صفحات الناس

اغتيال ذلك الطفل/ ريما فليحان

 

 

مثل عصفور بين مخالب وحوش ضارية، ترنّح جسده النحيل على عتبة الرصيف. “بدّك تسقط بشار ولاه”، يصرخ به الوحش المأفون، وينهال عليه بالضرب بيديه الآثمتين، رافضاً أن يطلق أحد من الحثالة التي ترافقه في عملية التعذيب حتى الموت رصاصة على الطفل المعذّب، لأنه، كما قال، يريد أن” يقتله بيديه، ولأن طلقة واحدة خسارة فيه”.

في مشهد تتجاوز فيه وحشية هذه الحثالات ما يستوعبه أي عقل، ضربوا طفلاً سورياً بأيديهم حتى الموت، شتموا أمه بأقذع الشتائم، لأنهم أرادوا للألم أن يتجاوز الجسد، ليقتل روح هذا الطفل وكرامته وعنفوانه، بينما كان جسده المترنح ينتقل بين يدي هذا الوحش. “بدّك تسقط بشار ولاه..”، كرّر هذه الجملة، وكأن إسقاط بشار جريمة لا تغتفر. كان يحاول إجبار الطفل على أن يقول إنه تلقى مالاً، ليخرج في المظاهرات، وعلى الرغم من تعذيبه وذهوله، كان يحلف بالله أنه لم يتلق أي مال، لكن هذا لم يكن كافياً لإيقاف مراسيم التعذيب والافتراس.

رفض الوحش أن يتلقى مساعدة في الإجهاز السريع على هذا الطفل، ورفض أن يستخدم أي أداة لقتله. كان يتلذذ ويشعر بنشوة في قتل طفل نحيل، بيديه الضخمتين، بين ثلة من همجٍ لا يختلفون عن وحوش داعش.

كان مشهد قتل الطفل مرعباً إلى حد لا يجعلك تتابع النظر إليه. يشبه الطفل كل الأطفال السوريين الذين باتوا أشلاءً بفعل براميل النظام، يشبه كل الراحلين برداً أو جوعاً، ويشبه المذبوحين بالسكين في الحولة. يشترك المجرم في كل المشاهد بصفة قاتل، ويشترك المنفذون بعقل قذر، لا يمانع بقتل أبناء جلدتهم، من أجل مجرم يريدهم أن يموتوا، ليبقى على الكرسي، ولو على أرض بمساحة مترين، هي فسحة المقبرة التي ستلم جثثهم فداء لبقائه، أي حمق هذا! أي غباء وأي عقل يدفع هؤلاء لينغمسوا في إثم الجريمة، من أجل رجل مريض نرجسي، لا يكترث كثيراً لموتهم، ولا يريد أن يقدم أي تنازل بسيط، يحقن دماءهم ودماء السوريين عموماً، وهم من يسمونه قائدهم، ويختزلون وطنهم بشخصه، ليقولوا سورية الأسد.

لم يعد الدفاع عن هذا القاتل حرية رأي، ولم يعد التمسك ببقائه فوق جثث السوريين موقفاً سياسياً مقبولاً. أصبح الأمر الآن أن تكون مع الجلاد، أو مع سورية. أصبح الموقف اليوم بحجم الدنيا، ولم تعد هناك مساحة تتسع للنفاق وللمساحة الرمادية، ويمكن لمن يشاء من السوريين أن يقول إن المعارضة لا تعجبه، وإنها مريضة وضعيفة، لكنني لم أعد قادرة على تقبل من يقول إنه مع النظام، لأن المعارضة ليست أفضل حالاً.

ولا يتناقض أبداً موقف السوري، حين يكون ضد النظام والتطرف معاً، لأن هذا التطرف ليس الثورة أولاً، فقد ولد من رحم وحشية النظام، ولأنه سينتهي، أيضاً، بانتهاء النظام وتوقف العبث بالساحة السورية من كل الأطراف.

حين تكون مع النظام اليوم، فهذا يعني أنك مع المجرم الذي قتل الطفل، مع من ذبح أطفال الحولة، مع من فتح الباب لإدخال التطرف وانتشار الفوضى، مع من فتح الباب لكل جرائم الدنيا، مع موت سجناء كثيرين تحت التعذيب وتهجير ملايين السوريين وتدمير مدنهم.

وعلى الرغم من سياسة النظام في التعمية والتشويش لغسل أدمغة مواليه، إلا أن ما يزيد عن أربع سنوات ونصف مدة كافية لانزياح الغشاوة عن عيون من يريد أن يرى، وتشرد نصف الشعب السوري علامة واضحة تعطي المؤشرات الكافية لمن يريد أن يعي.

يمكن أن نقول، اليوم، إنها ساعة الحقيقة، وإن موقفاً أخلاقياً يجب أن يوحّد كل السوريين في وجه من يقترفون الجرائم بحق الأبرياء، وسيكون أولهم النظام المجرم، وليس آخرهم تنظيم داعش الإرهابي.

نعم “بدنا نسقط بشار الأسد”، وسيسقط السوريون كل المجرمين الذين سيساقون إلى المحاكم، وقد غطى وجوهم عار الجريمة ودماء الضحايا. ستنتصر العدالة، وسيدرك كل المراهنين على انتصار الديكتاتور أنهم خسروا، وستتعدى خسارتهم رهانهم إلى خسارة شعورهم بإنسانيتهم، وبانتمائهم إلى وطن وشعب، فمن يختزل وطنه بشخص سيخسر انتماءه حين سيرحل هذا الشخص، فالأوطان وحدها التي لا تموت.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى