صفحات العالم

الأزمة السورية أمام «مبادرة خليجية»؟


فواز طرابلسي

تقول نكتة راجت في مصر بعد انتهاء عهد القذافي أن النظامين اليمني والسوري قد تأهلا لنهائي دورة الثورات العربية. ما ليس بنكتة هو أن الأزمة السورية أخذت تكتسي بعض ملامح الأزمة اليمنية على الأقل من حيث تكتيكات الحاكم والطابع الخليجي الذي تتخذه مبادرات الحلّ.

تحت ظلال تظاهرة عارمة في دمشق تحشدت فيها جموع مؤيدة للنظام ورئيسه، زار وفد وزراء خارجية الجامعة العربية دمشق. استقبل بالترحاب هذه المرة، بعد أن جرى تعديل شعار «رفض التدخل في شؤون سوريا الداخلية» على اعتبار أن التدخل العربي من قبيل «الحرص» فيما التدخل الخارجي، غير العربي، مرفوض لأن غرضه «النيل من سوريا بسبب دعمها المقاومة». ومع ان امين عام الحلف الاطلسي كرر عدم نية الحلف التدخل في سوريا، ارتفعت في دمشق نبرة التهديد بالزلازل والحرائق وبعشرات الأفغانستانات فيما لو سوّلت لـ«الغرب» نفسه أن «يتدخل».

حمل الوفد الوزاري العربي برئاسة رئيس وزراء قطر مبادرة لم تختلف كثيراً عن سابقتها تدعو لوقف إطلاق النار وسحب الجيش ومباشرة الحوار بين الحكم والمعارضة بأطيافها كافة في القاهرة. لم يخلُ الأمر من عمليات ضغط وحشر مارسها المسؤولون القطريون وتذكير بعدم الاستعداد لتحمل المزيد من التسويف وإعطاء مهلة الاسبوعين لافتتاح الحوار الوطني.

ومن قبيل التشجيع على «الإصلاح» ساوى المسؤول القطري بلاده بسوريا فدعا الى الإصلاح الجذري في سوريا وقطر وسائر البلدان العربية. فما ظلم المسؤول القطري إلا نفسه. يجدر أخذ كلامه على محمل الجدّ من جميع المعنيين بالتغيير من المحيط الى الخليج على اعتباره اعلاناً رسمياً عن الاستعداد لـ«الإصلاح الجذري» في قطر يتضمن التحوّل الى امارة دستورية برلمانية يختار مجلسها المنتخب في انتخابات تنافسية حرّة الحكومة ويقرّ الموازنة ويفصل في طرائق توظيف واستخدام وتوزيع الثروة الأهلية من نفط وغاز. هذا على سبيل المثال لا الحصر.

أما ما قد يثير بعض الاستغراب أن دمشق حملت جوابها على المبادرة العربية لا الى مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، وإنما الى الدوحة. وفي العاصمة القطرية أبلغ الوزير المعلّم والوزيرة شعبان ملاحظات دمشق الى الحاكم العربي الأكثر تدخلاً في الشؤون الداخلية السورية، الذي تتهم دمشق قناته التلفزيونية بأنها طليعة حرب «التضليل» الإعلامية ضد سوريا، وحيث الفقيه المتلفَز لا يزال يحرّض ضباط وجنود الجيش السوري على الانشقاق، ناهيك عن الاتهامات المساقة الى الدوحة بالدعم المباشر لأطراف من المعارضة السورية المعنوي منه والمادي.

من المبكر التخمين بصدد الملاحظات التي حملها المبعوثان السوريان على المبادرة العربية. يمكن الاكتفاء موقتاً بالافتراض ان زيارة قطر ـ المعروف ولع أميرها بالوساطات وسيلة لإعلاء السمعة وزيادة النفوذ الاقليمي والدولي ـ أقرب الى ربط نزاع في الازمة بين دمشق والدوحة يتضمن البحث في تسوية العلاقات بين البلدين ـ بما فيها وقف الحملات الإعلامية ورفع الدعم عن المعارضة ـ كمقدمة للبحث في عناصر الوساطة القطرية والعربية في الأزمة السورية ذاتها.

اما بالنسبة للمبادرة إياها فالبعض من اجوبة دمشق لم يعد طي الكتمان. لا تزال الرواية الرسمية عن النزاع تقدّمه على انه عمليات عسكرية وأمنية نظامية ضد «المجموعات الارهابية المسلحة». حتى انه يجري الاعتراف بأن قوات الامن التي «اخطأت» سابقاً فقتلت مدنيين، لم تعد ترتكب مثل هذه الاخطاء. ما يدعو الى التساؤل متى يجري تقديم «المخطئين» بحق الانضباط العسكري وشرف السلاح الى المحكمة العسكرية؟ ومتى سوف يطّلع المواطنون على نتائج التحقيق في المسؤولين عن إطلاق النيران على المتظاهرين السلميين، في هذه الآونة الاخيرة التي اعقبت اكتشاف «الأخطاء»؟ مهما يكن، هو تعريف للنزاع يقضي سلفاً عن اي بحث في وقف القتال وسحب الجيش وما شابه.

اما على الصعيد السياسي، فقد أعلن عن مباشرة لجنة البحث في التعديلات الدستورية أعمالها. واستباقاً للبحث في الحوار العتيد، اعلن ايضاً انه تقرر فتح حوار مفتوح لمن يرغب بالمشاركة فيه من داخل سوريا وخارجها خلال شهر من تاريخه. ويمكن ترجمة هذا الاعلان ان السلطة تقرر من يتحاور وعناوين الحوار ـ كما حصل في حوارات المحافظات ـ وأن لا حوار، بين سلطة ومعارضة، على تعدد اطيافها، ناهيك عن إجرائه خارج سوريا.

مهما يكن من امر، السؤال الذي يثيره هذا الانعطاف في الابحاث الجارية في الازمة السورية هو: هل تحمل هذه الوصلة الجديدة من التفاوض مع المبادرة العربية شيئاً آخر غير اتقاء التدويل، الذي يهدد به امير قطر، عن طريق افتتاح جولات من المفاوضات والمداولات، الجديد فيها هو التلويح لقطر بلعب دور الوسيط ولو على حساب وساطة الجامعة العربية او بما هي راعية تلك الوساطة؟ وقطر «موضوع قابل»، كما يقال. إذ لا يبدو أن شيئاً آخر قد تغيّر اذا تذكّرنا ان دمشق قد استهلكت الى الآن وساطات عدة سعت لتنظيم الحوارات بينها وبين المعارضة من مثل المبادرة التركية للحوار في انقرة والروسية للحوار في موسكو عدا عن التلويح الإيراني بمبادرة لجمع الطرفين.

كم من القتلى يجب ان يسقطوا، وكم وساطة يجب ان تستهلك، وكم من دمار يجب ان يلحق بموارد رزق الشعب السوري، وكم من تصدّع يجب أن يصيب العلاقات بين السلطة والشعب وبين مكونات سوريا ذاتها، قبل ان يكتشف الحكم السوري ان الوسيلة الوحيدة لقطع الطريق على التدخل الخارجي ـ عربياً كان أم أعجيماً، سياسياً ام عسكرياً ـ هي ان يتحاور مباشرة مع معارضيه؟

وكم من الخطايا يجب أن يرتكبها معارضون قبل ان يكتشف «الاخوان المسلمون» ومن ماشاهم في الدعوة الى «الحماية الخارجية»، أن تجربة ليبيا لن تتكرر في سوريا حتى لا نتحدث عن اهوال التدخل الاطلسي وما سوف يمليه من ارتهانات؟ وكم من أخطاء يجب ان يرتكبها متحدثون باسم معارضة «المجلس الوطني» قبل ان يدركوا ان رفض الحوار سلفاً، خصوصاً بعد اعتراف الجامعة العربية بالمعارضة بما هي مفاوض السلطة، يشكل هدية مجانية لدعاية السلطة بأن المعارضة لا تريد الإصلاح ولا الحوار؟

هذا حتى لا نذكّر بالدرس التاريخي الذي يعلّمنا أن المعارضات الشعبية هي أولى الذبائح التي تنحر عند الاحتفال بالصلح بين الأنظمة.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى