صفحات العالم

الأسد يتجاوز الخطوط الحمراء


آن أبلباوم

كانت حلب تشتعل الأسبوع الماضي، حيث تظهر الفيديوهات التي نشرت على موقع «يوتيوب» ألسنة اللهب وهي تلتهم السوق القديمة، المعلم الرئيسي لواحدة من أقدم المدن في العالم، والذي يعود عمره إلى 600 عام. وإذا نظرت إلى المزيد منها يمكنك أن ترى أيضا فيلما لما يبدو أنها طائرات تابعة للجيش النظامي تقوم بتمشيط المدينة، وفيديو تم تصويره بين حطام مكتب الجوازات في قلب هذا المركز التاريخي. ما يبعث الأمل أن منظمة «هيومان رايتس ووتش» وثقت على الأقل 10 هجمات حكومية على المخابز في حلب – وبعبارة أخرى، الهجمات على الأماكن التي يقف فيها الأفراد في انتظار الحصول على الخبز.

قصف المدنيين في سوريا ليس جديدا، وبحسب المعارضة السورية، قتل ما لا يقل عن 30 ألف شخص منذ بدء الصراع قبل 18 شهرا. وسقوط المدنيين ليس بالأمر المستغرب في حرب مدنية. لكن الجديد والغريب – على الأقل في تاريخ الحرب الأخيرة – هو تكتيكات النظام السوري، من الاستهداف المتعمد للمدنيين. وينبغي على المرء العودة إلى معركة بريطانيا أو قصف دريسدن للعثور على حرب أخرى يقوم فيها جانب عن عمد بقتل الأعداء غير المقاتلين – النساء والأطفال والشيوخ – من الجو. لكن حتى هذه المقارنات ستكون ظالمة. فعلى عكس القوات الجوية التي عملت خلال الحرب العالمية الثانية، لا تحاول قوات بشار الأسد قتل الأعداء غير المقاتلين، بل الشعب السوري.

هناك العديد من التفسيرات لاستخدام هذه الأساليب العسكرية المتطرفة؛ البعض يعتقد أن الرئيس السوري مصمم لا على هزيمة الثوار بل على إرهاب أي شخص آخر قد يرغب في الانضمام إليهم – أو إقناع خصومهم بأن قضيتهم خاسرة. ويعتقد آخرون أن مرارة الهزيمة هي التي تدفعه، فإذا لم يتمكن من السيطرة على مدينة أو حي فعندئذ يفضل رؤيته أنقاضا. غير أن البعض يرى بصيصا من الأمل في هذه الاستراتيجية، فإذا كان الأسد يدمر حلب، فإن هذا يعني أنه لا يتوقع استعادتها مرة أخرى.

وقد سمعت مؤخرا تفسيرا آخر، لا يتعلق بإشاعة الخوف وتدمير المدن والبلدات المتحدية، وهو أن الأسد يستثير ويتحدى الغرب عن عمد والولايات المتحدة على وجه التحديد. وأنه بإطلاق النار على شعبه وارتكاب مذابح جماعية، يتخطى كل خط أحمر في مواثيق المجتمع الدولي. وفي كل مذبحة جديدة يبعث برسالة إلى المعارضة السورية، وهي أنه لن يساعدكم أحد من العالم الخارجي، ووفق هذا المنطق سرعان ما سيلجأ الأسد إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، لأننا طلبنا منه ألا يفعل ذلك. ثم ماذا بعد؟ على مدى يومين قصفت قوات الأسد الأراضي التركية بالمدفعية، فهل سيرد الناتو على الهجوم على واحد من أعضائه؟!

لا توجد خيارات عسكرية حقيقية في سوريا، وأنا أفهم الحجة وراء عدم تسليح المعارضة. فحتى اليوم فشلت المعارضة في التجمع حول فكرة أو بنيان أو قيادة واحدة. ولا أحد يريد تقديم مزيد من الأسلحة إلى منطقة تموج بالفعل بالأسلحة، خاصة أنه لم يتضح بعد لمن ستؤول هذه الأسلحة في نهاية المطاف، أو الغرض الذي ستستخدم فيه. بيد أن ابتعادنا عن التدخل في الأزمة لن يبقينا بعيدين عن الصراع، ولن يرفع عنا مسؤولية النتائج.

الحرب الأهلية السورية حرب طائفية بالفعل، وربما تكون حربا بالوكالة، فقوات الأسد المدعومة من إيران وروسيا يمكن أن تخوض حربا مريرة ضد الإسلاميين المسلحين من قبل دول الخليج. وإذا ما ابتعد الغرب، وإذا لم نستطع تقديم الدعم المادي والمعنوي للبديل العلماني والليبرالي – دستور يضمن حقوق الأقليات، ونظام سياسي شامل، ونظام اقتصادي مفتوح – فحينئذ ربما لن يكون هناك بديل على الإطلاق.

نحن لسنا عاجزين تماما، فبعض المناطق السورية التي انسحبت منها قوات الأسد خاضعة الآن للجان التنسيق المحلية. ينبغي علينا أن نكون هناك لمساعدتهم – وليس بالمساعدات الطارئة فقط. قبل عدة أشهر، أكدت أنه ينبغي على السوريين البدء في التفكير بشأن العدالة الانتقالية، وكيف سيتعامل حلفاء النظام السابق، تحديدا، مع سوريا إذا ما فاز الثوار، وكيف سيتم تعويض المصابين. لكن هناك إمكانية أيضا للبدء في التفكير الآن بشأن اقتصاد سوريا بعد الحرب، والتي استنزفت ميزانيتها ودمرت بنيتها التحتية. ومن خلال التركيز على المشكلات الرئيسية يمكن للثوار وللجان التنسيق إدراك أنهم قادرون على التوحد حول الحلول.

قد يبدو من الحمق أن نخطط لسوريا بعد الأسد في الوقت الذي يدمر فيه الأسد مدنه ويقتل شعبه.. لكن إن لم يقترح أحد مستقبلا أفضل فربما يفوز.

* خدمة «واشنطن بوست»

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى