صفحات العالم

الأزمة السورية: اللدغة العشرون.. من جحر واحد!


إياد أبو شقرا

إذا عرف الكذاب بالكذب لم يزل

لدى الناس كذابا وإن كان صادقا

 (الكريزي)

بشر السياسي العراقي عزت الشابندر مستمعيه في العالم العربي، ومن ورائه العالم بأسره، قبل يومين بأن القيادة السورية «وقعت» بالفعل على المبادرة العربية، وأن اللقاء الذي عقده وفد يمثل رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي مع الرئيس بشار الأسد كان إيجابيا. ولم يلبث مصدر آخر مقرب من رئيس الوزراء العراقي هو السيد علي الموسوي، أن أكد أن دمشق وافقت على المبادرة العربية «ولم تبق إلا أمور تفصيلية صغيرة».

ثم يوم أمس، بينما كان المجلس الوطني السوري يعد لاختتام اجتماعه المهم في تونس، أعلن رئيس وزراء قطر وزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني عن «معلومات» عن «موافقة» الرئيس السوري بشار الأسد على توقيعها.

بداية، قلت «وفد يمثل رئيس الحكومة العراقية» ولا يمثل العراق، لسببين:

الأول أن ساسة عراقيين من الصف الأول، منهم أسامة النجيفي رئيس البرلمان، وهوشيار زيباري وزير الخارجية، رفضوا اعتبار زيارة الوفد العراقي وما بحثه في دمشق «مبادرة عراقية»، بما يعني أنها ليست خطة سياسية تعبر عن السلطة الرسمية للعراق بكل مكوناته.

والثاني، هو أن العراق، الذي ودع ترابه بالأمس قوات الاحتلال الأميركية غير مأسوف عليها، تركه الاحتلال كتلا طائفية متعادية متنابذة، بعدما استدعاه تيار طائفي معروف داخل العراق وخارجه، فرحب به واستفاد منه. واليوم نرى ونسمع أن التيار الذي استدعى الاحتلال، والذي يحرص الآن على منع «تدويل» الأزمة السورية، يتهم علانية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بأنه «متآمر» على تفجير مبنى البرلمان، ويدفع بتفرده التسلطي إحدى أكبر كتله إلى مقاطعة الجلسات!

بناء عليه، يجوز، بل يجب، التساؤل: باسم من إذن كان يتكلم السيد الشابندر وزميله السيد فالح الفياض في دمشق؟

الواضح جدا أن ما وصف زورا بـ«مبادرة عراقية» ليس أكثر من مسعى إيراني حثيث يحاول إجهاض مبادرة جامعة الدول العربية، ويهدف إلى إنقاذ النظام السوري الذي يشكل حلقة من حلقات سلسلة المشروع الإقليمي الإيراني، المسكوت عنه – حتى هذه اللحظة – إسرائيليا!

إن السيد نوري المالكي، والقوى التي يمثلها داخل العراق، جزء لا يتجزأ من الحلقة العراقية في سلسلة ذلك المشروع الإيراني الإقليمي. وإنها لمفارقة لا تخلو من طرافة أن يحاول رئيس الحكومة العراقي الترويج لـ«منع تدويل» الأزمة السورية في قلب واشنطن، وهو الذي كان والتنظيم السياسي – الطائفي الذي ينتمي إليه في طليعة من عملوا على «تدويل» العراق عبر الاستعانة بواشنطن! وكي لا ننسى ثمة مفارقة أخرى ليست أقل طرافة من سابقتها، هي أن السيد المالكي الذي كان في طليعة المتحمسين لاجتثاث البعث في العراق.. متحمس جدا لإبقاء السوريين تحت سلطة تصف نفسها بأنها بعثية!

أكثر من هذا، كان التصويت في جامعة الدول العربية قبل نحو أسبوعين قاطعا وذا دلالة عظيمة، إذ حظيت المبادرة العربية بتأييد 19 دولة مقابل معارضة لبنان وامتناع العراق عن تأييدها.

طبعا الأسباب مفهومة، فلبنان والعراق اليوم دولتان، عمليا، واقعتان تحت «الاحتلال». لبنان تحكمه إيران عبر حزب الله الذي يخطط الآن للاستيلاء على جهاز القضاء، بعدما أكمل، بفضل سلاحه، استيلاءه على الحكومة وشبكات الاتصالات والأراضي التي تصل وتشبك مناطق نفوذه و«مربعاته» الأمنية على امتداد البلاد. والعراق، أيضا – بخلاف مزاعم واشنطن – تركته قوات الاحتلال تحت «احتلال» إيراني لجنوب البلاد ووسطها، مقابل استقلال فعلي للشمال الكردي وحالة انفصالية في الغرب لا يعرف مآلها مستقبلا إلا الله.

إن موقفي لبنان والعراق، بالذات، يكشفان بصورة صارخة عن حقيقة النظام الحاكم في دمشق بينما يدعي زورا بأنه يحكم ويمانع ويقاوم باسم «الوحدة (العربية.. كما يقال)» و«الحرية» و«الاشتراكية» (!). وعلى الجمهور العربي قبل الحاكم العربي الحذر من تداعيات هذين الموقفين، إذا سمح العالم العربي لنفسه بأنه يخدع – ربما للمرة العشرين – بكلام دمشق وأفعالها.

لقد احتاج مجرد «قبول» دمشق – كما يقول السيد عزت الشابندر – بتوقيع بروتوكول مبادرة جامعة الدول العربية لأكثر من أسبوعين كاملين.. سقط خلالهما ما بين 450 و500 قتيل. فهل هناك من هو على استعداد للمجازفة بتقدير كيف ستراوغ دمشق بعد التوقيع وقبل البدء في التطبيق، عن طريق إغراق المبادرة في متاهة التفاصيل والاعتراضات عند كل جزئية ومع كل خطوة؟

ألم تستغرق «لعبة القط والفأر» بين نظام صدام حسين السابق في العراق مع لجان التفتيش الدولية سنوات وسنوات؟!

ألم «يتخرج» نظام دمشق في «المدرسة» ذاتها التي تخرج فيها نظام العراق السابق؟!

هل تغير، أصلا، الخطاب السياسي للنظام السوري منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية التي دخلت الآن شهرها العاشر؟!

هل أقر «نبيحة» النظام، الإعلاميون، بمقتل المدنيين والأطفال برصاص «شبيحته» وجلاوزته؟!

بالأمس، قبل «معلومات» قطر عن موافقة دمشق على المبادرة العربية، كنت قد قرأت مقالة تحذيرية ممتازة نشرت قبل يومين لكاتب لبناني له إلمام بالشأن الإيراني – ومن قبله السوري – بعنوان «نصف الحل لا حل في سوريا». وفي المقالة عرض واقعي لمفهوم نظام الرئيس بشار الأسد – الممتد بالوراثة عن أبيه – للسياسة والرهانات الدولية، وتكتيكات الابتزاز والمراوغة و«شفير الهاوية» واللعب على الانقسامات والتناقضات المحلية والإقليمية، من كل صنف ونوع.

لذا، أعتقد أنه من الحكمة التحذير من أن سيناريو «نصف حل» أو «حل توافقي» على الطريقة اليمنية لا يمكن أن ينفع مع حالة النظام السوري، لأنه ليس أكثر من وهم كارثي.. باهظ التكلفة.

لقد عاش النظام الحالي، بجيليه العائليين، على امتداد 41 سنة على الاستفادة من «أنصاف الحلول» وابتزاز الدول العربية بها، ولا سيما الدول المجاورة لسوريا. وبالتالي، فأي تفكير باتجاه «نصف حل» هو بالضبط ما تسعى إليه دمشق اليوم، لامتصاص الصدمة وشن هجوم مضاد مستقوية بداعميها الإقليميين.

كان الله في عون سوريا.. والسوريين والعرب أجمعين.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى