صفحات العالم

الآمال على جنيف – 2 تهوي مع كلام نوعي أميركي جديد بداية انضاج لتوازن ميداني في وقائع الأزمة السورية: روزانا بومنصف

هوت مع الغاء الرئيس الاميركي باراك اوباما لقاء القمة الذي كان يفترض ان يعقده مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الاسبوع الاول من ايلول المقبل الآمال او ربما الأوهام التي علقها كثر على امكان دفع كل من روسيا وواشنطن اتفاقهما المبدئي حول انعقاد مؤتمر جنيف – 2 المتعلق بايجاد حل سياسي للازمة السورية قدماً، وذلك على رغم اقتناع سياسي شبه شامل بان هذه الازمة باتت مرشحة للاستمرار لسنوات مديدة مقبلة. فالتباعد الاميركي الروسي المستمر حول الموضوع السوري قائم ويكرره جميع مسؤولي الدول الغربية من المتصلين بالمسؤولين الروس. وقد اعادت تأكيده زيارة رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر بن سلطان الى موسكو ولقائه في 31 تموز المنصرم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتسريب معلومات عن حوافز اقتصادية وسواها سعى المسؤول السعودي من خلالها الى اقناع بوتين بتعديل موقفه الداعم لبقاء بشار الاسد في السلطة. اذ انه على رغم رفض الكرملين منحى الزيارة وفق التسريبات التي سرت على الاثر، فإن معطيات ديبلوماسية كانت افادت بوجود تلاق سعودي اميركي على اعتماد دول الخليج العربي مقاربة مختلفة ازاء روسيا في الموضوع السوري من جوانب اخرى غير تلك التي اعتمدت حتى الان من خلال محاولة استيعاب المخاوف او الهواجس الروسية فضلاً عما يمكن ان يشكل ضغطاً على موسكو لجهة وضعها امام خيارات يتعين عليها المفاضلة بينها من حيث مصالحها والبحث معها حول افضل السبل لعدم وقوع سوريا في الفوضى. لكن رغم هذه الوقائع، لم يخل الأمر من تعويل او بالاحرى رهان سياسي وديبلوماسي قام منذ بضعة اشهر ولو كان رهاناً حذراً او متحفظاً على لقاء بين رئيسي اميركا وروسيا بحيث تلعب الكيمياء الشخصية في الغالب دورها وكذلك العلاقة المباشرة ايجاباً في معظم الاحيان وتساعد في تذليل عقبات كثيرة بحيث تساهم بعدها اللقاءات في قمة مجموعة العشرين المرتقبة في ايلول والتي يحضرها الرئيسان والاجتماعات الثنائية على مستويات اخرى على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة في بلورة نقاط التلاقي اكثر فاكثر. وليس معيباً القول ان هذا الرهان قام لدى مسؤولين لبنانيين نظراً الى تطلعهم الى ضوء في النفق قد يساهم في عدم بقاء الوضع اللبناني رهينة للتداعيات السورية والصراعات الاقليمية والدولية فيها وعليها.

في اي حال، برر الاميركيون الغاء القمة الاميركية الروسية بان لا نتائج مرتقبة او محتملة منها في جملة القضايا التي هي محور تباحث بين الطرفين وليست قضية ادوار سنودن فقط التي كانت النقطة التي طفح بها كأس العلاقات الباردة بينهما. ولم ينجح اجتماع 2+ 2 الذي جمع وزراء الخارجية والدفاع الاميركي والروسي في واشنطن يوم الجمعة في 9 الجاري والذي تم الاعلان في ختامه عن استمرار التزام الطرفين العمل على انعقاد المؤتمر وحض الاطراف السوريين المعنيين على المشاركة فيه بالتلازم مع العمل لحل سياسي يمنع انهيار المؤسسات والسقوط في الفوضى واحتمال انعقاد لقاء جديد اواخر الشهر الجاري بين وزيري الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف في دحض الانطباعات التي خلفها الغاء لقاء القمة. الا ان ثمة اسئلة يترقب المراقبون اجوبة عليها ربطاً بهذه التطورات:

اولاً حين اثير قبل اشهر موضوع رفع الولايات المتحدة الحظر على تقديم اسلحة للمعارضة السورية، تم الاعلان عن موازنة ميدانية يتم السعي الى ايجادها عبر تقديم هذه الاسلحة خصوصاً بعد دخول ايران و”حزب الله” علناً على خط الحرب الى جانب النظام وانقاذه من الانهيار في الانتصار الذي حققه الحزب في القصير. وتم تداول معلومات عن ضرورة انتظار بضعة اشهر من اجل تحقيق هذا التوازن الذي لا بد منه من اجل ان يقتنع النظام بعدم امكان الحسم ويأتي الى مؤتمر جنيف – 2 مستعداً ليس فقط للمشاركة، كما دأب الروس على تكرار ذلك من زاوية مواجهة الاميركيين بأنهم انجزوا فروضهم في اقناع النظام في حين لم تقم الولايات المتحدة بانجاز فروضها في اقناع المعارضة، بل مستعداً ايضاً للتسليم بمرحلة انتقالية لها موجباتها. ومع التطورات الميدانية التي سجلتها المعارضة لمصلحتها في الايام العشرة الاخيرة في ريف اللاذقية وفي حلب، فان الادوار انقلبت وما بدا تقدماً محسوماً للنظام قبل اسابيع قليلة حاول تثميره في المواقف السياسية انحسر في ظل التقدم الملموس والنوعي للمعارضة. وبدت الصورة معبرة في هذا الاطار في أول ايام الفطر مع ظهور الرئيس السوري في احد جوامع العاصمة داحضا اصابته في استهداف مباشر لموكبه بعشرات القذائف بما يعنيه ذلك، فيما رئيس الائتلاف احمد الجربا صلى في درعا في أول ايام الفطر ايضا في حين كان يتوقع ان يعمد النظام الى استهداف اركان المعارضة في محطة او مناسبة مماثلة. فاذا لم تكن الأمور توازنت عملانياً بعد، فانها تبدو في طور الانضاج لهذه المرحلة وهي لم تنضج بعد وليس واضحاً اذا كان التوازن الميداني سيكون مقنعاً او يحفز النظام ومناصريه على محاولة ترجيح كفته مجدداً على طريقة الدوران في دائرة مقفلة او انه وظف كل طاقته حتى الان.

ثانيا لفت المراقبين ما قاله نائب مدير الاستخبارات الاميركية (سي. آي. أي) لصحيفة “وول ستريت جورنال” لمناسبة استعداده للتقاعد من منصبه من “ان الوضع في سوريا بات يشكل التهديد الأكبر للامن القومي الاميركي” محدداً الخطر في “ان تنهار الحكومة السورية التي تملك اسلحة كيمائية وغيرها من الاسلحة المتطورة وان تصبح البلاد معقلا جديدا لـ”القاعدة “ بدلا من باكستان والتهديد الذي بات يشكله الوضع على دول الجوار السوري” معتبراً ان “البلاد تسير باتجاه انهيار الحكومة المركزية”. وهذا الكلام الاميركي جديد بالنسبة الى هؤلاء المراقبين خصوصاً لجهة اعتبار الوضع السوري مهدداً للامن القومي الاميركي في الوقت الذي يسود اقتناع شبه شامل بان هذا الوضع آيل للاستمرار نظراً الى عدم وقوعه من ضمن مصلحة الامن القومي الاميركي. مما يثير تساؤلات اذا كان هذا الموقف هو تبرير لمساعدة اكبر للمعارضة السورية او لموقف اكثر اندفاعاً من الجانب الاميركي في اتجاه الازمة السورية من اجل العمل جدياً على انهائها وهل من ترجمة فعلية مختلفة عن الاداء الاميركي حتى الآن.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى