صفحات العالم

اعتذار للشعب السوري

 


ازهر مهدي

في خطوة لا يعرف مدى غبائها او ذكائها اعلنت وكالة الانباء السورية ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعث برسالة دعم الى الرئيس السوري الذي تشهد بلاده احتجاجات متنامية ضد حكم آل الاسد القمعي المستمر منذ عقود.

حقيقة الامر ان المالكي يستفز الاخرين كثيرا عندما تصدر عنه مبادرات بليدة من هذا النوع وهي رغم بلادتها تعتبر خبيثة وانتهازية الى ابعد الحدود.

الخطوة او الرسالة هذه ان صحت تعد تصرفا لا يخلو من مفارقات تتناغم مع جميع المفارقات التي تشهدها الساحة العراقية خلال العقد الاخير فلا يوجد منهج واضح يمكن اعتباره نهجا سياسيا عراقيا يمكن الاعتماد عليه او يمكن من خلاله تلمس ملامح الدبلوماسية العراقية التي صارت اشبه بالدكاكين او السوبر ماركت يباع فيها كل شيء ابتدأءا من الواقيات وانتهاءا بالـ ” موطا ” والـ ” كوجة ” التي يحبها الساسة العراقيون وهم جميعا مشغولون الان بالـ “موطا او البوظة ” السورية بعدما شبعوا من ” الكوجة ” العراقية التي وجدوها هذه المرة في سوريا الاسد !!!!!!

بعيدا عن تجاذبات السياسة المحلية الفاشلة والمخزية اعتقد ان رسالة المالكي الى الاسد تمثل فشلا اخلاقيا وستراتيجيا لا يمكن تعويضهما فقد دأبت حكومة المالكي على القول ان اكثر الارهابيين والانتحاريين يأتون من سوريا حتى بلغ بالحكومة السابقة التي كان يترأسها المالكي نفسه توجيه الاتهام لسوريا بارتكاب مجازر بحق العراقيين وهددت الحكومة حينها باللجوء الى القضاء الدولي لمحاكمة المسؤولين السوريين وكنا نسمع دوما ان سوريا تضم على اراضيها اكبر الجماعات البعثية المناوئة للدولة الديمقراطية الفتية في العراق تلك الديمقراطية العظيمة بمفاهيمها واطرها لكنها فقدت بريقها عندما تولاها اشخاص لا يؤمنون بها فهم جميعا ابتدأءا من رئيس الجمهورية الطالباني ومرورا برئيس وزراءه المالكي ومجلس وزراءه وانتهاءا بأصغر مسؤول سياسي تافه واحمق في هذه الحكومة مستعدون لو اتيحت لها الفرصة لفعل ما فعله صدام والبعث من دون اختلاف والكلام هنا لا يستثني مقتدى الصدر او البرزاني او علاوي او المطلق او الهاشمي الدليمي ولا حتى الـ” كوجة ” الصغير حيدر الملا وجميع اعوانهم ومتربحيهم من دماء ابناء هذا الوطن.

الخطوة خبيثة في جوهرها لعدم وجود دافع ضروري لها حاليا على الاقل فلا توجد حاجة ماسة للتضامن مع نظام سوريا البعثي ضد شعبه في هذه المرحلة بالذات ولا توجد حاجة لخلق شرخ في العلاقات الانسانية مع الشعب السوري المقهور عندما ترسل حكومة يفترض انها جائت لتحمي مواطنيها من ظلم تاريخي وقع عليهم لتقوم بدور المساند لحكومة فاشية أخرى في دمشق او اي مكان في العالم وبالعراقي يعني لا توجد ضرورة لـ ” صخام الوجه ” !!!!

الخطوة لئيمة في مضمونها ففي اعتقادي انها موجهة للداخل العراقي الذي أخذ بدوره يتململ كثيرا من تردي الواقع الخدمي رغم القفزة المالية التي يشهدها العراق مقارنة بالعقدين او ثلاثة عقود الاخيرة في ظل نظام صدام حسين.

تلك القفزة التي اثبتت ان الكلب كلب ولو طوقته بالذهب فجميع المعارضين السابقين لا يختلفون عن الجلاد المقبور الاختلاف في النهج لا اكثر وان ملايينهم او ملياراتهم لا تجعلهم يكفون عن النفاق والكذب ففي العلن يظهرون علينا بمظهر الوطني الذي يتصارع مع وطني آخر لكنهم يظلون اصدقاء واحباب عندما ياتي الدور لتقسيم الكعكة العراقية.

من المثير للشفقة اننا كعراقيين قد نخسر انجازا ديمقراطيا متميزا جائت به قوات التحالف عندما قضت على النظام السابق لنقع فريسة شخصيات سياسية وصولية ترتدي جلود الخراف وتحمل قلوب الذئاب ، وهذا كله يثبت ان البعث ليس حزبا او توجها سياسيا بل ثقافة فاسدة ومفسدة سواء اكان في العراق السابق او الحالي او في سوريا الاسد او أي مكان في العالم فان اختفى اسم البعث من العراق تظل ثقافته مهيمنة حتى على من يعتبر نفسه عدوا له وما نراه الان اكبر دليل على هذا الادعاء.

اعتذر للشعب السوري الكريم بالاصالة عن نفسي وبالنيابة عن شعبي عن هذا التصرف الاحمق الذي قام به رئيس وزراء بلدي ومن قبله رئيس جمهوريتي واتمنى عليهم عدم التوقف عند هذه المبادرة المشينة والمضي قدما في مطالبتهم بالحرية والمساواة والكرامة واطلب من العراقيين بكل طوائفهم ان يطردوا هذه الحاشية التي سقطت اخلاقيا وسياسيا في اقرب فرصة انتخابية وعدم الاستماع الى التهريج الرسمي والحزبي لطرفي الحكم والمعارضة فهما وجهان لعملة واحدة لا اكثر.

ملاحظة :

الموطا هي البوظة او الايس كريم

الكوجة ( بالجيم المصرية او الكاف الفارسية ) احدى انواع الفواكه وكلا المفردتين لهما معنى ساخر في اللهجة العراقية

ازهر مهدي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى