صفحات العالم

افتقار الأسد الى الخيال السياسي يجعله أسير الحل الأمني


أسعد حيدر

أغلق النظام الأسدي، كل الأبواب على نفسه. اعتقاده بأن ما يواجهه هو مؤامرة دولية عربية تركية، لأنه نظام ممانع، يدفعه الى ارتكاب المجازر اليومية على مساحة سوريا. كل الذين يتظاهرون ويُقتلون، ليسوا بالنسبة للنظام الأسدي أكثر من أدوات، في أحسن الأحوال خونة يستحقون الموت والاعتقال والتعذيب. الإصرار على أن أعداد المتظاهرين لا تتجاوز عشرات عدة من ألوف السوريين، جزء من هذه الرواية التي تساعد النظام على ترويج المؤامرة الخارجية. لو كانت الثورة تشكلاً داخلياً، لخرج مئات الألوف. ينسى النظام الأسدي، أن كل متظاهر هو مشروع ضحية أو معتقل جديد أو جريح ملاحق حتى الموت. هذا الإصرار هو الذي حوّل حمص الى مدينة شهيدة، على مثال حماه في الثمانينات. الفرق بين حماه وحمص، أن المجزرة في الأولى وقعت بسرعة بعيداً عن أنظار العالم وحتى مع تواطئه لأنه كان بحاجة للرئيس حافظ الأسد. اليوم مجازر حمص يومية وتراكمية يُضاف اليها الحصار والتجويع والإرهاب.

رفض النظام الأسدي الخروج من الحل الأمني، يمنعه من رؤية ما يجري حوله في العالم العربي. لولا ذلك لرأى النظام الأسدي، كيف أن سقوط 33 قتيلاً ومئات عدة من الجرحى في ميدان التحرير في القاهرة، قد أسقط حكومة شرف رغم كل وطنية رئيس الوزراء وصعوده من قلب الميدان. في اليوم نفسه جرى مشهد استثنائي لم يكن يتوقع أحد رؤيته. جلس ملك البحرين يستمع بهدوء الى تقرير الهيئة الخاصة حول الأحداث في بلاده. التقرير وصف كل ما جرى بطريقة معززة بالأدلة والقرائن، بطريقة مغايرة مئة في المئة للرواية السابقة. تمتع ملك البحرين بالشجاعة الكافية للقبول باتهامات لجنة التحقيق بأن تجاوزات كثيرة حصلت وأنه مُورس التعذيب وسقط ضحايا خلال ذلك. في سوريا المعدل اليومي يصل الى 30 قتيلاً، ولا شيء يتغيّر، كأن السوريين الذين يقتلون ليسوا مواطنين ولا حتى بشراً يستحقون الحياة فكيف إذا كانت حياة كريمة وحرة.

انغلاق النظام الأسدي على ذاته، منعه من تلقّف اليد العربية للخروج من النفق المسدود الذي أقحم به نفسه. جامعة الدول العربية، لم يقتحمها الشباب ولا تلونت بالثورة، لذلك أرادت وعملت على تقديم حلول معقولة للنظام الأسدي حتى تنقذ سوريا من سيف التدويل. ناور النظام الأسدي كما اعتاد معتبراً أنه أذكى من كل أعضاء الجامعة، علماً أن مناورته مكشوفة لأنه سبق وأن مارسها عام 1975 عندما غزت قواته لبنان تحت اسم “قوات الردع العربية”. لم تمر مناورة النظام الأسدي على الجامعة. الآن يجب انتظار القرارات الجديدة خصوصاً الاقتصادية منها التي ستزيد مصاعب النظام الاقتصادية الذي يمر بأصعب مرحلة باعترافه. تجار دمشق وحلب سيقعون تحت وطأة هذه العقوبات. لعل ذلك يدفعهم للالتحاق بشعبهم بدلاً من التحصن بأموالهم ومصالحهم.

القرارات العربية القادمة، قد تكون بداية لمظلة تحمي القرارات الدولية. التدويل يبدو قائماً. يجري بحث خريطة طريق لا تضع سوريا في قلب مسار ليبي لأسباب أصبحت معروفة، وفي الوقت نفسه تكسر إرادته وتجعله يستفيق على استحالة متابعة الحل الأمني خصوصاً وأنه يدخل أركان النظام الأسدي في خانة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية. خريطة الطريق التي كما يبدو تُبحث جدياً في واشنطن وباريس ولندن وأنقرة، تتضمن العمل على:

* دفع عملية توحيد المعارضات السورية بسرعة على غرار ما حصل مع المعارضات العراقية في لندن قبل الغزو الأميركي للعراق. يجب أن يكون للمعارضة السورية صوت واحد يفرض وجوده ورؤيته ويسهل على العالم التعامل معها.

* دعم الجيش السوري الحر الذي يقوده العقيد رياض الأسعد، ليصبح “القبضة الحديدية” المرافقة “لقبضة المقاطعة السياسية والاقتصادية”. إذا صحت الأنباء بأنّ هذا الجيش تجاوز عدده ثمانية آلاف وأن ضباطاً أتراك وفرنسيين يعيدون تدريبه معنى ذلك أن صيغة جديدة لخطة سياسية – عسكرية قد بدأت، يبدو في الوقت نفسه أن الهدف المركزي المباشر والملح هو كسر وحدة الجيش السوري والقوى الأمنية بحيث تكون الانشقاقات على مستوى الوحدات والألوية، لتحقيق ذلك تجري دراسة كيفية تحقيق ذلك وما هي الضمانات والتقديمات التي يجب تقديمها للمنشقين. الفرق كبير بين الذين ينشقون حالياً سواء لأسباب إنسانية أو سياسية، والذين سينشقون لاحقاً نتيجة ليأسهم من الحل الأمني. في هذه الحالة لا يكفي تقديم السلاح والتدريب، يجب أيضاً التمويل الواسع والمستمر والمضمون.

يطرح بعض الأسديين السوريين واللبنانيين حلاً جديداً، هو سقوط النظام الأسدي وبقاء بشار الأسد. عندما يقول باتريك سيل القريب من النظام منذ الرئيس الأب وصولاً إلى الرئيس الابن: “لا شك أن الرئيس بشار تخيل أن موقفه الوطني سيعطيه حصانة ضد الانتفاضات الشعبية، لكنه بعد أن واجه الأزمة المتفاقمة بدت قيادته ضعيفة. وجاءت خطاباته ووعوده بالإصلاحات متأخرة وغير مقنعة، كما أظهر مدى افتقاره للخيال السياسي وأدت عمليات القتل الى تقويض شرعيته”. لا يمكن مطلقاً فهم الدعوة لبقاء بشار الأسد رئيساً وهو فقير الإمكانات والقدرات بهذه الصورة.

العالم يتحرك ويعمل على كسر النظام الأسدي، لكن هذا النظام لديه أيضاً “أسلحة” كثيرة لاستخدامها واستثمارها. بعضها في سوريا وأبرزها الدفع نحو الحرب الأهلية، وبعضها خارج سوريا وبالتعاون مع الإيرانيين وبعض العراقيين للتفجير بالقرب من خطوط زلازل موجودة أصلاً والعمل على إشعال الحرائق خصوصاً في لبنان والأردن.

المهم أن سقوط النظام الأسدي يبقى ضرورياً من أجل التغيير، قبل شهر فقط كان الرفض كاملاً لهذه الإمكانية. اليوم أحد المسؤولين العرب الذين تربطهم علاقة خاصة بالأسد يقول: السؤال الوحيد هو متى وكيف سيسقط هذا النظام؟”.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى