صفحات الثقافةمحمد المطرود

الأطفال ثانيةً/ محمد المطرود

 

 

 

ريش

 

 

الأطفالُ الذينَ نَاموا البارحةَ لمْ يَستيقظوا اليوم

الأطفالُ الذين حلِموا، ربطوا أيدينا بأحلامِهم حتّى لا تهرُبَ

لمْ نكُن عَوناً لَهُم، تفلّتنا مِن أيديهم، حملنَا السكينَ

ومن دهليزِ رغبتِهم في الحياةِ

تسلّلنا إلى أسرّتِهِم البيضاء

وذبحنا أحلامهمَ بالسكاكين

ما مِن دمٍ على الأرضِ ولا أجسادَ صغيرة

سِوى أنّ الأغاني الحزينة

خرجَتَ منَ الوسائدِ مثلَ الريشِ

 

مَن عاينَ واقعةَ الذبحِ

مَن رفعَ البصماتِ عن الضحايا

دوّنَ في دفترِ خدمتِهِ اليومي: ريشْ

ريشْ

ريشْ!

 

 

 

المرأةُ أدناه

 

 

في الصورةِ “المغبّشةِ” قليلاً

صورتها التي تُشبهُ جيلاً منقرضاً

من الطيور وسوىَ الطيور

كأن تكون الشجرة الأولى

رأتها الحياة ومِنها جاءت الحدائقُ:

ظِلٌّ فوقَ روحي يمتدُّ كسريرٍ خشبي

لمْ يَحدُثْ منذُ أنْ تعرّفتُ جَسدَها الفَذ

جسدَها التاريخي والعابرِ للميكانيك

أنْ تركتُ أذيالَ ظلالِها ترتطمُ بالأرض

المقدسُ (عادةً) فَوقَ.. فَوقْ

ولكُم أنْ تَتَخيّلوا هذا الاتحاد الطَوعي

بينَ رجلٍ يخطبُ ودَّ المقدس

وامرأةٍ تتباهى بكونيةِ ظلِّها

 

 

 

مشاهداتُ أبٍ ينظرُ إعدامَ أبنائِه

 

 

كنتُ أسندتُ ظهري للنارِ لا للجدار

أحسستُ أن الليلَ ثقيلٌ أكثرَ مما ينبغي

فقرفصتُ كقطّ متوثبٍ أنتظرُ مفاجأة ما

صاحَ السجانُ على الأسودِ الثلاثة/ الشهداءِ الثلاثةِ فيما بعد

كانوا على أهبةِ الموتِ، في طريقِ الموت

لا غشاوةَ على أعينِهم

ولا ارتخاء في عضلةِ الوجه

الابتسامةُ هي الابتسامةُ

كأنهم سياحُ تدمرَ في نزهةٍ أثرية

وليسوا نزلاء الحياةَ المؤقتين

يعبرونَ بخيالاتِهم سجنَهم الأسود

نحو ضفة الله/ ضفةِ الحياةِ الثانية

نظرتي: نظرةُ العاطفةِ الأخيرةُ والذكريات

نظرتهم: رسالةُ الدمِ إلى الأهلِ خارجاً

هكذا ينتهي المشهدُ بحرارة

ثلاثةُ أعمدةٍ من الكهرباءِ الساكنةِ تتجهُ إلى الباب

بينما دخلتُ أنا كأشعةٍ في الحائطِ الذي استندتُ إليه.

 

 

ابنٌ بارٌ للموت

 

 

سَتبحثينَ عَني طَويلاً

أنا الشبحُ قصيرُ القامةِ

أُشْبِهُ لوحاً خفيفاً مِنَ الزجاج

تَعبرُهُ الطيورُ الصغيرةُ كروحٍ وضَوء

 

سَتفلّينَ البستانَ شَجَرةً.. شَجَرة

سَتَخدَعُكِ الأشجارُ كلُّها

مثلاً سَتجدينَ طعمَ شَفتي

في ثمرةِ الرمانِ الناريةِ

وما يُشبهُ قامتي في جذعِ البرتقالة

ووجهي الخافتُ في التفاحةِ السَاقِطَة

ويدي في أغصانِ الكرزِ الفَتية

 

أما الأبوابُ الخشبيةُ

فخورةً بلونِها البُني المَحروقِ

سَليلةُ البساتينِ والغاباتِ الغامضةِ

فسُترشِدُ وهمَك إلى رائحةِ أصابعي

حيثُ الخشبُ المصقولُ ينطقُ

ويتحدَثُ بفارقٍ بسيطٍ عنِ الإنسانِ

 

الخشبُ ابنُ الشجرة

أمَّا أنا الإنسانُ فابنٌ بارٌ للموت.

 

 

 

المرأةُ الكتابُ

 

 

بَعضُ الأشياءِ كالأطفالِ تُدَللُ أكثرَ مما يجبُ

…. تكبرُ فجأةَ وتنفجرُ بوجهِكَ مثل المفاجأة

بعضُ الأشياء ومِنها الحبُّ ـ المفاجأةُ ذاتُها ـ

لا تَترككَ إلا لشَهقةٍ طويلةٍ

 

منَ اليوم فَصاعداً تَعلّم الموتَ

وانسَ ماذا تَعني المرأةُ في كِتابِ الحَياة

ثمةَ أشياءٌ غامضةٌ ـ المرأةُ مثلاً ـ لا تُفسَّر

 

 

* شاعر من سوريا

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى