صفحات العالم

الأسئلة المغلوطة في المسألة السورية


عبد الحميد صيام

يحكى أن رجلا أضاع خاتمه ليلا وبدأ يبحث عنه تحت ضوء عامود الكهرباء. فمر به صديق وقال له عمّ تبحث؟ فقال عن خاتمي، فسأله وهل سقط منك هنا تحت عامود الكهرباء؟ فقال لا بل في الجانب الآخر من الشارع لكنه معتم. فلماذا تبحث هنا والخاتم أصلا غير موجود هنا، سأله صديقه. فقال النور هنا أفضل من العتمة على الجانب الآخر.

تستحضرني هذه المقولة كل مرة يـُفتح فيها حوار حول ما يجري في سورية فيختلف الناس وينقسمون وينتهي الحديث إلى مناقشة حادة تصل إلى مستوى الصراخ وحوار الطرشان بين من يعتقد أن ما يجري في سورية مؤامرة على سورية نفسها لإسقاط آخر حلقة من حلقات الممانعة الداعمة للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية وبين من يرى أن ما يجري في سورية ثورة شعب حقيقية لإسقاط نظام دموي أذاق شعبه كل أنواع الظلم والقهر والقتل والتعذيب لأكثر من 40 سنة. ولقد وجدت من خلال تجربة الشهور الثمانية الماضية أن المشكلة تتلخص في طرح مجموعات من الأسئلة في غير مكانها الصحيح ولا تعبر عن جوهر المشكلة الحالية وما يجري داخل البلاد. وتلك الأسئلة لن تعطي تفسيرا سليما لما يجري في سورية لأنها بكل بساطة ليست هي الأسئلة الصحيحة.

وأود أن أطرح في هذه المقالة معضلة الأسئلة الخاطئة التي يتجاهلها عن عمد أصحاب نظرية المؤامرة على دولة الممانعة الذين يؤكدون أن هناك مؤامرة غربية إسرائيلية خليجية مع بعض الأطراف اللبنانية تهدف أساسا إلى إسقاط النظام الممانع والمقاوم في سورية بهدف تفريغ المنطقة من أي نفس معارض للبلطجة الإسرائيلية وقطع قنوات الدعم الإيرانية التي تضخ مالا وصواريخ وصمودا في شرايين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.

قد لا نختلف على أجوبة الأسئلة المغلوطة أبدا لو طرحت في ظروف ما قبل ثورات الربيع العربي أو لو لم يكن هناك ثورة شعبية في سورية ضد النظام. بل كنا لغاية انطلاق ثورات الربيع العربي من أنصار هذا التوجه متعلقين بقشة الأمل التي كنا نحاول أن نقنع أنفسنا أن سورية ما زالت تمثل ما تبقى من صمود أمام التغول الإسرائيلي الأمريكي المدعوم من، والمرتكز على، دول الاعتدال العربي.

لكن المهم ليس في صعوبة الإجابة عن تلك الأسئلة بل الأهم من ذلك هو ما إذا كانت تلك الأسئلة هي الأسئلة المناسبة والصحيحة في هذه المرحلة بالذات. فالسؤال ابن مرحلته ولا يجوز إخراجه عن مجمل الظروف التي يطلق فيها. إن هذه الأسئلة في رأينا خاطئة الآن ولم تكن خاطئة قبل الانتفاضة السورية. نعم كانت أسئلة صحيحة عام 2006 و 2007 ولم تعد سليمة ولا مناسبة عام 2011 حيث يجري طرحها الآن وتستغل الإجابات عنها بهدف التوصل إلى نتائج خاطئة، كمن يسأل نفسه سؤالا غالطا: إذا كانت أمريكا مع إسقاط ميلوسوفيتش، وأنا مع إسقاط ميلوسوفيتش، هل أنا إذن حليف أمريكا؟ وسؤال آخر إذا أنا غضبت لمقتل حمزة الخطيب وفي نفس الوقت غضب توماس فريدمان لمقتل حمزة الخطيب لأسباب أخرى غير أسبابي فهل أنا وتوماس فريدمان أصبحنا صديقين أو حليفين؟ وإذا غطت قناة الجزيرة ثورة سورية ولم تغط ثورة البحرين بينما قامت قناة العالم بتغطية ثورة البحرين ولم تتطرق إلى الثورة السورية فهل معنى هذا أن القناتين على نفس المستوى من المصداقية أو عدمها في كل المواضيع؟ وإذا كنت مختلفا مع النظام السوري بينما يؤيده حزب الله لأسباب مفهومة وقد تبدو مبررة، فهل يعني أنني أصبحت معاديا لحزب الله بشكل آلي؟

من هذا المدخل أود أن أمر على مجموعة من الأسئلة الخاطئة التي يطرحها من تبقى من أنصار النظم الديكتاتورية في العالم العربي وخاصة النظام الأشرس في سورية، وغالبيتهم ليسوا سوريين، تحت حجة الحفاظ على نظام الممانعة ودعم المقاومة ثم أضع قائمة بالأسئلة الصحيحة، على الأقل في رأينا، والتي توضح خطل تأييد نظام سلطوي لا يقل شراسة عن أي نظام سلطوي آخر بل قد يبزها جميعا في تعميم ثقافة القتل والتعذيب والترهيب.

الأسئلة المغلوطة

إذا كانت السعودية خاصة ودول الخليج عامة تدعم التغيير في سورية فكيف تقف في صف هذه الدول الأوتوقراطية التي تحرم نساءها حتى من قيادة السيارة وتستخدم العمال الأجانب عبيدا في بيوتها ومؤسساتها وتتعامل مع شعوبها كرعايا لا مواطنين بل وتعتبر البلاد وخيراتها ملكا للعائلة المالكة وليس ملكا للشعب؟

إذا كنت تعرف أن جماعة جعجع والحريري تآمروا على المقاومة اللبنانية في حرب 2006 واصطفوا إلى جانب العدو الإسرائيلي بل وتجسس بعضهم على المقاومة المدعومة من سورية. فكيف يمكن أن تقف في صف هؤلاء الذين يتآمرون على سورية ويتمنون أن تتفتت غدا كي يقطعوا شرايين المقاومة ويفصلوا حزب الله عن روافده الطبيعية كي يسهل الانقضاض عليه ويتم تدميره أو تحييده أو شل حركته؟ فكيف تسول لك نفسك أن تقف مع هؤلاء ضد سورية؟ إذا كانت أمريكا والاتحاد الأوروبي يدفعان باتجاه إسقاط النظام كما فعلوا في ليبيا فهل تقبل على نفسك أن تصطف إلى جانب هؤلاء؟

إذا غطت الجزيرة كافة الثورات العربية من تونس ومصر وليبيا واليمن لكنها تعامت عن تغطية الثورة في البحرين، فكيف تثق بتقاريرها عن سورية وهي القناة القريبة من أكبر قاعدة أمريكية؟ ألا تعتقد أنها تعمد، بناء على تعليمات دول الخليج، إلى المبالغة في تغطية المظاهرات المعارضة في سورية والإيحاء بأن كل أطياف الشعب السوري منتفضون ضد النظام بينما لا تكلف الجزيرة نفسها تغطية المظاهرات الضخمة التي تخرج تأييدا للنظام. فكيف تثق في تقاريرها؟

هذه أسئلة يمكن طرحها وقبولها والإجابة عليها بسهولة لغاية 18 آذار/مارس 2011. أما بعد ذلك فهي أسئلة خاطئة وخارج السياق ولا معنى لها الآن وحمام الدم مستمر بعد انتفاضة الشعب السوري التي بدأت في درعا بعد إعطاء النظام فرصة للإ صلاح فكان رده دمويا شاملا. وكلما انطلقت مظاهرة جديدة كلما أوغل النظام في الدم مما دفع معظم فئات الشعب السوري بالتعبير عن رفضهم لبقاء هذا النظام بطريقة أو بأخرى. وكلما زادت حدة الاحتجاجات كلما ولغ النظام في دم السوريين المدنيين وبالتالي زاد عدد الفئات العسكرية التي تنفلت من قبضة جيش النظام وتحاول على قدر إمكاناتها أن تدافع عن نفسها وعن المدنيين العزل، حتى وصل عدد الضحايا من الأبرياء أكثر من أربعة آلاف بالإضافة إلى آلاف المعتقلين والجرحى والمخطوفين.

الأسئلة الصحيحة

بعد انطلاق الثورة في سورية لم تعد المسألة تنحصر في الوقوف مع جعجع ضد بشار أو مع دول الخليج ضد سورية ولا مع حلف الناتو ضد الجيش السوري ولا مع قناة الجزيرة ضد قناة العالم بل الأسئلة السليمة، في رأينا، تدور حول القضايا الداخلية أساسا. وهذه باقة من الأسئلة الصحيحة، في رأينا، التي يجب أن تطرح الآن وليس بالأمس.

إذا كان هناك صراع بين شعب مقهور وحاكم ظالم، فهل تقف مع الشعب المقهور أم الحاكم القاهر الباغي القاتل، سواء كان هذا الحاكم في رومانيا شاوتشسكو أو تشيلي بنوشيه، ليبيا القذافي أو سورية بشار، يمن علي عبد الله صالح أو أوغندا عيدي أمين؟

إذا كان غياث مطر ناشطا في مجال حقوق الإنسان ولم يرتكب جريمة في حياته لكنه عندما انتقد النظام تم خطفه وتعذيبه بطريقة وحشية ثم تم قتله وتسلميه إلى أهله لدفنه في بلدة داريا يوم 16 أيلول/سبتمبر. فهل تقف مع غياث مطر أم مع قاتليه؟

إذا كان علي فرزات رسام كاريكاتير لم يحمل مسدسا في حياته ولأن قريحته جادت بلوحة فنية قد يفهم منها أنه يحذر الأسد من مصير القذافي، فيتم خطفه في 25 آب/أغسطس من ساحة الأمويين من قبل رجال ملثمين ثم يجري تعذيبه وتكسير أصابعه وقلمه ويرمى به في طريق المطار. فهل تقف مع الفنان أم رجالات الأمن الذي كسروا أصابعه؟

إذا كان حمزة الخطيب طفلا في الثالثة عشرة من عمره أطلق صيحات خوف ضد القهر والظلم فتم خطفه والتمثيل بجثته وبترت أعضاؤه بما فيها التناسلية ورمى على أهله جثة مشوهة لدفنه سرا. فهل تقف مع حمزة أم مع الشبيحة الذين أعدموه؟

سؤال: إبراهيم قاشوش مغن شعبي اشتهر في إحياء الحفلات المحلية في منطقة حماة. إشترك في مظاهرة عارمة وبدأ يردد في الجموع التي زادت عن ال 200,000 أغنية شعبية والجميع يهتف خلفه لازمة بسيطة ذات إيقاع يحرك الجبال: يالله إرحل يا بشار. تم خطف المغني قاشوش وذبح كالشاة واقتلع حلقومه من عنقه ورمى به كجيفة في نهر العاصي بالضبط في الذكرى الرابعة والأربعين لاحتلال الجولان. أتبدي تعاطفا مع الضحية أم مع القتلة الساديين؟

سؤال: شبلي العيسمي الذي يناهز السادسة والثمانين وأحد مؤسسي حزب البعث ونائب رئيس الجمهورية السورية عام 1966، يسكن في مدينة عاليه اللبنانية ويمارس رياضة المشي. رفض إصدار بيان يدين الثورة السورية فاختطف من بيته ولم يظهر له أثر منذ 25 أيار/مايو ولغاية كتابة المقال. الشاعر علي درباك (76 عاما) يقول شعرا مؤيدا للثورة فيعتقل، والناشطة الحقوقية كاترين التلي تعبر عن استيائها فتعتقل، والكاتب عمار ديوب ينطق بعيدا عن هوى النظام فيعتقل، والحقوقية رزان زيتون تعتقل هي وزوجها الناشط وائل الحمادة والفنانة مي كساب تعبر عن حبها للحرية وتعتصم من أجلها هي والمخرج محمد ملص والممثل خالد تاجا والمخرج نبيل المالح فيزج بهم في السجن ويضربون بالهراوات وتسحب بعض النساء من شعورهن. هل تؤيد مثل هذه الأعمال الهمجية بحق الكتاب والشعراء والفنانين أم تنتصر لهم وتؤيد مطالبهم وتقف إلى جانبهم؟

قطيع من الحمير الصبورة المسكينة يرعى في منطقة جبلية لم يسلم من بنادق النظام. أهالي القرية أعلنوا تضامنهم مع الثورة الشعبية فوصل رتل من الجنود تخوم القرية لتأديبها فما كان منهم كي يمعـنوا في قهر الفلاحين إلا أن أطلقوا النار على قطيع الحمير فأردوها جميعا. هل تقف مع سادية القتلة أم تتعاطف مع الحمير وأصحابها الغلابى المساكين؟

حماة، صاحبة الجرح الدفين منذ عام 1982 وقصتها الموجعة مع سرايا الدفاع وشبيحة رفعت الأسد، تخرج في مظاهرة زاد المشاركون فيها عن الستمائة ألف. يتم اقتحام المدينة هذه المرة بفرقة ماهر الأسد وشبيحة آصف شوكت وتدك أحياؤها بالمدفعية ويقتل فيها المئات لدرجة أحرجت المذبحة حلفاء النظام الصينيين والروس فوافقوا على إصدار بيان رئاسي من مجلس الأمن بتاريخ 3 آب/ أغسطس يدين قتل المدنيين ويطالب بوقف العنف والقتل فورا. فهل تبكي على جرح حماة القديم الجديد أم تتغنى بممانعة النظام؟

على العكس من حماة، تخرج مظاهرة بمئات الألوف في دمشق مؤيدة للنظام يتم تجميع المشاركين فيها بطرق شتى لا يصاب فيها أحد بأذى. أين الجماعات المسلحة وقطاع الطرق والفئات المناوئة للنظام؟ لماذا لا تظهر تلك الجماعات إلا لقتل المعارضة؟ فهل تتعاطف مع المظاهرة التي تقدم مئات الشهداء أم المظاهرة المصنوعة على مقاس النظام؟

وسؤال أخير وفي رأينا هو الأهم؟ هل تقف مع أي نظام بناء على سياسته الخارجية فقط حتى لو كانت معادية للإمبريالية والصهيونية أم يعنيك أيضا أمر الأوضاع الداخلية الممثلة في احترام كرامة الناس والحريات العامة وحرية التعبير والتجمع وحقوق المواطنة والحق في محاكمة عادلة ومنع التعذيب وحرية الصحافة وحق الوصول إلى المعلومات؟ فإذا كان الجواب عن السؤال مبنيا على دعم أي نظام بناء على سياسته الخارجية فقط فهنيئا لكم نظام كيم إل سونغ ووريثه كيم جونغ إل. انتظروا أن يأتي النصر من كوريا الشمالية رغم المجاعة التي يعاني منها 70′ من سكان البلاد ومات بسببها نحو ثلاثة ملايين.

فهل جرائم الطغاة مفغورة حتى إذا ذبحوا شعوبهم وورّثوا أبناءهم ما داموا معادين للإمبريالية؟ وهل سيبقى من يصفق لهم من بقايا التروتسكيين والانتهازيين والطفوليين؟ أسئلة أتركها للقارئ وليس لمن ظهروا على الشاشات ليرثوا البطل والشهيد والقائد القذافي الذي قاتل الناتو (في رأيهم) بغض النظر عما ارتكبه من مجازر ضد شعبه على مدى 42 سنة. وبئس البطولة وبئس الأبطال.

‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى