صفحات سوريةمحمد دحنون

الأسلحة “الفتّاكة” للمعارضة السورية: حين يرتاح أوباما للوضع القائم/ محمد دحنون

 

 

تناقلت وسائل إعلام عالمية، حديث مستشارة الأمن القومي للرئيس الأميركي، سوزان رايس، حول قيام بلادها بتزويد المعارضة السورية بأسلحة “فتاكة”، فضلاً عن تلك التي درجت الإدارة الأميركية على تقديمها لمعارضي النظام السوري “المعتدلين”، والتي توصف بأنها غير فتاكة.

ويأتي حديث رايس بعدما وجه السفير الأميركي السابق في سورية، روبرت فورد، انتقادات لاذعة لإدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على خلفية تردده في القيام بإجراءات ملموسة وجدية، تضع حداً للمأساة السوريّة، وتقلل من منسوب المخاطر التي تتعرض لها الولايات المتحدة نفسها، التي أعلنت، خلال الأسبوع الماضي، عن اسم أول مواطنيها الذي نفّذ عملية انتحارية في الشمال السوري. فورد، الذي ترك منصبه في مارس/ آذار الماضي، برر استقالته بالقول إنه لم يعد قادراً على الدفاع عن سياسات بلاده في سورية.

وتأتي “النغمة” الأميركية الجديدة، بعدما أعربت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، عبر كتاب مذكراتها، الذي يصدر الثلاثاء، تحت عنوان: “خيارات صعبة”، عن معارضتها لسياسة أوباما حيال سورية.

وأعلنت كلينتون عن أنها كانت تريد تسليح المعارضة السورية منذ بدء النزاع، ولكن الرئيس أوباما كان يعارض ذلك التوجه. وقالت إنها، منذ بدايات النزاع في سورية، كانت مقتنعة بأن تسليح وتأهيل مقاتلي المعارضة هما أفضل الحلول من أجل التصدي لقوات النظام، ولكن أوباما كان ميالاً إلى “إبقاء الأشياء على حالها”، وليس الذهاب إلى أبعد من خلال تسليح المعارضة.

وعليه، يبدو أن تصريحات رايس تهدف، في المقام الأول، إلى الرد على الانتقادات الحادة، والتي يمكن، مع “مذكرات” كلينتون وتصريحات فورد، القول إنها بدأت تصل إلى مرحلة “الهجمة الشرسة” على سياسة أوباما “الانسحابية”، ليس حيال سوريّة فحسب، وإنما، أيضاً، في عموم مناطق النفوذ الأميركي في العالم، لا سيما في شرق أوروبا، حيث يواصل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، “سياسة التفرعن” في أوكرانيا، والتي كان آخر دلالاتها السخرية من تصريحات كلينتون نفسها، التي لا تستحق المناقشة كونها صادرة عن امرأة، بحسب بوتين.

ما يبرر الحديث عن “هجمة شرسة” على سياسات أوباما، وتحديداً من قبل أعضاء فريقه الذين عملوا معه هو، بالذات، كشف كلينتون عن “ميل” أوباما لإبقاء الأشياء على حالها في سورية.

الأمر الذي يعني، أوّلاً وقبل كل شيء، الالتقاء، مجدداً، بحقيقة الموقف الأميركي حيال الأزمة السورية، ونظام الأسد الذي يقف خلفها؛ فإدارة أوباما لا تهدف إلى وقف الحرب، ولا إلى وضع حد لـ”سياسة” النظام السوري البربرية، ولا إلى إيقاف النزيف السوري، عمرانياً وبشرياً، الذي تمّثل، حتى اليوم، بخراب البلد، ومقتل ما يزيد عن 160 ألف شخص، فضلاً عن نزوح ولجوء نحو تسعة ملايين شخص، بل إن أوباما يريد “إبقاء الأشياء على حالها”، وبناءً عليه، يمكن الاستنتاج أن أوباما ليس معنياً حتى بإيجاد “حل سياسي”، في الوقت الذي لا يتوقف فيه الغرب، وأميركا أوّلاً، عن ترداد هذه اللازمة.

وليست تصريحات المسؤولَين الأميركيَّين هي ما يبرر الحديث عن “هجمة شرسة” على سياسة أوباما السورية فحسب، وإنما أيضاً، الرد الأميركي الرسمي عليها، إذ قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماري هارف، في سياق ردها على تصريحات السفير فورد، قبل أسابيع خلت، إنه “مواطن عادي ويحق له التعبير عن آرائه ووجهة نظره الخاصة”، قبل أن تعرب عن “إحباط” واشنطن من الوضع في سورية، وتعلن أن بلادها في طريقها لزيادة الدعم للمعارضة المعتدلة، “لأننا نعرف أنه يتعيّن علينا تقديم المزيد”.

وبناءً على ذلك، يبدو أن “حديث الأسلحة الفتاكة” مكرّس، في المقام الأوّل، لاعتبارات سياسية أميركية داخلية. ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، التعامل معه كمؤشر على تغيير استراتيجي في سياسة أوباما حيال الملف السوري.

غير أن هذا لا يمنع اعتباره، من جهة أخرى، رغبة أميركية في الرد على “العار”، وهو، بحسب الولايات المتحدة، الانتخابات الرئاسية. غير أن الأمر، وإن كان على هذا النحو، لا يعدو أن يكون استمراراً لسياسة “إبقاء الأشياء على حالها”، أو المحافظة على “الستاتيكو”، إذ يبدو طبيعياً أن التصعيد الروسي ـ السوري ـ الإيراني، الذي تمثّل، هذه المرّة، بتنظيم “رئاسيات الأسد”، سيواجه، غربياً، بحديث عن “دعم فتاك” للمعارضة، وهو الدعم الذي لم يستطع رئيس “الائتلاف الوطني” السوري المعارض، أحمد الجربا، أن يحصل حتى على “وعد” به، خلال زيارته لواشنطن التي قام بها الشهر الماضي.

ثمة خيط رفيع يفصل بين اعتبار “حديث الأسلحة الفتاكة” الأميركي مزحة سمجة، أو مؤشراً على تغيّر استراتيجي في سياسة الرئيس الأميركي حيال النظام السوري. فلو أقدمت الولايات المتحدة على تزويد المعارضة السورية المسلحة بعدد محدود من الصواريخ المضادة للطائرات، المحمولة على الكتف، قبل أن يقوم نظام الأسد بانتخابات “العار”، فحينها ما كان للأشياء أن تبقى على حالها.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى