صفحات العالم

الأزمة السعودية-الايرانية –مجموعة مقالات-

 

 

نمر النمر: المواطن أم الشيخ؟/ صبحي حديدي

في وسع المرء أن يتفهم الاعتراض على عقوبة الإعدام، إذا صدر عن دولة أو جهة أو منظمة تناهض هذا الحكم، أياً كانت النوايا ـ الحسنة أو السيئة، البريئة أو الخبيثة ـ التي ينطلق منها المعترض. أمّا أن تقيم الدنيا ولا تقعدها دولةٌ ـ ترتيبها الثاني دولياً في إنزال وتنفيذ حكم الإعدام (688 حتى أواخر حزيران/يونيو 2015) ـ لأنّ دولة أخرى ـ ترتيبها الثالث، برقم بلغ 102 خلال الربع الأوّل من العام ذاته ـ أعدمت فرداً واحداً… فهذه ليست ذروة المأساة، فحسب؛ بل لعلها، مع الاعتذار من الإنسان كقيمة عليا، واحدة من أدنى سفوح امتزاج المأساة بالملهاة!

هذه هي حال إيران مع السعودية، بصدد إعدام المواطن نمر النمر، الذي يحمل جنسية الجهة التي نفّذت حكم الإعدام، وليس جنسية الجهة التي تعترض عليه! وأن يتقصد المرء استخدام صفة «المواطن» ـ بدل صفة «الشيخ»، التي شاعت وترسخت حتى أنست الكثيرين أنّ الضحية يتحلى بوضعية المواطنة أيضاً! ـ فذلك لأنّ طهران لم تغضب إلا لأنّ مقام الشيخ أعلى، بما لا يُقاس، من مقام المواطن. هذه، استطراداً، فرصة ذهبية لتحريك ما تحت الرماد من جمر مذهبي متقد في المنطقة، بين «السنّة» و»الجماعة»؛ في تعبير حسن نصر الله، الأمين العام لـ»حزب الله»، والذي شاء الإحجام عن استخدام الثنائية الأدقّ: السنّة والشيعة.

وقد يتفق المرء أو يختلف حول حصيلة مواقف النمر السياسية والفقهية، خاصة تفسيره لمبدأ ولاية الفقيه؛ وما إذا كانت فلسفته الإجمالية إصلاحية، أو حتى مستنيرة، في كثير أو قليل؛ وهل ما تسرّب من مواعظه، حول الشقاق السنّي ـ الشيعي منذ فجر الخلافة، لا يُخرجه تماماً من صفّ تغذية الفُرقة وتسعير التحزب. كلّ هذا وارد، والتنازع حوله مشروع، سيما وأنّ البراهين عليه ليست غائبة في الواقع، وليست غائمة؛ وأمّا ذاك الذي يتوجب رفضه، سياسياً وأخلاقياً، فهو إعدام المواطن النمر، بتهمة معلَنة هي «الإرهاب»، وجرائر أخرى مضمرة، عابرة لأيّ، وربما كلّ، الاعتبارات المذهبية.

ذلك لأنّ المواطن النمر كان، في مستوى أوّل بسيط، شخصية معارضة للطغيان والفساد والاستبداد؛ وكان، في مستوى ثانٍ وثيق الارتباط، شخصية مذهبية قيادية تتمتع بشعبية واسعة لدى غالبية كبيرة من المواطنين الشيعة، في السعودية والبحرين على الأقلّ. وارتباط البُعد السياسي بالبُعد المذهبي في حضور شخصيته ـ ضمن المجال العام تحديداً، وليس داخل الحسينيات أو أروقة الوعظ فقط ـ أمر طبيعي، وغير استثنائي، بل قد تكون بعض وظائفه ذات نفع عام، غير هدّام بالضرورة.

إعدامه ينتهي، بذلك، إلى إعدام هذا النموذج في المعارضة، قبل أن يكون إزاحة من المشهد لفرد واحد معارض، أياً كانت مكانته. والمآل الأوّل أشدّ مضاضة، وأبعد عاقبة وأثراً، من المآل الثاني، الأمر الذي لم يكن خيار المملكة؛ وبالتالي أعطى طهران/ المؤسسة المذهبية والأمنية، وأتباعها هنا وهناك، فرصة ثمينة للقفز إلى بُعد واحد في شخصية المواطن النمر: أنه الشيخ الشيعي، أولاً وأخيراً. وأياً كانت الخسائر التي لحقت بصورة ما يُسمّى «تيار الاعتدال» داخل السلطة الإيرانية، جراء حرق السفارة السعودية؛ فإنّ مكاسب ما يُسمى «تيار التشدد»، على الضفة الأخرى من هرم السلطة ذاتها، أعطت أُكلها الأثمن، في تحشيد مذهبي عارم، بلغ بعض سوية الهستيريا الجَمْعية.

وهكذا فإنّ معنى المواطنة، أياً كان ما تبقى منها في ذهنية ابن الشرق الأوسط، هو الخاسر الكبير؛ والشقاق المذهبي، خاصة ذاك الذي يموّه الأجندات السياسية، كسب جولة جديدة، ومزيداً من الزيت يُصبّ على نيران مستعرة أصلاً!

القدس العربي

 

 

 

 

الرهان الصعب: سوريا بين السعودية وإيران/ بدرالدين عرودكي

إثر قرار السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران سرعان ما طرح السؤال حول سوريا: ما الآثار التي ستترتب على نزاع صار يجري الآن في وضح النهار؟ سؤال ينطلق بالضرورة من فرضية أن الحل السياسي الذي تعده الأمم المتحدة بإشراف روسي مباشر ومباركة أمريكية لا تخفي نفسها بات قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، وأن هذا النزاع السعودي الإيراني سيؤجِّل في أفــضــــل الأحــوال تنفيذ هذا الحل إن لم يقضِ عليه نهائياً.

لم يتفاقم هذا النزاع الذي يخرج اليوم إلى العلن بطبيعة الحال بعد إقدام السعودية على إعدام سبعة وأربعين من مواطنيها بينهم نمر باقر النمر، ولا بسبب الهجوم الذي تلاه على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد الذي أدى بدوره إلى قرار السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران. فقد كان حاضراً على الدوام منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض وبدء إجلاء القوات الأمريكية من العراق وإتاحة الفرصة لإيران كي تملأ الفراغ فيه وهي في أوج مفاوضاتها مع الغرب حول نشاطاتها ومنشآتها النووية.

لا يمكن إنكار أن سوريا كانت منذ خمسينيات القرن الماضي وعلى الدوام همّ السعودية الأول وبقيت كذلك رغم الخصومة شبه المعلنة التي شابت علاقاتهما إثر اغتيال رفيق الحريري. وهي خصومة أدت بالنظام الأسدي إلى أن يغير تدريجياً من طبيعة العلاقات السورية ـ الإيرانية التي تجسَّدَت خصوصاً في بروز العلاقة العضوية بين النظام الأمني السوري وذراع إيران في لبنان، حزب الله من ناحية، وفي اتفاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية ذات طابع استراتيجي بين البلدين. ولهذا حاولت السعودية طوال السنوات التالية لاغتيال الحريري، خلال عهد الملك عبد الله وحتى الأشهر الأولى من عام 2011 أن تسلك تجاه سوريا سياسة أقرب إلى الاحتواء منها إلى الخصومة. وهو احتواء تُوِّج بالزيارة التي قام بها الملك عبد الله إلى بيروت قادماً من دمشق ومصطحباً معه بشار الأسد عام 2010 بأمل أن يكون التعاون السعودي السوري أصلب من أن تنال منه العلاقات الحميمة السورية الإيرانية.

لم تكن سوريا، مع ذلك، خلال الفترة المذكورة نفسها، مرتعاً خصباً لإيران كما هي عليه اليوم. ولذلك لم تحل هذه العلاقات السورية ـ الإيرانية دون أن تنشأ أيضاً وفي الوقت نفسه مثل هذه العلاقات مع تركيا على ما بين القوتين الإقليميتين من خلاف وتنافس في السلوك وفي الأهداف.

على أن الثورة السورية فرضت منذ البداية اصطفافات مختلفة كلياً على الجميع. شيئاً فشيئاً تلاشت سياسة الاحتواء السعودية لتغدو بعد فشلها في محاولاتها ردع النظام الأسدي عن الحلول الأمنية التي تبناها عداءً كامل الأوصاف الدبلوماسية والحربية. على غرار العلاقات مع تركيا التي لم تكد تنهي شهر عسل واعد وتفشل هي الأخرى في جهودها المماثلة حتى انكفأت بالتدريج واستحالت علاقات عداءٍ صارخ لاسيما وأن تركيا، بخلاف السعودية، كانت مضطرة بحكم الحدود المشتركة إلى استقبال وإيواء مئات الألوف من اللاجئين السوريين الهاربين من الجحيم الأسدي.

أما العلاقات السورية ـ الإيرانية فقد عثرت على التربة الملائمة لما كانت إيران تطمح إليه منذ أن بات العراق مجالها الحيوي، وهو أن تحقق ما كان يدور الحديث عنه منذ سنوات، أي ما أطلق عليه «الهلال الشيعي»، وهو توصيف إن ساغ استعماله على صعيد ما يسمى بحروب الطوائف كما تسمى الآن إلا أنه بعيد كل البعد عن واقع الدوافع السياسية والاستراتيجية العميقة التي توجه السياسة الخارجية لإيران والتي لا تختلف ولم تختلف في الأساس وفي الغايات عن تلك التي كان نظام الشاه، قبل نظام ولاية الفقيه، يتبعها وإن اختلفت في الوسائل.

ولقد بدأ النزاع السعودي الإيراني، حتى لا نسميه الحرب، يأخذ في سوريا طريقه إلى التجذر ما إن بدا أنَّ حرب النظام الأسدي ضد الشعب السوري ستطول بفعل تأثير القوى الداعمة خصوصاً للطرف الأول، ومنذ أن أعلن، بناء على ذلك، كلٌّ واحد من طرفي النزاع هدفه الاستراتيجي من تواجده ونشاطاته على الأرض السورية: إيران التي كان هدفها يتمثل في بقاء الأسد ونظامه، والسعودية التي كان هدفها يتمثل، على النقيض، في إسقاطهما معاً. وكانت حدّة هذا النزاع تتفاقم بالتدريج مع توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية من ناحية واستعادة إيران إمكاناتها الاقتصادية كاملة بعد رفع العقوبات التي كانت مفروضه عليها.

والحرب بينهما، منذ خمس سنوات تقريباً، جارية على أشدها. سوى أن إيران كانت، في واقع الأمر، تحتل موقعاً يتخطى بما ينطوي عليه من ميزات موقع خصمها السعودي. فهي لا تتواجد من خلال النظام الأسدي ذاته الذي بات شبه ناطق بسياستها وبمصالحها فحسب بل كذلك من خلال كل القـــوى التي استنفرتها لهذه الحرب والتي جمعت حزب الله بوصفه ذراعها الضاربة الفعلية في لبنان والميليشيات العراقية فضلاً عن المرتزقة القادمين من أفغانستان وإيران والعراق الذين جندهم الحرس الثوري الإيراني للقتال في سوريا، والتي تعمل جميعها تحت إشراف وبإمرة القيادة الإيرانية مباشرة. لكن الميزة الاستراتيجية الأقوى كانت تتمثل في الدعم الحاسم وغير المحدود الذي كانت تقدمه روسيا للطرفين، النظام السوري وحليفه الإيراني، سواء على صعيد التسليح أو على الصعيد السياسي.

أما السعودية فهي تقوم، دون دعم أمريكي مماثل في قوته، بدعم وتسليح عدد من المنظمات التي حملت السلاح في وجه النظام الأسدي. سمح هذا الدعم لهذه المنظمات بالصمود في مواجهة آلة العنف الأسدية الإيرانية دون منحها القدرة على الانتقال من الدفاع إلى الهجوم. كما لو أنه لا يرمي إلى جعلها تتغلب على خصمها الأساسي بل إلى مجرد تحقيق التوازن الحربي بينها وبينه. حتى إشعار آخر. ومع دخول روسيا بعتادها وبرجالها ميدان المعركة، صار اختلال هذا التوازن الأخير مهدداً إلى حد كبير بأن يميل لصالح النظام الأسدي وحلفائه على الأرض. وهو ما حاولت السعودية على الفور أن تتلافاه في الأسابيع التي تلت بدء الحرب الروسية الجوية في سوريا.

كان تواجد السعودية وإيران معاً في مؤتمر فيينا الثاني الذي وضع خطة طريق «الحل السياسي للأزمة السورية» يعبر عن إقرار بالحالة الراهنة للقوى العاملة على الأرض السورية. تمثل إيران، بمعنى من المعاني، النظام الأسدي، في حين تمثل السعودية قوى المعارضة التي تقاتله سياسياً وعسكريا بحيث أنها كانت هي التي طُلِبَ إليها رسمياً جمعها ضمن وفد واحد يمثلها جميعاً في المفاوضات المنتظرة.

ولقد أمكن للسعودية أن تحقق ذلك بنجاح ملحوظ. ثم جاءت تصريحات وزير خارجيتها لتضع النقاط على الحروف بصدد مصير بشار الأسد الذي سكت عنه قرار الأمم المتحدة 2254 الأخير: إما أن يرحل سلماً أو حرباً. لكنَّ قيام الطيران الروسي باغتيال زهران علوش عقب الإعلان عن نجاح مؤتمر المعارضة السورية بالرياض ومتزامناً مع تصريح وزير الخارجية الأمريكي حول بعض التحفظات على بيان المؤتمر، بدا وكأنه يحمل رسالة روسية تذكِّرُ السعودية أولاً، وكل القوى الإقليمية الأخرى الداعمة لخصوم النظام الأسدي وفي المقام الأول منهم تركيا التي سبق أن أسقطت طائرة السوخوي الحربية ثانياً، بالقوة الحقيقية التي سوف تحدد من الآن فصاعداً قواعد اللعبة في سوريا. لكن هذه الرسالة ـ كما اتضح فيما بعد ـ لم تفتَّ في عضد السعودية. إذ استمر وزير الخارجية السعودي من ناحية في تكرار تصريحه بصدد إقصاء الأسد كلياً، في حين قام الرئيس التركي من ناحية أخرى بزيارة إلى الرياض كان من أهم نتائجها إنشاء مجلس تعاون استراتيجي يطال كل المجالات ولاسيما مجال الشأن السوري الذي تتطابق رؤيتاهما بصدده. كما لو أن البلديْن كانا بذلك يرسلان، هما الآخران، رسالة جوابية إلى روسيا تؤكد حضورهما في الميدان السوري ورفضهما الإملاءات الروسية.

صحيح أن ذلك كله كان يرسم إشارة إلى أنَّ إنجاز الحل السياسي سوف يواجه كثيراً من العقبات على الأرض إن استمرت روسيا في تجاهل موقفيْ البلدين بالنسبة إلى وجود الأسد، وهو تجاهل وجد صداه في تطور موقف الولايات المتحدة التي أوضحت أنها لا تعارض مثل هذا الوجود خلال «فترة ما» من المرحلة الانتقالية! لكنه كان يشير أيضاً إلى حدود تأثير تفاقم النزاع السعودي الإيراني الأخير على مسار هذا الحل السياسي في سوريا. فقد بذلت إيران ولا تزال تبذل كل ما بوسعها من أجل كف يد السعودية عن سوريا من خلال تعزيز دعمها الحربي للحوثيين في اليمن والحيلولة بكل الوسائل دون تحقيق انتصار حاسم للسعودية ضدهم وضد قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح . كما أنها عرقلت جهود السعودية للوصول إلى تحقيق انتخاب رئيس لبناني جديد بواسطة حزب الله، ذراعها الضاربة في لبنان. كان ذلك قبل إعدام نمر باقر النمر، ولسوف يستمر بعد إعدامه. لكنه لن يغير، كما هو واضح منذ قرار السعودية شنَّ «عاصفة الحزم» في اليمن، من موقف هذه الأخيرة في شيء بالنسبة إلى سوريا. وكان البيان الذي وقعته مختلف فصائل المعارضة السورية في ختام اجتماعها في الرياض دليلاً باهراً على نجاح السعودية في توحيد المعارضة وفي نزع صفة الإرهاب عن المقاتلين منهم. لكن وجود روسيا بمباركة أمريكية مبدئية على أرض المعركة لن يضمن لها بالضرورة مقعداً دائماً لممارسة التأثير على مائدة المفاوضات. كما لن يضمن لتركيا مثل هذا المقعد.

وهذا يعني أن أوار القتل سيستمر، وأن السوريين سيستخدمون باستمرار وقوداً لهذا الصراع على سوريا. ومرة أخرى، حتى إشعار آخر.

القدس العربي

 

 

 

 

نمر النمر والطائرة الروسية/ عمر قدور

في ظروف مختلفة، كان لإعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر أن يمرّ بضجة أقل، وبآثار أخفّ على العلاقات السعودية الإيرانية. أيضاً، في ظروف مختلفة، كان لإسقاط تركيا الطائرة الحربية الروسية التي انتهكت مجالها الجوي أن يمر من دون أن تتفاقم تداعياته، وأن تبدو بلا نهاية كما يحدث الآن. تداعيات إسقاط الطائرة لا تزال مستمرة على الأراضي السورية، من خلال الدعم الواسع الذي يقدّمه الطيران الروسي لقوات الحماية الكردية كي تقطع خطوط إمداد المعارضة من تركيا شمالاً، وهذا أهم استراتيجياً من العديد من العقوبات التي فرضتها موسكو على أنقرة.

تصريحات المسؤولين الإيرانيين ووكلائهم في المنطقة، التي سبقت إعدام النمر وتلته، تذكّر بالتصريحات الروسية المتصاعدة التي تلت إسقاط الطائرة. في الحالتين ظهر أن هناك تربصاً في انتظار حدث ينقل العداوة إلى مصاف جديد. من الناحية الأخلاقية، إعدام المعارض السعودي لا يختلف عن إعدام معارضين في إيران أو سواها من دول المنطقة، ولا يصل بالتأكيد إلى حرب الإبادة التي يشنها النظام السوري بمؤازرة إيران وميليشياتها. بمعنى أن الخلاف ليس أخلاقياً، ولا ينبع من الجانب الحقوقي غير المعترف به من قبل حكومات المنطقة. وإذا أقرينا بأن الخلاف سياسي في المقام الأول والأخير فهذا يعني أننا على عتبة جديدة من تصاعد الصراع في المنطقة، العنوان الرئيسي فيه سوريا، واليمن بدرجة أقل ربما.

نحن إزاء انقلاب إيراني روسي على المناخ الذي جرى تسويقه في الشهرين الأخيرين من السنة الفائتة، أول أوجهه الانقلاب على نتائج مؤتمر فيينا وقرار مجلس الأمن رقم 2254، على رغم موافقة روسيا وإيران عليهما. فحوى الانقلاب هو ما كان متوقعاً من تمرير الوقت، وإيهام الخصوم بوجود عملية سياسية، بينما في الواقع يجري الانقضاض على مقوماتها واحداً تلو الآخر. في اليمن، مع انتهاء الهدنة، من غير المتوقع قبول الحوثيين بالهزيمة وبالعودة إلى مبدأ المشاركة في السلطة، بخاصة أن العملية السياسية في اليمن واقعة تحت قرارات دولية لا تتيح لهم الاستئثار بالسلطة، والعمليات العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين محمية بقبول دولي. أما في لبنان فقد كان واضحاً فشل المبادرة السعودية على علاتها في انتخاب رئيس من تحالف 8 آذار، ما يعني أن أهداف التعطيل الرئاسي تتجاوز شخصية الرئيس العتيد وتوجهاته.

ردود الأفعال على إعدام النمر توحي بأن المنطقة مقبلة على طور أقسى من الصراع، ولعل المحور الإيراني كان بحاجة إلى حادث من هذا القبيل من أجل إعادة شدّ العصب الشيعي في المنطقة ككل بعد التعرض لانتكاسات عديدة. أن يهدد نصرالله من لبنان بردّ “زينبي” على الإعدام، هذا يذكّر بالشعارات الأولى التي غطى بها الحزب عدوانه على السوريين، وإذا لم يكن متوقعاً أن يغامر الحزب أو رعاته باستهداف السعودية مباشرة فالرد سيتعين في تأجيج الصراعات المفتوحة أصلاً، وفي تجنيد متطوعين شيعة جدد لتعويض الخسائر السابقة. وجهة المتطوعين ستكون سوريا واليمن، ولا يستبعد أن يشهد العراق انفجاراً للصراع المذهبي أو مذابح طائفية، بخاصة لأن تفاهم الإدارة الأميركية مع العشائر السنية في الرمادي وسواها لا يرضي الحكومة الإيرانية.

رد الفعل الإيراني مغطى بالهجوم الروسي الذي لا ينحصر بالعدوان المباشر على السوريين، فموسكو منذ بدء عدوانها سعت إلى تحييد تركيا والسعودية وقطر عن التدخل في سوريا. طهران كانت الوحيدة التي عارضت مؤتمر المعارضة السورية وما انبثق عنه في الرياض، لكن موسكو التي لم تجهر بمعارضتها المؤتمر قبل انعقاده قادت حملة لتفريغه من مضمونه، وتحاول بمساعدة المبعوث الدولي ديمستورا إفراغ تفاهمات المعارضة من مضمونها، ونسف هيئة التفاوض المنبثقة عن المؤتمر نهائياً.

لقد حان وقت معاقبة السعودية من قبل محور موسكو/ طهران، وزاد الأمر إلحاحاً بعد زيارة أردوغان السعودية والاتفاق على إنشاء “مجلس تعاون استراتيجي” بين الجانبين، مع الاتفاق على أن الحل في سوريا يستثني بشار الأسد. ولا ننسى أن أردوغان قبل ذلك زار الدوحة، وعقد الجانبان مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية التي تثير غضب موسكو، بينما كانت التباينات واضحة بين الجانبين الروسي والقطري في المؤتمر الصحافي الذي عقده لافروف مع وزير الخارجية القطري في ختام زيارة الأول إلى الدوحة.

قد تكون السنة الجديدة سنة “المسألة الشرقية” بامتياز، “الرجل المريض” فيها هو النفوذ الأمريكي المنسحب من المنطقة، والشرارتان اللتان أشعلتا الصراع رسمياً هما إسقاط الطائرة الروسية وإعدام النمر. ما يزيد الرجل المريض مرضاً وجود أوباما والأوبامية في سنة انتخابية، وفضلاً عن حذر أوباما وتحاشيه التورط في صراعات خارجية يندر أن يبادر رئيس أمريكي إلى افتتاح صراع ضخم في نهاية حقبته، بل غالباً ما يعمد إلى محاولة تسوية أو تهدئة الصراعات التي باشرها من قبل. وطالما أن الصراع لن يتعدى الساحات الحالية يُستبعد أن تعدّل إدارة أوباما في نهجها الحالي، أي أنها لن تتدخل لمنع محاولات تغيير موازين القوى في سوريا لصالح بشار، ولا لمحاولات إعادة العراق إلى ما كان عليه أيام المالكي، ولن تدعم السعودية في الحرب اليمنية، وقد تكتفي بإبداء القلق إزاء الصراع الوحشي المتفاقم في المنطقة ككل.

السوريون، كما درجت العادة في السنوات الخمس الأخيرة، سيدفعون الثمن الأكبر للصراع الدولي والإقليمي المتفاقم، وإذا تعذر انتخاب رئيس لبناني في ظل هذه الظروف لنا أن نتخيل استحالة الحل في سوريا الأكثر تعقيداً وثقلاً استراتيجياً. من انتظروا الحل من موسكو، واختلقوا إيجابيات للعدوان الروسي على السوريين، عليهم اليوم اكتشاف فضيلة عدم الوقوع في الحفرة ذاتها كل مرة.

المدن

 

 

الأزمة السعودية الإيرانية تنذر بإطالة أمد الحرب في سوريا/ ديفيد هيرست

هنالك ما يشير إلى أن القرار السعودي مطلع العام الجديد بإعدامات جماعية كان تحركا محسوبا، فما من شك في أن الرياض توقعت أن يفعل الباسيج بالدبلوماسيين السعوديين ما فُعل من قبل بممثلي الحكومات التي استجلبت سخط الملالي. لقد كان السعوديون على أهبة الاستعداد لقطع العلاقات الدبلوماسية، ضامنين أن الدول العربية ستتبعهم في ذلك.

لم تكن تلك هي المرة الأولى خلال الشهور الأخيرة التي تجد إيران فيها نفسها في حالة من التعثر والتخبط بسبب التحرك السعودي، وذلك بالرغم من أنها كانت دوما تفاخر بقدرتها على توقع الخطوات التالية لخصومها واستباقهم. وحدث ذلك عندما أعلنت الرياض عن شن هجوم عسكري ضد الحوثيين بعد أن استولوا على اليمن، فحينها كانت إيران تنطلق في حسبتها من فرضية أن المملكة العربية السعودية ماتزال تتحرك بحذر وخلف ستارة من الخرز.

ولكن هنا ذهبت المملكة تلعب دورا مختلفا، حيث أعلنت تدشين موسم مفتوح من الصراع الإقليمي مع جارتها الفارسية، وذلك يؤشر على أكثر من مجرد درجة واحدة نحو الأعلى في سلم العداوات مقارنة بموقفها الحالي المتمثل في قتال جماعات تخوض الحرب بالوكالة مثل الحوثيين ورئيس سوريا بشار الأسد وحزب الله المدعومين جميعا من قبل إيران.

باتت العداوة على المكشوف، وبات بها الانقسام الإقليمي هو سيد الموقف، وغدا من أسس السياسة السعودية الرسمية تحدي النفوذ العسكري والسياسي الذي تعودت إيران بشكل متزايد على ممارسته في سوريا واليمن وفي العراق منذ الغزو الأمريكي في عام 2003. لم يبق من طيف العلاقات الثنائية متماسكا سوى القليل جدا، ربما فيما عدا الاستعداد لاستضافة الحجاج الإيرانيين المسلمين في موسم الحج. ولكن لو أخذنا بالاعتبار ما جرى في موسم حج العام الماضي، فحتى هذه الاستضافة باتت موضع شك. لقد توقفت الآن كافة أشكال النقل التجاري والجوي بين البلدين.

في سبيل الخير أو في سبيل الشر، وفي المرض كما في الصحة، أصبحت المملكة العربية السعودية بقيادة الملك «سلمان» قوة إقليمية صارمة على استعداد للدفاع عن مصالحها بالقوة. وفي سبيل ذلك حددت المملكة حلفاءها في المنطقة: تركيا وقطر، كما حددت خصومها فيها: إيران وروسيا، واستعدت لمواجهتهما. وهي الآن تفرض على الدول العربية التحيز واختيار مع من تقف من الجانبين. ويوم الاثنين أعلنت كل من البحرين والسودان قطع علاقاتهما بإيران بينما اختارت دولة الإمارات العربية المتحدة تخفيض مستوى علاقاتها الدبلوماسية بها.

سيكون من المفيد معرفة ما إذا كانت الرياض قد أشعرت واشنطن قبل وقت كاف بالتصريح الذي صدر عن وزير الخارجية «عادل الجبير». ربما كانت مدة الإشعار أقصر من تلك الذي سبقت القرار بشن الهجوم على اليمن. من الواضح أن المملكة العربية السعودية لم تعد تنتظر موافقة راعيها ومزودها العسكري الأساسي. مثل غيرها من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، لقد تعودت الملكة على التصرف بمفردها.

يؤذن هذا التحرك بوضع نهاية، على الأقل في الوقت الحاضر، لمحادثات وقف إطلاق النار في سوريا وربما أيضا محادثات وقف إطلاق النار الخاصة باليمن. ومن غير المحتمل أن تنتهي تداعيات ما جرى في نهاية الأسبوع الماضي عند هذا الحد. فثمة مؤشرات على أن الرياض ستمضي قدما في هجومها سعيا إلى تقييد قدرة إيران على الدخول من جديد إلى الأسواق العالمية بعد إبرام صفقتها النووية مع واشنطن. ستُبقي المملكة العربية السعودية أسعار النفط عند أدنى مستوى وصلت إليه حتى لو كان ثمن ذلك مفاقمة أزمة ميزان المدفوعات الخاص بها.

فقد آتت هذه السياسة أكلها من قبل حينما ألحقت أضرارا جسيمة بقدرة بنك التجارة الخارجية في روسيا «فنيش إيكونوم بانك» على الوفاء بسداد الديون، حتى بات الآن بحاجة إلى 18 مليار دولار حتى يتعافى ويتمكن من العودة إلى الإقراض تارة أخرى.

لو كان ذلك مخططا له من قبل، فلم يجري تنفيذ الخطة الآن تحديدا؟ 45 من بين الذين نفذ فيهم حكم الإعدام هم مواطنون سعوديون، وشملت الدفعة مواطنا تشاديا وآخر مصريا. وكان 43 منهم من السنة، كثيرون منهم من مقاتلي القاعدة الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام وكانوا ينتظرون التنفيذ منذ مدد متفاوتة يعود بعضها إلى العام 2004. كان إعدام هؤلاء ورقة بإمكان الرياض أن تلعبها في أي وقت منذ آخر موجة تفجيرات شنتها القاعدة في عام 2012. ولكن لم جرى اللعب بالورقة الآن، وما هي الرسائل السياسية التي أرسلت، ولمن وجهت؟

لقد واجهت المملكة العربية السعودية تاريخيا مصدرين من التمرد الداخلي: الأقلية الشيعية، التي يقطن كثير من أبنائها في المنطقة الشرقية، والجهاديين السنة. إلا أن واحدا فقط من هذين المصدرين هو الذي يهز النظام. يجمع معظم المحللين على أن الاحتجاجات الشيعية لا تملك نفس القدرة. من بين السنة الثلاثة والأربعين الذين أعدموا، ركزت وسائل الإعلام المملوكة للدولة على واحد فقط هو «فارس الشويل الزهراني».

وُصف «الزهراني» بأنه المنظر الذي وقف وراء سلسلة الهجمات التي استهدفت الأجانب ومراكز الشرطة ومرافق النفط وتسببت في قتل المئات. من خلال إعدام «داعية التكفير» يكون النظام قد صفى حسابه مع منافس له في المعتقد. فطبقا للسلفية الوهابية لا يملك صلاحية التكفير سوى داعية مكلف من قبل الدولة، ويقصد بالتكفير اعتبار شخص ما كافرا أو خارجا عن الملة. ولعل المقصود من إعدامه هو طمأنة الأغلبية السنية. ولكن ثمة رسالة ضمن ذلك موجهة إليهم، رسالة تأتي في عام يرفع فيه الدعم عن أسعار الوقود وتخفض فيه مكافآت العمل الإضافي في المؤسسات التي تديرها الدولة، ويفرض على الجميع دفع المزيد من الضرائب بما في ذلك ضريبة معينة على المبيعات، ومفاد هذه الرسالة أن الدولة لن تتسامح مع أي شكل من أشكال الاحتجاج.

أما على المستوى الخارجي، فقد كان محتما أن يثير إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر موجة من الاحتجاجات في الخارج، وخاصة أن إيران كانت قد بذلت جهودا كبيرة لتسليط الضوء على قضيته. وانسجاما مع الموقف الإيراني، سارع كل من «حسن نصر الله»، رئيس حزب الله، و«مقتدى الصدر»، رجل الدين العراقي، إلى التنديد بإعدام «النمر». وكانت صحيفة الإندبندنت قد أشارت إلى بيان داخلي تسنى لها الاطلاع عليه يأمر فيه رئيس جهاز الأمن السعودي قوات الشرطة في البلاد بإلغاء جميع الإجازات المقررة في مطلع عام 2016 حاثا إياها على «أعلى درجات الحذر» حتى إشعار آخر.

وكانت فرص إجراء محادثات جوهرية بشأن سوريا قد تلقت ضربة قاتلة بسبب المزاعم بأن غارة جوية روسية هي التي قتلت «زهران علوش»، قائد جيش الإسلام. وذلك أن «زهران علوش» وافق على الانخراط في عملية السلام السعودية في الوقت الذي نأي غيره من قادة المليشيات السورية بأنفسهم عنها. يبدو أن روسيا أرادت من خلال قتلها لعلوش، نيابة عن الأسد، أن تثبت أنها قادرة على إعادة تشكيل البيئة التفاوضية من خلال تصفية من لا تريد لهم المشاركة في العملية السياسية وإبقاء من ترغب فيهم. لم يسفر مقتل علوش عن تغير في ميزان القوة في الميدان حول دمشق بقدر ما أسفر عن النيل من عزم المملكة العربية السعودية على المضي قدما في العملية السياسية.

والآن يبدو أن فرص نجاح المحادثات باتت في عداد الأموات، وبديلا عن ذلك ذهبت المملكة العربية السعودية تنمي علاقة أمنية معمقة مع تركيا، ويشاع بأن زيارة الرئيس التركي «رجب طيب إردوغان» الأخيرة إلى الرياض قد تمخضت عن إبرام صفقات لشراء سلاح و عربات مصفحة تركية بمليارات الدولارات.

من المتوقع الآن أن شدة المعارك ومستوى القتل اللذين تصاعدا منذ أن بدأت الطائرات الحربية الروسية تقصف من الجو أهدافا تعود بشكل أساسي إلى المعارضة سيزدادان سعارا على الأرض أيضا. وبما أن خطوط المواجهة على الأرض لم تتغير إلا قليلا فإن ذلك يعنى شيئا واحدا، ألا وهو أن الصراع سيمتد وسيطول أمده. وأي حديث عن أن الحرب الأهلية توشك أن تنطفئ جذوتها من خلال إبرام اتفاقيات محلية لوقف إطلاق نار بات الآن مجرد صدى لثرثرة متفائلة من الماضي البعيد.

وبالنسبة لواحدة على الأقل من القوى المتدخلة – روسيا وإيران من جهة وتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر من جهة أخرى – ستتحول سوريا إلى أفغانستان أخرى، وسيتوجب على قوة أجنبية واحدة الانسحاب من هذه الحرب وهي تجر ذيول الخزي والعار. يبدو أن المملكة العربية السعودية، التي تلقى سياستها الخارجية دعما في أوساط الأغلبية السنية من سكان المنطقة، واثقة من أنها لن تكون تلك القوة التي ستضطر إلى ذلك.

من شأن ذلك أن يعمق الصراع أكثر فأكثر في المنطقة خلال عام 2016، وإذا كان عام 2015 عنيفا، فإنه يتوقع للعام الحالي أن يكون أشد عنفا. كما أن التحرك السعودي سيشكل تحديا لمصر، حيث أن السعوديين الذين يمولون حكم العسكر في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي تسامحوا حتى الآن إزاء التجاوب البارد الذي أبدته مصر تجاه المملكة العربية السعودية في كل من اليمن وسوريا. سيكشف القادم من الأيام إلى أي مدى سيستمر السعوديون في تساهلهم هذا وخاصة إزاء التقارب المصري مع كل من روسيا وإيران.

من أي زاوية نظرت إلى الموضوع ستجد أننا بصدد حراك لن يسهل على أي طرف الانسحاب منه سريعا. المجازفات كبيرة جدا على المستوى الدولي، وما من لاعب في هذا الصراع إلا ويشعر أنه استثمر فيه الكثير فلا يسهل عليه الانتقال مباشرة إلى الغيار العكسي ليعود إلى الخلف.

وكل حكومة من الحكومات المشاركة لديها ما يشغل بالها ويشعرها بالخطر داخليا.

المساحة المتاحة للتنازل ضيقة جدا، ولكن في نهاية المطاف لا مفر من وضع خط لتوازن القوة ما بين إيران والمملكة العربية السعودية. وهذا ما سيتحقق الآن من خلال اختبار دولي للإرادات يجري في منطقة تعج بالأسلحة، وهي أسلحة يشهرها أناس يعرفون جيدا كيف يستخدمونها.

هافنغتون بوست عربي

 

 

 

 

الرياض تستخدم سلاح النفط في مواجهة إيران…. وطهران تؤجج الغضب الشيعي على السعودية: الصراع الإيراني ـ السعودي رغم تصاعده ولكن لا مواجهة مباشرة/ سليمان نمر

الرياض ـ «القدس العربي»: لم تكن العلاقات السعودية – الإيرانية تحتاج إلى إعدام الشيخ نمر باقر النمر حتى تزداد توترا وتنفجر بهذا الغضب الإيراني «الزائد عن حده» على إعدام النمر.

ولا شك ان التوتر الحاصل بين البلدين هو انعكاس للصراع السياسي الاقليمي الإيراني – السعودي الذي تشهده المنطقة منذ ان تنبهت السعودية إلى ان المشروع الإيراني لفرض النفوذ على المنطقة بدأ يهدد العالم العربي ومصالحها.

وخلال السنوات التي سبقت مجيء عهد الملك سلمان بن عبد العزيز قبل عام استطاعت طهران ان تنشط وتتمدد بنفوذها وتفرض هيمنتها على العراق وسوريا وعلى لبنان (نوعا ما)، وتسلل النفوذ الإيراني إلى اليمن- عبر الحوثيين- الذين استطاعوا ان يستولوا على مفاتيح السلطة بمساعدة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الأمر الذي يعني ان إيران أصبحت على الحدود الجنوبية للسعودية، وهذا أمر بالطبع تنبه إليه العهد السعودي الجديد بقيادة الملك سلمان فوجد ان الأمر أصبح لا ينتظر وانه لابد من اتخاذ سياسة الحزم مع إيران ومواجهتها فاطلق حرب «عاصفة الحزم» بتحالف خليجي عربي، جعل طهران تستشيط غضبا. وتبدأ بعدها المواجهة بين الرياض وطهران، وكل يستخدم فيها أدواته وأسلحته.

تعددت الأدوات التي استخدمتها وتستخدمها الرياض في صراعها مع طهران، ومن أهمها سلاح «العمل على خفض أسعار النفط « حتى تنخفض العوائد المالية الإيرانية التي تستخدمها لتمويل مشروعها في المنطقة.

ونعتقد ان بدء الرياض بالضغط «بتروليا» على طهران هو الذي جعلها تستعجل للتوصل إلى الاتفاق النووي مع الغرب بهدف استعادة عشرات المليارات من الدولارات المحتجزة.

والرياض أيضا عملت على تصعيد دعمها العسكري والمالي للمعارضة السورية المقاتلة ضد النظام في دمشق وحلفائه للضغط من أجل إسقاط النظام وبالتالي إبعاد النفوذ الإيراني عن سوريا.

وفي الحقيقة ان الرياض منذ ان بدأت بدعم المعارضة السورية قبل نحو 5 ســـنــــوات، أرادت ان توقف المد الإيراني وفرصه في سوريا.

وإيران من ناحيتها استخدمت أدواتها في هذا الصراع، وأهمها تأجيج الصراع المذهبي في المنطقة والعمل على استمالة الشيعة لتكون هي مرجعيتهم وليكونوا بؤر توتر ومصدر قلق في السعودية ودول الخليج العربية الأخرى.

ومن هنا يمكن ان نقول ان السعودية وجدت في الداعية الشيعي الشيخ نمر النمر أحد أدوات طهران لخلق التوتر وإشاعة التمرد الشيعي في المنطقة الشرقية من السعودية، لذا قررت تنفيذ حكم «القتل» فيه الذي سبق وان أصدرته احدى المحاكم السعودية ضد الشيخ النمر.

وإيران وجدت في الإعدام السعودي للشيخ النمر فرصة لاشعال ضجة عبر مرجعياتها الدينية الحاكمة والمؤسسات التابعة مثل الحرس الثوري، والأحزاب «الشيعية «التابعة لها في العراق ولبنان، وعملت من خلال هذه الضجة التي تفتعلها، على إثارة الغضب الشيعي على السعودية، وبالتالي على السنة، وهذا تصرف مذهبي وطائفي «بغيض» يعمق انقسام المسلمين.

إيران بغضبها المفتعل و»الزائد عن الحد» لا تعمق الانقسام المذهبي والطائفي بين المسلمين فقط، بل تستهدف تأكيد «حقها» بالوصاية على الشيعة العرب في الخليج والعالم العربي، وانها هي التي تسأل وتدافع عن حقوقهم وتدفع عنهم «المظالم» من السنة جاءت أو غيرهم.

فالشيخ نمر النمر، سعودي المولد والجنسية قبل ان يكون شيعيا ومرجعا وداعيا لولاية الفقيه، وإثارة طهران للضجة حول إعدامه تأتي بهدف تأكيد وصايتها على الشيعة العرب في السعودية والمنطقة.

وهذا كان هدف إيران منذ ان قامت ثورة 1979 واستولت مرجعيات «قم» بزعامة الإمام الخميني على الثورة الإيرانية، وهذا الأمر هو الذي أثار الانقسام المذهبي والطائفي بين المسلمين.

ويلاحظ الأمير طلال بن عبد العزيز انه «قبل ثورة 1979 في إيران ومجيء الإمام الخميني للحكم لم يكن المسلمون والعرب يعرفون الانقسام المذهبي، وان هذا سني وهذا شيعي».

وإيران تستخدم التقسيم المذهبي كأداة من أدوات صراعها السياسي مع السعودية.

سياسيا عملت إيران خلال السنوات الماضية على فرض نفسها بإعتبارها القوة الاقليمية الأكبر في المنطقة، فسعت إلى فرض نفوذها في العراق ولبنان وسوريا ووصلت إلى اليمن.

لذا فان طهران وجدت نفسها على عداء مع السعودية التي ترى انها العقبة التي تقف في طريق مشروعها لفرض الوصاية والهيمنة في المنطقة.

وقد دخلت المنطقة الآن في مرحلة جديدة من التجاذبات والصراعات التي تحددت معالم تحالفاتها، فإيران تعمل على إقامة تحالف شيعي يرتبط مع روسيا، والسعودية ومعها حلفائها في دول مجلس التعاون الخليج وبعض الدول العربية وتركيا.

ورغم ان الحديث دار حول وساطات روسية وعراقية وغيرها بين الرياض وطهران إلا انه لا يعتقد ان المرحلة مهيئة الآن لمثل هذه المشاريع. فالصراع الإيراني – السعودي دخل مرحلة «لي الأذرع»، رغم ان الطرفين لا يريدان الدخول في حرب مباشرة مع بعضهما، وهذا ما بدا من تصريح ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي أكد فيه عدم رغبة بلاده في خوض حرب مع إيران، وما بدا في محاولات إيران التخفيف من الضجة التي افتعلتها ومن حادث الاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد ومحاولة الاعتذار عن ذلك.

ويعتقد ان التصعيد الذي شهده الصراع الإيراني- السعودي بعد الضجة الإيرانية المفتعلة على إعدام «النمر» وقطع السعودية لعلاقاتها مع طهران، لن يؤثر على مسيرة البحث عن حل سياسي للأزمة السورية. وتؤكد الأوساط الدبلوماسية في الرياض ان هناك اتفاقا دوليا وتفاهما روسيا – أمريكيا على السير في طريق حل الأزمة السورية وفق ما اتفق عليه في فيينا ونيويورك، وهذا ما يؤكده تنشيط المبعوث الدولي لسوريا دي ميستورا لتحركاته لعقد الجولة الأولى من المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام قبل نهاية الشهر الجاري، وما تؤكده تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بان أزمة علاقات بلاده مع إيران لن تؤثر على مسيرة حل الأزمة السورية.

 

 

 

أزمة إشتدي تنفرجي… تعادل سلبي بين إيران والسعودية/ نجاح محمد علي

بات من الواضح تماما أن الأزمة التي اندلعت بين إيران والمملكة العربية السعودية على خلفية إعدام الشيخ نمر باقر النمر، ليست لها صلة مباشرة بإعدام النمر ولا بحقوق الإنسان في السعودية، ولا حتى بالصراع الطائفي المتصاعد أو المراد له أن يتصاعد في المنطقة بين الشيعة والسنة، فهذه الأزمة هي واحدة من سلسلة أزمات تأتي إنعكاساً، أو إمتداداً لصراع النفوذ المزمن بين البلدين، مهما كانت تسمياته ومبرراته الظاهرة.

وحتى مع وجود فقرة في دستور الجمهورية الإسلامية تبيح فيها إيران لنفسها تقديم الدعم لـ»المستضعفين» وما يسمى حركات التحرر في العالم، بما جعلها تنشئ منذ بداية سقوط نظام الشاه العام 1979 فيلق القدس التابع للحرس الثوري، فان الحرب التي خرجت من إطار كونها حربا باردة بين طهران والرياض، هي مجرد صراع نفوذ لفرض رؤية محددة للصراعات الجارية في المنطقة خصوصاً الأزمة السورية.

فالشيخ النمر لم يكن على وفاق تام مع مدرسة ولاية الفقيه بالقراءة الإيرانية الرسمية، رغم أنه استخدم في خطابه «ولاية الفقيه» في إطار التحدي السياسي المعارض، ولكن إيران الرسمية سعت إلى رفع «قميصه» لتواجه دفاع السعودية عن «السنَّة» في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

ولابد لفهم ما يجري من تصرفات إيرانية أن نشير إلى أن إيران فيها معتدلون ومتشددون وبينهما غلاة وإصلاحيون وليبراليون إسلاميون وعلمانيون وصامتون، كلهم ندد بإعدام الشيخ النمر لغاية في نفسه، إلا أن المتشديين ومنهم الغلاة أرادوا كعادتهم والبلاد تقف على حافة الانتخابات التشريعية وانتخابات مجلس الخبراء، استغلال إعدام النمر لتحقيق مآربهم في معارضة الاتفاق النووي، وسياسة الرئيس حسن روحاني في الاعتدال والانفتاح على العالم الخارجي، وإزالة التوتر في علاقة إيران الإقليمية والدولية.

وليس كما يظن البعض أن في إيران لعبة تبادل أدوار، يتقاسم فيها اللعب المتشددون والمعتدلون وخلفهم التيار الاصلاحي المقموع، كما برز ظاهريا في واقعة الاعتداء على البعثتين السعوديتين: السفارة في طهران والقنصلية في مشهد، بل هو صراع حقيقي تطيح فيه رؤوس، ويُعدم فيه شبان، ويساء فيه إلى رئيس سابق مثل محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني، ويعتقل فيه أقطاب نافذون في عهد الإمام الخميني الراحل أبرزهم ميرحسين موسوي (وزوجته زهراء رهنورد) ومهدي كروبي. إنه صراع بين من يعتقد انه وريث خط الإمام الخميني الراحل ونهجه، ومن ينظر إليه كمتسلق على جدار الثورة والنظام.

وتنعكس مفردات هذا الصراع على جميع مفاصل الدولة وتعاطيها في الداخل والخارج، ولعل العلاقات مع الغرب خصوصا الولايات المتحدة، ومع العرب والخليج تحديدا والسعودية بشكل أخص، هي من أبرز مفردات هذا الصراع.

صحيح أن الرئيس المعتدل حسن روحاني استطاع تحييد أبرز مفاصل المتشددين الرافضين للاتفاق النووي وتحديداً الحرس الثوري، ونجح في كسب تأييد الولي الفقيه آية الله سيد علي خامنئي، لكنه أخفق ولا يزال في تخطي العصي التي يضعها بطريقة احترافية دقيقة خصومه (وهم كثر) في عجلة حكومته لاحراجها دوليا ولافشال برامجها داخلياً.. وكأنك يابوزيد ماغزيت!.

ويرى محللون إيرانيون في حادث الاعتداء على السفارة السعودية وقنصليتها في مشهد، انه من الواضح منذ الوهلة الأولى أن من فعل ذلك لم يكن يستهدف السعودية أو يحتج على إعدام الشيخ المعارض نمر باقر النمر، بل كان يحتج على الإتفاق النووي. حيث تم التخطيط لذلك بإحكام لكي يدمر كل المساعي الدبلوماسية التي جاهدت حكومة حسن روحاني المعتدلة والنجاحات التي حققتها بعد عامين ونصف من المباحثات مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي. ويرى معظم المحللين الإيرانيين أنه لم يكن لأي مخلوق أن يخطط أفضل من هذا.

بل ويذهب البعض في إيران إلى القول إن «الاعتداء الدبلوماسي»  يشير إلى أن من خطط له  كان مصرا أن يرسل رسالة للمجتمع الدولي وللعالم مفادها أن «لا تنخدعوا من الإبتسامات التي ترونها على وجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووقار زملائه عباس عراقجي ومجيد تختروانجي ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي؛  لم يتغير شيء بعد والقدرات التي نحتاجها لا تزال في أيدينا».

ويقول محللون إن هؤلاء كأنهم مصرون على أن يؤكدوا ما سعى أعداء إيران الإسلامية في إظهار هذا البلد ونظامه بصورة مغلوطة. والمثير في هذا الموضوع، أن المقربين من حكومة روحاني يقولون إنهم سعوا وبشكل دائم  لكي يقنعوا العالم بأن لا يصدق الدعايات المغرضة التي تسعى لخلق أجواء من التخويف من إيران و»الإيرانوفوبيا» ونقول للعالم تعالوا وانظروا للحقائق كما هي وليس من وسائل الإعلام الغربية والصهيونية.

إلا أنه بعد «الاعتداء الدبلوماسي» بات الأمر صعبا جدا ـ كما يقولون ـ  على المرء أن يصدقه بعد ما شاهد مدى دقة المخطط الذي استهدف السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد وتقديم هدية ثمينة للخصوم بهذه الفعلة المشينة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: «هل كان كل ما حدث ردة فعل طبيعية على إعدام المعارض السعودي الشيخ نمر النمر أم أنه كان يسعى لتقويض جهود الدبلوماسية الإيرانية خلال العامين والنصف لوزير الخارجية ظريف وزملائه الذين نجحوا في التوصل للإتفاق النووي مع مجموعة خمسة زائد واحد؟

من الواضح مدى الضرر الذي لحق مصالح إيران القومية بُعيد الهجوم الذي تعرضت له السفارة والقنصلية السعودية في إيران بشكل باتت تراود المرء وساوس وتساؤلات حول ما إذا كان السعوديون أنفسهم هم من خططوا لهذا كله من أجل الإضرار بمكانة إيران وصورتها في العالم وما توصلت له المباحثات النووية مع المجتمع الدولي.

ويقول مقرب من روحاني «بتنا نتساءل هل السعوديون يصرون على تخويف العالم من إيران، وهل هم من خطط بالفعل لكي يظهروا للعالم  وجها آخر لروحاني، ويقولون  الم تروا أن نتنياهو والجمهوريين المحافظين في أمريكا واللوبي السعودي كانوا يقولون الحقيقة وانتم لم تصدقوهم؟ وأن أوباما وجون كيري خدعوا بإبتسامات روحاني؟»!.

ويتساءل «إن لم يكن كذلك فكيف لمن يحمل مشاعر ثورية أن لا يدرك بأن القيام بإحراق البعثة الدبلوماسية السعودية قلب الطاولة على الإيرانيين وبدل أن تدان السعودية إتجهت أصابع الإتهام كلها نحو إيران؟»!.

ويستمر المقرب من روحاني يطرح الأسئلة الصعبة على المتشددين وغلاة المحافظين: «كيف لا يدرك هؤلاء بأن ما قاموا به نشر على وكالات الأنباء والقنوات الإخبارية العالمية وغطى على قضية إعدام الشيخ النمر؟».

ويشير إلى أن خبر إحراق البعثات الدبلوماسية السعودية تصدر وإكتسح عناوين جميع وكالات الأنباء العالمية، ويؤكد المقرب من الرئيس حسن روحاني من جهته  أنه لا يمكن تبرير هذا الهجوم بأي شكل من الأشكال لأن من خطط له لم يتوقع الثمن الذي ستدفعه إيران في هذه القضية، فالسعودية التي رأت في الموضوع فرصة ذهبية لتبرير قطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية بشكل كامل مع إيران. وتلتها دول أخرى مثل البحرين والسودان وجيبوتي ودول أخرى سحبت سفراءها من البلاد وخفضت مستوى تمثيلها الدبلوماسي.

كما أن بعض الدول الإسلامية وإن لم يكن أغلبها إستنكر ما تعرضت لها البعثات الدبلوماسية في إيران. واللافت أن بعض الدول التي كانت تعتبر حتى وقت قريب حليفة إيران مثل الصين وروسيا أدانت إحراق السفارة السعودية.

قد لا يبدو من الوهلة الأولى بأن من خطط لكذا هجمات على البعثات الدبلوماسية قد فكر يوما ما بتبعات هكذا تصرفات فها هم من يرددون مقولة «الأولوية للمصالح القومية» لكنهم سبق وقاموا بنفس التصرف من قبل فقبل خمس سنوات اقتحموا السفارة البريطانية في طهران.

وظهر جليا بعد إقتحام السفارة البريطانية أن إيران خسرت الكثير وتضررت مصالح الكثير من الإيرانيين في الداخل والخارج بسبب ما حدث.

وتكرر مع سفارة أخرى، مع أنه لم يكن له أي فائدة تذكر فحسب، بل كانت نتيجته الإضرار بالمصالح القومية الإيرانية وسكت الكثير من المسؤولين أمام هذا التصرف الأرعن وغير الأخلاقي، بحيث باتوا يشعرون بالعجز في إبداء رأيهم وأصبحوا في حيرة من أمرهم، ولم يبرروا ولم يستنكروا ما حدث، وهذا ما جعل من خطط ومن هاجم السفارة يتشجع ويثبت على مواقفه.

وإذ لم يتمكن النظام من حسم هذا الأمر مستقبلا ومنع القوى الخفية التي تقود هذه العمليات في الداخل، فهذا يعني بأنهم سيسمحون بتكرار المزيد من هذه الهجمات في المستقبل، وهي هجمات تضر بالمصالح الإيرانية أولاً ولا تلحق أذى يذكر بالسعودية.

وكان لافتا تصريح هو الأول من نوعه لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وقوله إن اندلاع حرب بين السعودية وإيران سيكون بداية لكارثة كبيرة في المنطقة «ولن نسمح بحدوث شيء كهذا» بانتظار ما يمكن أن تثمر عليه هذه الجولة من الصدام الدبلوماسي بين طهران والرياض على «التسوية السياسية» المقترحة للأزمة في سوريا، وبالتالي على أزمات البحرين واليمن والعراق… ولبنان.

 

 

 

الورقة “الرابحة” بيد إيران/ محمد أبو رمان

تستخدم إيران، بكل وضوح، الورقة الطائفية في مشروعها الإقليمي، لخدمة مصالحها القومية في المنطقة، فهي تتعامل مع الشيعة العرب كامتداد لنفوذها، وتعتبر نفسها “الوصي” أو “المسؤول” عنهم. بل لا نبالغ في القول إنّها نجحت بإقناعهم تماماً، عبر بناء منظومة عقائدية وفقهية، وقناعات سياسية، بأنّها خيارهم الاستراتيجي الوحيد، ليحسنوا أوضاعهم في البلاد العربية. والسؤال المهم الذي ينبثق عن ذلك، ما إذا كان استخدام “العرب السنّة” الورقة الطائفية نفسها يخدم مصالحهم، أم يضرّ بها؟

هو سؤال من المهم أن نثيره، بأبعاده الاستراتيجية والسياسية والثقافية والدينية كافّة اليوم، لأنّه يمسّ، بعمق، الأمن والسلم الأهلي المجتمعي، أولاً، والأمن القومي العربي والوطني لدول عديدة ثانياً، والثقافة الإنسانية والقيم الأخلاقية والتعددية ثالثاً.

المقصود بالورقة الطائفية، بصورة أساسية، هم الشيعة العرب، أي أنّ اللعبة الطائفية تقع على “أرض” العرب، وفي ساحتهم وميدانهم، ما يضعنا أمام خيارين استراتيجيين. الأول هو الحكم على العلاقة الداخلية في المجتمعات العربية بين السنّة والشيعة بالصراع الحاد الذي يصل إلى مرتبة “الوجودي الهويّاتي”. والثاني البحث عن بديل آخر داخل المجتمعات العربية لتسوية سياسية، تأخذ أبعاداً فقهية وحضارية، لأنظمة سياسية تستوعبهم، ضمن منظومة من المفاهيم والحقوق السياسية والإنسانية الكاملة، ما يجعلهم يشعرون بأنّ انتماءهم لأوطانهم ومصالحهم مرتبط بـ”الداخل”، لا بالخارج، حتى لو كان مشتركاً بالمذهب الشيعي.

ثمّة خطاب سائد، اليوم، في العالم العربي، يخلط تماماً بين الصراع الإقليمي مع إيران في المنطقة والجانب الطائفي، فيضع الشيعة العرب في حزمة إيران، ويعتبرهم، ضمنياً، بمثابة “العدو داخل البيت”، وهو ما يمنح إيران نقاطاً حاسمة في “اللعبة الإقليمية”، إنْ لم نقل يجعل “الورقة الرابحة” بأيديهم، ويدفع المجتمعات والدول العربية نحو صدامات داخلية قاتلة مميتة، لا تضرب فقط الحالة الأمنية والسلم الأهلي، بل ما هو أخطر من ذلك، الثقافة المجتمعية، فتدخل المجتمعات العربية في دوامة العنف والتطرف، وتصبح الكلمة العليا فيها للتيارات التكفيرية المتبادلة، شيعية كانت أو سنيّة.

السؤال الذي يترتب، بديهياً، على الجُملة السابقة؛ هل يمكن، فعلاً، “استعادة” الشيعة العرب وكسبهم، مرّة أخرى، في ظل الولاء الواضح لدى نسبة كبيرة منهم اليوم لإيران، سواء كان عبر الإيمان بـ”ولاية الفقيه”، أو القناعة بأنّ إيران هي المركز الحامي لهم في مواجهة “الأغلبية” السنية العربية؟

لن أنتظر جواب شريحة واسعة من المثقفين العرب، بخاصة الإسلاميين، وبالأخص أكثر الأصدقاء والمثقفين السوريين والعراقيين واليمنيين الذين ذاقوا الأمرّين، في الأعوام الماضية، من سطوة النفوذ الإيراني والحلفاء الشيعة العرب الملحقين بطهران! لكنني أظن أنّ علينا عدم إغلاق هذا الباب، أو استباق النقاش بأجوبة معلّبة جاهزة، بل التفكير، قبل ذلك، بالأسباب التي دفعت شريحة واسعة من المواطنين الشيعة العرب إلى أحضان طهران، وإلى القبول بعلاقة التبعية هذه، التي ليست بالضرورة مريحة أو مقبولة لديهم، بقدر ما أنّها جاءت تحت واقع الاضطرار وعدم وجود الخيارات البديلة، كما هي حال، الطرف المقابل، أي شريحة واسعة من الشباب العربي السنّي الذي التحق بداعش وأخواتها في العراق وسورية، وفي دول أخرى.

السؤال الآخر، الذي أطرحه عليكم، فيما لو كانت هنالك أنظمة ديمقراطية، توفّر مناخاً من التعددية والحريات، السياسية والدينية والثقافية، وتلتزم بمعايير واضحة من العدالة وتكافؤ الفرص، وتستند على أساسٍ صلب من قيمة المواطنة وسيادة القانون وعدم التمييز على أساس المذهب، أو العرق أو الجنس واللون، هل كانت طهران ستكون خيار الشيعة العرب؟

هل قدّم المثقفون والسياسيون السنّة خطاباً حضارياً تعددياً إصلاحياً توافقياً للشيعة، يدعم مفاهيم المواطنة والعيش المشترك، ورفضوه وألقوه علينا، أم أنّنا أجبنا عنهم مسبقاً، وصادرنا على الأقل فرصة معرفة الجواب؟!

العربي الجديد

 

 

 

 

الأزمة السعودية–الإيرانية تضغط على أسعار النفط/ جاسم عجاقة

في حدث متوقع، إنخفض سعر برميل خام الشمال إلى 32 دولاراً ، الخميس الماضي، مسجلاً بذلك أدنى مستوى له منذ العام 2004. ومع توتر العلاقات السعودية الإيرانية، من المتوقع أن يزداد الضغط على الأسعار مع زيادة الحرب على الحصص، خصوصاً في ظل عودة إيران إلى سوق النفط.

إنخفض سعر برميل النفط الخام من بحر الشمال إلى ما دون الـ 33 دولار تحت تأثير تراجع الطلب الصيني، الذي من المتوقع أن يتراجع أكثر هذا العام. أضف إلى ذلك إزدياد المخزون الإستراتيجي من النفط الأميركي الذي تخطى توقعات الأسواق، وبالتالي تراجع الطلب الأميركي على هذا النفط.

ويأتي الصراع السعودي الإيراني على خلفية إعدام الشيخ نمر النمر والإعتداء على السفارة السعودية في إيران، ليزيد من حرب الحصص بين دول الأوبك. والمملكة العربية السعودية رفضت في اجتماع منظمة الأوبك في كانون الأول 2015، خفض إنتاجها من النفط لتعويض عودة إيران إلى سوق النفط، بعد رفع العقوبات التي تدخل حيز التنفيذ في الأيام المقبلة. وبحسب الاتفاق وبُعيد رفع العقوبات عن إيران، تعمد هذه الأخيرة إلى رفع إنتاجها 500 ألف برميل يومياً لتعود بعد ذلك إلى رفعه تدريجياً مليون برميل يومياً. وبذلك تزيد حصة إيران من 8.21% حالياً (31.2% للسعودية) إلى 12.2% من إجمالي حصة دول الأوبك. وتأتي الأزمة الحالية التي تعصف بالعلاقات السعودية الإيرانية لتُعقدّ أكثر التوافق على توزيع الحصص داخل منظمة الأوبك. وهذا الواقع سيُترجم بزيادة في الإنتاج من قبل البلدين ليزيد بذلك العرض وبالتالي تنخفض الأسعار. والجدير بالذكر أنه ومع إزدياد الإنتاج الأميركي من النفط الصخري، إنخفضت حصة الأوبك من 47% إلى أقل من 42% في العام 2014 (الأدنى من 11 عاماً).

أسعار النفط إلى أين؟

لا يمكن لأسعار النفط الإستمرار في الهبوط على المدى الطويل، نظراً للعجز الذي تسجّله الدول المنتجة للنفط (بإستثناء الولايات المتحدة). كما أن كلفة إستخراج برميل النفط تلعب دوراً رئيسياً في تحديد الإنتاج، إذ أن الخسائر التي تعصف حالياً بالبلدان المُنتجة للنفط هي خسائر غياب فرص إقتصادية وليست خسائر بمعنى محاسبي. لذا تستمر بعض الدول كالسعودية التي تبلغ كلفة إستخراج برميل النفط فيها 10 دولارات بالمراهنة على إنزال سعر برميل النفط إلى ما دون كلفة الإستخراج في أميركا (35 دولار) وفي روسيا (18 دولار) لتستفيد بذلك من النقص في الإنتاج وتعوضه بأسعار عالية، وهي التي تتمتع بقدرة إنتاجية كبيرة هي ثمرة إستثمارات هائلة في منصات الإستخراج.

وفي ظل سوق يفوق فيه العرض الطلب، فإن التوقعات بإنخفاض الأسعار إلى حدود الـ 20 دولار للبرميل تبدو صعبة المنال من ناحية أن إستمرار إنخفاض الأسعار ستكون له تداعيات تتمثل بظاهرتين: الأولى توقف منصات الإستخراج في شمال أميركا بحكم أن كلفة إستخراج البرميل تفوق الـ 35 دولار ، والثانية خفض كل الدول المُنتجة للنفط لإنتاجهم من النفط بشكل جماعي وبذلك تكون هناك حركة تصحيحية للأسعار العالمية.

لذا يُمكن القول أن أسعار النفط لن تهبط ميكانيكياً إلى 20 دولار بحكم تأثيرها على العرض.

لعبة نفط مُعقدة

لا يُخفى على أحد أن حرب الحصص التي تخوضها الدول المُنتجة للنفط سواء داخل منظمة الأوبك أو خارجها، هي لعبة خطرة على إقتصادات هذه الدول. وإذا كانت الولايات المتحدة هي الوحيدة التي يستفيد إقتصادها بتقلبات أسعار النفط (نظراً لتنوع هذا الاقتصاد)، إلا أن هذا الأمر ليس حال الدول الأخرى المُنتجة للنفط. فالسعودية التي إستطاعت فرض إرادتها داخل منظمة الأوبك والمحافظة على حجم إنتاج عالٍ، تسعى قبل كل شيء إلى “تركيع” الصناعة النفطية الأميركية والروسية، مُتحمّلةً بذلك عجز موازنة يفوق المئة مليار دولار سنوياً. وتنص التحليلات على أن السعودية التي تعتمد بشكل أساسي في إستراتيجيتها النفطية على سعر كلفة لا يتجاوز العشرة دولارات لإستخراج برميل نفط، لا يُمكنها الإستمرار على هذا الوضع إلا لمدة أربع سنوات بأحسن الأحوال. كذلك الحال بالنسبة لروسيا التي يتآكل إحتياطها من العملات الأجنبية بشكل سريع، وهي التي تُعول على الحرب في سوريا لرفع صناعتها العسكرية، كما وعلى حليفتها إيران التي من المُتوقع أن تتلقّى أموالاً تفوق الـ 130 مليار دولار من المُستحقات. هذه الأخيرة ستُستخدم بشكل رئيسي في الإستثمارات في قطاع النفط كما في شراء الأسلحة. وبذلك تُعول إيران على إستعادة حصتها من السوق النفطية وعلى الإستثمارات الأجنبية لتخطي واقع أسعار نفط مُنخفضة. لكن كما يقول المثل “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”، فإيران بعودتها إلى سوق النفط ستزيد من العرض الذي ترفض المملكة العربية السعودية تقليل حصتها منه، وبعلاقاتها المُتوترة مع السعودية والدول الإقليمية الأخرى – التي تتأثر بالسياسة السعودية – ستخسر الكثير ومعها إعتماد روسيا على هذا الحليف. وبالتالي فإن إيران التي ترى أن أحلامها بإقتصاد مُزدهر تتبددّ مع تصادم سياساتها الإقليمية بسياسات جاراتها الخليجية، تظهر عاجزة اليوم عن تخطي مُشكلة النفط الذي يعتمد عليه إقتصادها.

ويبقى القول أنه وفي ظل إستمرارية ضعف أسعار النفط، فإن الشركات النفطية ستعمد إلى صرف قسم كبير من عمالها بسبب ضيق أفق القطاع حالياً. من هذا المُنطلق، نرى أن الواقع الحالي سيستمر على ما هو عليه إلى حين الوصول الأوضاع إلى نقطة من ثلاثة: (1) وقف إنتاج النفط الصخري في الولايات المُتحدة الأميركية ما يُقلل العرض حكماً ويرفع الأسعار إلى أكثر من 70 دولار أميركي للبرميل الواحد. (2) قرار جماعي لكل الدول المُنتجة للنفط لخفض الإنتاج وبالتالي ارتفاع الأسعار مع مفاوضات على الحصص. (3) تطور تكنولوجي يُقلل من كلفة إنتاج النفط الصخري ما يعني تغييراً بُنيوياً في هيكلية أسعار النفط العالمية. ويبقى السيناريو الأخير قليل الإحتمال إلا إذا كانت الولايات المُتحدة الأميركية تُعد مفاجأة للسوق النفطي.

وفي كل الحالات ستستمر الخسائر الاقتصادية والمالية على الدول المُنتجة للنفط بحكم إعتماد إقتصاداتها على النفط بشكل أساسي.

المدن

 

 

وأخيراً صحوة العرب../ بول شاوول

لو كان لي أن أختار «شخصية العام 2015« لما ترددت في تسمية «صحوة العرب» أو «عودة العرب» إلى رد التحديات التي تواجههم راهناً، وهي مصيرية، كيانية، تاريخية، وجغرافية وسياسية وثقافية. فمنذ «عاصفة الحزم» (وقبلها دعمها السعودية للبحرين) تراءى لنا، أن العرب، وفي المقدمة دول الخليج واستطراداً مصر، وتونس ودول «التحالف» (39 دولة) لم تجد بداً من التصدي لهذه الهجمة الشرسة التي تتعرض لها من لبنان، إلى اليمن، إلى البحرين، إلى سوريا، والعراق.. وصولاً إلى الكويت والسعودية. كأنها استباحة شاملة، لا مثيل لها، تنظمها اسرائيل وإيران وتباركها روسيا وأميركا. الغاء العرب، دوراً ووجوداً وأرضاً، كأنما نتذكر شعار اسرائيل في فلسطين «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». وإذا كانت الصهيونية قد عجزت لأسباب كثيرة، عن تنفيذ مخططاتها التوسعية (اسرائيل الكبرى) وتقسيم العالم العربي كانتونات ودويلات مذهبية متصارعة، لطمس كل الجذور والأزمات التي تربط هذا الشعب، فها هي إيران (النيو صهيونية) تبدأ من حيث انتهت الدولة العبرية بكل الدروس التي تعلمتها منها، والأساليب والحروب والفتن والشرذمة. وكما كانت أرض العرب «سائبة» بالنسبة إلى الصهيونية وملعونة، فها هي إيران ترث هذه النظرة الدونية المليئة بالعنصرية والكراهية والانتقام والعنف. وكما لعبت الدولة الصهيونية على تناقضات المجتمعات العربية والأقليات (اللعبة ذاتها استخدمها الاستعمار العثماني والغربي) فها هي إيران، تحاول عبر قشرة مذهبية، تمزيق هذه الوشائج. لا روابط بين العرب والمسلمين، والأقليات والإثنيات، فلنجعلها حرباً بينهم.

ولأن أقرب المسالك تعيين المذهبية وسيلة لاختراق الشعوب وزرع الفتن بين هذه الشرائح (العربية أصلاً) وبين كل ما حولها: انها تُصدّر ثورة الخمينية التي تحولت من «ثورة عالمية إسلامية»، إلى مجرد فتن وحركات خوارجية وشعوبية لاقحام نفوذها، وفتح الطرق للانفصالات الكبرى بين شعب وشعب، بين قبيلة وقبيلة، بين دسكرة ودسكرة، غير عابئة لا بالحدود ولا بالقوانين ولا بسيادة الدول ولا بتاريخها: الانسان الجديد بالنسبة إلى إيران، هو الذي يقف على انقاض كل الانجازات العربية. هو «الشيعي» حيث هناك شيعة و»القاعدي» حيث هناك قاعدة، والبعثي حيث البعث ذو مواصفات مذهبية: فلنبدأ مع العرب من «الصفر إلى الصفر» وعلى هذا الأساس يجب تحويل كل صراع في المنطقة صراعاً تفتيتياً من الظواهر الفكرية والقومية والديموقراطية والثقافية وصولاً إلى التقاليد وتحقيقات الحداثة والتنوير. لا شيء من كل ذلك.

[لا عرب

فلا نهضة ولا تاريخ ولا إسلام ولا مسيحية ولا أكراد ولا كلدان ولا شيوعيون ولا ماركسيون ولا قوميون عرب ولا معرفة ولا مستقبل: محو التاريخ حتى بحاضره. فما بالك بماضيه وصيرورته. فالعرب، بالنسبة إلى العنصرية الفارسية هم شعوب مختلفة وبربرية (أَكلة جراد، حفاة، أميون…. جائعون) وليس لهم أي علاقة لا بالحضارة ولا بالتقدم ولا بالعلم. (سبق أن شبه أحد القياديين الاسرائيليين العرب بالحشرات التي يجب سحقها). لكن هذه النظرة السوداء للعرب لا تختلف عن نظرتهم إلى «الإسلام» نفسه، أي إلى السُنّة، أي إلى العربية، منذ الأمويين حتى صدام حسين، مروراً بالسعودية، والخليج وسوريا وتونس والجزائر وليبيا… ولبنان.

فهذه الأكثريات يجب تمزيقها وتهجيرها والحاقها بما تستحق من تنكيل، واحتقار وإبادة. فالعِرق الفارسي لا يختلف كثيراً عن العِرق الآري: وإذا «كان الله جعل من اليهود شعبه المختار» فالله أيضاً والآلهة الفارسية جعلت من العِرق الفارسي عِرقاً متفوقاً على المسلمين والعرب: ها هي حصيلة «الثورة» المُصدّرة: تحييد اسرائيل عن المواجهة، الاستفادة من أميركا (واليوم من روسيا) وتعيين العرب عدواً «أبدياً» لهم. لكن تحييد اسرائيل يعني عمقاً اقامة حلف سري معها، لكي ينفذا معاً ما من شأنه تقسيم هذه الأمة، واختراقها من خطين «هِلال شيعي صهيوني» و»اسرائيل كبرى» مذهبية يلتقيان ربما في «الحل الأخير» (وهذا ما استخدمه هتلر في حربه ضد العالم فاسرائيل: ايران واذا عدنا إلى الغزو الأميركي للعراق بقيادة بوش الابن، تتوضح لنا بعض ملامح تلك الصورة: اجتياح العراق واسقاط أول نظام عربي سني منذ ألف عام. ومن الطبيعي، في مثل هذه الهواجس أن يُؤخذ العراق ويسلم كله لدولة الملالي ليعتبره بعض الفرس «ولاية إيرانية» وُهبت الدولة العربية بشعبها وأرضها للمشروع الإيراني. لكن أين العرب؟ لا شيء! غرقوا في النشاطات والمداولات الديبلوماسية والاعلامية والصراعات وإيران تمعن اثناء ذلك في فرسنة البلد العربي (كما فرسنت الأهواز) وتهجير السكان واعتماد سياسية «الترانسفير» والاغتيالات والمجازر.

[التوسع

لا عرب! عال! إيران مطمئنة انها يمكن أن تكمل خطها في استباحة دول عربية أخرى ما دام العرب غافلين أو عاجزين أو مكبلين أو غير جاهزين. فلنتوسع إذاً إلى اليمن: فالشرائح التاريخية والمذهبية هناك قابلة لمثل هذه الحروب الداخلية. فلننتهكها ونصادرها ونجعلها ولاية من ولاياتنا. وهكذا كان للحوثيين أن يلعبوا لعبة الغلبة والحروب بعدما حوّلوا الثورة اليمنية التي خلعت علي صالح، صراعاً مذهبياً. لا ثورة ولا من يثورون. لا ديموقراطية ولا ديموقراطيون. هذه الثورة العربية ملعونة، فلْنمْسَخْها ونمحُ آثارها. فلنُعطِ الشعب اليمني ما يستحقه: العنف والتدمير والتقسيم والعمالة… خصوصاً وأن اليمن على حدود السعودية. فاليمن ليس أفضل من سوريا ولا من العراق. فها هي سوريا… اليوم، كما يشتهيها نظام الملالي، والحرس الثوري و»المرشد» الأعلى، لم يبقَ منها شيء: لا ثورة ، انطلقت من درعا ولا ديموقراطية شعبية ولا نظام عروبي ولا انتخابات ولا حتى شعب! تبدأ سوريا بحسب إيران بممارسة «السلم» عندما يُهجّر شعبها ويستبدل بشعب آخر. والشعب الآخر متمثل بالأقلية «العلوية» الشيعية، التي ستسود فوق انقاض الـ20 مليون عربي وسني ! فليذهبوا إلى الجحيم! وليغرقوا في البحار. وليتشتتوا في جهات الأرض… انها أفدح عملية منذ الحرب العالمية الثانية ومنذ قيام الكيان الصهيوني. فما تفعله إيران في سوريا وقبلها في العراق( يعادل ما ارتكبته اسرائيل باسم حقها الإلهي التوراتي في فلسطين. ومن ينظر إلى الخريطة العربية لا سيما السورية، يكتشف بلا عناء، أن ايران (ووراءَها اسرائيل) تعود إلى نظرية «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض». لا شعب في سوريا، ولا ناس ولا سكان ولا وجود: الخلاء المطلق يستتبع الغزو المطلق والاستباحة المطلقة: سوريا لم تعد لا سورية ولا عربية ولا حتى ضمن خريطة أو هوية او هويات، أو مسمى أو مسميات: كلُّ يغزوها بما تيسر له من طموحات ومطامع والوافدون بلا حدود: من إيران إلى تركيا إلى روسيا، فأميركا فإلى داعش والنصرة… كل العالم بات له موطئ قدم وساحة قتال ما عدا العرب، أقصد ما عدا العرب المسلمين الأكثريين.

[أين هم؟

لكن أين هم العرب؟ أين هم الأكثرية؟ سبق ان تفككت سوريا بوجود نظام آل الأسد، حافظ وآله واقربائه وابنائه بهويتهم المذهبية التي تخلت حتى عن سوريتها وعروبتها: هوية ملتبسة مفتوحة لكل من يريد أن يشارك بتدمير هذا البلد العربي. كأنه الفراغ الشامل. كأنه الخواء تكرسه الأسلحة والانتهاكات الاسرائيلية والروسية والتركية والأميركية. والغريب، انه وبعد التدخل البوتيني وخطف الدور الإيراني بقيت هذه الأخيرة تتصرف وكأنها «المنتصرة» بل كل المشاركين في تدمير سوريا يتصرفون وكأنهم «المنتصرون» لكن في الواقع كلهم عجز عن الحسم. ما زال داعش (وهو مخلوق النظام وايران) موجوداً لا لمحاربة الأسد، بل لتحسين ظروف بقائه: والنصرة موجودة والمقاومة السورية المعتدلة موجودة. والحرب موجودة. كأنه مستنقع اعمق من كل هاوية يتخبط فيه كل هؤلاء: فيتنام جديدة، أو افغانستان، تتكرران على الجميع. بل كأن كل هذه الإمبراطوريات «المسترجعة« من القيصرية الستالينية، إلى «البغدادية» المضحكة ، فإلى الصهيونية المتجددة.. كلها، بلا جدوى. لا شيء! بحيث أصبحت الحروب مجرد مجازات للتخريب، لا للحسم، ولا للجزم ولا لفرض حلول. المفاوضات السياسية تراوح مكانها وكل فريق ما زال يحمل أجندته. إذا كان الأمر كذلك، فيعني أن كل «انتصار» على الأرض بات من دون محصلة سياسية. بل أكثر! حزب الله فشل فشلاً ذريعاً في حربه على سوريا وبات أقل من لاعب ثانوي. الحرس الثوري مقطوعة أخباره، التحالف الدولي يقوم بضربات مجهولة الأثر. المواقع شبه ثابتة على الأرض. يبقى بوتين الذي يلعب بالدم، يصول ويجول : حركة بلا بركة. يجلجل إعلامياً واعتداءاته المكثفة لا تأتي بمردود. الخاسرون كثر حتى الرابحون. أين هيبة إيران وحزبها العميل؟ انهما في الحضيض. ذلك أن بين المقاومين لهؤلاء الغزاة من قرروا المضي في المواجهة. أقلية؟ نعم! لكنها موجودة بحدودها وما زالت تشكل هاجساً لهؤلاء الذين اجتمعوا عليها كلهم، من داعش والروس ونظام الأسد وإيران، لدحرهم وتصفية الصراع بين النظام الإرهابي وداعش الإرهابي على حساب الجيش الحر. لكن عبثاً!

[اليمن

اما في اليمن، فقد أصابت «عاصفة الحزم» العربية الاسلامية صميم الهدف الإيراني المتمثل بالحوثيين. ظنوا ان الاستيلاء على هذا البلد العريق، لن يكون أكثر من نزهة، مسألة ساعات لا أكثر. لكن التحالف العربي الاسلامي بقيادة السعودية انقض على «غزوهم» وانقلابهم، وها هو يسيطر على الأجواء اليمنية، ويخوض حروباً ميدانية يسجل فيها انتصارات مشرفة. بعد الحلم السوري سقط الحلم اليمني للغزاة. صحيح انه لم يتم حسم نهائي لا هنا ولا هناك لكن الصحيح أيضاً والمهم ان العرب دخلوا المعارك بوجوه سافرة، لرد العدوان الاسرائيلي الفارسي الروسي. بات العرب جزءاً أساسياً من المعادلة، بعدما كادوا يتحولون متفرجين، أو منتظرين، أو في «الصفوف الخلفية». ونظن أن هذا الحضور العربي فاجأ ايران وحلفاءها من بني اسرائيل وارهابيي العالم. وقف العرب وقفة جديدة يدافعون عن وجودهم ويسترجعون دورهم التاريخي ويتصدون لكل الذين اجتمعوا عليهم. فالكسالى والغائبون والبلداء (بحسب السيد حسن نصرالله) نفضوا الغبار عن أسلحتهم وقراراتهم وها هم يعينون للمرة الأولى ان إيران الفارسية لا تختلف عن اسرائيل الصهيونية. كأنه رد على الرد. فالفرس بعدما خربوا ما خربوا في لبنان والبحرين وسوريا والعراق واليمن ها هم يحيدون اسرائيل «كعدو» ويستبدلونها بالعرب وتحديداً بالسعودية: يريدون ضرب آخر المواقع العربية الاسلامية في الشرق تحت شعارات متناقضة: محاربة الارهاب تعني محاربة السعودية والعرب ومحاربة التكفيريين تعني محاربة السعودية. ومحاربة اسرائيل تعني محاربة السعودية. استغلال الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية يعني التفرغ لتخريب السعودية. بمعنى آخر يستمر بنو فارس في لعبة بوش الابن واسرائيل، أي ضرب الأكثرية الاسلامية العربية السنية، لمصلحة الأقلية العبرية والأقليات المرتهنة بإيران.

[الحضور

ان الصحوة العربية، وإن متأخرة، تفصل بين زمنين: زمن الاتكال على «الحلفاء» الغربيين، الذي عاد بالفشل على كل القضايا العربية وزمن استنباط المواقف الحرة لمواجهة الأخطار. فالغرب والشرق تآمرا على عبد الناصر في حرب 1967 وتآمرا على لبنان عام 1975 وتآمرا على العراق إبان الغزو الأميركي للعراق، وانحازا إلى اسرائيل في كل المواقف، والاعتداءات وأشكال الغزو في فلسطين وتآمرا على الربيع السوري عندما انحاز أوباما إلى نظام الأسد وها هم جميعاً اليوم ينسقون «ضرباتهم» على سوريا، من بوتين إلى اسرائيل، إلى أوباما، إلى أوروبا. لن أقول ان الشعور العربي بالعزلة، هو الذي قاده إلى الدفاع الذاتي، بل ان الشعور العربي بخيانة هؤلاء هو الذي جعله يختار «نزع الأشواك بيديه» ذلك، ان حسابات «الدول» الصغرى والكبرى لا تبنى إلا على الوقائع المادية العينية، أي الميدانية، بقواعد الصمود والمواجهة واجتراح مكاسب وتضحيات في الحروب وفي اشكال الدفاع عن الذات. هذا ما علمتنا اياه التجارب: «كن قوياً يكن العالم معك». و«كن ضعيفاً ، اتكالياً، يفرنقع عنك». وقد لعبت ايران لعبة القوة والارهاب والتوسع والعدوان كما فعلت اسرائيل في فلسطين ولبنان وفي حرب 1967 و1982… لعبة فرض النفوذ بالقوة وان ظالمة ، أو بربرية، أو مجنونة، لعبتها ايران عبر اعتمادها ارهاب «الدولة» الكبرى، ولعبتها اسرائيل… وها هو بوتين يلعبها في جيورجيا والشيشان وأوكرانيا… وصولاً إلى سوريا. وعندما نقول «فرض النفوذ بالقوة» لا نعني ان يضع العرب والمسلمون مخططاً للعدوان على الآخرين، وانما للدفاع عن أرضهم وحقوقهم ووجودهم: ومن لا يعرف أن هناك اراضي عربية ما زالت تحتلها اسرائيل؟ وكذلك ايران: من منطقة الأهواز العربية المحتلة إلى الجزر العربية الثلاث: طمب الصغرى وطمب الكبرى وجزيرة أو موسى.

ومن لا يعرف ان ايران تحتل أجزاء من العراق وسوريا… ولبنان: وهنا بالذات تتخذ الصحوة العربية شكل الانتفاضة على المحتلين وأصحاب المشاريع التوسعية ومنتهكي الحدود والجغرافيات المحددة، ومغيري الديموغرافيات السكانية بقواعد المذهبية؟

ونظن أن هذه الصحوة العربية بقيادة التحالف الاسلامي العربي والسعودية جذبت إليها انظار العالم كله وباتت تحسب لها الحسابات. لكن الأعمال العسكرية ضرورية وغير كافية. بمعنى آخر، أن الجماهير العربية التي وجدت في هذه الصحوة ما ينعش آمالها هي شريك أساسي في كل خطوة وراصد اساسي لكل خطة، وداعم معنوي ومادي أيضاً. فتكاليف الحروب يدفع ثمنها الناس الذين يباركون هذه المواجهة مع أعداء الأمة وكذلك الجنود والجيوش…

أترى تستكمل هذه الصحوة القيادية بأخرى اجتماعية وسياسية وثقافية، يخرج منها العرب بكثير من الانجازات التي تؤاخي انتصاراتهم الميدانية؟

المستقبل

 

 

 

 

 

أين يمكن أن تنفجر المواجهة السعودية الإيرانية القادمة؟

ترجمة وتحرير أسامة محمد – الخليج الجديد

توترت العلاقات السعودية الإيرانية من قبل. وكان هذا خلال الحرب بين إيران والعراق عندما عبرت طائرتان حربيتان إيرانيتان ما يسمى خط فهد وتم إسقاطهما من قبل طائرات مقاتلة سعودية الأمر الذي أدى إلى مواجهة جوية. وكانت هناك حالة من العنف في 1987 في مكة المكرمة التي قتل فيها 275 من الحجاج الإيرانيين بعد قيامهم بالتظاهر داخل الحرم، مما أدى إلى قيام المتظاهرين الغاضبين في طهران باحتلال السفارة، ونهبها من الغوغاء. وربما يعد تأجير الغوغاء هو سمة من سمات الدبلوماسية الإيرانية.

الفرق هذه المرة هو أن الرهانات أعلى بكثير. من المحتمل أن يكون تنفيذ المملكة العربية السعودية حكم الإعدام لرجل الدين الشيعي الشيخ «نمر النمر» يقصد به محاولة استرضاء المحافظين في المملكة. حيث أرادت الحكومة أن تؤكد من جديد التزامها الديني و المدني ضد الشيعة وتحويل الأنظار عن عقوبة الإعدام لثلاثة وأربعين من أعضاء تنظيم القاعدة.

ولكن قتل «النمر» تسبب في غضب متوقع في طهران، وقام بعض هؤلاء الغوغاء باقتحام السفارة السعودية، وقطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في نهاية الأسبوع الماضي. كل هذا، بينما يحاول الغرب يحاول إقناع إيران بالعودة إلى المجتمع الدولي ووقف أزمة اللاجئين في سوريا. يبدو أن التداعيات هائلة.

نبدأ مع سوريا، حيث المملكة العربية السعودية وإيران تخوضان في الأساس حربا بالوكالة. الرياض تسعى لحشد المتمردين في ائتلاف، في حين تدعم طهران «بشار الأسد». دخل الجانبان منذ فترة محادثات سلام، تعد معجزة في حد ذاتها، ولكن المفاوضات كانت عقيمة. واحدة من أكبر العقبات ببساطة هو أن السعوديين والإيرانيين لا يثقون في بعضهم البعض. ولذا نتوقع مزيد من الصعوبة في المفاوضات.

البحرين يمكن أن تكون بؤرة أخرى. الدولة الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليون فقط، وحيث تحكم الأغلبية الشيعية من قبل النظام الملكي السني. وقد تم محاولة محاكاة الثورة الإسلامية، من مجموعة من البحرينيين حين حاول رجال الدين الشيعة وفشلوا في تثبيت دولة ثيوقراطية في عام 1981، واتهمت البحرين النظام الإيراني بالتدخل في شؤونها منذ ذلك الحين. وقد تدخلت المملكة العربية السعودية في البحرين أيضا، حيث نشرت قوات هناك في عام 2011 لقمع المحتجين إبان الربيع العربي. وعندما حدث التراشق السعودي الإيراني مؤخرا، نزل الشيعة في البحرين إلى الشوارع حيث كانت ولا زالت في استقبالهم خراطيم المياه.

ولكن ربما تكون الساحة الأبرز لظهور تداعيات الخلاف هي الحرب ضد «الدولة الإسلامية». وكانت أفضل طريقة لهزيمة في الشرق الأوسط هو أن يقوم السنة والشيعة بوضع الخلافات جانبا والعمل، على الأقل مؤقتا، ضد عدو مشترك.

وقد كان الحديث عن هذا الهدف يبدو أمرا مبتذلا قبل أحداث نهاية الأسبوع الماضي. واليوم يبدو بعيد المنال أكثر. وقد أظهرت الأحداث أن المملكة العربية السعودية المهووسة من التوسع الإيراني، قد عمل الهجوم على السفارة على تعميق جنون العظمة لديها، وحثها على تعميق عزلة إيران عن العالم العربي. وسيتم تخصيص المزيد من الطاقة للحرب طائفيةن والقليل منها للحرب ضد «الدولة الإسلامية».

المملكة العربية السعودية وإيران هما دولتان بالنسبة إلى الغرب، لأن لديهما الجيوش الأقوى في الشرق الأوسط بعد (إسرائيل)، ولأنهما اثنان من الحصون الأخيرة المتبقية من أجل الاستقرار في المنطقة، والأهم من ذلك، لأنهما مستودعان للقوة السنة والقوة الشيعية.

المملكة العربية السعودية هي مركز الأثرياء السنة في دول الخليج، في حين أن ملصقات «آية الله الخميني» يمكن أن تشاهد في مناطق بعيدة كما في لبنان. والهجوم على أي واحد منهما يتردد صداه أبعد من حدوده ويزيد من خطر العنف الطائفي في منطقة نفوذهما.

لأن كلا من الدولتين هما جزء لا يتجزأ بالنسبة للأمن الإقليمي، فإن الأمور تصبح أكثر صعوبة عندما يكونان يضربان في رقاب بعضهم البعض. وكجزء من الجه الذي ينبغي بذله في هذا الصدد، فإنه يجب دعم العناصر المعتدلة في إيران مثل الرئيس «حسن روحاني». «روحاني» قد أبحر بدقة في الأزمة الحالية، وشجب كل من الهجوم على السفارة وتنفيذ إعدام «النمر». حتى الآن، ويبدو أنه قد نجا من غضب وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة.

ولكن مع الانتخابات البرلمانية التي تلوح في الأفق في فبراير/شباط، وانتخابات مجلس الخبراء (وهو الهيئة التي سوف تختار المرشد الأعلى المقبل)، فإننا نتوقع أن المتشددين سيصعبون مسألة التقارب مع العالم، وكما عرض «جون ألين غاي» مراسل «ناشونال انترست» أمس، فإنه ربما تم تنسيق الهجوم على السفارة لهذا الغرض فقط.

من واشنطن الى المنامة، هناك القليل جدا من الأمور الجيدة التي يمكن أن تنتج عن هذه القطيعة الدبلوماسية. لذلك ما ينبغي القيام به من جانبنا هو أن تتجاهل الولايات المتحدة أمثال «ماركو روبيو» الذي يعتقد أن الحل بسيط ويتمثل في «الوقوف مع حلفائنا»، ولاسيما أن حلفاءنا قد تجاهلوا نصيحتنا في المسألة بعدم إعدام «النمر» في المقام الأول.

بدلا من ذلك، ينبغي أن تأخذ واشنطن نهجا متوازنا، في إخماد التوترات على كلا الجانبين، وأن تعمل على تعزيز العلاقات السعودية الإيرانية لتنتقل من حالة العداء إلى حالة التنافس. وهذا يعني أنه لا مزيد من الاستفزازات ولا مزيد من استئجار الغوغاء.

المصدر | ناشيونال إنترست

 

 

 

النمر النمر النمر../ أحمد عمر

يفاجئني احتفال بريطانيا التي لا تغيب عنها الشمس، بالعميل رقم 7، نبيها جيمس بوند، بلا كلل ولا فتور.  ليس هذا مربط الفرس ولا النعامة ولا العنكبوت، فدهشتي لا تقل بالمندبة الشاملة في  فضائيات آية الله كسرى أنوشروان، على نمر النمر، صورته حلت محل شعارات الفضائيات!  كأنه الحسين الثاني. سنتذكر ما قاله أديب اسحاق شعراً: قتل امرئٍ في غابةٍ، جريمةٌ لا تُغتَفر، وقتل شعبٍ آمنٍ، مسأَلةٌ فيها نظر.

اطلعت على سيرته الذاتية، وشاهدت أشهر فيلمين متداولين له، الأول يعتبر فيه النظام السوري ظالماً، حقاً وإيماناً، أو خلطاً لمرق الباطل بلبن الحق، والثاني وهو يندّد بالسنة الذين يعتبرون أبا طالب مات على الشرك، وكذلك والدي الرسول عليه الصلاة والسلام.  بالنسبة لأبي طالب هذا صحيح في معظم الروايات، أما الثانية ففيها كلام واجتهاد، والغالب أن أهل السنة والجماعة يعتبرونهم من أهل الفترة . كلا الاجتهادين ليسا من أركان الإسلام ولا من أركان الإيمان، ولا يدخلان في جنس العبادات ولا في  نوع المعاملات. وتلك أمة قد خلت..فعرفت أمراً  مهماً هو : أن نمر النمر مثل بقية الندابين عليه، كسروي الدين، ينادي بنظرية الدم والنسب ظالماً أو مظلوماً، مؤمناً أو مشركاً، ولهذا يقاتلون على شرعية الأسد العلماني البعثي، وهو ليس من آل البيت!.

ننتقل إلى  فرش مقالنا وهو: قرابات الأنبياء والصالحين والرموز، ويقع في شبهتها كثير من كبار المفسرين والرواة مثل الثعلبي صاحب عرائس المجالس الذي يقول لو أن إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام عاش لكان نبياً! وهذا غير صحيح بالقرآن الكريم و بالسنة،  فوالد إبراهيم عليه السلام كان مشركاً بنص القرآن الكريم، وابن نوح مات مشركاً بنص القرآن الكريم،  وتجتهد وكالات أنباء عربية رسمية ووصيفة في الدعاوة  والتوطئة لأقرباء الرموز المعاصرة، كالاحتفاء الكبير بجمال البنا شقيق حسن البنا، الذي رحل مؤخراً،  لنزع رمزية شقيقه الشهيد، وكان جمال كاتباً عادياً يقول رأياً، وليس بمجتهد ولا فقيه، والرأي آفته الهوى، وقد علق في دبق الأضواء  الحلو حتى صارت هوايته السباحة في أضواء الفضائيات سباحة فراشة وسباحة كلب وسباحة فقمة. واختلقت هذه الفضائيات حفيداً للسيد قطب للإفك عليه، وسيد قطب استشهد عزباً، لم يضع سوى خاتم المشنقة في.. رقبته!

وكان السيسي يحرص على  اكتساب الشرعية السياسية من مودة آل عبد الناصر، يلتقط معهم الصور التذكارية، فيشرع لنفسه بخاصة المس واللمس، وفي الوقت ذاته يفُرح آل الناصر الذين يبيعون إرث أبيهم، حتى لم يبق منه شيء، فغزة محاصرة وإسرائيل باتت صديقاً وحليفاً في الحرب على الإرهاب. نذكِّر ندابي سيد الشهداء الثاني؛  نمر النمر، أنّ أبا لهب أيضاً كان هاشمياً ومن آل البيت فرع العمومة، والعمومة عند العرب أنسب من الخؤولة، لكن القرآن الكريم خلّده في سورة المسد، في نار ذات لهب، حتى يعرف هؤلاء أن لا قرابة للنسب بالحق والباطل. الحق يعرف بالحق لا بالنسب ولا بالحسب، ولا بالرجال ولا بخصر هيفا وهبي،  ولا بنجومية رغده،  فالخصور، التي تضمُّ مسكاً إلى الشطور، من عدة الشرعية في هذه الأيام!

يقال أن السيسي، التماساً للشرعية الوراثية حاول أن يدعو أحمد فؤاد ابن  الملك فاروق آخر سلالة محمد علي إلى فتح قناة السويس، ثم استغنى عنه بيخته الملكي، فاليخت من إرثه الملكي عدة الشرعية إذا لم تكن الشرعية من الشعب، فستؤخذ من السلاح أو الذخائر أو المراسيم أو الراقصات.

وبما أن الشرعية المعاصرة في مصر هي ملكية فرعونية، والفريق الخصم هو فريق إسلامي، يلهج دعاة الفرعونية يومياً  بالفراعنة، ويشطحون نفاقا ويزعمون أن عبد الفتاح  اسم فرعوني ( عمتاح، أو سوس غنج ودلال ونور عينينا آمون..)، فبحمد الله لم يدعِ أحد أن له جذراً من آل البيت، فأن تكون منسوبا إلى الإسلام تهمة، والغريب أن فضائيات ايران تحتفل بالسيسي  محاصر غزة، وكأنه المهدي المنتظر!

وكان مروان شيخو خوفاً، أو  وطمعاً في بعض المكاسب الصغيرة مثل تسهيلات جمركية قد نسب الأسد إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها، والأسد ينظر إليه ساخراً وهو يقول في سره: سأجعلكم ترقصون على العجين وتقلدون رقصة الصبية،ومشية العجوز الميتة من الجوع، والهيكل العظمي يا أبناء معاوية وصلاح الدين!

بمكره و حقده استبقى الأسد نجاح العطار رهينة، ومنحها كرسياً فخرياً في السلطة التي لا يعرف أحد أين روحها فسلطته بسبعة أرواح مثل الثعبان . عندما اندلعت الثورة ظهر الناشط عمار عبد الحميد في الفضائيات، ولم يكن أخو أخته يجرؤ على الظهور، فمنح الأسد منى واصف جائزة وسام رئيس الجمهورية، فخرجت وهي تعلن أنها عادت طفلة، فرؤية الرئيس اكسيرٌ للشباب، ولو كنت  لعدت نطفة مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ فرحا بسدرة المنتهى.

الفنان رفيق سبيعي، وهو على حافة القبر، ظهر في برنامج يومي على الفضائيات يحكي مواويل بالشامية، طمساً لانضمام ابنه إلى ثورة شعبه، أحيانا تمتد شرعية النسب الدموي السلالي إلى النسب الحزبي مثال ذلك : الهلباوي والخرباوي اللذين غديا نجمين لأنهما منشقان عن أقوى حزب عربي على الإطلاق: الإخوان المسلمين، وريث السلطنة العثمانية القريبة زمنا، ووريث الخلافة البعيدة زمنا . اختلقت الفضائيات منشقَين عن الإخوان،  فعاشا سعيدين ،من غير جاذبية أرضية، في الفضائيات صباح مساء؛ خطابهما ركيك وفاحش، وافترائي، بل خياني أحياناً، فالهلباوي اعتبر خامنئي إماماً للمسلمين!

عبد الحليم خدام عندما انشق وقف الشارع السوري على قدم واحدة ليسمع ما يقوله،  لكن الرجل بقي بعثياً  له قدم في الماضي وقدم في المستقبل، كان قد شاخ ولم يكن يعرف الكثير من أسرار السلطة. بيَّن فاروق الشرع  المسكين بدوره أن غريمه خدام لم يكن ثانياً ولا عاشراً في النظام، كان للعرض فقط مثل المأكولات التي يصنعها اليابانيون من البلاستيك ويلونونها عرضا وراء زجاج المطاعم لإثارة اللعاب. عدواة خدام كانت مصدرا لشرعية  الشرع وحسن ولائه!

في الف ليلة وليلة ، يأكل التاجر تمراً، فيقذف نواتها  قذفا بنابض اللسان وقوس الزفير، فيظهر له عفريت من الجان ويقول : قتلت ابني! وكان اسمه نمر النمر!

عفاريت ايران كلها تلطم على ابن العفريت، حتى البعثيون السوريون نصبوا له سرادق عزاء في مجلس الشعب!

ثمت فيديو لشيخ عراقي  إيراني الولاء، يقول فيه: لو أنّ الله خيرني بين الجنة وبين البقاء في الدنيا للبكاء على الحسين لفضلت الدنيا!

السعودية ، حقا أو باطلا، قتلت ابن العفريت. وفارس تدعو لطما وعويلا لكربلاء ثانية .

المدن

 

 

 

لا منتصر في المذهبية/ سميح صعب

تنذر المواجهة السعودية – الايرانية بنقل الاهتمام الدولي من سوريا واليمن الى نقطة اشتعال اكثر اتساعاً وخطورة. فالمواجهة سائرة نحو الاصطدام المذهبي والحرب الطائفية مهما غُلفت المرحلة بعناوين سياسية. والاخطر من كل ذلك ان الصراع المذهبي سيشكل قوة دفع للتنظيمات الجهادية ولا سيما منها “داعش” و”القاعدة” ويعرقل الجهد الدولي المبذول حالياً لمكافحة الجهاديين وخصوصاً في سوريا والعراق.

لذا فإن من شأن الصراع السعودي – الايراني المتصاعد إجهاض الحوار السوري – السوري قبل ان يبدأ في جنيف ويقضي على أي أمل في سلوك طريق الحل السياسي سبيلاً لمعالجة الازمة السورية. وهذا ما يثير شكوكاً في أهداف تأجيج الصراع وقت التقت مصلحة الولايات المتحدة وروسيا للمرة الاولى منذ خمسة أعوام على ضرورة انهاء الحرب وانعكس ذلك في القرار 2254 الذي أصدره مجلس الامن حول الحرب السورية للمرة الاولى منذ خمسة أعوام. فهل ثمة من لا يريد للحرب ان تنتهي في هذا الوقت أو قبل تحقيق ما كان بعض الاطراف الاقليميين يصبو الى تحقيقه منذ خمسة اعوام ولم يفلح في ذلك؟

كثيرة هي التساؤلات التي تثار حول العلاقة بين تصعيد التوتر السعودي – الايراني في هذا التوقيت بالذات.

على ان الحل السياسي لسوريا ليس هو الذي سيتضرر من مناخ التصعيد المذهبي، بل ان العراق الذي يكافح من أجل القضاء على “داعش”، لن يكون بمنأى عن انعكاسات هذا التصعيد عليه.

كما ان ايران التي تعد نفسها لفتح صفحة جديدة مع العالم بعد توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة دول 5 + 1، لن يمكنها المضي في طريق العلاقات الطبيعية مع الخارج اذا ما اشتد أوزار الصراع المذهبي في المنطقة ووجدت طهران نفسها تخرج من عزلة دولية لتدخل في عزلة اقليمية يفرضها اتساع نطاق الحلف الذي تقيمه السعودية ضدها.

ولا حاجة الى التذكير بالتأثيرات التي سيخلفها اتساع المواجهة المذهبية على ساحات خليجية تضم اقليات شيعية. وكل هذه الساحات مهما بدت محصنة لا يمكن التنبؤ بما سيكون وضعها مع تصاعد التوتر.

وقصارى القول أن المرحلة المذهبية ستزج بالمنطقة في أتون صراعات لن يكون أحد بمنأى عنها. وما اليمن وسوريا والعراق سوى البداية وهي نماذج لما يمكن ان يلحق ببلدان أخرى اذا لم يتم تدارك سياسة الهاوية المتبعة الان. وفي الحروب المذهبية العبثية دمار متبادل وخراب متبادل ولن يكون ثمة رابح إلا اسرائيل.

النهار

 

 

إعدام الشيخ النمر والأزمة السعودية الإيرانية/ د. يحيى مصطفى كامل

■ تحتل الأزمة المتصاعدة بين المملكة السعودية والجمهورية الإيرانية محل الصدارة من حيث الاهتمام على المستويين العالمي والمحلي، عن استحقاقٍ بكل تأكيد.

كلٌ لأسبابه الخاصة ومصالحه وإن تشابكت هذه نظراً لما تمليه الجغرافيا السياسية من محورية هذه البقعة من العالم وثرواتها، وعلى رأسها النفط، وما ترتب على ذلك من اعتباراتٍ تاريخية.

والشاهد أنه بينما أكتب هذا المقال فإن هذه الأزمة تتصاعد، وقد عبر أحد الصحافيين المرموقين عن رأيه في جريدة «الشروق» المصرية في أن الدول الكبرى، وهو بهذا يعني في المقام الأول الولايات المتحدة وروسيا ومن ثم الصين وأوروبا، لن تسمح لذلك التوتر المتصاعد، أو بمعنى أدق لدفقة السخونة تلك في صراعٍ ممتدٍ لعقود بين الدولتين اللتين تتنازعان على صدارة العالم الإسلامي، من عرقلة تفاهماتٍ لم تعد سراً بينها على وضع حدٍ للمأساة السورية الدامية البائسة الممتدة، ليس حرصاً على أرواح السوريين، وإنما لتصفية أزمة اللاجئين، التي باتت تشكل عبئاً على عدة دولٍ أوروبية من الناحية الديموغرافية، وهاجساً أمنياً من جهةٍ أخرى، وهو ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمخاوف من الإرهاب والحرب عليه. وقد رأى الكاتب أن خطوطاً حمراء ستوضع، وأن الطرفين سيجبران على الالتزام بها، لأن اللاعبين الكبار لن يقبلوا بأن تضار مصالحهم لما يرونها ترهاتٍ ومكايداتٍ بين القوتين الإقليميتين. وقد أكد جون كيري كلامه في تصريحٍ يحمل المضمون نفسه، بيد أن ولي ولي العهد السعودي خرج علينا هو الآخر بتصريحٍ ألطف وأظرف عما يراه من تراجعٍ للدور الأمريكي في المنطقة، وانصرافٍ أو عزوفٍ عنها وكأنها شكوى مقَّنعة عاتبة وغير مصدقة لذلك الهجر؛ نسخته الخاصة من «ما يصحش كده» تلك الكلمة التي أضحت من مأثورات الرئيس السيسي.

قناعتي الشخصية أن التطورات الأخيرة والتصريحات التي ذكرت تحمل في ثناياها المفتاح لفهم الكثير ( إن لم يكن كل) المتغيرات التي شهدتها منطقتنا طيلة السنوات الماضية، الحافلة بالآمال والآلام والإحباطات والأحلام المسروقة والفرحة المحبطة، وما يشهده العالم المتغير من حولنا، ومن أجل ذلك ينبغي لنا أن نزيل من على أعيننا غشاوة المؤامرات الكونية، فنعود للواقع بحقائقه ومصالحه ونؤمن عوضاً عن ذلك بالتفاعلات.

لقد شهدت بلداننا ثوراتٍ وحراكاتٍ شعبية حقيقية طال استحقاقها نتيجة فشل بنى وهياكل الدول والأنظمة التي حكمت منطقتنا بعد التحرر من الاستعمار، وفق خرائط وتقسيماتٍ خلفها لنا؛ لن أخوض هنا في شأن هذه الثورات ومآلاتها التي تغلب عليها التعاسة، وإنما يعنيني أن ذلك تزامن مع متغيراتٍ عميقةٍ في توازنات القوى العالمية، فأمريكا المرهقة من جموحها وورطاتها في حربها على الإرهاب (لاحظ تكرار هذه الكلمة في كل ديباجة) باتت تدرك تعاظم الدور الصيني وتطلعات رجل الكرملين القوي، لاستعادة دورٍ لروسيا كوريثٍ شرعي للاتحاد السوفييتي محمولاً على موجة ثراءٍ من النفط والغاز، ومن ثم أدركت أيضاً وفق منظورٍ واقعي حاجتها لتوجيه طاقاتها صوب تطويق وتحجيم ذلك الصعود الصيني، بما يعني عدم مقدرتها، وفق ذلك المنطلق الواقعي أيضاً، الاستمرار في النهج نفسه من التورط في خلافات الشرق الأوسط؛ فثمة تطورٌ آخر يلعب دوراً فاصلاً في هذا السياق، هو تلك الوثبات في سوق الطاقة التي أحرزتها أمريكا نتيجة تطوير آليات وتقنيات استخراج الغاز بالتكسير تحت الضغط من طبقات الأرض العميقة، الأمر الذي يعني من الناحية العملية تضاؤل حاجة الولايات المتحدة للنفط العربي وربما الاستغناء عنه في المستقبل.

يفسر ذلك الصفقة مع إيران، ذلك البلد الأهم والأصعب مراساً في الخليج والمنطقة الذي أثبت أحقيته وحرفيته كلاعبٍ سياسي خرج رابحاً من حماقات الآخرين، لقد أدركت أمريكا أن التحرش بإيران مبهظٌ للغاية وقليل المردود، في ضوء قلة الاحتياج للطاقة التي أسلفنا، وربما كان من الأحكم كسر حدة وشراسة وجموح النظام الإيراني باحتوائه في السوق الرأسمالي بما يفتح ذلك من فرصٍ للاستثمار الغربي أيضاً. أجل إن منطقة الشرق الأوسط تشهد ذوباناً يوازي تغيراتٍ سياسية واجتماعية داخل الكتل السكانية التي تعمرها وتعكس نهاية نظامٍ عالمي بأشمله.

لقد شعرت السعودية وسائر مشيخات الخليج بأن الاتفاق مع إيران يأتي على حسابهم، وهو كذلك بالفعل. وبعد أن يئسوا من إقناع الولايات المتحدة بالعدول عن رأيها، فقد قرروا المضي وحدهم، خاصةً في ضوء ما يرونه من تمددٍ إيراني في كل مكان حتى ليحيط بهم.

المفارقة المحزنة والمضحكة في آنٍ معاً هو كون الطرفين يلعبان على أرضية صراع الهويات الدينية، تلك التي استخدمتها المملكة السعودية في ستينيات القرن الماضي في استراتيجيةٍ منسقةٍ مع الولايات المتحدة لاحتواء المد الناصري، حتى جاءت الثورة الإيرانية لتزايد عليها في هذا المجال، وتضيف مفهوم تصدير الثورة، فانقلب السحر على الساحر. والمقولة نفسها تنطبق على بن لادن والتفجيرات التي هزت المملكة ممن زايدوا على الأسرة المالكة والنظام بالكفر.

صراعاتٌ عبثية أخرجتنا من التاريخ، من السذاجة تصديق أن إحراق القنصلية السعودية في مشهد محض رد فعلٍ شعبي أيضاً. الطرفان يحاولان إثبات صلابتهما ورباطة جأشهما، ولكنهما يغرقاننا أكثر في ذلك المستنقع، ذلك الكابوس الذي يمثل أبشع ارتكاسٍ لكل محاولات النهوض بما يعنيه من معانٍ حديثةٍ طال استحقاقها من المساواة وحقوق المواطنة التي تتخطى الطائفة والعرق واللون.

٭ كاتب مصري

القدس العربي

 

 

 

استئناف العلاقات السعودية الإيرانية حاجة ملحة/ كلوفيس مقصود

كان مقالي في “العربي الجديد” في اليوم الأول من العام الجديد، “إيحاءات واعدة لعام 2016” من باب التنمي، استناداً لما تحقّق في أواخر 2015، أكثر مما كان مستنداً إلى وقائع، غير أن هذه التمنيات تقلصت بصورة صادمة عند انتشار نبأ إعدام 47 شخصاً في المملكة العربية السعودية، من بينهم الشيخ نمر باقر النمر. استولد هذا الحدث مواقف متوترة وردات فعل عنيفة، أبرزها اقتحام السفارة السعودية في طهران، والذي استنكره الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ما أدى إلى ضبط الشارع الإيراني. وردت المملكة على ذلك بقطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية والجوية مع الجمهورية الإسلامية، ما فسره بعضهم على أنه قرار ينطوي، في جوهره، على مزيد من التوتر السني – الشيعي في المنطقة، والذي نأمل في أن يكون عابراً.

يشكل ما يحصل في العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران عاملاً يحول دون حل الأزمات المتكاثرة في المنطقة، ومنها الأزمة السورية والحرب في اليمن، ويجعل من إسرائيل، وهي الخطر الأكبر على المنطقة، المستفيد الأكبر مرحلياً من هذا التوتر. لذا، علينا الإسراع في تقديم مبادرات عربية ودولية فوراً، لنضع حداً لهذا الاستقطاب العدائي الحالي، وأن ندرس، بعمق وبسرعة، الوسائل الناجعة التي من شأنها إيجاد الحلول للأزمة بين هاتين الدولتين الرئيسيتين، حتى تتمكن الدول العربية من إعادة تركيزها على القضية المركزية، فلسطين. ومن المعروف أن إيران تساند الشعب الفلسطيني بشكل واضح، ويجب أن يسرّع هذا العامل في إعادة اللحمة بين البلدين. كما أن نزع فتيل هذا التوتر سيؤدي إلى تسهيل حل الأزمات التي تعصف بالأمة العربية، والتي تفاقمت، أخيراً، كما هو حاصل في سورية واليمن وليبيا، والتي قد تمكن جامعة الدول العربية، عندئذٍ، من استرجاع دورها في تأمين الاستقرار في الدول العربية، ومن ثم بين الأمة العربية وجيرانها، وفي طليعتهم إيران وتركيا.

نعلم من خلال ما عانينا منه، في المرحلة الماضية من تاريخنا المعاصر، أن أي نزاع في المنطقة يعالج من منطلق وحدة المصير الذي هو، في نهاية المطاف، قدرنا، وعندما يدرك المجتمع الدولي جدية التنسيق بين القوى الإقليمية، فإن ذلك يقفل الباب أمام التهجمات الغربية علينا. وقد برزت في الصحافة العالمية مقالات تخطت مجال النقد الذي يمكن أن يكون مقبولاً، وأضحت تهجماً وافتراءً، سواء في العناوين أو في المضامين، كما حصل، مثلاً، في افتتاحيات “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” في الأيام القليلة الماضية.

إلا أن ما يشير إلى احتمالات جدية في وضع حد لتنامي النزاع، محاولات العراق الجادة

“علينا الإسراع في تقديم مبادرات عربية ودولية فوراً، لنضع حداً لهذا الاستقطاب العدائي الحالي بين إيران والسعودية” للتوسط، كما أن سعي الرئيس روحاني إلى تخفيف حدة التوتر القائم، وإدانته الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، قد تحمل مؤشرات لاحتمال تسريع عودة العلاقات بين البلدين. كما أن من دول الخليج العربي من سحبت سفراءها، من دون قطع العلاقات مع إيران، ما يخولها المساهمة في إعادة العلاقات، في حال توفرت الأجواء المناسبة لذلك. لذا، فإن من شأن مبادرة العراق لإجراء مصالحة بدعم من دول الخليج توفير الفرص لإعادة العلاقات السعودية الإيرانية. ولا شك أن عودة العلاقات ستسهل الطريق أمام الولايات المتحدة لتأكيد حرصها على العلاقات المميزة مع المملكة العربية السعودية، وذلك بمتابعة تنفيذ الإجراءات المتخذة لضمان تنفيذ شروط الاتفاق النووي مع إيران، والذي وقع برعاية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا. ونظراً إلى أن الاتفاق النووي يشكل فرصة لإيران للعودة إلى الساحة الدولية، فلا بد لها من أن تلعب دوراً بناءً في المنطقة، إذا أرادت أن تندمج في المجتمع الدولي.

على الاجتماع المزمع عقده في جامعة الدول العربية أن يأخذ قراراتٍ حاسمة لدعم المسعى العراقي، ودراسة ما ينطوي عليه من إجراءات عملية لطرفي النزاع. وعلى الجامعة دفع المملكة العربية وإيران إلى المشاركة فوراً في التسريع لإيجاد حل للأزمة السورية المتفاقمة، ولعل إيجاد مثل هذا الحل المرجو برعاية سعودية إيرانية سيساهم في ترطيب العلاقات بين المملكة والجمهورية الإسلامية.

نرجو هنا أن تكون أزمة العلاقات السعودية – الإيرانية عابرة، وأن تستقيم هذه العلاقة بما يساهم في تسهيل حل الأزمات المتراكمة في أوضاعنا العربية، وبالتالي، أن نستعيد المناعة التي توفر لنا الاحترام الدولي والارتياح الشعبي. والعالم العربي ثري بالكفاءات البشرية الملتزمة بوحدة الأمة وبالتنسيق الفوري، حتى يتم التكامل العربي المنشود. عانى العرب بما فيه الكفاية من أزمات متفاقمة، ومن حروب عبثية مدمرة، ومن خصومات مفتعلة، ما فوّت علينا فرصاً عديدة لإخراج الأمة من مأزقها الحالي، الأمر الذي بات يهمّش قضية العرب المركزية فلسطين وفرص التنمية المستدامة للدول العربية.

العربي الجديد

 

 

 

الكيل بمكيال لا بمكيالين متناقضين/ سيّار الجميل

لم يكن رجل الدين يوماً مناضلاً أو مفكراً أو صاحب مشروع، بل هو “داعية”، أو يتسمى مجاهداً في سبيل الله، وكان عليه أن يكتفي بمهمّته الفقهية ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ولكن الموجة الجديدة أبدلت الجهاد الديني والهياج الطائفي ليحلّ محل النضال السياسي والوطني، وترك المجتمع وراءه نهايات رجال حقيقيين، ناضلوا من أجل قضاياهم القومية والإنسانية، واستسلم لتوّجهات دول وسياسات طوائف وإعلاميات مللٍ ونحلٍ مذهبية، تلبس اسم الإسلام زوراً وبهتاناً، وحلّ السباب والشتم محل الحجّة والمناظرة، وأخذ التسقيط والإساءة والتشهير محل الحسنى والمعروف، وسادت الأحقاد والكراهية محل المحبة والاحترام.

يهتاج الإعلام العربي فجأة، وتبدأ الأقلام تجسّم الموقف، وتبثّ الرعب بنذر الحرب، وكأنّ مجتمعاتنا لم تواجه حالاتٍ كهذه، ولا أدري لماذا لم تقم الدنيا وتقعد إثر حوادث أدهى وأمّر جرت من قبل؟ وكثيرون هم الذين أعدمتهم حكوماتهم، بناء على أنشطتهم المعارضة، وسواء كانوا معارضين سلميين، أو مجاهدين صادقين، أو متآمرين خونة، فهم يدركون جيداً طبيعة الخطوط الحمراء التي في كل بلد، وإن تجاوزوها فمصيرهم معلق بيد حكامهم، سواء كانوا مستبدين أم عادلين. في الماضي، كانت ردود الفعل سياسية بحتة، أما اليوم فالمشكلة تتأجج من خلال ردود فعل طائفية عمياء، من دون التمهّل قليلاً، وتغليب العقل على العواطف.

كثيرة هي الأسماء التي مرّت في ذاكرتنا العربية، وخصوصاً من رجال الإسلام السياسي الذين صعدوا إلى المشانق، وقد اعتبرتهم حكوماتهم خونة مارقين، أو عملاء متآمرين، أو دعاة محرّضين على الاضطراب والتمرّد والعنف والفوضى ضدّ المصالح الوطنية. لقد أعدم الرئيس جمال عبد الناصر سيد قطب عام 1966، وأعدم البعثيون عبد العزيز البدري في العراق عام 1969، واختفى السيد موسى الصدر على يد معمر القذافي عام 1978، وأعدم السيد محمد باقر الصدر مع أخته العلوية نور الهدى بأمر من صدام حسين عام 1980، وأعدم خالد الإسلامبولي عام 1982 في مصر، بعد إدانته بقتل الرئيس أنور السادات علناً، وأعدم المصلح المسالم محمود محمد طه عام 1985 في السودان، وكان زعيم حركة إصلاحية غير تحريضية ولا طائفية، وقتل الصهاينة الشيخ أحمد ياسين عام 2004 كونه يجاهد على أرضه. وكان مصرع الشيخ محمد سعيد البوطي في دمشق عام 2013. كل هؤلاء وغيرهم من رجال دين أعدموا وقتلوا، وآخرهم إعدام المجاهدين، مولوي عبدالقدوس ملا زهي ومولوي محمد يوسف سهرابي، في إيران، لكننا لم نجد ما نجده اليوم من ردود فعل طائفية عاصفة، ولم تهاجم فيه أية سفارة، ولم تقطع علاقات دبلوماسية بين دول، بل ويمضي الحدث، من دون أن نسمع أي احتجاج أو تنديد.

هنا نسأل: ما الذي يجعل بعضهم يُصاب بهستيريا سياسية وإعلامية واسعة لمثل حدث معين دون غيره؟ وكل هؤلاء الذين ذكرناهم لم يكونوا شرسين جداً في خطبهم، ولم يستخدموا الشتائم، ولم يؤججوا المشاعر المضادة على ابن البلد أن يدرك تماما طبيعة النظام السياسي

“الكل يعلم أنه حتى في النظم الديمقراطية ثمّة خطوط حمراء لا يمكن أن يتعدّاها المعارضون إزاء رموز تاريخية أو مقدسة في المجتمع” الحاكم فيه، فقد تربى في رعايته، وعلى ابن البلد أن لا يكتشف نفسه معارضاً وهو في سن متقدمة، وكأنه اليوم فقط أدرك طبيعة النظام الذي يعارضه، لكي يلقي بخطبه المتصفة بالعنف وتحريضاته التي تدعو إلى التمرد والمجابهة، والكل يعلم أنه حتى في النظم الديمقراطية ثمّة خطوط حمراء لا يمكن أن يتعدّاها المعارضون إزاء رموز تاريخية أو مقدسة في المجتمع، ولا يمكن التعرّض لها أو تشويه أسمائها. ويستوجب على كل المعارضين معرفة نطاق حدودهم، والمجال الذي يمكنهم أن يتحركوا فيه، إلا إذا كان بعضهم يسعى إلى الموت بنفسه، ليجعل من نفسه بطلاً في التاريخ. وهنا، لا يمكن لكل المتعاطفين معه أن يتمرّدوا على الطريقة الإيرانية في إحراق السفارات وجعل الدبلوماسيين رهائن وتخريب العلاقات بين الدول.

بدأت ردود الفعل إيرانية، ثم انتقلت إلى بلدان أخرى تدور في فلك طهران، فالمشكلة إيرانية قبل أن تكون عربية، والكلّ يدرك كم أعدم من نشطاء وساسة ومعارضين إيرانيين على امتداد أكثر منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية قبل 35 عاماً، فهل سمعنا دولة عربية أو نظاماً عربياً، أو حتى شارعاً عربياً واحداً تدخّل في شؤون إيران الداخلية بشكل سافر؟ ربما استخدمت الاحتجاجات في الإعلام، غير أننا لم نجد عربياً يعتدي على السفارات، كما هي مهنة الحرس الثوري في إيران.

لم يقتصر الأمر على رجل دين أعدم لمعارضته السلطة وحدها، بل إنه تعرّض للمجتمع عندما سبّ الصحابة جهراً، من دون أن يحسب أي حساب لمشاعر الناس، ومن أجل تمرير شعاراته في بلده الذي ينبغي عليه معرفة حدوده فيه، بل لم يعرف الرجل إلا السبّ والقذف والقدح في كلّ ما استمعت إليه من خطب صارخة. وكنت تمنيت لو حكم على الشيخ نمر النمر بالسجن المؤبّد بدل الإعدام، ولكن ما يستغرب له المؤرخ أن تقوم الدنيا ولا تقعد لإعدامه، وعندما نستذكر حوادث إعدام طاولت رؤساء حكومات وجمهوريات ووزراء وقادة، نجد ردود فعل باردة ومتباينة على نهايات رجال وزعماء حقيقيين، كانت لهم مواقفهم ومشروعاتهم وأعمالهم، وقد تباينت ردود الفعل تلك لدى الدول والمجتمعات من إعدامهم ، إذ هناك من صلى صلاة الغائب على موت هذا الذي جاء بطريقة محزنة، وهناك من وقر في بيته وحزن مع أهله وأصدقائه على نهاية ملك رحيم، أو موت رمز قومي، أو زعيم أحبّ شعبه، أو رئيس صاحب مشروع. وهناك من عبّر عن استيائه من طريقة إعدام رجل مفكّر، أو زعيم بلد بقصيدة أو مرثية أو مقالة محزنة، وهناك من مشى في الشوارع بصمتٍ، بربطة عنق سوداء، وهو يحمل الزهور، كي يضعها على رفاته.

أُعدم أنطون سعادة في لبنان عام 1949، وكان صاحب مشروع سياسي ناضج، ناضل ومات من أجله وسيذكره التاريخ، وقد بكاه من أحبوه. وقتل نوري السعيد رئيس وزراء العراق وسحل في الشوارع عام 1958، ويستذكر العراقيون اليوم ذكراه الطيبة بألم وحسرة. وأعدم سعيد القزاز وزير الداخلية في العراق عام 1959، وكان من أكفأ الرجال في إدارة الأزمات، وقال عند شنقه: سأصعد إلى المشنقة، وأرى تحت أقدامي ناساً لا يستحقون الحياة. وأعدم عدنان مندرس رئيس وزراء تركيا عام 1960، وكان صاحب مشروع سياسي خطير سينضج بعده، وقد بكاه الناس في بيوتهم وصلّوا من أجله. وأعدم عبد الكريم قاسم رئيس وزراء العراق عام 1963 إثر محاكمة صورية، وبطريقة مثيرة للاشمئزاز، وما زالت ذكراه باقية لدى عراقيين يبكون عليه. وأُعدم الزعيم الباكستاني، ذو الفقار علي بوتو، عام 1979، بعد محاكمة مثيرة للجدل، والرجل شهير بتوجهاته الفكرية ومشروعه السياسي، بعد أن لفّقت له تهمة باطلة، وقد مشى الناس مؤبّنين صامتين في الشوارع. وأعدم نظام الحكم في إيران عام 1982 صادق قطب زادة وزير الخارجية الذي لازم الخميني وخدمه سنوات، قبل اتهامه بالخيانة. كما أعدم رئيس أفغانستان محمد نجيب الله شنقاً عام 1996 وسط كابول، ولم تنفع مناشداته للعالم.. هذا قليل من كثير، ناهيكم عن ثوار ومناضلين ومثقفين أعدموا أو قتلوا، وكانوا يخدمون قضاياهم الوطنية والتحررية، عمر المختار وعبد الكريم الخليل وتشي غيفارا وكمال عدوان وفرج فوده وشكري بلعيد والإيرانية ريحانة جباري، وغيرهم كثيرون.

كلّ هؤلاء وأولئك يعدمون ظلماً وعدواناً، ومنهم من كان مناضلاً حقيقياً، ولم نسمع قط عن ردود فعل شرسة، ولا عن أّيّة تداعيات بين دول. فمتى يتحكّم العقل وتسود الحكمة في سياسات دولنا، كي تتعلم منها مجتمعاتنا؟ متى يكيل الناس بمكيالٍ، لا بمكيالين متناقضين؟ متى؟

العربي الجديد

 

 

 

هل تجدي الوساطات لحل الأزمة مع إيران؟/ محمود الريماوي

بدا التأزم الشديد بين الرياض وطهران محتوماً، بل متوقعاً، فالأحداث تتابعت في وجهة واحدة هي التصعيد. حادث التدافع المريب في مِنى في أثناء موسم الحج، والذي ذهب ضحيته عشرات الإيرانيين، كان يُراد به تفجير أزمة كبيرة، داخل موسم الحج وبعده. الرفض الإيراني للمرجعية الدولية في حال الأزمة السورية عامل تصعيدٍ يُجاور الحضور المادي لقيادات الحرس الثوري الإيراني على الأرض السورية لقمع الشعب السوري المنكوب. الحملات المنظمة لأذرع إيران في لبنان والعراق ضد السعودية لا هدف لها سوى التصعيد. ومن المنتظر أن تلعب منظمات لبنانية (حزب الله) وفصائل عراقية دوراً كبيراً في التصعيد في المرحلة القريبة المقبلة، ومن “الطبيعي” أن تقوم هذه الجهات بتلك المهمة، نظراً لتبعيتها التامة، السياسية والمالية، لطهران، ولمحاولة تخفيف “العبء” عن طهران (!)، بحيث تبدو الحملات على الرياض كأنها حملات لبنانية وعراقية “شعبية”، وليست إيرانية المنشأ والمنطق والأهداف.

وخلافاً لأزمات أخرى، فإن التوسط لحل الأزمة الإيرانية السعودية لا يبدو مجدياً، ولا حتى مناسباً. إنه أشبه بالتدخل لدى قطبين كبيرين في الإقليم، أو في العالم، لتغيير استراتيجيتهما. تتمسك طهران، من جهتها، باستراتيجية تدخلية في المشرق العربي، وبأكثر أشكال التدخل فجاجة وفظاظة. وإذا كانت هناك، حتى الآن، دول عربية لا تعرف مثل هذا التدخل الإيراني، فالسبب الوحيد أنه تمّ التنبه جيداً لاحتمال هذا التدخل وبوادره، وجرى تطويقه في مهده. وهو ما حدث، مثلاً، في الأردن ومصر برفضهما السياحة الدينية الإيرانية التي تتخذ عادة مدخلاً للتسلل والتجييش ومحاولة الإشراف، عنوةً، على مكان ديني.

في مقابل هذه الاستراتيجية، تتمسك السعودية باستراتيجية دفاعية حازمة ضد هذه التدخلات، وليس صحيحاً أن الرياض، وبقية الدول الخليجية والعربية، تتخذ موقفاً مناوئاً ودائماً لطهران، إرضاء لواشنطن، حسب الدعاية الإيرانية الممجوجة، فقد سبق أن شهدت علاقات الرياض بطهران فترة جيدة من التعاون، في عهد الرئيس الإيراني محمد خاتمي، وهو رجل دولة من طراز رفيع، يؤمن بالحوار والتعاون مع الجميع، ابتداء من الجيران والأقربين والشركاء في المعتقد الديني والإرث الحضاري.. أين خاتمي اليوم؟ إنه محظور عليه الظهور، وهو رئيس الدولة السابق، في أية وسيلة إعلامية إيرانية، عقاباً له على استعداده للتعامل مع الآخرين بمنطق الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الغير. كما سادت علاقات عادية مع طهران في عهد الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني.

مع ذلك، ولأنه لا شيء في عالم السياسة يتوقف في مكانه، فقد انضم العراق إلى روسيا

“المطلوب حمل طهران على عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية، وعلى عدم محاولة استتباع المكون الشيعي في المجتمعات العربية لها” وتركيا، في إبداء الاستعداد للتوسط بين الرياض وطهران. وكانت السعودية قد أعادت افتتاح سفارتها في بغداد قبل أسابيع، وبعد انقطاع أكثر من عقدين. حسناً، يمكن للعراق ولرئيس الحكومة، حيدر العبادي، المساهمة في تبريد الخواطر، بمنع فصائل عراقية، مثل عصائب أهل الحق وسواها، من التجاوز على السعودية، أو إطلاق تهديدات ضدها، باعتبار أن هذا التصرف يسيء للعلاقات العراقية السعودية التي بدأت تعرف تحسناً منذ العام 2015، إذا فعل العبادي شيئاً مثل هذا، فإنه يمكن وقف أية تداعيات سلبية للأزمة على العلاقات العربية، والأهم أن لا تقوم أطراف عربية بدور محاولة التعدي بالوكالة عن إيران.

من المنتظر أن ينعقد غداً الأحد (10 يناير/كانون الثاني) اجتماع وزاري لجامعة الدول العربية لمواجهة التعديات الإيرانية (إحراق السفارة والقنصلية السعوديتين، بما يحمله ذلك من رمزية الازدراء بالأعراف والمواثيق الدولية، ومن تهديد يطاول السعودية). وسوف تحظى الرياض بتضامن واسع معها، يُضاف إلى مظاهر التضامن التي تم التعبير عنها منذ اندلاع الأزمة. وقد تبدي بالمناسبة أطراف عربية جديدة استعدادها للتوسط، علماً أن دولة، مثل الجزائر، كانت قد أطلقت بالفعل ما يشبه وساطة بين الرياض وطهران، قبل اندلاع الأزمة بنحو أسبوعين فقط. لعل التطورات الأخيرة الخطيرة تدلل على أن خيار الوساطة وحده غير كافٍ، أو غير مناسب، وأن المطلوب، ببساطة، هو حمل طهران على عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية، وعلى عدم محاولة استتباع المكون الشيعي في المجتمعات العربية لها، كما هو جارٍ في لبنان والعراق. إذا لم تلمس طهران أن هناك رفضاً حازماً لسياستها التدخلية والتوسعية، فإنها لن تكف عن إتباع هذه السياسة، خصوصاً أنها نسجت شبكة مصالح مع زعامات محلية هنا وهناك، وبات الأمر أشبه باستثمارٍ لا يمكن (في منظور أصحابه) مجرد التفكير بتصفيته، بغير تلقي تعويض عنه!

وإلى الجزائر، هناك استعداد عُماني دائم للتوسط، من دون أن يبدر من طهران أي استعداد لمراجعة سياستها. وقد أصبحت، الآن، الظروف أصعب وأشد تعقيداً مع قطع علاقات الرياض والمنامة مع طهران، ومع استدعاء سفراء قطر والكويت والإمارات من العاصمة الإيرانية. وسوف يكون للأمر حساسيته، مع الأخذ بالاعتبار انعكاس هذه التوترات العالية على النسيج الاجتماعي في هذه الدول، وعلى العلاقة بين أصحاب المذاهب المختلفة. إنها ليست الأزمة الأولى من نوعها التي تخيم على سماء الخليج، وثمة خبرة متراكمة لدى السلطات في التعامل مع أية تداعيات داخلية لمثل هذه الأزمة، والتضامن الخليجي الواسع سوف يضمن تماسك الموقف السياسي الجماعي إزاء التطورات، حتى لو كان لكل دولة أسلوبها في التعامل.

يسترعي الانتباه، في ختام هذا العرض، أن واشنطن لم تكتم أنها تبذل جهوداً للتهدئة بين الجانبين، كما صرح بذلك وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي تحدث عن اتصالات أجراها لهذا الغرض مع الجانبين. ولا شك أنه تحول أميركي كبير أن تقف واشنطن موقف الوسيط شبه المحايد بين الحليفة التاريخية التقليدية القديمة الرياض وطهران “المأذون لها” أن تفعل كل شيء تقريباً، باستثناء تطوير برنامجها النووي نحو أغراض غير سلمية. وبينما تبدي واشنطن الديمقراطية كل هذا الود العملي المتنامي تجاه طهران التي كانت محوراً للشر، فإن ثمة من ما زالوا يصدقون الدعاية الإيرانية الروتينية الحالية ضد الاستكبار الأميركي.

وفي نهاية الأمر، لا بد أن تتهيأ السعودية ودول الخليج للدفاع الذاتي عن سيادتها وحقوقها، وهو الدرس الذي تم استخلاصه، عشية اندلاع الحرب ضد ذراع إيران في اليمن.

العربي الجديد

 

 

 

«فورين بوليسي»: كيف يمكننا أن نفهم المخاوف السعودية تجاه إيران؟

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

المفاجأة الحقيقية حول الخلاف السعودي الإيراني الناشئ على خلفية إعدام «نمر النمر» هو أنه يبدو أنه قد باغت الكثيرين على حين غرة. المتابعون للمملكة العربية السعودية كانوا يدركون أن هذه الأمور كانت قادمة لا محالة. وللأسف فإنها لم تأخذ الاهتمام الكافي إلا بعد فوات الأوان.

من المستحيل فهم الوضع الحالي دون الخوض في السياسة الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية. ولكن من المهم أيضا أن نكون صادقين حول حدود معرفتنا. شأنها في ذلك شأن إيران، فإنه من الصعب على أي شخص خارج المستويات العليا للطبقة الحاكمة في المملكة العربية السعودية فهم مخاوفها واستراتيجياتها. وكما يحذرنا «غريغوري غوس» بانتظام فإنه «فيما يتعلق بالسياسة السعودية فإن أولئك الذين يعرفون لا يتكلمون بينما يتكلم أولئك الذين لا يعرفون».

ومع أخذ هذا التحذير كدليل لنا، فما الذي يمكن أن نقوله عن التحولات الجذرية في السياسة السعودية.

أولا: أعتقد أنه من الواضح أن السياسة السعودية ينبغي أن تفهم على أنها تشابك للمصالح الداخلية والخارجية السعودية، والآن فإن هذه المصالح يهيمن عليها الخوف. ربما يسهل رصد التهديدات الخارجية بالنسبة إلى الأمريكيين مقارنة بالتهديدات الداخلية. ولكن ما يغيب عنا غالبا هو الكيفية التي يرى بها السعوديون تأثير القضايا الخارجية على ظروفهم الداخلية فيما يتعلق بقدرتها على خلق تهديدات داخلية قد تبدو أكثر إثارة للخوف من التهديدات الخارجية إذا نظرنا لها بمفردها.

خارج إطار السيطرة

على الصعيد الأوسع، عندما ينظر السعوديون في الرياض إلى منطقة الشرق الأوسط من حولهم، فإنهم يرون منطقة تخرج عن نطاق السيطرة. منذ عام 2011، شهدت جميع أنحاء المنطقة زيادة كبيرة في حالة عدم الاستقرار مع استعداد متزايد للشعوب للاحتجاج من أجل إسقاط حكامهم. أنهت هذه الحقبة حالة الرضا والخمول الشعبي التي ميزت الشعوب العربية على مدار عقود. هذا يقلق بشكل واضح آل سعود، العائلة المالكة في المملكة، التي تفضل دوما تلك الجماهير سهلة الانقياد.

الحروب الأهلية تستعر في سوريا والعراق واليمن، وليبيا، حيث تقوم بمد اللاجئين والإرهابيين والمسلحين، والأفكار المتطرفة إلى جيرانهم. وقد خلقت امتدادات هذه الحروب الأهلية حروبا أخرى خاملة في مصر وتركيا. كما أنها تضعف من استقرار كل من لبنان، الأردن، الجزائر، تونس، وحتى الكويت. وقد خلقت أيضا فرصا جديدة وواعدة لإيران لزعزعة استقرار المنطقة وإعادة ترتيبها بما يتناسب مع مصالحها الخاصة.

والواقع أن كلا من الحروب الأهلية والحروب غير المباشرة التي ولدتها قد نتجت من التعبئة العامة للشيعة في منطقة الشرق الأوسط، بتحريض وبقيادة إيران. وهذا يشمل أيضا الشيعة في المملكة العربية السعودية. المسؤولون في التقارير الخاصة وتقارير الصحافة يلاحظون أحيانا أن مئات من أفراد جهاز الأمن السعودي قد قتلوا وأصيبوا في عمليات في المنطقة الشرقية، التي تعد موطنا لأغلبية الشيعة في المملكة العربية السعودية. الأميركيون يميلون إلى عدم الالتفات إلى هذه العمليات لأنهم يرون أنها دليل على أن السعوديين يديرون الأمر بشكل جيد، ولكن هناك طريقة أخرى للنظر في ذلك وهي أن السعوديين يقاتلون في معارك ضارية مع جهة ما في مدن المنطقة الشرقية. وبعبارة أخرى، يبدو أن هناك درجة أعلى بكثير من التعبئة والمواجهة العنيفة بين صفوف الشيعة السعوديين مما يدرك البعض.

ثم هناك مخاوف السعودية بشأن سوق النفط. يبدو أن الجميع يعتقدون أن السعوديين قد قاموا بخفض أسعار النفط عمدا من أجل قتل منتجي النفط الصخري في أمريكا الشمالية. ولكن هذا ليس ما يقوله السعوديون سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام. بدلا من ذلك، هم يقولون بأنهم لم يعدوا قادرين على السيطرة على سوق النفط نظرا لأن هناك عدد كبير جدا من المصادر وجميعها، بما في ذلك دول أوبك، تتهرب من محاولة التنسيق لخفض الإنتاج. وقد حدث ذلك لهم مرارا وتكرارا على مدى الـ20-30 عاما الماضية حيث يقوم السعوديون بخفض الإنتاج لمنع أسعار النفط من الانخفاض، بينما يستغل الآخرون الفرصة لمواصلة الضخ قدر المستطاع ، والنتيجة هي أنه لا يوجد أي تقليص للعرض الكلي بينما تفقد السعودية حصتها في السوق. هذه المرة، فقد صرح السعوديون بواقعية أنهم لا يستطيعون السيطرة على إمدادات نفط أوبك، لذا فإنهم لن يحاولوا فعل ذلك، وعلى النقيض فإنهم سوف يقاتلون من أجل حصتهم في السوق. ولكن القيام بذلك يعني الحاجة إلى الفوز في سباق نحو القاع، ونتيجة لذلك فإن العائدات النفطية سوف تتجه إلى الهبوط.

لذلك فإن الأمر أيضا يمثل أحد مصادر الخوف بالنسبة لهم: إنهم لم يعودوا قادرين على السيطرة على سوق النفط كما كان في السابق حتى لو كانت عائدات النفط المنخفضة تقتلهم. وصار الحديث يجري الآن حول التقشف الاقتصادي الحقيقي، بما في ذلك إلغاء الدعم عن البنزين وأنواع الوقود الأخرى، وهو الأمر الذي ينظر إليه السعوديون كجزء من حقوقهم كمواطنين. إلغاء الإعانات وغيرها من تدابير التقشف هي دائما الخطوة التي لا تحظى بشعبية كبيرة ويمكن أن تتسبب اضطرابات شعبية على نطاق واسع بسهولة، كما حدث في اليونان خلال العام الماضي. حقيقة أن الحكومة السعودية تضطر الآن لسلوك هذا الطريق تعكس بوضوح مدى اليأس من الوضع المالي الحالي.

وفي الوقت نفسه، فإن الحروب الأهلية في المنطقة قد جعلت السعوديون يشعرون بالذعر إلى مستوى غير مسبوق. لقد قاموا بسكب عشرات، إن لم يكن مئات، من المليارات من الدولارات في سوريا واليمن، وإلى حد أقل في العراق وليبيا. في حين قاموا بضخ عشرات المليارات كمساعدات إلى كل من مصر، والأردن، والمغرب، والجزائر، والبحرين لدعم حكوماتهم، ومنع انهيار الدولة تحت وطأة امتداد من الحروب الأهلية المجاورة، وبالتالي منع اقتراب الحرب الأهلية من حدودها. ولكن هذه الزيادة في التكاليف في السياسة الخارجية إلى جانب انخفاض عائدات النفط قد أجبرت السعوديين على اللجوء إلى صندوق الثروة السيادي بمعدل 12 -14 مليار دولار شهريا وهي وتيرة من شأنها أن تمحو كامل هذه الاحتياطيات في غضون أقل من ثلاث سنوات ومن المحتمل أن تتسبب أيضا في مشاكل سياسية داخلية حادة بما في ذلك إثارة الشقاق داخل العائلة الحاكمة السعودية.

إيران .. في تقاطع المشاكل

وهناك تجلس إيران، في نقطة تقاطع كل هذه المشاكل من وجهة نظر السعوديين. يعتقد السعوديون أن الإيرانيين هم المسؤولون عن الحروب الأهلية في سوريا واليمن، و(بدرجة أقل) العراق، من خلال تعبئة الشيعة لزعزعة استقرار المملكة وحلفائها من العرب السنة. وهم يرون أن الإيرانيين يمثلون تهديدا بالمزيد من الضخ النفطي إلى السوق وبالتالي مزاحمة الحصة السوقية السعودية والمزيد من انخفاض الأسعار. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإيرانيين يشنون الحروب بالوكالة ضد السعوديين في العراق وسوريا واليمن ويساعدون العناصر التخريبية في البحرين والكويت والمملكة نفسها. لذا فإنه، من وجهة نظر السعوديين، فإن إيران تتسبب في زيادة المشاكل المالية في الرياض سواء بخفض إيراداتها أو بزيادة نفقاتها وكلاهما تهدد الاستقرار الداخلي في المملكة.

وعلى الرغم من أننا قد نعتقد أن السعوديين يبالغون في تقدير القدرات والنوايا الإيرانية، فإن السعوديين لديهم عدد من النقاط الوجيهة عندما يتعلق الأمر بإيران. الإيرانيون يسعون بالفعل لقلب النظام الإقليمي وقد حاولوا مرارا وتكرارا الإطاحة بالحكومات العربية بما في ذلك المملكة العربية السعودية منذ عقود مضت. يميل الإيرانيون إلى دعم العشائر الشيعية سواء أكانوا في السلطة أو خارجها، أغلبية أو أقلية. وفي كثير من الأحيان فإنه يتم تحريضهم على العنف وتوفير المال اللازم للقيام بذلك. ونتيجة لذلك، أصبحت إيران متورطة بعنف في الحروب الأهلية في المنطقة. وأنا أزعم أن مشاركتهم في كل من العراق وسوريا ربما تكون ذات طابع دفاعي في المقام الأول (تسعى إيران إلى الحفاظ على هذه الدول تحت سيطرة حكومات موالية لها)، ولكن مشاركتها في اليمن كانت بلا شك هجومية الطابع. ليس هناك تفسير آخر لتورط إيران في اليمن غير إزعاج وإضعاف أو حتى تقويض السعوديين عبر محاولة تغيير النظام.

وأخيرا، يشعر السعوديون بالإحباط والتخلي من جانب الولايات المتحدة. الكثير من السعوديين والعرب من دول الخليج الأخرى ينظرون إلى الرئيس «باراك أوباما» بوصفه شخص شديد الجهل فيما يتعلق بالعالم والشرق الأوسط على وجه الخصوص. لذا فإنهم يظهرون الازدراء له ويتعمدون الخروج على سياساته. من وجهة نظرهم، فإن الولايات المتحدة أدارت ظهرها حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط. تقوم واشنطن بأقل مما في وسعها في العراق، بينما لا تفعل شيئا في ليبيا وسوريا ما يجعل الأمور تنتقل من سيء إلى أسوأ. وعلاوة على ذلك، فإن المملكة العربية السعودية يبدو أنها لا تزال تختلف حول ما إذا كان «أوباما» قد استخدم الصفقة النووية كمحاولة للتحول العمدي من صف السعودية إلى صف إيران أم أنه سمح بحدوث ذلك عن غير قصد. وجهة النظر الأقل سوءا بالنسبة للسعوديين هي الأولى لأن ذلك يوحي بأن «أوباما» على الأقل يفهم ما يقوم به، حتى إذا كانوا يعتقدون أنه من الخطأ والخيانة. أما الرأي الأخير فهو ينظر إليه باعتباره مجرد رجل أبله يدمر الشرق الأوسط دون وعي أو إدراك.

من المهم أن نفهم عمق الغضب السعودي وحجم الازدراء للقيادة الأمريكية الحالية لأنه عنصر حاسم آخر في سياسة المملكة. بينما يتمزق الشرق الأوسط بينما الولايات المتحدة (من وجهة نظر السعوديين) لا تفعل شيئا سوى السماح لإيران بتوسعة هذه الشقوق، فإن أحدا ما عليه أن يتحرك. الزيادة الكبيرة في استعداد الرياض للتدخل في الخارج، مع هذا التدفق المالي والعسكري، كان مدفوعا بشعورها أن هناك عمل ما ينبغي القيام به لمنع المنطقة من الانهيار وفي قلبها المملكة العربية السعودية.

وجهات نظر متباينة

وهذا هو السبب في أن السعوديين كانوا يبالغون في ردود أفعالهم من وجهة نظر واشنطن. نحن ننظر إلى الأمور في البحرين على أساس أن هناك أغلبية شيعية مضطهدة تحاول البحث عن قدر من المشاركة السياسية والاستفادة الاقتصادية في ظل نظام تهيمن عليه أقلية سنية، في حين يرى السعوديون الأمر على أنه انتفاضة جماهيرية مدعومة من إيران بإمكانها أن تنتشر إلى المملكة إذا نجحت هناك. نحن ننظر إلى الحرب الأهلية اليمنية على أنها بمثابة مستنقع عسكري مع دور إيراني ضئيل قد لا يؤثر بشكل كبير على السعودية، في حين يراها السعوديون محاولة إيرانية لتقويض أمنهم. نرى رجل الدين الشيعي السعودي ذو الشعبية الذي تم إعدامه، بينما تراه السعودية كجمرة لنار ثورية مدعومة من إيران في المناطق الغنية بالنفط في بلادهم. في محادثات السلام السورية، نحن نرى حاجة لجلب الإيرانيين بسبب دعمهم الحاسم لنظام «بشار الأسد» بينما تراه السعودية على أنه إضفاء للشرعية على النفوذ الإيراني الشيعي في الدول العربية السنية، والقائمة تطول.

وفي جميع هذه الحالات، فإن الولايات المتحدة، القوة التي طالما كانت الرياض تعتمد عليها في حل مشكلاتها، لم تفعل الكثير. ورغم أن الكثيرين يعتقدون بأن السعوديين يميلون للسير في ركاب القوى العظمي أيا كانت فإن التاريخ يثبت لنا العكس تماما. دخل السعوديون في مواجهات ضد ضد القوى العظمى التي لم تكن تعجبهم بداية من الاتحاد السوفياتي إلى عراق «صدام حسين» ثم إيران الآن.

إذن، يبدو أن السعوديين خائفون من تصاعد المد الشيعي. وهم يخشون من فقدانهم للسيطرة على سوق النفط وما قد يضطرهم إليه ذلك من إجراءات على الصعيد المحلي، وهم خائفون من امتداد الحروب الأهلية في المنطقة والتكاليف التي سوف يتعين عليهم دفعها لمنع وصول هذه الحروب إلى شواطئهم. وهو يخشون من أن الولايات المتحدة قد بدأت في التخلي عنهم لصالح إيران. باختصار، لقد صار العالم ساحة للمخاوف بالنسبة إلى السعوديين. وطريقة عملهم اليوم هي نفسها كما كانت دائما: محاولة صد هذه التهديدات واستعادة السيطرة على ظروفهم. وهكذا يمكن تفسير التدخل المتهور في اليمن، والتصعيد المستمر في سوريا، وهذا التجاذب المتصاعد مؤخرا مع إيران.

وهذا هو السبب أيضا في أن أي محاولة من قبل الأمريكيين لتهدئة السعوديون دون فعل شيء لن تسهم إلا في إثارة حفيظتهم. وسوف يزداد الطين بلة حين ترفض واشنطن الاعتراف بهذه التهديدات يرونها وتتجاهل فعل أي شيء حيالها، ومن ثم تحاول منعهم من القيام بما يعتقدون أنه ضروري لمواجهة تلك التهديدات.

لماذا ينبغي لنا أن نتوقع أن نرى أزمات أخرى على هذه الشاكلة في المستقبل. السعوديون ذاهبون نحو اتخاذ كل ما يلزم من الإجراءات التي يرونها ضرورية لهزيمة ما يرونه على أنه جهود إيرانية لتقويض قوتهم الخارجية واستقرارهم الداخلي. في منطقة الشرق الأوسط، فإن العدوانية سوف يكون لها آثار لا يمكن التنبؤ بها. لكن ما يبدو فوضويا بالنسبة إلى واشنطن فإنه يبدو منطقيا تماما من وجهة نظر المملكة العربية السعودية.

المصدر | فورين بوليسي

 

 

 

إيران خططت وأخطأت ولا يجب جرنا لـ”حرب طائفية”/ عمار علي حسن

هل أصبحنا على شفا الكارثة التى بدت نذرها قبل سنين بحرب طائفية بين السنة والشيعة؟.. إنه الخطأ الجسيم الذى حوّل العلاقة مع إيران من إمكانية قيام «تفاعل خلاق» إلى الدخول فى «صراع مفتوح»، وخطأ العرب فى إضعاف مدرسة «النجف» لحساب «قم» مما أعطى إيران فرصة للتغلغل فى صفوف الشيعة العرب، وخطأ السياسات فى تأخر ميلاد «التكامل الوطنى» الطوعى على أساس الوطنية والمواطنة والمساواة والديمقراطية وإقامة الدولة المدنية الحديثة، جوهرا لا مظهرا، ومضمونا لا شكلا.

لنبدأ بالخطأ الإيرانى، فطهران انتهكت فى أزمتها مع المملكة العربية السعودية القوانين والأعراف الدولية مرتين، الأولى حين تركت السلطات سفارة السعودية وقنصليتها بإيران تحرقان على مسمع ومرأى من قوات الأمن، وقبلها حين تصرفت طهران وكأنها الزعيم الأممى للطائفة الشيعية فى العالم بأسره، وأن من حقها أن تتدخل فى شؤون الدول دفاعا عن هذه الطائفة، فى كل الأوقات وكل المواقف، وبأى صيغة، حتى لو كانت جانحة وجارحة، وحتى لو أدى الأمر إلى اندلاع حرب مذهبية بين المسلمين، لا قدر الله، ليس لها أى فائدة ترجى لإيران والعرب، ولن يكون فيها رابح ولا خاسر، وستصب فى نهاية المطاف فى صالح كل من لا يريد بالأمتين العربية والإسلامية خيرا.

إن مبنى سفارة أو قنصلية أى دولة هو جزء من ترابها الوطنى، هكذا ينص القانون الدولى ويقر، وبالتالى فإن ما أقدم عليه جمهور إيرانى غاضب أو مُحرض، وتواطأت معه الحكومة هناك، هو بمنزلة الاعتداء على جزء من أرض السعودية، ولذا لم يكن أمام الرياض من خيار سوى الإقدام على خطوة قطع العلاقات مع طهران، بعد أن ثبت للسلطات السعودية أن نظيرتها الإيرانية لم تبذل أى جهد فى سبيل منع هذا الاعتداء، بل على العكس تماما، وجدت أدلة تشير إلى أن السلطات الإيرانية ربما حرضت أو خططت للاعتداء، أو على الأقل تواطأت معه، وهى مسألة ظهرت ثلاثة أدلة عليها، أولها: صور لا تكذب تبين أن قوات الأمن الإيرانية كانت تتفرج، بل تساعد، فى العدوان، ولا يمكن لعاقل أن يصدق الرواية الإيرانية التى تحدثت عن أن حادث الحريق هذا قامت به جماهير غاضبة، ولم يكن بوسع السلطات أن تمنعها مما أقدمت عليه. وثانيها قيام الحكومة الإيرانية بقطع الكهرباء عن الحى الذى يقطنه دبلوماسيون سعوديون، وكأنهم يقولون لهم: ارحلوا من بلدنا، وثالثها إطلاق إيران اسم نمر النمر، الذى أعدم مع 46 شخصا سنيا من التنظيمات المتطرفة والإرهابية، على شارعين قبالة السفارة السعودية فى طهران والقنصلية فى مشهد، دون أن تذكر إيران ولو مرة اعتراضا على إعدام هؤلاء، وكل ما شغلها هو الرجل الشيعى، الذى تصرفت وكأنه من رعايا الدولة الإيرانية، ونسيت أنها أعدمت العام الفائت فقط العشرات من المواطنين الإيرانيين العرب والسنة، ولم تعترض دولة عربية واحدة، بشكل رسمى، ولم تخرج مظاهرات فى عواصم عربية لحرق سفارات إيران ومكاتب رعاية مصالحها.

لكل هذا كان من الطبيعى أن يدين مجلس الأمن الدولى حادث حرق السفارة والقنصلية، ويطالب إيران بــ«حماية المنشآت الدبلوماسية والقنصلية وطواقمها، والاحترام الكلى لالتزاماتها الدولية فى هذا الخصوص، ووفق اتفاقيات فيينا التى تلزم الدول بحماية البعثات الدبلوماسية». فالمجلس يدرك تماما أن ما جرى فى إيران أمر جلل، ولا يمكن السكوت عليه، وأنه لا بد من تنبيه إيران وتذكيرها بأنها ملزمة بحماية ما على أراضيها من بعثات دبلوماسية، سواء الدبلوماسيون أنفسهم أو المبانى والمنشآت.

وليس من المتصور أن تكون إيران جاهلة بالقوانين التى تحكم العلاقات الدبلوماسية بين الدول، لكنها وجدت فى واقعة إعدام النمر فرصة سانحة كى تقدم على خطوات انتقامية على خلفية التنافس الحاد والصراع السياسى الذى يدور معها فى العراق، والحرب الأهلية فى سوريا، والحرب النظامية فى اليمن، وكلها بؤر عربية ملتهبة زادها التدخل الإيرانى التهابا، وهو تدخل ينبع من غريزة توسعية على حساب بلدان ودول عربية مستقلة، عبر عنها أحد أرفع المسؤولين الإيرانيين بحديث مستفز عن هيمنة إيرانية على أربع عواصم عربية هى بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت.

لقد حث مجلس الأمن الدولة السعودية وإيران على «اعتماد الحوار واتخاذ إجراءات لتقليل التوتر فى المنطقة»، فهل إيران فاعلة؟ وهل تعلمت الدرس جيدا من هذه الواقعة؟ وهل أدركت أنها قد انكشفت أمام العالم كله بأنها تستغل قضية «الشيعة العرب» فى تفجير الأوضاع فى دول عربية فى وقت تضطهد فيه العرب داخل إيران من السنة والشيعة معا؟ وفى المقابل: هل أدركت الدول العربية أنها معنية الآن أكثر من أى وقت مضى بحرمان إيران من تلك الذريعة، عبر طرح أفكار واتخاذ إجراءات تعلى من قيمة المواطنة؟ أتمنى أن تكون الإجابة هى «نعم»، ففى هذا طريق السلامة.

إننا لا نحتاج إلى كثير جهد كى نبرهن على أن «التشيع» لبس لبوسا سياسيا، لاسيما بعد أن سيطر الملالى على الحكم فى إيران، وهو ما وضحه الكاتب الشيعى العراقى «أحمد الكاتب» فى كتابه المهم «التشيع السياسى والتشيع الدينى»، وفى المقابل فإن الجماعات والتنظيمات السنية المتطرفة حولت الإسلام من عقيدة دينية تقوم على «الفطرة» و«الرحمة» و«التوحيد» إلى أيديولوجيا تبرر الكراهية والعنف والتخريب والقتل. وبذا فإن المشروع القومى للدولة الإيرانية، يتوسل بالمذهب، بغية تحقيق أهداف سياسية، وقد يتحقق هذا إن اشتعلت فى المنطقة حرب طائفية بين السنة والشيعة، سينتعش على إثرها المتشددون والمتطرفون والإرهابيون من الطرفين فيكون القتل على الهوية الدينية، التى بدروها ستتشظى، فيفرط المتعصبون فى القتل والتدمير، على أنقاض أمم ودول.

إن هذا وقت العقلاء فى كل البلدان العربية وفى صفوف المثقفين العلمانيين الإيرانيين كى يفوتوا الفرصة على من يخطط لتلك الحرب فى طهران أو من يستعملها لتدفعنا فى هذا الطريق، ويستدعى التاريخ الدموى إلى قلب الحاضر وينثر ناره على المستقبل، ويريد أن يرفع رايات طائفية بغية تحصيل غايات سياسية، يظن أنها له، لكنها ستأتى إلى المنطقة كلها بخراب مقيم، سيحقق فى نهاية المطاف أغراض التفكيك والتفتيت والفوضى والحرب الطويلة والتشريد والتهجير والإحن التى لن يمحوها الزمن القادم، وستجعل أعداء العرب والمسلمين، دولا وشعوبا، يمسكون برقابنا جميعا، وسيجعل هذا كله إسرائيل تمرح وترمح وحيدة فى الشرق الأوسط كله.

*نقلا عن صحيفة “المصري اليوم”.

 

 

 

الإعدامات في السعودية رسالة للجهاديين والمعارضة

السعودية في عين العاصفة…أية رسالة وراء موجة الإعدامات؟

يعتقد المراقبون أن موجة الإعدامات في السعودية توجه رسالة واضحة للجهاديين والمعارضة الشيعية على حد سواء بأن النظام السعودي لن “يتهاون” مع أي معارضة تعتمد على نهج العنف.

موجة الإعدامات هذه تحمل بين طياتها رسالة موجهة فيما يبدو للجهاديين والمحتجين الشيعة مفادها أن المملكة لن “تتهاون” مع أي معارضة عنيفة. فمعظم من أعدموا ومجموعهم 47 شخصا أدينوا في هجمات لتنظيم القاعدة في السعودية منذ عقد مضى ولكن هناك أيضا أربعة شيعة بينهم النمر اتهموا بإطلاق الرصاص على رجال شرطة خلال احتجاجات مناهضة للحكومة في السنوات الأخيرة.

ونفذت الإعدامات في 12 مدينة سعودية وأربعة سجون. وأعدم البعض رميا بالرصاص والبعض بحد السيف. وعلقت الجثث بعد ذلك على مشانق في أقصى عقوبة بالمملكة. وسرعان ما أدانت إيران إعدام النمر وقال سكان إن الشرطة السعودية شددت الإجراءات الأمنية في منطقة تقطنها أغلبية شيعية خشية اندلاع احتجاجات.

ويبدو أن الإعدامات تهدف أساسا إلى إثناء السعوديين عن الدخول في تيار التطرف بعد هجمات بالقنابل والرصاص نفذها متشددون سنة في السعودية خلال العام الماضي وأسفرت عن مقتل العشرات وبعد دعوة تنظيم “الدولة الإسلامية” أنصاره في المملكة إلى شن هجمات.

إعدام النمر صب للزيت على نار الطائفية

صحيفة ” دي فيلت” الألمانية تساءلت في تعليقها على إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر فكتبت تقول: “هل كان من الحكمة أن تقوم المملكة العربية السعودية بإعدام أهم القادة الشيعة في البلاد، في الوقت الذي تشتد فيه المنافسة بين الساسة في بلد العدو اللدود، إيران، لاختيار مرشد أعلى جديد في البلاد؟”

أكبر موجة إعدامات منذ عقود

وهذا أكبر عدد ينفذ فيه حكم الإعدام لمثل هذه الجرائم في السعودية منذ عام 1980 حين أعدمت المملكة 63 متشددا اقتحموا الحرم المكي في العام السابق. ومن بين المتشددين السنة الذين أعدموا ومجموعهم 43 شخصا عدد من الشخصيات البارزة في تنظيم القاعدة ومنهم مدانون بالمسؤولية عن هجمات على مجمعات غربية ومبان حكومية وبعثات دبلوماسية أسفرت عن مقتل المئات في الفترة بين عامي 2003 و2006.

ولكن إعدام أربعة من الشيعة، بينهم النمر المدان بشن هجمات بالرصاص وبقنابل حارقة قتلت عددا من رجال الشرطة خلال احتجاجات مناهضة للحكومة في منطقة القطيف بين عامي 2011 و2013- أثار على الفور رد فعل بالخارج. فقد شجب آية الله أحمد خاتمي عضو مجلس خبراء القيادة في إيران إعدام النمر وتكهن بأن تكون هناك تداعيات من شأنها إسقاط أسرة آل سعود الحاكمة.

أما جماعة الحوثي اليمنية فقد وصفت النمر “بالعلامة المجاهد” كما استنكر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان تنفيذ حكم الإعدام في النمر ووصفه بأنه “خطأ فادح”.

احتجاجات في شرق السعودية

وقال سكان إن الشرطة السعودية عززت الإجراءات الأمنية في القطيف بالمنطقة الشرقية التي تقطنها أغلبية شيعية والتي شهدت احتجاجات للشيعة بين عامي 2011 و2013 أسفرت عن مقتل عدد من رجال الشرطة بالرصاص إضافة إلى أكثر من 20 محتجا. وخرج العشرات من سكان مدينة القطيف ذات الغالبية الشيعية إلى الشوارع للاحتجاج على إعدام النمر، فيما يتوقع المراقبون حدوث أعمال شغب في المناطق الشيعية التي تعاني أساسا من اختناق طائفي. لكن شقيق النمر دعا أتباع الشيخ نمر باقر النمر إلى التزام الهدوء والاحتجاج بشكل سلمي.

أية رسالة وراء موجة الإعدامات؟

أورد بيان وزارة الداخلية الجرائم التي أدين بها المتهمون ومنها “اعتناق المنهج التكفيري” و”الانتماء لتنظيمات إرهابية وتنفيذ مخططاتهم الإجرامية”. بيد أن الرسالة الأقوى تتمثل في إقناع السعوديين بعدم جدوى الاحتجاجات ضد النظام السعودي وزرع اليأس في نفوس المواطنين.

وقال مصطفى العاني المحلل الأمني القريب من وزارة الداخلية “هناك ضغط شعبي هائل على الحكومة لمعاقبة هؤلاء الناس. هي جمعت كل زعماء القاعدة وكل المسؤولين عن إراقة دماء. هي تبعث برسالة”.

وتكهن محللون بأن إعدام الشيعة الأربعة كان يهدف في جانب منه لأن يوضح للأغلبية السنية في السعودية أن الحكومة لا تفرق بين العنف السياسي الذي يرتكبه أبناء الطائفتين.

“قضاء غير مستقل”

لكن جماعات حقوقية تهاجم العملية القضائية في المملكة باستمرار وتصفها بأنها غير عادلة مشيرة إلى اتهامات بأن الاعترافات انتزعت تحت التعذيب وإلى حرمان المتهمين من الاتصال بمحامين. لكن الرياض تنفي بشدة ممارسة التعذيب وترفض الانتقادات لنظامها القضائي وتقول إن قضاءها مستقل. (رويترز)

الغرب والعالم الإسلامي – إغواء الاستبداد

مفتاح الاستقرار…النموذج التونسي وليس نموذج الأسد أو السيسي

ترى آنا بالاسيو وزيرة الخارجية الإسبانية سابقاً والمحاضرة في جامعة جورج تاون أن الحكم الرشيد وليس الاستبداد هو المفتاح إلى الاستقرار على الأمد البعيد. وتحذر زعماء الغرب من تكرار السقوط في فخ الحرب الباردة حين كانوا يرضون بالطغاة مقابل تأمين الاستقرار بأي ثمن، وتصف هذه العقلية بأنها مغرية لكنها خطيرة. وتؤكد على أنه يتعين على المجتمع الدولي أن يعتبر تونس نموذجاً وأن يظل ملتزماً بضمان استمرارها على المسار نحو الديمقراطية المستقرة، بدلاً من الوقوع فريسة لخرافات بوتين التحذيرية حول سوريا وليبيا.المزيد…

 

 

 

هل العلاقات مع إيران مرشحة للتفاقم؟/ د. نقولا زيدان

قطعاً لم يكن قط تنفيذ أحكام الإعدام التي جرت في السعودية في الأسبوع الأخير من عام 2015 بحق 47 متهماً جرت إدانتهم بكافة أشكال ممارسة الإرهاب على أراضي المملكة هي التي احدثت الوقيعة المدوية بين كل من الرياض وطهران. دعك والأدلة القاطعة بالتورط المباشر بممارسة الإثارة والتحريض وإعداد الخطط وتنظيم الشبكات الإرهابية وتزويدها بالمال والسلاح وتحديد الأهداف لها، فإنه من الضروري الإقرار أن تراكماً نوعياً واسعاً ومتواصلاً تتطلب اختماره أكثر من ثلاثة عقود زمنية ليفجر العلاقات بين البلدين. إن خلافاً حاداً بين استراتيجيتين متعارضتين هو الذي دفع الأمور إلى التدهور الراهن بين النظامين.

فلا يجوز أن يغرب عن بالنا عن ذاكرتنا التاريخية، ما كان من تداعيات عميقة للحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) وما تلاها من حروب كانت الساحة العراقية وما زالت مسرحاً لها. فالنظام الإيراني الملالي الثيوقراطي (حكم رجال الدين) والذي دشن عام 1979 الإسلام السياسي كنظام حكم في الشرق الأوسط والداعي على خلفية ولاية الفقيه إلى قلب الأنظمة السياسية بالعنف وبالقوة المسلحة كان لا بد له أن يصطدم كمشروع سياسي بالنظم القائمة أياً كانت طبيعتها. عاملان رئيسيان قد أثارا شهية النظام الإيراني في الاندفاع نحن المتوسط، الأول هو تراجع المشروع القومي العربي الذي ترافق مع أزمة الأنظمة العسكرية في منطقتنا، والثاني سقوط المنظومة الاشتراكية، وقد عزز اندفاع طهران هذا وتعاظم طموحاتها سقوط نظام صدام حسين (2003) وتحالف النظام الأسدي معها وصولاً إلى لبنان حيث اعتلى النظام الإيراني منصة القضية الفلسطينية عندما جرى إقصاء المقاومة الوطنية اللبنانية لمصلحة حزب الله. فالطابع المذهبي والاحتكار الفئوي للطروحات الإيرانية راح يؤسس باكراً للصراع المذهبي في المنطقة العربية. لا بل راح المشروع الإيراني يتوسع ليطاول بلداناً عربية أخرى، فبعد الانسحاب الأميركي من العراق وتحوّله إلى محمية إيرانية، أصبح له نفوذ جدي في فسلطين (غزة)، وبدت ملامحه في الكويت والبحرين لتحط رحاله في اليمن حيث اشتعلت الحرب.

كل ذلك والنظام الإيراني يعمل جاهداً على تطوير نشاط مفاعلاته النووية ليكرس نفسه كقوة إقليمية كبيرة قادرة على فرض نفوذها بعد انحسار الربيع العربي واندلاع الثورة السورية (2011). ولم يتمكن النظام الإيراني قط من الاستفادة من فرصة عقد الاتفاق النووي (2015) ورفع العقوبات الاقتصادية والمالية عنه وبالتالي لتوفر 130 مليار دولار لدى السلطة، لتوظيفها في رفع المستوى المعيشي للفئات الشعبية وفي مشاريع التنمية. فعسكرة النظام وسيطرة الحرس الثوري على ادارات الدولة ومرافقها وانفاق الأموال لتصديرها الى الخارج سواء لدعم النظام الاسدي بالمال والسلاح الروسي أو لتمويل الميليشيات الموالية للأجندة الايرانية (حزب الله، فيلق القدس، الحشد الشعبي العراقي، أنصار الله الحوثيين، حماس) كانت له الغلبة الفعلية في تقرير اي اتجاه سيجري انفاق المبالغ المتوفرة، ذلك ان منطق القوة والسيطرة واثارة الازمات والتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية لا بل التورط في اي نزاع سياسي او مسلح تبعاً لمزاعم الاتجاه المتمثل بالحرس الثوري، هو الذي استطاع كسب معركة الاتفاق النووي مع الغرب (5+1). والحق انه ما ان بدأ مسار تخفيف العقوبات بحق طهران في وضعها تدريجياً حيز التنفيذ حتى بدأ النظام الايراني باجراء تجاوب مثيرة للقلق على الصواريخ الباليستية المتطورة المتوسطة (القادرة على مطاولة الدول العربية وسواها) واللجوء الى سلسلة استفزازات تستهدف قطع البحرية الاميركية والفرنسية المرابطة في الخليج التي تنطلق منها طائرات التحالف الأممي التي تُغِير على مواقع داعش التي تقود معركة ضارية في العراق بمواجهة الجيش العراقي وقوات «البشمركية» من الرمادي الى الموصل وسواها. هذا هو المشهد الايراني كما هو في دفع الأوضاع الى طريق اللاعودة واحتمال اندلاع الحرب.

ان النظام السعودي الذي ينبري ليأخذ على عاتقه المسؤولية التاريخية في الدفاع على المصالح الوطنية والقومية للدول العربية، كان يراقب بقلق بالغ السلوك العدواني للنظام الملالي الايراني في المنطقة العربية وتطلعاته وجمومه لتحويلها الى دول تابعة لمشروعه التوسعي، فمحاولاته المتواصلة للامساك بالورقة الفلسطينية بديلاً عن اصحاب العلاقة الفلسطينيون انفسهم العرب شركاؤهم في النزاع (ابتداء بغزة وانتهاء بجنوبي لبنان)، وكذلك بتدخله السافر عن طريق ارسال مقاتلي الحرس الثوري الايراني وحلفائه من ميليشيات حزب الله الى فيلق القدس ولواء ابو الفضل العباس وسائر الميليشيات الشيعية الى الساحة السورية للدفاع عن النظام الاسدي ساعياً الى حسم عسكري بمواجهة سائر قوى المعارضة هو الذي دفع العلاقات مع الرياض وسواها من الدول العربية الى التأزم الشديد. فطهران التي تزود النظام الاسدي بالمال والسلاح المتطور، وبالعسكر الفئوي المذهبي الشيعي، بذريعة قتال «داعش»، ترفض بعناد اي تسوية سياسية مشرفة في سوريا. لا بل هو الذي بسط هيمنته على حكومات بغداد المتعاقبة في حربها مع داعش، وهذا النظام نفسه هو الذي يلعب دوراً خطيراً في تعطيل انتخابات الرئاسة الأولى في لبنان عن طريق حزب الله اللبناني وحلفائه بغية فرض رئيس من صناعة ايرانية او تكريس الفراغ وتعطيل المؤسسات. لا بل هذا النظام هو الذي يزعزع الأمن والاستقرار في الكويت والبحرين وسائر دول الخليج العربي، ليطاول في محاولاته المنطقة الشرقية من المملكة السعودية عن طريق تشكيل خلايا ارهابية ليست اقل خطراً على السعودية والمنطقة من «داعش» و «القاعدة» وسواها. بل اكثر من ذلك عندما كان هو وراء الانقلاب الحوثي في اليمن في محاولة خطيرة للالتفاف على المملكة من جهة الجنوب. فالرياض التزمت لفترة طويلة بسياسة ضبط النفس حيال هذه السياسة العدوانية. إلا أن التمادي في السلوكيات العدوانية والتدخل السافر في شؤونها، بل محاولاته إثارة الحروب والتورط فيها في العراق وسوريا واليمن أكرهت الرياض على اضطرارها للمواجهة كما نشهد في «عاصفة الحزم».

ولعل أخطر ما تسعى طهران لتكريسه هو اعتبار نفسها المسؤول الوحيد عن جميع المسلمين الشيعة في المنطقة العربية والعالمَين العربي والإسلامي، فتراها بذلك تقتبس السلوك نفسه الذي تدعيه حكومات تل أبيب حيال يهود العالم.

إن الشيخ نمر النمر وثلاثة آخرون شيعة، وهم الذين تورطوا في مجمل مراحل ممارسة الإرهاب داخل المملكة هم في نهاية الأمر مواطنون سعوديون مدانون أمام المحاكم السعودية، شأنهم في ذلك شأن المدانين الباقين من أهل السنّة. فهذا شأن سعودي. أما أن يصل السلوك العدواني لحد إحراق السفارة السعودية في طهران والاعتداء على قنصليتها في «مشهد» فهو اختباراً إيراني لمدى صلابة الرياض ومدى استعدادها على التراجع. فقد أخطأ النظام الملالي الحسابات في سوريا عندما أصرت الرياض بثبات مثير للإعجاب في دفع مطالب المعارضة السورية للوصول إلى تسوية سياسية لا يمكن تنفيذها مع بقاء الأسد في السلطة سواء في المرحلة الانتقالية أو في مراحلها النهائية. فقد مني نظام طهران بهزيمة نكراء في مشروع سحق المعارضة ما دفعه للقبول بتدخّل القوات الروسية حيث تحاول موسكو مع قوات النظام تحقيق مكاسب ميدانية على أرض المعركة وصولاً إلى جنيف3 حول الأزمة السورية. كما أن طهران قد أخطأت الحسابات في إمكانية السيطرة على باب المندب عن طريق أدواتها الحوثية صالح. فلدى المملكة القدرة السياسية أولاً والعسكرية ثانياً على التصدي ووقف الزحف الإيراني، وتماسك أوضاعها الداخلية ما بدد أحلام طهران. فالحلف الإسلامي (35 دولة) بمواجهة داعش يجب أن تحسب له الحسابات، خصوصاً بعد انضمام تركيا، الدولة الوازنة عسكرياً، إليه.

إن المعركة الدائرة الآن، بعد حدوث القطيعة بين الرياض وطهران، هي معركة العرب الكبرى في مواجهة الأطماع الإيرانية ابتداء بالتراب السعودي وصولاً إلى سائر الدول العربية المعتدلة. إننا لا نسعى إلى الحرب، لكن علينا الاستعداد لها، فقد أصبحت والحالة هذه تدق أبواب المنطقة، فعلينا الآن دعوة طهران للتعقّل قبل إفلات الأوضاع من السيطرة.

المستقبل

 

 

 

 

السعودية تقود المواجهة لكن الصراع عربي – فارسي/ عبدالوهاب بدرخان

لم تشأ إيران أن تفهم أن الكيل طفح والصبر نفد عربياً، وليس سعودياً فحسب، وأنها إذا شاءت امتحان العرب خليجيين ومشرقيين ومغاربة بالنسبة إلى السعودية، بل إذا حاولت اختبار المسلمين حول العالم، فهي لن تحصد سوى خيبة أمل تناقض توقعاتها تماماً. فالاصطفاف هنا بديهي وطبيعي، أياً تكن الدوافع، سياسية أو قومية أو دينية ومذهبية. هذه مواجهة ما كان لإيران أن تذهب بها إلى شفير الهاوية، على جاري عادتها، وما كان لها أن ترسل رعاعها للاعتداء على الممثليتين الديبلوماسيتين وهي الطامحة للاعتراف بها كقوة ذات نفوذ إقليمي. لكن طبع المارقة يغلب على طبع الدولة – الندّ للقوى الكبرى كما صوّرت نفسها لحظة توقيع الاتفاق النووي.

أصبحت التدخلات الإيرانية مكشوفة، باستخدامها الاستقطاب المذهبي السنّي – الشيعي كوسيلة لتخريب العالم العربي. هذه سياسة حاقدة وانتقامية وقصيرة النظر لا تأخذ في الاعتبار حقائق المجتمعات التي تخترقها، إذ تزعزع روابط التعايش وجسور التواصل وتهدم ما بُني على مرّ العقود من وشائج بين مواطنين ينتمون إلى وطن واحد. لذلك، لم يكن لأيٍّ من تدخلاتها أي أثر إيجابي، وقد تحوّل بعضٌ منها إلى حالات احتلال تمقته المجتمعات التي يخترقها لأنه يرمي إلى تفتيت الدول، وبعضٌ آخر إلى مشاريع لتعطيل الدولة والاقتصاد. كما أن العمل على العسكرة وإنشاء الميليشيات الشيعية برهن أن وظيفته الأولى هي تفكيك الجيوش وشلّ أجهزة الأمن الوطني.

لم تشأ إيران أن تفهم أيضاً أن نهج «تصدير الثورة» عبر البوابة المذهبية انتهى إلى مآلات سيئة عدة: تأسيس ثقافة فجور سياسي تظهر أكثر ما تظهر في سلوك ميليشياتها، تعميق الانقسامات وإشعال الحروب الأهلية، وتأجيج بؤر الإرهاب واستغلال تنظيماته في «حروب بالوكالة»… وهذه يمكن أن تكون مجدية بعض الوقت وليس كلّه. لا شك في أنها بالغة الإيذاء والإضرار، ولا بدّ من أن ترتد على أصحابها في نهاية المطاف، لكنها ترتدّ أولاً على أبناء الطائفة الشيعية الذين تورّطهم إيران في عداوات داخلية مجانية ومفتعلة مع مواطنيهم، وهذا ما خبره العراقيون واللبنانيون والبحرينيون، فيما لا يزال الصراع في سورية واليمن شاهداً على أكبر جريمتين دبرتهما إيران ضد شعبين عربيين.

… والآن تسعى إيران إلى مدّ مسلسل التخريب إلى المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج، آخر منطقة عربية مستقرة، وعليها يعوّل العرب لمساعدتهم على استعادة سلمهم الداخلي. فاستهداف السعودية معروف ومعلن في خطاب إيران وميليشياتها، لا سيما «حزب الله» اللبناني، حتى قبل زمن من إعلان المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب أن إيران «استولت على العراق والآن تريد السعودية». لا سقف لمشروع التخريب هذا ولا حدود، وإنما مجرد عقل موتور لا يتوقف عن استخراج الضغائن من أوهامه الماضوية لينتج سياساته الظلامية، لكن رفضه الحقائق الجديدة في منطقة الخليج يكاد يطيح كل أحلامه، فعهد «شرطي الخليج» ولّى، فكرةً ومنظومةً ووظيفةً، إلى غير رجعة. وحتى مفهوم النفوذ، بالقوة والهمجية والإرهاب، لم يعد له مكانٌ، حتى لو غازلته الولايات المتحدة أو جاملته، لأسبابها ومصالحها. بل إن الإدارة الأميركية تقصّدت صمّ آذانها حيال عشرات التحذيرات التي أطلقها مجلس التعاون الخليجي، على مدى سنوات، من التدخلات الإيرانية المتمادية، لأنها كانت تسعى في سبيل الاتفاق النووي، وحصلت عليه، ثم واصلت تجاهل تلك التدخلات، لأنها باشرت السعي إلى مصالحها مع ايران. المؤكد أن السكوت الدولي طويلاً، خصوصاً الأميركي والروسي، عن انتهاكات إيران هو ما أوصل الوضع الخليجي والعربي والإسلامي – الإيراني إلى هذا المستوى من التوتر.

مُذ تلقّى الثور الإيراني الهائج تلك الصفعة في اليمن فَقَد صوابه عملياً. كان توصل إلى السيطرة على صنعاء، «العاصمة الرابعة» العربية، ويعيش ربع الساعة الأخير قبل أن يهيمن حوثيّوه على هذا البلد. لم تكن تفصله سوى ساعات قليلة ليشرف على باب المندب فيستكمل تطويق السعودية ويباشر اختراق حدودها… غير أن «عاصفة الحزم» طوت هذا السيناريو نهائياً. لم يعد وارداً ولا ممكناً. أصيب مشروع «الإمبراطورية» بانتكاسة خطيرة وقاتلة، ولم يبقَ لأصحابه سوى أن يمنّوا النفس بأن تكون السعودية استدرجت نفسها إلى ورطة لا نهاية لها. وسواء كانت ورطةً أم لا فإن الخيار (أو بالأحرى اللاخيار) الآخر كان السقوط في الفخّ الإيراني. من اليمن بدأ «ما بعد» الاتفاق النووي قبل شهور من إنجازه فعلاً، إذ لم يكن للسعودية وحلفائها أن ينتظروا أو يصدّقوا أن ذلك الاتفاق سيعيد إيران دولة عاقلة ومسالمة و «شريكة في حل الأزمات»، كما روّج لها باراك أوباما، مع علمه بأنها هي التي صنعت تلك الأزمات وأمعنت في تسميمها.

لم يكن استخدام إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر سوى ذريعة انتظرتها إيران لإثارة ردود الفعل المذهبية، والعودة إلى صفحة مفتوحة في الصراع مع السعودية. تريد أن تجعل من هذه الواقعة حافزاً ومبرراً لمعاودة تحريك «الورقة الشيعية» في الخليج، تحديداً في السعودية، على رغم أن النمر ليس «زعيم» شيعة السعودية، بل واحداً من الكوادر الذين اشتغلتهم طهران وضخّت في رؤوسهم أيديولوجية ولاية الفقيه. ومَن هم مثله بات معروفاً أن ولاءهم ليس لوطنهم ومجتمعاتهم بل للمرشد، ونماذج هؤلاء منتشرة من لبنان إلى العراق والبحرين واليمن. لكن مجرد التلويح بـ «الورقة الشيعية» صار وصفة مكشوفة، وقد اختُبرت في البحرين قبل خمسة أعوام ولم تكن لمصلحة المخططات الإيرانية ولا لمصلحة الشيعة الذين اختاروا التوتير والتأزيم تغليباً لمطامع طهران في بلدهم، على رغم أنهم أضاعوا عام 2011 فرصة لتحقيق طموحاتهم ومطالبهم ولا يزال بإمكانهم أن يحققوها بالحوار، لكنهم يرفضون الاسترشاد بتجارب الآخرين. فهذه «الورقة» اختُبرت أيضاً على النحو الذي صدّع العراق ودمّر سورية واليمن وعطّل لبنان.

لا مفاجآت في ما يحصل، وحدها التفاصيل لم تكن متوقعة، وفي الأيام المقبلة عندما يلتقي وزراء الخارجية الخليجيون في الرياض ثم الوزراء العرب في القاهرة لن يكون مقبولاً أن تقتصر مقارباتهم على حادث السفارة في طهران أو أي تفصيل آخر، فهذا سيكون فصلاً جديداً من فصول الهروب من طرح تدخلات إيران واعتداءاتها وانتهاكاتها بكل جوانبها، بما في ذلك التقاء أجندتها موضوعياً مع أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل، بدليل النتائج الملموسة لسياساتها التخريبية في سورية وفلسطين ودفعها في اتجاه تفتيت البلدان العربية. لم يعد واقعياً التعامي عن كل هذا العداء والأذى، وعن هذا اللعب بالإرهاب، تلك «الورقة» الأخرى الشريرة التي لم يتوانَ العرب عن مشاركة القوى الدولية في التغاضي عن دور إيران المزدوج في تخليقها أولاً من مخلفات إرهاب «القاعدة» ثم في ادعاء التصدّي لإرهاب «داعش». بل شارك العرب أيضاً في السكوت الدولي عن حال الإرهاب المبرمج التي تشكّلها ميليشيات عملت إيران على تفريخها هنا وهناك، ولم يعد جائزاً استثناؤها ولا تجاهل جرائمها وانتهاكاتها.

لا أحد يدعو الدول الخليجية والعربية إلى إعلان حرب على إيران، لكن الأخيرة التي عبثت طويلاً وعاثت فساداً من دون أن تتلقّى أي رد فعل عربي، خلصت إلى الاعتقاد بأنها إزاء منطقة ماتت بفعل تشرذمها وهوانها. لذلك، فإن المطلوب من مجلس التعاون والجامعة العربية يمكن أن يُصاغ في ثلاث لاءات: أولاها، لا للمشروع الإيراني، المذهبي – الفتنوي، لأنه يقود إلى تعميم الحروب الأهلية على المجتمعات والشعوب العربية كافة، وهو ما تمنته إسرائيل ولم تستطع تنفيذه. والثانية، لا استثناء ولا تمييز في الإرهاب، سواء كان إرهاب «داعش» و «القاعدة» وأخواتهما، أو إرهاب الدولة الإيراني أو إرهاب ميليشياتها أو إرهاب الدولة الإسرائيلي. والثالثة، لا صراع ثنائياً سعودياً – إيرانياً، بل هو صراع عربي – فارسي، وبالتالي فلا المواجهة متروكة للسعودية وحدها ولا تسوية تنتظر «حواراً» سعودياً – إيرانياً. فإيران سعت وتسعى إلى حوار كهذا بغية المساومة، والسعودية لا تريد مساومة إيران أو سواها على أرض/ أراضٍ عربية أو على شعوب عربية.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

طور جديد من التحرش الإيراني/ حسان حيدر

اعتقدت طهران أن باستطاعتها بعد إبرام صفقتها مع الولايات المتحدة في شأن ملفها النووي ودورها الإقليمي، بدء طور جديد من تدخلها في الشأن العربي، والانتقال من مرحلة استخدام الأقليات الشيعية في الدول العربية لزعزعة استقرار هذه الدول، إلى مرحلة نزع السيادة الوطنية عن هذه الأقليات وإلحاقها بالسيادة الإيرانية ووضع مصيرها بيدها، مثلما سبق أن فعلت في لبنان.

وكان أن قررت اختبار أسلوبها الجديد مع الدولة العربية الأكبر، السعودية، في قضية نمر النمر. لكن فشل ضغوطها وتهديداتها في وقف عمل القضاء السعودي أخرجها عن طورها، فبادرت إلى عمل أخرق تمثل في الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وإحراقها.

لم تلجأ الرياض في المقابل إلى تصرف مماثل، ولم ترسل متظاهرين إلى السفارة الإيرانية لإحراقها، بل جاء ردها بقطع العلاقات الديبلوماسية حضارياً وقانونياً، وبمثابة إعلان عن ان الكيل طفح من الممارسات الإيرانية التي لا تراعي حتى أدنى متطلبات العلاقات بين الدول، اذا كانت لا تقيم وزناً لعاملَي الدين والجيرة.

ومع انه كانت لدى المملكة قبل اعتداء السفارة دوافع كثيرة لقطع العلاقات مع إيران أو خفضها على الأقل، إلا انها لم تقدم على ذلك لاقتناعها بأن إبقاء الصلة قائمة قد يفيد في تخفيف التوتر الاقليمي، ويترك المجال مفتوحاً لايجاد تسويات تجنب المنطقة الخضات الأمنية والسياسية، ويسهم في تهدئة الانقسام الطائفي الذي تشجعه إيران وتعتمده سياسة ثابتة.

فإيران تدخلت في شكل فاضح ومن دون أي مسوغ وطني أو قومي، ولا قانوني بالطبع، في دول عربية عدة، فأرسلت إلى سورية خبراءها وجنودها وصواريخها ومرتزقتها المتعددي الجنسية، دفاعاً عن نظام فقد شرعيته في مواجهة شعبه، ومارست هناك انحيازها الطائفي بتأثيره الخطر على وحدة السوريين وتعايشهم، وتهديده للأمن العربي. وتدخلت قبل ذلك في العراق حيث ترعى الاصطفاف الطائفي وتشجع على الاقتتال بين المكونات العراقية وتتباهى بنفوذ مستشاريها السياسي والامني استناداً إلى مبدأ التطييف ذاته.

وهي تدخلت أيضاً في البحرين وحرضت بعض مواطنيها على دولتهم وعلى أمنها، ودربت عدداً منهم في معسكرات أقامها «حزب الله» في لبنان وسورية، وأقحمت نفسها في الشأن اليمني بتبني قسم من إحدى طوائفه وتسليحه وتمويله، ثم دفعته إلى الانقلاب على الحل السياسي الذي بذلت دول الخليج العربي خصوصاً، ودول العالم الكبرى عموماً، جهوداً مضنية للتوصل اليه، ما أدى إلى عودة الاقتتال الأهلي، وإلى اضطرار تحالف عربي للتدخل دعماً للشرعية اليمنية ولدرء تهديد الترسانة «الحوثية».

ويندرج حرص السعودية على عدم الرد بالمثل على التصرف الإيراني في اطار سياسة واعية ومتوازنة تعتمدها في التعامل مع الدول، سواء الشقيقة والحليفة او تلك التي تربطها بها علاقات عادية. فالرياض، وعلى العكس من طهران، لا تشترط او تطلب تطابقاً في المواقف ووجهات النظر، بل تؤمن بضرورة التركيز على نقاط الاتفاق بدلاً من نقاط الاختلاف، وبأن لكل دولة حرية التحرك وفق مصالحها شرط ان لا تتقصد الإضرار بمصالح الدول الأخرى.

وهذا واضح في العلاقة مع روسيا مثلاً، إذ على رغم اختلاف موقف موسكو من القضية السورية التي تمس الأمن العربي في صميمه، وعلى رغم انحيازها السافر والدموي إلى نظام بشار الاسد، لم تلجأ السعودية التي انتقدت السلوك الروسي ودانته إلى خطوات سلبية تجاه روسيا، علماً انه ليست لديها مصالح مباشرة فيها تحرص على حفظها.

الحياة

 

 

 

 

 

السعودية وإيران: وسطاء كثر وحلّ واحد/ الياس حرفوش

وسطاء كثر أعلنوا عن استعدادهم للعمل على احتواء الأزمة في العلاقات بين السعودية وإيران بعد قطع الرياض علاقاتها مع طهران إثر الاعتداء على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد. تعدّد الوسطاء، من الولايات المتحدة التي أجرى وزير خارجيتها جون كيري اتصالات بالمسؤولين في البلدين، الى روسيا، وصولاً الى تركيا وباكستان، وحتى العراق بلسان وزير خارجيته ابراهيم الجعفري، الذي كان يقف أمس في طهران الى جانب الوزير الإيراني محمد جواد ظريف، صاحب الابتسامات العريضة في المفاوضات حول ملف إيران النووي.

قلق الوسطاء، ومعهم عدد من المعلقين والكتاب في الصحف الغربية، ليس من انهيار العلاقات بين البلدين، كما يبدو، مع ان هذا جدير بالاهتمام، ويقتضي إدانة ايران التي تتحمل المسؤولية عنه. لكن قلقهم هو من انعكاسات هذا الخلاف على أزمات المنطقة الأخرى، من سورية الى اليمن، وحتى العراق ولبنان. وكأن كل هذه الأزمات كانت تسير في طريق الحل، قبل نشوب الخلاف الأخير. مع أن كل شيء يشير الى ان التدخل الإيراني في كل هذه المواقع هو الذي جعل الوصول الى حلول حتى الآن امراً مستحيلاً. لقد أدى هذا التدخل الى انهيار محاولات البحث عن حل: في سورية من خلال قطع الطريق على أي تسوية لا تضمن بقاء بشار الأسد في الحكم، وفي اليمن من خلال دعم الحوثيين في انقلابهم الذي قوّض المبادرة الخليجية التي شكلت مدخلاً لحل الأزمة، وفي العراق من خلال التدخل الإيراني في القرارات الحكومية وتعطيل ما لا يناسب طهران منها، وتسليح الميليشيات الطائفية لتقويض سلطة الدولة، وصولاً الى لبنان حيث يعطل القرار الإيراني، ممثلاً بـ «حزب الله»، العملية الدستورية وانتخاب رئيس للجمهورية لا يحظى برضا الحزب.

الأزمة السعودية – الإيرانية هي نتيجة طبيعية لتدخلات طهران هذه، وآخرها وأخطرها تدخلها في الشؤون الداخلية السعودية. بل ان الديبلوماسيين السعوديين يؤكدون ان قطع العلاقات مع طهران تأخر كثيراً بسبب رغبة الرياض في ترك ما أمكن من أبواب مفتوحة امام احتمال أن تلعب إيران دوراً أكثر تعقلاً في شؤون المنطقة.

أما المسألة الأخرى، التي تعرّض الوساطات للفشل، فتتعلق بتشتت القرار في طهران، وبالصراع الذي لم يحسم منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولن يحسم في وقت قريب، بين الدولة والثورة. فالسؤال الذي يواجه دائماً من يتعاطون الشأن الايراني هو: مع أي إيران نتفاوض؟ هل هي إيران حسن روحاني وجواد ظريف؟ أم إيران خامنئي وقاسم سليماني؟ روحاني يصرح بعد الهجمات على البعثات السعودية بأن الديبلوماسية والتفاوض هما أفضل السبل لحل المشاكل بين الدول، ووزير العدل يصف المهاجمين بـ «عناصر متسللة»، ووزارة الخارجية الإيرانية تبدي، في رسالة الى مجلس الأمن الدولي، «أسفها» للهجمات واستعدادها «لوقف وملاحقة مرتكبيها والمحرضين عليها». وفي الوقت ذاته يتوعد خامنئي القادة السعوديين بـ «انتقام الهي»، وينظم «الحرس الثوري» التظاهرات المعادية للسعودية في شوارع طهران وسواها من المدن الإيرانية.

اذا كان للوساطات بين السعودية وإيران ان تنجح، فلا بد لها أن تتجه أولاً الى السبب الذي أشعل الأزمة الأخيرة في العلاقات، وأن تُلزم إيران باحترام قواعد التعامل بين الدول التي تفرض احترام سيادة هذه الدول على أرضها ومواطنيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ففي إيران الكثير من المشاكل الداخلية التي يمكن انتقادها، وفيها أقليات مظلومة ومحرومة، في منطقة الأهواز وغيرها، ورئيس جمهورية سابق ممنوع من مغادرة بيته، ومرشحان سابقان للرئاسة تحت الاقامة الجبرية منذ سبع سنوات… ولم يخرج أحد، في أي عاصمة عربية، لإحراق سفارة طهران بسبب هذه الاعتداءات.

 

 

 

دم النمر ودماء آكلي القطط/ ماجد عبد الهادي

لا مسوّغات مقنعة يمكنها أن تُفنّد، وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، انتقادات تلقتها السعودية، لتنفيذها حكم الإعدام بحق 47 شخصاً من مواطنيها دفعة واحدة. وقد يصعب على المدافعين عن الفعل الذي جاء إعلانه مفاجئاً ومدوياً أن يزعموا خلوَّه من مضامين سياسية ترتبط بانتماء المحكومين إلى قوى مذهبية متطرفة في المعسكرين، السني والشيعي، كما قد يصعب، أيضاً، على المشككين بوجود شبهات كهذه، أن يدينوها، من دون أن يجدوا من يلفت انتباههم إلى أن رد الفعل الإيراني بدا كأنه يفسر غامضها، أو يبرّرها، على غير ما أراد أصحابه.

يختلف صوت ألمانيا، أو كندا، مثلاً، حيال هذه المسألة، عن صوت إيران. الأولى والثانية، ومعهما دول أخرى، انتقدت وندّدت انطلاقاً من موقف مبدئي يناهض عقوبة الإعدام، كانت لها خلفيات سياسية، أو لم تكن، بل حتى لو كان المحكومون من منفذي ما تسميها الهجمات الإرهابية، بينما الأخيرة تعرب بصراحة عن مباركة كل أعمال الموت في المنطقة، طالما أنها تقع على الأغيار الذين لا يصطفون إلى جانبها.

فمن ضمن قائمة ضحايا القصاص التي أعلنتها الرياض، تجاهلت طهران 46 اسماً، وانشغلت وحلفاؤها وقادة مليشياتها في المنطقة، من نوري المالكي إلى حسن نصر الله، بترديد اسم واحد فقط؛ نمر باقر النمر، رجل الدين الشيعي الذي اشتهر بمناهضة نظام الحكم السعودي، والذي تقول سيرته الذاتية، في أحد أهم فصولها، إنه غادر بلدته العوامية في محافظة القطيف، منذ مطلع شبابه، ليدرس العلوم الشرعية في حوزة قمّ الإيرانية، وأقام هناك نحو عشر سنوات، ثم رحل عنها ليقيم سنوات أخرى في دمشق، قبل أن يعود إلى بلاده.

لم يكن في وسع الجمهورية الإسلامية، بالطبع، أن تتصرّف على غرار الدول المتحضرة، فتدين أحكام الإعدام، من حيث المبدأ، لأن سجلها الراهن يزخر بمئات القصص المأساوية عن نصب المشانق لعرب الأحواز، في الساحات العامة، تنفيذاً لأحكام قضائية صورية. ولم يكن في وسعها، وهي الدولة الدينية الثانية في العالم، بعد إسرائيل، أن تكتفي بالحداد، وإقامة “اللطميات” حزناً على الشيخ النمر، لأن قيادتها الطامحة إلى توسيع نفوذها الإقليمي ما انفكت تقتفي خُطا الحركة الصهيونية في تحويل الدين، بل المذهب الديني، إلى قومية، تتيح لها التحكم بحشود الشيعة في دول الجوار العربي، لاستخدامهم وقوداً في مشروع الهيمنة الفارسية على أوطانهم، بكل ما يفرضه من حروب أهلية، وسفك دماء.

لذلك، بدا الصراخ المتعالي في إيران مؤشراً فورياً على شدة الوجع الذي أصابها بإعدام ربيب حوزتها الدينية، ثم جاء رجع الصدى ندباً ونواحاً ووعيداً بالانتقام في بعض العراق وبعض لبنان، ليعكس ما كان يُراد للنمر أن يكونه في بعض السعودية، على ضوء خُطَب قديمة له، قيل إنه هدّد فيها بانفصال المنطقة الشرقية عن المملكة، ما لم ينل أبناؤها الشيعة حقوقهم.

ومع تصاعد رد الفعل إلى حد الاعتداء على الهيئات الدبلوماسية السعودية، صار واضحاً أننا أمام جنون قومي فارسي، يلتحف بعباءة الإسلام ويعتمر عمامة الشيعة، فيجرؤ مرشده الأعلى، علي خامنئي، على إطلاق الوعيد بما سماه “الانتقام الإلهي الذي سيطاول الساسة السعوديين لإراقتهم دم شهيد مظلوم من دون وجه حق”، بحسب قوله، ولكأن الله عز وجل يُرضيه، مثلاً، إرسال إيران خبراء وعصابات الموت للمشاركة بقتل مئات ألوف البشر في سورية والعراق، أو لكأن دم نمر النمر أقدس عند خالقه من دماء أطفال مدينة مضايا ونسائها وشيوخها، وقد تدفقت، أخيراً، صور موتهم تحت وطأة جوع مفروض عليهم ببنادق الولي الفقيه، واضطروا بسببه إلى أكل لحم القطط والكلاب، دونما جدوى.

تُرى؛ إذا لم تكن تلك هي الفاشية الدينية، فماذا يمكن أن تكون؟

العربي الجديد

 

 

 

 

إيران تشعل المنطقة بنار الفتنة الكبرى!/ هدى الحسيني

لم تكن العلاقات بين السعودية وإيران جيدة قبل الأحداث الأخيرة، لذلك عندما يتكلم البعض عن توتر في العلاقات، فهي متوترة منذ إصرار إيران على تصدير ثورتها، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. ما نراه الآن هو تراكم توتر يعود إلى عقود. وما يقوله السعوديون منذ البدء لم يحيدوا عنه. مثلاً بالنسبة إلى سوريا ودور إيران هناك، لم يحيدوا عن رؤيتهم للحل في سوريا: أولاً رحيل بشار الأسد، وثانيًا: انسحاب إيران و«توابعها» من سوريا. هناك ثبات في الموقف السعودي لم يؤثر عليه تراجع الموقف الأميركي أو تكتيك الموقف الروسي.

قرار الإعدامات في هذا التوقيت بالذات رسالة للشعب السعودي وللعالم بأن الحكومة السعودية ستتصدى للاثنين: «داعش»، والتحريض الشيعي. في الخليج يتحدثون كثيرًا وعلى كل المستويات عن التوازن بين حركات التطرف السنّي وحركات التطرف الشيعي، والاثنان يشكلان خطرًا على شرعية هذه الدول وعلى وجودها.

ورغم أن العلاقات بين الدولتين كانت متوترة أصلاً فإن القرار السعودي بالإقدام على الإعدامات كان قرارًا جريئًا، بالطبع القيادة السعودية تعرف النتائج وردود الفعل، وتعرف أيضًا ماذا تخطط له إيران وقد اقترب موعد رفع العقوبات بعدما قررت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما خلخلة ميزان القوى في المنطقة بالسعي حثيثًا لتوقيع اتفاق نووي مع إيران. بسببه يتخوف الخليجيون من أن إيران ستستعمل عشرات المليارات من الدولارات التي سيفرج عنها لدفع المجموعات الشيعية العربية إلى التمرد لزعزعة الحكومات القائمة في المنطقة، وأيضًا لشراء أسلحة من أجل تحقيق أطماعها التوسعية. ولا يثق الخليجيون إطلاقًا في أن إيران ستلتزم ببنود الاتفاق النووي، مما سيدفع إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.

ما رأيناه من هجوم على القنصلية السعودية في مشهد وإحراقها، وإحراق السفارة السعودية في طهران، كشف عما سيأتي لاحقًا بسبب الانقسام داخل إيران، وكان قد وصل إلى ذروته مع الاتفاق النووي.

المتشددون لا يريدون أي تقارب مع الغرب. كانوا ضد الاتفاق، وافقوا فقط، لأن المرشد دعمه، فالبرنامج الإيراني التوسعي يحتاج إلى أموال، ولهذا استمروا في إشعال المنطقة وتوتير الأوضاع إنْ كان في العراق أو في سوريا أو في اليمن، والهجوم على السفارة السعودية يكشف استعداد المتشددين للدفع نحو فتنة مذهبية كبرى في المنطقة. قبل أسبوع تحرشت الصواريخ الإيرانية في مضيق هرمز بحاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان». في 9 من الشهر الماضي أعلن قائد القوات البرية الإيرانية، أحمد رضا بوردستان، عن احتمال قيام بلاده بشن غارات جوية في سوريا والعراق، وأكد أن إيران تقوم بدور المستشار في هاتين الدولتين، مشيرًا إلى إمكانية وجود القوات الإيرانية فيهما برًا وجوًا.

إذن، هناك حرب تصر إيران على إشعالها في المنطقة، ويتخوف الغرب الآن، بعد الخطوات السعودية، على عملية السلام في سوريا. في الأساس لم تكن هذه العملية قوية وفيها زخم. هناك أكثر من مائة فصيل يتقاتل في سوريا من الشيعة والسنّة، وجمع كل هؤلاء على خط واحد كان أمرًا مستحيلاً، ثم إن السعوديين لم يخفوا تشاؤمهم منذ البداية.

في اليمن، إن وقف إطلاق النار الذي تم ترتيبه لم يصمد. استمر الحوثيون في إطلاق صواريخ «القاهرة» على الحدود السعودية. وتمامًا مثل الوضع في سوريا والمفاوضات هناك التي مثل السائر على حد السيف، فإن وقف إطلاق النار في اليمن لم يكن له مستقبل أبدًا. وسيبقى اليمن حربًا مشتعلة حتى تتوقف إيران عن تدخلها، لأنه لا يمكن للسعودية بأن تقبل بوجود إيراني على حدودها. فالصراع هو صراع دول وصراع مصالح، ولهذا يتم إشعال المشاعر المذهبية والمشكلة في المشاعر المذهبية أنه يصعب تهدئتها خصوصًا مع استمرار التحريض.

أرسل لي صحافي إيراني «فيديو كليب» لنمر باقر النمر، يلقي خطبة فوق الأرض السعودية ضد القيادة السعودية، وضد المملكة. تاريخ الفيديو 27 يونيو (حزيران) 2012. قال لي الصحافي الإيراني: «لو أن زعيم أقلية في إيران قال الكلام نفسه ضد الحكام الإيرانيين فوق الأرض الإيرانية، لكان أعدم على الفور». وأضاف أن النظام الإيراني يقوم بتأجيج التوتر مع السعودية لأسباب تتعلق بشرعيته في الداخل. أشار إلى تحذير المرشد خامنئي للقادة السعوديين بالانتقام الإلهي بسبب إعدام النمر، في وقت يُغرّم سعيد مرتضوي، المدعي العام السابق لمحكمة الثورة الإيرانية الذي أشرف على معتقل «كهريزاك» الذي احتجز فيه الآلاف من الإيرانيين ومعظمهم من الشيعة، حيث تعرضوا للتعذيب وفي بعض الحالات للإعدام. بعد سنوات من هذه الممارسات تغرّم الحكومة مرتضوي ستين دولارًا فقط على جرائمه، وتعزله لخمس سنوات من وظيفته الحكومية. هناك كثيرون مثل مرتضوي يعيشون حياة رغد في إيران رغم الجرائم التي ارتكبوها ضد الشيعة الإيرانيين. ويأتي الآن رأس النظام مهددًا السعودية بالانتقام الإلهي لمعاملة غير عادلة ضد الشيعة، وكأن من قُتل في مظاهرات 2009 وزج به في السجون وأعدم لم يكونوا شيعة يعارضون هذا النظام.

الأنظار تتطلع إلى الرئيس حسن روحاني وردة فعله. من يقف وراء إحراق وتخريب السفارة والقنصلية السعوديتين؟ كان خطاب كل الجهات الرئيسية الفاعلة في إيران حادًا في إظهار المعاداة للسعودية، إلى درجة أن تهرب كل طرف من تحمل مسؤولية الهجوم على القنصلية وعلى السفارة. في تغريدة له أشار روحاني إلى «الجماعات المارقة» قال إن «هذا العمل يتماشى مع السياسات المذهبية التي زعزعت المنطقة في السنوات الأخيرة (…) لكن على الشعب الإيراني ألا يسمح بذلك كي لا يصبح ذريعة للأفراد أو الجماعات المارقة بارتكاب أعمال تضر بصورة إيران». تغاضى روحاني عن أن الشرطة لم تبذل أي جهد لمنع المتظاهرين من الإقدام على حرق القنصلية والسفارة. بعد ذلك، اتهم روحاني «المتطرفين».

الغائب الكبير كان محمد جواد ظريف، وزير الخارجية، والإصلاحي كما يُقال، ونجم الإعلام الغربي. ظلت صفحته على «تويتر» صامتة. المثير أن ظريف كتب آخر تغريدة له مع نهاية عام 2015، حيث عبّر عن تمنياته بأنه سيتجنب في العام الجديد «تكرار أخطاء الماضي»! فهل لهذا السبب فضل أن يظل صامتًا بشأن قضية رئيسية تتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية؟ وهل اختار هو شخصيا أن يصمت أم اختير عبد الأمير اللهيان للقيام بالدور المطلوب إيرانيًا في هذه المرحلة؟

المرشد الأعلى خامنئي استدعى في تغريدته «الانتقام الإلهي» على وفاة النمر، لكنه لم يشر إلى إحراق القنصلية والسفارة. وكال بالمكيال نفسه الأمين العام لحزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله.

معتادة إيران على الاستقواء بالهجوم على السفارات الأجنبية لديها. لا تحترم قوانين دولية وضعت لمنع النظام العالمي من الفلتان. بدأت الثورة الإيرانية بالهجوم على السفارة الأميركية في طهران، فهل الهجوم الأخير المماثل على السفارة السعودية في طهران مؤشر لحدث ما؟

عام 1979 تحمل مهدي بازركان، رئيس الوزراء آنذاك، المسؤولية الأخلاقية وقدم استقالته، رغم أن المهاجمين لم يتحركوا بأمر منه، وتجاهلوا دعواته لإطلاق سراح الرهائن.. مَن يتحمل المسؤولية الآن؟

ما قامت به السعودية إجراء يدخل ضمن سيادتها. ردة الفعل الإيرانية جزء من إصرارها على التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

قبل الأحداث الأخيرة، ومنذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ووزارة الاستخبارات الإيرانية تستدعي النشطاء والصحافيين والإعلاميين للتحقيق معهم واعتقالهم، وذلك بعدما حذر خامنئي من «تسلل» أعداء إيران. أمام الاعتقالات لم يحرك روحاني ساكنًا. وهو متهم بأنه يريد المحافظة على منصبه. ويعرف الإيرانيون أن أي مرونة من قبل المرشد في السياسة الخارجية يقابلها ملاحقة وضغوط في الداخل.. محاولة روحاني إنقاذ سياسته الخارجية بتجنب قطع السعودية العلاقات مع إيران باءت بالفشل، لهذا فإن الاعتقالات والملاحقات ستستمر حتى إلى ما بعد الانتخابات. والهجوم على القنصلية والسفارة السعوديتين يؤكدان شيئًا لم يتغير في إيران منذ مجيء الخميني واحتلال السفارة الأميركية.

الشرق الأوسط

 

 

 

إعدام «نمر النمر» حلقة جديدة في مسلسل الصراع السعودي الإيراني

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

إذا أردنا أن نصف الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت في مطلع الأسبوع بين المملكة العربية السعودية وإيران، فإنها ستكون أزمة صاخبة بكل تأكيد. ورغم ذلك، فإنها لن تعدو كونها مظهرا من مظاهر الصدع الجيوسياسي المتفاقم في المنطقة. في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة تحقيق التوازن في المنطقة، فإن إيران تسعى لاستغلال هذه الجهود من أجل التخلص من عزلتها. لذا فإن الاحتكاك بين اللاعبين السنة والشيعة البارزين في المنطقة قد تصاعد بالفعل.

تحليل

يعتمل الجدل حول رجل الدين الشيعي «نمر النمر» منذ عدة سنوات. وكان «النمر» قد تم اعتقاله في يوليو/تموز 2012 بتهمة تحريض الناشطين الشيعة في المناطق الغنية بالنفط ذات الأغلبية الشيعية في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. في ذلك التوقيت، كانت جمرة الربيع العربي لا تزال مشتعلة، وكانت المملكة العربية السعودية قد دخلت عسكريا بالفعل، في البحرين، جارتها الصغيرة ذات الأغلبية الشيعية. لتعزيز حكم السنة في شبه الجزيرة العربية. لم تكن الرياض تنوي ترك أي فرصة للزعماء الدينيين الكاريزميين مثل «النمر» من أجل خلق مشكلة أكثر خطورة لبيت آل سعود في المملكة.

ومع ذلك، وخشية من اندلاع المزيد من القلاقل في المناطق الشيعية، فقد تمهلت الرياض بشدة فيما يخص «النمر». وكان «النمر» قد تم الحكم عليه بالإعدام في يوليو/تموز عام 2012 وحكم عليه بالإعدام في أكتوبر/تشرين أول من عام 2014، ثم أيدت المحكمة العليا السعودية حكم الإعدام بعد ذلك عام واحد، في حين تركت الكلمة الأخيرة للعاهل السعودي الملك «سلمان بن عبد العزيز» في تحديد موعد التنفيذ. وعلى أمل إضعاف الاهتمام بإعدام «النمر»، فقد قررت المملكة العربية السعودية أنه سيعدم مع 46 مدانا آخرين، معظمهم من السنة الذين يملكون صلات مع تنظيم القاعدة. ومع ذلك، فإن الأمر لم تستغرق وقتا طويلا قبل أن ينفجر غضب الناشطين الشيعة احتجاجا على تنفيذ الحكم. وهناك مؤشرات عديدة على أن الحكومة الإيرانية مكنت الهجوم على السفارة السعودية في طهران في أعقاب تنفيذ الإعدام.

من المؤكد أن المملكة العربية السعودية لم تكن لتقدم على تنفيذ الحكم ما لم تكن واثقة من قدرتها على إدارة ردود الأفعال وبالأخص في المنطقة الشرقية وهو أمر حيوي لصناعة النفط السعودية. ومع ذلك، فإن المخاوف الأمنية السعودية آخذة في الارتفاع بالفعل. وهناك الجهاديون المحليون الذي يحاولون خلق صراع طائفي أكبر في المملكة وقد يستغلون الاضطرابات التي أعقبت حكم الإعدام. قوات الأمن السعودية، وإن كانت تبدو قادرة على إخماد على الهجمات ذات المستوى المنخفض من قبل الناشطين الشيعة، فإن ما يقلقها بشكل حقيقي هو العدد المتزايد للهجمات الانتحارية الجهادية والتي لا تقع فقط في المناطق السنية من البلاد ولكنها تستهدف أيضا البؤر الشيعية. يتم تصميم التفجيرات الانتحارية التي تستهدف مساجد الشيعة من أجل استدراجهم إلى الانتقام، وخلق مشكلة أمنية أكبر للقادة السعوديين، وعلى وجه الأخص، ولي العهد ووزير الداخلية الأمير «محمد بن نايف»، الذي قاد لفترة طويلة جهود مكافحة الإرهاب في المملكة العربية السعودية. استغلال الجهاديين لإعدام «النمر» سوف يشمل على الأرجح هجمات على أهداف طائفية هشة إضافة إلى استهداف قوات الأمن، نظرا للصعوبة في استهداف وتعطيل البنية التحتية النفطية السعودية بمثل هذه الهجمات.

تداعيات إقليمية

وسوف يزيد إعدام «النمر» أيضا من تعقيد المفاوضات الصعبة بالفعل بشأن الانتقال السياسي في سوريا. وافقت المملكة العربية السعودية وإيران على الجلوس إلى طاولة واحدة عندما اجتمع وزراء خارجية البلدين في ديسمبر/كانون أول للتفاوض بشأن سوريا، ولكن الجانبين لا يزالان يختلفان جذريا حول المجموعات التي ينبغي أن تكون طرفا في الحل السياسي في مرحلة ما بعد «الأسد» على افتراض أن جميع الأطراف سوف تكون قادرة على تلبية التحدي الهائل المتمثل في تهيئة الظروف اللازمة على أرض المعركة من أجل إتاحة فرصة للانتقال السياسي في دمشق. المعركة بالوكالة في سوريا بين إيران والسعودية تمتد أيضا إلى لبنان، حيث إن التسوية التي طال انتظارها بشأن مقعد الرئاسة تتوقف أيضا على التفاهم بين طهران والرياض.

تأتي السعودية حاليا على رأس الجبهة السنية التي تقف في وجه طهران، ولكنها ليست القوة السنية الوحيدة التي تشهد توترا في علاقاتها مع طهران. بينما تتحول تركيا بدورها لتكون أكثر حزما في المنطقة، فإن كردستان العراق وسوريا وسف تكون الساحات المرشحة للمنافسة بين الخصوم القدماء. قيام السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران هو أيضا اختبار مهم للتحالف الإقليمي السني الذي حاولت الرياض بشق الأنفس لتجميعه على مدى العامين الماضيين. وحتى الآن، فإن البلدان التي تبعت الرياض في موقفها الاحتجاجي ضد إيران هي البحرين والإمارات والسودان. قامت البحرين سلفا في أكتوبر/تشرين الأول باستدعاء سفيرها في طهران وطرد القائم بالأعمال الإيراني بعد أن اكتشفت مخبئا للأسلحة زعمت أنه على صلة بطهران. الإمارات العربية المتحدة، التي كانت في تنسيق عسكري وثيق مع المملكة العربية السعودية في اليمن وليبيا وسوريا، قامت بتخفيض علاقاتها الدبلوماسية مع إيران حيث قامت باستدعاء سفيرها وتخفيض عدد الدبلوماسيين الإيرانيين في الإمارات. السودان، التي قامت بتعزيز تحالفها مع الرياض وابتعدت عن إيران خلال السنوات الأخيرة بفعل المساعدات المالية السعودية، قامت هي الأخرى بطرد السفير الإيراني. الكويت، وتحسبا لموقف الأقلية الشيعية في البلاد، أدانت إيران بعد الهجوم على السفارة السعودية، ولكن لم يصل الأمر إلى حد قطع العلاقات.

اختارت مصر أن تكون أكثر حذرا. حيث قامت بإدانة إيران ولكنها تجنبت أي ذكر لـ«محمد فتحي عبد العاطي»، وهو مواطن مصري كان واحدا من السنة الذين تم إعدامهم في نفس مجموعة «النمر». تحاول المملكة العربية السعودية تعزيز علاقة أكثر صرامة مع مصر من أجل دعم التحالف العربي، وينتظر أن يتم توقيع عقود لقروض ومنح بقيمة 3 مليارات دولار لمصر هذا الشهر تبرهن من خلالها السعودية مدى حرصها على هذه العلاقة. تقبل مصر الدعم المالي السعودي، ولكن القاهرة من المرجح أن تسعى إلى نهج أكثر توازنا عندما يتعلق الأمر بالنزاعات الطائفية المثيرة للجدل في المنطقة.

إعدام «النمر» هو أحد صور المنافسة الجيوسياسية المشتدة في المنطقة. هناك أحداث أخرى مرتقبة من المرجح أن تكن فصولا أخرى ضمن هذه المنافسة، بما في ذلك حكم الإعدام المنتظر لـ«علي النمر»، ابن شقيق «نمر النمر»، وعدد من الشيعة الآخرين. سوف تكون المملكة العربية السعودية حذرة في الدفاع عن منشآتها النفطية في التعامل مع نوبات جديدة من الاضطرابات الشيعية والهجمات الجهادية المحتملة. وبينما تحاول المملكة التعامل مع هذه التشتيتات الأمنية في الداخل، فإن المملكة سوف تتطلع إلى حلفائها الخارجيين في أوقات الحاجة. وسوف تحصل المملكة على قدر متفاوت من الاستجابة من قبل جيرانها السنة بقدر اعتمادهم عليها ماليا وأمنيا. وسوف تبذل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية قصارى جهدهم للحفاظ على مسافة بينهم وبين المعارك بالوكالة التي تعد جزءا لا يتجزأ من التوازن الإقليمي المتغير للقوى بين إيران وجيرانها السنة.

ستراتفور

 

 

 

«مجتهد»: «الداخلية» تعلم بوجود مسلحين شيعة داخل السعودية وتتوقع انتقام «القاعدة»

تخشى من استهداف العائلة المالكة ومنشآت النفط

قال المغرد السعودي الشهير «مجتهد»، إن وزارة «الداخلية السعودية لديها علم بوجود متدربين شيعة داخل السعودية بسلاحهم وعتادهم لكنها لا تستطيع تحديد هوياتهم وانتشارهم»، كما لا تستطيع تقدير حجم قوتهم، مشيرا إلى أنها لا تستبعد رد فعل مسلح، سواء في فترة قريبة أو بعيدة، كما أنها تخشى من استهداف العائلة المالكة.

جاء ذلك في تغريدات على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، اليوم الأربعاء، تعليقا على رد الفعل المتوقع لتنظيم «القاعدة» وكذلك رد فعل إيران، والشيعة داخل السعودية، تجاه إعدام المملكة السبت الماضي 47 مدانا بالإرهاب من بينهم المعارض الشيعي البارز «نمر النمر».

رد فعل «القاعدة»

وحول رد فعل المتوقع لتنظيم «القاعدة» تجاه ما حدث على اعتبار أن بعض المعدومين أعضاء في التنظيم، قال «مجتهد»: «كانت معلومات الداخلية (السعودية)، أن عناصر القاعدة لديهم رغبة شديدة بالانتقام، لكن ليس لديهم القدرة على تنفيذ هذه الرغبة، بسبب محاصرتهم على مر السنين، لكن توفرت معلومات جديدة بعد توسع نفوذ القاعدة في اليمن، تدل على أنهم الآن أقدر على تنفيذ التهديدات، لكن لم تكتمل الصورة في شكلية التنفيذ».

وتابع: «لا تقلق الداخلية من عمليات تستهدف رجال أمن أو أهداف مدنية سواء سعودية أوغربية لأن هذه الأهداف ستضر القاعدة أكثر مما تنفعها وتقوي السلطة ضدها، لكن تخشى من استهداف العائلة الحاكمة، لأن مثل هذا الهدف قد يربك التوزان في العائلة، وربما يحظى بتعاطف شعبي بعد تململ الناس بسبب تردي الأوضاع».

وأضاف أن «هدف آخر تخشاه (السعودية) هو المنشآت النفطية، لأنه يحرج السلطة، كونها لم تتمكن من تأمين تدفق النفط، وهي المهمة الأساسية في رضا القوى الكبرى عن هذه السلطة، وهكذا فلديهم معلومات عن رغبة القاعدة في الانتقام، وأن قدراتهم التنفيذية تحسنت، لكن لم تتوفر معلومات عن التفاصيل ولذلك أخذت احتياطات عامة».

رد فعل إيران وشيعة السعودية

وفيما يتعلق برد الفعل الإيراني على إعدام «نمر النمر»، قال «مجتهد» إن «الحديث عنه معقد ومتداخل ومرتبط بالتطورات الزمنية والدور الإيراني وتوجه الطائفة الشيعية، وأيا كانت التطورات، فمن المستبعد أن تستخدم إيران قوتها العسكرية في حرب مباشرة، لكن لديها أوراق تسرب ما يدل على أنها تريد تحريكها ضد السعودية».

واستطرد: «كانت إيران قد تلقت تطمينات غير مباشرة أيام الملك عبدالله (بن عبد العزيز)، أن النمر لن يعدم، وحتى بعد استلام سلمان كان تقديرهم أن الإعدامات لن تشمل نمر النمر، ولهذا السبب لم تكن إيران متهيئة دبلوماسيا وسياسيا ومخابراتيا بشكل جيد للتعامل مع الحدث، وتصرفت بعجلة وارتباك بتصرفات حمقاء منها حرق السفارة».

وأوضح أن «إيران متحسرة أن صدر عنها هذا الفعل، ليس احتراما للسعودية، لكن لأنها ظهرت بمظهر المتهور العاجز الذي خرق قوانين دولية بسبب غضب مستعجل»، مشيرا إلى أن «المعلومات تقول إن هذا التصرف صدرعن جناح انفعالي في المؤسسة الإيرانية، له نفوذ وحصانة، ولذلك رغم اعتذار إيران فلن يتعرض من حرق السفارة للعقاب».

وفي رأي «مجتهد» أن «الخطورة لا تأتي من هذا الجناح المتشنج بل من الجناح الأقوى والأكثر نفوذا والذي يعمل بطريقة استراتيجية هادئة ويعرف كيف يستخدم أدواته ضد الخصم، والسعودية لم تحمل هم الجناح المتشنج، لأنه ضر ويضر إيران أكثر مما ينفعها، وكل تركيز السعودية كان ولا يزال منصبا على حساب ردة فعل الجناح الآخر».

واستدرك: «كان تقدير السعودية -وهو تقدير صحيح- أن هذا الجناح (الهادئ) لا يريد أن يربك التعاون غير المباشر بين السعودية وإيران في محاربة داعش، وكذلك اعتقدت السعودية أن النمر ليس غاليا على إيران، لأنه عارض بعض سياساتهم، ويقال إنه أبعد منها بعد أن كان فيها لدراسة العلوم الشيعية».

«مجتهد» واصل حديثه قائلا: «السعودية لم تدرك أن إيران لاتنظر له بصفته مؤيد أو معارض لسياستها، بل بصفتها مدافعة عن الرموز الشيعية في السعودية حتى لا يتجرأوا على غيره، وقد أخبر الأمريكان السعودية أن الأمر أخطر مما يتصورون، وأن الإيرانيين لديهم أوراق خطيرة، منها تحريك الشيعة ومنها تغيير برنامج وخطة الحوثيين.. والتيارات الحركية المؤثرة في الشارع الشيعي السعودي، متعددة بطيف كبير سواء في خياراتها للعمل المسلح والسلمي، أو في قربها وبعدها من إيران».

وقال: «صحيح أن إيران لا تؤثر إلا على جزء من هذه التيارات، لكن الجزء المنظم والمدعوم دائما أكثر قدرة على صناعة الحدث من التيار غير المدعوم، التيارات المتأثرة بإيران فيها السلمي وفيها المسلح، والمسلح عدده ليس بقليل، ولديه من التدريب والتسليح ما يكفي لمواجهة خطرة في بعض مدن الشرقية».

وحسب «مجتهد»: «كانت إيران -على مدى سنين- قد أقنعت التيارات المتأثرة بها بكبح جماح غضبها لأن السعودية تقوم بدور جيد في تمكين إيران من العراق ومحاصرة السنة، ومن المفارقات أن إيران لم تكن متحمسة للتظاهرات والتجمعات التي حصلت قبل سنتين، رغم تغطيتها بوسائل إعلامها والتعاطف معها في سياق المجاملة، لكن إيران لم تقف مكتوفة اليدين بل تهيأت للمستقبل ونظمت ودربت عددا من الشيعة السعوديين في سوريا ولبنان والعراق لتحريكهم عسكريا عند اللزوم».

وكشف أن «الأمريكان أوصلوا للحكومة السعودية حديثا عن أن عدد الشيعة القادرين على التحرك عسكريا يكفي لخلخلة الوضع، بل ربما فوضى في أجزاء من المنطقة الشرقية كما نصحت أمريكا السعودية أن تخفف التصعيد وتسحب التوتر ولا تراهن على احتياطاتها الأمنية، لكن المملكة أكدت أنها قادرة على احتواء الموقف أمنيا».

وأشار إلى أن وزارة الداخلية السعودية «تراهن على أن التحدي الشيعي المسلح محدود وقابل للاحتواء، لكن دوائر المباحث تعترف أن هناك قلق حقيقي من خطأ في التقدير وخوف من مفاجآت»، وتساءل: هل بالغ الأمريكان في تحذير السعودية لتحقيق أجندة أمريكية أم أن نصيحتهم صادقة؟.

ضغط إيراني على الحوثي لاحتلال جيزان

ولفت «مجتهد»، إلى أن «الورقة الثانية التي يستطيع الإيرانيون تحريكها هي اليمن، حيث كانت استراجيتهم أن يتمكن الحوثيون داخل اليمن، دون حاجة لاجتياح مدن سعودية، وعملا بذلك، اكتفى الحوثيون في مناوشاتهم الحدودية باختراقات محدودة لأجل تقوية موقفهم في المفاوضات، وليس بهدف التقدم باتجاه جيزان أو نجران، لكن يبدو أن الوضع تغير الآن، وقد أبلغت أمريكا السعودية أن إيران ربما تضغط على الحوثيين لشن هجوم واسع وتحديدا باتجاه جيزان وليس نجران».

واستدرك: «لا نريد الإرجاف بأحد لكن من المصلحة أن نعترف أن الاستعداد العسكري والمعنوي والفني والتنسيقي لا يضمن إيقاف اجتياح حوثي قد يصل إلى جيزان.. وإيران لا تريد من هذا الاجتياح تشبث الحوثيين بجيزان والبقاء عليها محتلة بل تريد استخدامها كوسيلة تركيع للسعودية للقبول بالمطالب الإيرانية».

«مجتهد»، قال أيضا إن «سبب القلق على جيزان تحديدا لأن بين مدينة جيزان والحدود سواتر تحمي الحوثيين من الطيران من قرى ومزارع وأدغال وتضاريس غير موجودة في جبهة نجران».

وواصل المغرد السعودي تحليله قائلا: «لهذه الِأسباب أمريكا قلقة من التصعيد، وتخشى فقدان التركيبة الهشة التي حققت لها قدرة في جمع السعودية وإيران في خندق واحد ضد داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والقاعدة، وتقدير أمريكا صحيح فلولا مشاركة السعودية في التحالف العالمي عسكريا وسياسيا وإعلاميا واستخباراتيا ودعمها للثورات المضادة لسقطت بغداد بيد داعش، ولذلك لا تلام أمريكا على هذا القلق، فإنه لولا التفاهم السعودي الإيراني غير المباشر لاجتاحت داعش العراق والخليج ولاجتاحت القاعدة اليمن».

وأضرم محتجون إيرانيون، السبت الماضي، النار في مبنى السفارة السعودية في طهران، كما اعتدى محتجون على مبنى القنصلية السعودية في مشهد، احتجاجًا على إعدام المملكة المعارض الشيعي البارز «نمر النمر».

وأعلن وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»، مساء الأحد، أن بلاده قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وذلك على خلفية هذه الاعتداءات، وأمهلت البعثة الإيرانية 48 ساعة للمغادرة.

وتوالت ردود الأفعال المساندة للمملكة، حيث أعلنت الكويت أمس، أنها استدعت سفيرها لدى إيران للسبب نفسه.

وأعلن السودان، الإثنين، طرد السفير الإيراني وكامل بعثة طهران من أراضيها، تزامنا مع إعلان مملكة البحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران ومنح بعثتها 48 ساعة لمغادرة البلاد.

كما قررت دولة الإمارات، الإثنين، تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع جمهورية إيران إلى مستوى القائم بالأعمال وتخفيض عدد الدبلوماسيين الإيرانيين في الدولة، كما أعلنت جيبوتي قطع العلاقات مع إيران تضامنا مع السعودية.

وكانت شرطة المنطقة الشرقية أعلنت، أول أمس الإثنين، مقتل مواطن وإصابة طفل يبلغ من العمر 8 سنوات، أثناء تبادل كثيف لإطلاق النار بدأه مسلحون في بلدة العوامية، حيث أطلقوا النار على القوات الأمنية أثناء وجودها عند مدخل بلدة العوامية، كما أضرم أربعة مسلحين النار في حافلة تنقل عمالا بالمنطقة الشرقية المنتجة للنفط بالسعودية، أمس الثلاثاء.

الخليج الجديد

 

 

 

السعودية وإيران تحتاجان إلى بعضهما البعض/ بانافشيه كينوش

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

أنا لست مندهشا من أن طهران قد بدت مشلولة إلى حد ما بسبب قرار الرياض بقطع العلاقات الدبلوماسية بعد أن هاجم غوغاء إيرانيون السفارة السعودية في أعقاب إعدام رجل الدين السعودي الشيعي «نمر باقر النمر» في يناير/كانون الثاني. منذ تولي الرئيس «حسن روحاني» منصبه في أغسطس/آب 2013، فإنه قد فشل في صياغة ردود مناسبة على السياسات السعودية المتحدية لإيران، لذا فإنه أثار انتقادات من المتشددين بأن افتقاره للمبادرة القيادية قد زاد من تعنت الرياض.

بدا الفشل واضحا في التصريحات التي صدرت عن مساعدي «روحاني» منذ أن قامت الرياض ودول أخرى بقطع أو تخفيض العلاقات مع طهران. «محمد جواد ظريف»، وزير الخارجية الإيراني، أنفق نصف وقته في الحديث مع نظرائه الغربيين بدلا من محاولة تخفيف حدة التوتر مع الرياض مساعدة سائر الجيران العرب.

كانت إيران تتوقع إدانة جماعية من الغرب لإعدام السعوديين لـ«نمر النمر». وعندما فشلت في تجسيد ذلك، فإن سفير طهران لدى الأمم المتحدة «غلام علي خوسرو» قد سارع إلى إبداء أسف بلاده بشأن الهجوم على السفارة السعودية في طهران.

قامت إيران بإرسال رسالة إلى مجلس الأمن الدولي أكدت خلالها أنها قامت باعتقال 40 شخصا إثر الهجمات على السفارة السعودية، جاء ذلك في أعقاب قيام المملكة العربية السعودية و15 دولة من الدول الأعضاء في المجلس بتقديم شكوى تدين إيران، في محاولة لوضع إيران في خلاف جديد مع المجتمع الدولي في الوقت الذي يحاول فيه إنهاء الخلافات بشأن برنامجها النووي.

لم تفلح المحاولات الإيرانية لدق إسفين الخلاف بين الرياض والاتحاد الأوروبي ن خلال عرض الرئيس «روحاني»، بعد قطع السعوديين للعلاقات مع إيران، القتال إلى جانب الأوروبيين ضد المتطرفين السنة. صحيح أن الاتحاد الأوروبي يبدو حذرا تجاه المملكة العربية السعودية، إلا أنه لم يكن في أي وقت شريكا بالإمكان الاعتماد عليه بالنسبة إلى طهران.

ويريد الاتحاد الأوروبي ضمان استمرار تدفق النفط والغاز، وحماية المصالح التجارية واسعة النطاق في المنطقة، ولكنه لا يمتلك القدرة ولا الرغبة في الالتزام بالاصطفاف مع أحد الجانبين في المعركة طويلة الأمد بين الرياض وطهران، لأنه في حال حدوث ذلك، فسوف تتعطل الحلول في سوريا لفترة طويلة.

مواقف خطابية

وبخلاف محاولة توريط أوروبا في هذا الأمر، فإن سائر ردود إيران كانت خطابية في المقام الأول. وقد حذر «علي خامنئي»، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، السعوديين من مواجهة «الانتقام الإلهي».

وحذر «إسحاق جيهانجيري» نائب الرئيس الإيراني السعودية من أنها سوف تعاني جراء قطع العلاقات لكنه لم يقم بإبداء أي تفاصيل. «حامد أبو طالبي»، الذي تم ترشيحه من قبل إيران كسفير لدى الأمم المتحدة قبل أن يتم رفض تأشيرته من قبل الولايات المتحدة، قد حذر الدول العربية من التحرك ضد إيران وتجاهل أوراق نفوذها في المنطقة. ولكنه مرة أخرى لم يحدد هذه الأوراق التي يعنيها.

جاء الرد الشخصي للرئيس «روحاني» على قطع العلاقات متأخرا لمدة 24 ساعة كاملة بعد الهجوم على السفارة السعودية. وقد شكل الرد انتقاد إعدام «نمر النمر» وكذا إدانة عملية اقتحام السفارة. وفي حين بدا بيانه معقولا، فإن توقيته كان وسيلة لاسترضاء المتشددين الذين يلومون «روحاني» على تراخيه بشأن حادث التدافع في مكة المكرمة الذي أدى إلى وفاة أكثر من 450 من الحجاج الإيرانيين.

مثل هذه التصريحات المتعثرة من قبل السلطات الإيرانية تعكس حقيقة بسيطة، وهي أن إيران تشعر بالخذلان. كما أنها تكشف عدم وجود سياسة واضحة تجاه المملكة العربية السعودية في إيران.

كان قطع العلاقات الدبلوماسية بمثابة صفعة على الوجه. وقد تفاخر المسؤولون الإيرانيون باستمرار أنه، وحتى في الأوقات الصعبة، فإن السعوديين والإيرانيين قد احتفظوا بالسفارات المتبادلة في عاصمتيهما. الآن فإن جهود طهران تواجه معضلة وهي أن عليها أن تكون حازمة وتصالحية في ذات الوقت.

معضلة «روحاني»

كرئيس محافظ، فإن «روحاني» يسعى إلى التوصل إلى أرضية مشتركة في داخل بلاده. ويشمل ذلك الحفاظ على بيئة ليست معادية بشكل كامل وفي نفس الوقت ليس ودية للغاية تجاه المملكة العربية السعودية. وهو يفعل ذلك بأسلوبه الخاص، حيث يتجنب المسؤولية المباشرة عن السياسات والتصريحات المثيرة للجدل ويترك مسؤولية هذه الأمور لمساعديه بدلا من ذلك. ويتجلى هذا بشكل أكثر وضوحا من خلال الاتفاق النووي مع القوى العالمية، حيث تلقى «ظريف» مطلق الحرية في التفاوض على الرغم من الخطوط الحمراء التي سعى من خلالها المرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي» إلى رسم خطوط المفاوضات.

عندما تحدثت للمرة الأولى إلى الرئيس الإيراني في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2013، فقد سألني عن رأيي بشأن الكيفية التي يمكن من خلالها التعامل مع المقابلات الصعبة. أعجبت بأن الرئيس «روحاني» يشعر بالراحة في طلب المساعدة وأخذ المشورة، والكشف أيضا عن وجود اتجاه لتفويض القرارات.

يخدم هذا النمط أيضا الحفاظ على خيارات الرئيس «روحاني» مفتوحة في مواجهة المعارضين المحليين. «روحاني» يميل إلى تجنب الانتقادات من خلال السماح لمن حوله بتولي مهمة إقناع الجمهور الإيراني بسياساته الخارجية. بهذه الطريقة، فإنه يحصن نفسه من وابل من الانتقادات من قبل كل من المتشددين والإصلاحيين.

لكن موقف «روحاني» لا يزال ضعيفا فيما يتعلق بسياسته الخارجية. أحد هذه التحديات هو الكراهية الشعبية المتزايدة في إيران للمملكة العربية السعودية نظرا لقطع رؤوس الحجاج الإيرانيين المدانين بارتكاب جرائم مختلفة ووفاة مئات من الحجاج خلال موسم الحج. هذه المشاعر الشعبية تلقي بظلالها على النخبة السياسية، والتي تتهم الرياض علنا بتشجيع التطرف السني بما في ذلك «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا.

في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة في طهران احتواء الانتقادات للمملكة، فإن وجهات النظر السلبية عن السعوديين تستفحل، في الوقت الذي فشل فيه «روحاني» في تحقيق التقدم في إصلاح العلاقات أو تقديم أي بديل ذي مصداقية.

عندما قمت بلقاء الرئيس الإيراني خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2013، فقد شعرت بمدى قلقه إزاء لعلاقات مع السعوديين. وقد قال لي «أمير حسين زامانينيا»، مستشار روحاني الوثيق، أنه قد رفض دعوة تم توجيهها إليه من قبل المملكة العربية السعودية في عهد الملك «عبد الله». في الوقت الذي اعتقدت فيه أن مثل هذه الخطوة سوف تحبط الرياض وتضر العلاقات السعودية الإيرانية، فقد تجنبت إصدار أية تعليقات.

التواصل المتعثر

في الأمم المتحدة أيضا، فقد قمت بإخبار أحد كبار مستشاري «روحاني» أن إيران لا يمكن أن تجني الفوائد الكاملة للصفقة النووية مع الولايات المتحدة (التي كانت أحد أهم أهداف سياسة روحاني الخارجية) دون تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية. لم يكن المستشار مقتنعا أن العلاقات مع السعودية بمثل هذه الأهمية التي أرشدت إليها، ما جعلني أشدد أن إصلاحات هذه العلاقات قد تستغرق الأعوام الثمانية الكاملة لفترتي رئاسة روحاني.

في حين أيا من مستشاري «روحاني» الذين حادثتهم لم يبد أي اهتمم بتحسين العلاقات مع السعوديين، فقد تركني الأمر مع شعور مزعج بأنهم لا يدركون حجم العداء الذي تشعر به الرياض تجاه طهران بسبب أهدافها النووية، وهو العداء الذي يعود إلى رئاسة سلف «روحاني»، «محمود أحمدي نجاد».

بعد رحلته إلى نيويورك، قام «روحاني» بتفويض أمر سياسته تجاه دول الخليج العربي إلى «محمد جواد ظريف»، الذي يشعر براحة أقل في الحوار مع جيرانه العرب السنة مقارنة بالغرب. سائر المسؤولين الإيرانيين الذين كانوا يأخذون على عاتقهم إصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية بدوا مرتبكين. «علي أكبر هاشمي رافسنجاني»، الذين كان مقربا من الملك «عبد الله»، قد انزوى عن المشهد بعدما اضطر هو و«روحاني»، ربما تحت ضغط من المتشددين في إيران، إلى رفض دعوة للحج في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013.

«علي شمخاني»، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيرانيين، والذي يتحدث العربية بشكل جيد، كان أحد الذين لعبوا دورا رئيسيا في التواصل مع المملكة العربية السعودية تحت حكم الملك «عبد الله» ولكنه قام بإصدار بيانات مختلطة هو الآخر. من ناحية، فقد عرض «شمخاني» الصداقة مع الرياض وتسوية الخلافات، لكنه كان أيضا صوتا في انتقاد المملكة لتأجيج الاضطرابات بين صفوف العرب الإيرانيين والسنة العراقيين.

«حسين أمير عبد اللهيان»، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية، كان أحد الذين دعوا إلى تفهمات أفضل بين إيران ودول الخليج العربي. ولكن عندما تحدثت إليه في طهران في يونيو/حزيران 2014، فإنه لم يكن يتوقع الرحيل المنتظر، الذي بدا واضحا، لـ«نوري المالكي» الذي كان يواجه اضطرابات واسعة النطاق في العراق، وبدلا من ذلك أكد دعم إيران لرئيس الوزراء العراقي المحاصر.

بعد الدعوات المتكررة لرحيل «المالكي» من قبل كل من السعودية والولايات المتحدة، قامت إيران على مضض في يوليو/تموز من نفس العام «شمخاني» إلى بغداد للتوصل إلى تفاهم بشأن تعيين رئيس وزراء جديد، وهو «حيدر العبادي»، الذي تولى منصبه في سبتمبر/أيلول.

أحد أسباب عدم رغبة إيران في التواصل مع المملكة العربية السعودية هو أمل «روحاني» أن علاقات وثيقة مع واشنطن قد تغنيه عن علاقات وثيقة مع طهران. قبل فترة طويلة من وصوله إلى الرئاسة، فقد أكد «روحاني» أنه يحلم «بصفقة كبرى» مع الولايات المتحدة، وهو أمر كان يقلق جيران طهران من العرب السنة لأنهم يخشون أنه ينطوي على تهديد لمصالحهم الخاصة.

في هذه العملية برمتها، فإن طهران تتجاهل ما يبدو ظاهرا بوضوح. الدول العربية في منطقة الخليج لا يزالون هم الشركاء المفضلين بالنسبة إلى الولايات المتحدة بسبب التاريخ الطويل من الصداقة. حتى قبل الثورة الإيرانية، فقط كانت الولايات المتحدة تتعامل بشكل أكثر أريحية مع المملكة العربية السعودية، نظرا طموحات الشاه الإقليمية. وحتى في ذلك الحين، فإن الدول العربية كانت تشعر بالاستياء بسبب عدم استعداد إيران لرؤيتهم كشركاء على قدم المساواة في التنمية الاجتماعية والثقافية والسياسية في منطقة الخليج.

الصداقة بين الولايات المتحدة والسعودية لن تنتهي فجأة، على الرغم من أن واشنطن والاتحاد الأوروبي يدينان علنا ​​سجل حقوق الإنسان في الرياض. التبادل التجاري بين المملكة العربية السعودية والغرب لا يزال يفوق خلافاتهما بشأن الإصلاح السياسي في المملكة، وكذا فإن هنالك اتفاق متبادل بين واشنطن والرياض لاحتواء النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

هذا الاعتقاد لا يبدو أنه سيتغير مع اعتلاء رئيس جديد لمقعد البيت الأبيض في بداية عام 2017. لا يعد أي من المرشحين للرئاسة الأمريكية بأن يكون خيارا أفضل لإيران من الرئيس «باراك أوباما».

آفاق العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية تعتمد على مدى رفض كلا الجانبين أن يرى العلاقات مع الولايات المتحدة كبديل للشراكة بينهما كجارين. الاعتراف المشترك بأن خلافاتهما السياسية نتجت جزئيا من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والذي كانت الولايات المتحدة أحد المشاركين فيه ربما يساعدهم على إحياء الاتصالات السياسية والدينية عودة إلى إقامة علاقات صداقة رسمية كما كان الوضع في عام 1929. منذ ذلك الحين، فإن الرياض وطهران قد قاما بقطع العلاقات بينهما ثلاث مرات، فقط كي يعترفا، ربما في وقت لاحق أن علاقاتهما في حاجة ماسة إلى إصلاح.

الغارديان

 

 

كيف يخطط السعوديون لمواجهة إيران؟

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

أعلنت قطر أمس الأربعاء أنها قامت باستدعاء سفيرها في طهران. وبذلك فإنها تنضم إلى المملكة العربية السعودية وعدد متزايد من الدول المتحالفة معها التي قامت بقطع أو تخفيض العلاقات الدبلوماسية مع إيران. ظاهريا، تأتي هذه التحركات ردا على اقتحام البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد بعد إعدام السعودي الشيعي الشيخ «نمر النمر». في الواقع، فإن هذه الاضطرابات تعكس اعتقادا سائدا في المنطقة بأن النفوذ الإيراني يشكل تهديدا للدول العربية السنية.

تخشى المملكة العربية السعودية أن رفع العقوبات المنتظر سوف يعزز من قوة طهران التي تمتلك قدرات ديموغرافية كبيرة مقارنة بجيرانها. على سبيل المثال، فإن المملكة العربية السعودية لديها جيش مكون من 200 ألف عضو مقارنة بـ550 ألف جندي في الجيش الإيراني. وتمثل صناعة النفط والغاز في المملكة العربية السعودية النسبة الأعظم من اقتصاد المملكة العربية السعودية التي تمتلك معدلات أعلى من الشباب الأصغر سنا والأقل تعليما مقارنة بإيران. بما يعني أن الرياض عليها أن تكافح من أجل الحد من اعتمادها على قطاع النفط.

وإذا لم يكن هناك بد من الذهاب نحو مواجهة مع إيران، فإنه لا بديل أمام المملكة العربية السعودية سوى تشكيل تحالفات. تحقيقا لهذه الغاية، فقد شرعت الرياض باجتهاد في إنشاء وتشكيل تحالفات في جميع أنحاء المنطقة. ولجذب هؤلاء الحلفاء، فقد قدمت لهم الرياض وعود التعاون العسكري والاقتصادي.

عسكريا، قامت المملكة العربية السعودية بتدشين تحالف لمحاربة الإرهاب مكون من 34 دولة مستثنية إيران وحلفاءها في العراق وسوريا. يهدف التحالف إلى تعزيز مصالح السنة في جميع المسارح الرئيسية للصراع بين السنة والشيعة، في سوريا والعراق واليمن ولبنان.

واقتفاء لخطى المملكة العربية السعودية، فقد قامت عدد من الدول العربية بإدانة الدور الإقليمي لإيران وشرعت في اتخاذ تدابير دبلوماسية ضدها. قامت كل من البحرين والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة والسودان وجيبوتي بسحب سفرائها من إيران في حين قامت كل من الأردن ومصر بانتقاد التدخل الإيراني في الشؤون العربية. إضافة إلى ذلك، فقد وصفت تركيا وحكومة إقليم كردستان إعدام «النمر» بأنه قضية سعودية محلية.

ويأتي إعدام «النمر» كإشارة من الرياض إلى طهران أنها لن تتسامح مع النفوذ الإيراني في المجتمعات الشيعية في الدول العربية السنية. بعد أن قضى 10 سنوات في إيران من أجل الدراسة، أقام النمر في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، حيث كان من أشد منتقدي التسلط في الرياض، وكان أبرز المدافعين عن حق الطائفة الشيعية في طلب المساعدة الخارجية لتحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية.

تعي الرياض جيدا أن إعدام «النمر» سوف يكون له تداعيات محلية وإقليمية كبيرة. وقد سعت للحد من احتمالات وجود ردود أفعال عنيفة محليا من خلال تخفيف المظالم الشيعية في الأيام التي سبقت تنفيذ حكم الإعدام. بهذه الطريقة، فإن المملكة العربية السعودية تأمل في احتواء التوترات الشيعية المحلية في الوقت الذي ترسل إشارة قوية إلى إيران أنها مستعدة لاستخدام تدابير قاسية للحد من النفوذ الإيراني الشيعي على السكان الذين يعيشون في ظل الحكومات السنية.

وبصرف النظر عن جهود الرياض في هذا الصدد، فإن والاحتجاجات في العراق ولبنان والبحرين وتركيا هي مثال على مدى الصعوبة التي تواجه المملكة العربية السعودية من أجل تحقيق هذا الإنجاز. على الرغم من المملكة العربية السعودية ستواصل تطوير تحالف العرب السنة في الشرق الأوسط لمكافحة النفوذ الإيراني، فإنها سوف تعاني من أجل تهدئة المجتمعات الشيعية داخل حدودها. وهذا الفشل من شأنه أن يفاقم من مشكلة التوتر الطائفي في المنطقة.

ستراتفور

 

 

 

آفاق التهدئة والتصعيد بين الرياض وطهران .. والمفاجأة التركية “السارة”/ بدر الراشد

على ضوء العروض الدولية والإقليمية المتسارعة للتوسط بين السعودية وإيران، من روسيا، وتركيا، والعراق، وباكستان، بات واضحاً أنّ ذروة الارتدادات المباشرة للاشتباك بين البلدَين انتهت عملياً، ودخل الطرفان في طور دراسة أفق التصعيد أو التهدئة على نار هادئة.

لم يكن قطع العلاقات الدبلوماسية على خلفية اقتحام السفارة والقنصلية السعودية في إيران، إلا «رأس جبل الجليد». فالعلاقات السعودية – الإيرانية متوترة منذ ثورة الخميني عام 1979. ووصلت إلى ذروتها خلال السنوات القليلة الماضية، على خلفية تدخلات طهران في الشؤون الداخلية العربية في لبنان، وسورية، والعراق، واليمن، والبحرين، والكويت، والسعودية، من خلال التصريحات الإعلامية المهاجمة للرياض عام 2015 على أقل تقدير.

وتصاعدت التصريحات الإيرانية إثر تدخل السعودية في الحرب اليمنيّة معلنة «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين والرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، ودعمها للمعارضة السورية المسلّحة ضد نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، وحادثة سقوط رافعة في الحرم المكي، والتدافع في منى أثناء موسم الحج.

وكان واضحاً في خطاب وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عندما أعلن عن قطع العلاقات مع طهران، الأحد الماضي، أنّ الرياض تأخذ بعين الاعتبار في هذا القرار، تاريخ التدخلات الإيرانية في الإقليم. وأشار الجبير إلى أنّ القطيعة مع طهران، تأتي على خلفية الاعتداءات على السفارة والقنصلية، وتصريحات النظام الإيراني السابقة والممهّدة لهذا الاعتداء، بحسب الجبير، بالإضافة إلى استمرار سياسات إيران العدوانية في المنطقة.

وتأتي الدلالة الأهم في هذا السياق، في لقاء الجبير مع وكالة «رويترز»، بعد قطع العلاقات مع طهران، والذي أعلن فيه بشكل صريح وواضح، أنّ مشكلة السعودية مع إيران، تكمن في أنّ الأخيرة تتعامل باعتبارها «دولة ثورية» لا كـ«دولة طبيعية». وأكّد أنّ العلاقات مع إيران يمكن أن تكون طبيعية في حال أصبحت إيران «دولة طبيعية لا ثورية». وهذا ينسجم مع عبارة أخرى كان يرددها وزير الخارجية السعودي، خلال الأشهر القليلة الماضية، وهي اعتبار إيران «دولة تحتل أراضٍ عربية». والمقصود الهيمنة الإيرانية في العراق، وسورية، ولبنان، واليمن.

خيار التهدئة السعودي، إنْ تحقّق، سيعني التعامل مع الأزمة الحالية مع طهران بشكل سطحي، باعتبارها أزمة دبلوماسية سببها «تقني»، أي اقتحام السفارة السعودية في طهران، وقنصليتها في مدينة مشهد الإيرانية، وتجاهل الأسباب الحقيقية للأزمة. وفي هذه الحالة، ستكون الوساطات الدولية مجدية في حال اعتذرت إيران للسعودية بشكل مباشر، وهو أمر ممكن. فقد كتبت طهران رسالة اعتذارية عن اقتحام السفارة والقنصلية، إلى الأمم المتحدة، وتعهّدت بحماية البعثات الدبلوماسية، كما شجب الرئيس الإيراني، «حسن روحاني»، عملية الاقتحام.

كما أنّ هذه الخطوة ممكنة، في حال رغبت الرياض بالتهدئة، لكنها لن تعني أي شيء على المدى الطويل. فكل القوى الإقليمية والدولية تدرك أنّ الخلاف السعودي – الإيراني ليس بسبب اقتحام السفارة والقنصلية، إنما لوجود رؤية مختلفة جذرياً للمنطقة، وبسبب انخراط السياسات الإيرانية في العراق، وسورية، واليمن، ولبنان، وساحات دولية أخرى بشكل أقل حدة.

في هذا السياق، لن يكون خيار التهدئة معبّراً عن تخفيف حقيقي للنزاع، أو عودة طبيعية للعلاقات بين الرياض وطهران، لكنها محاولة لإيقاف تطور الأزمة إلى مواجهة أكبر، سواء مباشرة، أو في الساحات المفتوحة للتنافس الإقليمي. وهي خطوة غير مرغوب بها دولياً على الإطلاق في الوقت الراهن.

آفاق التصعيد

على الضفة الأخرى، يبدو أنّ العالم العربي غير مستعد للتصعيد مع طهران. فعلى المستوى العربي، كانت كل من البحرين والسودان، الوحيدتَين اللتين اتخذتا إجراءات حادة تجاه طهران، توازي الخطوات السعودية، إذ قطعتا العلاقات الدبلوماسية، بالإضافة إلى جيبوتي، أخيراً.

فيما اكتفت الكويت بسحب سفيرها من طهران، وخفّضت أبوظبي تمثيلها الدبلوماسي هناك، واستدعى الأردن السفير الإيراني في عمّان، مجبتي فردوسي بور، وسلّمه مذكرة احتجاج. وأدانت قطر اقتحام السفارة والقنصلية السعودية، وكذلك فعلت مصر.

وقد تكون «المفاجأة السعيدة» أتت أخيراً من تركيا، على لسان الرئيس «رجب طيب أردوغان»، الذي دافع عن السعودية وموقفها بوضوح، عندما جزم بأن الإعدام في السعودية هو «شأن داخلي» للمملكة، قبل أن يضرب على الوتر الحساس الذي يعني إيران، فخاطب النظام في طهران قائلاً ما يفيد بأن الإيرانيين يصمتون عن إعدام السوريين منذ 5 سنوات والآن يغضبون إزاء إعدام شخص واحد، في إشارة إلى الشيخ «نمر النمر»، مذكّراً العالم بأن الإعدام يطبَّق ليس في السعودية فحسب، بل في إيران أيضاً والولايات المتحدة.

وتساءل «أردوغان»: «أين كان العالم من أحكام الإعدام في مصر، وقد كان من بين المحكومين بالإعدام محمد مرسي، هل كان رئيس الجمهورية المنتخب إرهابياً؟ لم ينبس العالم ببنت شفة، وبقينا نحن الوحيدين الذين تحدثوا بالأمر».

تأتي هذه الخطوات والمواقف، في ظلّ دعوات عربية أخرى للتهدئة، أبرزها موقف الجزائر والعراق، وأخرى غير مفسّرة، كالموقف العُماني الذي اكتفى باعتبار اقتحام السفارة والقنصلية السعودية، «أمراً غير مقبول»، رافضاً «التدخلات في الشؤون الداخلية للدول»، في إشارة إلى قطع العلاقات السعودية الإيرانية.

وتزامن ذلك، مع اجتماع السفير العمُاني في طهران، «سعود بن أحمد البرواني»، برئيس مجلس الشورى الإيراني، «علي لاريجاني»، وانتقد خطوات التصعيد السعودية، بحسب وكالات الأنباء الإيرانية، من خلال تصريح تم نفيه لاحقاً، من قبل وزارة الخارجية العُمانية.

أما دولياً، فالأمر لم يشذ كثيراً، إذ واصلت القوى الدولية دعواتها إلى التهدئة. والمثير في هذا السياق، غياب الأزمة السعودية – الإيرانية عن النقاشات الأميركية بشكل صارخ، إنْ على المستوى الإعلامي أو الحزبي الانتخابي، إذ لم يُطرح الموضوع على مستوى نقاشات المرشحين للانتخابات الأميركية الرئاسية للعام 2016، وكان العنوان الأبرز الأميركي هذا الأسبوع، شأناً داخلياً بحتاً، متمثلاً في خطوات الرئيس الأميركي، «باراك أوباما»، المنتظرة، في قضية ضبط بيع الأسلحة في الولايات المتحدة.

وهنا، يظهر أوباما مخلّصاً لنهجه السياسي، والمتمثل في عدم تورط واشنطن في صراعات المنطقة. فالرئيس الأميركي الذي أراد الاتفاق النووي مع إيران بأي ثمن، تجنباً لمواجهة مباشرة مع طهران، لن يقدم على هذه الخطوة اليوم، لأسباب كثيرة.

تأخذ الرياض في عين الاعتبار كل هذا السياق الأميركي، لذا تتحرك منفردة، بعيدة عن هوى الأخير، وأكثر ما تعوّل عليه ربما، أن تتمكن من نيل مواقف خليجية بالمستوى الذي تشتهيه الرياض، في اجتماع وزراء مجلس التعاون الخليجي، يوم السبت، حيث علمنا أن المملكة ستحاول الدفع باتجاه استصدار قرار خليجي بإلغاء الاتفاقيات الموقعة مع إيران، رغم صعوبة ذلك بالنسبة لعدد من الدول الخليجية التي ترتبط بمصالح ملموسة اقتصادية وغير اقتصادية مع إيران.

أما اجتماع يوم الأحد لوزراء خارجية دول الجامعة العربية، فلا تعوّل عليه الرياض لعلمها بالانقسامات العربية الحادة حول كل الملفات.

بالعودة إلى الموقف الأميركي، فإن الولايات المتحدة لم تكن متحمسة للتدخل السعودي، عبر التحالف العربي في اليمن، لكنها لم ترفضه، حتى لا يظهر وكأن أميركا منحازة لإيران بعد الاتفاق النووي.

في السياق ذاته، لن تصعّد واشنطن لهجتها ضد إيران اليوم، لأن إدارة أوباما لا تريد الانخراط أكثر في صراعات المنطقة، في ظل سعي الرئيس الأميركي لتمرير ولايته الثانية، بأمجاد إصلاحية تاريخية على المستوى المحلي الأميركي، من دون خسائر أو مغامرات دولية في سجلّه.

ماذا تبقى للرياض؟

السعودية ليست وحيدة، كما أنّها ليست معزولة دولياً، وعلاقاتها بالولايات المتحدة ليست سيئة بمعنى القطيعة، ولا جيدة لدرجة أنْ تخوض واشنطن صراعات الرياض نيابة عنها.

لا تزال السعودية تعقد صفقات السلاح مع الولايات المتحدة، وهو أمر مهم جداً إذا تمّ التطرق للحديث عن اضطراب إقليمي.

فالسعودية عقدت مع أميركا صفقات تسليح مختلفة، أخيراً، من ضمنها صفقة بقيمة 1.29 مليار دولا لشراء ذخائر، لتعويض ما فقدته السعودية في اليمن. بالإضافة إلى صفقة أخرى مع شركة «لوكهيد مارتن» الأميركية، لشراء أربع سفن حربية، بقيمة 11.25 مليار دولار.

يأتي هذا، في ظل تباين إعلامي في بريطانيا، يدفع بعضهم بأهمية أن يتم دعم الرياض في مواجهة طهران، والتي بدأت أيضاً تتحرر من عزلتها الدولية بعد الاتفاق النووي، مقابل محاولة الرياض عزلها عربياً.

هذا بالإضافة إلى أن مواقف الدول التي لم تتخذ خطوات تصعيدية ضد طهران، مثل باكستان، لا يمكن أن يفهم كانحياز لطهران، بقدر ما هو، على ما يبدو ظاهراً، محاولة لنزع فتيل أزمة قد تقود إلى تفجّر الأوضاع في المنطقة، المضطربة أساساً.

كما أنّ طبيعة الأزمة الراهنة، سمحت لدول الخليج بأن تتعاطى مع الموضوع بمنطق عدم التصعيد، مع الوقوف على الجانب السعودي خلال الأزمة، لكن هذا لا يعني أن هذه الدول لن تقف مع السعودية، وتصعّد أكثر، في حال تطور التوتر إلى نزاع مفتوح بين الرياض وطهران.

العربي الجديد

 

 

 

فصل جديد من التأزيم/ عريب الرنتاوي

دخلت المنطقة مع مطلع العام الجديد، حلقة جديدة، أكثر توتراً وخطورة، في مسلسل الانقسام والاصطراع المذهبيين … القصة بدأت بتنفيذ حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وتعقّدت بإقدام متظاهرين في طهران وقم على حرق السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، في نموذج فجّ.

المتتبع لصوت عائلة النمر، كما عبّر عنه شقيقه في تغريداته المتعاقبة، يلحظ قدراً متميزاً ومفاجئاً من «الاعتدال» و«التوازن»، فالرجل منذ اليوم وهو يدعو لالتزام «السلمية» في التعبير عن المواقف والمشاعر، وعندما بدأت أنباء حرق القنصلية والسفارة في إيران بالتواتر، خرج مندداً ومستهجناً للتدخل الإيراني في المسألة، وهو المكلوم بأخيه، فيما نجله محكوم أيضاً بالإعدام، وينتظر تنفيذ الحكم في سجنه.

ثمة نقاش واسع، يدور همساً أو يُستشف من تحت غبار حرب الاتهامات المتبادلة والمواقف المتشنجة التي تطبع العلاقات السعودية – الإيرانية، حول أسباب ودوافع تنفيذ حكم الإعدام، أو ردة الفعل الإيرانية عليه ….

في الجانب الإيراني، ليس ثمة من يتقبل الرواية الرسمية التي تتحدث عن «ثورة غضب» شعبية وغير رسمية، فالحكومة مسؤولة في كلتا الحالتين عمّا حصل من خرق للقانون الدولي ومعاهدة فيينا، وسواء أكانت هي من دبر عملية الاقتحام والحرق، أم هي من عجز عن منع هذه العملية، فهي تتحمل المسؤولية كاملة وفي كلتا الحالتين عن الفعلة المسيئة، وربما هذا ما فسر تصريحات الرئيس حسن روحاني التي خطّأ فيها الاعتداء على السفارة والقنصلية.

في الحالة السعودية، ثمة من يعتقد بأن المملكة كانت بحاجة لـ«شدّ العصب السني» سيما وأن «مفاعيل» التحالف الإسلامي الذي أعلن عنه مؤخراً، لم تتظهّر بعد ….

وفي الحالة الإيرانية، ثمة من يتحدث عن دوافع أخرى عديدة، غير إعدام النمر، تقف وراء ما حصل، منها إحساس إيران بالتوتر على خلفية التطورات الأخيرة في الحرب على اليمن، ومنها ما يتصل بقضية الحجاج في تدافع منى المأساوي، والذي شكل الإيرانيون غالبية ضحاياه … ومنها أيضاَ ما يتصل برفض الرياض محاولات طهران المتكررة، للشروع في حوار وتسويات حول بعض ملفات الإقليم.

خلاصة القول، أن العلاقات بين المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية، دخلت في طور جديد من التوتر والقطيعة، وأحسب أن تداعيات الأزمة الراهنة، لم تكتمل بعد، وثمة فصول جديدة من الأزمة والتأزيم، ستظهر تباعاً سواء على المستوى الثنائي، أو ربما تتظهّر في «حروب الوكالة» المندلعة من اليمن إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا.

ولا شك أن هذا الفصل الجديد من التوتر، سوف تكون له التداعيات السلبية على الجهود الرامية للتوصل إلى حلول سياسية لأزمتي اليمن وسوريا، وسيشهد مسارا فيينا وجنيف، المعقدين والعاثرين أصلاً، المزيد من العثرات والتعقيدات … كما سوف نشهد تصعيداً في المواجهات الميدانية، وربما في حروب التصفيات والاغتيالات لأنصار الطرفين في هذه الدول.

والمؤسف حقاً، أنه باستثناء التصريح الروسي المعبر عن الاستعداد للوساطة والتوسط بين البلدين لحل خلافاتها، لا نرى أية مبادرات جدية، من داخل الإقليم، تستهدف احتواء التأزم، والحيلولة دون انزلاق المنطقة برمتها، إلى فصل جديد من الانقسام والاصطراع المذهبيين.

الدستور الأردنية

 

 

 

حول الإعدامات في السعودية

رأي القدس

نفذت المملكة العربية السعودية السبت حكم الإعدام في سبعة وأربعين شخصا أغلبهم من أعضاء تنظيم «القاعدة»، غير أن أربعة من المعدومين كانوا من الطائفة الشيعية بينهم الشيخ نمر باقر النمر، وهو أحد الزعماء الناشطين الذين، بحسب وكالة الأنباء رويترز ـ «رفضوا النهج الهادئ للقادة الأكبر سناً في الطائفة».

ردود الفعل الأكبر على القرار صدرت عن إيران التي هدد زعيمها الدينيّ الأعلى آية الله علي خامنئي أمس الأحد بأن «الانتقام الإلهي» سيحل بالساسة السعوديين لإعدامهم الشيخ النمر، كما ندد الرئيس الإيراني حسن روحاني بما سماه «انتهاك السعودية لحقوق الإنسان والقيم الإسلامية» و«تطبيقها سياسات طائفية»، وتوعد الحرس الثوري الإيراني بـ«انتقام قاس» من الأسرة السعودية الحاكمة، فيما تظاهر قرابة 1000 شخص وهاجم بعضهم السفارة السعودية في طهران وحطموا أثاثها وأشعلوا النيران فيها، حصلت مواجهات في البحرين بين الشرطة ومحتجين، وصدرت تنديدات في العراق وإيران، عن آية الله السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى في العالم، وحيدر العبادي، رئيس الوزراء، ومقتدى الصدر، الزعيم الشيعي، وفي لبنان، على لسان زعيم «حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله.

أهم ملاحظة على الحدث المذكور هو اتخاذه، من جهة إيران والمرجعيات الشيعية في العراق والبحرين ولبنان منحى طائفياً بحتاً، فقد تم تركيز المسألة كلّها على إعدام الشيخ نمر النمر وثلاثة من رفاقه، وبالتالي لم يهتمّ أحد من المحتجين على القرار بمناقشة قضية الإعدام كمبدأ، كما تجاهلوا أن التنفيذ طال ثلاثة وأربعين آخرين من المسلمين السنّة، وهو ما يضعف قوّة الحجة ويؤجج، عملياً، النزاع المذهبيّ الرخيص من دون أفق ممكن للاستناد إلى المشتركات الحقوقية والقانونية الإنسانية.

لم تناهض الأطراف المحتجّة الإعدام على أساس مبدئي، ومعارضتها للرياض تشبه الكوميديا السوداء لأن عمليات الإعدام في بلدانها أعلى سنويا من عدد الإعدامات في السعودية، فقد كانت إيران والعراق هما سبب زيادة العدد الإجمالي للإعدامات في العالم عام 2013 (369 عملية إعدام في إيران خلال عام واحد، و169 إعداما في العراق)، وذلك استناداً إلى الأرقام التي أعلنتها سلطات البلدين، وهي دائما أقلّ من الأرقام الفعلية، وبحسب منظمة العفو الدولية فإن أحكام الإعدام في العراق وإيران تصدر بعد «محاكمات غير عادلة بشكل فاضح»، وتؤكد شبكات حقوق الإنسان الدولية أن أغلب الأحكام في العراق وإيران تؤدي لإعدامات جماعية لمسلمين سنّة.

لقد انخفض عدد الدول التي تطبق أحكام الإعدام إلى 22 دولة من أصل 41 دولة عام 1995، ويتم تطبيق الإعدام بأشكال شتى بينها الكهرباء وقطع الرأس والشنق والحقنة القاتلة، ويجري تطبيق أحكام الإعدام على جرائم من قبيل السرقة أو السحر أو الزنى أو تهريب المخدرات، وخلال السنوات العشر الماضية كانت الدول الأكثر تطبيقاً للإعدام هي التالية: الصين، إيران، السعودية، العراق، الولايات المتحدة الأمريكية، باكستان، اليمن، كوريا الشمالية، فيتنام وليبيا، أي أن أربعا من الدول عربية، وستا منها تدين شعوبها بالإسلام، وإذا كان هناك من «عزاء» لهذا السجل العربيّ والإسلامي البائس فهو وجود دولة مثل الصين التي يقدّر عدد الإعدامات فيها سنوياً بالآلاف، وكذلك وجود أكبر دولة وأغنى بلدان «العالم الحرّ» (أمريكا) في المرتبة الرابعة بين قائمة الدول التي يعتبرها الأمريكيون «متخلفة» و»رجعية» و»مستبدة».

المؤسف أن الجدل حول الإعدامات في بلد مثل السعودية ينزلق نحو «الكليشيهات» والقولبات الإعلامية المعتادة بدل مساءلة هذه الكليشيهات الراسخة، كما أنه يستخدم منصّة انتهازية للصراعات الطائفية، بدل الدفع المستمرّ في اتجاه حضاري وقانوني عالمي يرفض الإعدام كمبدأ، فعمليات الإعدام، حتى في بلد ذي جهاز قضائي محكم كأمريكا، يمكن أن تخضع للأحكام البشرية التي تتأثر بلون جلد المجرم وانتمائه الاجتماعي والتحيّزات السياسية والنفسية التي قد تؤثر على القضاة والمحامين والمحلّفين، فما بالك في بلدان مثل الصين وإيران والعراق والسعودية.

تتعرّض المملكة العربية السعودية إلى عاصفة كبرى وهي تحتاج، إضافة إلى صفات الصلابة والحزم والشدة أمام المخاطر، عدم استبعاد الاحتمالات الأخرى، التي تكلّف أقلّ، وتؤدي المطلوب، بما في ذلك، الخروج من أسر الأفكار الثابتة وإعادة إنتاج صورة حديثة ومتقدمة للمملكة.

القدس العربي

 

 

ملفّات كبيرة حسّاسة في مهبّ التوتر السعودي – الإيراني واشنطن تخشى على الجهود لسوريا والحرب على “داعش”/ موناليزا فريحة

كثيرة هي التبعات المحتملة للأزمة المستفحلة بين السعودية وايران. بعد احراق سفارات وسحب سفراء واطلاق نار على دورية للشرطة في المنطقة الشرقية، وتفجير مسجدين للسنة في العراق، ثمة ملفات كبيرة مرتبطة بالخصمين الاقليميين اللدودين ويمكن أن تتشظى أيضاً، من حروب الواسطة الدائرة بين الجانبين في أكثر من بلد الى محادثات السلام لسوريا، ومن الحرب على تنظيم “الدولة الاسلامية” في سوريا والعراق الى المحادثات من أجل تحقيق استقرار اسعار النفط، وصولاً أخيراً وليس آخراً الى الاستحقاق الرئاسي في لبنان.

العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران متوترة منذ الثورة الاسلامية، وإن تكن شهدت دفئاً في بعض الاحيان بين الخصمين اللدودين، لكن الأزمة الاخيرة التي نشبت على خلفية اعدام المملكة الشيخ الشيعي نمر باقر النمر، تتفاعل بسرعة وتنذر بعواقب للمنطقة.

قبل الثورة الاسلامية بكثير وتحديدا منذ 1929، تاريخ اقامة علاقات بين الجانبين، كانت الاتصالات بين النظامين الملكيين رسمية، إلا أن أزمة سياسية أولى ظهرت نهاية عام 1943، عندما اعتقلت الشرطة السعودية أحد الحجاج الإيرانيين داخل الحرم المكي بتهمة “القاء القاذورات على الكعبة وسبّ الرسول والصحابة”، ثم أعدمته. وعندما اعترفت طهران عام 1950 بإسرائيل ساد توتر علاقاتها مع الرياض. ومع ذلك استمرت العلاقات تتأرجح بين الود والانفتاح والتعاون، حتى الثورة الاسلامية عام 1979.

وفي نيسان 1988، قطع الملك فهد بن عبد العزيز العلاقات الديبلوماسية مع طهران، بعد توتر على خلفية مقتل 402 من الحجاج، بينهم 275 إيرانياً، في اشتباكات بمدينة مكة.

ففي حينه، احتل محتجون السفارة السعودية في طهران وأضرموا النار في السفارة الكويتية. وتوفى الديبلوماسي السعودي مساعد الغامدي متأثراً بجروح أصيب بها عندما سقط من نافذة في السفارة، واتهمت الرياض طهران بالتأخر في نقله إلى مستشفى في السعودية. وأعيدت العلاقات عام 1991.

ومع انتخاب الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي عام 1997، تراجع التوتر بين البلدين وتحسنت العلاقات أكثر بعد زيارتي ولي العهد السعودي في حينه الامير عبدالله بن عبد العزيز لطهران في كانون الاول 1997 وخاتمي للمملكة في أيار 1999.

بيد أن القلق السعودي من ايران تجدد مع انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي اعتمد خطاباً معادياً للرياض والغرب وأعاد تنشيط الطموحات النووية للجمهورية الاسلامية.

وعندما نشبت الحرب في سوريا، دعمت طهران بقوة النظام السوري، بينما وقفت الرياض في صف المعارضة. وحصل الاصطفاف نفسه في اليمن. وأرسلت السعودية قوات لمساعدة السلطات في البحرين، واتهم البلدان طهران لاحقاً بالتسبب بمفاقمة العنف ضد الشرطة البحرينية.

وزادت مخاوف الرياض من تحركات طهران في المنطقة مع توصلها الى اتفاق نووي مع الغرب يرفع عنها العقوبات الدولية.

وكارثة الحج العام الماضي أثارت توتراً كبيراً بين الدولتين، إذ ألقت طهران على “العجز” السعودي تبعة مقتل نحو 464 ايرانيا، بناء على تعداد السلطات الايرانية.

وشكل أخيراً اعدام النمر الصاعق الذي فجر توتراً متراكماً على خط الرياض – طهران اللتين جلستا معاً أواخر العام الماضي الى طاولة المحادثات الرامية الى ايجاد حل سياسي للنزاع السوري.

محادثات جنيف

وقبل أيام من موعد الجلسة التالية للمحادثات السورية المتوقعة نهاية كانون الثاني الجاري، يفترض أن يعقد المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى سوريا ستيفان دو ميستورا لقاءات في الرياض لتمهيد الطريق لمحادثات الجلسة.

الا أن مسؤولين غربيين أبدوا قلقاً من امكان انعكاس الخلاف السعودي – الايراني على الأجواء وتقويض النقاشات قبل أن تنطلق.

ونسبت مجلة “فورين بوليسي” الى مسؤول كبير في الادارة الاميركية أن النبرة الحامية بين الرياض وطهران تمثل عائقاً آخر أمام الديبلوماسية في شأن سوريا. وقال: “التوتر الذي تسببت به الاعدامات لا تساعد في محاولة تجاوز بعض من التوترات الطائفية المتعلقة بسوريا”، الا أنه أضاف: “أعتقد أن الجميع لا يزالون يحاولون المضي قدماً”.

كذلك أبلغ ديبلوماسي مقره في نيويورك المجلة أن “الاجواء لا يمكن أن تكون جيدة… أعتقد أن الكثير يعتمد على ما اذا كانت واشنطن وموسكو تريدان انقاذ العملية وقت نسعى الى ابقائها على قيد الحياة”.

ويُخشى تحديداً أن تتخذ المعارضة السورية المقربة من الرياض مواقف أكثر حدة حيال ايران وروسيا اللتين تدعمان النظام السوري، وألا تبدي أي استعداد للتسوية في شأن تركيبة وفد المعارضة الى جنيف، خصوصاً أن موسكو تضغط لمنع بعض الجماعات من المشاركة في المحادثات، واصفة أعضاءها بأنهم “ارهابيون”.

الحرب على “داعش”

وأمس أبدت روسيا استعدادها للقيام بـ”وساطة” لحل الازمة بين السعودية وايران”، فيما سارعت دول عدة الى التحذير من تصاعد التوتر، ودعت باريس وبرلين الى لجمه.

وكانت واشنطن طالبت الاحد زعماء دول الشرق الاوسط بالقيام بـ”خطوات لتهدئة التوترات”. وتخشى الادارة الاميركية خصوصاً أن ينعكس التوتر سلباً لا على الجهود لحل الأزمة السورية فحسب، وإنما ايضاً على الحملة الدولية للقضاء على “داعش”.

وفي موقف لافت، حمّل مسؤول أميركي واحد على الأقل الرياض مسؤولية تفاقم التوتر باعدام النمر. ونسبت “الواشنطن بوست” الى هذا المسؤول قوله: “انها لعبة خطيرة يلعبها السعوديون… ثمة تبعات أوسع من ردود الفعل على هذه الاعدامات”.

وأثار موقف المسؤول الاميركي رداً غاضباً من مسؤول سعودي قال للصحيفة نفسها إن “طهران أظهرت ازدراءها للغرب مراراً وتكراراً، مواصلة رعاية الارهاب واطلاق صواريخ باليستية ولا أحد يفعل شيئا ازاء هذا الامر”.

حروب الواسطة

والى التبعات السياسية للتوتر السعودي – الايراني، ثمة سؤال أساسي عن المدى الذي ستذهب اليه حروب الواسطة بين الجانبين في سوريا والعراق واليمن والبحرين ولبنان. فالغضب الذي أثاره اعدام النمر لدى الشيعة في ايران والعراق وبلدان اخرى يأخذ منحى تصعيدياً.

ويذهب المحلل العسكري في شبكة “سي أن أن” الاميركية للتلفزيون الجنرال المتقاعد مارك هرتلينغ الى التحذير من امكان حصول مواجهة مباشرة بين السعودية وايران، قائلاً: “الوضع يتفاقم بسرعة”.

اقتصاد

والى السياسة والعسكر، يبدو الاقتصاد إحدى الضحايا الرئيسية للتوتر.

باحثون في الشؤون الايرانية الى أن قطعاً محتملاً للعلاقات بين كل دول مجلس التعاون الخليجي وإيران يعني أزمة اقتصادية تمس بالجانبين، لأن حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإيران مثلا يصل إلى 20 مليار دولار على الأقل، وتطور كهذا قد يدخل المنطقة في أزمة اقتصادية طاحنة.

ويذكر أن الامارات خفضت مستوى تمثيلها الديبلوماسي في طهران.

ولا شك في أن أسواق النفط ستتأثر أيضاً. فقد قفزت أسعار النفط بنسبة أكثر من اثنين في المئة في أولى ساعات التعامل سنة 2016.

وحده الاتفاق النووي الايراني الموقع بين طهران والغرب لا يزال بعيداً، أقله حتى الآن، من التبعات المحتملة للتوتر. وقالت برلين إن ليس ثمة دليل على أن إيران تعتزم الخروج من الاتفاق، وقد تفي بكل تعهداتها هذا الشهر.

النهار

 

 

 

 

قلق العرب من إيران في محله/ دنيس روس

لا يربط بين الولايات المتحدة والسعودية حلف، بل تربط بينهما علاقة شراكة قوامها التقاء مصالح ورؤية مشتركة إلى الأخطار. فحلفاء اميركا يشاركونها قيمها وليس مصالحها فحسب. وفي الحرب الباردة، الموقف من الشيوعية جسور التقارب بين البلدين (…) ولم يخف واشنطن ان السعودية قوة استقرار اقليمي، وأنها مصدر نفط مستقر وثابت.

ولا شك في أن القيم الاميركية غير مشتركة مع هذه المنطقة من العالم. ومنذ هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وبروز «داعش»، تدور مناقشات المسؤولين الاميركيين على قطع تمويل مدارس سلفية متطرفة. وتسعى الرياض إلى اجتثاث مؤيدي تنظيم «داعش». ويسلط النزاع في سورية واليمن وقطع العلاقات بين السعودية وإيران الضوء على الإيرانيين وميليشياتهم التي تخوض حروباً بالوكالة عنهم. فهم مصدر الخطر الأبرز. وإثر الاتفاق الاميركي مع إيران، تجبه دول عربية تحديات الخطر الإيراني. وترى السعودية ان إدارة أوباما لا ترغب في جبه الإيرانيين، وتنظر بعين القلق إلى استغلال إيران ارتخاء قبضة العقوبات (للنفخ في الحرب بالوكالة)…

إدارة أوباما لا ترغب في تفاقم النزاع السني – الشيعي في المنطقة. ولكن هل تقف دول سنية وراء هذا التفاقم؟ أم هي إيران في سورية والعراق والبحرين واليمن؟ وهل تتوسل طهران رفع العقوبات لتعزيز مستوى دعم أذرع حروبها بالوكالة؟ الكل في المنطقة ينتظر رد أميركا على ما يجري. واليوم يمر الشرق الأوسط في مرحلة حساسة. والابتعاد عن الدول العربية قد يحمل الإيرانيين على حسبان ان اميركا لن تحاسبهم على انتهاك الاتفاق النووي ولا على سلوكهم الاقليمي. ودفاع اميركا عن أمن الدول السنّية وثيق الارتباط بالامتناع عن إذكاء النزاعات عوض الاحتواء والحل.

* مسؤول سابق في وزارة الخارجية الاميركية ومجلس الأمن القومي، المستشار الخاص للرئيس اوباما في الشرق الأوسط وأفغانستان وجنوب آسيا بين 2009 و2011، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 4/1/2016، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

بئر بلا قعر/ امين قمورية

في نهاية عام 2015 لاح احتمال تسويات ممكنة في سوريا واليمن وليبيا ولبنان… ومع ان مشاريع الحل كانت محملة بالفخاخ والالغام وحبلى بالهواجس والشكوك ، الا ان طرحها أشاع بارقة أمل بعد سنوات عجاف، وجعلنا نظن لوهلة ان للعقلانية مساحة ضيقة في حياتنا السياسية.

هذه البارقة سرعان ما بددتها الساعات الاولى من العام الجديد، اذ بدا ان لا مكان للسياسة والتسوية في هذا الاقليم الملعون بألف لعنة، بل ان الجنون المذهبي والطائفي هو سيد اللعبة بلا منازع.

صحيح ان الخلاف الايراني – السعودي ليس جديداً، فقد دفع الاقليم بفعله الكثير من الدماء والاشلاء. ومع ذلك لم تصل الامور الى حد القطيعة بين طهران والرياض. ظلت الشعرة التي تربط العاصمتين تغذي الوهم انه يمكن العمل بينهما على الحلحلة وطرد اشباح الفوضى وإخماد النار في الساحات المشتعلة. ولعل بعضنا في لبنان عاش هذا “الوهم اللذيذ” لإمكان التوصل الى تسوية اقليمية تنهي ازمة الفراغ الرئاسي.

ومع قطع الشعرة تبخر الوهم، وعادت شياطين التعصب المذهبي لتملأ الساحات العابقة بهواجس الارهاب والتجزئة والتقسيم واعادة رسم الخرائط.

في اللقاءات الاخيرة التي عقدت في رعاية اممية لإيجاد حلول للازمات المستعصية في سوريا واليمن، أوحي بان التوافق الدولي يتقدم التوافق الاقليمي، وان ما تتفاهم عليه واشنطن وموسكو يمكن فرضه على الرياض وانقرة وطهران وعلى اللاعبين الصغار والمحليين. لكن كسر الجرة بين ايران والسعودية من شأنه ان يبعثر هذا “الوحي” ويعيدنا الى واقعنا الاليم. فعندما يغيب الحوار بين الفاعلين الاساسيين على الارض يصير أي شيء ممكناً، وعندما يتلاشى التفاهم يزداد احتمال تمزيق الخرائط، وعندما يلغي الاستبداد الديني القيم الانسانية والوضعية يسقط المنطق وتنهار السياسة، وعندما يستثار التعصب المذهبي الى حدوده القصوى تفلت الغرائز وينتصر التوحش “الداعشي” على أنواعه.

اللاعب الاكبر، المتحكم بمفاصل اللعبة الدائرة على ساحاتنا، لا يضيره ان يستعر الصراع المذهبي اذا ما أدى وظيفته برسم حدود امارات النقاء الطائفي على انقاض الخرائط القديمة التي استهلكت تاريخ صلاحيتها (في نظره)، ولا يضيره مد الارهاب بالمقويات اللازمة ما دام يؤدي دوره المطلوب في هز أسس المنطقة وتغيير صورتها، ولم يتجاوز بعد الحدود المرسومة له… انه يكتفي بالدعوة الى ضبط النفس، مع التمني الضمني ألا يحصل، لان ما نفعله بعضنا بالبعض أجمل هدية في العيد له ولاسرائيل.

العالم كله ينتظر العام الجديد للتقدم خطوة على طريق المستقبل. أما نحن، فأمنيتنا القصوى ان نراوح مكاننا عوض مواصلة السقوط في بئر بلا قعر.

النهار

 

 

 

 

الطبيب العليل/ راشد فايد

ليس لإيران أن تعطي دروساً في إدانة الاعدام. فسجلها يمنحها المرتبة الأولى، عالمياً، كما حال سجنها الشهير “رجائي شهر” الذي ينافس غوانتانامو الاميركي، على مرتبة مماثلة.

والحال، ان تابعي طهران في لبنان يعرفون ان صفحتها في حقوق الانسان غير مشرّف، وهم لا يدعون الى إدانة الرياض من زاوية رفض الاعدام، كعقوبة، بدليل ان من أصل 47 أعدموا في المملكة العربية السعودية، لم يهتموا سوى بالنمر، لسبب مذهبي، وليس لأنه كائن بشري يجب احترام حقه في الحياة. فهؤلاء، أنفسهم، لم يدينوا يوماً أي عملية اعدام شهدتها ايران، على كثرتها، وبين المحكومين دعاة سنة ايرانيون، فيما السعودية نفسها، لم تعبر يوما عن موقف من ذلك، لاقتناعها بأن سيادة الدول تشمل أحكام قضاء كل منها، واتخاذ موقف هو مخالفة للعلاقات بينها. حتى انها لم تبد موقفا يوم حكمت طهران بإعدام 27 داعية وشيخاً من أهل السنة بتهمة “محاربة الله والإفساد في الأرض، والدعاية ضد النظام”.

وكانت منظمة العفو الدولية كشفت العام المنصرم عن إعدام إيران 852 شخصاً بينهم 8 أحداث، بين حزيران ونهاية العام الماضي، ولم يشفع لهم شهر رمضان الذي وقع في الفترة المذكورة. هذا السجل يجعل موقف طهران تدخلا في الشأن السعودي، ويثبت أطماعها المذهبية، وسعيها لتحويل الشيعة العرب إلى جاليات فارسية في بلادهم، وهو نهج اتبعه الصهاينة في اسرائيل مع اليهود في دول العالم، ونجحوا في تكريسه، إلى حد فرض الخدمة العسكرية في جيشها على كل يهودي.

لكن ذلك ليس أول “صهينة” للنهج الإيراني، فالإعلان قبل مدة عن هيمنة طهران على 4 عواصم عربية، ليس بعيدا عن احتلال اسرائيل المباشر للقدس. فالاحتلال والهيمنة صنوان، وسمتهما المشتركة شق العالم العربي، باختلاق هوية متمايزة لهذه الفئة أو تلك، تبرر مناكفة الغالبية العربية، والانفصال عنها، إما بكيان مستقل مغتصب، وإما بهيمنة على القرار السياسي في الدول القائمة. الفارق، ان المشروع القديم أراد، مبدئيا، مساحة محددة من المنطقة العربية، هي فلسطين، بينما الجديد أراد أن يكون بلا حدود لهدف واحد: وضع مصير المنطقة في يد المحتل أو المهيمن، أو في يديهما معاً، وفي آن واحد.

قد ينبري محتج الى رفض هذا التشابه، والنظر إليه من زاوية الإساءة المعنوية لإيران، والتنكر لما تزعمه من مصلحة اسلامية. لكن الجماعات البشرية اعتادت ان يستلهم بعضها من تجارب بعض.

عمليات الإعدام لا تزال مطبقة في دول كثيرة وتستحق الإدانة، لكن بلا انتقائية، وأيضا بلا مذهبية، وليس بمنطق “طبيب يداوي الناس وهو عليل”. ومن يرفض اعدام من يطالب بانفصال القطيف، عليه أن يقبل باستقلال الأهواز وبلوشستان ومناطق الأرمن والآذريين وغيرها ووقف إعدام المطالبين به.

 

 

إدارة الصراع بين الرياض وطهران/ فارس الخطاب

قطعت المملكة العربية السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، بسبب موقف السلطات في الأخيرة من مسألة حماية البعثة الدبلوماسية السعودية، ومساهمتها الواضحة في تسهيل تعرض سفارة المملكة وقنصليتها في طهران ومشهد للتخريب والحرق والنهب. هذا هو السبب الآني والمباشر، والذي أغضب الإدارة السعودية، لكنه كان القشة التي قصمت ظهر صبر المملكة، بعد تحرشات وممارسات إيرانية مست دائرة الأمن القومي السعودي والخليجي والعربي، لم تعد قابلة للتمرير أو السكوت عنها، من دون وضع الموقف بين طهران والمنظومة العربية والإقليمية موضع الصراع بدرجاته المتقدمة.

وتأتي عملية تنفيذ المملكة حكم الإعدام الذي صدر عام 2014 بحق المعارض السعودي الشيعي، نمر باقر النمر، بعد إدانته بالتحريض على الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها منطقة القطيف، شرقي السعودية، عام 2011، المحرك الذي تم اختياره بدقة، فيما يبدو، لرفع حالة المواجهة بين المشروعين، العربي الإسلامي بقيادة السعودية، والطائفي الإيراني بمساعدة أذرعها النشطة في العراق ولبنان واليمن والبحرين، وحتى داخل المملكة.

واضح جداً، ومن ردود الأفعال العنيفة والكبيرة، رسمياً ومؤسساتياً، في كل من إيران ثم العراق، والتهديدات العلنية والرسمية للخارجية الإيرانية بـ”إزالة آل سعود من الوجود”، وأن المملكة “ستدفع الثمن غالياً”، ثم تهديدات مجلس خبراء قيادة إيران، والمرشد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي، من أن “الانتقام الإلهي” سيحل بالساسة السعوديين، وتنديد رئيس الوزراء حيدر العبادي، ووعيد سلفه نوري المالكي بإطاحة “العائلة المالكة التي تحكم السعودية”، ودعوة الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، إلى مظاهرات غضب، ووصف قائد كتائب حزب الله في العراق، أبو مهدي المهندس، إعدام النمر بأنه “جريمة تضاف إلى جرائم آل سعود”، واعتبار موفق الربيعي، الطائفي الرسمي في السلطة العراقية على مر حكوماتها منذ عام 2005، “أن إعدام الشيخ النمر لن يمر مرّ السحاب”، ناهيك عن بيانات المجلس الإسلامي الشيعي في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن. واضح من ذلك كله مدى تأثير هذا الرجل على المشاركين في هذه الاحتجاجات وسلوكهم، ففي محاضراته وخطبه، كان محرّضاً على العنف والكراهية بحق آل سعود تحديداً، ثم أبناء كل المكون غير الشيعي. وتمثلت ردة الفعل في إحراق سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، وكذلك حرق السيارات الحكومية والعامة في القطيف، وهي أعمال عنف كان النمر فيها يمثل رمزاً وموجهاً ومنظّراً للشباب (الشيعي) فيها وسيلة للخلاص من هيمنة حكم (السنّة) بشكل عام، وفي المملكة العربية السعودية والبحرين خصوصاً.

“ممارسات إيرانية مست دائرة الأمن القومي السعودي والخليجي والعربي، لم تعد قابلة للتمرير أو السكوت عنها، من دون وضع الموقف بين طهران والمنظومة العربية والإقليمية موضع الصراع بدرجاته المتقدمة”

أعطت عملية تنفيذ حكم الإعدام بحق نمر باقر النمر، وما أعقبها من هستيريا الأنظمة والمليشيات الموالية لإيران، دليلاً قاطعاً على أن الصفعة التي وجهتها السعودية لإيران، وكل من يتبعونها، كانت موجعة حد الألم المبرح من جهة، ومعبّرة حد الإعلام الواضح والقطعي أن من يظن أن هناك شخصا أو فئة في المملكة فوق القانون، المعروف للجميع في طول البلاد وعرضها، فهو واهم، وأن هذا القانون يجب أن يحترم وينفذ بحق الجميع، سواء لوّحوا بخلايا نائمة، أم بقوة دولة إقليمية كإيران.

رسالة أخرى مهمة جدا أرسلتها الرياض إلى كل من يهدد أمنها، وبأي وسيلةٍ أو جهة؛ فقد نفذت المملكة حكم الإعدام بحق النمر، فجر ثاني أيام افتتاح السفارة السعودية في بغداد، وهي، لعمري، ذات معنى كبير، خصوصاً بعد أن اشترطت المليشيات التي اختطفت الصيادين القطريين جنوب العراق إطلاق النمر لإطلاق سراحهم، كما تردد وذاع من دون إعلان واضح.

يبدو أن الرياض عازمة على إيقاف المشروع الإيراني في المنطقة، مهما كلفها الأمر، وهي، وربما يكون هذا لافتاً؛ في ضوء مواقف استراتيجية سابقة لعهد الملك سلمان بن عبد العزيز، تتصرف بطريقةٍ ممنهجةٍ صوب تحقيق هذا الهدف؛ ولعل تطور علاقتها مع الدولة الأقرب لتحسس الخطر الإيراني، والأقوى على الوقوف في وجهه، تركيا، إلى حد توقيع اتفاقية لإنشاء “مجلس تعاون استراتيجي” سياسي واقتصادي وعسكري، يمثل عامل قوة وثقة بالقدرات بشكل راسخ، إضافة إلى تشكيل المملكة تحالفاً عسكرياً إسلامياً من 34 دولة لمحاربة الإرهاب، أياً كان مصدره أو سمته، وهذا يعني أنه لا يرتبط بالتنظيمات الإرهابية الشائعة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة فقط، بل يتعداه إلى منظمات إرهابية تتخفى وراء عناوين محاربة هذه التنظيمات، ومعظمها تتبع ولاية الفقيه وإدارة الحرس الثوري الإيراني.

يبدو أن إدارة الملك سلمان لن تدع الأمور تسير وفق تخطيط إيراني مدروس، وغياب عربي مطلق، وخضوع دولي لفرضية دعم من يؤمن مصالحه في الشرق الأوسط. لذا، كانت واحدة من أهداف توقيت إعدام النمر تسعير الجبهة مع طهران، ودفعها إلى التهور، وحرف أسهم حركة قوتها وقواتها، وربما إيقاظ خلاياه النائمة في الخليج العربي وسواه. وأعتقد أن من يتعمق في أسلوب إدارة الصراع في المملكة العربية السعودية يعلم، أو سيعلم، أن خطوات الرياض تمضي في الاتجاه الصحيح، وأنها بدت في مواجهة مع المشروع الإيراني وكأنها أمة كاملة، وستستمر في استفزاز القائمين على هذا المشروع، وصولاً إلى لحظة استنهاض الإحساس القومي والإسلامي لدى الأمة في مواجهة المشروع (ولاية الفقيه) الطائفي.

العربي الجديد

 

 

 

 

الأزمة بلا دبلوماسيين ولا وسطاء/ عبد الرحمن الراشد

هذه أسوأ مرحلة مواجهة بين السعودية وإيران في ثلاثين عامًا، ولهذا جاءت مواقف دول متضامنة مثل الإمارات والبحرين والسودان بإغلاق وخفض بعثاتها الدبلوماسية مع إيران، تحمل معاني مهمة للرياض. فطهران تلجأ لاستخدام العنف والبلطجة ضد الحكومات التي تختلف معها والرياض ترد بثقلها السياسي وعلاقاتها الدولية.

وفي الوقت الذي كان فيه دخان السفارة السعودية المحروقة في طهران لا يزال يتصاعد، فإن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عبر عن استغرابه من السعوديين سحب بعثتهم وإغلاق المبنى المحروق! وقال كأنه متحدث لدولة اسكندنافية مسالمة، لا يوجد ما يبرر التصرف السعودي، مع أن إحراق السفارة السعودية جرى أمام أعين الشرطة الإيرانية التي اكتفت بالتفرج.

حسنًا فعلت السعودية بإغلاق سفارتها، وإعادة دبلوماسييها، لأن السلطات الإيرانية في كل أزمة اعتادت على استهداف أولاً السفراء والبعثات الدبلوماسية، وتاريخها الأسوأ بين دول العالم. وللسعوديين ذكرى سيئة معها، فقبل أربع سنوات اغتال أحد رجال إيران دبلوماسيا سعوديًا في كراتشي، ولا تزال باكستان تطالب بتسليمه. ودبرت تفجيرًا بقنبلة في السفارة السعودية في بيروت. وسبق أن ضبط الأمن الأميركي مؤامرة إيرانية لاغتيال السفير السعودي حينها في واشنطن، وزير الخارجية الحالي عادل الجبير، وقد أدين المتهم وأرسل للسجن. كما تعرض السفير السعودي السابق لدى لبنان عبد العزيز خوجة لتهديدات اضطرت إلى عودته. وسبق أن قتل «المتظاهرون» موظفًا سعوديًا في السفارة في إيران برميه من الدور الثالث، وجرى الاعتداء على دبلوماسي سعودي آخر وفقأوا عينه.

في الأزمات الخطيرة ليس هناك أهم من الدبلوماسيين، لكن السلطات الإيرانية لم تترك فرصة للسفراء للعمل. فإحراق السفارة السعودية في طهران قام به في الحقيقة موظفون يتبعون لإحدى الأجهزة الأمنية، مدعين أنهم متظاهرون. ودعوى أنهم متظاهرون لا يصدقها أحد، لأنها تكررت مرات. ففي كل مرة تختلف إيران مع دولة تقوم بمحاصرة سفارتها بالمظاهرات ورميها بالحجارة وكذلك اقتحامها والاعتداء على الموظفين ونهب الممتلكات.

مع هذا، هناك تخمينات متعددة حول سبب إحراق السفارة، فهل كان هذه المرة عملاً انتقاميًا ضد السعودية، بعد إعدام الداعية المتطرف نمر النمر، أم أنه موجه ضد الرئيس الإيراني حسن روحاني، ضمن صراع مراكز السلطة القديم، أو لإفساد مساعي التواصل بين الرياض وطهران حول سوريا؟ في إيران سلطة الرئيس دائمًا محكومة بالتنازع، مما يجعل الحكومات دائمًا متشككة من أي وعود رسمية تأتي من هناك. وقد سبق أن قيل للسعوديين، في أزمات ماضية، إن عليهم أن يتفهموا ظروف صناعة القرار لديهم، لكن إلى متى؟

اليوم، بسبب حرق السفارة، وسحب أعضاء بعثتي البلدين، سُدت سبل الدبلوماسية بين إيران والسعودية، وغابت الدول الوسيطة، مثل تركيا التي انحدرت علاقتها هي الأخرى مع إيران إلى أردأ أيامها. في هذا الفراغ سيكبر الخلاف السعودي الإيراني، الكبير أصلاً، وستتوتر المنطقة الملتهبة أكثر. إيران تحول الخلاف والصراع الجيوسياسي وكذلك الإنتاج البترولي إلى قضية بعنوان الدفاع عن الشيعة. في الحقيقة لم يعد لإيران علاقات جيدة في العالم الإسلامي، بعد أن كانت لديها تكتلات تساندها. فمعظم الدول الإسلامية أصبحت مقاطعة لها، أو منزعجة منها، وآخرها إندونيسيا والسودان. كما فقدت حلفاءها من الدول العربية الأخرى التي استثمرت فيهم لسنوات، منذ تدخلها العسكري في سوريا وتورطها في الحرب القذرة، وهي شريكة في قتل مئات الآلاف من السوريين.

الشرق الأوسط

 

 

رسالة سعودية خطيرة لايران وأميركا/ موناليزا فريحة

الاصرار الواسع على وجود أسباب داخلية لاعدام الرياض الشيخ نمر باقر النمر لا يحجب الرسائل الخارجية التي تنطوي عليها هذه الخطوة التي فجرت أزمة كبيرة بين الخصمين الاقليميين اللدودين. أزمة تعكس انقساماً عقائدياً واستراتيجياً أساسياً في طول الشرق الاوسط وعرضه وبات يضاهي الانقسام العربي – الاسرائيلي من حيث تعقيداته وحدّته.

الانقسام المذهبي المتفاقم في المنطقة في السنوات الاخيرة هو أحد الصدوع الاعمق للانقسام السني – الشيعي الاول الذي يعود الى وفاة النبي. والازمة الاخيرة بين الرياض وطهران ليست نتيجة تراكم أزمات أعقبت الانتفاضات العربية عام 2011 وتحولت مواجهات بالواسطة بين الجانبين. فقبل النمر، كان الاسد عنوان توتر رئيسي بينهما منذ نزلت طهران بثقلها وراءه ومدت عبره نفوذها في المنطقة، بينما اصطفت السعودية الى جانب المعارضة ورفعت الصوت ضد تمادي النفوذ الايراني في أكثر من دولة عربية.

وفي السنوات الاخيرة، لم تترك الرياض مناسبة الا واشتكت فيها عبثاً من التدخل الايراني في شؤون الدول العربية. وكانت “عاصفة الحزم” رسالة أولى الى كل من طهران وواشنطن بأنها قررت المواجهة بنفسها بعدما بلغ التمدد الايراني فناءها الخلفي. ولا يبدو اعدام النمر بعيداً من هذا السياق بالمعايير السعودية، ففيه رسالة واضحة الى واشنطن تحديداً بأنها مصرة على وضع حد لايران، وقت تتجنّب واشنطن اية خطوة من شأنها عرقلة تنفيذ الاتفاق النووي مع طهران.

منذ توقيع الاتفاق في تموز الماضي وقبله، لم يتوقف المسؤولون الاميركيون عن التصريح بعزمهم على العمل مع حلفاء واشنطن لوضع حد للتدخلات الايرانية في شؤون المنطقة، معتبرين أن رفع الطموحات النووية الايرانية عن الطاولة يتيح لهم الانتقال الى ملفات أخرى تبدأ بسوريا والعراق ولا تنتهي باليمن. ولكن ما حصل مذذاك لا يوحي بذلك. ايران زادت انخراطها في الحرب السورية، وليست الحصيلة المرتفعة للضحايا من الايرانيين منذ الصيف إلاّ دليلاً قاطعاً على هذا الامر. أما الاستفزازات الايرانية الصاروخية للعالم فمستمرة وتتزايد. وثمة من يعتقد أن تراجع واشنطن عن الردّ على الاختبارات الصاروخية والغاءها عقوبات اضافية على طهران هو ما دفع الجمهورية الاسلامية الى رفع مستوى التحدي باطلاقها مزيداً من الصواريخ التي سقط احدها، باعتراف أميركي، على مسافة غير بعيدة من حاملة طائرات أميركية. في ظل هذه الصورة، لا تعود الخطوة السعودية الخطيرة مفاجئة، وإن تكن ارتداداتها قد تتجاوز مفاعيل الرسائل الى واشنطن وطهران، وتزيد التوترات في منطقة تعيش منذ سنوات على برميل بارود.

النهار

 

 

 

تصريحات لافتة لعائلة النمر/ محمد كريشان

ككرة اللهب المتدحرجة يبدو التوتر السعودي الإيراني هذه الأيام، فمنذ إعدام الشيخ السعودي المعارض نمر باقر النمر ضمن مجموعة فاقت الأربعين والأمور تزداد سوءا وتصعيدا. ذهب المحللون والرأي العام العربي والإسلامي في الموضوع مذاهب شتى طغت على أغلبها الحماسة المفرطة لهذا الطرف أو ذاك، ولم يكن ذلك في مجمله بمعزل عن الاستقطاب الحاد الذي تعيشه المنطقة منذ فترة في ملفات عديدة أبرزها سوريا واليمن والعراق ولبنان مع طغيان لغة طائفية هنا وهناك.

في خضم ذلك، كان لافتا للانتباه حقا ما اتسمت به التصريحات الإعلامية لعائلة النمر، من رصانة حاولت من خلالها النأي بنفسها عن هذا الجدل الحاد المتنامي بين السعودية والرياض. كل هذه التصريحات جاءت على لسان محمد النمر شقيق الشيخ المعدوم سواء لوسائل إعلام إيرانية أو عربية متعددة. مثلا: عن تهديدات طهران لبلاده بأنها ستدفع ثمنا باهظا لإعدامها الشيخ قال إن «هذه مشاكل سياسية بين إيران والسعودية لا دخل لنا فيها بأي شكل من الأشكال وينبغي على الدولتين أن تعالجا مشاكلهما السياسية فيما بينهما»، مردفا أن «هذا الموضوع كان موضوعا داخليا وكان بالإمكان معالجته داخليا مراعاة لمشاعر الناس لأن الشيخ النمر كان شخصية معروفة على مستوى العالم الإسلامي وله مريدون وحضور في كل من لبنان والعراق وإيران والهند وباكستان وأفريقيا وأمريكا، وبالتالي كنا نتمنى ألا يحصل ما حصل لأن فيه استفزازا وكسرا لخواطر هؤلاء الناس ومشاعرهم» مشيرا إلى أنه «طوال الأشهر الماضية كان هناك تواصل مستمر مع الحكومة السعودية بكل الوسائل المُتاحة على أمل أن تكون هناك معالجة سلمية وسياسية لهذا الموضوع لكن هذه الجهود لم تأت بنتيجة».

وعندما تحدث محمد النمر عن المساعي لاسترداد جثمان أخيه لدفنه في مسقط رأسه أكد على «رفض العائلة تدخل أي طرف خارجي في هذا الموضوع». قال ذلك لقناة «العالم» الإيرانية رغم اعترافه أنه «حتى هذه اللحظة لم نتلق جوابا إيجابيا من الحكومة للأسف الشديد» مشيرا إلى أن العائلة تحدثت مع «بعض الجهات الحكومية في المملكة التي قد يكون لها تأثير أو لها كلمة مسموعة لدى الجهات المعنية ولكن لحد الآن لم نتلق أي جواب صريح وواضح في هذا الموضوع الهام جدا بالنسبة لنا، وسنواصل جهودنا ومطالبنا مع حكومة بلادنا حتى يستجيبوا ونأمل منهم أن يستجيبوا».

وحتى عندما سألته نفس القناة عما إذا كان لدى العائلة أي نية للجوء إلى جهات حقوقية خارجية في حال عدم تسليم الجثمان، أجاب بالنفي وأضاف أنه «حتى قبل أن يعدم الشيخ لم نر أن نستعين أو نطالب أي جهات خارجية بالتدخل لإطلاق سراحه، وفي هذا الموضوع أيضا لا نحبذ تدخل أي جهة خارجية، ونأمل أن تستجيب الحكومة لطلبنا، وحتى في حال عدم الاستجابة لن نقبل بتدخل أحد من الخارج».

كان لافتا كذلك في تصريحات شقيق النمر دعوته أنصار أخيه والمتعاطفين معه سواء كانوا من السعودية أو خارجها أن تكون ردات فعلهم على ما حدث في الإطار السلمي وعدم الانجرار وراء أي أعمال عنف غير مشروعة وغير مقبولة في المجتمع، قائلا إن «للشيخ مكانة كبيرة في الشارع القطيفي وغيره من العالم الإسلامي وأطلب ألا تتجاوز ردات الفعل الاحتجاج السلمي ولا ينبغي أن يشيطن أحد أهل القطيف والعوامية وأي منطقة ويجر الناس إلى أعمال عنفية»، وأضاف أن «ملف الشيخ النمر ارتفع من الأرض إلى السماء وهو بين يدي رب العالمين وهو القاضي أمام العالم». ونفى النمر وجود أي خطة لدى العائلة للتقدم إلى الجهات الدولية للاحتجاج على إعدام الشيخ النمر قائلا إن «منهجنا منذ البداية كان معالجة الموضوع داخل بلادنا ومع حكومتنا ولكن للأسف لم نتمكن من ذلك وفشلنا فشلا ذريعا».

ليس من الوارد الآن الدخول في تفاصيل القضية وما إذا كان الشيخ النمر إرهابيا استحق ما أنزل به أو رجل دين متسامح وسلمي فحديث كهذا يطول ويستلزم اطلاعا بعيدا عن الارتجال والمواقف المسبقة، لكن من المهم القول إن أجواء التعبئة الحالية ليست سهلة التحمل إنسانيا من قبل من كان معنيا مباشرة وعائليا بما حدث. لقد تعاملت طهران مع ما جرى وكأن الإعدام طال مواطنا إيرانيا من رعاياها في حين بدا من تصريحات عائلة النمر، إلى حد الآن على الأقل، الحرص على إرجاعها إلى الشأن الداخلي السعودي رغم المرارة التي صبغت هذه التصريحات لكن كظم الغيظ كان جليا فيها بلا شك. وقد يكون من المناسب بالنسبة إلى السلطات السعودية التجاوب مع هذه اللهجة، بما تراه مناسبا، لنزع أي محاولات توظيف خارجي متصاعد لما جرى لاعتبارات قد لا تكون لها في الغالب علاقة بالقضية أصلا.

٭ كاتب وإعلامي تونسي

القدس العربي

 

 

 

 

حرب السنة والشيعة لن تقع/ علي أنوزلا

تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات خطيرة نتيجة التصعيد الدبلوماسي بين السعودية وإيران، إثر إعدام الرياض معارضاً من رموز الطائفة الشيعية في المملكة.

لم يتأخر رد الفعل الإيراني، فقد صدرت تصريحات نارية عن كبار مراجع الشيعة، في إيران وخارجها، منددة ومتوعدة، واقتحم عشرات المحتجين مقر السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد، وأضرموا فيهما النار. وفي المقابل، بادرت الرياض إلى إعلان قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، لتدخل المنطقة مرحلة جديدة من الصراع الذي ظل محتدماً بينهما منذ عقود، وبين المذهبين اللذين يمثلانهما منذ قرون.

ليس الخلاف بين طهران والرياض وليد اليوم، ولم يكن ينتظر إعدام المعارض السعودي الشيعي لتتأجج نيرانه من جديد، فهو ظل قائماً منذ قيام الثورة الإيرانية التي قادها الملالي الشيعة في طهران عام 1979. ومنذ ذلك التاريخ، سعى هؤلاء إلى تصدير ثورتهم الشيعية إلى أكثر من دولة عربية وإسلامية، وبأكثر من وسيلة. ومن جهتها، عملت السعودية بكل ما لديها من وسائل مادية وإعلامية على احتواء الثورة الإيرانية في مهدها.

تبدو طبيعة الخلاف بين الدولتين، في مظهره، مذهبية بين الشيعة الذين تدّعي إيران تزعمهم والسنة الذين تسعى السعودية إلى تمثيلهم، لكنه في عمقه استراتيجي، لأن كلتا القوتين تريد أن تظهر بمظهر زعيمة العالم الإسلامي، وإقليمي لأن لكل منهما مصالحها الإقليمية الحيوية التي تسعى إلى الحفاظ عليها وتنميتها.

وطوال عقود هذا الصراع، لم يحدث أن تحول إلى مواجهة مباشرة، أو تطور إلى صراع مسلح بين الخصمين اللدودين، لأنه ظل يُخاض بالوكالة. وغالباً على أراضٍ غير أراضي دولهما. في البداية، خاضه نظام صدام حسين بالوكالة عن دول الخليج السنية، وفي مقدمتها السعودية التي دعمته بالمال والعتاد، لتغذية حربه القومية ضد الفرس. وفي سنوات “الحرب الباردة” بين أكبر قوتين إقليميتين، اتخذ هذا الصراع من لبنان أرضا لها، ومن طوائفه حطبا له.

لكن، مع اندلاع ثورات الشعوب العربية التي رفعت شعاراً مركزياً “الشعب يريد”، سعت كل

“الصراع بين إيران والسعودية لم يحدث أن تحول إلى مواجهة مباشرة، أو تطور إلى صراع مسلح بين الخصمين اللدودين، لأنه ظل يُخاض بالوكالة” من طهران والرياض إلى احتواء هذا الغضب الشعبي، حتى لا تنتقل شرارته إلى أراضيهما، وسخّرتا كل إمكاناتهما لاحتواء رياح “الربيع العربي”، ولخدمة مصالحهما الإقليمية، وغالباً ما كان يتم ذلك تحت غطاء مذهبي.

وعلى إثر ذلك، دخل الصراع بين الغريمين مرحلة جديدة من المواجهة شبه المباشرة، كانت بدايتها في عراق ما بعد صدام حسين، وتجسدت بشكل كبير داخل البحرين وسورية ولبنان، لتتطور إلى حرب مفتوحة في اليمن، دفعت السعودية لأول مرة في تاريخها منذ تأسيسها إلى قيادة حربٍ بنفسها على الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران.

التصعيد الخطير الحاصل اليوم في العلاقات بين طهران والرياض ما هو إلا صدى لحروبهما التي يقودانها، مباشرة أو بالوكالة في أكثر من بؤرة مشتعلة في المنطقة. وهي ليست بالضرورة دفاعاً عن أي من المذهبين اللذيْن تسعى كل منهما إلى تمثيله في العالم، إنه صراع المصالح، حتى وإن سعى بعضهم إلى أن يضفى عليه لبوس حرب المذاهب.

فالصراع بين السنة والشيعة ظل قائما منذ قرون، ولن ينتهي اليوم ولا غداً. وطوال القرون الأربعة عشر الماضية، شهد العالم الإسلامي ما يكفي من الحروب المأساوية بين الشيعة والسنة، لم تفلح في إنهاء الخلاف الإيديولوجي الذي سيظل قائماً بينهما إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. لكن، في المقابل، شهد العالم الإسلامي، أيضا، قروناً من التعايش السلمي بين الشيعة والسنة، أنتج حضارات وثقافات تحولت إلى إرث إنساني، وليس فقط إرثاً إسلاميا.

يجب وضع الصراع المحتدم اليوم بين السعودية وإيران في إطاره الصحيح، فهو صراع سياسي، يبرّره كل طرف بدفاعه عن مصالحه الإقليمية، ومن الخطأ إقحام صراع المذاهب فيه، لأن من يحاول أن يفعل ذلك كمن يلعب بالنار في منطقةٍ، ترقد على براميل متفجرة من الثأر المذهبي الذي راكمته قرون من الحروب والدماء.

منطقة الشرق الأوسط حبلى اليوم بحروبٍ طائفيةٍ كثيرة يذهب ضحيتها يومياً عشرات بل مئات الأبرياء، نتج ذلك بسبب إدماج الدين في الصراعات السياسية، ولا تحتاج إلى إشعال المزيد منها، ومن يسعى، اليوم، أن يدخل الصراع المذهبي بين الشيعة والسنة، وعمره عدة قرون، إلى ساحة الصراع السياسي الإقليمي بين طهران وإيران، وعمره عدة عقود، كمن يصب الزيت على النار، فالحرب بين الشيعة والسنة عندما تقع بين أكبر قوتين تمثلان أكبر مذهبين في العالم الإسلامي ستحرق نيرانها المنطقة كلها.

يجب أن ندعو الله أن لا تقع الحرب بين السنة والشيعة، حتى وإن كان من غير المتوقع لها أن تقع، بل ولا يجب لها أن تقع، لأن الخلاف الإيديولوجي الذي لم تحسمه قرون، لن تنهيه الحروب التي لن تزيد سوى من إشعال نار الفتن النائمة، لعن الله من أيقظها، ومن ينفخ في الجمر الراقد تحت رمادها.

العربي الجديد

 

 

 

إعدام النمر في الغابة اللبنانية/ ساطع نور الدين

الاشتباك السعودي الايراني الحالي ليس أسوأ من ذاك الذي جرى عندما شنت الرياض والتحالف العربي “عاصفة الحزم” على اليمن، في السادس والعشرين من آذار مارس الماضي، او عندما قتل مئات الحجاج الايرانيين في تدافع منى في موسم الحج الماضي في الخامس والعشرين من أيلول سبتمبر الماضي.. لكن اللغة المستخدمة من قبل طهران والرياض، ومن قبل حلفائهما، هي ألعن من ذي قبل. لبنان مثال فظ، ومشين.

في الاشتباك الحالي قدر كبير من الافتعال والمبالغة التي لا تتناسب مع إعدام شيخ شيعي سعودي معارض، بالمقارنة مع “عاصفة الحزم” اليمنية التي أوقفت طهران عند حدها، ودفعتها الى المس بالقيم والاخلاق وحتى الأعراض، او بالمقارنة مع حادثة الحج التي كانت حافزاً إضافياً لانتهاك المزيد من الخطوط الحمراء في العلاقة بين البلدين.

إحراق السفارة السعودية في طهران كانت رداً مفرطاً على تصفية شيخ إشكالي حتى بالنسبة الى الايرانيين أنفسهم الذين تخلوا مع الزمن عن حرمة ولاية الفقيه، ولم تعد أكثر من عنوان لصراع على خلافة المرشد الحالي علي خامنئي..وهو ما يفسر الى حد بعيد ذلك الغضب الاستثنائي الذي عبرت عنه جهات إيرانية تقع في قلب ذلك الصراع وتخوضه بحدة متناهية، تجاه السلوك السعودي الداخلي.

وكان واضحا ان ذلك الغضب المستوحى من داخل مؤسسة الحرس الثوري ومرشحها للخلافة، يتعارض مع اللهجة الهادئة نسبيا التي تحدث بها خامنئي نفسه او بقية المسؤولين الايرانيين الذين تنصلوا من إحراق السفارة السعودية ونصحوا الجمهور الايراني بان يكتفي ب”النقمة الالهية” التي ستحل على السعودية جراء إعدام الشيخ نمر النمر.

من غير ان تقصد السعودية على الارجح، جاء الاعدام في ذروة معركة انتخابية حاسمة في إيران التي تستعد بتوتر متصاعد ليوم 26، شباط فبراير المقبل، موعد إنتخابات مجلس الشورى ومجلس الخبراء الذي يشرف نظرياً على أداء المرشد ويعنى باختيار خليفته. ومن غير ان تتقصد إيران كان الاعدام بمثابة فرصة ذهبية لما بدا انه مشروع انقلاب او تمرد على الاقل على القيادة الايرانية، التي تستعد لاستثمار الاتفاق النووي مع اميركا في صناديق الاقتراع وفي عملية اعادة بناء السلطة في طهران.

التمرد حصل بالفعل، لكنه لم يبلغ حده الاقصى، اذ سرعان ما اكتشفت طهران خطورة المس بالقوانين والاعراف الدولية فعمدت على الاعتذار، وتحركت في اكثر من اتجاه لاحتواء الازمة مع الرياض، وللحد من آثارها على عدد من جبهات المواجهة المفتوحة بين العاصمتين، وعلت في داخل العاصمة الايرانية الاصوات المعروفة بتعقلها وإتزانها محذرة من مغبة المضي قدماً في ذلك الاشتباك مع الرياض، الذي لا يخدم تنفيذ الاتفاق النووي ولا طبعا الاستقرار الداخلي المنشود في ايران.

كان إحراق السفارة السعودية غلطة فادحة، لكنه كان مقياساً مهماً لموازين القوى داخل إيران، التي لن تحسم قبل ان تعلن نتائج فرز الاصوات في نهاية الشهر المقبل.. اكثر مما كان مؤشراً على نفوذ إيران ودورها خارج حدودها، سواء في العراق او سوريا او اليمن، او طبعا لبنان الذي عاد الى مهنته الاولى، وتحول بلحظات الى سيرك مفتوح، يتراقص فيه حلفاء كل من الرياض وطهران في مواجهة بعضهم البعض بطريقة معيبة، ويتبادلون الاتهامات والتهديدات وحتى الاهانات الشخصية..التي سيجري مسحها او تناسيها عند أول لقاء سعودي إيراني، يرجح ان يكون عنوانه سورياً!

إعدام النمر كان فاضحاً للايرانيين وللسعوديين، ولجميع من يدور في فلكهم . لكنه كان في لبنان، ولا يزال، يضيف وصمة عارٍ جديدة على جبين اللبنانيين جميعاً، لا سيما اولئك الذين رفعوا الصوت عالياً جداً، لكي ينالوا إستحسان مشغليهم في طهران والرياض، ويبلغوهم بالاستعداد التام لنقل الاشتباك الى الداخل اللبناني.

 

 

 

شيعة مصر” ينعون النمر/ شادي لويس

فيما تسابقت وسائل الإعلام المصرية، كغيرها، على نشر ردود الأفعال الأقليمية والدولية إزاء تنفيذ السلطات السعودية حكم الإعدام في رجل الدين الشيعي نمر النمر، قام عدد لا بأس به، على قلته، من المواقع الإلكترونية لبعض الصحف المصرية بنشر تقارير عن ردود أفعال “شيعة مصر” على الحدث وتبعاته. وفيما اعتادت وسائل الإعلام المصرية، بعد ثورة يناير، نقل تصريحات على ألسنة قيادات شيعية مصرية، بخصوص قضايا الداخل المصري، إلا أن التقارير الأخيرة جاءت بمثابة إرساء عرف،لا يكتفي بتأكيد الإعتراف بالشيعة المصريين أخيراً، بل أيضاً بالاعتراف بهم كطرف يحق له التعليق علي السياسة الإقليمية والدولية، واتخاذ مواقف منها، بل وهذه المرة تحديداً هو تأكيد على حقهم في التعبير عن ارتباطهم الروحي والعقائدي بأقرانهم عبر الحدود، من دون التشكيك في وطنيتهم كالعادة. يدفعنا احتدام الصراع المذهبي في المنطقة العربية للعودة إلى النظر في وضع الشيعة في مصر وصورتهم وتحولاتها.

ارتبطت صورة الشيعة في المخيلة السياسية الحديثة للمصريين، بالثورة الإسلامية في إيران. وبينما كانت دول الخليج، ومنها العراق، بحكم قربها الجغرافي من إيران واعتناق نسب معتبرة من مواطنيها للمذهب الشيعي، مهددة بالحماس الإيراني لتصدير الثورة الإيرانية وتمديد نفوذها، فإن النظام المصري لم تكن لديه أسباب منطقية تدفعه للقلق من “شيعية” الثورة الإيرانية، في دولة يعتنق كل مواطنيها من المسلمين المذهب السني، على الأقل بشكل رسمي.

إلا أن نظام السادات شن حملات أمنية عنيفة على الشخصيات والجمعيات التي شك في انتمائها المذهبي. فأغلقت مثلاً جمعية “آل البيت” وصودرت ممتلكاتها بعد قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران. لكن الجدير بالملاحظة هنا، إن النظام لم يكن الطرف الوحيد الذي يرى في الشيعية – كمذهب – تهديداً ثورياً، أو على الأقل مصدراً للقلاقل السياسية. فالمعارضة اليسارية في مصر حينها، كانت ترى في الشيعية إمكانات تاريخية للتثوير، ولا أدل على ذلك الميل، سوى قصيدة “شيعة وسنة” للشاعر أحمد فؤاد نجم التي تنتهي بسؤال استنكاري إجابته معروفة سلفاً: “خلاصة الكلام، يزيد وللا الحسين؟”. كانت تلك القناعة قد وصلت لنا نحن، من منتسبي اليسار في بداية الألفية، في كتب عن ثورة القرامطة، وغيرها من ثورات المذاهب غير السنية في التاريخ الإسلامي والتي رسمت صورة الشيعية بوصفها مذهب المستضعفين، والتي تحمل في جوهرها استعداداً طبيعياً للمقاومة والتمرد على طغيان السلطة.

ظلت تلك التصورات محصورة في دوائر نخبوية، فيما استمدت الغالبية من المصريين، تصوراتها عن الشيعة، من قضايا التنظيمات الشيعية التي كان نظام مبارك يعلن عنها بشكل دوري ولكن متباعد. ففي الأعوام 1987 و1988 و1989 و 1996 و2002، وجهت الإتهامات لعشرات من المصريين والأجانب بإنشاء تنظيمات شيعية والتجسس لصالح إيران. ظلت الصورة النمطية التي صدّرها النظام المصري، عن الشيعة بوصفهم تنظيمات سياسية أو شبكات للتجسس بالأساس، تخدم المصالح الإيرانية. هكذا كانت صورة الشيعي متطابقة مع صورة الإيراني الأعجمي في المخيلة العامة، حتى الغزو الأمريكي للعراق العام 2003. كشفت التغطية الإعلامية المكثفة للغزو وما بعده، عن التركيبة الطائفية المعقدة للعراقيين، وأدرك قطاع واسع من المصريين، للمرة الأولى، أن الحرب العراقية الإيرانية الطويلة لم تكن حرباً بين السنة والشيعة، كما كانوا يعتقدون في السابق، فغالبية العراقيين أنفسهم هم من الشيعة. اقتربت صورة الإحتراب بين الفريقين أكثر، لتتجسد بين عراقيين وعراقيين، وأصبح تخيل الشيعي كعربي ممكناً أخيراً، أي في النهاية هو خطر أقرب، لكنه واحد منا أيضاً.

مهد غزو العراق، بين أسباب أخرى كثيرة، لصعود الحراك الاحتجاجي ضد مبارك، المناهض للتمديد أو التوريث في مصر، ولارتفاع الأصوات المنادية بحقوق الإنسان، ومن بينها حقوق الأقليات الدينية. ففي العام 2004، وبعد عام واحد على غزو العراق، تقدم عدد من الشيعة المصريين بطلب للسلطات للإعتراف بهم كطائفة دينية، بحسب القانون، وهو طلب لم تتم الاستجابة له حتى يومنا هذا. وفي العام نفسه، تأسست حركة “كفاية”، والتي رفعت تظاهراتها شعارات مؤيدة لحزب الله اللبناني وصوراً لأمينه العام حسن نصرالله، إبان حرب تموز 2006. بررت التركيبة اليسارية والقومية للمنضمين للحراك الاحتجاحي في مصر حينها، استرجاع تصورات الثورية الشيعية في السبعينيات، وإعادة انتاجها في صور الشيعية المقاومة في مواجهة الصهيونية، أي العدو المشترك. كانت تلك محطة قصيرة، سرعان ما تم تجاوزها.

فتحت ثورة يناير، الباب أمام الشيعة المصريين وغيرهم، للإعلان عن أنفسهم والمطالبة بالإعتراف رسمياً بهم. ففي أغسطس 2011، أعلن عدد منهم عزمه التقدم بأوراق تأسيس حزب سياسي باسم “الوحدة والحرية”، لكن الثورة أيضاً كانت قد مهدت لصعود جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، وانتهت الإنفراجة المؤقتة التي اعقبت الثورة، بمذبحة “أبو النمرس” العام 2013 والتي راح ضحيتها الداعية الشيعي، حسن شحاتة، وثلاثة من أتباعه، إبان حكم جماعة الإخوان المسلمين. كانت تلك المجزرة هي الواقعة الأولى التي انضم الشيعة بموجبها إلى قائمة العنف الطائفي وضحاياه في مصر، وبالتالي كان الاعتراف بهم ضمنياً كمصريين أخيراً.

بعد تظاهرات 30 يونيو، التي أيدتها القيادات الشيعية في مصر علناً، لأسباب مفهومة، تعرض الشيعة لضغوط من أكثر من جهة. فمن ناحية، قام الإخوان المسلمون ومؤيدوهم بمهاجمة نظام السيسي بوصفه متواطئاً مع الأقليات الدينية، أي الأقباط والشيعة، ضد دين غالبية المصريين. ومن جانب آخر، أغلقت حكومة حازم الببلاوي (وما بعدها بدءاً من العام 2013) ضريح ومسجد الإمام الحسين بالقاهرة في يوم عاشوراء، لمنع إحياء ذكرى الحسين. وقام النظام بالتضييق أمنياً على الشيعة إرضاء لحلفائه السلفيين داخلياً وداعميه الإقليميين في الخليج.

لكن وبالرغم من كل هذا، ومع تراجع الملف الحقوقي على كافة المستويات في مصر، ومع تهاوي ثورات الربيع العربي في المشرق العربي إلى حروب بالوكالة تتذرع بالصراع الطائفي السني الشيعي كواجهة للتنافس على النفوذ الإقليمي بين أطرافها، إلا أن الشيعة المصريين نالوا اعترافاً بهم، في المخيلة السياسية لعامة المصريين. ربما كان ذلك في صورة ما زالت شديدة السلبية، لكنها تمنحنا أملاً في أن المستقبل القريب ربما يحمل لنا إمكان التعايش. فالخطوة الأولى لقبول الآخر، هي الاعتراف بوجوده، ولو كعدو.

المدن

 

 

 

 

 

عدوان إيران .. واستحالة الاعتدال السياسي!/ تركي الدخيل

المواقف الدولية تجاه العدوان الإيراني على السفارة السعودية كانت قوية وفصيحة وبالغة الدلالة. وجزى الله الشدائد كل خير، حيث عرفنا بها الأصدقاء الخلص، الكل عرف وجه إيران البشع الذي كانت تغطيه بالسجاد الثمين، وبالتصريحات الهادئة، والوعود الكاذبة. منذ أن أخذ الاتفاق النووي الإيراني يتبلور ومنذ أن انفرجت العلاقة بين إيران والغرب والمنطقة تشهد اضطرابات بسبب ميليشيات إيران الثورة الكارثية. حاولت السعودية أن تستوعب إيران من التمرد الفج والتدخل الأعمى السافر في الشؤون الخليجية والعربية. مدت السعودية يدها منذ نهاية التسعينات مضمدة جراحها من دعم إيران لتفجيرات الخبر راغبة بأن تدخل معها في آفاقٍ ديبلوماسية أرحب. كان الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز كما يروي عنه رفيق الحريري يقول: «إيران تؤذي بالمنطقة، لكننا نتطلع إلى اليوم الذي نكون فيه على جوار ووفاق». وبالفعل بلور هذا الحلم أيام رئاسة محمد خاتمي، غير أن العقد سرعان ما انفرط، حيث إن الطبع غلب التطبع.

لم تدخل إيران بأي حلف عربي وإسلامي، بل على العكس تواجه تلك الأحلاف وتحاول زعزعتها وإفشالها، الحلف الدولي لضرب داعش في العراق وسورية لم تدخله إيران، وكذلك التحالف الإسلامي العسكري الذي أعلن عنه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فهي إما أن تكون هي اللاعبة الوحيدة، أو أن تكون هي المخربة الأساسية والوحيدة أيضا.

أكثر من أربعين ميليشيا في العراق تدعمها إيران، وفي لبنان، واليمن، وسورية لها ميليشياتها، كل ذلك يدار من قبل غرف إيران المغلقة، ومن أيادي الحرس الثوري. بين الخطابين (الخطاب الديبلوماسي الهادئ) بابتسامة الوزير ظريف، وبين (الخطاب الثوري) الذي يمثله سليماني وأتباعه من المجرمين في هذا الحرس الاستئصالي تدور إيران وتناور، غير أن صورة إيران أوضح وأدق في عملها الثوري، وخطابه، إذ يمثلها ويعبر عن سياستها، ولنقارن بين تصريحات خامنئي وبقية الخطابات سنجده بفحواه ومضامينه أقرب دائما إلى خطابات الحرس الثوري، أما تصريحات ظريف فهي إلى الديبلوماسية أقرب، وما كل الملفات التي يناقشها بهدوء يريد حلها بقدر ما يريد إبطاء حركتها وإطالة أمدها.

إيران معتدية، وهي بلغة شعبية واضحة تقول: «لعبوني وإلا سأخرب» ولكنها لا تريد أن تكون ضمن مسار أو مع منهج معتدل.

عكاظ السعودية

 

 

 

نمر النمر.. قضية رأى أم جريمة إرهاب؟!/ مكرم محمد أحمد

لا نستطيع أن نتغافل عن المخاطر الشديدة التى يمكن أن تلحق بالعالمين العربى والإسلامى إذا طال أمد الصراع الإيرانى السعودى الذى يكاد يقسم العالم الإسلامى إلى معسكرين متصادمين، معسكر السنة الذى يضم السعودية ودول الخليج وأغلب العالم العربي، ومعسكر الشيعة الذى يضم إيران وحزب الله اللبناني، ومع الأسف حكومة العراق التى أخطأت الانحياز، وتحاول طهران أن تجذب إليها شيعة العالم أجمع بمن فى ذلك الشيعة العرب الذى يشكلون جزءا من الشعب العربى فى السعودية ودول الخليج.

وأظن أن التناقض الحقيقى فى الأزمة الراهنة ليس بين السنة والشيعة، لكنه بين مصالح الأمن العربى ونزعة التوسع الفارسى التى تتلبس نظام خامنئى كما تلبست نظام الشاه وجعلتها تحاول السيطرة على دول الخليج، ودس أنفها فى الشأن العربي، هذا التناقض هو جوهر الصراع الراهن بين السعودية وإيران، ولهذا يصبح من واجب كل عربى وكل مسلم أن يسد أبواب الفتنة بين السنة والشيعة، كما يصبح من واجب كل الحكومات العربية أن ترعى على نحو رشيد حقوق الأقليات الشيعية، خاصة أن طهران تخطط لإحداث هذه الوقيعة واستثمارها.

لقد ضبط العالم طهران متلبسة بجريمة إحراق السفارة السعودية عمدا، كما وضح فى مناقشات مجلس الأمن، وأظن أنها سوف تضبط متلبسة بجريمة الكذب وخداع الرأى العام العالمى، لأنها قدمت حادث إعدام الشيخ نمر الباقر نمر على أنه شهيد رأى لا علاقة له بالعنف، كل جريرته أنه يطالب بإصلاح أحوال طائفته الشيعة فى المنطقة الشرقية، لكن كل المصادر المحايدة فى العالم أجمع تعرف أن رواية طهران كاذبة، لأن نمر الباقر ليس مجرد شيخ سعودى المولد، شيعى المذهب، يدافع عن حقه فى حرية التعبير، لكنه كادر قديم منذ الثمانينيات فى تنظيم حزب الله السعودى السرى، الذى يمارس أنشطته الإرهابية فى السعودية والبحرين والكويت، رفع السلاح ضد وطنه وضبط أكثر من مرة وهرب إلى إيران بعد مواجهات دامية مع الأمن السعودي، وعاد إلى السعدوية معلنا تنصله من حزب الله السعودي، واعتذاره عن الجرائم التى ارتكبها، ليظهر علنا ابتداء من عام 2009 ضمن مجموعات مسلحة تطلق الرصاص وقنابل المولوتوف على قوات الأمن السعودي، ولأنه مدان حتى العظم رفض أولاده زيارته فى محبسه لدوره الخطير فى دعم الإرهاب، لكن طهران صنعت من قضية نمر الباقر قميص عثمان كى تلهب مشاعر الشيعة ضد السعودية وتصير فتنه كبري.

الأهرام المصرية

 

 

 

 

الصراع المفتوح مع القضم الإيراني/ وليد شقير

لا تسمح المكابرة عند القيادة الإيرانية والشعور بالاستعلاء القومي لديها، بأن تستوعب أن هناك عناصر جديدة على المسرح الإقليمي أخذت تعاكس جموحها التوسعي في المنطقة وتواجه محاولتها تثمير ما حققته من تمدد في عدد من دولها، في تموضعها في النظام الإقليمي المفترض، الذي سيرى النور بفعل التسويات للحروب الدائرة والتغييرات التي طرأت على خريطة الدول والمجموعات والأنظمة في الشرق الأوسط.

فهي تنطلق من أنها هي التي صنعت هذه التغييرات أو تسببت بها، وهذا صحيح جزئياً من زاوية نجاح أذرعها في اقتطاع نسبة عالية من النفوذ لمصلحتها في بعض الدول، ومن زاوية تمكنها عبر ميليشيات ومجموعات سياسية وأخرى مسلحة، من افتعال الاضطرابات في دول أخرى وإضعاف الدولة المركزية فيها لمصلحة هذه الميليشيات. إلا أن هذه المكابرة تعمي بصيرة قادة ايران عن حقيقة أن ما عزز قدرتها على أن تكون لاعباً رئيسياً وفي مد نفوذها ومساهمتها في هز استقرار جزء من هذه الدول ووحدتها، جاء نتيجة غض نظر أميركي تارة، أو توافق مع واشنطن تارة أخرى، أو فشل الإدارة الأميركية في وضع استراتيجية واضحة لمواجهة أزمات كبرى في هذه البقعة من العالم. وفي الحالات هذه جميعاً، غض النظر أو التوافق نتيجة تقاطع المصالح، أو الفشل عند الأميركيين، جعل من واشنطن «شريكاً» لإيران في فتح الطريق أمامها لتحقيق المكاسب التي صنعتها.

لا تعترف طهران بأن الانكفاء الأميركي هو شريكها. إلا أن أكثر ما يؤرقها ويزعج مكابرتها هذه، هو أن السياسة السعودية الجديدة تغيرت كلياً بعدما كانت شبه سلبية وغير نشطة حيال التوسع الإيراني طوال عقدين ونيف، ما ساهم في استسهال «الحرس الثوري» وسائر الأذرع الإيرانية، بالاعتماد على التسليح والاستقطاب المذهبي وتصدير الثورة تحت شعار نصرة المظلومين، مد نفوذها وافتعال الحروب الداخلية. وإذا كان توسع النفوذ الإيراني اعتمد على سياسة مغامرة، فإن منطق الثورة في طهران أقنع قادتها بأن ما من جهة أخرى تخوض المغامرات غيرها. لم يحسب هؤلاء أن القيادة السعودية قد تعتمد خيار المواجهة على رغم ما يتطلبه من مغامرة، ومهما سبَّبه من خسائر وصبر ونفس طويل، تحتمها الحروب وانتزاع المبادرة السياسية والعسكرية والأمنية من خصم استمرأ عمليات الهجوم والقضم ثم التفاوض ثم تحريك الحروب الصغيرة بالواسطة بالاتكال على جيوش صغيرة تشحنها التعبئة المذهبية بغطاء شعارات محاربة أميركا وإسرائيل.

لعل أكبر المفاجآت عند القيادة الإيرانية هي أن ما كانت تراهن عليه من تقاسم للنفوذ مع الإدارة الأميركية في المنطقة، بعد الاتفاق على النووي، هو أن واشنطن بمقدار ما بدت تعترف لطهران بالوقائع التي خلقتها على الأرض فاضطرت إلى التعاون معها، كما في العراق كأبرز مثل، فإن إدارة باراك أوباما، الموصوفة بالانكفاء، اضطرت أيضاً الى الاعتراف بالوقائع التي يفرضها القرار العربي بخوض المواجهة مع طهران، سواء مباشرة كما هي الحال في اليمن، أو بالواسطة كما هي الحال في سورية وفي غيرها.

مع امتلاك إيران العديد من الأسلحة السياسية والدعائية والعسكرية التي أنجحت عبثها بالإقليم، ورفعت المواجهات فيه الى حدود الحرب المذهبية التي لا تأبه لانعكاساتها على مستقبل العلاقات الإقليمية، فإن سياستها المزدوجة القائمة على التدخل والتنصل، قابلتها سياسة مزدوجة أخرى من جانب شريكها الأميركي، قائمة على التفاوض والتشدد والضغط واستخدام مواطن الضعف.

ليست دول الخليج العربي وبعض الدول الغربية الحليفة لواشنطن وحدها تشعر بالخذلان من السياسة الأميركية. يبدو أن إيران نفسها تعيش هذا الشعور أيضاً، بعد الذي أملته من تعاون القوى العظمى بعد الاتفاق على النووي. ولهذا السبب يقرن المسؤولون الإيرانيون وحلفاؤهم هجومهم على السعودية في الأزمة المفتوحة التي اندلعت معها قبل أسبوع، بهجوم على الأميركيين، ويتهمهم المرشد السيد علي خامنئي بالعمل على التأثير في الانتخابات التشريعية ويحذر من محاولة تغلغلهم.

الحياة

 

 

فرص الوساطة في الأزمة السعودية – الإيرانية/ راغدة درغام

بديهي استنكار الأسرة الدولية برمتها للاعتداء على البعثتين الديبلوماسيتين السعوديتين في طهران ومشهد الذي أعاد إلى الأذهان الاعتداءات السابقة مطلع الثورة الإيرانية على السفارة الأميركية واحتجاز رهائن أميركيين لفترة 444 يوماً. إدانة مجلس الأمن للاعتداء الأخير أتت حاسمة من دون ربطها بأية مقدمات وذلك لأن مبدأ عدم التطاول على البعثات الديبلوماسية مرفوض التلاعب به قطعاً. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أخطأ عندما ركّز استياءه في بيانه الأول على تنفيذ السعودية أحكام الإعدام بحق 47 شخصاً، حُكِمَ عليهم بتهم التحريض على الإرهاب وارتكاب أعمال إرهابية، إذ مرّ بان مرور الكرام على الهجوم على البعثتين الديبلوماسيتين السعوديتين بدلاً من الإدانة التلقائية القاطعة لانتهاك البعثات الديبلوماسية وبدا كأنه يبرر – وإن لم يقصد ذلك عمداً – حرق البعثات في طهران انتقاماً من تنفيذ الأحكام في السعودية. أكثرية المجتمع الدولي ترفض بالمطلق مبدأ عقوبة الإعدام مع استثناءات بارزة مثل الولايات المتحدة. من حق السعودية أن تعتبر مواقف بان كي مون تدخلاً في شأنها الداخلي إنما من حق الأمين العام أن يتمسك بمبدأ معارضة إنزال حكومة الإعدام أينما كان. الرياض على حق عندما تشير إلى ازدواجية في المواقف الدولية التي لا تحتج على أكثر من ألف حالة إعدام نفذتها إيران حين أسرعت إلى انتقاد الإعدامات السعودية.

الآن، بعد قرار الرياض قطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران احتجاجاً على ما بدا وأنه مباركة رسمية للاعتداءات على البعثتين الديبلوماسيتين، وكلام المرشد علي خامنئي عن «الانتقام الإلهي» من السعودية لإعدامها نمر النمر، السعودي الجنسية الذي له تاريخ حافل بالتحريض على العنف والإرهاب، السؤال هو: ماذا بعد، وإلى أين، وما هو حجم الرسالة السعودية، وهل هناك استراتيجية للاستفادة من الحماقة التي ارتكبتها إيران؟

المواجهة السعودية – الإيرانية خضت عواصم العالم وأطلقت الخوف من تفجّر المواجهة دموياً في بقع الحروب بالوكالة المعهودة، سورية واليمن والعراق ولبنان، إلى جانب إجهاض كل العمليات الديبلوماسية الهادفة إلى إيجاد حلول للأزمات مثل «عملية فيينا» لسورية، وجهود المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد لليمن.

إنما، هذه المرة، تعدّت المخاوف مناطق الحروب بالوكالة وانصبت على التدقيق في أبعاد وإفرازات التدخل الإيراني في الشأن السعودي الداخلي وفي البحرين حيث التدخل الإيراني يتخذ أشكال التخريب والتحريض والتدريب وإنشاء الخلايا عبر «حزب الله» اللبناني وغيره.

تكاثرت عروض الوساطة وشملت عرض روسيا، وآخر من تركيا، ثم عرض العراق وعمان. الولايات المتحدة لم تعرض الوساطة بالرغم من الخطوط المفتوحة الآن بين واشنطن وطهران والتي أدت بوزير الخارجية جون كيري إلى الاتصال بطهران قبل الاتصال بالرياض في خطوة ديبلوماسية أثارت الاستغراب نظراً لأن العلاقة الأميركية – السعودية تحالفية منذ عقود فيما العلاقة الأميركية – الإيرانية ما زالت في مهد التهادنية والشراكة الاستراتيجية.

التقاط فرصة الوساطة مفيد جداً. فليست هناك فائدة من قطيعة مفتوحة الأفق بلا غايات محددة وأهداف عملية. الرسالة السعودية إلى طهران كانت واضحة في سعيها لوقف الزخم الدولي الذي صوّر إيران داعية سلام فيما كانت طرفاً مباشراً في الحرب السورية لمصلحة النظام والبراميل المتفجرة، تجنّد الميليشيات وتبعث المستشارين في انتهاك فاضح لقرارات مجلس الأمن وبشرعنة دولية لتلك الانتهاكات.

الحماقة الإيرانية التي فضحت تلقائية الاعتداء على البعثات الديبلوماسية فضحت طهران لكن ذاكرة الأسرة الدولية ستثبت أنها ضعيفة جداً في زمن الغرام الأميركي بإيران وانبطاح أوباما أمام طهران باسم إنجاز الاتفاق النووي.

لذلك، إن البراغماتية جداً ضرورية حتى إذا كانت العاطفة الوطنية في أوجها. إن التفكير بهدوء هو المطلوب أكثر في خضم الانفعال مهما كانت مبرراته.

ولذلك، إن الرسالة التي بعثتها الديبلوماسية السعودية باستقبالها المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي ميستورا بالرغم من استيائها من مواقف بان كي مون كانت رسالة حكيمة. ما قاله السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي بأن الرياض لا تقاطع الأمم المتحدة لأنها مستاءة من الأمين العام، وأنها ستستمر في الجلوس إلى طاولة فيينا حول سورية بالرغم من قطع العلاقة الديبلوماسية مع طهران، يعكس فعلاً هدوء وحكمة الديبلوماسية السعودية.

إيران منذ ثورة عام 1979 اعتمدت استراتيجية تصدير الثورة، وما زالت عازمة على تنفيذها. هي ذي معركة اختارتها بوضوح.

اليوم، ها هي طهران تتأبط على يسارها حليفها الروسي سنداً موثوقاً به تحت أي ظرف. حليف أثبت في الحرب السورية الولاء والعناد والجرأة والصبر وقرأ الفرص المتاحة في الضعف الأميركي فصنع المحور الروسي – الإيراني مع «حزب الله» وبمباركة من الصين لضمان بقاء نظام بشار الأسد في السلطة ولضمان نفوذ روسيا وإيران في سورية والشرق الأوسط لزمن آتٍ. إنه الحليف الذي ضمن الربح لإيران في سورية.

على يمينها، تتكئ إيران بإغراء وثقة على خاطب ودها الأميركي وتلعب به كالخاتم في اصبعها. الرئيس السابق جورج دبليو بوش قدّم لها نصره في العراق، والرئيس الحالي باراك أوباما قدم لها عجزه في سورية. كلاهما نصب إيران زعيماً إقليمياً وغض النظر عمداً عن كل تجاوزاتها إن تمثلت في عمليات إرهابية تعرف واشنطن كل تفاصيلها، أو في تدخل مدروس في الدول العربية لتصدير الثورة الإيرانية.

البراغماتية تقتضي التفكير العميق في معنى وأبعاد انحسار العلاقة التحالفية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، بل استعداد واشنطن لاستبدال الحليف العربي بالشريك الإيراني. واقعياً، لا بد من الإقرار أن واشنطن باركت انتصار إيران وروسيا و «حزب الله» في سورية. واقعياً، لا مناص من الأخذ في الحساب أن إسرائيل عادت إلى دعمها لبشار الأسد في السلطة وأن علاقاتها مع إيران ازدادت تهادنية بل باتت تعاونية بالذات في سورية تحت عنوان مكافحة خطر الإرهاب السني المتمثل بـ «داعش» وأمثاله. واقعياً، يجب استذكار إرهاب 11/9 وكلفته على العرب ويجب الأخذ في الاعتبار أن النفط العربي لم يعد حاجة أميركية.

أمام هذه الوقائع، من الضروري إجراء جردة حسابات لكلفة أي من الإجراءات في مواقع الأزمات والصراعات في المنطقة العربية مع هامش يبين الربح والخسارة.

واضح أن الأولوية القاطعة هي الأمن القومي الداخلي لكل دولة خليجية. إيضاح الخطوط الحمر يتطلب دعمها باستراتيجية إقدام واستراتيجية خروج وكذلك التنبه إلى ماذا في حوزة الطرف الآخر. الأمن القومي السعودي يلقى إجماعاً خليجياً بأنه يمثل الأمن القومي الخليجي. فإذا شاءت روسيا أو عُمان، مثلاً، أن تتقدم بمساعٍ حميدة وتقوم بدور الوساطة بين السعودية وإيران، يجب مطالبتهما بالسعي الجدي وراء تعهدات إيرانية بضمانات أميركية، بأن طهران ستكف عن التحريض والتدخل في شؤون السعودية والبحرين. هذه أولوية قاطعة يجب على مجلس التعاون الخليجي إيضاحها بأكثر من بيان وإعلان. هي ذي المعركة التي يجب اختيارها.

المعركة الثانية هي اليمن التي تصب أيضاً في خانة الأمن القومي السعودي. إيران اختارت اليمن ساحة حرب بالوكالة بهدف تحويلها إلى مستنقع للسعودية. نجت طهران من تحويل سورية إلى «فيتنام» لها نتيجة دخول روسيا ساحة المعركة بمباركة أميركية. فإذا لم يكن هناك شريك دولي يمارس في اليمن ما مارسته روسيا في سورية، لا مناص من استراتيجية خروج عملية. وبحسب ما يبدو، إنها متاحة الآن فقط في العربة الديبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة عبر مبعوثها ولد الشيخ أحمد.

سورية، للأسف، ليست معركة قابلة للربح لأن الأسرة الدولية قررت أنها ليست الآن في صدد محاربة نظام فتك بشعبه توعدته بالمحاسبة وإنما هي في صدد حرب مع «داعش» تتطلب التحالف مع الشيطان. سورية ستبقى وصمة عار في الضمير العالمي وستبقى نزيفاً يعيق احتفاء أي كان بأي ربح أو انتصار سيبقى وهمياً مهما تخيّل أصحابه العكس.

تقول البراغماتية أنه يجب عد الخسارات واختيار المعارك. تقول، إن لا شيء يدوم للأبد وأن خسارة اليوم قد تكون استثمارات في الغد، إذا كان التفكير هادئاً بعيداً عن الانفعالية.

ثورة إيران المستمرة وصلت اليوم محطة جميلة لملالي طهران. لكن تلك الثورة كلفت الإيرانيين غالياً على مدى حوالى أربعة عقود وأقعدت إيران في عزلة وجمود ومنعتها من التقدم والازدهار. هذا ليس ربحاً ولا هو انتصار. إنها ثورة قننت الحريات والتقدم.

بالمقابل، وخلال العقود الأربعة الماضية، نهضت منطقة الخليج وبنت المدن المدهشة وانطلقت إلى الاندماج مع العالم وذاقت طعم النهضة بالرغم من القيود على الحريات.

التاريخ لا يتوقف عند إدارة أميركية. سمعة الولاء نادرة في تاريخ السياسات الأميركية بل إن التركة الأميركية هي الاستغناء والخيانة لحلفاء الأمس. فحذار الانسياق أو الاعتباطية في العلاقة السعودية – الإيرانية.

 

 

 

الأزمة السعودية الإيرانية ـ تداعيات مدروسة أم عفوية؟/ د. عبد الحميد صيام

السعودية ارتكبت خطيئة كبيرة بإعدامها 47 شخصا مرة واحدة، من بينهم الشيخ نمر باقر النمر، لكن إيران ارتكبت ثلاث خطايا، الأولى أنها ركزت على إعدام الشيخ النمر فقط، وبالتالي أعطت الحدث بعدا طائفيا، والثانية أنها ارتكبت انتهاكا للقانون الدولي بالسماح للمتظاهرين باقتحام السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد. والخطيئة الثالثة أنها أنقذت السعودية من ورطة أمام الرأي العام العالمي وأعفتها من أي إحراج أو مساءلة أو إدانة، وحولت المشهد من الحديث عن إعدام هذا العدد الكبير من المواطنين السعوديين إلى التركيز على مسلكية إيران غير المبررة وغير المقبولة.

خصوصية حادثة الإعدام الأخيرة

أثار إعدام 47 شخصا في السعودية في بداية العام الجديد استهجان العديد من المحللين والمراقبين والمعلقين، ليس لأن السعودية تعدم لأول مرة. فقد ختمت عام 2015 بنحو 152 حالة إعدام، لكن ما حدث يوم السبت 2 يناير يختلف عن الحالات السابقة بثلاث ميزات، أولا العدد الكبير الذين تم إعدامهم في وجبة واحدة، وهو ما لم يكن معهودا من قبل، حيث لم يكن، على حد علمنا، يتجاوز عدد المعدومين في وجبة واحدة عدد أصابع اليدين في أقصى الحالات. ثانيا أن من بين المعدومين رجل دين معروف هو الشيخ نمر باقر النمر، الذي أثار اعتقاله موجات احتجاج وتدخلات عديدة لإنقاذه، من بينها ما قام به الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، من إثارة للموضوع في أكثر من مناسبة. والسعودية تعرف سلفا أن إعدامه يختلف عن إعدام بقية المجموعة وأن إعدامه سيرسل موجات اهتزاز بعيدة المدى مثل، إعدام سيد قطب في 29 أغسطس 1966، الذي شكل رخصة للحركات الإسلامية لامتشاق السلاح بعد أقل من عقد من الزمان، أو إعدام المرجع الشيعي الأعلى محمد باقر الصدر (والد مقتدى الصدر) في العراق في 9 أبريل 1980 مع أخته بنت الهدى، حيث أطلق إعدامه شرارة تحول المعارضة الشيعية لنظام صدام حسين إلى حركة مسلحة تلقفتها إيران ودعمتها، إلى أن أجهزت عليه بالتعاون مع المحتل الأمريكي. أما السبب الثالث لقيام هذه الضجة حول الإعدامات فهو أنها تمثل حالة غضب ونرفزة وعنجهية سعودية غير طبيعية، وهي التي اعتادت أن تمارس سياستها خلف الكواليس وتحاول أن تظهر على المسرح بمظهر الرجل العاقل الرزين الهادئ المتروي، الذي لا يقدم على عمل بدون دراسة وتمعن شديدين.

فما الذي دفع السعودية لمثل هذا الإجراء ولماذا اختارت هذا التوقيت في بداية العام؟ كيف للنخبة الحاكمة في السعودية ألا تقدر الأمور وتتحفظ قليلا على حجم وطريقة الإعدام؟

إننا نعتقد أن السعودية اختارت هذا التوقيت وهذا العدد الكبير من المحكومين بجرائم قد لا يرقى معظمها لمستوى عقوبة الإعدام، وهي تعرف تماما وتقدر أن رد فعل إيران وحلفائها سيكون عنيفا، وبالتالي ستتورط إيران في عملية تشويه لسمعتها، بعد أن خرجت من عنق الزجاجة، وأصبحت على أبواب رفع العقوبات وتحرير الأموال المجمدة ولعب دور إيجابي في البحث عن حلول للأزمتين السورية واليمنية. لقد جاء رد فعل إيران الانفعالي بالضبط كما تمنته السعودية، لإعادة طرح موضوع أهلية إيران للانضمام للمجتمع الدولي، وإعادة فرض طوق من العزلة عليها بدون أن تفتح صفحة جديدة في العـــــلاقات مع دول العـــــالم كدولة مســــتقرة ومسؤولة وملتزمة بالقانون الدولي ونصوص المعاهدات التي وقعت عليها، خاصة أنها تستعد الآن لجني ثمار رفع العقوبات عنها، وإطلاق مليارات الدولارات المجمدة في نهاية هذا الشهر.

من جهة أخرى فإن السعودية تعيش حالة من التوتر الداخلي الكبير، على ضوء الأوضاع التي تعيشها المملكة وتورطها في حرب اليمن المكلفة التي تقدر بمليار دولار شهريا، كما يقول الكاتب ديفد إغناتيوس في مقال له في «الواشنطن بوست» تحت عنوان: «الأخطاء المكلفة في مملكة يعصف بها القلق» يوم 5 يناير. فالحرب اليمينة لم تحقق النتائج المرجوة، وأسعار النفط هبطت هبوطا مخيفا، وتورط السعودية في الصراع السوري لم يسر كما كانت تتمناه المملكة، بل كان البوابة التي دلفت منها إيران لتكون عاملا مهما في الحل، وبالتالي تأهليها لتكون قوة إقليمية فاعلة، خاصة بعد توقيع الاتفاقية حول المنشآت النووية الإيرانية. أضف إلى ذلك أن برنامج الإصلاح وتنويع مصادر الاقتصاد كي ينتهي الاعتماد على النفط، الذي طرحه الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، بدأ يتعثر بسبب تحديه لسلطة ونفوذ كثير من الأمراء، بالإضافة إلى معارضة القوى المحافظة في البلاد التي تعودت على نمط معين من الحياة ولا تريد أن تشاهد تغييرا جذريا في فترة قصيرة. كل هذه العوامل أدت إلى زيادة التوتر الداخلي والقلق وضياع البوصلة والتخبط في القرارت، مثل قرار الإعدام الجماعي لسبعة وأربعين شخصا مرة واحدة بتهم غامضة ومطاطة تستند إلى قانون الإرهاب.

فحسب قانون الإرهاب الذي سنته السعودية عام 2011 ودخل حيز التطبيق بعد إقراره من مجلس الوزراء بتاريخ 16 ديسمبر2013 بهدف تطويق الاحتجاجات التي بدأت تبرعم هناك وهناك بتأثير من موجات الربيع العربي في بداياته الواعدة، يجوز أن يعتبر إرهابيا «كل من يحرض على تغيير النظام في المملكة وتعطيل النظام السياسي للحكم، أو بعض مواده أو الإساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها، أو إلحاق الضرر بأحد مرافق الدولة أو مواردها الطبيعية، أو الاعتداء على السعوديين في الخارج». ويحق لوزير الداخلية حسب هذا النظام الأمر بمراقبة «الرسائل والخطابات والمطبوعات والطرود وسائر وسائل الاتصال والمحادثات».

إيران والصراع بين قوى الاعتدال والتطرف

لكن لماذا تصرفت إيران بهذه الطريقة الفجة باقتحام السفارة والقنصلية؟ هل هناك من يريد أن يعيد إنتاج إيران 1979 عندما تم اقتحام السفارة الأمريكية وحجز الرهائن الخمسة والخمسين لمدة 444 يوما؟ أيا كان الدافع فقد أدى هذا التصرف الإيراني إلى خلق حركة تضامن مع السعودية، امتدت إلى دول عديدة في منطقة الخليج والعالمين العربي والإسلامي ومجلس الأمن الدولي الذي أصدر بيانا بالإجماع يدين هذا الاقتحام المرفوض، الذي يعتبره مخالفا لاتفاقيتي فيينا لعامي 1961

و1963 المتعلقـتيــن بحصانة السفارات والقنصليات. لقد تناسى الناس حادثة الإعدام الجماعية وأصبح التركيز على انتهاك الحصانة الدبلوماسية للسفارة والقنصلية وهو ما تريده السعودية بالضبط.

نعتقد أن إيران ما زالت تعيش مرحلة الصراع غير المعلن بين الاتجاه الليبرالي المنفتح الذي يمثله روحاني، ونظام الملالي والمتطرفين والمحافظين، الذين لا يريدون أي تقارب مع الغرب بشكل عام ومع أمريكا بشكل خاص. كما يعتبر هؤلاء أن إيران دولة تمثل شيعة العالم وواجبها أن تقف مع أي شيعي يتعرض للاضطهاد، بالضبط كما تعتبر إسرائيل نفسها ممثلة ليهود العالم تنتصر لهم وتدافع عنهم وتحمل جثامينهم لدفنهم فيها، عندما يقتلون كما حدث لثلاثة يهود قتلوا في الاعتداء على مجلة «شارلي إيبدو» الباريسية في يناير 2015 . هذا التيار المتشدد لا يريد للرئيس روحاني ووزير خارجيته المحنك محمد جواد ظريف أن يستمرا في سياسة الإصلاح والتأهل لمرحلة ما بعد العقوبات. وكما تقول الكاتبة دينا أسفنديار بمركز العلوم والدراسات الأمنية بكينغ كوليج بلندن «إن المتشددين رأوا أن حرق السفارة السعودية طريقة رائعة لتشويه روحاني وجعل الأمر يبدو وكأنهم المسيطرون على الأمور، خاصة وهم يستعدون للانتخابات البرلمانية في فبراير المقبل».

حاول روحاني أن يلملم آثار هذا الحادث الخطير فوزع رسالة على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الـ 193 وقدم اعتذاراته، واعدا أن يحضر المسؤولين عن الاقتحام للعدالة. لكن الخراب حصل، كما أن قرار السعودية بقطع العلاقات مع إيران تبعته خطوات أخرى خاصة من دول الخليج. إذن وجدت إيران نفسها في وضع صعب لم تكن تتوقعه، بل كانت تعد نفسها لمرحلة ما بعد العقوبات وإنعاش الاقتصاد وجذب الاستثمارات والتوسع في العلاقات مع أوروبا خاصة. لكن حادثة كهذه بالتأكيد ستدعو كثيرا من الدول إلى إعادة النظر في العلاقات مع إيران على ضوء مثل هذه المسلكية الطائشة.

بين السعودية وإيران ما لا تغيره ردات الفعل

لماذا تجنبت إيران انتقاد السعودية على ممارسة عقوبة الإعدام بحق 47 مواطنا سعوديا وركزت على موضوع إعدام الشيخ النمر؟ الجواب بكل بساطة لأنها تمارس الشيء نفسه بل وأسوأ منه. وإيران تحتل المرتبة الثانية في العالم بعد الصين. ففي عام 2014 كانت المسافة بين البلدين واسعة، حيث أعدمت إيران 289 على الأقل بينما أعدمت السعودية 90، إلا أن عام 2015 ارتفع الرقم عند السعودية ليصل إلى 152 بينما بقي الرقم الإيراني يراوح في الخانة نفسها. وإيران تتصيد علماء السنة وناشطيهم من منطقة الأحواز وتقدمهم لمحاكم صورية وينتهي الأمر إلى الإعدام.

كلا البلدين يعدم تجار مروجي المخدرات أو المتعاطين، وبعض جرائم السرقة ومعارضي النظام ومن يزدري الأديان والزنا والسطو المسلح والاغتصاب والسحر والشعوذة والإلحاد. كلا البلدين يغلق كافة أبواب النقد وحرية التعبير والتجمع، وكلا البلدين تتحكم المؤسسة الدينية فيه في كثير من القرارات حتى لو أن الطبقة السياسية لا تتفق مع ذلك التوجه. وكلا البلدين تحتل المرأة من حيث الحقوق الدرك الأدنى على سلم المؤشرات التي تقيس المساواة بين الرجل والمرأة في العالم. السعودية تدعي تمثيل المذهب السني وإيران تدعي أنها الممثل الشرعي للمذهب الشيعي، وكلا البلدين يدعي أنه يحكم بالشريعة. طبعا لا يوجد دستور في السعودية ويعتبر القرآن هو الدستور، بينما استطاعت إيران أن تجد خيطا رفيعا يفصل بين الدولة كجهاز يتعامل مع الحياة اليومية وبين الدين كمرجعية مطلقة، فالدولة تمارس الانتخابات وتكتب الدستور وتعدله وتتصارع التيارات المختلفة للوصول إلى البرلمان، بينما تبقى المؤسسة الدينية تراقب وتصحح وتقبل وترفض وتلغي وتوافق. استطاعت إيران أن تجمع بين المؤسستين في نظام واحد لكن القرار النهائي ليس للرئيس، بل للفقيه.

ولو وضعنا مواصفات النظامين على ورقة بدون ذكر اسم الدولة وطلبنا من مجموعة خارج الإطار الثقافي أن يكتبوا اسم البلد لجاءت النتائج تقريبا متساوية بين من اختار إيران أو السعودية.

البلدان بحاجة إلى إصلاح حقيقي يخرج من أسلوب الحكم فيهما هذه المسلكية الرعناء سواء ما تمثل بإعدام 47 شخصا مرة واحدة، أو الإقدام على اقتحام السفارات وحرقها.

محاضر بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرزي

القدس العربي

 

 

 

النِّفاق الأميركي-الإيراني في اتهام السعودية/ أسامة أبو ارشيد

بغض النظر عن حيثيات إعدام المعارض السعودي الشيعي، نمر النمر، ومسبباته وعدالته، فإن للمملكة العربية السعودية، ودول عربية أخرى، كل الحق أن تغتاظ من الموقفين الإيراني والأميركي حيال المسألة، فإيران، عملياً، جعلت من نفسها ناطقاً باسم شيعة العالم وحامياً لهم، متجاوزة في ذلك على مفهوم السيادة الوطنية، وهو الأمر الذي تنافح عنه في حالتها، وتصر على احترامه، كما رأينا في مفاوضاتها في الملف النووي. أما الولايات المتحدة، فإنها أعمت بصرها، مختارة، عن الإعدامات التي تنفذها إيران ضد معارضين سياسيين، وكثيرون منهم من الأقلية السُنِّيَةِ، ولم نسمع لها يوماً اتهاماً لإيران بتذكية الطائفية في المنطقة، على خلفية تلك الإعدامات. وبلغة الأرقام، واستناداً إلى مصادر أممية وحقوقية، فإن إيران هي الثانية عالمياً من حيث عدد أحكام الإعدامات التي تنفذ سنوياً، بعد الصين، في حين تحل السعودية ثالثاً. وحسب المصادر نفسها، فإن عدد من أعدمتهم إيران العام الماضي، في محاكماتٍ لا تقيم وزناً للعدالة، ولا تحترم المعايير الدولية، تجاوز الألف، في حين أن عدد من أعدمتهم السعودية عام 2015 هم في حدود 153 شخصاً. أما من الناحية النسبية، فإن إيران هي الدولة الأكثر تنفيذاً لأحكام الإعدام في العالم، إذا ما قيس ذلك إلى عدد السكان.

الأكثر لفتاً للانتباه، في سياق الموقفين الأميركي والإيراني، الناقد للموقف السعودي في إعدام النمر، أن كلا الطرفين لم تسمع لهما همساً في عمليات قتل وتجويع وإبادة، تمارسها أدوات إيران من الشيعة في المنطقة في حق سُنَّة. وقبل الاسترسال في الموضوع، أنبه هنا إلى موقف مبدئي أرفض، بمقتضاه، أن يباح دم إنسان، أو أمنه وسلامته، أو حريته وكرامته، بناء على دينه أو مذهبه أو لونه أو عرقه أو جنسه، غير أنَّ المعايير المزدوجة في هذا السياق منبعها، بالدرجة الأولى، أميركي-إيراني، والسكوت على ذلك يكون من قبيل انعدام الأمانة والموضوعية، وهو لن يؤديَ إلا إلى تسعير نيران الفتنة الطائفية، لا وأدها، فبما أن إيران تعد نفسها ناطقة وحامية وزعيمة للشيعة في العالم، بما في ذلك العرب منهم، فإنها، إذن، مسؤولة مسؤولية مباشرة، وهي كذلك، عن الحصار الإجرامي الذي تضربه قوات النظام السوري ومليشيات حزب الله على مدينة مضايا السورية في ريف دمشق الغربي. ففي مدينة مضايا، توفي، إلى اليوم، أكثر من 32 شخصا، من جرّاء سوء التغذية والمجاعة المتفشية في المدينة، إلى الحد الذي أكل فيه المحاصرون القطط والكلاب والنفايات والحشائش. المحاصرون في مضايا، وكذلك الزبداني وبقِّين، مدنيون عرب سوريون سُنَّة، ومرة أخرى أعتذر عن تعريف الضحية وتحديد هويته، لكنه الزمن الرديء الذي أصبح فيه إبادة جنس معين من البشر أمراً مقبولاً في المعايير الدولية، في حين أن إعدام رجل واحد، يثير الدنيا ولا يقعدها. إنه ليس زمناً رديئاً فحسب، بل إنه كذلك مما جنته أيدينا، نحن العرب، حتى هُنَّا إلى هذا الحد، ولم لا، ونحن نسفك دماءنا بأيدينا، كما في سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر، ونسكت على سفكها بأيدي الدولة العبرية منذ عقود طويلة.. إلخ. إذن، المُحاصرون الذين تتم إبادتهم في سورية هم عرب سُنَّةٌ في وطنهم، والمُحاصِرُ المجرم، منتسب إلى المذهب الشيعي، وهم أدوات ووكلاء إيرانيون. والأمر نفسه ينسحب على ما يجري في العراق واليمن، لكن العالم لا يرى ذلك، أو يتعامى عنه، تماماً كما يتعامى عن جرائم إسرائيل وروسيا والصين، أو جرائم الولايات المتحدة، وغيرها من دول الغرب، بحق شعوب العالم في غير مكان.

كل ما سبق من جرائم تقترفها إيران وأدواتها بحقنا، لا تلقي لها الولايات المتحدة، ولا الغرب

“إيران هي الثانية عالمياً من حيث عدد أحكام الإعدامات التي تنفذ سنوياً، بعد الصين، في حين تحل السعودية ثالثاً” بالاً، فمعيار هؤلاء، أنه ما دام لا أحد يبكي تلك الأرواح التي تزهق، ويطالب بحقها، ويقوم بأخذه، فإنها تصبح غير ذات معنى في سياق السياسة المتوحشة المفتقدة كل قيمة إنسانية. كل ما يعني الولايات المتحدة، اليوم، هو تركيز الجهود على محاربة “داعش”، وهي لا تريد من السعودية، أو غيرها، أن تفسد عليها “التحالف الدولي” لمحاربته وهزيمته، وإيران ضمن هذا السياق، أصبحت شريكاً، لا خصماً، في العراق وسورية، هذا ما يقوله مسؤولون أميركيون اليوم.

لم تتوان إيران عن خرق سيادة العراق، وتنصيب أزلامها فيه، بعد أن غزته الولايات المتحدة ودمرته، ولم تجد الأخيرة، تحت إدارتي بوش الابن وباراك أوباما، غضاضة في التسليم بالنفوذ الإيراني في العراق والقبول به. بل إن الولايات المتحدة لطالما سكتت على الإجرام الطائفي الذي أشرفت عليه حكومات العراق، بعد الغزو، والمليشيات الشيعية التابعة لها، بحق المواطنين السُنَّة. وعندما أُعدم الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، صبيحة يوم عيد الأضحى عام 2006 في بغداد، على وقع شعاراتٍ شيعيةٍ طائفية، لم نَرَ غضبة أميركية، بذريعة التوتير الطائفي، على الرغم من أنه كان على أشده حينها، وعلى الرغم من أن العراق كان تحت احتلالها حينئذ، وهي من سلمت صدام إليهم. وقبل ذلك وخلاله وبعده، لا تَسْمَعُ للولايات المتحدة صوتاً يُعْتَدُّ به يعترض على عبث إيران في لبنان والبحرين، وإجرامها المباشر في سورية، بل تعترف الولايات المتحدة بنفوذ إيران في سورية وتقبل به، في حين تطالب السعودية بوقف تدخلها العسكري في اليمن، الذي جاء بناء على طلب من الحكومة الشرعية، والقبول بالحوثيين، أحد مخالب إيران في المنطقة، طرفاً أساسياً وقوياً في معادلة الحكم، بما قد يؤدي إلى إنتاج أنموذج حزب الله في لبنان، أين ابتلع تنظيمٌ دولة.

السعودية، التي تراقب منذ سنوات الإزاحات في المواقف الأميركية في المنطقة، وَتَبَدُّلَ مقاربات تحالفاتها، قررت أخيراً، ومنذ مطلع العام الجاري، مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الأمور، ألا تضع كل بيضها في السلة الأميركية المثقوبة. فكان أن قادت، في مارس/آذار الماضي، تحالفاً عربياً لإعادة الشرعية في اليمن، من دون انتظار ضوء أخضر من الولايات المتحدة. ثُمَّ إنها صعّدت، بالتنسيق مع كل من قطر وتركيا، من دعمها المعارضة السورية التي تقاتل نظام الأسد بدعم من حليفيه الروسي والإيراني. وهي الآن، كما أعلن وزير خارجيتها، تتصدى لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة وتدخلاتها في دولها. وكما صرّح أحد المسؤولين السعوديين، لصحيفة أميركية، اشترط عدم ذكر اسمه، “لقد طفح الكيل”، ليس من إيران فحسب، بل ومن الولايات المتحدة التي “تتراجع”، كل مرة، أمام عبث إيران وسياساتها التخريبية. وألمح إلى أن المملكة لن تنتظر إذناً أميركياً لحماية أمنها وأمن إقليمها من أي تهديد إيراني.

ختاماً، سيخرج علينا، كالعادة، من يقول: أليست إسرائيل هي المستفيدة من التحشيد والتوتير الطائفي في المنطقة؟ أليست إيران عدواً لإسرائيل، وهي تدعم المقاومة الفلسطينية!؟ الجواب على السؤال الأول، نعم، إسرائيل، هي المستفيدة من التحشيد الطائفي في المنطقة، لكن إيران وأدواتها هم أكثر من يغذّون نيران الطائفية العمياء هذه، وبالتالي يفيدون إسرائيل. وقفت جُلُّ الشعوب العربية، بأغلبيتها السُنِّيَة بالمناسبة، في الأمس، مع إيران في صراعها مع الغرب على أرضية برنامجها النووي، كما وقفت جُلُّ الشعوب العربية مع حزب الله في مقاومته إسرائيل. حينها، لم تكن الغالبية تلقي بالاً لدعوات الطائفية التي كان يطلقها بعض النظام الرسمي العربي، لأن الشعوب كانت لديها مناعة من فيروس الطائفية، إلى أن جاءت إيران وأدواتها في لبنان وسورية والعراق واليمن، وحقنت الأمة به، فكان أن ضعف الجسد ووهن، ما مكّن أعداء الأمة من النفاذ إلى صلب مناعته وقوته. وفيما يتعلق بالسؤال الثاني، المتعلق بدعم إيران وحزب الله للمقاومة الفلسطينية، فبغض النظر عن دقة ذلك اليوم ومداه، فإن الإجابة عليه سهلة، فزعم التصدي لإسرائيل والدفاع عن فلسطين لن يُطَهِرَهُما من سفك الدماء السورية والعراقية واليمنية، ولن يشفع لهما عندنا، نحن الشعوب.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى