صفحات العالم

الأردن ورفض التدخّل الأجنبي في سوريا


محمود منير

مزاج شعبي وموقف رسمي يتصدران المشهد السياسي الأردني برفض التدخل الأجنبي في سوريا، عقب اتخاذ الجامعة العربية قرارها بتعليق عضوية الجار الشامي.

كثيرون ممن أصدروا بيانات سابقة تدين قمع النظام السوري خلال الشهور الفائتة، وقّعوا على بيان، صدر في منتصف الأسبوع الحالي، يحذر الحكومة الأردنية من مغبة التدخل العسكري في سوريا ويعلنون دفاعهم عن بلاد الشام.

تزامن البيان مع رفض الملك عبد الله الثاني في مقابلته مع قناة «بي بي سي» البريطانية فكرة القيام بعمل عسكري ضد النظام السوري.

التسريبات الأولى للمقابلة كانت مغلوطة، ما أوقع مؤيدين ومعارضين للنظام السوري في قراءات مغلوطة تبدّدت حال نشر النص الكامل للمقابلة، الذي أكد ثوابت عدّة، من أبرزها دعوة الملك إلى عملية سياسية تضمن انتقالاً للسلطة في سوريا يجنّبها مخاطر الحرب الأهلية أو التدخل الأجنبي.

ولم تنتزع القناة أي تصريح واضح ومباشر يدعو الأسد إلى التنحّي، كما حاول بعضهم تسويقه، وسارعت مصادر مسؤولة في القصر إلى توضيح موقف الملك، وتنبيه وسائل الإعلام الأردنية إلى التعامل مع تصريحاته بمسؤولية.

سياسيون قريبون من صانع القرار في عمّان لفتوا إلى أنّ ظهور الملك كان رغبة منه في التمايز عن الموقف التركي الداعم للتدخل العسكري في سوريا، مشددين على أنّ الأردن الرسمي سيبقى في منأى عن هذا التدخل مهما تصاعدت الأحداث في الفترة المقبلة .

بعض هؤلاء السياسيين لمّحوا إلى إمكان تقديم خدمات لوجستية وأمنية محدودة للقوات الأجنبية عند غزوها دمشق، في حال تعرض النظام الأردني لضغوط أميركية أو سعودية، وهذا ما ستحدده عوامل عدة.

واستباقاً لتلك الضغوط، سارعت شخصيات أردنية تجاوزت 140 يمثلون قطاعات عديدة، لا يعرف عنها مناصرتها للنظام السوري، إلى إصدار بيان يدين قرار الجامعة العربية الأخير، بوصفه تهيئة لشنّ عدوان أطلسي تركي بهدف تفكيك القوة والدولة السوريتين وإشعال الحروب الأهلية في المشرق العربي، وضرب قوى المقاومة، وإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط تحت النفوذ الأميركي.

وكان لافتاً تصدّر البيان شخصيات أردنية تمثل تيارات شعبية مثل لجان الحراك الشعبي والمتقاعدين العسكريين ولجان نقابة المعلمين وعمال المياومة وقيادات عشائرية، وحتى بعثيين عراقيين، ما أظهر فارقاً واضحاً بين إدانة النظام السوري، وبين التحريض على إسقاطه بيد الأجنبي لدى هذه النخب السياسية.

وفي مقابل ذلك، لم تطالب قوة سياسية بإسقاط النظام السوري إلا حركة الإخوان المسلمين التي واظبت على اعتصامها أمام السفارة السورية في عمّان، ولم تستطع أن تجذب إلّا مجموعة من الشخصيات الليبرالية المستقلة في حراكها، وكان معلوماً لدى كثيرين الحضور الكثيف للإخوان المسلمين السوريين المقيمين في الأردن.

ورغم ميل الإسلاميين إلى تكرار النموذج الليبي في سوريا، لم يتمكنوا من إقناع أيّ من القوى المتحالفة معهم بهذا الموقف، وما يشهد عليه تفكّك تنسيقية المعارضة الأردنية التي تضم أحزاباً قومية ويسارية إلى جانب جبهة العمل الإسلامي بعد اندلاع الانتفاضة السورية، وعجز أطراف المعارضة عن اتخاذ موقف واحد تجاه سوريا.

الأمر نفسه تكرّر في التحالفات الجديدة التي أقامها الإسلاميون. فقد رفض حلفاؤهم في الجبهة الوطنية للإصلاح بقيادة رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات إصدار بيان يؤيد قرار الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا، ووصل الأمر إلى تلويح بعضهم بإسقاط التحالف في حال إصرار الإسلاميين على مطالبهم. وعجز الإسلاميون عن إمرار بيان مشابه في تجمع «نقابيون من أجل الإصلاح»، بسبب اعتراض حلفائهم القوميين في التجمع على مواقف كهذه .

الاختلاف بين الإسلاميين وبين القوى الأخرى بشأن سوريا انسحب على معركة الإصلاح في الأردن، إثر اتهام كتاب سياسيين للإسلاميين بالتفاهم مع رئيس الحكومة الجديدة عون الخصاونة، وتخلّفهم عن النزول إلى الشارع في الجمع الثلاثة الأخيرة، بناءً على تسريبات تشي بتسوية أكبر مع الإسلاميين على مستقبل المنطقة بعد سقوط النظام السوري.

متابعون يشيرون إلى ملاحظة أساسية أخرى تكمن في توقف البيانات التي تدين النظام السوري بعد كثافة صدورها في الشهور الأولى من اندلاع الانتفاضة السورية. كذلك فإنّ الأغلبية في الحراك الشعبي والنخب السياسية ذهبت إلى تظهير موقفها بعد قرار الجامعة العربية من خلال إعلانها الصريح الدفاع عن سوريا، إذا تعرضت لغزو سياسي، رغم إدانتها لممارسات السلطة في دمشق.

من جهة أخرى، تعتقد هذه الأغلبية أن سقوط النظام السوري بـ«غزوة» للناتو يهدّد الاستقرار في الأردن، ويمضي بعضهم في التحذير من خطر الوطن البديل لو طبّق هذا السيناربو.

أما مؤيّدو دمشق، فيرون أن أغلب المنددين بقمع النظام السوري في عمان يتخذون مواقف غير مكلفة، وهو ما مارسوه مراراً من خلال امتناعهم عن خوض معركة الإصلاح في الأردن وتأييدهم لتيار التسوية في المنطقة.

تأثيرات الجوار السوري تُفسّر بدلالات متناقضة، لكن مستقبل الإصلاح في الأردن يرتبط بتطورات الأوضاع فيه، واختلاف مواقف النخب الأردنية يؤكد «تأثير سوريا» الذي لا ينتهي عليها.

* كاتب أردني

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى