صفحات العالم

الأزمة السورية: بين الداخل والخارج

خضر حسّان

يرتبط لبنان وسوريا بوثاقٍ تاريخي وسياسي وجغرافي، الى جانب الرابط الثقافي الذي يكاد يتماهى الى حد التوحّد بين البلدين. لم ينحصر التماهي بالمكونات الحضارية لكلا البلدين، بل إمتدّ الى تقاسم نتائج وآثار الأزمات على مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية، وإن كان للبنان النصيب الأكبر من التأثّر وليس التأثير.

لم تقتصر الأزمة السورية على الداخل السوري، فالخسائر والنتائج والتأثيرات إمتدت الى خارج الحدود لتطال لبنان بشكل رئيسي، الى جانب تركيا والأردن والعراق، رغم التأثير المحدود للناحية العراقية. وأبرز التأثيرات على دول الجوار إرتكزت على مشكلة اللاجئين عند الحدود التركية والأردنية، واتّسع الأمر في ما يتعلّق بلبنان نظراً لان العامل السياسي والإقتصادي الداخلي، ادى دوراً أساسياً في رفع نسبة التأثّر.

في ظل الواقع الذي يحمل أرقاماً كبيرة تساعد في دراسة الأزمة السورية، شكّلت دراسة هذه الأرقام مادّة دسمة للملاحظة والتحليل من قِبَل عدد من الجمعيات والمنظمات والخبراء الإقتصاديين والسياسيين. ويشكّل المؤتمر الذي أقامته الجمعية الإقتصادية اللبنانية ومؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية، يوم (الخميس)، في بيروت، أحد نماذج دارسي الأزمة السورية وتأثيراتها.

حمل المؤتمر أربعة عناوين، فكان البحث في التأثير على الداخل السوري بعنوان، الآثار الإجتماعية والإقتصادية للأزمة في سوريا. أمّا التأثير على المحيط الإقليمي فحمل عنوان، الآثار الإقليمية للأزمة السورية إجتماعياً وإقتصادياً. وكان عنوان محور اللاجئين، معالجة أزمة اللاجئين السوريين، اختُتم المؤتمر بجلسة عنوانها، محادثة حول خارطة الطريق الممكنة من أجل السلام والعدالة والتنمية الإجتماعية والإقتصادية. وتحدّث في الجلسات باحثون وخبراء إقتصاديون من لبنان وسوريا والأردن، إضافة الى بروفيسور مساعد في العلاقات الدولية، من تركيا.

دلّت الأرقام التي شملتها إحصاءات عرضها كل من فؤاد فؤاد، الدكتور في كلية الصحة العامة في الجامعة الأميركية، وزكي محشي، الباحث في المركز السوري لبحوث السياسات، على عمق الأزمة السورية على المستوى الداخلي. إذ طالت الأزمة القطاعات الإقتصادية السورية، وكانت الخسائر الأكبر من نصيب القطاع الصناعي، يليه الزراعي، الأمر الذي غيّر التركيبة الهيكلية للإقتصاد السوري. كما أثّرت الأزمة على الناتج المحلي في ظل هروب رأس المال السوري الى الخارج وخسائر معدلات الإستهلاك التي وصلت الى 60%.

في الجانب الآخر، وعلى خط تأثيرات الأزمة السورية على لبنان، تطرق زكي محشي الى إحصاءات، قال انها شملت 900 ألف لبناني يزيد عمرهم عن 18 سنة. وبيّنت الإحصاءات أن 52% من اللبنانيين يخافون من صراع طائفي نتيجة الأزمة السورية، و28% يخافون من منافسة اليد العاملة السورية. وتظهر “فوقية” بعض اللبنانيين وعنجهيتهم، كي لا نتطرف في قول “عنصريتهم” من خلال وجود 61% لا يريدون أن يكون السوريون جيراناً لهم، ويرى 70% ضرورة إيجاد مخيمات للسوريين. بينما أعرب 98% عن رأيهم في ضرورة مراقبة الحدود أو منع السوريين من الدخول الى لبنان. ومع أن بعض الحاضرين والمشاركين في المؤتمر شكّكوا في صحة هذه النسب المئوية، إلاّ أن واقع الشارع اللبناني والطبقة السياسية لا يبتعد كثيراً عن النظرة العنصرية التي استغلت أيضاً أزمة السوريين. فرأى جاد شعبان، رئيس الجمعية الإقتصادية اللبنانية، أنه “إقتصر تعاطي الطبقة السياسية الحاكمة (أو ما تبقى منها، في ظل حكومة تصريف أعمال ومجلس نواب منتهي الصلاحية) على النأي بالنفس في البدء، ومن ثمة إستغلال لموضوع اللاجئين لإثارة النعرات المذهبية والعنصرية، وأخيراً ببعض المبادرات الخجولة وغير المنسقة التي تعتمد بمجملها على تخطيط ودعم خارجيين”.

من الجهة الأخرى عَرَضَ الإقتصاي في البنك الدولي، وائل منصور تأثيرات الأزمة السورية على الإقتصاد اللبناني، لناحية تأثيرات الصراع وليس اللاجئين. وأولى مظاهر التأثيرات تبرز “عبر إنعدام قنوات الأمن، والتأثير على النسيج الإجتماعي في لبنان، وذلك يؤثر على الثقة الإقتصادية (من المستهلكين والمنتجين على حد سواء)”.

كما أن الصراع في سوريا “زاد من نقاط ضعف الإنتاج المحلي اللبناني، ومن تراجع النشاط الإستهلاكي الخاص جرّاء إنعدام الأمن وثقة المستهلكين”.

وردّاً على سؤال لـ “المدن” أوضح منصور، أنّ “الأزمة السياسية في لبنان تمنع أي إصلاحات على مستوى البنى الإقتصادية، ممّا يؤثّر على فرص العمل. في ظل تراجع الواردات اللبنانية التي تمر عبر سوريا، وإنخفاض صادرات الناتج المحلي التي كان يصّدر منها 20% الى سوريا حتى العام 2012. وفي ظل تأثر مجال السياحة الذي بلغت خسائره في العام نفسه 300 مليون دولار. الى جانب بلوغ التضخم معدّل بين 5% و6%”.

وإقترح منصور عناوين حلول تبدأ من “الإستثمار في البنى التحتية، ومنها الكهرباء التي تخسر 2 مليار دولار سنوياً. ومعالجة هذه المشكلة على الأقل، تخفف من حدّة التوتر الحاصل بين اللبنانيين أنفسهم، وبين اللبنانيين واللاجئين السوريين”. وأيضاً، “يمكن إستثمار أموال صندوق البلديات الذي يضم حوالي مليار دولار، فبدل صرف المبالغ على الزفت مثلاً، تستطيع البلديات إنجاز مشاريع تنموية بشكل أفضل”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى