صفحات مميزة

الأزمة السعودية-الايرانية مقالات مختارة

التوتر السعودي – الإيراني والعامل الأميركي/ مروان قبلان

منذ الثورة التي أطاحت نظام الشاه محمد رضا بهلوي في إيران عام 1979، والعلاقات السعودية الإيرانية تشهد، لأسباب مختلفة، حالات من التوتر والتصعيد. بعض هذه الأسباب مرتبط بتوجهات النظام “الثوري” في طهران، السياسية والأيديولوجية، وانعكاساتها على العلاقات الثنائية السعودية –الإيرانية، وبعضها الآخر مرتبط ببنية النظام الإقليمي، وسعي طهران إلى تغييره بما يتوافق مع مصالحها؛ تارة عبر محاولة “تصدير مشروع الثورة”، وإحلال أنظمة حليفة لها، عوضاً عن الأنظمة القائمة، وتارة بمحاولة التمدد والهيمنة من خلال اختراق مجتمعات الدول المجاورة، ومخاطبة الجانب الوجداني عند العرب الشيعة، بعد أن قدمت نفسها حامية للمذهب حول العالم، ومرجعاً سياسياً (وفقهياً) وحيداً له.

صدمة التعاطي الأميركي

وبمقدار ما مثلت بخطابها وسلوكها السياسي الجديد تحدياً كبيراً للسعودية، مثلت الثورة الإيرانية لجهة التعاطي معها أميركياً صدمة من ناحية أخرى، إذ شهدت الرياض، وفي عز أيام الحرب الباردة والمواجهة مع الاتحاد السوفييتي، كيف تخلت واشنطن عن حليفٍ بأهمية شاه إيران، من أجل الحفاظ على مصالحها الحيوية في هذا البلد الذي وصف وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، خسارته في عام 1979 بأنه “أكبر نكسة استراتيجية لحقت بالمصالح الأميركية في فترة الحرب الباردة”. كما تابعت الرياض، بقلق بالغ، المداولات التي كانت تجري في إدارة الرئيس جيمي كارتر، والسجال الذي نشب بين الخارجية الأميركية، ممثلة بالوزير سايروس فانس، الذي كان يفضل التخلي عن الشاه، وفتح خطوط مع القوى الثورية في إيران، لا بل وحتى تشجيع حصول انقلاب عسكري يطيح الشاه، ويسمح بتشكيل حكومةٍ تعيد الاستقرار، وتحافظ على علاقات قوية مع واشنطن، وبين مجلس الأمن القومي، ممثلاً بمستشار الرئيس، زبغينو بريجنسكي، الذي دافع عن فكرة دعم نظام الشاه حتى “آخر قطرة دم ايرانية”، باعتبار أن خلاف ذلك يعطي إشارات سلبية للحلفاء في المنطقة حول مدى التزام أميركا بأمنهم واستقرارهم. طبعاً تغلبت، في النهاية، وجهة نظر وزارة الخارجية، لانسجامها مع سلوكٍ نفعي متأصل في الفعل السياسي عموماً، والأميركي خصوصاً، حيث قرّر الرئيس كارتر إرسال وزير العدل السابق رمزي كلارك إلى باريس، للقاء الخميني، وعرض عليه اعتراف واشنطن بالنظام الجديد في طهران، والاستعداد لاستئناف صادرات الأسلحة إليها، بموجب العقود المبرمة مع نظام الشاه. وافق الخميني، واستؤنفت صادرات الأسلحة عبر إسبانيا، لكن موافقة كارتر على استقبال الشاه في الولايات المتحدة لأسباب صحية وإنسانية، والصراع الداخلي الذي نشب في إيران بين القوى التي شاركت في الثورة، والمزايدات في العداء لأميركا، وانتشار شائعات تتهم المخابرات الأميركية بالتحضير لثورة مضادة، تشبه الانقلاب الذي أطاح حكومة محمد مصدّق عام 1953، دفعت قيادات الحركة الطلابية إلى اقتحام السفارة الأميركية في طهران، وأخذ دبلوماسييها رهائن، ما قضى على أي إمكانية لإصلاح العلاقات.

“خلال التسعينيات، تفاوتت العلاقات بين البلدين، فكانت تتحسن تارة وتسوء أخرى، إذ جرت استعادة العلاقات الدبلوماسية عام 1991 نتيجة الغزو العراقي للكويت، لكن الأمور عادت وساءت”

كانت السعودية تتابع هذه المناقشات عن كثب، وما زاد من شكوكها في الموقف الأميركي أن سرب طائرات الـ إف 15 التي أرسلها كارتر على عجل لطمأنة السعودية، بعد انتصار الثورة في إيران، تبين أنها لم تكن تحمل أي ذخائر صاروخية، ما يعني أن إرسالها كان عملاً دعائياً وليس دعماً جدّياً. ولم تتبدّد هذه الشكوك، إلا عندما جاء الرئيس رونالد ريغان، وقرّر على الرغم من معارضة الكونغرس، الموافقة على بيع السعودية سرب طائرات أواكس عام 1981.

محاولات متعثرة لتجاوز الخلاف

وعندما اندلعت الحرب العراقية-الإيرانية، سارع السعوديون إلى دعم العراق لمواجهة سياسات طهران التي مثلت تحدياً أكبر مما مثّله المد القومي في فترة المواجهة مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، لأنها جاءت بخطاب ثوري بلبوس ديني حاول، أول الأمر، تجاوز التمايز الطائفي، بغية الانتشار والتأثير، لكنه لم يلبث أن ارتكس ليركّز على بناء النفوذ بين الأقليات الشيعية في دول المنطقة. حصلت في هذه الفترة أزمات عديدة في العلاقات الثنائية، أهمها حادثة الحج عام 1987، عندما تظاهر الحجاج الإيرانيون خلال موسم حج ذلك العام، ما أدى إلى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن السعودية، سقط فيها كثيرون، وقطعت على إثرها العلاقات الدبلوماسية.

خلال التسعينيات، تفاوتت العلاقات بين البلدين، فكانت تتحسن تارة وتسوء أخرى، إذ جرت استعادة العلاقات الدبلوماسية عام 1991 نتيجة الغزو العراقي للكويت، لكن الأمور عادت وساءت، بعد اتهام الرياض طهران بالمسؤولية عن تفجيرات في الخبر وقعت عام 1996، وتبين أنها تمت بواسطة مواد تم تهريبها من لبنان. تحسّنت العلاقات مرة أخرى، مع وصول الرئيس محمد خاتمي إلى السلطة عام 1997 وتبنيه سياسة انفتاحية، هدفها التخلص من حال العزلة والعقوبات التي فُرضت على إيران، بموجب سياسة الاحتواء المزدوج التي اتبعتها إدارة الرئيس بيل كلينتون نحو العراق وإيران، منذ وصولها إلى الحكم عام 1993، وبلغت ذروتها بإصدار الكونغرس “قانون داماتو” الذي فرض عقوبات شديدة على قطاع النفط الإيراني عام 1995. وقد أدرك خاتمي أن الطريق إلى واشنطن لا بد أن يمر بمحطة الرياض، فسعى إلى تحسين العلاقات مع السعودية التي كانت محطته الخارجية الأولى في مايو/ أيار عام 1999، لكن اشتداد وطأة الخلافات الداخلية، خصوصاً بعد أحداث جامعة طهران في يوليو/تموز 1999 لم تسمح بتقدم كبير في العلاقات الثنائية، واستمر الحال كذلك، حتى وقعت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وغيرت المشهدين، الإقليمي والدولي.

وفي وقت كانت تشهد فيه العلاقات السعودية – الأميركية توتراً، إثر محاولات لتحميل السعودية المسؤولية عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، باعتبار أن 15 من أصل 19 من المنفذين كانوا سعوديين، سارعت إيران إلى استغلال الموقف، وعرضت تعاونها على واشنطن في “الحرب على الإرهاب”. ولم تتأخر طهران عن تقديم كل أشكال المساعدة للولايات المتحدة، لتخليصها من خصميْها اللدوديْن: في الشرق نظام طالبان في أفغانستان، وفي الغرب نظام الرئيس صدام حسين في العراق. وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن تنكّرت لطهران بعد ذلك، على الرغم من مساعدتها “القيّمة” في غزو أفغانستان، عندما سمحت باستخدام مجالها الجوي لنقل جنود ومعدات أميركية لدعم تحالف الشمال الذي كان يقوده أحمد شاه مسعود ضد حكم طالبان. وكذلك في غزو العراق، عندما مهد حلفاؤها من أحزاب ومليشيات الطريق أمام الأميركان للوصول إلى بغداد، إلا أن طهران ظلت، مع ذلك، المستفيد الأكبر من سياسة إدارة بوش الابن، في حين تحملت السعودية أفدح الأضرار منها.

العشرية السوداء 2005-2015

شكلت فترة رئاسة خاتمي خيبة أمل كبيرة داخل إيران وخارجها، إذ فشل الرجل، خلا إثارة بعض الضجيج عن إصلاحاتٍ لم تتحقق، في إحداث أي تغيير يذكّر به، سواء بين خصومه أو حلفائه، ما فتح الطريق أمام وصول التيار الأصولي إلى السلطة، بزعامة أحمدي نجاد الذي قاد؛ مستفيداً من التغير الاستراتيجي الكبير الذي طرأ في المنطقة، بفعل التدخل العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان؛ انعطافة شديدة في سياسات إيران الإقليمية. وبعد فشل شعارات تصدير الثورة، واضطرار الخميني في يوليو/ تموز 1988 إلى “تجرّع كأس السم”، كما قال، بقبوله وقف إطلاق النار مع العراق، وفق قرار مجلس الأمن رقم 598، عاد التيار الأصولي، يتقدمه أحمدي نجاد، يروج، هذه المرة، ليس لتصدير الثورة الإسلامية إلى الجيران، كما كان عليه الحال أيام الخميني، إنما لإنشاء مشروع قومي امبراطوري يمتد من أفغانستان إلى البحر المتوسط، وتكون أدواته مليشيات وأحزاباً وطوائف في منطقةٍ لا تعدم ركائزها، أو القابلية لها.

وفور وصوله إلى السلطة، قرّر نجاد استئناف تخصيب اليورانيوم الذي كان محمد خاتمي أوقفه عام 2003، بعد أن اعترفت حكومته بصحة ادعاءات المعارضة الإيرانية عن وجود برنامج نووي سري. كانت خطة أحمدي نجاد، وحلفائه في الحرس الثوري، تقوم على إشغال الغرب والمنطقة بتفاصيل البرنامج النووي ونيات إيران حياله، في وقت كان يجري فيه العمل الدؤوب على إنشاء قوس نفوذ إيراني، يمتد شمال شبه الجزيرة العربية، ويشمل كامل الهلال الخصيب، وصولاً إلى البحر المتوسط. لا بل بلغت أحلام طهران، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، حد الحديث عن إمكانية ضم مصر إلى هذا القوس. لكن الثورة السورية أفسدت على إيران أحلامها، وأيقظتها على واقع مختلف عن الذي كانت تخطط له.

“لولا تغير السياسة الأميركية أيضاً لبقيت السعودية معتمدة على الحماية الخارجية، ولما اضطرت إلى تبني سياسةٍ خارجيةٍ وأمنيةٍ أكثر استقلالاً، تراعي مصالحها هي، قبل أي شيء آخر”

اتسم السلوك السعودي، في بداية هذه الفترة، بسلبية كبيرة، إذ انشغل السعوديون، أول الأمر، بدفع الاتهامات عن أنفسهم بدعم الإرهاب، فتُرك العراق يسقط في يد إيران، بعد أن تولت الآلة العسكرية الأميركية تدمير قدراته ومؤسساته والقضاء على مقاومته. وعندما كان الأميركيون ينسحبون، تاركين العراق في عهدة المليشيات والقوى الحليفة لطهران، اكتشفت السعودية أنها تفتقد إلى أدوات التأثير على الأرض، بيد أن ذلك لم يغير الكثير، إذ اقتصر رد الفعل على مراقبة ملء إيران الفراغ، وكأن الأمر يحدث في أميركا الجنوبية. وعندما اندلعت ثورات الربيع العربي، ركزت السعودية على منع تيارات الإسلام السياسي من الوصول إلى السلطة في مصر وتونس واليمن، أكثر مما ركّزت على استفحال التغلغل الإيراني في أرجاء المنطقة. وعندما قرعت الأجراس، بعد استيلاء الحوثيين على أكثر اليمن، وإعلان الملالي، بسقوط صنعاء، سيطرتهم على أربع عواصم عربية، كانت طهران قد أبرمت صفقة الاتفاق النووي مع واشنطن، وقدّمت نفسها شريكاً في الحرب التي أعلنها أوباما على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسورية.

الرد السعودي والمواجهة المباشرة

بعد سقوط صنعاء، شعرت السعودية أن إيران أطبقت عليها الحصار، ففي الشمال، تتحكم طهران بالقرار في دمشق وبغداد وبيروت، كما غدت تحكم صنعاء في الجنوب، وتستمر في محاولات السيطرة على البحرين، وزعزعة استقرار بقية دول الخليج (خلية حزب الله في الكويت مثلاً). وما زاد الطين بلة أن السعودية باتت غير واثقة من توجهات الحليف المصري، ومناوراته السياسية بين موسكو وطهران وبغداد ودمشق وصنعاء، كان ذلك كله يحدث، في وقتٍ بدأت فيه الولايات المتحدة تنتقل من دور الحليف إلى دور الوسيط الموازن في العلاقة بين طهران والرياض، وصار على السعودية، من الآن فصاعداً، أن تتحمل القسط الأكبر من أعباء الدفاع عن أمنها ومصالحها، لأن الحليف الأميركي ما عاد في وارد القيام بذلك، إلا إذا تعرّضت مصالحه هو للخطر.

بناء عليه، قررت السعودية، وقد تولت أمورها قيادة جديدة أكثر حزماً، أن تنتقل نحو سياسة هجوميةٍ، لا تتردد في استخدام القوة والتدخل العسكري المباشر (Aggressive Foreign Policy)، فأطلقت عاصفة الحزم في اليمن، وانتزعت السودان من يد إيران، وانخرطت في اللعبة السياسية في العراق، فاستقبلت رئيس حكومة إقليم كردستان، مسعود البرزاني، وأرسلت سفيراً إلى بغداد، وتخلت عن تحفظاتها على فصائل المعارضة الإسلامية في سورية، فدعت أكثرها إلى مؤتمر الرياض، وذهبت باتجاه تعاون استراتيجي مع تركيا، متجاهلة المواقف الأميركية من أكثر هذه القضايا، فطالما أن أميركا انتقلت من وضع الحليف إلى وضع الوسيط، لم يعد ثمّة من حاجةٍ لمعاملته بغير صفته الجديدة التي ارتضاها لنفسه.

شكلت السياسة السعودية الجديدة مفاجأة كبيرة لإيران التي اعتادت التصرف وفق النظرة التقليدية للسعودية، بأنها خصم يعوزه الحزم، ويسيطر على تحركاته التردد وقلة الإقدام، أما السعودية فلم يكن أمامها من خيار آخر غير ترتيب أوراقها، والانتقال من سياسة الإحجام إلى سياسة المواجهة المباشرة. وما قضية المعارض السعودي، نمر النمر، وكل التباساتها والمواقف منها، إلا تفصيل صغير في مواجهةٍ غدت شاملة ومفتوحة بين السعودية وإيران على امتداد الإقليم. وقرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بهذه الطريقة هو رسالة أخرى، المقصود بها القول إنه لم يعد ممكناً السكوت على السلوك الإيراني، بعد أن وصل “السكين إلى العظم”، وأن السعودية غدت مستعدة لكل الاحتمالات، بما فيها احتمال المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران.

يبقى القول إنه لولا العامل الأميركي لما أخذت الأمور هذا المنحى، فلولا الغزو الأميركي للعراق واللامبالاة تجاه ما يجري في سورية، والاندفاع نحو استرضاء إيران، للتوصل إلى اتفاق ينهي الجدل حول برنامجها النووي، لما تمددت إيران بهذه الطريقة، ولما أتيح لها فرصة اختراق دول المنطقة، واتباع سياسات تفكيك ممنهج لدولها، وإقامة مليشيات تابعة لها تحكمها. لكن، والحق يقال، إنه لولا تغير السياسة الأميركية أيضاً لبقيت السعودية معتمدة على الحماية الخارجية، ولما اضطرت إلى تبني سياسةٍ خارجيةٍ وأمنيةٍ أكثر استقلالاً، تراعي مصالحها هي، قبل أي شيء آخر.

عقوداً طويلة، ظلت إيران تتصرف من خلال نزوعها إلى الهيمنة دولة غير طبيعية، كما أن السعودية، بالاعتماد على الحماية الخارجية، كانت تتصرّف، هي الأخرى، دولة غير طبيعية. أما وقد عادت السعودية إلى انتهاج سياسة دولة طبيعية، تتولى بنفسها الدفاع عن مصالحها، فقد يسهم ذلك في دفع طهران إلى التصرف أيضاً دولة طبيعية، وقد أدركت أن محاولاتها السيطرة على المنطقة سوف تتم مواجهتها، والتصدّي لها، ومن دول المنطقة، وليس من “الشيطان الأكبر” الذي صدّعت إيران رؤوسنا بزعم مواجهته. الملفت أن شرط انتهاج السياسة السعودية الجديدة كان الخروج من تحت العباءة الأميركية، في حين أن شرط السياسة الإيرانية الجديدة قد يكون التلحف بها.

العربي الجديد

 

 

توتر مقيم ينتظر وجهاً آخر لإيران أو… خرائط جديدة/ جورج سمعان

التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران بلغ ذروة لم يشهدها من قبل. وصل إلى حافة الهاوية. هذه نتيجة طبيعية لحرب باردة طويلة بينهما تجلياتها في حرائق مستعرة من اليمن إلى سورية والعراق. ولم تخل من انخراطهما الميداني المباشر هنا وهناك. التوتر فرضته تداعيات وتراكمات كثيرة، بمقدار ما جاء مؤشراً إلى مقدمات واستحقاقات. من التداعيات القريبة فشل الهدنة في اليمن مع فشل محادثات جنيف السياسية. وسعي الحوثيين إلى اختراق الحدود الشمالية مع المملكة وإشعالها. وتعثر التسوية الرئاسية في لبنان. وحملة طهران على مؤتمر المعارضة السورية في الرياض ورفضها نتائجه، في ضوء شعورها المتنامي بأن روسيا باتت لها الكلمة العليا في دمشق. فضلاً عن توجسها من الدور الأميركي في العراق وبلاد الشام عموماً. وأخيراً وليس آخراً قلقها من عزلة في الفضاء الإسلامي لإبعادها عن التحالف الإسلامي العسكري الواسع بقيادة الرياض. وهذه ينتابها قلق من الدور الأميركي الملتبس. إذ تعتبر أن واشنطن راعت وتراعي تقديم طهران نفسها القوة الإقليمية الكبرى فيما تواصل بناء ترسانتها الصاروخية. ومن المقدمات حاجة التيار الإيراني المحافظ إلى إعادة استنفار الشارع الداخلي على أبواب الانتخابات الشهر المقبل. وهي حاجة فرضها مزاج شعبي ينتظر انفراجاً سياسياً واقتصادياً ثمرةً للاتفاق النووي الذي حققه فريق الرئيس حسن روحاني وعزز مواقع الفريق الإصلاحي في البلاد.

جاء رد الفعل الإيراني على حكم القضاء السعودي بإعدام 47 متهمين بالإرهاب بينهم الشيخ الشيعي نمر النمر، الشرارة التي أعادت إشعال فتيل التوتر. ويستبعد أن تنجح أي وساطة في تسوية قريبة للخلاف بين البلدين. عامل الوقت كفيل بتهدئة التوتر الناشئ، ما لم تنزلق المنطقة كلها إلى مواجهة واسعة. كلا الطرفين لا يرغب في الذهاب بعيداً إلى مثل هذه المواجهة. لكن استمرار الحرائق مع تراجع فرص التسويات من اليمن إلى سورية يظل نذير سوء. وقد لا يكون التعويل على ضغوط القوى الكبرى المخرج الوحيد. صحيح أن هذه لا يمكنها السماح أصلاً بحرب شاملة ومباشرة. لكن الاكتفاء الأميركي والغربي عموماً بإدانة الإعدام من جهة واقتحام مقرين لبعثتي المملكة لا يؤشر إلى جدية لكبح جماح الصراع المذهبي. فالتسوية لا تقف عند معالجة تداعيات اقتحام السفارة السعودية. تتجاوز الخلافات قضية أو مشكلة طارئة بين الطرفين. وصول العلاقات إلى هذا الدرك كان نتيجة طبيعية لسياسات نهجتها طهران لسنوات. وتعزز تمسكها بها بعد اتفاقها النووي مع الدول الكبرى. وهذا واضح من الحرب الدائرة في اليمن وسورية والاستعصاء السياسي في لبنان والعراق. وهو ما رفع وتيرة الاستقطاب وامتدادها خارج حدود الإقليم. ولن تتوقف المملكة عن رفع التحدي، إذ لا يكفي أن يتهم المسؤولون في طهران عناصر مندسة وغير مسؤولة بحرق السفارة السعودية، فيما مواقفهم تنذر القيادة في الرياض بالويل والثبور وعظائم الأمور! هذه المواقف المتناقضة تثبت بوضوح أن لا شيء تغير في الجمهورية الإسلامية.

التسوية إذاً لا تشمل مشكلة أو حادثة بعينها. إنها لائحة طويلة من القضايا الشائكة والمعقدة. وما لم يبدأ التفاهم الجدي على حلول سياسية مرضية لجميع الأزمات أو الحروب الأهلية في المنطقة، سيظل التوتر سيداً. مثل هذه الحلول لا يمكن تحقيقها في ظل الاستراتيجية التي تنهجها إيران منذ قيامها قبل ثلاثة عقود. كان التعويل على أن تعود، بعد اتفاقها النووي مع الدول الكبرى، إلى ممارسة سياساتها تحت سقف الشرعية الدولية وأعرافها ومواثيقها. لكنها تجازف بتبديد صلاتها بالعالم الإسلامي الواسع، وليس الخليجي أو العربي. فليس المطلوب ما تتمناه القيادة الإيرانية من تغيير للنظام في المملكة، بمقدار ما إن المطلوب أولاً وأخيراً أن تكف عن التدخل في شؤون الآخرين. وأن تترجم فعلاً عودتها إلى كنف الشرعية الدولية، بالتزام شرعتها وأعرافها وأدواتها. لا يمكن المملكة ولا أي بلد عربي أن يقبل بأن تتوكأ الجمهورية الإسلامية على أدوات محلية في هذا البلد العربي أو ذاك، بحجة الدفاع عن أبناء المذهب الشيعي. لأنها بذلك تمنح الآخرين شرعية التدخل علناً في شؤونها الداخلية بذريعة حماية الأقليات المذهبية أو العرقية. كما أنها لا يمكن أن تزايد على الآخرين في مجال التعامل بميزان المساواة والندية مع رعاياها على اختلاف مذاهبهم أو عرقياتهم.

أي أن المطلوب رسو النظام الإيراني على «وجه» جديد واحد، خصوصاً في مجال إدارته علاقات الجمهورية ومصالحها مع الخارج. وليس «الوجه الإمبراطوري» الجاثم فوق أربع عواصم عربية، كما تغنّى أركانه طويلاً قبل أن تفتح الأبواب واسعة بين طهران وعواصم الغرب عموماً وواشنطن خصوصاً. بالطبع يصعب في هذه المرحلة أن يتوقع المتوسطون طلاقاً بائناً بين النظام وماضيه القريب والبعيد. سيمر وقت طويل قبل أن تقتنع إيران بأنها لا يمكن أن تكون نداً للقوى العظمى. فلا أحمدي نجاد تمكن في ولايتيه أن يقيم «أمم متحدة» جديدة للحد من سيطرة الكبار. ولا «حلف الممانعة» الذي روج له استطاع أن يمسك بالمنطقة. ولا الذين قبله تحقق لهم «تصدير الثورة». بل لم تستطع الآلة الإيرانية أن تهضم ما تعتقد بأنه بات لها في العراق. وحتى سورية انتقلت سريعاً إلى يد موسكو، فيما «فضائل» التركيبة اللبنانية لم تسمح ولن تسمح لأي طائفة أو مذهب بأن يمسك بتلابيب السلطة والقرار في البلد الصغير. بينما يدفع اليمنيون جميعاً ثمن مغامرة الحركة الحوثية، مثلما دفعت القضية الفلسطينية وتدفع ثمن تشتيت وحدة فصائلها.

سعت إيران منذ إحكام الحصار الدولي عليها، قبل البرنامج النووي وبعده، إلى تحقيق حضورها على الساحة الدولية بعيداً من الأحكام والأعراف المرعية. ألقت بثقلها خلف القضية الفلسطينية. وسعت إلى تكريس نفسها طرفاً مباشراً في الصراع مع إسرائيل. ووفرت لها المقاومة الإسلامية في لبنان هذا التماس مع الدولة العبرية. وتعزز ذلك أيضاً إثر وقوفها خلف «حماس» و «الجهاد الإسلامي». وشكلت لها «الحروب الأميركية الاستباقية» لاحقاً، ثم الاضطرابات في عدد من الدول العربية وإشاحة أميركا وجهها نحو المحيط الهادئ، وتخبط النظام الدولي وعجز القوى الكبرى عن القيادة، فرصة ثمينة لمزيد من التدخلات. توسلت قوى وأحزاباً مذهبية دعمتها ومولتها وسلحتها لتكون أدوات لها بديلة من تغييبها في ضوء الحصار الاقتصادي الدولي. كما أن حرص الإدارة الأميركية الحالية على إعادة فتح الأبواب أمام الجمهورية الإسلامية، أتاح لهذه مزيداً من حرية الحركة. فواصلت اعتمادها على هذه القوى والميليشيات رافعةً لتحقيق مطامحها القومية واستعادة دورها الإمبراطوري. لم تنجح في تصدير «ثورتها الإسلامية» في عالم غالبيته العظمى من السنّة. ولم تجد ضيراً في تغليف طموحاتها القومية بعقيدتها المذهبية مستندة إلى قوة عسكرية متنامية من أجل اختراق المنطقة. وهو ما شكل ولا يزال تهديداً لدول عربية عدة، خصوصاً دول الخليج. أمام هذا التحدي المصيري، شعرت السعودية بأن عليها أن تأخذ على عاتقها إعادة تصحيح ميزان القوى في الإقليم، بما يضمن الأمن والاستقرار والحد الأدنى من النظام الأمني الخليجي والقومي العربي عموماً. في حين كانت دول الاعتدال العربي تعول على واشنطن لأداء هذا الدور الذي سبق أن لعبته، إلى حد ما، أيام حكم الشاه. وكانت طهران تعي من زمن أنها لا يمكن أن تسيطر على الإقليم وأن تواصل خطتها لتطويق شبه الجزيرة العربية، في ظل معارضة تقودها المملكة التي تتمتع بثقل وازن على المستوى الإسلامي والعربي، دينياً وسياسياً واقتصادياً.

صحيح أن إيران ليست المسؤولة وحدها عن ضرب النسيج الوطني في أكثر من بلد عربي في ضوء الرياح التي تعصف بالمنطقة. ثمة أسباب بنيوية داخلية وخارجية كثيرة أشبعت درساً وتحليلاً. ليس أولها تعقيدات الخرائط في المنطقة التي ساهمت في هز الوحدات الوطنية وتأجيج الصراعات، الأهلية والإقليمية. فالحدود التي رسمها الخارج لمعظم دول المشرق العربي لم تراع «حدود» انتشار المكونات على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي أو حتى قبلي، بمقدار ما راعت مصالح الدول الاستعمارية في تقاسمها تركة «الرجل التركي المريض». إضافة طبعاً إلى استبداد أنظمة وحكام… لكن الجمهورية الإسلامية كانت سباقة إلى ركوب مركب تعميق الخلافات والمخاوف والهواجس. واستعجلت وتيرة الإفادة من الفوضى التي ضربت عدداً من الدول العربية، بعد سقوط رهانها على «الربيع العربي»، أو «الربيع الإسلامي» كما وصفه المرشد الأعلى السيد علي خامنئي. كان عليها أن تمارس دوراً مسؤولاً عن استقرار لا بديل منه في الإقليم. فلا قوة أو دولة يمكن أن تتجاهل وجودها دولة إقليمية كبرى لها مصالح وأمن قومي. لكن الحفاظ على هذه المصالح وهذا الأمن لا يكون بتقويض مصالح الآخرين وضرب أمنهم وتهديد كياناتهم بميليشيات أو «جيوش خاصة»… إلا إذا كانت تراهن على مواقع على وقع دعوة كثيرين إلى إعادة النظر في الخرائط وحدود الدول القائمة في المشرق. ولكن حتى هذا المصير لن تنجو منه هي ولا بعض دول الجوار العربي.

شهد الخليج ثلاث حروب إقليمية كبرى، ويعيش بين نيران حارقة في اليمن والعراق وسورية وتوترات في ظهرانيه، فهل يسقط الإقليم من على حافة الهاوية، أم ينتظر مفاجأة في الانتخابات الإيرانية تلبس بعدها إيران وجهاً آخر جديداً، أم تبدل خرائطُ جديدة وجهَ المنطقة كلها؟

الحياة

 

 

صراع الهويات وانهيار الدولة يتسببان في انكسار النظام الإقليمي/ د. بشير موسى نافع

خلال ساعات من إعدامه، تحولت مسألة المواطن السعودي/ الشيخ والمعارض الشيعي، نمر النمر، إلى أزمة إقليمية، فاقمت من حدة الصراع بين إيران وخصومها في الجوار العربي. بغض النظر عن حكم الإعدام ذاته، الذي طال أيضاً العشرات من المواطنين السعوديين السنة، المتهمين بالإرهاب، أشرت مسألة النمر إلى الكيفية التي تحولت فيها الهوية الطائفية إلى قوة عابرة لحدود الدول المشرقية. لم تكترث طهران، ولا حلفاؤها في المنطقة، الذين سيروا التظاهرات ضد السعودية، بحكم الإعدام ذاته، ولا بإعدام العشرات من السعوديين السنة، ولا حتى بالأسس القضائية لإعدام هؤلاء. ما دفعهم لإطلاق حركة الاحتجاج الصارخة ضد السعودية، بل ومهاجمة سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد، كان إعدام النمر. هوية النمر الشيعية، التي يفترض في ظل نظام الدولة الحديثة أن لا تشكل سوى بعد هامشي في مواطنيته السعودية، أصبحت هي الهوية الأصل، ليس فقط بالنسبة إلى إيران، ولكن أيضاً للبعض في العراق ولبنان.

ثمة صراع طائفي محتدم في المشرق، لا يمكن تجاهله بأي صورة من الصور. وربما تتحمل إيران المسؤولية الأكبر في التوظيف المتزايد للمسألة الطائفية من أجل خدمة أهداف سياسية. دعمت إيران، منذ مطلع التسعينات، على الأقل، عملية التحول الحثيث في خطاب القوى السياسية المعارضة للنظام العراقي السابق إلى خطاب شيعي بحت. وبذلت جهوداً كبيرة لتوليد معارضات شيعية، وشيعية بحتة، لحكومات دول الخليج التي تضم أقليات شيعية. وبالرغم من أن هناك عدة أسباب تقف خلف الدعم الذي توفره إيران للنظام السوري، فمن الصعب تجاهل البعد الطائفي خلف هذا الالتزام غير العقلاني بوجود نظام مستبد، فاشستي، يواجه ثورة تضم الأغلبية من شعبه. والواضح، أن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، الذي ولد من ثورة إسلامية شعبية كبرى، وعبر عن نفسه في البداية بخطاب إسلامي جامع، تعرض لعملية تحول كبيرة خلال العقود القليلة الماضية. كما كل الدول ذات الميراث التاريخي الكبير، التي تنظر إلى نفسها باعتبارها صاحبة دور إقليمي وموقع هام على المسرح العالمي، ثمة أكثر من محرك محتمل واحد للسياسة الإيرانية الخارجية. أحد هذه المحركات هو الانتماء الإسلامي الجامع؛ ويتعلق المحرك الآخر بمصالح الدولة الإيرانية القومية والجيوسياسية؛ أما الثالث فيتصل بالهوية الطائفية ـ الشيعية وطموح التحول إلى الدولة القائدة لعموم شيعية العالم. لأسباب لا مجال هنا لذكرها، يبدو أن المحرك الإسلامي الجامع تراجع بصورة ملموسة بعد نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية، ليحل محله، وبصورة تدريجية، الطموحات الجيوسياسية والطائفية.

وجد المسلمون الشيعة، بكافة طوائفهم، ووجد المسلمون السنة، منذ تبلورت المفاهيم المحددة لكل طائفة في القرنين الثالث والرابع الهجريين. ولكن أن تكون شيعياً شيء، وأن يعتبر الانتماء الشيعي المحدد الأساسي لتوجهاتك السياسية وموقعك الاجتماعي، شيء آخر، مختلف تماماً. حمل المئات، وربما الآلاف من الشبان الشيعة السلاح وقاتلوا في صفوف حركة فتح وتنظيمات منظمة التحرير الفلسطينية باسم المقاومة وتحت راية أهداف كبرى لحرية العرب واستقلالهم. اليوم، هناك آلاف آخرون من الشبان اللبنانيين الشيعة يحملون السلاح، باسم المقاومة أيضاً، ولكن بهدف إعلاء حظوظ الطائفة. وحتى في العراق، يبدو واضحاً أن عشرات الآلاف من الشبان الشيعة، المنخرطين في صفوف الحشد الشعبي، يقاتلون أساساً بدوافع طائفية، تتعلق بالسيطرة الشيعية على العراق ومقدراته، وليس بهدف تحرير العراق ووحدته الوطنية واستقلاله. هذه الدوافع الطائفية ذاتها هي أيضاً ما يدفع الآلاف من الشبان العراقيين، وغير العراقيين، الشيعة للقتال في سوريا، ضد ثورة الشعب السوري وقواه المسلحة.

بيد أن الصراع الطائفي ليس التجلي الوحيدة لمناخ التداعي السياسي ـ الاجتماعي المتفاقم في المشرق. فطوال عقود، قاتل الأكراد في العراق، ثم في تركيا وإيران، وأخيراً في سوريا، من أجل قيام كيان كردي قومي. في مواجهة دول قومية عربية وقومية إيرانية وقومية تركية، اعتبر قطاع ملموس من الأكراد أن من حقهم بناء دولتهم القومية. المتغير الرئيسي في الحركة القومية الكردية المسلحة أنها لم تعد ظاهرة محصورة بحدود كل من دول تواجد الأكراد في الإقليم. الحقيقة، أن معظم التنظيمات والأحزاب القومية الكردية التي ولدت بصورة متفرقة في دول الإقليم قد ضعفت، وربما تلاشت، وحل محلها حزب العمال الكردستاني، الذي بات ينشط باسماء مختلفة في كل تركيا وسوريا وإيران، وضمن أفق استراتيجي واحد.

صعود الهويات ليس ظاهرة مشرقية، بالطبع. فما إن انهارت الكتلة الشرقية وانتهت الحرب الباردة حتى انفجر الصراع القومي في البلقان في سلسلة من الحروب الدموية. ولم تلبث تشيكوسلوفاكيا أن انقسمت إلى دولتين، وإن بصورة سلمية وبدون حرب. وقد عاشت إيرلندا الشمالية، حيث لعبت الهويتان الإثنية والدينية دوراً رئيسياً في الصراع، حرباً طاحنة منذ الستينات وحتى التسعينات. وفي بريطانيا، التي تمثل واحدة من أقدم الدول المركزية الحديثة، كادت اسكتلندا أن تنشق عن المملكة المتحدة قبل شهور قليلة. المشكلة أن تفاقم صراع الهويات في المشرق يواكب ضعفاً ملموساً لمؤسسة الدولة. في المغرب، حيث حافظت الدولة على تماسكها إلى حد كبير، وجد المغاربة حلاً مناسباً ومرضياً للمسالة الأمازيغية. وتبدو الجزائر وكأنها تسير في الطريق نفسه. ولكن دول المشرق لا تتمتع بالشرعية وعوامل التماسك والبقاء نفسها. ويبدو ضعف الدولة وصراع الهويات وكأن أحدهما يتغذى من الآخر.

تواجه الدولة العراقية، دولة ما بعد الغزو والاحتلال، مشكلة شرعية عميقة منذ اللحظة الأولى لولادتها. وقد أظهرت الطبقة العراقية السياسية من البؤس وقصر النظر ما يكفي لاستمرار أزمة الشرعية التي تعانيها الدولة. وربما ما كان لداعش أن تسيطر خلال أيام قليلة على أكثر من ثلث البلاد لو أن ملايين العراقيين السنة في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين تماهوا مع دولتهم، ونظروا إليها باعتبارها ممثلاً لهم. وهناك شك كبير في ما إن كان الجيش، جدار الدولة الأخير، الذي أسس بعد غزو العراق واحتلاله، مسلحا بعقيدة انتماء حقيقية لدولته، ولكافة فئات هذه الدولة. وتعيش الدولة السورية حالة أسوأ بكثير من حال الدولة العراقية. فسيطرة دمشق وسيادتها على أراضي وحدود الدولة السورية باتت محدودة؛ بينما تراجع، إلى حد كبير، دور الجيش السوري في مهمة الدفاع عن نظام الحكم السوري لصالح أدوار إيرانية وروسية وشيعية ـ إقليمية. ولا يخفى أن أغلبية من الشعب السوري لم تعد ترى أية شرعية لنظام دمشق واستمراره. ولا يبدو وضع لبنان أفضل كثيراً. فبالرغم من مظاهر الاستقرار الخادعة، أخفق اللبنانيون طوال شهور في التوافق على انتخاب رئيس جديد للبلاد؛ وتحتفظ ميليشيا مسلحة، مستقلة كلية عن جسم الدولة اللبنانية، بمقدرات قوة تفوق تلك التي يحتفظ بها جيش الدولة ومؤسساته الأمنية.

يساهم التصاعد الفادح لصراع الهويات في ضعف الدولة وانحدارها؛ وبضعف الدولة وفقدانها شروط السيادة، يتفاقم صراع الهويات المشرقية ليطرح الشكوك في مبرر وجود النظام الإقليمي وجدوى استمراره.

٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

القدس العربي

 

 

 

 

إيران في فخ السعودية/ سعد كيوان

يبدو أن تحول الكباش المشدود، منذ أقل من سنة، بين السعودية وإيران الى مواجهة مفتوحة بينهما، على خلفية إعدام المملكة الشيخ نمر النمر، ستستمر بوتيرة متصاعدة على امتداد المسرح الإقليمي من اليمن إلى سورية، مروراً بالعراق ولبنان. والأرجح أن مرد ذلك، هذه المرة، قرار سعودي، عنوانه وضع حد للعنجهية والتمدد الإيراني المستمر في المنطقة. وتحسباً لمضاعفات بدء العد العكسي لدخول الاتفاق النووي، الذي تم توقيعه بين إيران والدول “الخمس زائد واحد” (أميركا وفرنسا وإنجلترا وروسيا والصين + ألمانيا)، حيز التطبيق مع بداية العام الجديد. وهو يعني لطهران فك تجميد جزء من أرصدتها في المصارف الأميركية والأوروبية، وبدء رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، منذ سنوات طويلة. وهذا يعني في المقابل، تمكين نظام الملالي من استعادة بعض من الأوكسجين اللازم لإعادة تنشيط اقتصاده، وتخفيف من حدة النقمة الشعبية في الداخل، فيما هو موغل في تورطه في سورية والعراق واليمن ولبنان، أي العواصم العربية الأربع التي اعتبر أحد مسؤولي مجلس الشورى، منذ نحو سنة، أنها باتت تحت سيطرته.

ومثلما يريح هذا الاتفاق إيران، فإنه يريح، أيضاً، الولايات المتحدة التي نزعت، بموجبه، أنياب طهران النووية، وأبقت سلاح الرقابة مسلطاً على منشآتها النووية، عبر وكالة الطاقة الذرية، إذ أبقى الاتفاق مسألة رفع العقوبات مرتبطة بمدى التزام طهران بوقف نشاطها النووي، غير أن هذا الاتفاق الذي تم التوقيع عليه، في يوليو/تموز الماضي، لم تهضمه، بطبيعة الحال، المملكة السعودية التي تخشى من أن يطلق يد إيران في المنطقة، وبتواطؤ غربي ربما، فقد قرر الملك سلمان بن عبدالعزيز، على ما يبدو، منذ تنصيبه (يناير/كانون ثاني 2015) التصدي لنفوذ إيران وتأجيجها النزاعات والفتن، في عدد من الدول العربية والخليجية، ففاجأ الجميع، وخصوصاً إيران، بقرار التدخل العسكري في اليمن (عاصفة الحزم)، في مارس/آذار الماضي، ثم دعم المعارضة السورية المسلحة، والإصرار على رحيل بشار الأسد. وقبل أسبوع، جاء قرار إعدام الشيخ السعودي الشيعي، نمر النمر، بمثابة الفخ الذي وقعت فيه إيران هذه المرة، فراحت تنفخ في البوق المذهبي، مجندة كل أدواتها في العراق ولبنان والبحرين، احتجاجاً على اغتيال رجل دين شيعي، ولم تنطق بكلمة إدانة واحدة لإعدام 44 سعودياً آخرين من السنة. وقد تزامن قرار الإعدام مع إلغاء الهدنة التي كانت سارية في اليمن، قبل الذهاب

“يريد النظام الإيراني القول، إنه المسؤول الوحيد عن الشيعة، أينما وجدوا في العالم، وأنه يشكل زعامتهم ومرجعيتهم السياسية والدينية والروحية” إلى المفاوضات في جنيف، لعدم احترام الحوثيين لها. ويؤكد التصعيد السعودي الفوري رداً على اقتحام السفارة في طهران، وتجاوب العرب معه، أن الرياض قد استعدت، أو على الأقل، توقعت طبيعة ردة فعل طهران، وقرّرت الذهاب بعيداً في مواجهة محسوبة (حتى الآن) مضاعفاتها. وهي لا تخوضها وحدها، وإنما تمكنت من توحيد معظم العرب وراءها، من سحب السفراء، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، ووقف حركة الطيران ووقف التعامل التجاري.

وواضح أن هذا الاصطفاف عربي بالدرجة الأولى، لكنه، أيضاً، مذهبي في العمق، ردة فعل على نظام يعمل على تأجيج الصراع المذهبي السني-الشيعي في المنطقة، ولا يألو جهداً في تأليب الجماعات الشيعية على الأنظمة والحكام في دول عربية وخليجية عديدة. يريد النظام الإيراني القول، إنه المسؤول الوحيد عن الشيعة، أينما وجدوا في العالم، وأنه يشكل زعامتهم ومرجعيتهم السياسية والدينية والروحية، فالشيخ النمر كان يطالب، في خطبه، بتطبيق “نظام ولاية الفقيه” في السعودية وفي البحرين وفي العالم، كما كان يؤكد. وهذا زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصرالله، يجاهر ويفاخر ويكرّر في خطاباته أنه “جندي في إمرة ولاية الفقيه”.

ما هو أفق هذه المواجهة المفتوحة، وهل هي تجري خارج صراع الكبار المفتوح في الشرق الأوسط وعليه؟ لا شك أن السعودية تسعى إلى تكريس زعامتها العربية والإقليمية (والإسلامية) اليوم في المنطقة، بعدما كانت تتصدرها مصر، وتقف هي وراء الكواليس، في مواجهة تمدد إيران عربياً. وقد عملت على تقوية موقعها ودورها، عبر إعادة ترتيب علاقاتها وتمتينها مع مصر عبد الفتاح السيسي وتركيا أردوغان الذي زار السعودية، أخيراً، وتم الإعلان عن إنشاء مجلس تعاون وتنسيق بين البلدين. ويرتبط هذا الثلاثي بعلاقاتٍ تاريخيةٍ وتقليديةٍ مع الولايات المتحدة، يشوبها اليوم بعض من تضارب في المصالح، وبعض من اختلاف في الحسابات والرؤية، وبعض من “سوء الفهم”، فالرئيس الأميركي، باراك أوباما، تخلى عن دوره في الشرق الأوسط، رئيس أقوى دولة في العالم، وبات بلا سياسة، مخلياً الساحة لـ”الدب الروسي”، وتاركاً حلفاءه وحدهم في المواجهة. وراحت واشنطن تغازل خصمهم اللدود الذي يتمدد كالأخطبوط في المنطقة، ممهدة الطريق لانتصار موسكو وطهران وحزب الله في سورية.

لذلك، اختارت السعودية التوقيت مع بداية السنة الجديدة، بهدف خلط الأوراق واستعادة زمام المبادرة، عبر إرباك إيران وممارسة الضغط عليها، وفي الوقت عينه، إحراج الولايات المتحدة التي أخذت ما تريده من إيران، وتريد، في الوقت نفسه، إبقاء الضغط قائماً عليها، لكي تضمن أن يسلك الاتفاق النووي طريقه، خصوصاً وأنها ستضطر، على الأرجح، إلى فرض عقوبات جديدة على طهران، لتطويرها صواريخ باليستية. ومن هذا المنطلق، لم تبد واشنطن، في الظاهر، تعاطفها مع الرياض، لا بل إنها اعترضت على حكم الإعدام، غير أنها ضمنياً مرتاحة لما يجري.

وفي المقابل، ينظر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بخبث الماكر إلى ما تقوم السعودية بما يتمناه هو، أي تقليم أظافر حليفه الإيراني، والحد من طموحاته الإمبراطورية، كما أن القيصر الروسي ينظر بعين الرضا إلى الجهود التي تبذلها الرياض، من أجل توحيد صفوف المعارضة السياسية والعسكرية السورية، استعداداً للجلوس مع ممثلين عن النظام الذي تحميه موسكو، إلى طاولة المفاوضات المنتظرة في جنيف، في 25 يناير/كانون ثاني الجاري، على أساس قرار مجلس الأمن 2254 الذي وضع آلية لحل سياسي للمأساة السورية.

هل إن حشر إيران بين مطرقة السعودية وسندان أميركا وروسيا كاف لاحتواء المواجهة، أم لدى الملالي ما يخبئونه؟

العربي الجديد

 

 

 

الأمن القومي العربي في مرمى الأزمة السورية/ محمد الحمامصي

أردوغان أمام امتحان المصداقية

تشكل صيانة المجال الحيوي للأمن القومي العربي الهاجس الأكبر لدى صانعي القرار في المنطقة العربية اليوم، لا سيما في ظل اتساع رقعة الصراعات والحروب التي تهدد كل مقومات الدولة والمجتمع والبنى التحتية الإنسانية والمجتمعية، فضلا عن تزايد ظواهر “الميليشيات”وتناسل التنظيمات الطائفية المتطرفة، إلى جانب التوغل الإيراني في الجسد العربي على أكثر من صعيد في عدة عواصم على غرار دمشق وبغداد واليمن.

وفي ظل هذا الوضع، تتجه آراء المتابعين والمراقبين للشأن السياسي اليوم إلى اعتبار أن الأزمة السورية من أكثر الأزمات تعقيدا وتداخلاً على الصعيد العالمي خلال السنوات الأخيرة، حيث تشابك فيها السياسي بالطائفي، الداخلي بالخارجي، الإقليمي بالدولي، ما يجعل الأمن القومي العربي في مرمى الأزمة السورية، ليس فقط نتيجة لتأثر عدد كبير من الدول العربية بهذه الأزمة على نحو مباشر، بل كذلك لتداخل مؤثراتها بالأمن الاجتماعي العربي.

سوريا في الصراع الإقليمي

يبدو أن العربية السعودية قد انتبهت مؤخرا وتحديدا منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز لمقاليد الحكم في البلاد لهذه التطورات، وشرعت في اتباع استراتيجية جديدة تقطع مع المواقف المهادنة التقليدية في التعامل مع الوضع الإقليمي الراهن بدءا بالملف السوري. وعليه انخرطت عمليا في جملة من الخطط والتحالفات التي يرى المراقبون أنها خطوات جريئة لا سيما في ظل المساعي الإيرانية الكبيرة للسيطرة على المنطقة وضرب استقرارها.

وفي هذا السياق يقول هشام النجار الباحث والقيادي السابق في حزب البناء والتنمية وصاحب كتاب “سوريا والتحولات الكبرى ومستقبل” في تصريح لـ“العرب” إن المملكة العربية السعودية قطعت شوطاً في الحفاظ على الأمن القومي العربي بالتحالف مع مصر والحد من توظيف الإسلام السياسي، وقطعت شوطا – تعتبره دفاعيا وضروريا في الحرب السورية – ويظل هناك خطر الإرهاب في المنطقة وضرورة حرمانه من أهم روافده وأقوى دعائمه بإفشال توظيف الصراع السني – الشيعي، ومع الجهد المبذول في إطار مناهضة التدخل الإيراني في الإقليم.

تقوم القوى العربية على غرار العربية السعودية بجهود كبيرة بهدف تعطيل وتحجيم الحضور الإيراني الكبير في سوريا

وهناك جهد مواز مبذول لتحجيم التدخل التركي تحت ذريعة دعم الإسلام السياسي، وأيضا اصطفاف إقليمي بجانب دول ومؤسسات بما يدعم فك الارتباط في ما بين القوى الإقليمية – خاصة تركيا – والتنظيمات والجماعات المسلحة والمؤدلجة، بمعنى أن القائم على الأرض هو تكامل وليس تقاطعا – وهو ما يجب أن يكون – لمواجهة خطرين محدقين بالمنطقة العربية وهما خطر التمدد الإيراني وخطر الإرهاب وتوظيف التنظيمات المسلحة في اختراق العمق العربي.

وتقوم القوى العربية اليوم على غرار العربية السعودية بجهود كبيرة بهدف تعطيل وتحجيم الحضور الإيراني الكبير، سواء على المستوى العسكري أو السياسي في سوريا، عبر التوجه نحو دعم الشق المعارض لنظام الأسد المدعوم بشكل مباشر من طرف طهران. وكان آخرها المؤتمر الذي أشرفت على تنظيمه الرياض نهاية السنة الماضية والذي التقت فيه مختلف مكونات المعارضة السورية للجلوس على طاولة الحوار ومحاولة التوصل إلى صياغات مشتركة لحل الأزمة السورية. وهذه الخطوة تصب في إطار الصراع ضد المد الإيراني في المنطقة الذي بات يشكل تهديدا كبيرا لاستقرارها وفق تقديرات المراقبين.

ويقول النجار إن حضور الدول العربية المتداخلة في الحرب السورية إنما يأتي أساسا لغاية تحجيم النفوذ الإيراني، ومن هنا يحدث التقاطع بين مواقف روسيا ومصر والسعودية وإيران، فروسيا تجد في تحجيم نفوذ إيران مع تثبيت الأسد فرصة للتقارب مع المملكة السعودية، ومصر تطل على المملكة من تلك النافذة لكونها غير راغبة في النفوذ الإيراني، لكنها حريصة على تماسك مؤسسات الدولة السورية ودعما لمسيرة الحرب على الإرهاب.

هشام النجار: السعودية سعت لاحتواء تركيا وللاستفادة من مكانتها الإقليمية

وفي الأثناء تسعى إيران إلى تثبيت الأسد ليس من منطلق قناعتها بمنهجه في الحكم، وإنما بهدف تثبيت نفوذها ومواصلة تهديد أمن المنطقة العربية وخاصة في ظل النفوذ الكبير الذي نجحت في بلوغه في العراق. ويضيف الباحث أنه في ظل الخلافات وصراع النفوذ المكتوم بين إيران وروسيا وأيضا الخلافات الكبيرة بين الأسد وإيران مؤخرا إلى جانب إمكانية التقارب بين العرب والروس يمكن أن تنتهي إلى التوصل إلى حلقة من التفاهمات تساهم في كسر نفوذ الميليشيات الإيرانية المنتشرة بكثرة على الأراضي السورية.

وبذلك يمكن تفادي تكرار سيناريو تفكيك الدولة وإنشاء النظام الطائفي الذي نجح في إرسائه بول بريمر في العراق، وتفعيل الدور العربي في سوريا عبر توجيه التدخل الدولي في إطار وضع حلول متوازنة للأزمة لا تعقيدها وإطالتها”.

وفي المقابل، يلقي هذا التشابك الكبير في الأزمة السورية وتعدد اللاعبين الدوليين والإقليميين بظلاله الوخيمة على المدنيين السوريين الذين يشكلون وقود هذا الصراع القائم على الأراضي السورية. وكان آخر ملامح هذه التأثيرات ما تشهده المناطق المحاصرة سواء من طرف قوات الأسد وحزب الله والميليشيات الإيرانية أو تلك المحاصرة من قبل بعض المجموعات المسلحة من تجويع وترهيب. وهو ما علق عليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بقوله إن حصار المدن السورية بهدف تجويعها يشكل “جريمة حرب”. وشدد على أن النظام السوري والمعارضة المسلحة “يتحملان مسؤولية هذا الأمر وفظائع أخرى تحظرها القوانين الإنسانية الدولية”. ودعا “دول المنطقة وخارجها التي لها تأثير إلى ممارسة الضغط على الأطراف لتأمين وصول المساعدات الإنسانية من دون قيود في كل أنحاء سوريا”.

التكتل السني

استنتجت السعودية مؤخرا أنه لا يمكنها حل القضايا العالقة باستخدام الطرق القديمة؛ في ظل النفوذ الذي أرسته إيران عبر وكلائها في العراق وسوريا ولبنان، فضلا عن التدخل المباشر في اليمن. إلى جانب محاولات التدخل في السياسة الداخلية لدول المنطقة على غرار البحرين والتي أدت إلى إحداث فوضى كادت أن تضرب استقرار البلاد، والموقف الإيراني الأخير من إعدام الشيخ الشيعي السعودي نمر باقر النمر الذي رافقه حرق مقر السفارة السعودية في طهران، وهو ما اعتبرته الرياض تدخلا في سياستها الداخلية.

بداية تشكل ملامح التحالف السني الجديد الذي تقوده المملكة العربية السعودية لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة

ومن هنا بدأت ترتيبات السياسة الخارجية السعودية الجديدة التي كانت مواجهة التمدد الإيراني أحد عناوينها الكبرى، وعليه دخلت في تحالفات مختلفة يذهب المراقبون إلى اعتبار أن أغلبها يصب في هذا الإطار. لكن يروج في الآونة الأخيرة لفكرة التكتل السني بقيادة السعودية ويلتقي تحت لوائه عدد كبير من الدول ذات المرجعية السنية في إطار الخطوات السعودية لمواجهة إيران.

وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، قد نشرت مؤخرا مقالًا تحدثت فيه عن ملامح التحالف السني الجديد الذي تقوده المملكة العربية السعودية لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة. وذكرت أن الرياض تقوي علاقاتها حاليًا مع دول مجلس التعاون الخليجي، كما عززت المملكة علاقاتها مع تركيا والسودان، في خطوة ينظر إليها باعتبارها محاولة من قبل المملكة لجمع أكبر حشد ممكن من اللاعبين السياسيين السنة في الشرق الأوسط، لمواجهة إيران وحلفائها الشيعة.

وعلق النجار بقوله “إن المملكة العربية السعودية سعت لاحتواء تركيا وانتشالها من أزمتها العويصة وللاستفادة من مكانتها الإقليمية في تكتل سني ـ عربي بالإضافة إلى مصر، رغم التقارب التركي الإيراني المحكوم بجملة من المصالح المشتركة، ورغم الخلافات المعروفة على خلفية أزمة الإخوان المسلمين،إلا أن تركيا أقرب إقليمياً وأيديولوجيا وتاريخيا إلى مصر والسعودية منها إلى إيران.

وبالتالي، فإنه في حال قدمت المملكة العربية السعودية بعض التساهل والمرونة في ملف جماعة الإخوان المسلمين لإنجاح التقارب مع تركيا في اتجاه حل الأزمة وفق تصور لا يتعارض مع متطلبات الشأن السياسي المصري، فمن المنتظر تلقائياً أن تقدم تركيا تنازلات على مستوى موقفها المتعنت من السلطة القائمة في مصر، والدخول في استراتيجية موحدة تهدف إلى محاربة الإرهاب وتفكيك بنيته والقضاء على ميليشياته وتنظيماته”.

العرب

 

 

 

 

الثمن الإقليمي للاتفاق النووي/ سميح صعب

لم يحل التوتر الاقليمي المتصاعد بين السعودية وايران دون المضي في الاعلان عن بدء تنفيذ الاتفاق النووي بين طهران والمجموعة الدولية. وتكتسب هذه الخطوة مدلولاً سياسياً لا تخطئه عين المراقب. ولم تكن سرعة اطلاق ايران للبحارة الاميركيين العشرة الذين ضلوا طريقهم الى المياه الاقليمية الايرانية في الخليج، إلا دليلاً آخر على رغبة طهران وواشنطن في تحييد كل ما من شأنه ان يفسد تنفيذ الاتفاق.

ولا يبدو ان المطلوب فقط التنفيذ في حد ذاته، بل ان الاتفاق سيكون بمثابة خريطة طريق لواشنطن وطهران من اجل اعادة العلاقات الطبيعية بينهما في نهاية الامر. وهذه الخريطة تمر بسوريا واليمن وكل مناطق التماس والصراعات الساخنة والباردة في الشرق الاوسط. وباتت واشنطن اكثر تقبلاً لادوار ايرانية في حل الصراعات على عكس رؤية اطراف اقليميين في مقدمهم السعودية التي تخوض اليوم معركة تحجيم النفوذ الايراني في المنطقة، على رغم ان اطرافاً أقليميين آخرين وفي مقدمهم مصر او باكستان يتخذون مواقف أكثر حذراً بينما تجاري أنقرة الرياض في بعض طروحاتها.

وسيشكل رفع العقوبات الدولية نقطة لمصلحة ايران عالمياً بينما المتوقع ان تلتزم السعودية مساراً تصعيدياً لمحاصرة طهران اقليمياً وجعلها تدفع في المنطقة ثمناً يعادل الثمن الذي يمكن ان تجنيه دولياً من رفع العقوبات. فالحل السياسي في سوريا لا يمكن ان يمضي قدماً ما لم توافق عليه السعودية التي لا ترى في كل الخطوات الديبلوماسية المتخذة حتى اليوم ما يحقق لها الحد الادنى من مطالبها التي تبدأ باسقاط نظام الرئيس بشار الاسد وتالياً خسارة ايران نفوذها في المنطقة. وما ينطبق على سوريا ينطبق أيضاً على اليمن، إذ لا يمكن ان تقبل السعودية بحل يثبت نفوذ الحوثيين المحسوبين على ايران ولو طالت الحرب أعواماً.

ومن خلال احتدام المواجهة الاقليمية بين السعودية وايران وما يصاحبها من توتر سني – شيعي، تبدو المنطقة على عتبة صراع أوسع بكثير من أي صراع مضى، لأن من شأنه اعادة رسم الخرائط السياسية على أسس طائفية ستكون لها تداعيات أسوأ بكثير من تداعيات سايكس- بيكو التي أرست الشكل الحالي للكيانات القائمة قبل مئة عام.

ووحده تصاعد الصراع المذهبي من شأنه اعادة خلط الاوراق والتأثير على القرار الاميركي – الروسي بحل سياسي في سوريا وكذلك في اليمن. وليس مصادفة ان المواجهة الاقليمية ارتفعت مع اقتراب ايران من جني ثمار الاتفاق النووي مع الغرب وما يمكن ان ينجم عن ذلك من علاقات طبيعية بين طهران وواشنطن ترى السعودية انها ستأتي على حسابها!

النهار

 

 

 

السعودية في مواجهة تحديات كبرى

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

خلال الأسبوعين الماضيين، أثارت المملكة العربية السعودية غضبا واسعا من خلال قيامها بإعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر»، كما قامت بإثارة جنون المستثمرين عقب إعلانها أنها تدرس احتمالية بيع بعض الأسهم في أكبر شركات النفط في العالم، وهي شركة النفط العربية السعودية (أرامكو). يعزو العديد من المراقبين سلوك البلاد في الوقت الحالي إلى طبيعة الشخصيات المهيمنة على الحكم. وقد وصفت وسائل الإعلام الغربية نائب ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 30 عاما، ونجل الملك، بالغطرسة والتهور أحيانا. وقالوا إنه يدفع المملكة العربية السعودية إلى مصير لا يمكن التنبؤ به.

الأمير الشاب قام بالكشف عن نفسه مؤخرا من خلال حديث مطول أجراه لصالح مجلة «إيكونوميست» البريطانية، ما يعد خروجا صارخا على التقليد الملكي السعودي الذي يلتزم الإدلاء بتصريحات مقتضبة لوسائل الإعلام المملوكة للدولة والخاضعة لرقابة مشددة. وتحدث «بن سلمان» بحرية نسبيا عن رغبته في تحرير الاقتصاد، كما دافع عن سياسات بلاده تجاه إيران. وقلل الأمير من دوره في تشكيل السياسة السعودية الأكثر عدوانية مؤخرا، مؤكدا أن المملكة هي دولة مؤسسات، حيث توفر الوزارات المعنية المعلومات إلى الملك الذي يتخذ القرارات النهائية.

ولعل ذلك يعد وصفا مبالغا فيه للسياسة السعودية. بعد كل شيء، فمن المعروف أن المملكة العربية السعودية ترتكز على السياسات الأسرية والقبلية أكثر بكثير من النضج المؤسسي. ومع ذلك فإن هناك بالتأكيد دوافع تقف خلف سياسات المملكة، أكثر من مجرد أمير مبتدئ لديه رغبة في المغامرة.

ساحة غير متكافئة

عند النظر في خريطة الشرق الأوسط، تبرز 3 سمات جغرافية أساسية: الجسر البري الأناضولي، والهضبة الإيرانية، وشبه الجزيرة العربية. ليس من قبيل الصدفة إذا أن هذه التشكيلات تشكل القوى الثلاث الأكثر نشاطا في الشرق الأوسط اليوم: تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية. ولكن المملكة العربية السعودية لا تملك ذات المكانة التاريخية التي تحوزها تركيا وإيران. كان الأتراك والفرس قادرين على خلق الحضارات والإمبراطوريات العظمى مستعينين على ذلك بقدرتهم على الوصول إلى الموارد وطرق التجارة الشعبية وحركة الهجرة الكثيفة التي ولدت تجمعات سكانية كبرى مع طبقات عاملة. تم إنشاء المؤسسات وصقلها مع مرور الوقت لإدارة أمور المواطنين والدفاع الوطني والمصالح التجارية.

شبه الجزيرة العربية هي قصة مختلفة تماما. قبل اكتشاف النفط في الثلاثينيات، كانت شبه الجزيرة موطنا لعدد صغير من بدو الصحراء الذين كانوا يعيشون على قوافل التجارة على الجمال ويتنازعون السيطرة القبلية على الواحات الصغيرة. يصف توماس ألفا لورانسن «لورانس العرب» الحياة في شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن العشرين بالقول:

«هؤلاء البدو هم من الصحراء ولدوا فيها ونشأوا فيها. لم يكن في حياتهم سوى الهواء والرياح والشمس والضوء والمساحات المفتوحة والفراغ الكبير. لم يتواجد حولهم أي جهد بشري: فقط السماء من فوقهم والأرض من تحتهم. اقترب البدو من الله وأحسوا أنهم يعيشون في ضمانه». ومن وجهة نظر «لورانس» فإن هذه الرومانسية المتعلقة بالطبيعة البدوية تفسر جذور التدين العميق في المملكة العربية السعودية والذي يخيف المراقبين في الغرب. في هذه المنطقة من مرتفعات نجد في وسط شبه الجزيرة القاحلة، على الحدود مع صحراء النفود الوعرة إلى الشمال، والربع الخالي إلى الجنوب، وجبال الحجاز في الغرب، نشأ المذهب الوهابي السني. خلقت هذه الطائفة برنامجا دينيا لآل سعود لنحت دولتهم من خلال الغزو. قامت الدولة ذات الأصول النجدية بضم الحجاز، وهي منطقة التجارة الحيوية والتي وتحتوي على المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما قاموا بضم الواحات الخصبة في القطيف والأحساء إلى الشرق، حيث تمتد الأغلبية الشيعية إلى البحرين.

استيعاب التهديد الإيراني

هذه الخلفية التاريخية تعلمك الكثير حول السلوك السعودي الحالي. كانت المملكة البالغة من العمر 84 عاما مرنة في مواجهة التمرد الجهادي وتحطم أسعار النفط وغزو الكويت والعراق في العقود الماضية، ولكنها أيضا لم تكن مستقرة للغاية. النفط هو الوسيلة الرئيسية لبيت آل سعود من أجل ترويض الاضطرابات في الداخل وشراء النفوذ والأمن في الخارج. يتركز النفط بشكل كبير في المنطقة الشرقية، حيث يتحول الميزان الديمغرافي لصالح الشيعة. المشكلة بالنسبة للمملكة العربية السعودية هي أنها ليست واثقة بما يكفي في قدراتها العسكرية للدفاع عن الأصول النفطية في مواجهة طهران.

العائلة المالكة السعودية تتذكر جيدا آخر مرة حاولت خلالها واشنطن العمل معا المملكة العربية السعودية وإيران كليهما في وقت واحد لإدارة الشرق الأوسط. خلال إدارة الرئيس الأمريكي «ريتشارد نيكسون»، كانت تلك السياسة تعرف بسياسة «الركيزتين التوأمين»، وكان السعوديون يعلمون أنهم حلفاء من الدرجة الثانية للبيت الأبيض في مقابل إيران والشاه. في الواقع، استخدمت إيران علاقتها الوثيقة مع الإدارة الأمريكية من أجل تقديم نفسها باعتبارها المدافع والشريك للجيش الأمريكي في جميع المصالح النفطية الخليجية. من وجهة نظر السعوديين، فإن هذا كان يشمل إمكانية أن تقوم واشنطن بغض الطرف عن طهران أو إعطائها تأييدا ضمنيا للسيطرة على الساحل العربي من الخليج.

اليوم، يمكن للخليجيين أن يلتقطوا أنفاسهم حين يعلموا إيران  لم تكن على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة أسوة بأيام الشاه. ومع ذلك، لاسيما في ضوء الاتفاق النووي الإيراني، فإن السعوديين لا يستطيعون منع أنفسهم من التفكير في إمكانية تطور العلاقة من جديد بين ضامنهم الرئيسي وخصمهم الأول. وعلاوة على ذلك، فإن الذراع الإيرانية السرية سوف تشكل تهديدا أكثر خطورة على المصالح السعودية، خاصة في المناطق الحساسة طائفيا، حال لم تعد إيران محملة بالعقوبات.

وعلى ذلك، فإن السياسة السعودية مصممة على أساس عدم وجود أي فرص مع طهران. حينما ظهر النشاط الاحتجاجي للشيعة في البحرين في عام 2011، فإن المملكة العربية السعودية قد قامت سريعا بإرسال جنودها للدفاع عن المشيخة العربية السنية. حينما قام «النمر» بانتقاد العائلة المالكة السعودية في عام 2012، ودعا الشيعة في المنطقة الشرقية للتظاهر ضد القمع السعودي، ألقت السلطات السعودية القبض عليه مع ناشطين آخرين ووجهت لهم تهم الدعوة إلى التدخل الأجنبي. وكان إعدام «النمر» يوم 2 يناير/كانون الثاني مخاطرة محسوبة من قبل القيادة السعودية للتدليل على اليد الثقيلة للرياض لن تتوانى عن إسكات المعارضة وحرمان إيران من فرصة استغلال الشيعة السعوديين لزعزعة استقرار المملكة.

الضغط يختبر الائتلاف

مواجهة إيران على المستوى الإقليمي ليس مهمة للسعوديين وحدهم. يعي قادة المملكة أنهم يعملون في إطار علاقة قديمة وغير مريحة قد لا تتلاءم فيها مصالح الرياض مع مصالح واشنطن بالشكل المطلوب. ما يحتاجه السعوديون هو ائتلاف يمكنهم الاعتماد عليه في الدفاع عن مصالحهم وتعويض نقاط الضعف الخاصة بهم. خوض هذه الحرب الباردة مع إيران في جميع أنحاء المنطقة سوف يتطلب موارد وافرة. وقد صارت السياسة السعودية أكثر كلفة مع انخفاض أسعار النفط. ومع مزيد من المنافسة مع إيران، فإن المملكة العربية السعودية سوف تسعى لاقتسام هذا العبء. وقد نشطت المملكة العربية السعودية بشكل ملحوظ في عهد الملك «سلمان» في دول مثل مصر وباكستان وفي مغازلة القوى الفاعلة في اليمن وسوريا. كما أبدت المملكة العربية السعودية استعدادا للعمل بشكل وثيق مع القوة السنية الأخرى ذات الوزن الثقيل في المنطقة ، تركيا، في محاولة لإمالة التوازن الإقليمي في اتجاه مصالح السنة. وقد استخدمت السعودية السخاء المالي لشراء التحالفات من قبل فاعلين أقل تأثيرا مثل السودان وإريتريا.

وكلما استطاعت المملكة توسيع نطاق تحالفاتها، كلما تمكنت من الحفاظ على مواردها بشكل أكبر، والحصول على المزيد من الاهتمام من قبل واشنطن.

في أعقاب إعدام «النمر» واقتحام السفارة السعودية في إيران، كانت المملكة العربية السعودية قادرة على اختبار أي حلفائها سيقوم بخفض علاقاته الدبلوماسية مع طهران تضامنا مع الرياض. مرت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وقطر والسودان هذا الاختبار، في حين اكتفى آخرون بالإدانات الدبلوماسية. ولكن المملكة العربية السعودية لا تزال تحتاج إلى ما هو أكثر من الدعم الدبلوماسي من أجل إثبات صلابة تحالفاتها. تحتاج المعارك بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، من اليمن إلى الشام، إلى التضحية بالدم والمال، وهي أمور ستكون صعبة على أولئك الذين يفضلون استخدام سياسة الاستنكار في العلن، مع المحافظة على التوازن في علاقاتهم الخارجية.

الأيديولوجيا … الدواء المر

وهناك أيضا عقبة الأيديولوجيا في جهود بناء تحالف المملكة العربية السعودية. العمل مع دولة حيوية مثل تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية، أو مشيخة خليجية مثل قطر، التي تقدم الدعم للعديد من الجماعات الإسلامية في المنطقة، أو استدراج جماعة مسلحة مثل حماس بعيدا عن إيران يتطلب بعض التسامح مع الحركات الإسلامية الديموقراطية. هذا هو الدواء المر الذي يجب أن يتجرعه أفراد العائلة المالكة السعودية، الذين ينظرون إلى حركة الإخوان المسلمين، والحركات الشبيهة بها، بوصفها تهديدا وجوديا للدولة.

عززت المملكة حس التدين من خلال المذهب الوهابي الذي يسود نمط الحياة اليومية، ولكن آل سعود قد خطوا خطوطا واضحا بين المؤسسات الدينية والسياسية لمنع التحديات من قبل الزعماء الدينيين. نهج جماعة الإخوان المسلمين الذي يمزج ما بين الديمقراطية على النمط الغربي والحكم الإسلامي لا ينسجم ببساطة مع النموذج الذي صممه آل سعود. وفي الوقت نفسه، فإن القيادة السعودية، وخاصة في عهد الملك «سلمان»، تدرك أن هناك حدودا لسياسة عدم التسامح تجاه الإخوان المسلمين. في الواقع، اتجه الملك «سلمان» للعمل بشكل علني مع الأفرع التابعة للإخوان المسلمين بما في ذلك حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن وحماس وحزب النهضة في تونس.

وقد ساعد استعداد المملكة العربية السعودية للتعامل مع مثل هذه الجماعات في شفاء بعض الجروح في تحالفها، ولكنه فجر جروحا أخرى. من جهة، فإنه يمكن المملكة العربية السعودية من أن تعمل بفعالية أكبر مع تركيا وقطر في مناطق القتال الحاسمة مثل سوريا. من ناحية أخرى، فإن المملكة العربية السعودية تتعرض لخطر زرع مزيد من عدم الثقة مع الحكومة المصرية الحالية والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما يعتقد أنه يجب التعامل مع الإخوان المسلمين باستخدام سياسة القوة وحدها.

من أجل أن تنجح المملكة في بناء تحالف قادر على تنفيذ عمليات في سوريا، فإنها ستكون في حاجة إلى جمع تركيا ومصر إلى بعضهما البعض. هذا هو السبب، جنبا إلى جنب مع الإلحاح التركي، في أن المسؤولين السعوديين قد يميلون بهدوء على الحكومة المصرية لتليين موقفها من جماعة الإخوان المسلمين وإصلاح العلاقات مع أنقرة. سوف تفعل مصر ما يكفي فقط لأجل تأمين المساعدات السعودية، ويمكنها أن تقبل بالمزيد من الانخراط مع تركيا، ولكن إصلاح العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين قد يتطلب المزيد من المال السعودي.

إعادة النظر في العقد الاجتماعي

قد يكون السؤال الأكثر إثارة للاهتمام يتعلق بحقيقة إذا ما كانت رغبة المملكة العربية السعودية للعمل مع الأفرع التابعة للإخوان المسلمين في الخارج سوف تترجم إلى أي انفتاح سياسي في الداخل. ربما يرى بعض القادة السعوديين أن العقد الاجتماعي السعودي، مقايضة الرفاهية المادية الناجمة عن الثروة النفطية مقابل الدعم اللامحدود للملكية المطلقة قد ذهب إلى حدوده. هذا صحيح بشكل خاص عندما يكون سعر النفط يواجه خطر الغرق إلى ما دون 20 دولارا للبرميل، بينما يشير تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى أن إلى أن الأسعار ستبقى منخفضة لفترة ممتدة من الزمن. لدى المملكة العربية السعودية مجال لخفض الإنتاج وتقليم الفائض في العرض في أسواق النفط، ولكن المساحة التي ستتنازل عنها السعودية سوف يتم شغلها مباشرة من قبل إيران الحريصة على بيع نفطها بعد سنوات من العقوبات، أو بواسطة منتجي الصخر الزيتي الأمريكيين الباحثين عن بيئة سعرية أكثر حيوية.

بدلا من محاولة السيطرة على السوق، فإن المملكة العربية السعودية تستعد لفترة طويلة من الانخفاض المؤلم في أسعار النفط، مع المزيد من الديون، والحد من الإعانات، سحب الاحتياطيات، وفرض الضرائب بشكل انتقائي وتخفيف القبضة على الاقتصاد عبر السماح بالمزيد من الاستثمارات الخاصة.

كما ادعى «محمد بن سلمان» في حديثه، وكما أكدت شركة (أرامكو) السعودية في بيان لاحق، فإن شركة النفط العملاقة تدرس بيع بعض أسهمها من أجل جمع بعض الأموال. وعلى الرغم من هذا يعد تحولا جذريا في المملكة العربية السعودية، فإنه ربما يحدث عبر خطوات صغيرة. إمكانية المشاركة الأجنبية من المحتمل أن تكون مقصورة على القطاعات النازلة مثل البتروكيماويات والتكرير. ومع ذلك، فإن (أرامكو) هي جوهرة التاج بالنسبة إلى آل سعود، وسوف يكون أي تغير في سياستها مثيرا للجدل في المملكة.

يذكرنا حديث «بن سلمان» حول تحرير الاقتصاد بـ«جمال مبارك»، نجل الرئيس المصري السابق «حسني مبارك»، قبل أن يتحرك الجيش ضده. كما يذكر أيضا بالبدايات الأولى لأحاديث الرئيس السوري «بشار الأسد» قبل أن يدفع الحرس القديم ضد سياساته النيوليبرالية. المملكة العربية السعودية لديها أسباب براغماتية لإعادة هيكلة اقتصادها في مثل هذه الظروف، خاصة وأن الدولة يتحتم عليها أن تجد طريقة لتوظيف الأعداد المتزايدة من سكانها الشباب. ولكن المصالح الخاصة والمنافسة داخل العائلة المالكة قد تحبط بعض هذه الجهود.

خفض الدعم ومحاولة فرض ضرائب في مناخ العمل المثبط دون إحداث مراجعة كبيرة في العقد الاجتماعي يشكل معضلة واضحة للقادة السعوديين. تقترب المملكة بالفعل من استكمال الانتقال من الجيل الثاني من القادة الذي هيمن عليه السديريون السبعة (أبناء الملك عبد العزيز من زوجته المفضلة حصة بنت أحمد السديري)، إلى الجيل الثالث الأكثر حجما والأوسع انتشارا والذي يشهد منافسات أكثر حدة. إدخال تغييرات على النظام للسماح قدر من التمثيل السياسي خارج العائلة ربما سيصبح أكثر صعوبة مع اقتراب المملكة من تغيير خط الخلافة.

في نفس الوقت، فإن القادة الشباب من أمثال «بن سلمان» ربما يكون أمامهم عدة عقود من أجل إتمام التحول في المملكة العربية السعودية. وغالبا ما يتمتع الزعيم الذي يصل إلى السلطة مبكرا بفرصة الاستفادة من الخطط ذات الأمد الطويل. ولا بد أن «بن سلمان» يفكر في المستقبل الذي سوف يتراجع فيه الإنتاج بشكل قد يعني أن الدولة السعودية في نهاية المطاف لن تكون قادرة على الاعتماد على النفط لدعم الدولة. والجدير بالذكر أنه يبدو أن الملك «سلمان» يتناغم بما يكفي مع أفكار ولده في الوقت الراهن ليعطيه مجالا واسعا في الدفاع وكذلك السياسة الاقتصادية. في مطلع عام 2015، شملت قائمة المناصب التي حازها «بن سلمان» رئاسة مجلس إدارة شركة (أرامكو) السعودية المكون من 10 أعضاء، إضافة إلى رئاسة المجلس الحكومي للشؤون الاقتصادية والتنمية. وخروجا عن الأعراف الجارية، فقد تم فصل شركة (أرامكو) عن وزارة البترول وأعطي «بن سلمان» صلاحية الإشراف المباشر على الشركة.

الثالي في ترتيب ولاية العرش هو ولي العهد ووزير الداخلية الأمير «محمد بن نايف»، ابن شقيق الملك «سلمان» وابن عم «محمد بن سلمان». ولي العهد البالغ من العمر 56 عاما ليس له ورثة (أبناء ذكور) وهذا يترك مسار الخلافة مفتوحا أمام «بن سلمان» طالما يحتفظ بعلاقات جيدة مع ابن عمه.

خلاصة

على الرغم من أن هناك الكثير من الأسباب لنكون أكثر قلقا شأن المملكة العربية السعودية هذه الأيام، ليس هناك ما يدعو إلى القلق بشأن مستقبل المملكة العربية السعودية. لدى المملكة 627 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية من أجل تمويل العجز المتنامي في الموازنة، ولا يزال أمامها مجال واسع لزيادة ديونها. مع ارتفاع التحديات الأمنية من قبل الجهاديين والناشطين الشيعة، فإن المملكة العربية السعودية سوف تعطي الأولوية لميزانية الدفاع والأمن الداخلي من أجل حماية البنية التحتية النفطية الحيوية. وبينما تتصاعد الحروب السرية بالوكالة بين السعودية وإيران، فإن الرياض تبدو ناجحة حتى الآن في التضييق على خطوط الإمداد الإيرانية داخل الجزيرة العربية.

المملكة العربية السعودية سوف تكون أكثر مرونة وأقل تعنتا أيدولوجيا بحثا عن علاقات استراتيجية في الخارج من أجل إدارة جوارها المتقلب على نحو متزايد. وسيشمل ذلك العمل مع الأفرع التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.

المرونة السياسية والاقتصادية في الداخل لا تزال مسألة للنقاش الحاد خلف الكواليس. وبينما نحاول تلمس هذا النقاش من خارج أبواب القصر، فسوف يكون هناك ميل طبيعي للربط بين الإجراءات السعودية وتوجهات الشخصيات السياسية مثل «بن سلمان» الذي يبدو رمزا للتغيير في المملكة. ومع ذلك فإن القوى الكامنة خلف التغير في سلوك المملكة العربية السعودية قد بدأت تتطور منذ فترة، ويمكن للتفضيلات السياسية للأمير الشاب أن تهز الأسس التي تقوم عليها الدولة في الوقت الذي يسعى فيه إلى حمايتها.

ستراتفور

 

 

 

كيف تؤجج أخطاء الولايات المتحدة التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران؟

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل أو أن تختار البقاء بعيدا عن التنافس المختمر بين إيران والمملكة العربية السعودية. إنه ليس نمطا بحتا من العداء الديني، كما أنها ليست حربا أهلية لأناس آخرين. إنها عش الدبابير الذي قامت واشنطن بغمس إصبعها فيه من خلال سعيها لعقد الصفقة النووية مع طهران.

تبقى حيثيات الاتفاق بأنه محاولة لوقف انتشار الأسلحة النووية، ومساعدة إيران في رحلة طويلة الأمد نحو الاعتدال. ولكن الخطة الشاملة للعمل المشترك لن تكون مقتصرة على البرنامج النووي الإيراني مهما ادعت الإدارة ذلك. هذا التحول الإقليمي الناجم عن الاتفاق لا يفسر فقط تلك السياسة الأكثر حزما للمملكة العربية السعودية، ولكنه يفسر أيضا قرارها بإعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر» في 2 يناير/كانون الثاني.

كان بإمكان المملكة أن تختار وقتا آخر لـ«إعدام النمر». كان يمكنها أن تقوم بتأجيل تنفيذ الحكم إلى أجل غير مسمى.

كان يمكن للمملكة أن تختار وقتا آخر لتنفيذ إعدام «النمر». كان يمكن أن يتم تأجيل إعدامه إلى أجل غير مسمى. لم يكن هناك سبب محدد لضمه ضمن عملية إعدام جماعي لـ47 شخصا يوم 2 يناير/كانون الثاني، وهي اكبر عملية إعدام جماعي نفذتها المملكة منذ قامت بإعدام 63 مسلحا بعد أن قاموا باقتحام الحرم عام 1979. فقد «نمر النمر» كل فرصه (كان الحكم نهائيا)، ولكن لم يكن هناك موعد محدد لتنفيذه. وقد أعدم مع متشددين على صلة بتنظيم القاعدة كانوا ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام منذ سنوات.

عندما تم الحكم على «نمر النمر» في أكتوبر/تشرين الأول فقد حذر الإيرانيون من مغبة إعدامه. لفترة من الوقت، كان هناك توقع أن يتم العفو عنه في عهد الملك «عبد الله» أو على الأقل أن يتم تعطيل تنفيذ الحكم. ولكن عندما جاء الملك «سلمان» إلى السلطة في يناير/ كانون الثاني عام 2015، وبعد تثبيت ابنه البالغ من العمر 30 عاما، «محمد بن سلمان»، وزيرا للدفاع، فقد قيل إنه كان مسؤولا عن زيادة ذلك المزاج المتشدد في المملكة.

الشعور بالخيانة

عرف السعوديون أن المضي قدما في عقوبة الإعدام من شأنه أن يستفز الإيرانيين ويقلق الأمريكيين. فلماذا اختاروا إذن القيام بذلك؟ كان الوقت قد حان لإرسال رسالة واضحة لإدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» أن الرياض لم تعد تشعر أنها ملزمة للذهاب جنبا إلى جنب مع الجهود الأميركية في التعامل بحذر مع إيران.

شعر السعوديون بالخيانة بعمق بعد القناة الخلفية التي فتحتها إدارة الرئيس «باراك أوباما» مع إيران في عام 2012 دون علمهم، وأعربوا بوضوح عن قلقهم إزاء الاتفاق النووي. وقد حذر وزير الخارجية السعودي الراحل «سعود الفيصل» من أن طهران ينبغي عليها ألا تحصل على صفقة لا تستحقها. في حين قال مسؤول المخابرات السابق «تركي الفيصل» أن المملكة يمكن أن تبدأ برنامج تخصيب اليورانيوم الخاص بها إذا تمت شرعنة البرنامج النووي الإيراني.

على الرغم من أن الرياض وحلفاءها قد قبلوا الاتفاق علنا في نهاية المطاف، فإنها أوضحت أنها ستراقب كيفية تعامل الولايات المتحدة مع السلوك العدواني لإيران في المنطقة. وقد أخبرني مسؤول خليجي قبل توقيع الاتفاق النووي أنهم قلقون جدا حول الحرب الإيرانية غير المتماثلة في المنطقة. وأكد أنهم لا يمانعون في أن يمنح الإيرانيون برنامجا نوويا طالما أن الولايات المتحدة سوف تتصرف بقوة لوقف التدخل الإيراني في العراق والبحرين وسوريا، ولبنان.

عملت الإدارة بجد لإقناع حلفائها في الخليج أن الاتفاق النووي لا يهدف للتقارب مع إيران. كبادرة حسن نية مقدمة للأمريكيين، فقد قبل السعوديون على مضض بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الإيرانيين في فيينا في أكتوبر/تشرين الأول كجزء من محادثات السلام السورية. تعهدت واشنطن بتقديم المزيد من التعاون العسكري ولكن هذا لم يعوض عن ما تتصوره الرياض بمثابة موقف ناعم للولايات المتحدة مع إيران. لملء ما يراه السعوديون بأنه من فراغ في السلطة ناجم من مغادرة إدارة «أوباما» للمنطقة، فقد ذهبوا إلى الحرب في اليمن ضد المتمردين الحوثيين، الذين يتهمونهم بتلقي الدعم الإيراني.

على الرغم من أن الحرب قد أثبتت أنها كارثية ولا يبدو في الأفق نهاية واضحة لها، فقد رفضت الرياض تليين مواقفها. وقد أعلنت مؤخرا عن تحالف عسكري لمكافحة الإرهاب من الدول الإسلامية مستثنية إيران. وظفت المملكة أيضا المستشارين الغربيين للمساعدة في تجديد وتحديث قواتها المسلحة وتطوير التحالف السني.

في الأسابيع الأخيرة، أثارت سلسلة من الأحداث المزيد من الانزعاج لدى دول الخليج، بما في ذلك رد فعل واشنطن الصامت إزاء اختبار الصواريخ البالستية الإيرانية. أصيب الخليجيون بالفزع عندما أحجم «أوباما» في فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها الصاروخي. في ديسمبر/كانون الأول، قتل «زهران علوش»، زعيم أحد الجماعات المتمردة السورية القوية في غارة جوية ألقي باللوم فيها على روسيا. لم يكن «علوش» صديقا للغرب، ولكن مقتله كان ضربة لجهود السلام السورية. كانت جماعته قد انضمت قبل ذلك بقليل إلى مؤتمر عقد في الرياض في ديسمبر/ كانون الأول عندما حاولت المملكة تنظيم صفوف المعارضة قبل المحادثات المنتظرة مع الحكومة السورية في وقت لاحق هذا الشهر.

من وجهة نظر الرياض، فقد كان رد فعل واشنطن الصامت على مقتل «علوش» أسوأ من الضربة نفسها. كان علامة على أن الولايات المتحدة لا تزال غير مستعدة لترجيح كفة الميزان لصالح المعارضة السورية والمعسكر الإقليمي السني.

يشعر السعوديون أن طهران وموسكو تقوضان المصالح السعودية عند كل منعطف. وأن حليف الرياض طويل الأمد، واشنطن، لا تفعل شيئا حيال ذلك. ظاهريا، لتجنب تعريض الاتفاق النووي الثمين للخطر.

من وجهة نظر المملكة، فإن هذا النمط الذي تتبعه إدارة «أوباما» يسبب لها هزات عنيفة. ما يراه «أوباما» على أنه محاولة لتحقيق توازن صحي في علاقة واشنطن مع حلفائها الخليجيين، فإن السعوديين يرونه على أنه خيانة وفك للارتباط الأمريكي تجاه المنطقة. وقد قال نائب ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» في حواره مع مجلة «إيكونوميست» مؤخرا إن الولايات المتحدة ينبغي عليها أن تدرك أنها القوة الأولى في العالم وأن تتصرف وفق هذا الأساس.

المسؤولون الأمريكيون لا يفهمون حالة انعدام الأمن التي يشعر بها السعوديون في مواجهة إيران: إنها البلد الأكثر ثراء كما أنها تمتلك أسلحة أكثر حداثة كما أن السنة يشكلون الأغلبية العظمى ضمن صفوف المسلمين حول العالم. ومع ذلك، فإن السعودية، في جوارها المباشر، تبدو محاطة ببلدان ذات أغلبية شيعية في إيران والعراق والبحرين.

الشعور بالتهديد

سواء أكان ذلك مبررا أم لا، فإن السعوديين يشعرون بالتهديد حيال سلوك إيران، في حين تقلل واشنطن من شأن تلك المخاوف. من المرجح أن تزيد المملكة العربية السعودية من تصلبها على كل الجبهات في المنطقة من لبنان إلى اليمن إلى سوريا، وسوف يولد ذلك المزيد من التشدد في مواقف طهران قبيل الانتخابات التشريعية الإيرانية الرئيسية في فبراير/ شباط. لا شيء من هذا مفيد في بناء بيئة مستقرة يمكن من خلالها تنفيذ الاتفاق النووي. ارتفاع حدة التوتر بين إيران والمملكة العربية السعودية يزيد من خطر تفريغ الاتفاق من فوائده الإقليمية.

قد لا يختلف البلدان عن بعضهما البعض كثيرا على مستوى التاريخ والثقافة والسياسة. بل إنه، في السنوات التي تلت الثورة الإسلامية عام 1979، فإن التنافس المحموم والديناميات السامة بين البلدين قد جعلت منهما وجهين لعملة واحدة.

عندما جاء «آية الله الخميني» قائد الثورة الإسلامية إلى السلطة في عام 1979، فقد حاول وضع نفسه كزعيم لجميع المسلمين في جميع أنحاء الدول، بغض النظر عن طائفتهم. وبذلك، فإنه قد تحدى شرعية العائلة المالكة السنية في المملكة العربية السعودية، وشكك في قدرتها على أن تكون وصيا على اثنين من المواقع الإسلامية المقدسة وهما مكة المكرمة والمدينة المنورة.

أطلق السعوديون أولى الرصاصات الطائفية في هذا الصراع. لتقويض رسالة «الخميني»، فقد بدؤوا في تأطير الثورة على أنها شيعية بحتة. ثم انتقلت إيران إلى تسليح الطائفية من خلال خلق جماعة حزب الله الشيعية، وهي السياسة التي تواصلت إلى اليوم مع صعود الميليشيات الشيعية في العراق. على مدى العقود الأربعة الماضية، فقد قام كلا البلدين بتغذية الهويات الطائفية في المنطقة، ورسما خطوط المعركة حول الهوية الدينية التي ساعدت التي ساعدت على تمزيق الشرق الأوسط.

لماذا صارت واشنطن متورطة؟

بعد إعدام «نمر النمر»، أصدر حزب الله بيانا خبيثا ألقى فيه باللوم على الولايات المتحدة عن وفاة رجل الدين الشيعي، قائلا إن دعم واشنطن للمملكة العربية السعودية يمكن المملكة من الإفلات بجرائمها ضد شعبها وضد شعوب المنطقة.

وتعتقد أن المملكة العربية السعودية أن إيران هي من يسمح لها حقيقة بالإفلات من عواقب جرائمها الشائنة. وفق للعقلية السعودية، فإن نهج الرئيس الأميركي بعدم التدخل يسهم في تمكين إيران، وأن هواجس واشنطن بشأن الاتفاق النووي قد أقنعت طهران أنه لا يوجد ثمن يجب عليها أن تدفعه مقابل سلوكها التدميري في المنطقة.

يمكن أن يميل «أوباما» إلى التقليل من شأن هذا التنافس أو أن يصرف النظر عنه على أساس كونه أحد فصول الشقاق المستمر منذ قرون بين السنة والشيعة، ولكن الولايات المتحدة قد تورطت في الأمر فعليا مع توقيعها للاتفاق النووي. إذا كانت الحرب ضد العراق ما بين عامي 02003-2011، وإزالة نظام السني القوي «صدام حسين» قد أطلقت طموحات إيران بحثا عن النفوذ والسلطة في العراق، فإن الاتفاق النووي، بغض النظر عن مزاياه، أطلق العنان لسياسة استعراض العضلات في المملكة العربية السعودية.

بعد عقود من تشويه صورة إيران، فإن الهواية الجديدة الأكثر تفضيلا للإعلام الغربي هي تقريع المملكة العربية السعودية. هناك الكثير ليكتب عنه حول أوجه القصور في المملكة العربية السعودية، ولكن من المهم أن نسعى إلى فهم السياق الإقليمي الذي تطورت المواقف والسياسات السعودية خلاله، وفهم كيف يسهم الصراع مع إيران في فع السعودية إلى الأمام. ما دامت إيران الثيوقراطية تسعى خلف طموحاتها الإقليمية، فسوف تستمر المملكة العربية السعودية في رفع الراية السنية في محاولة لحشد السنة من حولها من مصر إلى باكستان. وطالما لا تزال المملكة العربية السعودية تحكم بنظام ملكي تقع في القلب منه عقيدة سنية، فإن المتشددين في إيران سوف يستمرون بسياسة الدسائس، وادعاء الوصاية على المجتمعات الشيعية في المنطقة.

النقاش الذي لا نهاية له حول كون أي البلدين أسوأ لن يساعد على استقرار المنطقة. والحقيقة هي أن «أوباما» بدأ يفقد الرياض كحليف له في الوقت الذي لم ينجح فيه في تكوين أصدقاء في طهران. وهو في حاجة ماسة إلى إيجاد وسيلة لتحقيق التوازن بين تعامله مع كل من العالم السني وإيران، فضلا عن إيجاد آلية للمساعدة في إدارة التنافس السعودية وإيران. وإذا لم يفعل ذلك، فإنه سوف يخاطر بتقويض إنجازه الأغلى حتى الآن، وهو الاتفاق النووي مع إيران.

فورين بوليسي

 

 

 

 

العدو الحقيقي لإيران عقلها السياسي/ عبد الوهاب بدرخان

قال وزير الخارجية الإيراني، قبل أيام، إن بلاده «سعت دائماً إلى السلام والتفاهم مع جيرانها، من دون العمل على إحداث توتّر»، وطالب السعودية بالكفّ عن «عرقلة جهود بلاده» من أجل «السلام»، مشيراً إلى معارضتها الاتفاق النووي. وهذا منهج إيراني أصبح معروفاً ومكشوفاً، بتركيزه الجدل على ما تقوله طهران وكأنه أصبح واقعاً وحقيقة، لمجرّد أنها تقوله، وحرفه الأنظار عما تفعله وكأنه ليس واقعاً ولا حقيقة، بل كما لو أنه لا ينطوي على سفك للدماء وتخريب للبلدان وإفساد للتعايش في المجتمعات بفعل تصديرها لـ «الثورة». ولعل التفاوض مع الدول الكبرى، على قنبلة نووية تبيّن أنها غير موجودة، كان نموذجاً لهذا النهج، إذ وافق المفاوضون على التخادع استعجالاً لمشاريع استثمارية كانت الأزمة النووية قد عطّلتها.

لم يحدّد محمد جواد ظريف أي بادرة كانت إيران فيها «رسول سلام»، ولم يسمِّ أي واقعة لم تكن إيران فيها محرّكاً لأدوات التوتير. فهو لا يزال يحكي بالمنطق الذي خطّه في مقالة «الجار قبل الدار» وبدا فيها غير معنيٍّ بأي شيء حصل قبل انتخاب رئيسه حسن روحاني، داعياً الجيران الخليجيين والعرب إلى حوار بشأن مستقبلٍ ما للعلاقات معهم. كان واضحاً أنه يعرض حواراً على أساس الاعتراف لإيران بما حققته من «مكاسب» داخل العديد من البلدان العربية، وفي المقابل يمكن البحث مع العرب في محاصصة على ما سلبته إيران منهم. غير أن الوقائع كانت تجافي هذا الوزير، فهو يطرح نفسه وحكومته كمحاورين مسالمين فيما يواصل «الحرس الثوري» مغامراته الثأرية الحاقدة في مختلف أنحاء ما يعتبره «إمبراطورية فارسية» منبعثة من قاع التاريخ ورماده.

لم تقدّم طهران في أي مرّة ردّاً جدّياً ذا مصداقية على سلسلة طويلة من بيانات خليجية رسمية تتهمها فيها بـ «التدخّل» في شؤون الدول الخليجية والعربية. حتى حكومة روحاني لم تنفِ ولم تؤكّد، فإذا كانت تعلن بأن ثمة سياستين لإيران، وبأن التدخلات أنشطة لا شأن للحكومة بها، فعلامَ تتعب نفسها بدعوة الجيران إلى الحوار، ومَن يخاطب ظريف عندما يشكو من إحباط جهود سلام تبذلها حكومته: السعودية التي لم تعتدِ على إيران أم الذين أقدموا على إحراق سفارتها؟. كان ولا يزال من شأن ظريف أن يخبر العرب والعالم أين كانت جهود السلام تلك، ومتى وكيف، أهي في سوريا بالمشاركة في تجويع سكان الزبداني ومضايا، وقبلهما حمص، ثم مفاوضتهم على مغادرة بيوت سكنوها منذ وجدوا، أم في انتهاكات ضد السكان في ديالى وتكريت وضد النازحين من الأنبار، أم في توحّش «الحوثيين» على من يُفترض أنهم مواطنوهم في عموم اليمن، أو في إفلات «حزب الله» لاحتلال بيروت، أم في تهريب الأسلحة إلى البحرين والكويت، أم في تعميق الانقسام بين الفلسطينيين؟ وهل ظهرت بوادر السلام هذه في سياسات نوري المالكي وبشار الأسد وعبدالملك الحوثي وحسن نصرالله وحركة «حماس»؟

قال الوزير الإيراني إن السعودية تعرقل منذ عامين ونصف العام (منذ انتخاب روحاني) جهود الدبلوماسية الإيرانية، منوّهاً خصوصاً بأنها «عارضت» الاتفاق النووي. لكن زميله الأميركي جون كيري كذّبه حين طمأنه بعد ساعات بأن تنفيذ هذا الاتفاق يبدأ خلال أيام. أي أن المسألة لا تتعلّق بـ «القنبلة النووية» بل بالقنابل «البشرية» التي صنّعتها إيران لإشعال حرب مذهبية لا طائل منها في المنطقة. فلا السعودية ولا أي دولة عربية أخرى مضطرة لقبول اتفاق نووي دفعت الدول الكبرى ثمنه من استقرار العرب وأمنهم، والأهم أنها ليست مخوّلة ولا تسوّل لنفسها التخادع مع إيران والدخول معها في مساومات على مصائر دول وشعوب ومجتمعات عربية ألحقت بها «الثورة» الإيرانية المصَدَّرة أفظع الإساءات.

تكاد إيران تصوّر نفسها ضحية إقليميه لمجرد أن السعودية وحلفاءها رفعوا في وجهها البطاقة الحمراء لوقف تدخلها المتمادي في شؤونهم الداخلية. بل تبدو إيران مستفَزَّة لأن صوتاً دوّى في المنطقة ليقول لها إن الصمت على تخريبها قد ولّى. لا شك أنها مرحلة جديدة في الصراع، ومهما استخدمت إيران نفوذها لدى الولايات المتحدة وروسيا فإنها لن تتمكّن من إقناع أحد بأهليتها لأي دور قيادي في المنطقة ما لم يكن حريق السفارة السعودية حريقاً للعقلية السياسية البالية التي قادت إيران طوال العقود الأربعة الماضية.

الاتحاد

 

 

 

إيران لا تحارب في سوريا!/ موناليزا فريحة

ليس كلام وزير الداخلية الايراني عبد الرضا رحماني فضلي عن عدم تدخل طهران في العمليات العسكرية في سورياً جديداً بالنسبة الى مسؤول ايراني. ولا قوله إن طهران تدعم دمشق في مجالات التجهيز والاستشارات ونقل الخبرات هو الاول من نوعه.فمنذ أكثر من اربع سنوات يكرر المسؤولون الايرانيون هذه اللازمة، فيما يحطّ نظامهم بثقله خلف الاسد ونظامه ويدفع له المليارات ويجنّد له الميليشيات من أقصى الشرق لضمان بقائه وحفظ ما يعتبره مصالح استراتيجية له في دمشق.

المفارقة في كلام الوزير الايراني أنه يأتي بعد بلوغ الدعم الايراني لقوات الاسد مستويات جديدة في 2015. ففي كلام لافت للرئيس بشار الاسد في تموز الماضي، أقر بنقص في قواته القتالية وبأنها تقلصت بنسبة 50 في المئة عنها قبل الحرب. في تلك الفترة كانت المساحة التي لا تزال تحت سيطرته تمثل سدس مساحة سوريا تقريبا. وبالتأكيد ليست الدعوة التي وجهها الاسد الى السوريين للانخراط في صفوف الجيش هي التي أكسبت قواته زخماً وأعادت اليها المبادرة.

بشهادات عدة، أبرزها الرواية المتكاملة لوكالة “رويترز”، اضطلعت طهران بالدور الرئيسي في التحول الأبرز الذي شهدته الساحة السورية العام الماضي. فبينما لم يكن حبر الاتفاق النووي بين طهران والغرب قد جفّ بعد، كان قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني يشرح لمضيفيه الروس كيف يمكن لعب الورقة الأخيرة في الحرب السورية واعادة المبادرة الى الاسد. وخلافا لما يدعي المسؤولون الايرانيون، وآخرهم فضلي، دفعت طهران مذذاك بمئات من قوات “الحرس الثوري” الى سوريا. وفي حينه أكد مسؤولان لبنانيان أن التعزيزات الايرانية لا تشبه سابقاتها، وهي لا تقتصر على “مستشارين”، وإنما تعدّ المئات مع معدات وأسلحة.

وتفنّد دراسة لـ”معهد الدفاع عن الديموقراطيات” ومقره واشنطن خلفيات الايرانيين الذين قتلوا في سوريا منذ أيلول، مؤكدة أنها تعكس أنواع النشاطات التي مارستها طهران في هذه المرحلة من النزاع. فالقتلى الايرانيون الذين نشرت اسماءهم وسائل الاعلام الايرانية هم أفراد من الفرق المدرعة وسلاح الهندسة والمدفعية وبحرية “الحرس الثوري” والقوات الخاصة المحمولة جواً، اضافة الى القوة شبه العسكرية “الباسيج”. وتتحدر هذه الوحدات من محافظات ايرانية مختلفة، مما يشير الى أن “الحرس الثوري الايراني” صار قوة تدخل سريع في سوريا. وهذا لا يشمل بالطبع الميليشيات العربية (لبنانية وعراقية ويمنية) والافغانية والباكستانية التي تحارب بها ايران بالواسطة في سوريا. أما الدعم المالي الايراني للأسد الذي تراوح التقديرات له بين ستة مليارات و20 مليار دولار، فمرشّح للزيادة مع استعادة طهران أموالها المجمدة في المصارف الدولية بعد رفع العقوبات عنها… ومع كل هذا يؤكد الايرانيون أنهم لا يحاربون في سوريا!

النهار

 

 

 

الحسابات المعقدة للسعودية في حربها الباردة ضد إيران

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

هنا، قد لا يبدو أن ثمة علاقة بين عملية شحن 2500 رطل من اليورانيوم منخفض التخصيب من إيران في يوم 28 ديسمبر/كانون أول 2015، والذي كان جزءا من اتفاق نووي تاريخي بين إيران والقوى الست العالمية، وبين قرار السعودية بعد ذلك بأسبوع واحد بقطع العلاقات مع طهران، ولكن من المرجح، في الحقيقة، أن هناك علاقة ما.

بعد أيام من الشحنة، قامت المملكة العربية السعودية بتنفيذ حكم الإعدام في الشيخ «نمر باقر النمر»، أحد زعماء الشيعة البارزين في البلاد (يشكل الشيعة ما بين 15 -20% من السكان) بعد اتهامه بالتحريض على الفتنة. قام بعض الغوغاء، من المحتمل أن يكون ذلك بدعم بعض النخب الحاكمة في طهران، بإحراق السفارة السعودية في البلاد قبل أن ترد السعودية بقطع علاقاتها بإيران على الفور. أرسلت إيران رسالة اعتذار رسمية إلى الأمم المتحدة حول الهجوم على السفارة، لكنها لم تكن كافية لنزع فتيل الأزمة.

قامت الرياض سريعا بقطع كل علاقاتها مع إيران، ومارست ضغوطا على حلفائها كي يحذوا حذوها. يأتي هذا في الوقت الذي تسرع فيه إيران في تنفيذ بنود الصفقة النووية وتطبيع علاقاتها مع الغرب مما يشير إلى أن الرياض كانت تنتظر بفارغ الصبر فرصة جيدة لتبرير تصعيد الحرب الباردة العالقة مع إيران. لفترة طويلة جدا، كانت المملكة العربية السعودية تؤمن بأن إيران هي صاحبة اليد الطولى في ساحات القتال في سوريا والعراق واليمن ولبنان. لوضع البلاد مرة أخرى في مكانها، فإن ض .

الانتقال المثير للقلق

تواجه الأنظمة الملكية الاستبدادية لحظات محفوفة بالمخاطر خلال أوقات انتقال الخلافة وحين تبدأ التغييرات الداخلية الرئيسية. حينما يأتي الأمران في وقت واحد، فإنه من الطبيعي أن تتصرف المملكة العربية السعودية بعصبية محاولة إخفاء شعورها بانعدام الأمن عبر استعراض القوة في الداخل والخارج.

قبل أقل من عام، صعد الملك «سلمان بن عبد العزيز»، صاحب الـ79 عاما والذي يعاني من حالة صحية سيئة، إلى العرش، ما عجل بظهور الصراع على السلطة داخل العائلة المالكة. وقد كانت خلافته سلسة على نحو ما ولكنها كانت باهظة الثمن. صرف الملك «سلمان» قرابة 30 مليار دولار في صورة مكافآت سخية لموظفي الدولة. كما قام بعزل ولي عهده، والأخ غير الشقيق، الأمير «مقرن بن عبد العزيز» وعين بدلا منه ابن أخيه «محمد بن نايف» البالغ من العمر 57 عاما في منصب ولي العهد، كما عين نجله «محمد بن سلمان»، 30 عاما، في منصب نائب ولي العهد ووزير الدفاع. سعى الثنائي لتوطيد سلطتهما من خلال تعزيز الحس الوطني السعودي الممتزج بالحس الوهابي، مع قمع المعارضة في الداخل واتخاذ سياسة خارجية أكثر عدوانية. وكان رأسمالهما السياسي يعتمد إلى حد كبير على نجاح هذه السياسات الجريئة.

ورغم ذلك فإن المملكة تواجه تحديات صعبة. الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» سبق أن تحدث عن أن الشباب العاطلين عن العمل قد يكونون أكثر عرضة لتبني أيدولوجيات هدامة وعدمية، خاصة في غياب أفق شرعي للتعبير عن المظالم السياسية. وبالنظر إلى كل ذلك فإنه، عاجلا أو آجلا، سوف تكون المملكة مجبرة على إصلاح نفسها.

تواجه المملكة العربية السعودية أيضا صعوبات اقتصادية خطيرة. ويرجع ذلك إلى انخفاض أسعار النفط مع زيادة الإنفاق في الداخل والخارج. وقد بلغ عجز الموازنة 87 مليار دولار خلال عام 2015، وفي الوقت نفسه، انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي من 746 مليار دولار إلى 669 مليار دولار منذ يوليو/تموز 2015. وقد قامت الحكومة مؤخرا برفع سعر البنزين بنسبة 40%، وغالبا فإن مثل هذه الخطوات لا تحظى بشعبية داخل المملكة. «عدنان مازاري»، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، قد لاحظ أن النظرة الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط تبدو كئيبة. من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية. وقد أسهمت الوفرة التي تمتع بها الشعب السعودي خلال السنوات الماضية بسبب ارتفاع أسعار النفط في رفع سقف توقعاتهم، وبالتالي فإن أي تراجع اقتصادي حاد سوف تكون له عواقب وخيمة.

لاحتواء أي آثار سلبية للتحديات السياسية والاقتصادية الناشئة، فقد روجت القيادة الجديدة للمؤسسة الدينية الوهابية. منذ تأسيس المملكة العربية السعودية في عام 1932، كانت هناك علاقة تكافلية بين أسرة آل سعود والمؤسسة الدينية. تقوم المؤسسة الدينية بتوفير الشرعية الدينية للملكية، في مقابل السماح لها بالسيطرة على بعض المؤسسات الدينية والقانونية الرئيسية في الداخل وتصدير أيديولوجيتها في الخارج. مكافحة التشيع هو أحد العناصر الرئيسية في الأيدولوجية الوهابية، وهذا يقودنا من جديد إلى عملية إعدام «النمر».

سجنت السعودية «نمر النمر» في عام 2012، قبل أن تقوم بإعدامه في مطلع عام 2016 على الرغم من المناشدات المتكررة من إيران، والعراق، وحتى وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» بإطلاق سراحه. لم يكن «نمر النمر» متمردا عاديا، وإنما كان يحظى برتبة آية الله وهي سلطة مبجلة عند الشيعة. كان «صدام حسين» هو آخر زعيم سني قام بتنفيذ حكم الإعدام بحق أحد آيات الله. وقد كان إعدام آية الله «محمد باقر الصدر» في أبريل/نيسان 1980 عاملا مساهما في الحرب بين إيران والعراق التي بدأت بعد ستة أشهر.

من خلال إعدام «النمر» و46 آخرين، فقد أرسلت القيادة الجديدة إشارة لا لبس فيها إلى المعارضين الشيعة والسنة أنه لن يتم التسامح مع التمرد. القيادة الجديدة تشعر بقلق خاص إزاء السكان الشيعة الذين يعيشون في المناطق الغنية بالنفط في البلاد. يمكن للاضطرابات هناك أن تنتشر بسهولة إلى البحرين، حليف الرياض، حيث تحكم أقلية سنية صغيرة أغلبية شيعية كبيرة.

الصراع البارد

قبل عامين، شرحت في هذه الصفحات طبيعة الحرب الباردة بين إيران والمملكة العربية السعودية. لا يدور هذا الصراع حول الطائفية بقدر ما يدور حول السلطة والهيمنة في الشرق الأوسط، ولكن كلا الطرفين يستخدم الطائفية من أجل تعزيز أجندته.

القرار السعودي بقطع العلاقات مع إيران كانت له علاقة مباشرة بالشعور بأن إيران لها اليد الطولى في المنطقة. إنهم يخشون أن موقف إيران سوف يتحسن بشكل كبير بعد رفع العقوبات، ويعرفون أن القيمة الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة سوف تبدأ في التقلص كلما قل التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.

كان الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق هو المرحلة الأكثر أهمية في هذه الحرب الباردة، وقد تسبب في ميل ميزان القوى لصالح إيران. كان السعوديون ينظرون إلى العراق التي يحكمها السنة كثقل موازن أكثر فعالية ضد إيران يسهم في كبح جماح التوسع الإيراني في الخليج وبلاد الشام. هذا هو السبب في دعم السعوديين لـ«صدام حسين» خلال الحرب ضد إيران في الثمانينيات. كان إنشاء حكومة صديقة لطهران يهيمن عليها الشيعة في بغداد بمثابة نكسة استراتيجية للمملكة العربية السعودية.

منع توطيد أركان حكم صديق لطهران في بغداد بكل الوسائل هو أمر ضروري، وقد كان ولا يزال أحد الأهداف الاستراتيجية للرياض. وعلى الرغم من ذلك فقد فشلت تلك الاستراتيجية وأصبحت بغداد حليفا سياسيا مقربا من طهران، ووسعت إيران إلى حد كبير من تأثيرها في جنوب العراق على الحدود مع المملكة العربية السعودية. في هذا السياق، فإن صعود «الدولة الإسلامية» قد مثل نعمة حقيقية وخطرا محتملا في ذات التوقيت بالنسبة للمملكة. هو نعمة من حيث كونه تحرك مضاد للشيعة وإيران ويسهم في زعزعة الاستقرار في العراق. وهو خطر محتمل بسب سعي «الدولة الإسلامية» إلى إنشاء خلافة تقع مكة المكرمة في القلب منها. هذه النظرة المعقدة تفسر عزوف السعوديين عن الانخراط بجدية في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لهزيمة «الدولة الإسلامية».

كما أن السياسة السعودية تجاه سوريا لم تحقق أي مكاسب. دعمت إيران بسخاء نظام «بشار الأسد»، وقدمت المساعدات السياسية والمالية والعسكرية، بما في ذلك إرسال مستشارين عسكريين ودعم قوات حزب الله. وفي الوقت نفسه، قدمت المملكة العربية السعودية قدرا كبيرا من الدعم لمعارضي «الأسد»، بما في ذلك بعض الجهاديين العنيفين. من خلال المطالبة بالإطاحة بـ«الأسد»، فإن الرياض تريد أن تضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد: جلب نظام جديد إلى السلطة في سوريا ينهي التحالف الاستراتيجي لسوريا مع إيران، ومنع إيران من استخدام سوريا لنقل الأموال والأسلحة إلى حزب الله في لبنان، وأخيرا دعم قيام سوريا صديقة تسهم في تقويض الحكومة الشيعية في العراق. على عكس واشنطن، التي تمنح الأولوية القصوى لهزيمة «الدولة الإسلامية»، تركز الرياض على إزالة «الأسد»، على الرغم من أنها لم تقدم بديلا مجديا له. لكن «الأسد» لا يزال في السلطة. وعلاوة على ذلك، فإن روسيا قد تدخلت عسكريا في الحرب الأهلية وتعمل على دعم «الأسد» وتعمل بشكل وثيق مع إيران والعراق وحزب الله اللبناني. الأهم من ذلك، وعلى الرغم من اعتراض الرياض، فقد دعت واشنطن طهران رسميا للمشاركة في مفاوضات إنهاء الحرب الأهلية.

في اليمن، يبدو السعوديون متورطين في مستنقع أيضا. بعد تسعة أشهر من القصف الجوي لأفقر دولة عربية، فإن السعوديين، الذين ينفقون زهاء 200 مليون دولار يوميا في اليمن، لم يحققوا أيا من أهدافهم. الحوثيون لا يزالون أقوياء والرئيس «عبد ربه منصور هادي» لم يعد بعد إلى السلطة. وقد قتل أكثر من 5 آلاف شخص وتم تشريد آلاف آخرين، وتواجه البلاد كارثة إنسانية. وقد مكنت الفوضى التي خلفها التدخل السعودي في اليمن لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وفتحت الطريق أمام «الدولة الإسلامية» لتأسيس تواجد هناك. لتبرير تدخلها، بالغت الرياض في تقدير دور إيران في دعم الحوثيين. كما كتبت في هذه الصفحات قبل سبعة أشهر، فإن الدعم الإيراني في اليمن يبدو محدودا وليس عاملا حاسما في الحرب الأهلية هناك. في نهاية المطاف، فإن الحكومة السعودية عليها إما قبول الحوثيين كلاعبين مهمين في الحكومة أو دعم تقسيم اليمن، مع بقاء الحوثيين كلاعبين مؤثرين في أحد الأقسام أيضا. أي من السيناريوهين ربما يمهد الطريق أمام إيران لتصبح لاعبا أكثر تأثيرا بكثير في اليمن من أي وقت مضى قبل المغامرة العسكرية.

الحب الصعب

القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية تتبع سياسة خارجية عدوانية أقل اعتمادا على الولايات المتحدة وتبدو على خلاف معها في كثير من الأحيان. وقد تم إرهاق البلاد عسكريا وهي تواجه متاعب داخلية محتملة. ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد بلغ مجموع النفقات العسكرية في المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2003 و2014 حوالي 502.7 مليار دولار. ووفقا للتقديرات، فإن إيران تنفق أقل من ربع هذا المبلغ المذهل. وعلى الرغم من هذا التركيز العسكري والدعم من القوى الغربية الكبرى، فإن المملكة العربية السعودية لم تسجل بعد أي انتصارات في ساحة معارك حربها الباردة مع إيران.

 

بالطبع، فإن أيدي إيران ليست نظيفة أيضا لكن إيران لا تدعي أنها حليف الولايات المتحدة. لقد حان الوقت للولايات المتحدة لمنح شيء من الحب القاسي قليلا للمملكة العربية السعودية. وهذا لا يعني التخلي عن السعودية فهي تمثل حليفا مهما في بعض النواحي، ولكن ذلك يعني أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تقف بشكل تلقائي مع السعودية ضد إيران في الوقت الذي تنفذ إيران فيه بنود الصفقة النووية، وتسعى للتقارب مع الولايات المتحدة، وقد أثبتت أنها عدو لدود وفعال للدولة الإسلامية، التي تشكل خطرا كبيرا على المصالح الوطنية الأمريكية.

هناك العديدون في واشنطن من الذين يقولون إن أنه يجب على الولايات المتحدة اتخاذ موقف صارم من إيران ويقترحون مجموعة جديدة من العقوبات من أجل احتوائها. وهناك أيضا أولئك الذين يقولون أن على الولايات المتحدة أن تقف جنبا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية ضد إيران. كلا المعسكرين يعملان على مضاعفة سياسات الماضي الفاشلة. بدلا من ذلك، يجب على واشنطن اتباع نهج جديد تجاه إيران والمملكة العربية السعودية يقوم على موازنة القوة الاستراتيجية. لا يوجد سوى هذه الاستراتيجية التي بإمكانها خدمة المصالح القومية الأمريكية وتسهيل تحول إيران من قوة مفسدة إلى سلطة مسؤولة. كما أنها ستحمي السعوديين من الاستمرار في هذا الإنهاك العسكري الخطير وتساعد على جلب الاستقرار إلى منطقة منهكة من عقود من الحرب والطائفية والإذلال.

فورين أفيرز

 

 

 

قلق من نشوب صراع مسلح بعد الحرب الباردة في الخليج/ د. سعيد الشهابي

الحرب الباردة بمنطقة الخليج ليست جديدة، ويمكن تحملها طالما لم تتحول إلى صراع دموي. فالتراشق بالاتهامات لم يتوقف منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران في 1979، التي تأسس مجلس التعاون الخليجي لمواجهة ما تمثله من تحديات لحكومات المنطقة.

واذا كانت الحقبة الاولى بعد ذلك التغيير السياسي الكبير قد طغت عليها الحرب العراقية الإيرانية المدمرة التي استمرت ثمانية اعوام، فان التوتر الحالي في شكله السياسي لا يقل حدة. وجاء القرار السعودي بقطع العلاقات مع إيران ليوسع ابعاد الحرب الباردة وليضيف ابعادا جديدة للصراع الذي تمتزج فيه الايديولوجيا بالاعتبارات والمصالح السياسية.

من الخطأ النظر إلى ما جرى في اطار التمايز المذهبي بين الطرفين، فطرح البعد المذهبي انما هو وسيلة لتوسيع رقعة ذلك التمايز، كعنصر مفيد للتعبئة لصالح هذا الطرف او ذاك.

الأمر المؤكد ان الاطراف المعنية بشكل مباشر في التصعيد الاخير لا ترغب فيه حقا، لعلمها ان استمراره قد يؤدي لصراعات دموية لن تنحصر بحدودهما، ولن تحقق انتصارا ساحقا لاي منهما على الآخر. فما الذي تحقق من الحرب العراقية الإيرانية سوى الدمار والخراب وارجاع البلدين عقودا إلى الوراء؟ بقي النظامان مكانهما ونجم عنهما حقائق سياسية تركت آثارها على الصراعات اللاحقة خصوصا تلك التي اعقبت ظاهرة الربيع العربي.

وحرب اليمن الحالية هي الاخرى دليل آخر على عدم جدوى الحروب وعدم قدرتها على حسم المواقف، فبعد تسعة شهور متواصلة من القصف والتدمير لم يتحقق للتحالف الذي قادته السعودية الاهداف التي وضعها في بداية الحرب، بل ان بعض المشاركين فيه انسحب لعلمه بعدم جدوى هذا الصراع الدموي. فما عسى ان يتمخض عن لعبة شد الحبل الحالية بين السعودية وإيران؟

يجدر النظر لطبيعة العلاقات بين البلدين خصوصا في الاعوام الخمسة الاخيرة التي اعقبت وأد الربيع العربي، وبشكل خاص بعد توقيع الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية والدول الغربية. وتحركت السعودية بهدف ضرب ما تعتبره «نفوذا إيرانيا» في العراق اولا ثم البحرين ثم سوريا، او صعود التيار الإسلام السياسي كما في مصر وتونس.

وجاءت اخيرا الحرب على اليمن امتدادا لذلك الصراع. وفجأة وجدت إيران نفسها امام هجوم سياسي على كافة الأصعدة: المذهبية والسياسية والاقتصادية والعسكرية. وتصاعدت الحرب الاستخباراتية مع السعودية، وكان لبنان مسرحا لاثبات الوجود بين طهران والرياض.

السعودية كانت السباقة لاتخاذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتبعها السودان وجيبوتي والصومال.

وفي ما عدا البحرين التي هرعت هي الأخرى لاعلان قطع العلاقات مع طهران، فقد اكتفت دول مجلس التعاون الاخرى بخطوة«سحب السفراء». وهذا امر يدعو للاطمئنان بان الازمة لن تتحول إلى صراع دموي، في المستقبل المنظور على الاقل. القرار السعودي جاء ردا على نشوب حريق في محيط سفارتها بالعاصمة الإيرانية، ولم يعرف بعد حجم الاضرار التي لحقت بالسفارة نفسها. واصبح الآن واضحا ان الحكومة الإيرانية لم تكن طرفا مباشرا في الهجوم الذي شنه محتجون تجمعوا حول السفارة للاحتجاج على اعدام الشيخ السعودي، نمر باقر النمر.

هذا التطور السلبي في العلاقات بين الرياض وطهران اصاب الكثيرين بالذهول، وساهم في زيادة التوتر في منطقة ما فتئت تنوء بالاضطرابات السياسية والامنية منذ اجهاض ثورات الربيع العربي قبل خمسة اعوام. فقد كرس حالة الاستقطاب وعمق مشاعر القلق والاحباط لدى من يهمهم امر الامة ويقلقهم تفككها.

صحيح ان تصريحات خجولة صدرت من بعض الدول الإسلامية الكبرى مثل تركيا للتعبير عن استعدادها للقيام بدور لتخفيف ذلك التوتر، ولكن آثاره لن تنحصر بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين خصوصا مع توقف الطيران وسعي كل طرف لكسب مواقف الدول الاخرى لصالحه.

ومن المؤكد أن ينعكس القرار على فريضة الحج التي كانت من بين الاسباب التي ساهمت في تدهور العلاقات بينهما بعد مقتل اكثر من 450 من الحجاج الإيرانيين في الكارثة التي لحقت بالحجاج قبل ثلاثة شهور. كما انعكس سلبا على اسعار النفط التي شهدت المزيد من الهبوط. وثمة خشية من تصاعد ظاهرة الإرهاب في الفترة المقبلة، بدلا من تراجعها، وتعمق التوتر المذهبي.

وفي مقال نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» الاثنين 11 يناير/كانون الثاني، قال وزير الخارجية الإيراني: «ان الاستراتيجية التي تعتمدها السعودية حاليا لعرقلة الاتفاق النووي وكذلك استمرار وتفاقم التوتر في المنطقة تعتمد على ثلاثة عناصر هي: الضغط على الغرب. عدم الاستقرار الإقليمي من خلال استمرار الحرب في اليمن ودعم التطرف».وفي ذلك اشارة لعمق الاختلاف في السياسات والمواقف بين طهران والرياض، الامر الذي يجعل محاولات التقريب بينهما مهمة شاقة.

أيا كان الامر فالمنطقة مقبلة على المزيد من التوتر، خصوصا بعد مرور خمسة اعوام على الربيع العربي بدون ان تتطور اوضاع البلدان العربية اقتصاديا او ديمقراطيا، او على صعيد حقوق الانسان. وبرغم تأكيد الطرفين على تحاشي الصدام العسكري، فان استمرار التوتر قد يؤدي للحرب المباشرة او بالوكالة، وفي ذلك بلاء عظيم للمنطقة، لن يستفيد منه إلا الكيان الاسرائيلي.

٭ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

القدس العربي

 

 

 

 

 

حدود الدور الإيراني/ غسان شربل

الأزمة السعودية – الإيرانية الحالية هي قبل كل شيء أزمة الدور الإيراني في الإقليم. أزمة حدوده. وأزمة طبيعته. وهي أزمة مقلقة. الحرب فيها كارثة. والتوتر الدائم محفوف بالأخطار. والمخرج وحيد. علاقات طبيعية بين دول طبيعية. يحق للإيرانيين أن يعيشوا في الداخل على جمر الثورة. هذا شأنهم وقرارهم. لكن في الخارج لا تستقيم العلاقات إلا إذا قامت مع دولة طبيعية. عندها يمكن اللقاء تحت خيمة القاموس الدولي الذي يحدد الحقوق والالتزامات وآلية حل الخلافات. الدولة الطبيعية تطمئن وإن تعاظم دورها. الدولة المحمولة على رياح الثورة تقلق وإن زينت خيارات المرشد بابتسامات الرئيس.

كانت أزمة الدور الإيراني البند الوحيد على جدول اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي. والبيان الذي صدر بإجماع المشاركين يؤكد أن أزمة الدور الإيراني لا تعني السعودية وحدها. وكانت البند الوحيد على اجتماع وزراء الخارجية العرب أمس في القاهرة. وقد كشفت مقررات الاجتماع وجود أزمة عربية – إيرانية جوهرها قلق العرب من طبيعة الدور الإيراني وحدوده.

تعايش العرب في السنوات الماضية مع اختراقات إيرانية كبرى على ملعبهم. أظهرت التجارب أن إيران صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في بغداد. وتصرفت إيران بعد اندلاع الأحداث في سورية على قاعدة «تكون سورية كما كانت أو لن تكون لأحد». وليس سراً انه لا يمكن تشكيل حكومة في لبنان أو انتخاب رئيس للجمهورية من دون الاستحصال على جواز مرور من طهران.

أجد صعوبة في فهم بعض الخطوات الإيرانية التي أدت إلى تحويل الدور الإيراني هاجساً مقلقاً لدى الدول العربية في الخليج. هل قررت طهران الإفادة إلى أقصى حد من النهج الانسحابي لباراك أوباما؟ هل اعتبرت أن توقيع الاتفاق النووي يحيد الغرب ويعطيها فرصة إنجاز انقلاب كبير ونهائي في الإقليم يقوم على تحجيم أدوار السعودية ومصر فضلاً عن تركيا؟

والحقيقة أن ما جرى في اليمن هو الذي حول الدور الإيراني هاجساً مقلقاً. استولى الحوثيون على صنعاء وأسلحة الجيش اليمني. وقاموا بمناورات على الحدود مع السعودية. والأمر الغريب أنهم استولوا على مضيق باب المندب غير آبهين بالقلق الإقليمي والدولي الذي يثيره استيلاء ميليشيا مسلحة على معبر حيوي من هذا النوع. كانت المغامرة الحوثية أكبر من القدرة على الاحتمال والدليل أنها لم تترك للسعودية غير خيار الحرب. هل كانت إيران مضطرة لمغامرة من هذا النوع في اليمن؟ وهل خانت البراعة جنرالات «الحرس الثوري» حين سارعوا إلى الاحتفال باجتذاب عاصمة عربية رابعة إلى الفلك الإيراني؟ وهل أساءت إيران تقدير قدرة السعودية على اتخاذ قرار كبير من دون دعم واشنطن؟ وهل يندرج استهداف السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران في هذا السياق؟

لا ينكر أي عربي أن إيران دولة كبيرة وعريقة في الإقليم. ولا ينكر أحد أن من حقها بهذه الصفة أن تكون صاحبة دور ونفوذ. لكن تجربة أهل الإقليم في الأعوام الماضية تضعهم في حيرة. هل تريد إيران دوراً بارزاً في الإقليم أم تريد الدور الأول فيه؟ وهل سعيها إلى الدور الأول يتضمن بالضرورة تحجيم أدوار سائر القوى الإقليمية وخصوصاً السعودية صاحبة الثقل العربي والإسلامي بحكم قوتها الاقتصادية وموقعها الديني؟ وهل يطمح الدور الإيراني إلى انتزاع زعامة الإقليم وموقع الزعامة في العالم الإسلامي أيضاً؟ وهل يغيب عن بال طهران أنها لا تمثل الأكثرية لا في الشرق الأوسط ولا في العالم الإسلامي؟ وأن إصرارها على انتزاع هذا الدور يتخذ في النهاية منحى انقلابياً لا بد أن يصطدم بمصالح الأكثرية ومشاعرها؟

يحق لإيران أن تكون صاحبة دور بارز في الإقليم. لكن هل يحق لها حجز هذا الدور من دون الالتفات إلى حصانة الحدود الدولية والقوانين الدولية والأعراف الديبلوماسية؟ وهل يحق لها أن تنشئ على أراضي الآخرين جيوشاً موازية مستقلة؟ وهل يحق لها أن تعتبر نفسها المرجع الديني والسياسي معاً للشيعة العرب وأن تذهب في محاولة اجتذابهم إلى حد تهديد سلامة خرائط بلدانهم والنسيج الوطني فيها؟ وهل يحق لإيران التدخل لاعادة صياغة المشهد السياسي في دولة عربية واعتبار أي تدخل عربي هناك لاحتواء تدخلها عدواناً خارجياً؟

ساهمت إيران في جعل السؤال عن حدود دورها السؤال الأول لدى دول مجلس التعاون الخليجي ومعها دول عربية وإقليمية. السؤال عن حدود الدور الإيراني هو سؤال عن حدود دور العرب في الإقليم وعن شروط أمنهم واستقرار دولهم وسلامة نسيجها الوطني. وهو سؤال أيضاً عن دور الأكثرية السنية فيه في ضوء الدورين الإيراني والروسي. والسؤال لا يعني أبداً التمهيد لحرب يتفق الجميع في اعتبارها كارثة بل لعله فرصة لمغادرة لعبة حافة الهاوية والعودة إلى علاقات شبه طبيعية تغيب عنها الاختراقات الحادة التي تمزق دولاً وتدمي شعوباً.

 

 

 

الطريقة المثلى في ردع إيران/ موسى برهومة

كشف الاعتداءان المتزامنان على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد الإيرانية، وحرقهما، عن نوايا مبطّنة تجاوزت دعاء ورغبة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بأن يطال «العقاب الإلهي حكام السعودية» بعد حادثة إعدام 47 شخصاً من بينهم رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر الذي أصدرت محكمة في الرياض متخصصة بقضايا «الإرهاب»، قبل عام، حكماً بإعدامه بعدما دانته بتهم «الدعوة إلى الفتنة» و «حمل السلاح» و «الخروج على ولي الأمر».

فقد هدّد نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بأنّ «إعدام الشيخ النمر سيكلف السعودية ثمناً غالياً»، مع أنّ الأنباء، من مصادر متعدّدة، تُفيد بأنّ طهران أعدمت، العام الماضي، زهاء ألف شخص، بل إنّ منظمات حقوق الإنسان تصنّف إيران باعتبارها من أكثر الدول تنفيذاً لأحكام الإعدام في العالم.

ولئن كشف الاعتداء على المقار الديبلوماسية السعودية في إيران عن أحقاد تاريخية «فارسية» مع الجيران العرب، وبخاصة دول الخليج، إلا أنّه كشف، وهذا هو الأهم، عن ثقوب في ثوب التضامن العربي، لا يتعيّن القفز عما تحمله من استحقاقات لا تخفى على الرياض بالتأكيد.

وما يلاحظه المراقب أنّ ردّة الفعل العربية، وبخاصة بعض دول الخليج (قطر وعُمان تحديداً) جاءت دون المستوى المأمول، فالبلدان صمتا أربعة أيام، قبل أن تتحرك الدوحة فتستدعي سفيرها من طهران، في حين اكتفت مسقط بالأسف، واعتبار إحراق السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران أمراً «غير مقبول»، بينما سارعت الكويت على الفور إلى استدعاء سفيرها من طهران، وخفّضت الإمارات مستوى التمثيل الديبلوماسي مع إيران، وقطعت البحرين علاقتها مع طهران.

وكانت الدولتان العربيتان الوحيدتان، خارج دول الخليج، اللتان قطعتا علاقاتهما بإيران هما السودان وجيبوتي، فيما اكتفت مصر وتونس بالإدانة، واستدعى الأردن السفير الإيراني في عمّان وأبلغه احتجاجه على الاعتداء.

وما يجعل ردّ الفعل العربي مخيّباً للآمال، أنّه تغافل عن حقيقة أساسية، وهي أنّ إحراق المقرّات الديبلوماسية السعودية، جاء تتويجاً للشحن السياسي والعسكري والمذهبي الذي تشنّه طهران ضد الرياض وبعض دول الخليج، فضلاً عن تدخلاتها في العراق وسورية واليمن ولبنان، ومصر وسواها من بلدان تطاولها نزعتها التوسعيّة التي دفعت وزير الاستخبارات الإيراني السابق حيدر مصلحي، إلى التباهي بأنّ بلاده «تحتل أربع عواصم عربية»، فضلاً عن تطويقها باب المندب، من خلال الدعم غير المحدود للحوثيين في اليمن.

أضف إلى ذلك، أنّ في تغليب بعض الدول العربية مصالحها السياسية، والاعتصام بالبراغماتية في علاقتها بإيران، والتغاضي عن تدخلات إيران المتواصلة في سياسات الدول الأخرى، ووصايتها على مواطني تلك الدول، ما يـــبعــث على الشعور بـــأنّ ردع إيران ومحاصرتها أمرٌ ليــس في متناول اللحظة العربية الراهنة، وهذا يمنح دولة ولايـة الفـقـيه المزيـد من الثقة والدعم، ما دام أنّ الغاضبين حفنــة قليـلة، وأنّ كفة المستفيدين من عدم توتيــر علاقات بلادهم بطهران، أكثر رجحاناً، خشية أو انتهازيّة أو نأياً بالنفس عن الاشتباك في ما لا يحتلّ أولوية في قضاياهم الوطنيّة.

إنّه درس بليغ، يؤكد الوجه القبيح للسياسة، وتحالفاتها الانتهازيّة، وتحلّلها من الثوابت والمعايير الأخلاقية. كما يكشف، علاوة على ذلك، سقوط «أكذوبة التضامن العربي» رغم أنّ من يتعين التضامن معه والوقوف المخلص إلى جانبه، دولة كبرى بحجم السعودية تسعى لحماية نفسها والآخرين من نزعة التوسع والغطرسة والتوحش الإيراني، ولئلا يرتفع باضطراد عددُ العواصم العربيّة التي يتباهى قادة إيران باحتلالها!

* كاتب وأكاديمي أردني

 

 

 

بين التفاؤل الدولي والتشاؤم الإقليمي/ محمد ابرهيم

انفجار الأزمة بين السعودية وإيران يسلّط الضوء على التفاوت الكبير بين مسار المظلة الدولية للحروب الإقليمية ومسار مظلتها الإقليمية. فمن يتناول هذه الحروب منعزلة يجد ان هناك تفاهما دوليا، اي روسيا-اميركيا أساسا، على رسم حدود لها هي مصدر الأمل المتجدد بأنها قابلة للحل في مستقبل قريب. وهذا ينطبق على سوريا مثلما ينطبق على اليمن والعراق. وذروة الأمل هي في انتقال الإدارة الأميركية إلى رسم خطط تفصيلية زمنيا لإنهاء الحرب السورية تضع تنحّي الأسد و”حلقته الضيقة” في آخر المسار الانتقالي، أي في ربيع 2017.

لم يفت المراقبين الانتباه مباشرة إلى ان الموعد “الأميركي” لنهاية الأزمة السورية يأتي بعد شهرين من “تنحّي” باراك أوباما نفسه، اي من تنصيب رئيس أميركي جديد. وبذلك يكون اوباما قد حقّق مبتغاه وهو تمضية ولايته الرئاسية الثانية منفذا التعهد الذي قطعه قبل ان يصبح رئيسا بأن مهمته ستكون إخراج اميركا من بؤر النزاعات الإقليمية لا التورط في نزاعات مستجدّة.

هذه المصلحة الأميركية، الرئاسية، تتوافق مع رغبة روسيا بإعطاء تدخلها العسكري في سوريا مداه الزمني بحيث يمكن استنفاد الاندفاعة العسكرية التي اتاحتها المظلة الجوية الروسية لقوات النظام وحلفائه، من الحد الأدنى المتمثل بالصمود في مواقعها، إلى الحد الأقصى من استعادة مواقع سبق للمعارضة ان سيطرت عليها. وفي الاثناء تشير التقارير الأخيرة (الأميركية) إلى ان كلفة التدخل الروسي ليست بالحجم الذي كان متصورا عند بدء التدخل. والمقصود الكلفة البشرية والمادية.

وإذا كانت الحدود قد رسمت، دوليا، للحرب السورية فإن الحدود مرسومة سلفا للحرب اليمنية بالاجماع داخل مجلس الأمن على أفق الحل السياسي، وللحرب العراقية بوجود حكومة شرعية تتولى أميركا تلطيف طابعها المذهبي بالاصرار على دور الميليشيات السنية في تحرير المناطق التي تسيطر عليها “داعش”.

لكن كل هذا لا ينسجم مع الواقع الإقليمي لحروب المشرق العربي. فمشاريع الحلول الدولية لهذه الحروب تفترض ان السعودية وإيران طرفان مساهمان في الوصول الى خواتيمها السعيدة، وكأن منشأ هذه الحروب اعتبارات داخلية يمكن محاصرتها بالإرادات الطيبة الدولية- الإقليمية دون معالجة المشكلة الأساس لانفجارها. وهي في أصلها شعور القوى الإقليمية الثلاث، غير العربية، اي إيران وتركيا واسرائيل بحالة الفراغ التي خلّفها انهيار المواقع العربية الوازنة، وخصوصا مصر والعراق، وعدم قدرة ما تبقى من مواقع عربية على موازنة النفوذ غير العربي، إلا بالإتكال على البعد المذهبي للنزاعات.

النهار

 

 

 

السعودية وإيران: «التصعيد المُمَذهب» إذ يخفي الحسابات الجيوسياسية/ مصطفى اللباد

على خلاف السجال المذهبي المتفجر في المنطقة منذ إعدام الشيخ نمر النمر، لا يبدو الموضوع متعلقاً بطبيعة المذهبيْن السني والشيعي، بقدر ما هو مرتبط بحسابات القوة والصراع الضاري بين السعودية وإيران على الهيمنة الإقليمية. ليست القصة هنا إن كان الإعدام عادلاً أم لا كما ساجلت وسائل الإعلام التابعة للطرفين طيلة الأسبوع الماضي، فالإعدام كعقوبة لم يعد أمراً مقبولاً أصلاً على الصعيد العالمي وبقطع النظر عن المبررات. كلا النظامين، السعودي والإيراني، يحتل المراتب العالمية الأعلى في تنفيذ عمليات الإعدام، وكلاهما يستند على الحكم الديني كأساس للمشروعية السياسية وعلى التأويلات الفقهية الإسلامية لتبرير الإعدامات، وكلاهما لديه أقلية دينية داخل حدوده، وكلاهما يستخدم المذهبية لتمديد النفوذ خارج الحدود. نحن أمام لاعبين إقليميين كبيرين، يتوفران على مصادر لا يستهان بها من النفوذ والقوة، يتصارعان في الإقليم وفقاً لحسابات باردة تتعلق بتوازنات النظام الدولي، ويتصرفان ضمن إطار الإمكانات الصراعية المتاحة أمام اللاعبين الإقليميين، وإن بفجاجة أكثر مقارنة مع مناطق أخرى من العالم. لعب كل طرف لعبته بحسابات باردة وتركا معاً التسخين المُمَذهب لوسائل إعلامهما. الرياض أخذت وقتها في اختيار التوقيت الملائم لتنفيذ الإعدام بحق الشيخ النمر (الاعتقال تم العام 2012 والحكم بالإعدام العام 2014 والتنفيذ في العام 2016) بتوقع ردة فعل إيرانية حادة، ومن ثم توظيفها كمادة لاصقة لتصميم اصطفافات جديدة بهدف عزل إيران إقليمياً. طهران والدوائر المتشددة فيها من ناحيتها، سمحت باقتحام السفارة السعودية احتجاجاً على تنفيذ الإعدام، ولكن على خلفية حسابات تتعلق بالسجال الداخلي قبل انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء الشهر المقبل، بهدف تخريب فرص روحاني والإصلاحيين فيها.

السقف الدولي المتغير

يمثل الاتفاق النووي بين إيران والغرب، بما يعنيه من فك العزلة على إيران وعودتها إلى المجتمع الدولي ـ من المنظور السعودي ـ تهديداً مباشراً لنفوذها الإقليمي الذي يتعرض إلى تحدٍ إيراني في ساحات الحرب بالوكالة في المنطقة. راقبت الرياض عن كثب، منذ صعود باراك أوباما إلى السلطة في واشنطن العام 2009، كيف بدأ التحالف السعودي – الأميركي في الاهتزاز، عبر محطات إقليمية مختلفة بداية من «الربيع العربي» مروراً بالأزمة السورية وليس انتهاء بالمفاوضات النووية مع إيران. وكان أن توج الاتفاق النووي بين إيران والغرب العام 2015 التغير العميق والحاد في نظرة واشنطن إلى المنطقة، بحيث لم تعد طبيعة التحالف السعودي – الأميركي، ذلك الممتد منذ «اتفاقية كوينسي» في العام 1945 خلال اللقاء الشهير الذي جمع الرئيس الأميركي الأسبق أيزنهاور مع الملك السعودي المؤسس عبد العزيز على ظهر البارجة «كوينسي» في البحيرات المرة المصرية، على حالها السابقة. على مدار سبعة عقود كاملة ارتكز التحالف السعودي ـ الأميركي على مقايضة واضحة وشفافة مفادها: النفط مقابل الأمن، لكن إبرام الاتفاق النووي مع إيران أنهى التحالف المشار إليه بالشكل الموصوف، لأنه جعل واشنطن حَكَماً في الصراع بين السعودية وإيران، بعدما كانت أميركا طرفاً أصيلاً مع السعودية في كل معاركها الإقليمية خلال السبعين سنة الماضية.

ويزيد من الأمر فداحة ـ من المنظور السعودي ـ أن الاتفاق النووي بين إيران والغرب لم يبق فقط على الحضور الإقليمي الإيراني، بل ربما حتى قام بتقنينه دولياً. بمعنى أن الاتفاق النووي تمحور على كبح البرنامج النووي الإيراني عند مستوى ما دون إنتاج القنبلة لمدة تتراوح بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة، مقابل رفع العقوبات الدولية على إيران. هنا تحتفظ إيران بحضورها الإقليمي المتراكم منذ احتلال العراق العام 2003، وتستعد لتفاهمات/مقايضات مع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة. ومع تنامي هذا الحضور، ذهبت بعض التقديرات إلى اعتبار أن أهمية إيران ما بعد الاتفاق النووي في العيون الأميركية ربما تفوق أهمية السعودية النفطية غير المنكورة، لجهة تسوية الملفات الإقليمية العالقة. ولعل الأصداء الدولية للأزمة الإيرانية ـ السعودية الناشبة بعد إعدام الشيخ النمر تؤكد هذه التقديرات، لأن ميل غالبية وسائل الإعلام الأميركية نحو إيران في الأزمة كان واضحاً للمتابعين. وللتدليل على ذلك لم تُظهر سوى صحيفة «وول ستريت جورنال» انحيازاً إلى السعودية، في حين كان واضحاً ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ انحياز «نيويورك تايمز» و «هافنتغتون بوست» و «لوس أنجلس تايمز» و «بوليتيكو» إلى إيران.

وكما هو متوقع بعد الاتفاق النووي مع إيران، فلم تبد إدارة أوباما انحيازاً إلى أي من الطرفين، بل حاولت قدر الإمكان النأي بنفسها عن الصراع الضاري بينهما. ولا يبدو في الأفق ممكناً أن تغير إدارة أوباما نظرتها إلى الشرق الأوسط وأدوار اللاعبين فيها، إلا أن دخول أوباما حقبة «البطة العرجاء» ـ مثل أي رئيس أميركي في سنة ولايته الأخيرة ـ يفتح أبواب الأمل أمام الرياض في انتخاب رئيس جمهوري العام المقبل، الأمر الذي يعيد الحيوية التي كانت إلى التحالف السعودي ـ الأميركي. حتى ذلك الحين تحاول الرياض هندسة اصطفافات إقليمية جديدة لتحجيم إيران، لكسب الوقت ومنع طهران من جني ثمار اتفاقها النووي إقليمياً.

الإطار الإقليمي المتحول

تتوجه السعودية إلى التحرك إقليمياً خارج المظلة الأميركية، عبر محاولة عزل إيران إقليمياً وتمتين «التحالف السني الكبير» كرافد جديد في مواجهتها مع إيران. فمباشرة قبل إعدام الشيخ النمر، أعلنت السعودية عن «تحالف إسلامي كبير لمناهضة الإرهاب» يضم دولاً عربية وإسلامية من داخل وخارج المنطقة – استبعدت منه إيران والعراق وسوريا. ومباشرة أيضاً بعد قطع السعودية علاقاتها مع إيران، حذت البحرين والسودان حذوها. وقامت الإمارات بتخفيض مستوى التمثيل الديبلوماسي مع إيران واستدعت الكويت سفيرها في طهران ونددت سلطنة عمان باقتحام السفارة السعودية، ومن المتوقع أن يخرج وزراء الخارجية العرب ببيان تضامني مع السعودية ومندد لإيران. ومثلما كان الغطاء المذهبي مناسباً لإيران كي تمدد حضورها الإقليمي، تفعل السعودية الأمر ذاته الآن ولكن في الاتجاه المعاكس.

تحتاج التحولات الكبرى في موازين القوى إلى الوقت لظهورها بوضوح، لذلك تدفع السعودية والدول العربية اليوم ثمن احتلال العراق في العام 2003، وتحوله بمرور الوقت من حاجز شاهق أمام إيران إلى قاعدة وثوب لها نحو المنطقة. لا يعني ذلك انحيازاً سياسياً لأحد الأطراف العراقية، وإنما تقريراً لحقيقة جيوسياسية واقعة. لا ترغب السعودية في الاعتراف بالواقع الإقليمي الجديد وموقع إيران في القلب منه، لذلك تختار التصعيد حفاظاً على سلطتها ونفوذها الإقليميين. ظروف السعودية صعبة في السباق مع الزمن، فليس السقف الدولي فقط ما يؤرقها على أهميته الفائقة، بل الوضع الإقليمي الذي لم يعمل لمصلحتها في الفترة الماضية. لم تستطع الرياض تحقيق نصر واضح على الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح في اليمن بعد شهور من المعارك هناك، برغم المال السياسي الكبير الذي استثمرته الرياض في المعارك الحربية. وبدوره، يستلزم التراجع في أسعار النفط وعجز الموازنة السعودية الناتج عنه والمُقدر بمئة مليار دولار للعام الجاري، إجراءات ليست سهلة. ومن هذه الإجراءات رفع الدعم كلياً أو جزئياً عن بعض السلع، وتقليص الإنفاق العام وفرض ضرائب جديدة، ما يعني أن «العقد الاجتماعي» القائم بين الأسرة الحاكمة والمواطنين السعوديين على قاعدة الرعاية الاقتصادية مقابل الحريات المدنية والحقوق السياسية، سيتعرض إلى اختبار قاس في المرحلة المقبلة. بالمقابل، انتظرت طهران ثمار الاتفاق النووي طويلاً، ويبدو أنها ستنتظر لفترة إضافية غير محددة حتى ترفع العقوبات عنها بالكامل. مثلها مثل السعودية، تعتمد إيران على النفط في ظل تراجع أسعاره، وبالتالي حتى لو عادت إلى السوق النفطية العالمية قريباً، فالمتوقع أن تكون الإيرادات في مستوى أقل كثيراً من تطلعات الإيرانيين. كلا الطرفين أمام استحقاق داخلي حاسم قريباً: مجلس الخبراء الذي يقرر هوية المرشد في إيران، وحسم المواقع داخل العائلة الحاكمة السعودية. منطقياً، لا يناسب التصعيد الإقليمي إيران الآن، ليس لأنها تعف عن المنازلات، وإنما انتظاراً لفترة مقبلة تزداد فيها قوتها اقتصادياً بعد رفع العقوبات وتحصد فيها الاعتراف العلني بمكانتها دولياً فتعود إلى تلك المنازلات بقوة أكبر. ربما لذلك السبب أيضاً اختارت السعودية التوقيت الحالي للتصعيد مع إيران. هنا يتبادل الطرفان السعودي والإيراني الأدوار: إيران أحمدي نجاد اختارت التصعيد بهدف قلب التوازنات الإقليمية المائلة وقتذاك إلى جانب السعودية، والسعودية محمد بن سلمان تختار التصعيد الآن لقلب التوازنات الإقليمية المائلة لمصلحة إيران.

يمثل إعدام الشيخ النمر حلقة في سلسلة متصلة من الكباش المحتدم بين الغريمين السعودي والإيراني، والمتوقع أن يتدحرج أكثر خلال الفترة المقبلة، تحت سقف دولي متغير وفي إطار إقليمي محتدم وعلى خلفية استحقاقات داخلية حاسمة، وكالعادة…. باستخدام الشعارات المذهبية الفاقعة!

السفير

 

 

 

السعودية وإيران.. الحرب مرة أخرى؟/ نصري الصايغ

ماذا تقول الحرب؟

لم يتعب المحاربون بعد. قد تتجدد الحرب في ما بعد. يصعب أن تتوقف قريباً. أطراف عديدة قد تتورّط بها. جاذبية الحرب أقوى من الحياد. «داعش» استدرجت الجميع إلى المواجهة. الانقسام السني الشيعي يجد مَن يذكي ناره. لا حلول تشفي غليل التشفي بين المذهبين. سقطت حدود الدول. الانتماءات المذهبية والطائفية والإتنية صارت عابرة للدول وللإقليم كذلك.

ماذا تقول الحرب؟

سوريا كانت المفتاح. أبوابها مغلقة وجسورها إلى الحلول مقطوعة. منذ ثلاثة شهور، دخلت روسيا الحرب من بوابة سوريا لقتال «داعش» ومنازلة بالجو لأعداء النظام وخصومه. تجددت المعارك. جبهات جديدة افتتحت. تعديل طفيف في موازين القوى. تذخير سعودي مضاد لقوى المعارضة… ونزوح بلا هوادة وهجرة. لم تعد أوروبا تحتمل صورها واستقبالها. إنها، حرب جديدة، أضيفت إلى حروب سابقة، عمرها يكاد يبلغ السادسة.

من قبلُ، منذ ما يقارب العشرة من الشهور، دخلت السعودية الحرب في اليمن، بقواتها الجوية المتحالفة، و «قواهم» البرية المستعارة. وهي في كل الأحوال، حرب تشبه حروب التدمير بلا أرباح. إنما، انحسر ظل الحوثيين في اليمن، وتقلصت قوات علي عبد الله صالح. العالم المستيقظ جداً لمراقبة السلوك الإيراني، بعد الاتفاق النووي، أخلى الساحة للسعودية و «حلفائها». أيضاً هناك، ركام كثير ودمار كبير وشعب يُمتحن في جراحه ولقمة يومه وأواصر ارتباطه بالوطن. اليمن متروك لمأساة إنسانية، مصحوبة بصمت مشين. ضحاياها، ليسوا حوثيين مقاتلين، بل شعب منقسم وممزق ومشطور بين ضفتي القتال.

وتقول الحرب أيضاً: ما يزال لدي من العمر ما يكفي لإبادات وتغيير خرائط وتعديل حدود وتبديل ديموغرافي وإنهاك أنظمة وتفكيك دول وإعدام لأي أمل… ليبيا على الحافة، تنزلق إلى «داعش». سوريا بلا أفق، بربرية متوحشة، وتاريخ يندثر. العراق على طريق التثليث: سنة وشيعة وأكراداً. الخليج يزدحم بالعداء. عباءة السعودية تتسع لحلف مدعوم سنياً من أطراف الدنيا… يا غيرة الدين، لها أصداء واسعة تُسمع في كل مكان.

وتقول الحرب أيضاً: لم ترمِ إيران بثقلها العسكري. لأسباب فيها وأسباب ما بعد الاتفاق النووي، ومراقبة العالم لـ «حسن سلوك» دولة كانت تصنّف ظلماً بأنها مارقة. إنما، أذرع إيران تتحرك وتخوض قتالاً دفاعياً بحراجة. تدافع عن نظام مُتعَب في سوريا. تحمي نظاماً متوعكاً في العراق، تحاول جهداً في اليمن ولا تحقق توازناً. يرصدها العالم ويبحث عن هفوة لإدانتها. تشعر أنها ملجومة. تؤمن بالحلول السياسية، طمعاً بسلامة وحصة.

وتقول الحرب كذلك. لا أحد غيري حتى الآن. السلام، حظه دون الصفر.

ولكن الحرب تقول أيضاً: السلم غفلة زمن ولا بد منه. لا مفر من نهاية الحروب، لإعادة ترتيب الركام على الأقل، ليعيش مَن تبقى معاً، برغم الأحقاد والضغائن ونوازع الثأر… لا بد من نهاية ما. حرب الثلاثين عاماً الأوروبية انتهت. حروب المئة عام أفضت إلى بناء نظام أوروبي تصالحي. ولا تختلف الحروب العربية عن سواها: لن يهزم أحد أحداً، لن ينتصر أحد على أحد. الحروب بين الطوائف والأديان والمذاهب والأقوام، تنتهي بتسوية. قد تفضي إلى «تعايش الأضداد» على زغل، والسؤال المبكر، والذي لا مفر من طرحه: أي أوطان ستولد في نهاية الطواف الدامي؟

الحروب الماضية بين المذاهب والطوائف لم تلغِ أحداً. لهذا جولة وصولة ولتلك جولات وصولات. الانزلاق إلى الفتنة المذهبية مزمن. ورثت الطوائف والديانات والفرق الفقهية رايات «النهضة» الممزقة بأيدي أبنائها. ورثت شعارات العروبة المغدورة بقبضات قياداتها الحديدية. قضايا الحداثة، دولة وأوطاناً ودساتير وحرية وديموقراطية ووحدة، انتهكها أهلها، فورثها الفكر الديني بصيَغه المختلفة: سلفية أو وهابية أو أصولية أو إخوانية أو حزبية تدين بفقه.

تصحرت البيئة العربية، فلا حظوظ لفكر قومي أو ليبرالي أو يساري أو… في تسلق أزمنة السقوط إلى الهاوية الراهنة. اختفت من ساحات المواجهة قضايا الأمة ووحدة الشعب ومفاهيم العدالة والسيادة… من زمان، تدرجت الفتنة بشكل طبيعي وغير مفتعل. فالسياسة تكره الفراغ. وفراغ أنظمة الاستبداد، شرَّع الأبواب للأمل الديني السهل. وبعد مُمانعة و «اعتدال» ومناورات وحروب، بات للمنطقة عاصمتان: السعودية حاملة لواء السنة، بقاعدة وهابية وأذرع مشتقة منها، وإيران، حاملة لواء التشيّع السياسي، بقاعدة ولاية الفقيه. علماً أن الخلاف في الأصل سياسي متأصل في القضايا، لم تنجُ، ولا كانت نجاتها ممكنة، من الاحتضان المذهبي.

ولا بد من نهاية، ذات زمن. فلا مفر من أخذ المستقبل على محمل الجد، لا على محمل الجهل. فأي مستقبل بعد هذا التذابح؟ أي وطن، أو أوطان، ستتجمَّع فيه هذه الأضداد؟ بلا مكابرة وبلا تبرير، الوضع الراهن أفرز حقائق مادية وموضوعية لا ردّ لها: الأديان تفرّق ولا توحّد، الطوائف تقسِّم ولا تُلْئم. المذاهب ضائعة بحثاً عن «الفرقة الناجية» لتكفّر ما يختلف عنها. فأي وطن غداً، بعد جيل من التذابح؟

السؤال الفلسفي المطروح علينا: كيف نعيش معاً؟ أو، هل نستطيع أن نعيش معاً، كبشر أسوياء في بلاد تسمى دولاً؟

جرَّبنا العيش معاً بصيغ مختلفة، آلت كلها إلى مآزق وكوارث. أولاً، لم نعش في دول، بل في كيانات نصقها «مكونات». و «المكونات» اسم ملطَّف لانتماءات ما قبل الدولتية. عشائر وقبائل وعائلات وأحزاب عائلات وأرومات وأقوام، حتى بلغنا في الانحدار إلى تعظيم «المكونات» الدينية والطائفية والمذهبية. «المكونات» كانت «مدمرات» للأوطان والكيانات. لا تُصنع دولة بمكونات بدائية وجاهلية ورجعية وعصبيَّات، تجعل «المكوِّن» جسماً سياسياً جامداً، بيئة مغلقة، أناسها أتباع بلا خيارات.

جربنا ذلك في دول، أنشئت على قياس عائلات وسلالات. لدينا منها ممالك وإمارات في المشرق والخليج والمغرب. هذه «دول» بالاستعارة. جربنا، الحزبية القومية، فانتهت إلى تسلط الفرد واستبداد العائلة على جثة الحزبية. جربنا البرلمانية المقيدة من فوق بالاستبداد. مضحك ومفزع ما آلت إليه الديموقراطيات العربية. جربنا البرلمانية المقيدة «بالمكونات» الماضوية من تحت، فحصلنا على صيغة لبنانية مقفلة ومفلسة وغير قابلة للموت أو الرحيل. جرَّبنا أن نعيش أفكار النهضة. ألبسناها ثياباً رثة. ثم، جربنا ربيعاً عربياً، انتهى إسلامياً، بصيَغه البائسة والمتعددة.

ماذا بعد؟

نعيش معاً بحيوية وسلمية وإبداع، إذا أجرينا القطيعة التامة والمنجزة، مع التراث الديني السياسي، ومع الاتباع التوظيفي. واستعضنا عن عكازة التاريخ الديني، بقضايا هي من صلب الإنسان المعاصر: الحرية، الديموقراطية، المشاركة، المواطنة، المساءلة، المحاسبة… نعيش معاً بسلام، إذا قلبنا الهرم الموضوع على رأسه، ليستقيم على قاعدة شعبية، تعتبر المرجعية. وكل مرجعية سواها، سرقة وافتئات وتسلط وإخضاع.

نعيش اليوم عصر الحروب. الحرب الإيرانية ـ السعودية، في مواقعها كافة وبأشكالها المختلفة، تقطع علينا الطريق إلى المستقبل. الحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا و… لم تتعب بعد. ومع ذلك، ليس أمامنا إلا الأمل ببناء الدولة أو الدول، بهويتها العربية، وقضاياها المحقة، وإنسانها الحقيقي والجديد.

في مثل هذا الأفق نستحق أن نردد متوالية محمود درويش: «في هذه الحياة ما يستحق الحياة».

السفير

 

 

 

الطريق لردع إيران/ عبد الحليم قنديل

■ ليس بوسع أزمة طارئة أن تغير حقائق الجغرافيا والتاريخ والثقافة، فمن حق السعودية ـ ودول أخرى ـ أن ترد على الحرق الهمجي لسفارتها وقنصليتها في إيران، ومن حقــــها أن تقطع أو تبقي على العلاقات مع طهران، ولكن بـــدون اندفاع إلى ما يشبه إعلان الحرب الدائمة، فإيران ليست «إسرائيل»، وإيران كانت وستظل بلدا كبيرا في العالم الإسلامي، أيا ما كانت طبيعة نظامها الحاكم.

ولا أحد يستطيع أن ينكر دور إيران في إثارة قلاقل بدول الخليج، ووضع الشيعة العرب في حوزتها، واستخدامهم في توسيع رقعة النفوذ الإيراني، خاصة بعد التضخم الهائل لدور إيران في المنطقة، وتزايد قوتها العسكرية والعلمية والميدانية، ومد نفوذها المسيطر إلى شاطئ البحر المتوسط، عبر العراق وسوريا ولبنان، وإلى البحر الأحمر عبر دعم «الحوثيين» في اليمن، إلى حد بات فيه المشرق العربي والخليج العربي تحت رحمة الخطر الإيراني المباشر، الذي لم تفلح في دفعه ترتيبات الاستعانة بالحماية الأمريكية، التي استنزفت هي الأخرى عوائد البترول الخليجي، ومدت قواعدها البرية والبحرية على خرائط الهلع، وفي صورة استعمار مدفوع الأجر.

والمفارقة الكبرى في المسألة الإيرانية، أن دولا عربية غنية ساهمت بالنصيب الأكبر في صناعة المجد الإيراني، بإنفاق عشرات المليارات من الدولارات على حملات ملتاثة لتكفير الشيعة، ودعم مذاهب وجماعات دينية، تحقق سياسة الاستعمار «فرق تسد»، وتنشر الفرقة بين المسلمين، وتنهك مجتمعاتهم، وتشعل حروب السنة والشيعة، خاصة بعد الغزو الأمريكي لاحتلال العراق، وإسقاط صدام حسين، الذي كان نظامه يشكل حائط الصد للتوسع الإيراني، ولم يكن ليسقط بدون الدعم اللوجستي والمالي العربي لحملة الغزو الأمريكية البرية، التي انتهت إلى تفكيك دولة العراق، وحل الجيش العراقي واجتثاث حزب البعث. فقد مول العرب حملة احتلال وتفكيك العراق، وكانت إيران هي المستفيد الأعظم، فقد زالت قوة العراق المانعة للانتشار الإيراني، وخلق فراغ «جيو سياسي» و»جيو عسكري» في المشرق العربي، تقدمت إيران لملئه، وخلقت اتصالا جغرافيا وميدانيا مباشرا مع دوائر نفوذها الأسبق حضورا في سوريا الأسد ولبنان «حزب الله».

العرب ـ إذن ـ هم الذين صنعوا مجد إيران، وبصورة أكبر تأثيرا مما صنعته إيران بجهدها الذاتي، فقد تمدد المشروع الإيراني في خلاء المشروع العربي، وتطور المشروع القومي الإيراني في زمن انهيار المشروع القومي العربي، فقد خرجت مصر بثقلها الحاسم من قيادة المنطقة عام 1979، بعقد ما يسمى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ودخلت إيران على الخط بثورة الخميني عام 1979 نفسه، كان الدخول الإيراني متواقتا مع خروج مصر، خرجت مصر من ساحة المواجهة مع «إسرائيل»، ودخلت إيران بدعم بناء «حزب الله» اللبناني، وبدعم حركات المقاومة الفلسطينية بعدها، ثم كانت القفزة الكبرى بعدها بعشر سنوات، مع توقف الحرب العراقية ـ الإيرانية التي أنهكت إيران داخليا، وكان جيش صدام حسين مؤلفا بغالبية جنوده من الشيعة، وقد حاربوا الخميني نفسه، دفاعا عن العراق وعروبة العراق، ثم كان الخطأ التراجيدي لصدام بغزو الكويت، وعجز النظام العربي المتآكل عن صياغة حل عربي، واللجوء للقوة الأمريكية بهدف إخراج صدام من الكويت، ثم فرض الحصار الشامل على العراق، الذي لم يكن ليسقط، لولا الغزو الأمريكي المدعوم عربيا، وهكذا أزيح آخر حجر عثرة من طريق إيران، التي لم تدفع فلسا لكسب العراق، واستفادت بإتاحة مليارات العرب وأراضيهم، التي جرى تجنيدها لذبح صدام ودولة العراق، ثم ذهب الضلال ببعض العرب إلى المدى الأبعد، وتصوروا أن الحل في «مشروع سني» يحل محل المشروع القومي العربي، ويجعل غاية همه إعلان الحرب على الشيعة كيدا لإيران، بما جعل الشيعة العرب رصيدا مضافا لحساب إيران، التي لم تفوت الفرصة العظيمة المهداة إليها على طبق الذهب، ووضعت شيعة العراق في جيبها، ثم طورت علاقاتها مع الشيعة في بلدان الخليج العربي، وجعلت من نفسها حامية حمى الشيعة في كل مكان، فالتشيع في إيران ليس مجرد قضية دينية، بل قضية قومية بامتــــياز، ذلك أن إيران بلد متعدد القوميات، ولا تشكل القـــومية الفارسية فيه أكثر من ثلث الإيرانيين، في حين يشكل الشيعة الغالبية الساحقة في قوميات إيران المتعددة، حتى في صفوف عرب «الأحواز» التي تحتلها إيران منذ حوالي قرن كامل، وهكذا بدا «التشيع» حلا قوميا في إيران متعددة القوميات والأعراق، وكان «التشيع» هو الصيغة المثلى لتكريس النزعة الفارسية، والمزج بين ميراث فارس القديمة ونفوذ إيران الحديثة، وقد كانت تلك هي الصيغة المعتمدة إيرانيا منذ عهد اسماعيل الصفوي، ووصلت إلى ذروة تمامها مع حكم آيات الله في طهران، الذين حولوها من صيغة تماسك داخلي، إلى أداة لكسب النفوذ الإقليمي والدولي، فلم يكن لإيران هذا النفوذ الطاغي على الشيعة العرب في أي وقت سابق، وكان الشيعة العرب من أشد أنصار المشروع القومي العربي، وكان غالب أعضاء حزب البعث العراقي ـ مثلا ـ من الشيعة، وكان شيعة العراق يحاربون بحماس «إيران الخمينية» دفاعا عن انتمائهم القومي العربي، وهو ما لم يعد ممكنا تصوره الآن، فقد تحول غالب الشيعة العرب ـ في العراق والخليج ـ إلى «التابعية الإيرانية» عمليا، ووجدوا في طهران ملاذا مفضلا، دفعتهم إليه دفعا تيارات التكفير المتعصب، التي تنسب نفسها لأهل السنة والجماعة، والتي تشكل غالب ملامح وتلاوين ما يسمى التيار الإسلامي، ولعبت أخطر الأدوار في تمزيق لحمة المجتمعات العربية «السنية»، ونشرت تفسيرات متخلفة للإسلام، تعادي القومية العربية وتكفر الشيعة، ومع غياب المشروع القومي العربي، وتداعي فكرة المواطنة القائمة على الأساس القومي لا المذهبي والطائفي، وجد الشيعة العرب ملاذهم في خدمة المشروع القومي الإيراني، الذي يزدهر الآن أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع التطور الإيراني في العلوم وصناعات السلاح والمشاريع النووية والصاروخية، وتحول إيران إلى «الرقم الصعب» في المنطقة، يتغذى نفوذه على موارد التخلف والتكفير، وعلى مليارات البترودولار، التي أنفقت وتنفق على تحطيم الدول وتفكيك النسيـج القـــومي العربي، بغــير فائدة محققــــة إلا لطرفين، هما الاستعمار الأمريكي ـ الإسرائيلي المشجع لسياسة «فرق تسد»، مع النفوذ الإيراني الذي كسب ويكسب أرضا جديدة كل يوم، وعلى حساب «الخلاء الصحـــراوي» والدمار الشامل الذي صنعته تيارات تكفـــير وتفجير، تنسب نفسها زورا لمذاهب السنة، وتحظـــى بمليارات الذين يدعون محاربة إيران «الشيعية»، وهم في الحقيقة يدعمون نفوذها، ويقدمون لها أعظم الخدمات.

وقد لا يصح لأحد أن يتوقع تغييرا جوهريا في الصورة العامة، ما دام البعض لا يزال مصرا على معالجة الخطأ بالخطيئة، وتحويل ردود الفعل الوقتية العابرة إلى سياسة دائمة، فقطع العلاقات مع إيران لن يحل المشكلة، ولن يقلل من التأثير المباشر لإيران على شيعة الخليج، ولن يحد من النفوذ الإيراني عموما في المنطقة، بل ربما يضاعفه ويفاقمه، فقد يتوهم البعض أنهم يحاصرون إيران، بينما الحصار الأمريكي نفسه عجز عن ردع إيران، ولم يزدها إلا قوة في المجالات العلمية والعسكرية بالذات، ولا يكون الدواء أبدا بالتي كانت هي الداء، ولا بإدارة ماكينات حروب السنة ضد الشيعة من جديد، وتأملوا ـ من فضلكم ـ سلوك الدول الاسلامية الكبرى غير العربية، فلم تقطع تركيا وباكستان «السنيتان» علاقاتهما مع إيران تضامنا مع السعودية، رغم أن تركيا وباكستان هما الأقرب سياسيا للسعودية، حسب المعلن، فباكستان هي الدولة التي حظيت بأكبر دعم سعودي على مدار عقود، وتركيا عقدت مؤخرا حلف «تعاون استراتيجي» مع الرياض، لكن حساب المصالح القومية شيء آخر، ولتركيا وباكستان مصالح قوية مع إيران، وليس بوسعهما إعلان عداء متصل لطهران، وهكذا الحال مع دول كبرى أخرى في الشرق الآسيوي الإسلامي، تضاف إليها دول كبرى في العالم العربي نفسه، مستعدة للتضامن مع السعودية، ولكن بدون حرق الجسور تماما مع إيران، والمحصلة ظاهرة، فشؤون الأمم الناضجة لا تدار بافتعال حروب المذاهب، ولا بتأجيج النزعات الطائفية المتخلفة، التي ثبت أنها تفيد إيران في المقام الأول، وهو ما قد يشير ـ بمعنى الهندسة العكسية ـ إلى حلول لتحجيم وردع التغول الإيراني، أولها: وقف حروب السنة والشيعة التي تمزق النسيج العربي بالذات، وثانيها: رد الاعتبار لأولوية المشروع القومي العربي، وتأكيد أولوية معنى الأمة العربية الجامعة على معاني أمم الطوائف والزواريب، وثالثها: المسارعة إلى اتمام مشروع الحلف العسكري العربي والقوة العربية المشتركة، فلن يحك جلدك مثل ظفرك، وتوفير قوة الردع يغني عن خوض الحروب، والاستمرار في طلب حماية الأمريكيين والأجانب لن يوردنا إلا المزيد من التهلكة، ورابعها: إدراك أن إيران ليست إسرائيل، وأن تداعي مظاهر العداء العربي الجامع لإسرائيل، هو الذي يفاقم نفوذ إيران الحريصة على مظهر العداء للصهاينة، وخامسها: ضرورة عودة مصر بالذات إلى موقع قيادة وتوجيه تستحقه، وبدون التضحية بأولوية علاقات القاهرة مع السعودية ودول الخليج، ففي غياب مصر عن دورها، توالت كل المصائب، بما فيها مصيبة توحش النفوذ الإيراني.

٭ كاتب مصري

القدس العربي

 

 

 

 

مشكلة السعودية مع أمريكا ومشكلة إيران (وأمريكا) مع الإرهاب؟/ د. عصام نعمان

ظاهر الحال في الشرق الأوسط غيره في باطنه. ما تقوله وتفعله السعودية مباشرةً غيرُ ما يهمها وتسعى إليه مداورةً. كذلك حال إيران. ما تقوله علناً ليس ما يهمها وتفعله باطناً.

السعودية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، رداً على اقتحام سفارتها في طهران. طلبت من بعض حلفائها العرب والمسلمين أن يحذوا حذوها دبلوماسياً. أوعزت إلى بعضهم الآخر بأن يصعّد ضغطه على حلفاء إيران في سوريا واليمن عسكرياً.

إيران ردّت على قطع العلاقات الدبلوماسية بمنع دخول منتجات السعودية أو المستوردة منها.

مددت إجراء منع مواطنيها من أداء مناســــك العمرة في مكة «حتى إشعار آخر».

اتهمت السعودية بأنها قصفت سفارتها في صنعاء، ولوّحت برفع هذا الانتهاك إلى مجلس الأمن الدولي. الطرفان احتربا في السياسة مباشــــرةً، وفي الميدان مداورةً. كل ذلك لأن الطرفين يصوّبان في الواقع على هدف ثالث أكثر مما يصوّبان على بعضهما بعضاً. أجل، كلاهما يصوّب على الولايات المتحدة، في الوقت الحاضر، ولغاية أو غايات خاصة به.

أمريكا، اذن، هي الهدف. السعودية قلقة ومتخوّفة من تداعيات سياستها سلباً عليها وعلى حلفائها عموماً، ومن مفاعيلها إيجاباً على إيران وحلفائها خصوصاً. وليّ وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان قالها مواربةً في مقابلةٍ دامت خمس ساعات مع مجلة «ذي ايكونومست». قال إن الرياض قلقة مما تراه ميلاً من الولايات المتحدة للعب دور أقل في الشرق الاوسط، موضحاً أن عليها «أن تدرك أنها البلد الرقم واحد في العالم، وعليها أن تتصرف على هذا الأساس».

أين ترى السعودية دوراً لأمريكا اقل مما تعتقد انه يتوجب عليها أن تلعبه؟

الرياض تعتقد ضمناً أن واشنطن تهاونت مع إيران وأهانت حلفاءها بعقدها الاتفاق النووي معها. ذلك من شأنه أن يريحها اقتصادياً برفع العقوبات عنها والإفراج عن أرصدتها المجمدة في الغرب، كما يريحها سياسياً ويعزز طموحاتها القومية، ويعطيها ضوءاً أخضر لمضاعفة دعم حلفائها مالياً وميدانياً، ولاسيما في سوريا واليمن والعراق. القلق المتزايد من سياسة إدارة أوباما في الشرق الأوسط عموماً والتهاون مع إيران خصوصاً كان قد دفع الرياض إلى التقارب مع تركيا التي تشاطرها سياسة معاداة دمشق، ورغبة مشتركة في إزاحة بشار الأسد من سدة الرئاسة، كما دفعها إلى التدخل العسكري في اليمن، بغية استنزاف إيران بما هي، في رأيها، حليفة خصومها الحوثيين ومن يجاريهم من قوى الداخل المعادية للسعودية. عندما بدا للرياض أن رهاناتها في سوريا واليمن لم تؤتِ ثمارها بالسرعة المرتجاة، وسّعت دائرة ضغوطها على نحوٍ بدا كأنها ستصل مع إيران إلى حافة حربٍ تشمل المنطقة برمتها. فعلت ذلك كله من أجل تعطيل تنفيذ الاتفاق النووي أو، في الاقل، لحمل واشنطن، عشيةَ الانتخابات الرئاسية، على التباطؤ في تنفيذه لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية، إفساحاً في المجال أمام الرئيس والإدارة الجديدين لانتهاج سياسة اكثر تشدداً مع طهران في مرحلةٍ لاحقة توخياً لأمرين: الحدّ من طموحات إيران ونفوذها، وتوفير مزيد من الضمانات السياسية والأمنية لحلفاء أمريكا القدامى، وفي مقدمهم السعودية.

غير أن الرياض لاحظت أن ثمة حدوداً لممارسة ضغوطها على أمريكا مداورةً وعلى إيران مباشرةً، فكان أن اكّد لهما وليّ وليّ عهدها، عبر مجلة «ذي إيكونومست « الرصينة، أن الضغوط والتوترات لن تصل إلى حد نشوب حرب»ستكون ايذاناً بكارثة… وان من يدفع في هذا الاتجاه سيكون شخصاً لا يتمتع برجاحة العقل».

في الجانب الآخر من المشهد الإقليمي، نرى إيران تصوّب على السعودية ظاهراً وعلى أمريكا واقعاً. صحيح انها منعت دخول منتوجات السعودية والمستوردة منها إلى أراضيها، غير أن وزير خارجيتها محمد جواد ظريف سارع إلى إبلاغ أمريكا والعالم أن بلاده جادة ومثابرة على تنفيذ الاتفاق النووي، فكان أن ردّ جون كيري بما يفيد إقرار واشنطن بجدية طهران في هذا المجال. فأمريكا وإيران يجمعهما، في الوقت الحاضر، قاسم مشترك بل عدو مستجدّ هو الارهاب،

إذ يتضح أن إدارة أوباما لن تبادر خلال «الوقت الضائع» – أي في الفترة التي تفصلها عن الانتخابات الرئاسية – إلى تجاوز الاتفاق النووي أو الإخلال به لئلا يودي بالتفاهم المستجدّ مع إيران، فإن السعودية لن ترضخ، على ما يبدو، إلى الأمر الواقع، فماذا يمكن أن تفعل؟

من الممكن جداً، في ضوء ما يجري ميدانياً في سوريا واليمن، أن تعمد السعودية، بالتعاون مع تركيا وغيرها من خصوم إيران في المنطقة، إلى مضاعفة الدعم المالي والعسكري للحلفاء السلفيين الناشطين في الساحتين السورية واليمنية، بغية إبقاء ميادين القتال في حالٍ متفجرة ومعقدة، لحين مباشرة الرئيس الامريكي الجديد عمله، الامر الذي يعزز، في ظنهما، مركزهما التفاوضي إقليمياً بصورة عامة وإزاء إيران وحلفائها بصورة خاصة.

في حال اعتماد هذه السياسة، فإن مؤداها المؤكَّد سيكون استمرار الحرب وويلاتها وتداعياتها على سوريا واليمن من جهة، وجعل التنظيمات الإرهابية وحدها الرابحة من تمديد أمد الحرب من جهةٍ اخرى. لكن، ماذا لو تمكّن حلفاء إيران في سوريا واليمن من دحر التنظيمات الإرهابية وحلفائها المحليين؟ هل يبقى لتمديد أمد الحرب وسياسة الضغط على أمريكا من جدوى في تعزيز المركز التفاوضي للسعودية ولخصوم إيران في المنطقة؟ ثم، من سيدفع ثمن الحرب الفاشلة غير الشعوب البائسة؟

أيها القادرون المقتدرون، كباراً وصغاراً، وقفوا الحرب.

٭ كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

 

أزمات السعودية وإيران.. الفشل المأساوي لسياسة «أوباما» الخارجية/ محمد خالد

اعتبر تقرير لموقع «ميدل إيست بريفينج» أن الأزمة التي تتكور بسرعة في الشرق الأوسط في صورة التصعيد بين المملكة العربية السعودية وإيران بعد إعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر»، و46 من آخرين من المرتبطين بتنظيم القاعدة، «تعد تذكيرا آخر بأن الأزمات الإقليمية قد تتحول إلى تهديد رئيسي للأمن العالمي، وشهادة أخرى على مدى فشل السياسة الخارجية للرئيس أوباما».

وقالت المجلة إن استراتيجية الرئيس «أوباما» قامت على أساس إعطاء تنازلات أكثر وأكثر إلى آيات الله في إيران، لضمان تحقيق أهداف أمريكا في المنطقة عبر التعاون مع إيران في ضرب تنظيم «الدولة الإسلامية» وتحسين العلاقات بين إيران والدول العربية، خاصة دول الخليج، والمساهمة في إنهاء الحروب الأهلية في سوريا واليمن والحفاظ على وحدة العراق.

وقالت إن هذا الفشل في تحسين العلاقات الاقليمية بين إيران والعرب «يضر موقف الولايات المتحدة ومصالحها»، كما أنه «يضر المنطقة ويساهم في تأجيج نيران الحروب والمعارك الإقليمية».

وقال مسؤول أمريكي سابق لـ«ميدل إيست بريفينج» أنه «سيكون من غير المنطقي أن نستنتج أن تصرفات الولايات المتحدة وتراخي موقفها، هو الذي ساهم في ما يحدث من احتقان وتوتر في الشرق الأوسط، إذ أن هذه الصراعات والتحديات متجذرة هناك، حيث تواجه المنطقة مشاكل داخلية ودينية وطائفية لا يمكن للولايات المتحدة حسمها بالقوة العسكرية أو الإقناع السياسي».

وقد عقب الموقع علي تصريحه بالقول: «المشكلة هنا ليست فقط أن هذا المسؤول يتحدث عن توتر ليس حكرا على منطقة الشرق الأوسط، ولا قوله أن هذه التوترات كانت دائما موجودة في المنطقة قبل فترة طويلة من تولي الرئيس منصبه، ولكن أن رأيه يكشف النظرة السطحية والتبسيطية للسياسية الخارجية للولايات المتحدة».

ويضيف التقرير بالقول: «وظيفة السياسة الخارجية هي التنقل بين مشاكل العالم، والنظر في تأثيرها الحقيقي، ودراسة القوى المتعددة التي تشكل طبيعة أي أزمة كبيرة ورسم وسيلة للتعامل معها عبر النظر في الحقائق».

الدول الكبرى سبب مشاكل الشرق الأوسط

ويؤكد التقرير أن الدول الكبرى هي المسؤولة عن الفشل والمشاكل التي نراها في المنطقة، حيث تعبث بشكل واضح بالأطراف الإقليمية وتساعد على التصادم بينها، وأن علي زعماء العالم أن يتدخلوا بحكمة لتنفيذ لنزع فتيل قنبلة موقوتة.

ويضيف: «من الواضح الآن أن الإدارة الأمريكية ليست قادرة على إيجاد حلول عاجلة، بل أن إصرار الرئيس أوباما على اختبار بعض آرائه الذاتية والعقائدية في المنطقة بطريقة بدائية، مسؤول جزئيا عن التشنجات التي نراها هناك».

الفشل الأمريكي السابق في مصر

وأشار المقال إلى فشل سابق للسياسية الامريكية الخارجية في مصر، في صورة تعامل الرئيس الأمريكي مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أظهرته رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون وزير الخارجية حينئذ حينما تحدثت عن تفاصيل «سياسة الإدارة بالسماح بتمكين الإخوان المسلمين من خلال الوسائل الديمقراطية»، ثم مساعدتها فيما بعد في إسقاط «مرسي».

وقال أن سياسة «أوباما» في هذا الصدد قد أضرت بمصر، والآفاق المستقبلية للديمقراطية في الشرق الأوسط وأضرت جماعة الإخوان المسلمين نفسها، ولكن لا يوجد شخص في الإدارة الأمريكية الآن يعترف بهذا الفشل المأساوي.

الفشل في العراق

وأشار المقال أيضا إلى فشل سياسات الرئيس «أوباما» في العراق، حيث دعم سياسات «المالكي» الطائفية في نفس الوقت الذي قام فيه بسحب قواته. وقال إن سياسات الولايات المتحدة في العراق هي التي أنتجت «الدولة الإسلامية»، وساعدت علي توسيع أنشطتها وأراضيها إلي سوريا وقتل مئات الآلاف من السوريين. والآن، فإننا نرى حربا تقليدية تتفجر بين العرب السنة وإيران، نتيجة لهذه السياسات.

ويرجع المقال ما وصفها بأنها «العيوب المفاهيمية» الكبرى للرئيس أوباما إلى تعلقه بالمعتقدات الأيديولوجية، وعدم فهم أن الاندفاع لتنفيذ هذه المثل الذاتية في الواقع يمكم أن يتسبب في فوضى لا يمكن السيطرة عليها.

كيف يمكننا الخروج من النفق؟

ويشير المقال إلى أنه بسبب هذا التخبط في السياسة الأمريكية، فإننا نري الأزمة في الشرق الأوسط تدخل مرحلة جديدة، مؤكدا أنه «لا يوجد مكان هنا لهراء إعادة التاريخ لنفسه، لأن ما يحدث هو تطور الأزمات دوما إلى درجة أعلى من التعقيد»، في إشارة لصراعات المنطقة وآخرها الاشتباك بين إيران والسعودية.

ويضيف: «يمكننا انتقاد المملكة العربية السعودية وإيران بقدر ما نريد، ولكن كيف نخرج من هذه الحفرة أو الأزمة؟».

فإدارة «أوباما» مدت حبال المودة لإيران لفترات طويلة في الآونة الأخيرة، وابتلعت الإدارة الامريكية التجارب الصاروخية الايرانية التي مثلت خرقا واضحا للاتفاق النووي في اليوم الأخير من عام 2015.

وأشارت «ميدل ايست بريفينج» إلي الصواريخ الذي زعم متحدث باسم الجيش الأمريكي يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي إن الحرس الثوري الإيراني قد أطلقها بالقرب من حاملة الطائرات الأمريكية «هاري ترومان» وسفينتين حربيتين كانت في طريقها لدخول الخليج، مؤكدة أن هذا العمل “الاستفزازي” تم خلال نفس اللحظة التي كان الرئيس «أوباما» يضغط فيها على الكونغرس لتجميد أي رد علي مقترحة للتعامل مع اختبارات إيران لجيل جديد من الصواريخ.

على مذبح آيات الله

وأشار الموقع الأمريكي إلي أن «كل ما يهم الرئيس هو أن يفتح طريقا جديدا للعلاقات مع إيران، متسائلا، لماذا يجب أن يحدث هذا على حساب العرب في العراق وسوريا واليمن ولبنان؟ لماذا يجب أن يحدث على حساب موقف الولايات المتحدة في المنطقة، والعلاقات مع حلفاء أميركا التقليديين والاستقرار في المنطقة؟».

وشدد المقال علي أن الرئيس «أوباما» يبدو مصمما على كسر «هيكل التحالف التقليدي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط»، أي مع العرب، في سبيل أن يفتح صفحة جديدة مع إيران، وتعقب: «إما أن الرئيس لا يعرف ما يجب القيام به، أو أنه قد اتخذ قراره وقرر بالفعل تقديم حلفائه التقليديين كقربان لإيران على مذبح آيات الله».

وفي ختام المقال، تسرد المجلة ما تقول أنه إشارات ووسائل إدارة «أوباما» التي عرضت المصالح الاستراتيجية العربية للخطر على مذبح آيات الله علي النحو التالي:

أولا: كان هناك، ولا يزال، محادثات سرية بين واشنطن وطهران متعلقة بالسياسات الإقليمية الإيرانية، تم إخفاؤها عن حلفاء واشنطن التقليديين (العرب) ولا أحد يعرف بالضبط ما يحدث في هذه المحادثات.

ثانيا: في أعقاب هذه المحادثات السرية (في عمان وبعض المراكز الدبلوماسية الأوروبية)، التي جرت بدعوى «ضبط الطموحات الإيرانية في العراق»، في معركة الرمادي ظهرت أجندة طائفية عبر الشعارات المطروحة خلال تحرير المدينة. وقد وصفت صحيفة «وول ستريت جورنال» ذلك بالقول إن «أقنعة الحملة العسكرية كانت مجموعة متنوعة من الأجندات المحلية ووعود وهمية بتوحيد العراق، ولكن الميليشيات الشيعية الموالية لإيران الاكثر نفوذا في العراق محت مناطق كاملة للسنة وضمتها إليها».

ثالثا: فإن هذا الصمت من الإدارة الأمريكية علي تمكين الميليشيات الموالية لإيران من السيطرة على مناطق بأكملها كانت تعتبر تقليديا أراضي سنية، قد عقد وأفشل استراتيجية مكافحة «الدولة الإسلامية»، وصعد من الغضب ووفر مجالا خصبا للتنظيم التطرف.

رابعا: تراجعت الإدارة الأميركية عن مطالبتها برحيل «الأسد» في أكثر من مناسبة، وقد جري إسقاط هذا الطلب لإرضاء الإيرانيين، ما جعل مستقبل المحادثات الانتقالية في سوريا أمرا مشكوكا فيه.

خامسا: مارست الإدارة الأمريكية ضغوطا شديدة لكبح جماح أي رد فعل على التجارب الصاروخية الإيرانية الهجومية وسعت لإقناع الكونغرس بعدم الرد بدعوي أن «المحادثات السرية مع الإيرانيين تمر بمرحلة حساسة»، وهو ما دفع النائب الديمقراطي «ستيني هوير» للقول: «أشعر بخيبة أمل لتأخر الإدارة الأمريكية في توقيع إجراءات عقابية ردا على تجارب الصواريخ البالستية الإيرانية الأخيرة».

وأخيرا: فقد مارست الإدارة الأمريكية ضغوطا على الدول العربية لقبول حل وسط في اليمن برغم أن الحوثيين الموالين لإيران لا يحترمون الحكومة الشرعية، ما دفع التحالف العربي لإنهاء وقف إطلاق النار ردا على ذلك. وقد سحبت إدارة «أوباما» الالتزامات التي قدمتها لدول مجلس التعاون الخليجي خلال القمة الأمريكية الخليجية في كامب ديفيد في مايو/أيار الماضي.

المصدر | الخليج الجديد

 

 

 

إيران والسعودية.. والشيعة والشيوعية/ خيرالله خيرالله

على هامش الهجمة الإيرانية على المملكة العربية السعودية، وهي هجمة تجدّدت، وتصاعدت مع تنفيذ حكم الإعدام برجل الدين السعودي نمر باقر النمر، ثمّة نقاط عدّة تستأهل التوقّف عندها، خصوصا بعدما اعتبرت ايران نفسها مسؤولة عن كلّ شيعي موجود على الكرة الأرضية ومرجعية لهذا الشيعي.

ربّما كانت النقطة الأولى التي يفترض التوقّف عندها، ان ايران نصّبت نفسها مسؤولة عن الشيعة العرب. الإنتماء الى ايران صار فوق الرابط القومي الذي يجمع بين العرب، وهذا ليس صحيحا بأي شكل. ليس صحيحا ان شيعة العراق من مسؤولية ايران وتحت وصايتها، كذلك شيعة البحرين. ايران تعتبر نفسها ايضا وصية على الحوثيين في اليمن الذين تحوّلوا من زيود الى شيعة اثني عشريين وعلى شيعة لبنان، الذين صاروا في معظمهم رهينة لديها، وعلى شيعة السعودية وشيعة كلّ بلد خليجي… وصولا الى المجموعة الشيعية الجديدة في نيجيريا.

تحدّث الأمين العام لـ»حزب الله» اللبناني السيد حسن نصرالله طويلا في خطاب حديث له عما يتعرّض له الشيعة في نيجيريا، وذلك بصفة كونه على رأس حزب مذهبي لبناني لا يرى عيبا في ان تكون مرجعيته في ايران ولا في المشاركة في الحرب وحملات التجويع التي يتعرّض الشعب السوري، وذلك من منطلق طائفي بحت.

تتصرّف ايران من هذا المنطلق مستعينة قبل ايّ شيء آخر بغياب من يردعها ويقول لها ان كفى تعني كفى وان الشيعة عموما والشيعة العرب خصوصا ليسوا تابعين لها وان تراءى لها ذلك بين حين وآخر لأسباب مرتبطة بظروف معيّنة.

في نهاية المطاف هل يمكن لإيران ان تعود دولة طبيعية ام لا؟ هل علّة وجود النظام الإيراني قدرته على الإستثمار في الغرائز المذهبية من جهة ورفضه التعلّم من تجارب الماضي القريب من جهة أخرى؟

مؤسف ان ايران ترفض الإعتراف بأنّ للتاريخ منطقا لا يمكن تجاوزه، مهما طال الزمن. في مرحلة معيّنة، حاول الإتحاد السوفياتي اقامة منظومة دولية خاصة به تضمّ الأحزاب الشيوعية في العالم. فشل في ذلك الى حدّ كبير. لماذا تنجح ايران حيث فشل الإتحاد السوفياتي الذي كان وصيّا في مرحلة معيّنة على دول عدة، بما في ذلك اليمن الجنوبي واثيوبيا وكوبا، فضلا عن دول اوروبا الشرقية التي كان يجمع بينها حلف عسكري اسمه حلف وارسو؟

لن ينجح الرابط الشيعي حيث فشل الرابط الشيوعي. منطق التاريخ يقول عكس ذلك، خصوصا ان الشيعة العرب يبقون عربا. مثلما انهار الإتحاد السوفياتي، ستنهار ايران. سينهار على الأصح هذا النظام الإيراني المرفوض اوّلا من الإيرانيين انفسهم، مثلما كان الإتحاد السوفياتي مرفوضا من معظم الروس اوّلا ومن الشعوب التي كان يتألف منها البلد الذي شكّل طويلا القوة العظمى الثانية في العالم.

من اهمّ النقاط التي يفترض يايران ووكلائها التوقف عندها طبيعة المملكة العربية السعودية. لعلّ نقطة الضعف الأساسية في السياسة الإيرانية الجهل بالمملكة العربية السعودية. هناك جهل بكلّ شيء على علاقة بالمملكة من قريب او بعيد، بما في ذلك العلاقة بين المواطن وآل سعود وبطبيعة العلاقة القائمة بين الأسرة الحاكمة ومختلف المناطق التي تتألّف منها المملكة.

الأهمّ من ذلك كلّه، هناك الجهل الإيراني بتاريخ المملكة العربية السعودية وكيفية صمودها في وجه كلّ العواصف، بل اعتى العواصف، التي ضربت الشرق الأوسط ومنطقة الخليج منذ الحرب العالمية الثانية. كان ذلك منذ ما قبل اللقاء المشهور في البحيرات المرّة الذي جمع على المدمّرة «كوينسي» في شباط ـ فبراير 1945 بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود.

كان اللقاء اعترافا بالدور السعودي في المنطقة في وقت ثبّت عبد العزيز حكمه ورسم بشكل شبه نهائي حدود المملكة. هذا الدور السعودي ليس ابن البارحة وليس مبنيا على الثروة النفطية للمملكة فقط. هناك سياسة سعودية تقليدية وضع اسسها عبد العزيز معتمدا وسائل مختلفة بما في ذلك اقامة علاقات قربى ومصاهرة مع ممثلي قبائل وعشائر مهمّة في مناطق مختلفة.

اثبتت التجارب التاريخية ان ليس في الإمكان الإستخفاف بالسعودية بأي شكل. كان هناك دائما قرار سعودي مستقلّ. ظهر ذلك ابان مرحلة حلف بغداد منتصف الخمسينات من القرن الماضي. لم تمش المملكة في هذا الحلف، على الرغم من انّ الغرب كان معه. في وقت لاحق ظهرت الإستقلالية في المواجهة مع جمال عبد الناصر الذي كان في مرحلة معيّنة يصنع ثورات ويزيل انظمة. اقام الوحدة مع سوريا وازال النظام الملكي في العراق في 1958 وازال الإمامة في اليمن عام 1962.

لم يكن النظام الناصري مجرّد سلطة حكمت مصر. كان اكثر من ذلك بكثير على الصعيد الأقليمي. شملت سطوته لبنان الذي عاش ثورته الأولى في العام 1958 عندما اراد ناصر فرض وصايته على البلد وصولا الى مرحلة استطاع فيها ان يذهب الى تسوية ذهبت بكميل شمعون وجاءت بفؤاد شهاب رئيسا للجمهورية.

واجهت السعودية جمال عبد الناصر في اليمن. وواجهت شاه ايران ثم تصالحت معه. وفي العام 1973، فرض الملك فيصل حظر النفط الذي كان تحديا مباشرا للولايات المتحدة والغرب اثناء الحرب التي خاضها العرب مع اسرائيل.

هذا غيض من فيض الأدوار التي لعبتها السعودية التي عرفت كيف تتخذ موقفا متوازنا الى حد كبير، ولكن بما يخدم المصلحة العربية، في اثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية بين 1980 و 1988 من دون ان تنسى لحظة اهمية المحافظة على امنها وامن الدول القريبة منها التي هي الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي قام في العام 1981 بمبادرة من الشيخ زايد بن سلطان وامير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد، رحمهما الله.

في كلّ وقت من الأوقات، لم تكن السعودية لاعبا هامشيا على الصعيد الإقليمي، خصوصا عندما ارتكب صدّام حسين مغامرته المجنونة واقدم على احتلال الكويت صيف العام 1990.

لا يشكّ اثنان في ان ايران دولة كبيرة. ليس هناك بين العرب من يرفض الإقرار بذلك. ولكن يبقى ذلك شيء والإستسلام لإيران شيء آخر. يمكن مناقشة كلّ ما له علاقة بعقوبة الإعدام الى ما لا نهاية. ما لا يمكن مناقشته هل الدولة السعودية حرّة في تنفيذ القوانين التي تراها مناسبة لها ولمواطنيها على ارضها.

تخطئ ايران حين تعتقد ان في الإمكان الإستخفاف بالمملكة العربية السعودية التي واجهت كلّ ما واجهته منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك المحاولات السوفياتية لتطويقها والتحرّش بها من جهات عدّة بسبب خوضها الحرب الباردة الى جانب الولايات المتحدة.

كثيرون جرّبوا حظّهم مع السعودية، التي لديها من دون شكّ مشاكل على الصعيد الداخلي بعضها عائد الى التراخي مع الجماعات المتشددة والسماح لها بفرض برامج تربوية انشأت اجيالا من اشباه الأمّيين الذين بقي يرمز اليهم، في مرحلة معيّنة، جهيمان العتيبي الذي حاول احتلال الحرم المكي في خريف العام 1979 في موازاة تمرّد في المنطقة الشرقية رعته ايران الخميني. كان الخميني وقتذاك في مرحلة اقامة نظامه في ايران وتثبيته.

هذا لا يعني ان القيادة السعودية، على رأسها سلمان بن عبد العزيز، لا تعي هذا الواقع ولا تعي ضرورة الذهاب الى النهاية في الحرب على التطرّف والإرهاب بكل اشكالهما الشيعية والسنّية والقيام بالإصلاحات المطلوبة من دون التغاضي عن التحديات الخارجية في مقدّمها التحدي الإيراني الذي يرتدي لبوسا مختلفة وينطلق من اماكن مختلفة بينها البحرين واليمن والعراق وسوريا… ولبنان. لعلّ افضل ما يعبّر عن النيّة في الإصلاح الحديث الذي ادلى به الى «ايكونومست» وليّ وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان الذي كشف بما لا يدع مجالا للشك ان هذا الخط الاصلاحي لا عودة عنه في ايّ مجال من المجالات.

نعم، كثيرون جرّبوا حظّهم مع السعودية. فشلوا في هزّ المملكة. الأكيد ان ايران الملالي لا ترغب في التعلّم من تجارب الآخرين. انّها تدخل لعبة خاسرة سلفا، نظرا الى انّها تجرّب حظّها في مكان لا مجال فيه للعبة الحظ ولأي رهانات من هذا القبيل، بما في ذلك الرهان على ان معظم الشيعة العرب غيّروا جلدهم وصارو ايرانيي الهوية، على غرار ما حصل مع «حزب الله» في لبنان…

المستقبل

 

 

 

 

 

هل يخفّف رفع الحصار من عبث طهران في الإقليم؟/ مصطفى كركوتي

عبث إيران يعطّل كل شيء تقريباً في المنطقة، ويعرقل عجلة التقدّم فيها. هناك تغيّر جذري وعميق تشهده بنية المنطقة في شتى المجالات منذ انتحار بائع الخضار التونسي الشاب الراحل محمد بوعزيزي، أواخر 2010، وكان يمكنه أن يؤدي إلى نتائج إيجابية ملموسة لولا هذا العبث المستمر فيها على مدى سنوات خمسٍ مضت. عبث طهران السياسي والمجتمعي الفظ في خمس دول في المنطقة على الأقل لا يهدّد استقرارها فحسب، بل يخرِّب نسيجها المجتمعي الهش للمرة الأولى منذ سايكس – بيكو. وهذا واقعٌ يتناقض تماماً مع الآمال الواعدة التي أطلقتها الثورة الإيرانية في 1979 ضد حكم سلالة الشاهنشاه في سنواتها الأولى، وقبل استئثار المرشد الأعلى الراحل الخميني بها.

فقد حملت تلك الثورة إمكانات كبرى للتغيير سرعان ما دُفِنَتْ جميعها في غياهب حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق (1980 – 1988).

فمصرع الشاب بوعزيزي الدرامي، وإن عرّى حالة واسعة وغير مسبوقة من القمع والظلم في المنطقة، فهو أدى إلى تفجّر واقع من اليأس الكامن كان يتراكم يوماً تلو الآخر ضد الحرمان وانعدام العدالة والفقر المدقع، كما عبّر عن نفسه بأشكال مختلفة من الاحتجاج والعنف انتشرت في معظم أركان المنطقة بسرعة فاقت جميع التوقعات. مع انتحار بوعزيزي، وُلِدَ «الربيع العربي» وانتشرت خلال أشهر قليلة موجات هوجاء غاضبة، وقامت ثورات حقيقية أدت في النهاية إلى زوالٍ مباشر لأربع ديكتاتوريات في تونس ومصر وليبيا واليمن، وترنّحت خامسة تلك الديكتاتوريات في سورية.

هنا تحديداً، وفي دمشق، بانت أيادي طهران جليّةً كرافعة وحامية لنظام كاد يلتحق بالأنظمة الأخرى لولا حقنه بالدعم والاستخدام السريع لميليشيات «حزب الله» اللبنانية، في مواقع مختلفة حول دمشق وعلى طول الحدود المشتركة مع لبنان لحمايته. وجاء بعد ذلك بطبيعة الحال، التدخل العسكري الأقوى لروسيا الاتحادية لترسيخ إدارة حكومة الرئيس بشار الأسد فوق رقعة تقل عن ربع أراضي سورية.

إيران تتحرك في منطقة لا حدود لديناميتها التي تقع خارج كل المقاييس، ما يرجح عند لحظة ما أن ينعكس دورها المخرب فيها، وبالاً عليها. إذ إن موت رجل واحد في تونس، كان حتى قبل يوم سبق يعيش على هامش الحياة، بدا في مثابة شرارة أطلقت حركة التغيير وحفرت في وجدان الملايين في المنطقة وما وراءها أن للاستبداد نهاية. ولأنه يصعب عادة التنبؤ بما يحمله التاريخ في وقت مبكر، فقد كشف ذلك الموت وما تلاه من تطورات كبرى في تونس وغيرها من الدول العربية في الأسابيع والأشهر اللاحقة، ما فاق الخيال عن وجود ديناميكية فائقة الحجم والنوعية لم تكن تدركها شعوب المنطقة.

وبرهنت هذه الدينامية عن أجلى حالاتها في تونس، إذ بعد شهر واحد تقريباً من الاحتجاجات المستمرة، فرَّ الديكتاتور الأول بعد جلوسه 24 عاماً على رأس السلطة من البلاد، مصطحباً زوجته ليلى طرابلسي التي قيل إنها حملت معها أكثر من نصف احتياطي المصرف المركزي من الذهب. ويؤكد ما حصل في تونس، أنه يمكن صنع التاريخ بفعل رجل واحد أطلق ما بات يُعرف بـ «ثورة الياسمين». وبعد أسابيع، جاء دور الديكتاتور الثاني الذي تمثّل بطرد الرئيس السابق حسني مبارك من منصبه في 11 شباط (فبراير) 2011، بعد مرور نحو ثلاثة عقود على وجوده فوق مقعد الحكم. وفي الخامس عشر من الشهر ذاته، انطلقت الاحتجاجات في ليبيا إثر اعتقال أعضاء مجموعة المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان، ممن عاملهم العقيد معمر القذافي بعنف غير مسبوق. لكن بعد ثلاثة أيام فقط، توضّحت هشاشة نظامه عندما استولت تنظيمات المعارضة المختلفة على بنغازي، ثاني المدن الليبية، مدونةً بداية النهاية لحقبة حاكم دامت أكثر من أربعة عقود، وانتهت في 20 تشرين الأول (أكتوبر) بمقتله في بلدة سرت، مسقط رأسه.

مع امتداد الحراك المجتمعي الاحتجاجي إلى سورية في آذار (مارس) 2011، الذي تصادف مع انتقال السلطة في العراق إلى أصدقاء طهران إثر استكمال الانسحاب الأميركي منه، والمتزامن مع المفاوضات الماراثونية حول ملف إيران النووي، رمت أجهزة طهران الأمنية بثقلها في البلدين. واستلم «الحرس الثوري» الإيراني إدارة شؤون الملف العراقي، موسّعاً الشرخ الطائفي في عهد سنوات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي كان يعتبر طهران مرجعيّته الأولى.

وفي هذه الأثناء، خاض نظام الأسد معركة بقاء مع معارضة عفوية دشّنها بالرد العنيف على متظاهرين مدنيين من شباب بلدة درعا في جنوب البلاد، قاموا بحركة احتجاج مطلبية سلمية. وكانت تلك الحركة بداية انتفاضة شعبية عفوية في معظم أرجاء البلاد ضد حكم سلالة الأسد الذي دام أربعة عقود ونيّف. وبلغ عدد الضحايا خلال الأشهر الستة الأولى من الانتفاضة، نحو 3000 ضحية قتلوا على أيدي الأجهزة الأمنية، قبل أن تتحول الأزمة في أواخر 2011 إلى حرب مفتوحة بين النظام وشعبه، فضلاً عن حروب الآخرين، وفي مقدمهم طهران، فكلفت سورية حتى الآن نحو 280 ألف ضحية وأحد عشر مليوناً من النازحين واللاجئين.

عبث طهران بالإقليم لا يرحم ولا يمكن التنبؤ بأخطاره، وما يهمها هو أن تحافظ على ما أسمته «سورية المفيدة» ضمن عناصر نشاطها الإقليمي العابر للمنطقة من شمالها حتى باب المندب. إيران لا تزال دولة غنية بمواردها المتعددة على رغم الحصار الاقتصادي، لكن لا يعرف بدقة حجم إنفاقها على نشاطها الإقليمي المباشر. إلا أن «معهد واشنطن» الأميركي يعتقد أنها تمول نحو 140 ألف مقاتل في سورية والعراق فقط، بكلفة نحو 280 مليون دولار شهرياً أو حوالى 3،5 بليون سنوياً. ويقدر إنفاق طهران على عملياتها في البلدين بنحو عشرة بلايين دولار في العام الواحد. إيران تنتظر رفع الحصار عنها بعد الاتفاق النووي في أي لحظة، للالتفات نحو معالجة همومها الداخلية الكثيرة (تضخم وبطالة وجيل أكثر من نصفه تحت سن العشرين). لكن، هل يخفف رفع الحصار، أم يزيد، من عبثها الإقليمي؟

الحياة

 

 

 

 

إيران «الدولة» للغرب وإيران «الثورة» للعرب/ الياس حرفوش

لا تبالغ إيران عندما تحتفل برفع العقوبات التي كانت مفروضة عليها بسبب ملفها النووي. إنها خطوة سوف تحرر الاقتصاد الإيراني وتفتح أسواقه أمام المنتجات الغربية، ما سوف ينعكس بشكل طبيعي انخفاضاً في الأسعار وتنوعاً في البضائع. كما أن هذه الخطوة سوف تضخ في الخزينة الإيرانية 30 بليون دولار بصورة فورية، من أصل مئة بليون دولار من أموال إيران المجمدة، بالإضافة إلى 500 ألف برميل من النفط سيتاح لإيران أن تضيفها يومياً إلى صادراتها الحالية، كخطوة أولى على طريق إعادة إنتاجها إلى ما كان عليه قبل العقوبات.

ليس صعباً أمام مردود فاتورة غنية كهذه، أن نفهم أسباب التسامح الذي لقيه الرئيس روحاني ووزير خارجيته الظريف من قبل المرشد علي خامنئي وجماعة «الحرس الثوري»، والذي أتاح لفريق روحاني «الإصلاحي» إتمام عملية التفاوض مع الغرب وتلبية الشروط والقيود التي تم فرضها على البرنامج النووي، في مقابل المكاسب الاقتصادية التي تحققت لطهران.

في الصراع القائم في إيران بين سلوك «الدولة» القائم على ضرورة احترام أصول العلاقات بين الدول، ونهج «الثورة» القائم على الفوضى والاستقواء والتدخل في شؤون الآخرين، وصلت إيران إلى قناعة بأن مصلحتها تقتضي التعامل مع الغرب بمنطق «الدولة»، في الوقت الذي يغض هذا الغرب، وخصوصاً إدارة أوباما، الطرف عنها، بينما يستمر سلوكها في المنطقة هو سلوك «الثورة» الجاهزة للتصدير إلى الدول المجاورة، كما كان عليه الحال منذ عام 1979.

تصرفت إيران مع الغرب منذ وصول روحاني إلى الحكم عام 2013 تصرف «الدولة». تخاطب الغرب بلغة مصالحه. لهجة العداء تراجعت، ولم يعد هناك مكان لتهمة «الشيطان الأكبر» التي كانت صفة لازمة للولايات المتحدة، إلا بقدر ما يحتاج الاستهلاك المحلي إلى هذا الخطاب. ولم يكن القبض على البحارة الأميركيين في الأسبوع الماضي فوق إحدى الجزر الإيرانية في الخليج، وطريقة الإفراج عنهم إلا دليلاً على المناخ الجديد في علاقات البلدين. في هذا كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري صادقاً عندما قال إنه لو حصل حادث كهذا قبل ثلاث أو أربع سنوات، لكانت النتيجة مختلفة تماماً.

لكن، ما الذي تغير خلال هذه السنوات؟

أهم ما تغير أن إيران لم تعد تجرؤ على ارتكاب الاستفزازات التي كانت تقوم بها في السابق حيال الولايات المتحدة والغرب عموماً. اقتنعت طهران بأن مواجهة كهذه ستكون بالغة الكلفة عليها، وقد تنتهي إلى تدمير النظام بكامله فوق أصحابه الملالي. هذه القناعة هي التي ساهمت في إسكات الفريق الذي كان رافضاً للتفاوض مع الغرب، بعد أن اتخذ خامنئي قراره بأن يشكل مظلة للفريق المفاوض، متجاوزاً «الخطوط الحمر» السابقة، التي كان قد وضعها هو شخصياً، ومنها تحريم التفاوض مع «الشيطان الأكبر» أو عقد اتفاقات معه.

وأهم ما تغير أيضاً، بل ما لم يتغير، هو أن إيران لا تزال كما كانت في علاقاتها مع جيرانها العرب، ففي الوقت الذي تسعى إلى تحسين صورتها في الغرب، تزداد عزلة في محيطها. سفاراتها في عواصم المنطقة تُغلق، ومستوى تمثيلها ينخفض، والاتهامات بتدخلها في شؤون جيرانها تتزايد. وكل ذلك تحت نظر الغرب، وأحياناً كثيرة في حمايته. ولم يكن من قبيل الصدف أن يدشن قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري عهد الانفتاح الجديد على الغرب بإعلانه الأخير أن إيران تدرب 200 ألف مقاتل في خمس دول تحيط بها، هي سورية والعراق واليمن وباكستان وأفغانستان! ولسبب ما، نسي الجنرال جعفري «حزب الله» في لبنان، ربما لأنه يعتبر أن عناصر هذا الحزب اكتمل تدريبهم وما عادوا بحاجة إلى رعاية «الحرس الثوري»!

فوائد إيران «الدولة» من الاتفاق مع الغرب، والتي تقدر ببلايين الدولارات، سوف تنتهي بتمويل إيران «الثورة» لعملياتها واعتداءاتها وتدخلها في شؤون المنطقة العربية.

هل هذا ما قصده الوزير الظريف عندما قال أمس إن رفع العقوبات عن إيران هو «نهار جيد» للعالم؟!

الحياة

 

 

 

هل هذا نزاع سعودي إيراني؟!/ خالد الدخيل

يتردد كثيراً في الإعلام العربي أخيراً، حديث عن خطورة المذهبية والاصطفاف المذهبي، وضرورة الابتعاد عن مثل هذا المنزلق وعدم التورط فيه. من حيث المبدأ هذا حديث عقلاني مستنير ينحاز، أو يجب أن ينحاز إلى فكرة الدولة الوطنية الجامعة، التي لا تفرق بين مواطنيها على أساس من دين أو مذهب أو أصل قومي. مثل هذا الحديث، وبهذا المعنى يجب وجوباً أن يكون نبراساً للجميع: دولاً، ومجتمعات، وأحزاباً، ونخباً. لكن في واقع الأمر، ومن حيث إنه حديث عن حال معينة، هي التدخلات الإيرانية المدمرة في العراق وسورية ولبنان واليمن، هو من نوع الهمهمة المبهمة، لا يبين في شكل مباشر من هو الطائفي في هذه المواجهة. ولكي يستقيم هذا الحديث مع معناه الأصلي المستنير، ويمهد الطريق للهدف الذي يتجه إليه، يجب على أصحابه الإجابة عن أسئلة محددة تفرضها الحال المعينة التي يتوجه إليها من دون أن يسميها صراحة ومباشرة: من هي الدولة التي تجعل من المذهبية عنصراً أساسياً في تحديد هويتها الدينية والسياسية، بنصوص دستورية ملزمة؟ ومن هي الدولة في هذه الحال المعينة التي تجعل الميليشيا المذهبية آلية رئيسة لدورها في المنطقة، وتمنح الغطاء السياسي لميليشيات مذهبية تتولى هي إنشاءها، أو تشجع على إنشائها، وفي كلا الحالين توفر لها التمويل والتسليح والتدريب في بلدان عربية من دون غيرها؟!

الحقيقة التي لا يرقى إليها الشك أن إيران هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تحدد هويتها السياسية على أساس مذهبي في شكل واضح ومباشر، ومن دون مواربة، بنصوص دستورية، وبخاصة المادة 12 من دستورها. بل إن المادة 71 تحرّم على مجلس الشورى (بمثابة البرلمان) تمرير أي قانون يتعارض مع مبادئ المذهب الرسمي للدولة، وليس مع الدستور، على رغم أن هذا «الدستور» مذهبي في معظم مواده. في المقابل، وعلى العكس من إيران، نجد أن كل الدول العربية من دون استثناء لا تتطرق في دساتيرها عند تحديد هوية الدولة إلى هذه المسألة المذهبية لا من قريب ولا من بعيد. تكتفي هذه الدول عند تعريف نفسها بالإشارة إما إلى «أن دينها الإسلام»، وإما «أنها دولة عربية إسلامية»، وأن الشريعة (من دون تحديد مذهب معين) إما مصدر من مصادر التشريع فيها، وإما مصدر للتشريع، وإما أنها تحكم وفقاً للشريعة، كما في السعودية مثلاً، في نظامها الأساسي للحكم الذي هو بمثابة دستور للدولة.

قد يقال إن أمر تحديد هوية الدولة شأن داخلي للدولة، يعبر عن إرادتها بوصفها دولة ذات سيادة. وبالتالي لا يحق لأحد أن يفرض على إيران أو غيرها كيف ينبغي لها أن تحدد هويتها، حتى وإن اختارت المذهبية بمثابة محدد من محددات هذه الهوية. وهذا صحيح، لكن إيران تجعل من هويتها المذهبية هذه أساساً لدورها ولتحالفاتها الإقليمية. تختار حلفاءها على أساس مذهبي، وتجعل من الميليشيا المذهبية أداة رسمية لهذا الدور، وقاسماً مشتركاً يجمعها مع هؤلاء الحلفاء. بالتالي فإن تحديد إيران هويتها المذهبية بنصوص دستورية لم تعد تقتصر آثاره وتبعاته داخل حدودها، حتى يقال إنه خيار لها نابع من سيادتها، وإنما تجاوز ذلك، وأصبح منطلقاً لسياستها الخارجية، وأساساً تبرر به تدخلاتها في دول الجوار، ونشر آثار هذه الهوية وتبعاتها المدمرة خارج حدودها. هذا واضح في حالة العراق الآن، الذي يعاني من حروب أهلية وتطهير مذهبي منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة بسبب الاحتلال الأميركي الذي دمر الدولة هناك، والنفوذ الإيراني الذي جاء معه بآلية الميليشيا بمثابة قوة موازية ومنافسة للدولة التي أعيد بناؤها على أساس مذهبي. وقبل ذلك هناك «حزب الله» في لبنان، الذي يكاد أن يلتهم الدولة بتشجيع وتسليح إيراني معلن، وتتفاخر به قيادات هذا الحزب. ومن المنطلق ذاته كان ولا يزال التدخل الإيراني في سورية من خلال ميليشيات شيعية تأتي بها إيران من لبنان والعراق وأفغانستان دعماً للإبقاء على بشار الأسد رئيساً للدولة، لا لشيء إلا لأنه علوي، خوفاً من استيلاء الغالبية السنية على الحكم هناك، وكسر الطوق المذهبي الذي تحاول ترسيخه من بغداد إلى بيروت مروراً بدمشق.

الآثار المدمرة لهوية إيران المذهبية في هذه الحال هي ما يهدد وطنية الدول العربية وسيادتها، وليس العكس. وذلك لأن إيران تنطلق من هذه المذهبية لتجعل من نفسها دولة ليس فقط للشيعة الفرس، بل وللشيعة العرب في المنطقة، بما يسمح لها – كما ترى – بالتدخل سياسياً وعسكرياً في دول عربية (العراق وسورية مثالاً) متجاوزة بذلك حدود الدول وسيادتها. والأخطر أنها لا تعمل على تحقيق ذلك من خلال السياسة والنشاطات الدينية والثقافية فحسب، بل تعمل إلى جانب ذلك على نشر ثقافة الميليشيا في دول الجوار، في الوقت الذي تحرم هي فكرة الميليشيا على أراضيها. وإذا كانت الميليشيا المذهبية المسلحة هي نقيض للدولة ومصدر تهديد لوحدتها وسيادتها، فإنه يصبح من الواضح أن استثمار إيران للكثير من مواردها لنشر هذه التنظيمات وتمويلها في الدول العربية إنما هو بهدف إضعاف هذه الدول، بما يمكنها من استخدام هذه التنظيمات قناة للتدخل فيها، والتأثير في سياساتها وخياراتها المحلية والخارجية. آخر تجليات هذا التأثير هو امتناع لبنان قبل أيام عن التوقيع على قرار الجامعة العربية برفض التدخلات الإيرانية، بذريعة أن القرار جاء على ذكر «حزب الله»! وهكذا فإن حزباً أنشأته وتموّله إيران في لبنان يضع قيداً على سيادة دولة عربية في اتخاذ موقف يحظى بإجماع عربي!

لماذا استعادة كل ذلك وهو معروف للجميع؟ قد يبدو السؤال مشروعاً، لكن حقيقة أن «كل ذلك» معروف للجميع، هو ما يبعث على الحيرة أمام محاولات عربية لوصف ما يحصل في المنطقة بأنه صراع سعودي إيراني حصراً، وليس صراعاً عربياً إيرانياً. وفضلاً عن أن هذا وصف يجافي تماماً حقيقة ما يحصل، فإنه يخدم – من دون قصد لدى البعض – الخطاب الإيراني الذي يحاول الإيحاء بأن السعودية هي وحدها من يعترض على دور إيران وتدخلاتها العبثية في الدول العربية. أبرز من استخدم هذا الوصف جميل مطر، أحد ألمع كتاب مصر السياسيين، في مقالة له في صحيفة «الشروق» المصرية يوم الأربعاء الماضي، بعنوان: «نحن والنزاع السعودي الإيراني». ومن حيث إن كلمة «نحن» هنا تشير إلى مصر، توحي وكأن مصر بمعزل عن «النزاع» بين السعودية وإيران، وأن إيران لم تصطدم إلا مع السعودية، وبالتالي فإن هذا «النزاع» محصور بينهما. السؤال: كيف يمكن أن يستقيم هذا الوصف والآثار المدمرة للدور الإيراني تطاول أكثر من أربع دول عربية، ليس من بينها السعودية حتى الآن؟ هذا في حين أن طبيعة وحجم ومدى التدخلات الإيرانية تقول إن طهران تعتبر نفسها في صراع عربي إيراني. لحمة هذا الصراع المذهبية هي ما يفرض ذلك، فالمذهب بوصفه تعبيراً عن رؤية دينية عابرة للحدود، وهي لحمة فرضتها وتفرضها الطبيعة المذهبية لنظام «الجمهورية الإسلامية»، وهي من ألزمت نفسها بذلك دستورياً، وتنطلق منه في سياستها الخارجية بمثابة امتداد لسياستها الداخلية، وبالتالي تدير الصراع مع الدول العربية على هذا الأساس. طبعاً لا ينبغي الانجرار مع ايران إلى هذا المنزلق البائس، وإنما يجب مواجهتها بخيار نقيض للمذهبية. صحيح أن السعودية هي من يقود الآن مواجهة التدخلات الإيرانية، لكن هذا ليس لأن الأمر محصور بين الرياض وطهران، وإنما هو أمر فرضته طبيعة المرحلة. كان العراق هو من يقود هذه المواجهة، لكنه سقط تحت النفوذ الإيراني، وتلته سورية، وهو ما يؤكد أن ما يحصل صراع عربي إيراني. تراجع دور مصر الإقليمي في شكل كبير منذ ما قبل ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، وتضاعف هذا التراجع بعد الثورة، وهو تراجع أفسح في المجال العربي للعبث الإيراني، ما يؤكد مرة أخرى طبيعة الصراع. حصر المواجهة مع إيران بالسعودية لا يجافي الواقع فحسب، بل هو نوع من الهرب من حقيقة ما يحدث، ويطيل أمد الصراع ولا يساعد في وضع حد له.

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

 

 

 

 

 

لا «ثورة» في إيران بل «دولة» شوفينية توسعية/ محمد مشموشي

تردد في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، السؤال عما اذا كانت ايران «دولة» أو «ثورة»، ليأتي الجواب في الختام بأن الأصل هو أن تصبح ايران «دولة» كي يمكن التعامل عربياً ودولياً معها… وهو ما لم يحدث بعد.

فهل ايران «دولة» فعلاً، كما هي الدول في العالم، أم هي «ثورة» فعلاً كذلك، على شاكلة المعروف من الثورات في هذا العالم قديماً وحديثاً؟.

وفقاً للعلوم السياسية، كما المعاجم التي تعرّف الثورة بأنها «انتفاضة أو تمرد يطيح بحكم ويقيم بدلاً منه حكماً جديداً، وقد يقوم بتغيير النظام الاجتماعي في البلد المعني برمته»، تكون ايران قد شهدت في تاريخها الحديث ثورتين: أولاهما، عندما أطاح محمد مصدق (شعبياً، ودستورياً من داخل النظام) بحكم الشاه الاستبدادي في الخمسينات، ثم انتهت الى ما انتهت اليه على يد الاستخبارات المركزية الأميركية، والثانية عندما قام الإمام الخميني، بدعم قوى إيرانية ديموقراطية ويسارية وليبرالية، بإعادة قلب النظام ذاته في 1979، وانتهت بدورها الى ما انتهت اليه: تفرد الخميني بالسلطة واغتيال أو سجن أو طرد كل من عداه، وعدا فريقه من المؤمنين بولاية الفقيه المطلقة، خارج البلاد.

وسيراً مع التجارب التاريخية التي تقول ان الثورات غالباً ما تأكل أبناءها، فالكل يعرف ماذا حل بأول رئيس لايران بعد الثورة، أبو الحسن بني صدر، وبمن خلفه في المنصب، محمد علي رجائي، وحتى بمن كان يشغل منصب نائب المرشد الأعلى، حسين منتظري، لمجرد أن الأخير رفض إضافة كلمة «مطلقة» الى ولاية «الولي الفقيه». وفي مذكرات منتظري، التي نشرت عقب اقالته ثم وفاته بعد سنوات عدة من الإقامة الإجبارية، كتب يقول: «أنا، كما يعلم الجميع، كنت مدافعاً صلباً عن سلطة الدين ومؤسساً لولاية الفقيه (لكن ليس في شكلها الحالي، بل بطريقة تمكِّن الشعب من انتخاب الفقيه ومراقبة عمله)، لكنَّني أشعر الآن بالخجل حيال الظلم الذي فُرض على الشعب باسم الفقيه، كما بالعار وبأنَّني مسؤول أمام الله عن الدماء التي أريقت وعن انتهاكات حقوق المواطنين».

منذ ذلك التاريخ، تحولت الثورة الإيرانية الى دولة، بل في الواقع الى دولة فارسية وتوسعية وإن تحت مسمى «الجمهورية الإسلامية في ايران». ولم يعد سراً أنه طرح على الخميني ذات مرة (قيل ان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من فعل ذلك) المبادرة الى استبدال اسم «الخليج الفارسي» باسم «الخليج الإسلامي»، تدليلاً منه على نقاء الثورة وشموليتها وإسلامها، فرد على الطرح بالقول ان الخليج فارسي وسيبقى كذلك على الدوام.

وعملياً، ففي سياق هذا التحول، وعلى نسق النازية الهتلرية التي رفعت شعار «نقاء العرق الجرماني»، لجأت الدولة هذه الى أمرين في آن : أولهما، النص في الدستور على أن «المذهب الجعفري» هو دين هذه الدولة، إضافة طبعاً الى «الولاية المطلقة» الدينية والسياسية للولي الفقيه، وثانيهما بدء خطة تسلل مدروسة ومنتظمة، فقهياً ومالياً وسياسياً وعسكرياً، الى دواخل المجموعات الشيعية في البلدان العربية (أحزاب وميليشيات، وأكثر من 200 ألف مقاتل في هذه البلدان، كما قال قائد الحرس محمد علي الجعفري أخيراً) ثم في كل دولة إسلامية تتواجد فيها مثل هذه المجموعات.

وفي سياقه أيضاً، ومن أجل الهدف ذاته، جرت عسكرة المجتمع الإيراني (الباسيج والحرس الثوري من جهة والتسليح الثقيل بما فيه الصاروخي وربما النووي من جهة ثانية) كما «فرسنته» لغة وهوية قومية، وتطييفه إسلامياً، ومذهبته شيعياً، على رغم تعدد الإثنيات والأديان والطوائف والمذاهب في ايران، على الطريق الى ما لم يتورع أحد رجال الدين الايرانيين عن إعلانه قبل فترة عن عودة «الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد» الى الوجود، فضلاً عن توسع حدود هذه الامبراطورية الى سواحل البحرين الأحمر والأبيض المتوسط وسقوط أربع عواصم عربية في يدها. وفي موازاة التراجع المريع في أوضاع الشعب الإيراني، لجهة مستوى العيش والعدالة والمساواة وحقوق الانسان (أول وأهم ما يميز الثورات وتغيير أنظمة الحكم)، لا تقول غير هذا في الواقع مواقف الدولة الإيرانية من الحكم القائم في كل من العراق وسورية، ولا من التمرد الحوثي على الشرعية في اليمن… ولا تحديداً في المدة الأخيرة «حربها الشعواء» على المملكة العربية السعودية، لمجرد أنها حاكمت قضائياً ونفذت الحكم برجل دين شيعي من بين 47 مواطناً سعودياً دينوا بتهمة الإرهاب والتحريض عليه في داخل بلدهم.

وبهذا، فلا وجود لثورة من أي نوع أو صنف في ايران، انما دولة فارسية بالمعنى القومي الشوفيني للكلمة، وتوسعية على حساب جيرانها وتخريب النسيج الاجتماعي لبلدان هؤلاء الجيران. وعلى هذا الأساس وحده، ينبغي التعامل معها، ليس عربياً فقط بل دولياً كذلك.

هي ثورة ضد أوضاعoverthrow of a system of government ناتجة عن ثورة أخرى والعودة إلى الوضع السائد قبل الثورة الأولى كما حدث في أوروبا في القرن التاسع عشر حيث عاد النظام الملكي إلى بلدان عدة بعد الإطاحة به.

الحياة

 

 

 

المعركة الأبدية بين السعودية وإيران .. 4 أسباب تغذي استمرار الصراع

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

أي شخص يعتقد أن التوترات الحالية بين المملكة العربية السعودية وإيران هي مرحلة عابرة يجب عليه أن يأخذ نفسا عميقا ويلتزم الهدوء. على الرغم من أن الأزمة الحالية ليس من المرجح أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية، فإننا ربما نشهد منافسة أكثر سخونة لبعض الوقت. والواقع أن الحرب الباردة السعودية الإيرانية ستكون واحدة من السمات المميزة للشرق الأوسط الجديد. هذه الأسباب تشرح لماذا..

(1) لسنا في زمن السعودية وإيران التاريخيتين

ضمنت الثورة الإيرانية وصعود الملالي في أواخر السبعينيات التنافس المحموم بين الرياض وطهران. لكن التوترات الأخيرة لها علاقة بالطبيعة المتغيرة للبلدين، وكيف يرى كل منهما نفسه ودوره في المنطقة. باختصار، ليست هذه هي إيران أو المملكة العربية السعودية خلال التسعينيات.

تشعر الرياض أنها في وضع دفاعي، وأنه يتم الضغط عليها من قبل عاصفة من التحديات بما في ذلك انخفاض أسعار النفط، وتصاعد العجز في الموازنة والحرب المستمرة ضد الحوثيين والصعود الإيراني. ومع غضبها من الولايات المتحدة بسبب سعيها إلى خطب ود إيران، وعدم القيام بما يكفي للضغط على نظام الرئيس «بشار الأسد» لإنهاء الحرب الأهلية السورية، فإن الرياض تتصرف بجرأة غير معهودة في اليمن. تقوم الرياض بدعم الجماعات السنية المناوئة للأسد وبعض هذه الجماعات قريبة من تنظيم القاعدة. ومؤخرا، فقد قامت بتنفيذ حكم الإعدام بحق 47 شخصا من بينهم رجل الدين الشيعي البارز «نمر النمر». ويأتي ذلك بمثابة تحذير للمعارضين الشيعة في المملكة، وأي شخص ينوي تحدي النظام.

من ناحية أخرى، فإن إيران تشعر بالجرأة أيضا وبالأخص بعد توقيع الاتفاق النووي الذي من المرجح أن يوفر لها مليارات الدولارات بعد تخفيف العقوبات وتأسيس شرعية جديدة. وفي الوقت نفسه، فإن طهران عازمة على مواصلة سعيها للحصول على النفوذ الإقليمي والسلطة من خلال دعم نظام «الأسد» والميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، وحزب الله في لبنان. كما تقوم أيضا بمساعدة الحوثيين في اليمن. واصلت إيران أيضا اختبار حدود الاتفاق النووي من خلال متابعة برامج الصواريخ الباليستية. وهي تعول على أن رغبة الولايات المتحدة في رؤية الاتفاق النووي قيد التنفيذ سوف تمنعها من فرض عقوبات إضافية. تمكنت المملكة العربية السعودية من حشد اصطفاف عدد من دول الخليج من أجل خفض مستوى علاقاتها مع إيران، وهو أمر سيسهم في تعميق مخاوف المحافظين الإيرانيين وتوفير الذخيرة الإضافية لمواجهة التحالف السني.

(2) المتشددون سوف يستمرون في تغذية التنافس

يأتي إعدام «نمر النمر» في وقت تبدو فيه كل من طهران والرياض على مفترق طرق سياسية، مع زيادة ملحوظة في نفوذ العناصر المحافظة. في إيران، فإن القرار السعودي سوف يكون في أيدي المتشددين حيث انتخابات مجلس الخبراء والانتخابات البرلمانية الشهر المقبل. يحاول المتشددون قص جناحي الرئيس الذي قام بتوقيع الاتفاق النووي مؤخرا. منذ فترة طويلة، ينظر إلى الرئيس الإيراني «حسن روحاني» كوكيل للتقارب الإيراني مع المملكة العربية السعودية، في ضوء علاقته الوثيقة مع الرئيس الإيراني الأسبق «أكبر هاشمي رفسنجاني» الذي يعرف بعلاقاته الوثيقة مع بعض القادة في المملكة. في التسعينيات، قام كل من «روحاني» و«رفسنجاني» بقيادة حوار دبلوماسي حاسم بشأن التعاون الأمني ​​مع الرياض. وكان «روحاني» هو من قال في نهاية عام 2014 إن علاقة إيران مع أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك «تستحق أن تكون أكثر دفئا.» وفي مقابلة له هذا الصيف، وصف «رفسنجاني» التعاون مع المملكة العربية السعودية بأنه «أولوية في دستورنا». وفي نهاية المطاف، فإن المحافظين يرغبون في جعل هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على إدارة «روحاني».

رهانات الانتخابات، ولاسيما انتخابات جمعية الخبراء، تبدو ضخمة. هذا المجلس المنعزل من الأهمية بمكان كونه الهيئة التي تشرف على اختيار المرشد الأعلى. ومع الشائعات التي تحوم في الشرق الأوسط حول صحة «خامنئي»، ومع سعي المجلس مؤخرا لوضع قائمة للبدائل المحتملة، فإنه من المحتمل أن المجلس الذي سوف يتم انتخابه هو الذي سيشرف على عملية اختيار خليفة «خامنئي».

في الرياض، فإن المزيج بين الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مؤخرا مع طهران إضافة إلى انخفاض أسعار النفط، ومشاكل الميزانية، تخفيض الدعم، والحرب ضد «الدولة الإسلامية»، كلها عوامل تشكل ضغوطا على الأسرة السعودية المالكة وتجعلها تسعى إلى الدعم بين المحافظين المتشددين. ولذلك فإن عملية اقتحام السفارة السعودية في طهران في أعقاب إعدام «نمر النمر» سردية الملك «سلمان» المتشددة والتي تطالب بالوقوف في وجه إيران المتهورة على نحو متزايد.

(3) «الدولة الإسلامية» وانهيار الشرق الأوسط يجعلان الأمور أكثر سوءا

القطيعة بين إيران من ناحية، وبين المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى من ناحية سوف تسهم فقط في إثارة المزيد من الذعر والارتباك والشك على المسارح الإقليمية الرئيسية وتحديدا في العراق وسوريا. عرض العراق أن يلعب دور الوسيط في الصراع في إشارة أن بغداد بحاجة إلى استرضاء الدائرة السنية المحبطة من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد. لكن البعض في الطائفة الشيعية في العراق سوف يطلبون استجابة أكثر قوة، ويحتمل أن يتم إضعاف رئيس الوزراء «حيدر العبادي» في هذه العملية.

بالنظر إلى ردود الأفعال حول حكم الإعدام من قبل بعض قادة الشيعة في البلاد: «مقتدى الصدر»، عصائب أهل الحق، ومنظمة بدر، فإنهم قد حثوا الحكومة على وقف افتتاح السفارة السعودية الجديدة في البلاد. أدان «آية الله علي السيستاني» الإعدام ووصفه بأنه «غير عادل». وتوقع رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي» السقوط الوشيك للحكومة السعودية. هذه التفاعلات القوية من قبل قادة الشيعة تعزز فقط أسوأ المخاوف لدى الطائفة السنية الأمر الذي يجعل من مهمة تجنيدهم للمساعدة في مكافحة «الدولة الإسلامية» في الموصل أمرا صعبا للغاية.

في سوريا، فإن 25 يناير/كانون الثاني هو التاريخ الذي يفترض أن تبدأ فيه محادثات السلام بين ممثلي الحكومة والمعارضة. أعلن وزير الخارجية السوري أن الحكومة مستعدة للمشاركة في المحادثات، ولكنها طلبت قائمة بمن سيتم السماح لهم بالجلوس على طاولة المفاوضات، وقائمة أخرى بمن سيتم تصنيفهم كإرهابيين.

على الرغم من تأكيدات وزراء خارجية البلدين أن الخلاف الحالي لن يؤثر على عملية جنيف، فإن التصعيد الخطابي بين الفاعلين الرئيسيين لا يزال مشتعلا. صرح أمين عام حزب الله «حسن نصر الله» بالقول: «عندما يفقد النظام عقله فإن ذلك يعني أنه قد وصل إلى الهاوية. وقد بدأت بوادر النهاية لهذا النظام الظالم الفاسد الإجرامي الإرهابي التكفيري في الظهور». وفي الأسبوع الماضي، اتهم وزير الخارجية اتهم وزير الخارجية السعودي طهران بأنها لا تتصرف مثل دولة قومية وحذر من تدابير إضافية مضادة إذا واصلت طهران سياساتها الحالية. هذا ناهيك عن اتهام طهران للرياض باستهداف سفارتها في اليمن.

كل هذه التطورات تزيد من مخاطر سوء التقدير وسوء الفهم. في المسار الدبلوماسي الهش المحفوف بانعدام الثقة في سوريا، فإن مثل هذه الدينامية الإقليمية من شأنها أن تحبط أي تقدم. وبينما يستمر الجانبان في الشجار، فإن «الدولة الإسلامية» تكسب المزيد من الوقت والمساحة لمواصلة مكائدها على المستوى العالمي.

(4) النفوذ المحدود للولايات المتحدة لوقف الصراع

لن تكون إدارة الرئيس «باراك أوباما» قادرة إلى حد كبير على احتواء تداعيات التنافس الإيراني السعودي. وحتى لو نجحت في تجنب التصعيد، فإن الواقع هو أن نفوذ الولايات المتحدة مع كل من الرياض وطهران قد تضاءل بشكل ملحوظ. فإن الواقع فإن واحدا من الأسباب لكون المملكة العربية السعودية تبدو دفاعية بشكل متزايد هو أنها ترى أن الولايات المتحدة ليست صارمة بما فيه الكفاية في مواجهة إيران. ونتيجة لشعور إيران أن «أوباما» في حاجة إلى مساعدتها في سوريا، ومن أجل ضمان تنفيذ الاتفاق النووي، فإنها ترى أن بإمكانها اللعب بخشونة مع واشنطن إذا لزم الأمر. وعلاوة على ذلك، فإنه في العام الثامن لرئاسة «أوباما»، فإن حلفاء الولايات المتحدة وخصومها قد بدؤوا يبحثون بالفعل عن الرئيس القادم.

باختصار، فإن هناك اشتباك بين صديق تقليدي قلق حول موثوقية الولايات المتحدة وعدو يرى مصلحتها في التعاون معه. من غير المرجح أن تلعب واشنطن دورا كبير في إعادة تشكيل التنافس السعودي الإيراني أو تقرير كيف يمكن لأي من البلدين أن يحمي مصالحه في منطقة مضطربة.

المصدر | فورين أفيرز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى