صفحات العالم

الأسد… وأزمة تكرار الأخطاء


محمد خلفان الصوافي

هناك رغبة لدى القيادة السياسية في سوريا في الاستمرار في ارتكاب أخطاء مصيرية رغم وجود بدائل أفضل ومساحات أوسع للابتعاد عما كان يرتكبه الآخرون.

ردة الفعل الغاضبة للدبلوماسية السورية على موقفي جامعة الدول العربية وتركيا أفقدتها هدوءها وحصانتها. كانت تتمتع بحصانة تجاه الشأن الداخلي وتحركها الإقليمي (لبنان والعراق)، وكان يمتنع الآخرون عن الحديث حول أسلوبها الأمني في التعامل مع شعبها، لأنها دولة “الصمود”. كأنها لم تستخلص الدروس مما تم على الأرض في العراق وليبيا وتونس ومصر. لم تدرك أن هناك فرقاً بين تعامل الحكومة مع الشعب عام 1982 في حماة وبين ما يجري الآن. هي متهمة الآن بأنها تعمل على قتل مواطنيها العزل بطريقة وحشية لا يقبلها الضمير الإنساني. الإجماع العربي على تعليق عضويتها، ما عدا العراق ولبنان، دليل كافٍ على حجم الإحراج الذي يمثله النظام السوري للدول العربية الأخرى في تعامله مع شعبه.

كان عليها أن تصحح الوضع أو أن تبرر عدم مقدرتها على التعامل مع الوضع، خاصة وأن الجميع يعرف أن لسوريا وضعاً استراتيجياً خاصاً في الإقليم. وكان ينتظر منها أن تستخلص الدروس العربية التي مرت على المنطقة وتبتعد عن المكابرة السياسية المقيتة، خاصة أن الأمر متعلق بالشعب السوري وليس بأي جهة خارجية، كما اعتدنا. كان ينتظر أن يقدم النظام على التسامح مع شعبه وعدم اقتصار التعامل مع القضية بالأسلوب الأمني لمطالب اجتماعية بسيطة. كان يجب الاستفادة من أزمة الدول العربية الأخرى في إدارة أزماتها الداخلية، القتل وإراقة الدماء أديا إلى تعقيد المشكلة وليس انفراجها.

اقتحام السفارات والقنصليات ورفع علم “حزب الله” اللبناني على السفارة الأردنية وتأييد أمين الحزب لنظام الأسد لا يخدم سوريا ولا يعالج المشكلة. اتّباع سياسة التخويف والتهديد لإجبار العرب على تغيير موقفهم لم يعد مجدياً. “نصرالله” فقد شعبيته في الشارع العربي منذ زمن، ولم يعد حزبه “مقاوماً”. والرد بغضب وشتم وبصق في هذه اللحظات لا يساعد على الخروج من الأزمة السياسية، والعناد السياسي أفقد سوريا -كما أفقد سيف الإسلام- حصانتها السياسية وسمحت حتى لمؤيديها بالوقوف ضدها وانتقادها، بل سهلت على الدول المترددة اتخاذ مواقف صريحة ضدها. صارت مطالب علنية لإسقاط النظام. الرهان على روسيا والصين لا يمكن الوثوق به، واستقبال روسيا للمعارضة السورية اليوم يعطي دلالات كثيرة.

الخروج عن اللباقة الدبلوماسية والهدوء السياسي أفقد سوريا تعاطف الرأي العام العربي والإسلامي، وذكَّر الكثيرين بموقف عزت الدوري في قمة الدوحة، وأعتقد أن مثل هذا الخطأ كان يتمناه الكثيرون. أحد السوريين المحسوبين على المعارضة نصح وسائل الإعلام الغربية في بداية الأزمة بإعطاء المسؤولين السورين الفرصة للتحدث كي يظهروا للرأي العام كيف يتعاملون مع شعبهم، فكانت البداية مع رامي مخلوف ثم بثينة شعبان وبشار، الجميع هدد بإحراق المنطقة.

قد لا يكون موقف الجامعة العربية موفقاً ولا مقنعاً بالنسبة للمسؤولين السوريين لكنه كان يحتاج إلى قوة أعصاب وهدوء شديد في التعامل. موقف النظام السوري يحتاج إلى عدم الوقوع في أخطاء بسيطة لكن ثمنها كبير، انفلات أعصاب السياسي قد يفقد بلده قضيته.

القضية السورية لم تكن لتظهر على الساحة السياسية لولا تعدد أخطاء النظام السوري وكثرتها على مدى ثمانية أشهر. أما اليوم فإن القيادة السورية لن تقنع الشعب السوري ولا المجتمع الدولي بأنها تريد المحافظة على الاستقرار!

محمد خلفان الصوافي

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى