صفحات الناس

الأسد يحرم السوريين مياه الشرب/ دمشق – عدنان عبد الرزاق

 

 

قبل أن تصل إلى مدخل المستشفى الميداني، سقطت ميساء، 64 عاماً، فاقدة وعيها، بسبب نوبات التشنّج التي أصابت جسدها المنهك، اصفَرّ لونها وبدأ الزبد يخرج من بين شفتيها إثر ارتفاع البوتاسيوم والحموضة في دمها. لم يتمكن الممرضون في مستشفى الجيش الحر، بغوطة دمشق المحاصرة منذ نحو عامين، من إسعاف ميساء التي تفاقم فشلها الكلوي بسبب ندرة مياه الشرب غير الملوثة في الغوطة.

تؤكد الناشطة زين الخطيب، أن حالة ميساء ليست فردية، لأن العديد من فقراء غوطة دمشق لا يستطيعون شراء المياه الصالحة للشرب، بعد أن وصل سعر صهريج المياه (خمسة براميل)، إلى أكثر من 3000 ليرة سورية (14 دولاراً أميركياً).

تنهّدت الخطيب قبل ان تتابع، لـ”العربي الجديد”: “لا مياه في دوما منذ أشهر طويلة. البعض يعتمد على الآبار التي حفروها داخل بيوتهم أو قربها. كثيرون أصيبوا بالتهاب الكبد الوبائي والتيفوئيد، نتيجة شرب مياه غير معقمة وملوثة”.

تعميم العطش

من مدن الشمال السوري (حلب وإدلب)، مروراً بريفي حمص وحماة، وسط سورية، وصولاً لدمشق ودرعا، ثمة قواسم، إن لم نقل تطابقاً، في حال الأزمة المائية التي يعاني منها السوريون، كما وثّقت “العربي الجديد” عبر شهادات يوسف البستاني، الناطق باسم تنسيقيات الثورة بريف دمشق، الإعلامي عقيل حسين، من حلب، وهو ما كررته الناشطة وفاء شربا، من ريف حماة الشرقي، إذ توقفت شبكات المياه المغذية لمدينة حلب في دوار الحاووز بعد قصفها ببراميل متفجرة.

كما تهدمت خزانات المياه في مدينة الأتارب بريف حلب، بعد استهدافها بصواريخ، وكذا مركز الغنطو في حمص ومحطة ضخ مياه الشرب في قلعة الحصن، وقرية الحسينية في دير الزور، ليصل حجم الأضرار، بحسب “الهيئة العامة للموارد المائية ومؤسسات مياه الشرب”، إلى أكثر من 200 مليون ليرة (المليون ليرة تساوي 4700 دولار أميركي).

” يروي الإعلامي عقيل حسين معاناة حلب وأهلها مع المياه، قائلاً: لا توجد مياه في مناطق الثوار، منذ ثلاث سنوات. أخيراً تفاقمت هذه المشكلة، إذ سجل انقطاع المياه عن الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام نحو عشرة أيام متواصلة، والسبب، حسب المجلس المحلي والإدارة العامة للخدمات، هو انقطاع الكهرباء، ما أدى لتوقف مضخات المياه عن العمل، حيث تعتمد الأحياء المحررة على محطتي ضخ رئيسيتين هما محطة سليمان الحلبي ومحطة باب النيرب.

في هذه الحالة نحن أمام مشكلة كهرباء، المتحكّم بها عاملان، الأول هو النظام، الذي قام بتقاسم إنتاج المحطة الحرارية مع تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، فحُرمت مناطق سيطرة الثوار نتيجة هذا الاتفاق من حصتها، الأمر الذي اضطر الإدارة العامة للخدمات إلى تعطيل وصول الكهرباء إلى مناطق سيطرة النظام من الخطوط المارة في المناطق المحررة.

أما وفاء شربا، من مدينة سلميّة، شرقي حماة، فقالت: “تصل المياه لنا ساعتين كل يومين أو ثلاثة أيام، وندفع 4000 ليرة ثمن صهريج المياه (19 دولاراً)، وهو مبلغ كبير لا تقدر عليه معظم العائلات”.

في دمشق، يؤكد الناشط قاسم محمد، أن المياه توزع على حسب المناطق المؤيدة للنظام، فالمزة تأتيها المياه بشكل يومي، في حين لا تزيد عن ساعتين في برزة، ولا تصل لمخيم اليرموك وجديدة عرطوز، حلال فترة تصل إلى 20 يوما”. ونوه محمد أن دمشق تستهلك يومياً أكثر من 500 ألف متر مكعب، ما يدفع النظام إلى ضخ مياه الآبار التي يشبه طعمها طعم الوقود.

لكن رواية الناشط يوسف البستاني هي الأقسى، إذ قال: “شاهدتُ رجلاً لم يُصلِّ على جنازة ابنه، لأنه لم يغتسل منذ شهرين”.

معاناة المزارعين

المهندس الزراعي يحيى تناري، أحد المسؤولين في الحكومة السورية المؤقتة العاملة بالمناطق المحررة، يؤكد لـ”العربي الجديد”، أن “المساحات المزروعة انخفضت بنسبة تفوق 75% مما كانت عليه قبل الثورة، نتيجة استخدام نظام الأسد المياه لمحاربة المزارعين”.

وهو ما وافقه فيه المهندس أكرم برغل، من مدينة بنش شرقي إدلب، الذي قال لـ”العربي الجديد”: “مع انطلاق الثورة عام 2011، تزايدت تجاوزات حفر الآبار الارتوازية التي تهدد الثروة المائية السورية، بالإضافة إلى عدم توفير مياه الري لـ480 ألف هكتار تعادل 31% من المساحات المروية”.

ويتفق متخصصون بالشأن الزراعي أن قلة المياه وغلاء أسعار المشتقات النفطية والبذور وانقطاع الكهرباء أدت إلى تراجع الإنتاج الزراعي في سورية، فمن إنتاج أكثر من 3 ملايين طن قمح سنوياً إلى نحو مليون ونصف المليون العام الفائت، ومن عتبة المليون طن من القطن قبل الثورة إلى أقل من 400 ألف طن الموسم الفائت، وعلى ذلك يقاس إنتاج الزيتون والحبوب والنباتات العطرية.

وتستهلك الزراعة نحو 90% من المياه المستهلكة في البلاد، وفقاً للحكومة وللقطاع الخاص. وتشجع السياسات الزراعية السابقة للنظام المحاصيل التي تستهلك الكثير من المياه مثل زراعة القمح والقطن في ظل استخدام طرق الري غير الفعالة، ما يتسبّب في هدر كميات كبيرة من المياه.

عجز مائي

يؤكد المهندس محمد علي، المتخصص في الري والموارد المائية، أن الحرب الدائرة في سورية تسببت في أضرار كبيرة لحقت بشبكة المياه في البلاد، نتيجة قصف النظام وعمليات التفجير والتفخيخ التي تنفذها المعارضة المسلحة، إلى جانب وقف عمل مضخات المياه، بسبب الانقطاع المتواصل في الكهرباء، ما دفع المواطنين إلى ابتداع وسائل جديدة للحصول على الماء لسد احتياجاتهم الضرورية، وهو ما قام به بعض المجالس المحلية في المدن السورية التي عملت على مواجهة مشاكل نقص المياه بطرق مبتكرة مثل مجلس بلدة الأتارب في ريف حلب الغربي، الذي قام بنصب خزان ضخم وسط البلدة، بدعم من منظمة إغاثية دولية، لسد جزء من النقص في مياه البلدة، التي يسكنها 40 ألفاً، إلى جانب 20 ألفاً نزحوا إليها من مناطق مختلفة.

” وتبلغ سعة الخزان 72 ألف ليتر مكعب، وهو موصول عبر أنابيب ببئر ارتوازية، ويتم سحب مياه البئر إليه عن طريق مضخات تعمل على مولّد كهرباء ضخم، وتخرج من الخزان أنابيب تتفرع إلى أنحاء مختلفة من البلدة، فيما جرى نصب الخزان على مستوى مرتفع عن الأرض لتسهيل خروج المياه منه.

وأوضح المهندس أن سورية تحتاج إلى 23 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، لتكون حصة الفرد فيها مساوية لخط الفقر المائي البالغ 1000 متر مكعب، ويشير إلى أن متوسط سقوط الأمطار خلال العام الماضي بلغ 825 متر مكعب للفرد في السنة، ويذكر أن العجز السنوي السوري من المياه ارتفع من حوالي 1.5 مليار متر مكعب سنوياً، والذي كان يغطى بضخ كميات من المياه الجوفية تفوق الواردات الجوفية من مياه الأمطار، إلى 3.5 مليارات متر مكعب، متوقعاً زيادة العجز إلى 6 مليارات متر مكعب هذا العام.

ويضيف المتخصص بالشؤون المائية، لـ”العربي الجديد”: “حصة سورية من نهر الفرات حوالي 6.6 مليارات متر مكعب سنوياً، والمياه المتاحة للاستعمال من كل المصادر المطرية والنهرية وغيرها تبلغ 15.6 مليار متر مكعب في السنة”.

يختم علي: “جميع مصادر المياه السورية في خطر، وخاصة بعد قرار الحكومة التركية بتخفيض حصة سورية من مياه نهر الفرات المقدّرة بـ500 متر مكعب بالثانية، حسب اتفاق تقاسم مياه الفرات بين تركيا وسورية والعراق الموقع عام 1987، وانسحاب التراجع على حوض اليرموك، إذ انخفض إجمالي تصريف الينابيع من 3.5 م3 في الثانية عام 2001، إلى 2.5 م3 في الثانية عام 2012، وفي حوض العاصي انخفض من 14.5 إلى 11.8 م3 في الثانية.

وكذا لجهة نبع المزيريب في درعا الذي انخفض من 900 إلى 310 ليترات في الثانية، ونبع السمك في حمص الذي انخفض من 470 إلى 240 ليتراً في الثانية، ونبع عين الزرقا في إدلب، الذي انخفض من 5500 إلى 4000 ليتر في الثانية، فضلاً عن توقف ينابيع الخابور، وهو ما يوضح حجم الكارثة المائية التي تنتظر السوريين.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى