صفحات سورية

الأسد أو نحرق البلد”… شعار الدستور الموعود

 

عبد الحي السيد

ينهي الأسد خطابه حول رؤيته للحل السياسي فيناديه جمهوره “شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد”. وينقل هذا الهتاف على أثير الراديو والتلفزيون الحكومي. تمر اليوم في الدوائر الحكومية في دمشق فتجد شعار “الأسد أو لا أحد” موجوداً على الحيطان على شكل ملصقات مطبوعة في مطابع عمومية. كنت تسمع هذه الشعارات وغيرها، تكتب بالطبشور على الأسفلت، أو على حيطان حارات البلد المكلومة. ولكنها تحولت في الشهور الماضية شعاراً للدولة. ليس ذلك غريباً ولا محزناً، وإنما مثيراً للرياء والشفقة. كانت شعارات البعث عنواناً للدولة، يُجبر أفراد الشعب على تردادها، وعلى التظاهر بالإيمان بها. ولكن كان لها بعض المعنى. أما اليوم فلست تدري إن كنت أمام حالة إفلاس أو خواء أم انكشاف، ولا أوضح، لماهية النظام المعاش و الموعود.

تبدأ لازمة “الأسد أو نحرق البلد” بكلمة “الأسد”؟ إنها تشير إلى ذلك الفاعل السياسي الأوحد، الحاكم المطلق؛ الذي يشكل قوله وفعله مصدر الحياة والسلطات في البلد. وعندما تتحدث عن حاكم أوحد، فلا يهم الشخص بقدر مايهم ما يمثله من استمرارية وديمومة نمط حكم قائم على تركيبة عائلية، تنظر إلى البلد من حيث هي ملكية خالصة، وتنظر إلى من يعيش في البلد من حيث هم أفراد يمكن استباحتهم، والتصرف بهم، والتخلص منهم، من دون أن يعني ذلك أي شيء. لا سياسة، بالنسبة لهذا الفاعل السياسي الأوحد، وإنما أوامر تنفذ بدون تفاوض أو نقاش، ويمكن أن تتغير بحسب الهوى بدون أن يعني ذلك أي شيء. نستفتي على دستور ممجوج عام ٢٠١٢، ولا مانع من اجترار دستور جديد وجر الناس لقول نعم في استفتاء جديد في العام ٢٠١٣. أما بالنسبة لأفراد الشعب، فإن الفعل العام الوحيد الذي يمكن القيام به هو الخضوع والولاء والامتثال والهتاف وطلب الاسترحام. بالنظر الى ماسبق، فإن من المتوقع دستورياً، أن يتم تهميش أكبر للسلطات الرسمية ومؤسسات الدولة، وأن تستمر حالة انعدام الرقابة و المحاسبة على أفعال الحاكم المطلق، وأن تمعن سلطات الدولة في تعزيز حالة إفلات الحاكم من المسؤولية أو العقاب، هذا إضافة الى وظيفتها في أن تكون أدوات قمع وحصر واسكات للمجتمع.

في هذه اللازمة المعتمة، تأتي أداة العطف “أو”؟ إنها تعني بأن أي رأي آخر، أو احتجاج، فردي أو جماعي، بالورود أو بالغناء أو بالبقلاوة أو بالشموع أو بالاعتصام الصامت، أو بالتنظيم الجماعي المدني، أو بالكتابة أو النشر أو الأفلام، أو بالرسم، أو بالسخرية السياسية، هي أفعال تتناول الحكم المطلق، وخياراته، وسياساته، وهي تالياً خط أحمر. إنها تعني بأن أي فعل احتجاجي مهما كان ناعماً، هو تهديد لأساس النظام، ولايمكن التغاضي عنه أو السماح به، ويجدر قمعه بكل غلظة، مهما كان خافتا أو تافهاً.

ثم إلى من تشير نون الجماعة في كلمة “نحرق”؟ من نحن… وفي مواجهة من؟ هل تعني النظام المسيطر على المقدرات والعباد بدون حساب؟ أما أنها تشير إلى شيء آخر؟ إلى فئة مقابل فئات أخرى، لم تعرف تنوعها، ولم تحكِ تعددها، ولم تتبين كيف تحل خلافاتها. جماعات خائفة من بعضها، تعي ذاتها بالصدام والريبة، لا بالتصالح والتعاون والألفة. نون الجماعة تلك، ليست حكراً على جماعة وإنما هي كل جماعة… لان الحكم المطلق لم يسمح لساحة أو فضاء عام بالتشكل، للتتلاقى الناس وتحكي تعددها… لا يمكن معرفة المشترك العابر للتعدد لانه لم تتوفر إمكانية للحكي… لا توجد في الحياة العامة إلا عتمة يخرج منها توجس متبادل الى لا حدود الاجرام، وصراع موقوف على القمع.

ثم ماهو “الحرق”… ولأي “بلد”… كيف يمكن أن يكون هذا الفعل العدمي شعاراً، أو قيمة بحد ذاتها مؤسسة أو ضامنة لأي شئ على مستوى الحياة العامة في أي بلد في القرن الواحد والعشرين. لماذا يستحق بلد هو سوريا، حُرم لعقود من الإمساك بزمام المبادرة المواطنية في ادارة الشؤون العامة، وشعبه يتطلع دائماً لكل ما هو جميل ومجدد في العالم، لماذا يستحق هذا البلد الجريح الحرق؟ لا غرابة في ذلك فأمام الحكم المطلق، لا شيء مسموح به إلا العدم المطلق، كلاهما وجهان لشيء واحد. إما الكل أو حرق الكل، لا مكان، إذا لم يكن للحاكم المطلق. و لا زمان إلا إذا ضبطه الحاكم المطلق. الحرق على صورة الحكم. والحرق هو فعل ذو أثر مطلق حتى في الأوضاع الصغيرة كما في الشؤون الكبرى. يمكن للحرق أن يكون على صور مختلفة، لكنك تعرفه من حيث أن هدفه في كل الاحوال الالغاء المطلق، بالاذلال وكسر الشوكة والتصفية، بدون حدود توقف هذا الفعل العدمي من الوصول إلى نهايته: ألا وهي العدم المطلق. هو في مكان قلع أظافر، أو إطلاق رصاص حي على متظاهرين يحملون الورود، أو تعذيب لآخر نهايات الألم، أو استباحة الألم نفسه، وكل إمكانيات تخفيفه، أو قصف عشوائي، ثم إغارة بالطيران الحربي والصواريخ، ثم إبادة أي سبل للحياة في حي، ثم مدينة، ثم مدينة أخرى، وصولاً إلى كل البلد. وفي هذه الظروف، فان الحرق ليس غرضه إزالة فئة باغية أو الظفر لفئة ناجية بمكان تحت الشمس. البلد المحروقة هي كل البلد، لان الحكم المطلق هو على كل البلد. حرق البلد ليس تصفية لآخر، وانما انتحاراً للكل. وإن الالتحاق بهذا الفعل هو قيمة بحد ذاتها. الوطن، في زمن الاحتجاج، يصبح بلداً يستحق الحرق. فلم يعد للحياة العامة معنى، مع الاحتجاج والثورة على الحكم المطلق. إن الفعل الأسمى والأوحد المسموح به في هذا “الوطن”، هو التجند شبيحة كرمى لعيون الحاكم، لنكون قرابين ومحروقات في عملية انتحار جماعي، لانه لم يعد ثمة في هذه الحياة ما يستحق أن يعاش.

أمام شعارتية الانتحار هذه… هناك ثورة تقول كل يوم، إن في هذا البلد ثمة شيء يستحق أن يعاش…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى