صفحات سورية

الأصعب قادم، لكنّ حسم النصر فيه


د. سماح هدايا

   المرحلة الآن هي معركة التّحرير(معركة الاستقلال الثاني وبناء الدولة الديمقراطية . دولة الحق والعدل والمساواة).  الشّعب كلّه سيكون جزءاً من المعركة، بشكل أو بآخر. إنّها المرحلة الحاسمة. بدأت الثورة بالشرارة الأولى، وتلاها السّعي إلى تثبيت القواعد الثورية في الأرض، ثم كان الإثبات والتّمكين والبلورة والتصميم، الذي صعّد فيه النظام الأسدي مستوى العنف الدموي؛ كي تكتسي المعركة معه تلك الأبعاد كاملة، حيث يزيد العنف عنفاً، ويصير الصراع شاملا وواسعاً، ويبدأ تشكيل القرارات السّياسيّة العالميّة الضاغطة، وحراك التّحالفات من أجل تعديل مسار الواقع السوري نحو إسقاط النظام.

    مرحلة معركة التّحرير التي بدأنا نثبّت أقدامنا في دربها الجديد، ستواجهنا فيها بعض الهزّات الشديدة نتيجة العنف الاستبدادي الأسدي، لكنّ يقيننا بالثورة، سيقف بالمرصاد ليقوي إيماننا وعزيمتنا؛ وقد تفلت من مجمر الثورة بعض الشرارات المصبوغة بالثأر والانتقام؛ لكنّها لن تكون، في الأغلب، إلا محدودة ومؤقّتة؛ لأنّها ردّات فعل منفعلة مصدومة من الواقع الدّموي العنيف، سرعان ماستنطفئ؛ فلا شرعية أخلاقيّة لها، ولا صحة منطقيّة فيها، وهي غريبة، هجينة، طارئة على ثورة بهذه العظمة والنتائج. كما قد يقوى إحساسنا بالتّقصير والذنب، لكنّ جلد الذات لن يصمد طويلا؛ لأنّ العمل الثوري عمل متكامل، ويحتاج إلى إطار واسع  متنوّع الدعم: الثقافي والإعلامي والمالي والطبي والفكري والإرشادي. وسيقوم، كلنا، بدور مهم وضروري؛، لكي يأتي الإنتاج الثوري عظيماً ومثمرا. ولأنّ الثّورة مشروع تكوين كيان جديد لوطن سُحقت هويته وأصالة شعبه ومكانته وكيانيته، فهي قادرة على جبل دمائنا كلنا، بأراواحنا وأشلاء أهلنا، وتضحيات شعبنا؛ لكي تصنع عجينة النصر وخبز الفوز، فبأعظم الفضائل، وهي العدل،  وأقوى الأسلحة، وهو العقل، تلمّ الثورة أبناءها، وتنشلهم من ضغفهم وأخطائهم وأوجاعهم، قبل أن تتكون منظومة المعاصي والمظالم والانهيارات والانكسارات، التي يلذّ للأعداء إثارتها.

   إن القادم القريب في معركة التّحرير سيشهد حضورا واسعا للحركات والتكتلات والتيارات الجديدة الداعمة للثورة السّورية، ونشاطا تها على الساحة السياسيّة، تضطر معها المعارضة إلى إعادة رسم صورة  جديدة  لها تتناسب والتطورات والتحديات؛ فيزيد أمام الثورة الفرز وضوحا، ويتشكّل في أحلاف واضحة ومحدّدة، داخليّاً وخارجيّاً؛ فهنالك النظام وبطانته وحلفاؤه من حزب الله وإيران وروسيا…، الذين سيقوى لديهم قرع طبول الفتنة والحرب، والنداء باسم فلسطبن والمقاومة والدين. وبالمقابل هناك  حلف أصدقاء سوريا الذين سيعملون على إخراج القرارات السياسية ضد نظام الأسد، وتهيئة الأرض لإسقاط نظامه. وقد تقع المنطقة تحت نار صراع المحاور. وربما تنتهي بحرب، على الرغم من أنّ الأطراف المختلفة تؤجّلها.  وسنسمع مجددا أسطوانة التحرير والمقاومة. هم يريدون تحرير القدس، لكن ليس للعرب، بل من أجل بناء مشروع الامبراطورية الفارسية المزعومة.

     لن يكون هناك مناورات سياسية يقوم بها النظام؛ فما عادت ورقة الاحتيال السياسي تعطي مفعولها، وقد سحب النظام العربي منه الدعم، لأنه أيقن بسقوطه؛ فالمرحلة الجديدة، لا فعل للجامعة العربية فيها،  ولا  فعل للأمم المتحدة، بل هي مواجهة بين صفين: النظام ومن يدعمه والثورة ومن سيدعمها، ويدعم معها المجلس الوطني لأسباب سياسية  متعلقة بالتوازن الدولي.

    وهكذا؛ فإن مرحلة إنهاء النظام في سوريا لن تكون سهلة أمام الثورة السّوريّة، لكن الدعم الذي يفقده النظام من أنظمة العالم الغربي، التي تخشى على مصالحها، الدولية، فتفرض العقوبات الصارمة على النّظام، وتحاصره، وتجفّف منابع التسليح، وتعدّ الأرض والتحالفات المضادة له،  سيكون له الدور الكبير في سقوط عصابات النظام واحدة وراء الأخرى، وفي إضعافه، وسيزيد في ضعفه فقدانه لكثير من طوابير الانتهازيين والصامتين والمنتفعين، الذين سيغيّرون موقفهم ويتخلون عن دعمه عندما يدركون اقتراب النّهاية، ويلتحقون  بتأييد الثورة من أجل حماية مصالحهم. لذلك سيستعر النظام في الدفاع عن بقايا سلطته ونفوذه، وسيستخدم أشد أسلحته عنفا ودما وعدوانا وحربا..

    إنّ معركة الجلاء والتّحرير قد تطول. وربما لن يصمد بعضنا أمام عنفها. فالإجرام سيكون مريعا؛ لذلك علينا أن نعدّ العدّة للأصعب والأصعب. فيقينا، وراء الأصعب هو النصر. وحركة التحرير قادمة، ستعلو فوق المحرقة والأشلاء والدماء والحروب. ونتائج المعركة واضحة، فالعنف الدموي الشديد وإشعال فتيل الحروب، لن يكسرا مسير الثورة، بل سيدفعانها نحو الأمام بفضل قوّة الإيمان بالتحرير، مقابل تآكل سريع مستمر للنظام، ينتهي بإسقاطه النهائيّ.  ما نريده لمعركتنا، ليس التباكي والشعور بالذنب والتقصير، وانتظار الشفقة وفتات الإغاثة. إنّا أحوج ما نكون إلى الصمود والتعاضد وإلى تزويد جيشنا بالقوة العسكرية الضاربة. فدعم الجيش الحر، سيكون له  الدفع الكبير في عجلة سقوط النظام. وعلى المجلس الوطني أن يتحرر من مواقف الاستحياء والتوازنات الهشّة، ودور هيئة التشريفات المولع بها، وأن يخرج، أيضا، من مهنة  المعونات الإغاثية؛ فهي تفيد المنكوبين؛ لكنها لا تكفي أبدا، ولا تلبي متطلبات الثورة. المجلس الوطني يجب أن يسعى إلى تسليح الجيش لا الاكتفاء بالمعونات الإغاثية وصفقات التّوازنات والوعود والخطابات، في داخل شرنقة اللعبة الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى