صفحات العالم

الأردن… بلد بمذاق اللاجئين

 

محمد الفضيلات *

هُنا، في الأردن، يفرضُ اللاجئون إيقاعهم الخاص، يلجأون حاملين معهم طقوساً وأنماطاً اجتماعية وثقافية لم تألفها البلاد سابقاً. لكنها سرعان ما تستسيغها، لتقع في قبضة اللاجئين بدلا من أن يقعوا في قبضتها.

المملكة التي شكل اللاجئون خلال العقدين الماضيين 20 في المئة من عدد سكانها البالغ وفق أرجح الإحصائيات، ستة ملايين نسمة، تُعدلُ اليوم إيقاعها ليتناسب وإيقاع ما يقرب من 400 ألف لاجئ سوري لجأوا إليها منذ اندلاع ثورتهم في آذار/ مارس 2011.

لم يكن الإيقاع السوري بعيداً عن واقع المجتمع الأردني يوماً. فكان يأتي معلباً في “مرطبانات” المكدوس والمخللات وعلب الحلوى والمستوردات القطنية، وغيرها من المنتجات التي فضلها الأردنيون على صناعاتهم المحلية طويلاً. وأحياناً أخرى ينغمسُ الاردنيون بالإيقاع في رحلة سياحية إلى سوريا تدوم لساعات. سياحة، هي مالياً اقل كلفة وأكثر متعة من السياحة الداخلية في بلادهم.

الإيقاع الذي نظمته الحدود زمناً طويلاً، فارضة انعكاساً محدوداً له على المجتمع الأردني، تنظمه الآن الفوضى التي أتاحت تدفقاً عشوائيا للاجئين السوريين الذين اختلط ما يزيد على 70 في المئة منهم بالمجتمع، خارج مخيمات اللجوء التي خُصصت لهم.

وإن كانت قوانين علم الاجتماع تشترط سنوات طوالا من التفاعل ليظهر اثر اللاجئين السوريين على البنية الاجتماعية للمجتمع الأردني، فان المقدمات بدت متعجلة.

في العاصمة عمّان، حيث هجرت الغالبية العظمى من العَمّانيين أحواض الزرع، انصياعاً للشروط التي فرضتها الشقق الاسمنيتة ذات المساحات الضيقة، يعكف اللاجئون السوريون على تزيين منازلهم التي استأجرتها لهم جمعيات الإغاثة داخل العاصمة بأحواض الزرع. ليس مفاجئاَ أن تجد منهم من زرع في منزل لجوئه ياسميناً دمشقياً قد يحتاج وقتاً طويلا للنمو، في محاولة لاستحضار منازل ابتعدوا عنها، وربما كتسليم ضمني منهم بان اللجوء سيطول مانحاً الياسمين فرصة ليزهر. لو حدث ذلك، فقد يُعرفُ مكانُ إقامة اللاجئين السوريين مستقبلاً من رائحة منازلهم.

التواجد السوري أراح الأردنيين من عبء الالتفات عند سماع أشخاص يتحدثون اللهجة السورية. فاللهجة الآن تحيط بهم، ويجد الاردنيون متعة في الحديث باللهجة السورية مع اللاجئين، حتى وان كانوا لا يتقنونها.

خارج العاصمة، وتحديداً في محافظات الشمال المتاخمة للحدود السورية، يبدو أثر اللاجئين أكثر وضوحاً. فمحافظات اربد ( 70 كيلومتراً شمال عمّان)، المفرق (68 كيلومتراً شمال شرق عمّان)، والرمثا (95 كيلومتراً شمال عمّان)، وهي التي اعتاد سكانها النوم باكراً، الآن يعلمهم اللاجئون السوريون السهر، والمحال التي كانت تغلق باكراً أصبحت تفتح أبوابها حتى ساعات متأخرة.

كانت امرا مستهجناً مشاهدة النساء والفتيات السوريات يمشين دون مرافقة رجل في ساعة متأخرة، نَظر إليهن سكان تلك المحافظات بادئ الأمر بشيء من الريبة والشك، اختلفت النظرة مع الوقت، عندما أدركوا أن المشي والتسوق في ساعة متأخرة جزء من النمط الاجتماعي للسوريين… نمط بات يقلده الأردنيون.

وفي تلك المحافظات أيضا – الأكثر استقبالا للاجئين – تبدلت أسماء المحال التجارية، فأطلق ملاكها من الأردنيين عليها أسماء سورية، على غرار “بابا عمرو” و”حمص القديمة” و”الغوطة”… لجذب اللاجئين المؤيدين للثورة. وتخصصت المطاعم هناك بتقديم الوجبات السورية، التي يقبل عليها الأردنيون أكثر من اللاجئين.

اثر اللجوء لا ينحصر في البعد الاجتماعي، بل يتعدى ذلك إلى الاقتصادي، حيث أصبح اللاجئون السوريون ينافسون الأردنيين على فرص العمل الشحيحة، دافعهم رغبة في تحسين واقعهم المعيشي نتيجة لنقص الإغاثة المقدمة لهم خارج مخيمات اللجوء، أو لطموح آخرين منهم باستثمار زمن اللجوء لادخار القليل من المال لحين العودة. توجه لقي نجاحاً سريعاً بعد أن منح أرباب العمل اللاجئين السوريين الأولوية في التوظيف، فهم تجار مهرة، وأيد عاملة رخيصة.

عامان من وجود اللاجئين السوريين، خدشا البنية الاجتماعية الأردنية بجرأة، ليمهدا لتغيير اكبر يبقى مرهونا بأمد بقائهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى