كتب ألكترونية

الأصول السياسية للحرية الدينية/ أنطوني جيل

 

 

 

من منطق القوة والاحتكار إلى منطق السوق: التيار الإسلامي «النائم» والسياسة في سوريا ما قبل الثورة/ محمد تركي الربيعو

حظي مفهوم السوق الديني في العقد الأخير باهتمام ورسوخ كبيرين داخل الحقل الأكاديمي الأنكلوسكسوني، إذ يرى عالم الاجتماع الأمريكي أنطوني جيل، في سياق قراءته لتاريخ ومضمون هذا المفهوم، أنه يعود في زمنه وأيامه إلى الاقتصادي الأسكوتلندي آدم سميث في كتابه «ثروة الأمم» الذي اعتبر أن القوانين المنظمة للسلوك وللمؤسسات الدينية شبيهة إلى حد كبير بقوانين النشاط الاقتصادي، كما أن القوانين المقيدة للحرية الدينية يمكن تصورها بوصفها رافعة للتكاليف المرتبطة بممارسة دين معين، تماماً مثلما تكون التعريفات الجمركية مرتبطة مع رفع تكاليف التجارة الحرة.

ورغم أن بعض الاقتصاديين من أمثال مانكيور أولسن، الذي يعد واحداً من أهم علماء الاقتصاد في القرن العشرين، كان لهم فضل في مد نظرية الاختيار العقلاني إلى العلوم الاجتماعية الأخرى، إلا أنهم مع ذلك يرون أن الاقتصاد لا يملك إلا القليل ليقوله عن الجماعات الدينية وعن السلوك. فالدين في النهاية هو حول الإيمان وهو يشغل نفسه بأفكار فلسفية لاهوتية عن معنى الحياة والموت والأوامر الخلقية، وبالتالي لا يمكن للسلوك الذين ينتج منه أن يكون خاضعاً لتحليل التكلفة ـ المنفعة الذي يغرم به الاقتصاديون جداً. فالشخص قد ينزجر عن سرقة المال (وهو ربح مالي صاف) بفضل معتقده الديني حتى في الحالة التي يكون فيها احتمال القبض عليه مساوياً للصفر. وبكلمات أخرى، حين يتصرف الناس تحت تأثير الدين والمؤسسات الدينية فإن الاعتقاد الشائع عموماً هو أنهم لا يحسبون تكاليف أفعالهم وفوائدها.

مع ذلك يرى أنطوني جيل أن رؤية سميث السابقة تبقى أكثر واقعية، ذلك أن المؤمنين المتدينين اليوم يعيشون في عالم مقيد بعدد من الطرق المختلفة ومن جملتها الوقت المحدود والمال المحدود والمواد الأخرى المحدودة. وهو ما بات يفرض على الإنسان الورع المواظب على الذهاب إلى الكنيسة اتخاذ قرارات حول مدة الزمن التي يلتزمها للنشاط التطوعي في الكنيسة، أو حول المشاركة في النشاطات الدينية والهبات المالية التي عادة ما تتغير مع تغير الطلبات المختلفة على أوقاتنا ومع تحركاتنا عبر دورة الحياة (عالم الندرة على حد تعبير الاقتصاديين). ومن هنا فإنه بحسب جيل وبعض علماء الاجتماع فإن النظرية الاقتصادية ما تزال تمتلك بعض الأدوات القادرة على شرح السلوك والمؤسسات الدينية في الحياة اليومية (عالم الندرة بحسب الاقتصاديين).

بيد أن السؤال الأهم الذي بقي يشغل بال جيل في هذه النظرية، والذي شرع لأجله في إعداد كتابه المهم للغاية «الأصول السياسية للحرية الدينية»، هو ما يتعلق بدور السياسي في السوق الدينية الجديدة. حيث يرى جيل أن السياسيين مهتمون قبل كل شيء ببقائهم السياسي الشخصي كما أنهم دائماً ما يسعون إلى تقليل تكلفة الحكم إلى أدنى حد ممكن. غير أن البقاء في السلطة يتطلب موارد، وكلما زادت الموارد المنفقة للاحتفاظ بالسلطة، نقصت الموارد المتوافرة لتحقيق أهداف أخرى. ووفقاً لجيل يملك السياسيون ثلاث آليات لضمان طاعة السكان والبقاء في السلطة وهي تتمثل في: الإكراه والرعاية والشرعية الأيديولوجية أو بشكل أدق البحث عن توازنات شرعية أو علائقية جديدة. وفي حين أن الإكراه يعني ببساطة التهديد وتنفيذ العقوبة على أولئك الذي يرفضون طاعة وإرادة القائد، إلا أن هذا الإكراه يتطلب موارد إضافية على المستوى المادي والتنظيمي، كما أنه قد يعيد ترتيب توازنات السلطة في الداخل. ولذلك غالباً ما تسعى السلطة في ظل معرفتها بهشاشة واقع مؤسساتها إلى البحث عن طرق أخرى للحكم، ما يفسح المجال لشكل جديد من العلاقات بين السلطة ومؤسسات المجتمع، وفي مقدمتها علاقة السلطة بالحقل الديني، عبر تشكل شكل جديد من العلاقة قائم على مبدأ المنفعة والاستفادة من الفرص الاقتصادية والاجتماعية، بدل منطق السلطة التقليدي وفرض الأحكام بالقوة. كما أن هذه العلاقة الجديدة غالباً ما تتشكل مع مؤسسات داخل الحقل الديني جديرة بالثقة لدى المجتمع، لأنه نظراً إلى أن الدين هو سلة إيمان في جوهره، فقد يميل المستهلكون إلى أن يكونوا متشككين بشأن شراء مثل هذه السلع ما لم يمتلكوا بعض الإشارة حول تاريخ المزودين بها.

وكمثال عن هذه العلاقة الجديدة بين السياسي والحقل الديني، والتي تغدو أقرب إلى منطق ورؤية السوق الدينية، يمكن أن نشير هنا إلى واقع العلاقة بين السلطة في سوريا وبين المؤسسات الدينية بداخلها بدءاً من نهاية التسعينيات من القرن الماضي وحتى الأعوام القليلة السابقة للانتفاضة السورية، والتي عادة ما نظر إليها غالبية الباحثين السوريين والعرب بوصفها علاقة تبعية كاملة، كما أن معظم الجماعات الدينية غالباً ما تميزت – هذه الكتابات- بغياب أي حيوية تذكر على مستوى التفاعل مع الأحداث اليومية وفي حال أقرب إلى ما دعاه أحدهم بـ»الإسلام النائم». غير أن هذه الصورة السلبية لم تقنع بعض الباحثين الغربيين، الأمر الذي دفعهم في السنوات القليلة الماضية إلى إعادة النظر بطبيعة وديناميات العلاقة بين «الإسلام النائم» في سوريا والنظام السوري، ما ساهم في تقديم مقاربات بديلة لطبيعة هذه العلاقة وخاصة على مستوى علاقة النظام بالحركات الصوفية في سوريا، والتي كانت برأي بعض الباحثين الغربيين أقرب في تمثلها لمنطق السوق الدينية منه لمنطق العلاقة التسلطية التي فرضها النظام على المجتمع السوري.

ففي ظل سعي النظام مع نهاية التسعينيات إلى توريث الحكم، ومع وقوع البلاد ومنظومة الضمان الاجتماعي الحكومية تحت ضغوط شديد نتيجة تقلص موارد الدولة، بالإضافة إلى تضخم عدد السكان في البلاد وسوء الإدارة. كل هذه الأمور دفعت النظام السوري بحسب الباحثين توماس بيريه وكيتيل سيلفك في دراستهما المشتركة «حدود التحديث السلطوي في سوريا، وصعود جماعة زيد» إلى البحث عن أساليب وطرق جديدة للتخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي ودعم شرعيته بعض الشيء عبر صياغة علاقة جديدة مع بعض الوسط الإسلامي في الداخل، الأمر الذي أفسح المجال لبعض الجماعات الدينية لتعاود نشاطها بكثافة داخل الحياة الاجتماعية السورية، وهو ما بدا في حالة «جماعة زيد» من خلال تضخم الأنشطة الخيرية الدينية عدداً وحجماً. ووفقاً للدراسة، فإن ما دفع النظام السوري إلى إعادة الانفتاح من جديد على بعض الجماعات الدينية التي طالما نظر إليها في السابق بعيون الريبة والشك، ومنع قادتها من دخول البلاد لسنوات عديدة (حركة زيد)، يعود بالأساس إلى إدراك النظام في ظل التحديات السابقة أن الشبكات الإسلامية المقربة منه والمتمثلة في مؤسسة أحمد كفتارو لا تمتلك تلك القاعدة الشعبية والاجتماعية المتجذرة في المحيط التاريخي الدمشقي، الأمر الذي يضعف من حظوظها في الحصول على موارد ضخمة لتمويل الأعمال الإغاثية التي كان النظام بحاجة إليها لسد جزء من العجز الحكومي. فمثلاً نجد أن أحمد كفتارو الذي غدا مفتياً لسوريا سنة 1964 وحظي بدعم كبير لتوسيع قاعدته الدينية من قبل حافظ الأسد داخل المجتمع الدمشقي والسوري بشكل عام، قد بقي رغماً عن ذلك حسب الباحثة الألمانية أنابليه بوتشر في دراستها «الإسلام الرسمي والسياسات المحلية في سوريا» يعد وافداً على المجتمع المحلي الدمشقي، وهو ما جعله في حالة الدخيل وبتهمة مضاعفة (لقربه من سياسات الأسد)، وبالتالي اقتصر دوره على تزويد النظام ببنية مؤسسية وتنظيمية جيدة كفيلة بتطبيق «الإسلام الرسمي». في المقابل نجد أن جماعة زيد استطاعت ومنذ تأسيسها من قبل الشيخ عبد الكريم الرفاعي أن تؤسس لجاذبية وقاعدة اجتماعية أوسع داخل المجتمع المحلي الدمشقي، خاصة أن توجهات الجماعة كانت تتماشى في رؤيتها مع حاجات بعض الأوساط (التجار، وأبناء الطبقة الوسطى التقليدية والجديدة)، كما أن الحركة ومنذ البداية سعت إلى أن تكون لها استقلالية مالية بعيدة عن الدولة أو أطراف خارجية، وهو ما ساهم في أن تكون لها خبرة أوسع حيال آليات وطرق الحصول على الدعم المحلي، خاصة من قبل التجار الدمشقيين، بالإضافة لذلك فإن العديد من أبنائها وشيوخها لم يكونوا ينتمون إلى مؤسسات رسمية شبيهة بالأزهر قادرة على تأمين مصدر رزق لهم، وبالتالي فإن العديد منهم إما قد مارس التجارة أو صاحب دكان.

ولعل تلك الخلفية السابقة، هي ما دفعت النظام السوي إلى أن يقوم بإعادة النظر من جديد بطبيعة علاقته ببعض المؤسسات الدينية (جماعة زيد)، ولكن على أساس سوقي وليس على أساس رؤية سياسية بديلة يسعى النظام لانتهاجها بشكل مستمر (لعل ما يؤكد ذلك استياء العلاقة بينهما لاحقاً بعد اندلاع أحداث الثورة السورية)، وقد تمثلت هذه العلاقة الجديدة عبر سماح النظام لجماعة زيد بالعمل الخيري، الذي كان يتم في السابق تحت مراقبة صارمة، الأمر الذي استغلته الجماعة بشكل جيد عبر توسيع شبكاتها الاجتماعية/الدينية وأعمالها الإغاثية داخل الوسط المحلي الدمشقي (مشروع حفظ النعمة، مشاريع زواج الأفراد غير القادرين على تحمل تكاليفها) أو حتى عبر مشاريع أخرى خارج المحيط الاجتماعي التقليدي للجماعة (دمشق)، بدون أن تبدي في أي وقت من الأوقات أي مساندة واضحة أو صريحة لسياسات النظام السوري (تشير مثلاً دراسة بيريه السابقة إلى أن شيوخ الجماعة في صلواتهم لم يكونوا يأتون في نهاية الدعاء على ذكر اسم الرئيس السوري بشار الأسد، بل تتم الإشارة إلى ولاة هذه البلاد). إذ أدركت جماعة زيد أن هناك فرصاً جديدة للعمل الديني/الاجتماعي داخل البلاد، وأنه بدلاً من رفضها نتيجة سياسات النظام السلبية في العقود الماضية، فإنه الأحرى بها أن تستغل هذه الفرصة لتحقيق عدد من الأهداف الاجتماعية (الإغاثية) والدينية وحتى تلك المتعلقة برأس المال الاجتماعي للجماعة الذي شهد حالة من التراجع نتيجة مرحلة الثمانينيات ووجود قادتها خارج البلاد. ولهذا السبب تعاملت الجماعة مع انفتاح حافظ الأسد عليها وسماحه لقادتها بالعودة إلى البلاد، ولاحقاً تودد بشار الأسد لها بمنطق أقرب ما يكون إلى منطق السوق كذلك، وبالتالي فهي لم تسعَ من خلال هذا الأسلوب إلى تأسيس علاقات زبونية مع النظام بمقدار ما كانت تهدف من خلال تبني هذا المنطق إلى تحقيق مشروعها الديني/الاجتماعي بشكل أوسع (كما تبين في تضخم عملها الإغاثي).

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

اسم الكتاب : الأصول السياسية للحرية الدينية

تأليف : أنطوني جيل

ترجمة : محمد محمود التوبة

الناشر : الشبكة العربية للابحاث و النشر – بيروت

الطبعة : الأولى 2014

 

لتحميل الكتاب

 

الرابط الأول

 

الأصول السياسية للحرية الدينية/ أنطوني جيل

 

الرابط الثاني

 

الأصول السياسية للحرية الدينية/ أنطوني جيل

 

 

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى