صفحات سوريةغازي دحمان

الأزمة السورية رهينة الوظائف الدولية


دمشق ـ غازي دحمان

لن يمر وقت طويل قبل أن يدرك الأخضر الإبراهيمي أن مهمته لم تكن سوى فاصلاً دبلوماسياً آنياً، إستدعته ضرورات المرحلة الدولية، في إطار أزمة إستراتيجية كبيرة. عند ذاك، وكأي دبلوماسي مغدور، مرّ على هذه الأزمة، أو نظيراتها، سيلقي الرجل بيانه الأخير، الذي سيحمل في طياته الكثير من الإحساس بمرارة الخديعة الدولية، وسيقول على هامش حديث صحافي، على الأرجح ، كلمتان أو ثلاثة، كتلك التي قالها سلفه:”على الأسد أن يرحل، لا حل للمشكلة دون ذلك”.

هاتان الكلمتان وبيان الإنسحاب باتا يشكلان حلماً لدى السوريين، الذين سقط في أيديهم إمكانية نجاح الإبراهيمي في حل أزمتهم، وباتوا يتوجسون من إمكانية أن يصار إلى تدوير زوايا المواقف الدولية، والقيام بإعادة تموضع جديدة، وبخاصة بعد أن حاول الإبراهيمي خلط أوراق الأزمة بإحالتها إلى إقتتال أهلي، وبعد أن كثف الإعلام الغربي حديثه عن فوضى جهادية داخل سوريا، ظهر أن الدبلوماسبة الغربية تلقطت خيوطها وراحت تبني عليها مواقف سياسية و دبلوماسية حذرة.

ولكن، وربما ومن حسن حظ السوريين أنفسهم، أن هذا الإحتمال لم ينضج بعد، بإعتبار أن الحرب السورية يجري إحالتها إلى وظيفة إستراتيجية كبرى في نظر بعض اللاعبين الدوليين، وهي، باعتراف وزير الخارجية الروسي سيرغيه لافروف، لعبة جيوسياسية كبيرة لإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط.

لم يزل الوصول إلى حل لأزمة السورية امر مبكر جداً، فالثورة السورية باتت تحمل على أكتافها عبء إنجاز العديد من الوظائف والمهمات، ومن دون ذلك لن تعبر سوريا عتبة الأزمة بإتجاه الحل، وخصوصاً وأن مختلف القوى تجد لديها ترف الوقت الذي يمنحها التفكر والتدبر والإشراف والتخطيط، من دون أن يمس ذلك في أمن وإستقرار ومصالح ومستوى حياة شعوب هذه الدول، والعكس قد يبدو صحيحاً في هذه الحالة، بمعنى التعجل في إتخاذ القرارات من شأنه أن يعرض مصالح هذه القوى للضرر، ولو من باب تقليل فرصها التساومية، الأمر الذي يجعل من الحدث السوري لعبة أمم بإمتياز.

لا يزال الوقت مبكراً على الحل، على الأقل ليس قبل أن تؤتي العقوبات الأميركية والأوروبية على إيران ثمارها، وفي ذلك تؤكد التقارير الغربية أن ذروة هذا الأمر ستتضح منتصف العام المقبل. وليس قبل أن تكتشف روسيا أنها تغرق في سوريا وتخسر، وفي المحيط الشرق أوسطي برمته، كما ليس قبل ان تتضح الرؤية بخصوص الموقف من إيران، ومن ترتيبات إسرائيل بشأنها، وبشأن حزب الله ، وذلك سيتم بعملية شاملة وصفقة كاملة، إلى حينه، وقبل ذلك، ليس هناك ما يبرر إستنفاذ الجهود.

لا تزال روسيا تعتقد أنها تستطيع إستثمار الحدث السوري، وهي تتكئ في ذلك على المساومة على ما تعتبره حجم إستثمارات كبير لها في الإقتصاد السوري، وما تعتقده من حاجة العالم لأهمية إستقرار سوريا، أو بلغة أخرى قدرتها على التخريب في سوريا، وهو رهان دبلوماسي وتهديد إستراتيجي ومقامرة جيوسياسية خطيرة في آن واحد، عبرت عنها روسيا أخيراً بتمسكها، المتشدد، ببقاء الأسد في السلطة، مهددة الغرب بأن إستمرار عدائه للأسد سيبقي حمامات الدم مفتوحة في هذا البلد، وربما هذا السبب الذي يجعل اللاعبين الآخرين يتريثون في دخول الصفقة مع موسكو.

إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن موسكو في ظل إدارة أوباما وإسلوبه الدبلوماسي الحذر، كسبت الحق بنقض جوانب عدة من السياسة الخارجية الأميركية، بدءاً من بناء درع صاروخية في أوروبا الوسطى وصولاً إلى وقف برنامج إيران النووي وتقديم المساعدات الإنسانية في سوريا. فبعد عقدين على غياب روسيا عن الشرق الأوسط، يبدو أنها تحاول اليوم استعادة جزء من النفوذ الذي كان الإتحاد السوفياتي يملكه، فليس صدفة أن يتمنى فلاديمير بوتين فوز اوباما في الإنتخابات الأميركية.

من جهته، يشعر الغرب بفائض في الوقت، فالأزمة السورية لم تصبح بعد ملحة، وخاصة وأنها تدرك أن جوهر الازمة هو في موسكو وطهران، وليست في دمشق، كما أنها بمنأى عن الحرج وضغط الرأي العام، الذي يشكل برضاه عن الموقف الرسمي لحكوماتها، كونها لم تتدخل في الحرب، عاملاً مساعداً لها.

كما أن الغرب يريد إعادة تموضعه في المنطقة بشروط جديدة. الثورات العربية، بالنسبة لإدراك صناع القرار الغربيين، متغير جديد يتوجب التحوط له، كونه من المفترض أن يفرض قواعد تعامل جديدة، غير تلك التي إستقرت منذ أيام إيزنهاور. هو لاينظر إلى الأمر من الزاوية التي تنظر بها الشعوب إلى هذه الثورات، على إعتبار أنها لم تحقق جديداً. الغرب يفترض ولادة نمط ثقافي وسياسي جديد في المنطقة حملته ثورات هذه الشعوب، وبالتالي من السذاجة الإندفاع والتعامل معها وفق النمط القديم ذاته. هذه الثورات في نظر الغرب تضمر في داخلها، ومستقبلها، ما هو جديد. والتغييرات التي يعتقد اليوم أنّها أساسية، يمكن أن تُعدّ مستقبلاً مجرد تفاصيل في رحلة طويلة.

لقد تبين أن إدارة أوباما تعجز عن تطوير سياسة واقعية تستطيع التعامل مع منطقة معقدة وخطيرة. في الوقت نفسه، يبدو أنها تزرع بذور المشاكل التي قد تواجهها بنفسها أو قد تمتد إلى عهد خلفائها، ما سيكبد الولايات المتحدة كلفة عالية في مطلق الأحوال.

الأزمة السورية باتت حمَالة وظائف، والكل يريد إستثمار الأزمة، وكأنها غدت آخر الأزمات، وآخر الفرص الممكن إستثمارها. وكأن البيئة الدولية ستعيش أزمة نقص الأزمات… وإلى أن تنجز هذه الأزمة ما تم تحميله لها عنوة، ليس مهماً كم سيموت على ضفافها من السوريين، وليس مهماً إن بقيت سوريا أرضاً صالحة للحياة الآدمية أصلاً، ومن غير المعروف ما إذا كان سيبقى في خارطة الشرق الأوسط نفسه مساحة للتغيير الجيوسياسي.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى