاب

لا يُخفى على أحد أن عمل المجموعات المُسلحة مرهون بالتمويل الذي يُعتبر العنصر المادي الأساسي لعمل المجموعات الإرهابية. وإذا كانت القوانين التي تُكافح تبييض الأموال وتمويل الإرهاب مُنتشرة في معظم دول العالم كما حصل في لبنان البارحة، إلا أن العبرة تبقى في التطبيق ويعمد الممولون إلى إستخدام الجمعيات لتمويل الإرهابيين بشكل كبير حتى في فرنسا التي، ولدواعٍ إقتصادية، تسمح لجمعيات كثيرة بالتواجد على الأرض الفرنسية مع علم السلطات بالتمويل الخارجي لهذه الجمعيات.

ويكفي النظر إلى الموارد التي تملكها الدولة الاسلامية لمعرفة أن وراء هذا التنظيم دولاً تُزوده بالمال وبشكل يفوق أي تنظيم أخر في العالم. وعلى هذا الصعيد، قدّرت صحيفة “لوموند” الفرنسية الموارد المالية لداعش ما بين 1.5 و2.3 مليار دولار سنوياً. وتقول صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، أن موارد داعش تنقسم إلى أقسام عديدة وعلى رأسها:

أولاً: تبرعات وهبات يقوم بها بعض المناصرين الأغنياء من الكويت وقطر والسعودية. ويتمّ تحويل هذه الأموال إلى أشخاص “وكلاء” عبر مصارف إقليمية وعالمية.

ثانياً: مساعدات مالية مقدمة من بعض الحكومات الإقليمية على شكل هبات تّرسل إلى بعض المنظمات الخيرية كما وأسلحة تمر عبر الحدود مباشرة إلى عناصر المنظمة.

ثالثاً: أموال الغنائم التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية في كل مرّة يجتاه منطقة مُعينة (على مثال الـ 425 مليون دولار التي وضعت داعش يدها عليها في البنك المركزي العراقي في الموصل).

رابعاً: أموال بيع النفط من الأبار التي تقع تحت سيطرة داعش في العراق وسوريا وعددها 11 بئراً.

بالطبع هذه الأموال تسمح للتنظيم بالعمل في العراق وسوريا لكن أيضاً في الخارج. والسبيل الوحيد لوقف عمله يمرّ عبر وقف التمويل ومعاقبة المُمولين والذين، وبحسب المرصد الإستراتيجي للدراسات، أصبحوا معروفين بالأسماء من قبل أجهزة المخابرات الأميركية.

بين تفجير برج البراجنة وتفجير باريس، الأساليب نفسها والممولون أنفسهم! فإلى متى سيظل شبح الإرهاب يُسيطر على العالم؟

المدن

 

 

 

الحرب في باريس/ سلمان الدوسري

«عمل من أعمال الحرب».. هكذا وصف الرئيس الفرنسي الهجمات الإرهابية التي استهدفت بلاده، أول من أمس. بالتأكيد هو وصف لا يبعد عن الحقيقة، ليس لعدد القتلى غير المسبوق في تاريخ العمليات الإرهابية في الجمهورية الفرنسية فحسب، بل للرعب الذي بثه الإرهابيون في أوساط المجتمع الفرنسي وكذلك في أنحاء العالم، باعتبار أن كل مواطن في أي بقعة في القارات الخمس هو هدف محتمل للإرهاب. ولعل الخبر الإيجابي الوحيد في هذا الهجوم أن كل المتابعين عرفوا من هو المنفذ للعمليات قبل الإعلان عنه رسميًا من قبل تنظيم داعش، فالعدو الأول للعالم اليوم هو التنظيمات الإرهابية التي تقودها «داعش» و«القاعدة» ممن يحملون نفس الفكر المتطرف، غير أن الحرب ضدهم تتباين من دولة إلى أخرى.

ومع الصدمة التي عمت العالم، ليلة أول من أمس، مع توالي الأخبار السيئة من باريس، لا أظن أن هناك من توقع يومًا عدم حدوث هذه الهجمات الدامية هنا أو هناك، تستهدف مجلة في باريس لا يقرأها أحد، لتتوجه بعدها وتفجر مسجدًا في السعودية، ثم تنتقل إلى تركيا أو مصر أو أستراليا، وهكذا كل دول العالم أصبحت هدفًا للتنظيمات الإرهابية التي تعيش في عالم لوحدها، مع استثناء إيران التي لا تقترب منها «داعش»، كما لم تقترب منها سابقًا شقيقتها «القاعدة». بالطبع هذا الوقت ليس وقت اللوم لمن تراخى في محاربة الإرهاب أو استغله استخباراتيًا أو سياسيًا، أو اعتقد أن الحرائق ستشتعل وتنطفئ بعيدًا عنه، ومع ذلك فإن الإرهابيين يقدمونها صريحة ودون مواربة بأن إجرامهم ليس له سقف إطلاقًا، كأولئك الذين رسموا سياساتهم على معادلة أن ساحة الإرهاب ستبقى محصورة في البؤر الساخنة، مثل العراق وسوريا، وها هي الأراضي الفرنسية تنضم مجددًا لتكون ضحية أخرى لعدم توفر إرادة دولية حازمة تجزم بأن الحرب على الإرهاب غاية وهدف استراتيجي حقيقي، وليس فقط توصيات وخطبًا رنانة لا تنعكس فعليًا على الأرض، وليس مثلاً قرار أكبر دولة في العالم بإرسال عشرات الخبراء لمواجهة أخطر تنظيم إرهابي في العالم!

لعل السيئ هنا ضرورة الاعتراف بأن على العالم التعايش مع التفكير الخبيث للإرهابيين، ما داموا لا يزالون يتنفسون بحرية، فلن يستطيع راكب القطار في لندن التوقف عن استخدامه على الرغم من علمه بأن هناك احتمالاً واردًا بحدوث عمل إرهابي، كما لن تتوقف حركة السفر بمطارات نيويورك مهما ارتفعت احتمالات التعرض لعمل تخريبي. للأسف هذه ضريبة يدفعها الأبرياء بسبب أن بعض كبار سياسيي العالم لم يأخذوا التحذيرات من خطورة الإرهابيين على محمل الجد أولاً، وثانيًا عندما وضحت خطورتهم الحقيقية على البشرية تم استخدام ملف الإرهاب بطريقة انتقائية سيئة، حتى إن بعض منظمات حقوق الإنسان، التي تدعمها منظمات دولية ودول كبرى، تتعاطى بازدواجية مستفزة وتخلط بين الإرهاب وحقوق الإنسان، فالإرهابي الذي فجر أو حرض في فرنسا، لا يختلف إطلاقا عن إرهابي «القاعدة» فارس آل شويل ولا عن إرهابي العوامية نمر النمر، جميعهم قاموا بالفعل نفسه، وجميعهم يستحقون النهاية ذاتها، بحسب قوانين كل بلد، لا وفق ما تراه وتعتقده تلك المنظمات.

أمس اضطرت طائرة متجهة إلى فرنسا للهبوط في أمستردام بعد تهديد عبر «تويتر». وسواء صدق هذا التهديد أم لا، فإنه في النهاية ربما لن يعرف أحد من أطلقه وأربك العالم به، ومع ذلك فسيستمر الإرهابيون في استغلال أفضل حاضنة تجمعهم وتوحدهم وتوصل رسائلهم، دون أي تدخل نوعي يمنع استغلالهم البشع لوسيلة تواصل اجتماعي رائعة، فهل بعد كل هذا التراخي هناك شك في أن العالم لا يبدو جادًا في الحرب ضد الإرهاب؟!

الشرق الاوسط

 

 

 

 

مجزرة باريس.. هدفها تبرئة المجرم وإدانة الضحية/ إياد أبو شقرا

كما كان متوقّعًا، لم يتأخر تنظيم داعش في إعلانه «مسؤوليته» عن مجزرة باريس الجماعية.

ليل «الجمعة 13» من نوفمبر (تشرين الثاني) 2015.. تاريخ لن ينساه الفرنسيون. وأزعم أيضًا أنه لن ينساه كل مسلم وعربي في فرنسا، وكل سوري ينتظر شيئًا من العدالة ورفع الظلم.

المجزرة الجماعية الرهيبة التي قتلت وجرحت مئات الأبرياء تندرج ضمن «المنطق المقلوب» لجماعة مشبوهة الغايات، فظيعة في اختيار أهدافها، وأفظع في توقيت جرائمها وتنفيذها. هذا «المنطق المقلوب» لا يؤذي إلا أولئك الذين يزعم الدفاع عنهم والانتقام لهم، ولا يخدم إلا مصلحة مَن يدعي أنهم العدو المطلوب الانتقام منه.

وحقًا، إذا راجعنا ما فعله «داعش» حتى اللحظة نجد أنه في العراق، كما في سوريا، كانت الضحية الأبرز للتنظيم – إلى جانب الأقليات الدينية والمذهبية البريئة والمعزولة جغرافيًا – البيئة العربية السنّية في شمال العراق وغربه وشمال سوريا ومدنها الكبرى، التي دمّرها «داعش» سياسيًا واقتصاديًا وديموغرافيًا.

هذه البيئة العربية السنّية «تشابكت النصال عليها» – كما قال أحد أكبر شعراء العراق المعاصرين – آتية من مخطط إيران التوسّعي الإيراني، ومشروع الأكراد الانفصالي، وتغطية روسيا الكاملة للفتنة الطائفية التي أشعل فتيلها نظام دمشق ورُعاته، وغضّ الطرف عنها إسرائيليًا وأميركيًا وأوروبيًا.. باستثناء فرنسا. نعم، فرنسا، الدولة الأوروبية الأجرأ والأصدق في دعم انتفاضة الشعب السوري، والأشدّ إصرارًا على إبعاد بشار الأسد عن السلطة، والأقوى دعمًا للشرعية في اليمن. مع هذا، كانت فرنسا، ولا تزال، الهدف الأول لـ«داعش».

فقط وفق «المنطق المقلوب» الذي يعتمده «داعش»، من دون الخوض بعيدًا في «نظرية المؤامرة»، يبدو اختيار فرنسا منطقيًا جدًا.

أولاً، فرنسا دولة كبرى في قلب أوروبا كانت في طليعة مؤسّسي الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتعيش فيها أيضًا أكبر جالية عربية ومسلمة – لا سيما من أصول أفريقية – في القارة. وبناءً عليه، إذا كانت الغاية زجّ الإسلام كدين عالمي في حرب انتحارية مع الغرب، بل البشرية جمعاء.. فهي هدف مناسب.

ثانيًا، توجد في فرنسا أحزاب يمينية متطرّفة قوية تنافس على السلطة، وتزداد شعبيتها كلما تشدّدت في عدائها للعرب والمسلمين. وهكذا، فهي تشكّل «صاعق التفجير» المثالي للتعجيل في هذه الحرب الانتحارية العبثية التي يسعى إليها خطاب «داعش». والبديهي أن مخطّطي مجزرة باريس يدركون مُسبقًا التداعيات السياسية والمعيشية والثقافية المحتملة لفعلتهم، ولكن في حساباتهم أنه كلما جاءت ردة الفعل العنصرية أشد وطأة على عرب فرنسا ومسلميها.. كثرت في صفوفهم الشراذم الناقمة والحاقدة التي سيسهل تجنيدها في المعركة الكبرى التالية.

ثالثًا، إن كان لا بد من الخوض في «نظرية المؤامرة»، فليس لنا إلا أن ننظر إلى الجهة المُستفيدة من توقيت المجزرة. المجزرة ارتكبت قبل ساعات معدودات من انطلاق «لقاء فيينا 2» المنعقد لتسوية الأزمة السورية. ثم إنها، بعنفها وبشاعتها، تخدم بالدرجة الأولى أولئك الذين أصرّوا طويلاً، وما زالوا يصرّون، على تحويل اللقاء بعيدًا عن حل سياسي في سوريا يستند إلى إبعاد بشار الأسد عن السلطة في دمشق. ومعلومٌ أن روسيا وإيران، حليفي النظام السوري، ما زالتا تدفعان للتعامل مع الأزمة السورية فقط على أساس أنها «حرب على الإرهاب»، وتريان الأسد شريكًا فيها. ومع تسرّب كلام من باريس عن هتاف أحد الإرهابيين القتَلة باسم سوريا، ثم العثور على جواز سفر سوري (بإمكان أي كان شراء جواز مزوّر) قرب جثة إرهابي آخر، يظهر أكثر فأكثر مدى الحرص الاستخباراتي المشبوه من قِبَل مخطِّطي المجزرة على لصق تبعات المجزرة بثورة الشعب السوري وهي المرتكبة من دون استشارته.

رابعًا، عمليات بحجم مجزرة باريس وبدقة إعدادها لوجيستيًا تُلغي اعتبارات السذاجة أو الغباء على مستوى القيادة، حتى لو كانت العناصر المُوكلة بالتنفيذ مغسولة الأدمغة وممسوحة الهوية ومسلوبة الإرادة إلى درجة قبولها بأنها تغدو مجرّد قنابل بشرية. فهنا نحن أمام شبكة منظمّة جدًا تقودها مرجعيّات محنّكة ذات دراية تضبط إيقاعها وتدير ميزانياتها المالية.. ولا تختلف عن الشبكة التي تتولّى الاتجار بالنفط والآثار، وتشتري شاحنات الـ«تويوتا» الجديدة اللمّاعة والأسلحة المتطوّرة، وتتولّى التهريب والتدريب والإعلام والنشر. وبالتالي، فإن الحرب على «داعش» إذا كانت جدّية حقًا ستحتاج إلى استراتيجية تختلف تمامًا عمّا ألفناه حتى الآن. والدور المشبوه الذي ترسمه تحرّكات «داعش» ومعاركها الحقيقية والوهمية يستحق أن يواجه بطريقة تلتزم روح التصريحات الدولية، لا بالتواطؤ مع الحقائق المأساوية التي يفرضها التنظيم على الأرض برسمه حدودَ تقسيمٍ مخيفٍ سيلغي عاجلاً أو آجلاً كيانات المنطقة، ويؤسّس لفتن ومحن لا تنتهي.

إن مجزرة باريس، وما يمكن أن ترتكبه «خلايا نائمة» أو «ذئاب منفردة» في أوروبا أو أي مكان من العالم باسم الإسلام أو سوريا أو أي ذريعة أخرى، محطة مهمة جدًا في الحرب على الإرهاب. غير أن من واجب أي محلل جادّ التأمل مليًّا سوابق عديدة في هذا المجال. وفي لبنان، بالذات، أبلغ النماذج على ذلك. فالتفجيرات والعمليات الإرهابية المماثلة التي اكتُشف مرتكبوها أو مَن حاولوا ارتكابها – من مختلف الطوائف الدينية – كانت على صلة بأجهزة استخباراتية، ولعل أشهرها ما عرف بـ«قضية أحمد أبو عدس» لتضليل التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري، وقضية الوزير السابق ميشال سماحة المتصلة بتفجيرات واغتيالات سياسية تهدف إلى فتنة طائفية.. وتبيّن أن أصابع استخبارات النظام السوري وراء القضيتين.

واتصالاً، بالفرز الطائفي وما يوحي بخرائط جديدة للمنطقة، ثمّة من يربط اليوم تفجيرات لبنان، وآخرها عملية برج البراجنة، بمشروع بعيد المدى يشمل تهيئة الجو لتهجير بلدات سنّية تعطّل جغرافيًا رسم تلك الخرائط. وهذا ما يفضحه دور إيران في سعيها لفرض التبادل السكاني السنّي – الشيعي بين الزبداني وبلدات ريف دمشق الغربي والجيوب الشيعية في محافظتي إدلب وحلب.

«داعش».. ومَن صنعها واستغلها وَجهان لعملة واحدة!

الشرق الاوسط

 

 

إعلان حرب!/ حسين شبكشي

حادث إرهابي جديد في باريس، حادث مخطط بدقة ليحدث أكبر قدر من الضرر والمفاجأة والذهول والصدمة، ويحقق أكبر عدد من الضحايا، تبناه التنظيم الإرهابي «داعش».

الخبر لم يعد جديدًا، فلقد اعتاد العالم على هذه النوعية من الجرائم، وأصبحت تتكرر بشكل مستمر في نشرات الأخبار وعناوين الصحف. الحادثة هي دليل جديد على صعود التيارات الراديكالية والتشدد والتطرف. وصدق توقع المؤرخ وعالم الاجتماع السياسي الكاتب الأميركي صامويل هنتنغتون الذي توقع كل ذلك بشكل دقيق في كتابه المشهور «صدام الحضارات».

العالم سيشهد نقلة كاملة في الإجراءات الأمنية في أوروبا تمامًا كما حدث في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). إننا أمام مرحلة مقطعية تقول إن أوروبا بعد باريس وأحداثها لن تكون مثل أوروبا قبل تلك الأحداث العظيمة.

لا يمكن فصل هذه الجرائم الحاصلة باسم هذا التنظيم الإرهابي عن جرائم نظام الأسد بحق شعبه، فلكل فعل رد فعل أعنف، فـ«القاعدة» ولدت «داعش» كما أن بشار الأسد ولد «حزب الله».. كلهم مجرمون، كلهم إرهابيون، لغتهم هي الدم والقتل دفع ثمنها الشعب السوري والآن تتحمل فاتورتها الأسرة الدولية. هذه الأحداث سيدفع ثمنها بشكل فوري ومباشر المجتمع المهاجر من المسلمين في أوروبا وسيستفيد منها كل التيارات اليمينية المتشددة التي لها أجندة مبنية على الكراهية الموجهة ضد العرب والمسلمين، وبالتالي لا يمكن إلا توقع المزيد من أسوار الانعزال والانغلاق والتحكم بحق الأقليات المهاجرة. وبالتالي هذه الجماعات الإرهابية تقوم بخدمة نظام الطاغية بشار الأسد وتقدم له الحجة أمام العالم، إنه هو الذي يحارب هذه المجموعات (علمًا بأن «داعش» يقوم بقتل المدنيين والثوار السوريين ولا يقترب من نظام الأسد وجنوده). «داعش» يستمر في تقديم كل الخدمات للطغاة ولأعداء المسلمين، ولكن يبقى عبء المسؤولية الأعظم على المسلمين أنفسهم للتخلص من الكارثة الموجودة في تراثهم التي تولد «داعش» و«حزب الله» و«القاعدة»، ومن هم على شاكلتهم، ومع شديد الأسف لا يبدو أن هناك الجدية الكافية منهم للقيام بهذه المهمة، لأنه بالقياس لمدى حجم التبرير والتأييد والتعاطي والدفاع عنهم، ندرك تمامًا مدى حجم الكارثة الموجودة في العالم الإسلامي، وهي مسألة لا يمكن تبريرها ولا الدفاع عنها أبدًا.

نظام بشار الأسد هو المستفيد الأعظم من جرائم «داعش»، ولكن المسلمين ككتلة جمعية هم الخاسر الأكبر، فطالما استمر التعاطي مع هذه المشكلة بالشكل المبسط والمخفف فلن يتوقف المسلسل الدموي المؤلم. كان من المتوقع أن يتم تصنيف جماعات بعينها كجماعات «إرهابية»، ولكن كل الخوف أن نكون دخلنا مرحلة خطيرة ومرعبة يتم تصنيف الدين الإسلامي نفسه فيها على أنه كذلك. أوروبا استمرت في تحمل النازية عشر سنوات ثم قررت محاربتها، الآن يبدو أن العالم وأوروبا تحديدًا في طريقهما لإعلان الحرب على «التطرف الإسلامي».

الشرق الاوسط

 

 

 

عاصمة النور يكسوها ظلام القرون الوسطى/ محمد آل الشيخ

وها هو الغزو الإرهابي المتأسلم يضرب معقل النور والحضارة في العالم، (باريس)، بعد قرابة الأربعة عشر عاماً من غزوة (مانهاتن) في أمريكا، الأمر الذي يؤكد ما كنا نقوله ونردده؛ ومؤداه أن المعالجات الأمنية وحدها، ورغم أهميتها، لا تكفي، دون أن نخترق هذه الثقافة العنفية المتعفنة المتأسلمة، ونتتبع مروجيها، ومنظريها، ومنصاتها الثقافية والإعلامية، ونحاصرهم بطوق من حديد، وبالقانون الصارم الذي يكرهون مفاهيمه ويحاربونه منذ البداية، فهم من يشعلون النار في هشيم الشعوب المهزومة حضارياً، فيحرضونهم، وإن بطريقة مواربة وملتوية، بالالتحاق بالإرهابيين، الذين يسمونهم زوراً وكذباً وافتراء (المجاهدين).

هؤلاء المحرضون المتأسلمون الذين يسعون في الغرف السوداء المظلمة بدعم الإرهاب، في جوف الليل، وينكرون عليهم في وضح النهار، هم أصل الداء، ومكمن العلة، وبؤرة البلاء، وستبقى جهود العالم لمكافحة الإرهاب المتأسلم تذهب هباء ما لم نبدأ أولاً بملاحقة الدعاة المتأسلمين المُسيسين، وبقوة لا تعرف التراخي ولا التسامح.

فمنظومات الإرهاب والإرهابيين تبدأ من ذلك الشيخ المسيّس الذي يُنظّر وينفخ من على منبر مسجده كل يوم جمعة، وفي حلقات دروسه حيث يتحلق حولة فتية فارغون محبطون، وفي وسائل التواصل الاجتماعي, ويقنعهم أن الحل هو الالتحاق بكتائب المجاهدين.. ولا يجد هذا الشيخ أحداً يقف ويقول له (إخرس)؛ ثم يُساق إلى المحاكمة، قبل أن يساق من استجابوا له من الشباب وشدوا رحالهم إلى حيث يلتحقون بالقاعدة وداعش.

نعم وأقولها بملء فمي: تراخينا وتسامحنا مع دعاة التأسلم السياسي هي أس المشكلة في كل أرجاء العالم الإسلامي، فحيث كان هؤلاء كان الإرهاب.. وحيث كُممت أفواههم ولو تكميماً نسبياً انخفضت معدلات من يلتحقون بالإرهابيين، والعكس صحيح.

أقولها اليوم معلقاً على أحداث باريس عشية 13 نوفمبر، وكنت قد قلتها معلقاً على أحداث 11 سبتمبر قبل أربع عشرة سنة، ولو تمت ملاحقة دعاة الجهاد وأُنزلوا من منابرهم، وألغيت حلقات دروسهم، ومُنعوا من وسائل الإعلام بكافة أشكاله، لما ظلّ العالم يواجه هذا الغول المتوحش الشرس الذي اسمه الإرهاب.

والإرهاب اليوم له سلاح فتاك لا يمكن السيطرة عليه, وهو (الانتحار) الذي يسميه أساطين المتأسلمين (الاستشهاد)، ومعروف أن من يفتي به هم علماء الدين ذوو التوجه الإخواني، وعلى رأسهم كبيرهم الذي علمهم الإفك ولي أعناق الحقائق الشرعية حسب أهوائه السياسية، المدعو «يوسف القرضاوي»، والمسيطر على قناة (الجزيرة) سيطرة المالك على أملاكه.. والقرضاوي هو من أشعل جذوة ما يسمى (الربيع العربي) الذي أفرز داعش في العراق وسوريا, كما هو معروف وطالما أن هذا الأفعى الخبيثة ومن حوله من الدعاة المتأخونين ينفثون سمومهم ويفتون بالانتحار، فسيبقى الانتحار بين شباب المسلمين قائماً، وسيبقى ببقائه الإرهاب وقتل البشر سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين قائماً، فالإرهابي الذي يسعى إلى الموت بقدميه رغبة في الشهادة ومن ثم العيش في الجنة بين الحور العين لن يردعه رادع، إلا أن يتجه العالم الحر إلى من أفتاه قبل أن يتجه إلى من لف على جسده حزاماً ناسفاً ليمزق نفسه ويمزق معه الأبرياء، وتفرض على هذا الشيخ أن يعود عن فتواه، ويعترف أن فتواه كانت خاطئة، وأنه كان خاطئاً؛ ثم يُجرم ويلاحق كل شيخ أو داعية يقول بهذه الفتوى المضللة، ويصبح مطلوباً لدى محكمة دولية يتم إنشاؤها لملاحقة هؤلاء الدعاة.

النقطة الجوهرية الثانية أن يسعى العالم إلى العمل بكل عزم وحزم لا يعرف التراخي إلى القضاء على ثقافة التأسلم السياسي، فالإسلام عقيدة وعبادات حسب ما تنص عليه أركان الإسلام الخمسة، ومن يسيس العقيدة، ويصرفها عن عبادة الله جل وعلا وحده دون سواه، فقد صرفها إلى غير غاياتها، كما هي ممارسات (التأسلم السياسي) الذي أفرز الإرهاب، وبرره، وجعل منه مطية تمتطى لكل من له غايات دنيوية سياسية، كما هو ديدن المتأسلمين المسيسين صناع الإرهاب الأوائل، وإلا فستتكرر مآسي أمريكا وفرنسا والعراق وسوريا وليبيا في كل مدن العالم المتحضر.

الجزيرة السعودية

 

 

 

 

 

اعتداءات باريس تستهدف الإنسانية جمعاء/ بيرند ريجرت

تشير القرائن المتوافرة حالياً إلى ضلوع جهاديين إسلاميين في الهجمات الدنيئة التي هزت فرنسا مساء الجمعة. ومن ثمة على العالم المتحضر إعداد خطة صارمة وسريعة لمواجهة الإرهاب.

هوجمت فرنسا، فأصيبت أوروبا بالصدمة. هدف الإرهابيين الجبناء ليس فقط – وللأسف – هؤلاء الضحايا بشكل عبثي، وإنما استهدافنا جميعاً، استهداف جميع الناس المتحضرين، استهداف البشرية جمعاء، كما عبَّر عن ذلك الرئيس الأميركي باراك أوباما.

تحت تأثير الصدمة والغضب، كان علينا رؤية هؤلاء الإرهابيين ينفذون عملياتهم بدقة ويقتلون دون تمييز. فرنسا وأوروبا والعالم أجمعه عليه أن يقف وينهض ليرد. منفذو الهجوم – ويبدو أنهم من الإسلاميين الأصوليين – يجب محاربتهم بجميع الوسائل. القوى الخفية، والزعامات الدينية للقتلة الدنيئين، سواء كانوا في العراق أو سورية أو أينما كانوا، يجب العثور عليهم والقضاء عليهم على وجه السرعة. لم يعلن ما يُسمى بتنظيم “داعش” الحرب على فرنسا فحسب، وإنما على جميع الأحرار في العالم.

باسم القيم الفرنسية الراسخة، “الحرية والمساواة والأخوة” على العالم أن ينهض في وجه الإرهاب. وقمة العشرين للدول الصناعية الكبرى المزمع انعقادها اليوم في مدينة أنطاليا التركية فرصة مواتية لهذا الغرض. وعلى الولايات المتحدة وروسيا وحتى ربما حلف الناتو بقواته الأوروبية، كل هؤلاء عليهم مجتمعين محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق وسورية وذلك على وجه السرعة.

بعد هجمات باريس في يناير الماضي، شارك ساسة جميع الدول في مسيرة التضامن في خطوة مؤثرة. وكانت التفاتة جيدة، لكنها لم تعد كافية؛ إذ يبدو أن القتلة الذين لا ضمير لهم، لا يفهمون سوى لغة العنف.

لقد غُض البصر طويلاً عن تجنيد المقاتلين المحتملين المستعدين للعنف بين أوساط الشباب الأوروبي من قبل التنظيم الإرهابي. والآن بات من المُلح جداً أن نواجه التطرف بجهود أكبر. وعندما يذهب مواطنون أوروبيون إلى سورية أو العراق، لتلقي تدريبات تجعلهم جهاديين، فعلى الأقل يجب منع هؤلاء من العودة إلى أوروبا بجميع الوسائل. يجب وضع جميع الخلافات الثنائية بين الدول جانباً الآن، إذ بات الجميع مستهدفين من قبل الإرهاب. واجهت روسيا يوم الجمعة تحذيرات بوقوع هجمات إرهابية محتملة. وتركيا وقعت في مرمى الإرهابيين في أكتوبر الماضي، بينما كانت مدريد مسرحاً لعمليات إرهابية عام 2004 وبعدها لندن عام 2005.

لا أحد يعرف بدقة عدد الخلايا النائمة والخلايا الإرهابية الموجودة في أوروبا والولايات المتحدة، بانتظار ساعة الصفر. ويمكن للأسرة الدولية مواصلة اهتمامها بمصير بشار الأسد، لكن بعد أن يتم كسر شوكة تنظيم “داعش”.

وإضافة إلى أزمة اللاجئين باتت أوروبا تواجه الآن أزمة الإرهاب، كتحدٍ لم يكن في الحسبان. على أوروبا الآن أن تظهر قدرتها على الاصطفاف والعمل سوية، فأمن جميع مواطناتها ومواطنيها بات اليوم عرضة للخطر… العيش المشترك الآمن بات في خطر.

ورد القادة السياسيين في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا يجب أن يكون “سندافع عن أنفسنا”.

الوطن السعودية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى