صفحات العالم

الأحداث السورية ومصادر أخبارها الآلية

 


مسيرة الإعلام الرسمي لم تصب بعدوى الثقافات الإعلامية الجديدة

العمل الميداني على الأرض هو عين الحدث وقلبه ونبضه وفحواه

باريس: سيمون نصار

بدا واضحا أن نهاية الثمانينات، قد أغلقت، حينها، على حدثين رئيسيين شغلا العالم، تمثل الأول في انهيار جدار برلين، الذي بانهياره انهار معه عالم كان يقوم على اللاوعي والخطاب الستاليني المتعجرف. أما الثاني فقد تمثل في حرب الخليج الثانية، حين حشد العالم كل قواه، العسكرية والسياسية والبشرية والإعلامية، لمهمة استرجاع الكويت المغتصبة، وقتذاك، من قبل نظام صدام حسين، النسخة العالمثالثية لستالين.

وكان الحدث الأول قد أضاف إلى الثاني تحولا طرأ على وسائل الإعلام، من خلال الاستفادة الحقة من تقنيات النقل المباشر، المكلفة حينها، أو من خلال التواصل الذي فرضته هذه التقنية الجديدة في ظاهرها وأسلوبها ومحتواها عن الفترة السابقة، إذ ما عدنا مضطرين، مثلا، للعودة إلى التغطية الأميركية والفرنسية والبريطانية لحرب فيتنام، ومقارنتها، ولو على سبيل الدعابة، بالتغطية نفسها للفترة التي كانت فيها أفغانستان تئن تحت جنازير الدبابات السوفياتية، وما تلاها، من حكم طالبان، الحديدي، الذي استعان بالإعلام فقط للتعبير عن مدى انغلاقه وتطرفه وحقده على العالم، أو حتى يوم كان العالم ينتظر بشغف رؤية صورة كارلوس المغبشة.

هذا التطور، حتم على المتلقين في منازلهم للمعارك الدائرة على بعد آلاف الكيلومترات عنهم، التعامل مع الحدث بوصفه حدثا قريبا يلامس حياتهم اليومية ويؤرقها، كما يزيد من درجة التباس المقارنات بين ما تربى عليه المواطن العربي الذي هو اليوم المتلقي وصانع الحدث من شعارات القومجيين وبعض اليسار إلى منظرو التحرير والثورات الذين كانت ألسنتهم تلهج ليلا ونهارا بنظرية المؤامرة. غير أن عصرا جديدا كان قد افتتح يومذاك، أفاد بأن ما يحاك في الغرف المقفلة، ليس بالضرورة هو ما يفيد أصحاب هذه النظريات. إذ أن العمل الميداني على الأرض الذي كان يصل مباشرة هو عين الحدث وقلبه ونبضه وفحواه، أما الصورة، فقد تحولت أداة يستعان بها لتحقيق التوازن الموضوعي في عقل المشاهد نفسه، الذي باتت صناعة الأفكار من حوله تمشي وكأنها في حلبة رالي.

انتهى العقد الثامن من القرن الماضي على هذا النحو، غير أن أنظمة على مستوى العالم، بقيت تراوح مكانها، فسورية، التي تمكن رئيسها الراحل من الاستفادة من حرب الخليج الآنفة الذكر، ليبقي على لهيب نظامه مشتعلا، لم تكد سنوات التسعينات تنتهي إلا وبدأت التصدعات الحقيقية بين الداخل والخارج تزداد اتساعا وعمقا أصبحا في بداية هذه الألفية واضحين حتى لمن يحتاج، لكي يرى، عدسات مكبرة، وتحولت مهمة هذه النيران من إضاءة الطريق إلى حريق البيت.

أما الآن، وسورية تشهد ما تشهده، فإن النظام نفسه الذي دأب على تكريس آلته الإعلامية لخدمة أهدافه وشعاراته التي لم تخل يوما من التبجح الفظ، متحدثا باسم العروبة وقضايا العرب قاطبة، ها هو، نفس النظام، يعيد سلك خطاه الإعلامية وفق مفاهيم عفى عليها الزمن، ولا تزال آلته الإعلامية تعيش في عصر حبك المؤامرات وتسطيرها على نحو يثير مشاعر مزدوجة تتراوح بين الضحك الذي يصل إلى حد القهقهة على الطريقة والأسلوب والنهج، اندهاشا من الإصرار العجيب على البقاء في الماضي، رغم أن سورية مرت على ما قيل وأشبع قولا حول الخطوات التحديثية في مجالات تبدأ من الاقتصاد ولا تنتهي بالتكنولوجيا التي إن استفيد منها فالفائدة على ما يبدو كانت فقط تحول التلفزيون الرسمي إلى فضائية.

ليس المجال هنا مفتوحا للتحامل أو للتجني على سورية، البلد العربي الذي نتمنى له ولشعبه كل الخير. لكن وبسبب هذه التمنيات، جدير القول بأن هذا الشعب يستحق، على الأقل، مؤسسة إعلامية حقيقية تحمل قضاياه. لا قضايا النظام وحده.

وهكذا، فإن المواطن العادي المراقب للإحداث، لا تلزمه الفطنة اليوم، ليكتشف أن هذه الآلة الإعلامية الرسمية، قد صدئت وبليت ووهنت. فأصبحت غير قادرة على مواجهة الحاضر بلغة الماضي التي تنتهجها. ومن الأسئلة المحزن طرحها، أيضا، تلك التي تتعلق، حصرا، بالوضعية النفسية للمذيعين ومقدمي البرامج في هذا الإعلام. نفهم تماما، الحالة التي ربما يعيشها وزير الإعلام، في ذلك البلد الذي لا نعرف عنه الكثير هذه الأيام، هو مكلف حراسة نظامه ولذلك ربما يستعمل أساليب ملتوية لإيصال رسالة نظامه. لكن لا يمكن أن نفهم كيف يمكن لمذيع (ة) أن لا يتفاعل مع أعداد القتلى وعمليات سحلهم في الطرقات على مرأى من العالم. هذا أمر غير مفهوم وخطير، يحيلنا حصرا إلى التجربة السوفياتية التي كان المذيع فيها يصنع صناعة في أروقة المخابرات والبوليس السري، وفي الإطار ذاته، لا يمكن أن تخلو قصة اتهام النائب اللبناني الذي اتهم بتمويل تدمير سورية، من ذات الصيغة الهزيلة لنظام يستعمل كلما عصفت رياح التغيير حوله، وهي الآن تعصف داخله، التبريرات الخارجية بغية استعمال طريقة الخداع نفسها التي تقنع مواطنيه أنه يعاني من حرب شرسة خارجية ممولة من جهات عربية (بحسب تصريحات شخصيات سياسية لبنانية موالية للنظام السوري) خير دليل على ذلك، يليه ما أشيع عن دعوى قضائية يريد اللواء جميل السيد رفعها على رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في دمشق نفسها وفي الوقت الحالي، وهذه أيضا دعاية لا تستحق سوى الضحك، فكيف يمكن للقضاء السوري البت في قضية من خارج حدوده وهو بالفعل غير قادر على أن يكون عادلا مع مطالب الشعب السوري نفسه.

والحق، أن القوة الإعلامية السورية، هذه الأيام، وكما في أيام سابقة، لا تعاني من الضعف والوهن فحسب، بل هي في أفضل الأحوال تمشي ثقيلة كجنازير الدبابات التي تسحق المواطنين بأجسادهم النحيلة في القرى والمدن وفي ذلك الزنار الثقيل بحمل الفقراء في ريف دمشق.

إن المقارنة اليوم، بين ما يعمل عليه إعلام النظام المتهالك، وما كان يعمل عليه في السابق، تشير وبوضوح أكبر إلى أن هذا الإعلام لم يرفع من شأن قضايا الناس أنفسهم الذين يتهمهم اليوم بالعمالة بسبب مطالبتهم بالإصلاح، في أي وقت مضى. ولذلك، على الأرجح، هو اليوم يقف مع الجهة التي تقتل فيهم، حيث إن هؤلاء لم يكونوا في يوم من الأيام، سوى الطرف المسحوق في معادلته، لا يجب تبني قضاياهم التي نظر إليها أصحاب النظام بريبة في البداية ثم بالتلهي ثم بالسحق والقتل. فتبدو الآلية التي تسير عليها مسيرة الإعلام السوري الرسمي (التلفزيون الرسمي والفضائية إضافة إلى قناة الدنيا) كما لو أنها لم تغادر الزمن ولم تصب بعدوى الثقافات الإعلامية الجديدة على مستوى العالم، بل هي قابعة في زمنها لا تريد مغادرته ولو أتيح لها ذل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى