خولة غازيصفحات الناس

الأيقونات التي أكلها جمهورها/ خولة غازي

 

 

تحتاج كل حكاية لبطل شعبي، يكون هو الحامل الأساسي لعذاباتها وخيباتها وانتصاراتها، تستند عليه، تناجيه لخلاصها من جور وقهر واستبداد، هذا كان في المرويات الشعبية حين كان الخيال يلعب دوراً كبيراً في تكريس البطل كرجل خارق في اللاوعي الجمعي.

أما في العصر الحديث، فقد تكفل الإعلام والأدب في صناعة وتجسيد الرموز، ففي العالم العربي تجسد البطل الواحد من خلال شخص الرئيس أو الملك كمخلص ومنقذ، حيث أن الشعوب المقهورة والمكبوتة تميل إلى تلك الفكرة الألوهية للبطل، بعكس الشعوب المتمدنة الحديثة التي قطعت شوطاً واسعاً في بناء قدرات الإنسان الذاتية واعتماده على مهاراته قبل الأخرين.

وتكريس البطولة في وجه الظلم كانت هي الفاعل والحجة لإنطلاق ما يطلق عليه الربيع العربي، بدءاً من البوعزيزي التونسي الذي أحرق نفسه، وأطفال درعا الذين كتبوا الشعب يريد إسقاط النظام تيمناً بالثورة المصرية، وما تلاها من ردود فعل أمنية كارثية دفعت البلاد السورية للتهلكة.

فعلى مدى خمس سنوات خلت، ظهرت العديد من الشخصيات التي كرسها السوريون على الفيسبوك كأيقونات ثورية ففي المرحلة الأولى، وقبل أن تتعسكر الثورة كمحمد البياسي ابن بانياس وحمزة الخطيب والقاشوش والساروت وزينب الحصني وغيرهم، وفي هذه المرحلة كان يعمل إعلام النظام على ترصد الأخطاء و كشف عدم صحة ما يتم الترويج له لكل تلك الشخصيات وكسر هالتها وأن أساس التمسك ببطولة هؤلاء الأشخاص غير موجودة ومحض افتراء.

فعملية تحطيم الرموز كانت متبادلة بين معارضة ونظام، كتهديم تماثيل حافظ الأسد، واللعنات التي لحقت به وبعائلته في المظاهرات على أرض الواقع وعلى أرض العالم الإفتراضي في الفيسبوك، إضافة إلى الايميلات التي قيل وقتها أنها بين بشار الأسد وإبنة السفير السوري في الأمم المتحدة.

وإذا أخذنا مدينة حمص كعينة فقد ظهرت فيها أيقونات ثورية صنعها البث المباشر للقنوات الفضائية، حتى أن أحدهم تبأطه وزير الخارجية القطري السابق في إجتماع أصدقاء سوريا في باريس كممثل للحراك الوري الشاب للحديث عن الثورة السورية ومطالبها.

فخبا نجم العديد منهم ولم يعد أحد يذكر من بدايات الثورة السورية إلا كمية الدمار التي لحقت بالبلاد والعباد، وما فعلته المعارضة السورية من ضجيج كان أكثره إعلامياً لم يكن له أثر على البسطاء اللذين آمنوا بفكرة الثورة، فتُركوا للعراء تأكلهم مخيمات اللجوء وقسوة الحياة في أصقاع الأرض، حيث أن كمية التبرعات التي وصلت للمعارضة السورية تصل إلى ميزانية دول، فأين ذهب المال وأين ذهب المجد الإعلامي لهؤلاء؟.

أما في مرحلة عسكرة الثورة السورية، بات القائد العسكري هو بطل الحكايات المروية على الفيسبوك، فعلى أرض الواقع لا يمكن سبر مدى جدية وفاعليه تلك الرموز وانتشارها شعبياً، ففي مناطق انتشار السلاح ظهر العديد من الضباط والعساكر والشرطة والمخابرات الذين انشقوا عن المؤسسة العسكرية بعضهم لجأ إلى تركيا والبعض الآخر إلى لبنان والأردن، ومن تبقى تزعم وحدات محلية، وانتشرت الكتائب التي حملت أسماء إسلامية في تحول كان دراماتيكي للثورة السورية التي تأسلمت وبشكل مدروس من قبل الممول الخليجي، الذي وجد في الثورة السورية ملاذاً لتحطيم فكرة رمزية الثورة.

فخرج الهدف الأساسي لتشكيل ألوية عسكرية لحماية المتظاهرين ودفع البلاء عن سكان مناطقهم، ليتحول إلى أداة بيد الممول وورقة استنزاف وضغط ضد النظام في المفاوضات لاحقاً.

هناك شخصيتان تم الإجماع على أنهم أيقونات ثورية عسكرية كحجي مارع وأبو فرات، بالإضافة إلى أن حلب المدينة ساهمت في ظهور لصوص تم التمجيد لهم كحسن جزرة بإعتباره ثائر كبير، بينما هو لص سرقة المعامل كما يروي أهالي حلب.

وفي غوطة دمشق قام زهران علوش بإختطاف رزان زيتونة الناشطة الحقوقية المعروفة والتي تشغل حيزاً محترماً في ضمير غالبية السوريين الذين ينضوون تحت لواء الثورة، وفي الرقة شمال البلاد قامت أيضاً فصائل إسلامية بإختطاف الأب باولو الإيطالي، الذي ذهب إليهم بقدميه مفاوضاً ومحاوراً، وكان يعد الأب باولو من الشخصيات المؤثرة والبارزة لمناصرته الثورة السورية.

فهل يمكننا القول أن الثورة السورية أكلت آلهة التمر قبل أن تجوع، أما أن غياب وتشتت الهدف وظهور أكثر من هدف ساهم في زعزعة منطلقاتها الأساسية؟.

مما لا ريب فيه أن هناك مطبات كبرى وقعت فيها الثورة السورية، فدخول العنصر الأجنبي لها، ساهم في تكريس ثقافتهم لا ثقافة السوريين، فبات تهديم التمائيل ليس لفكرة أنها تمثل مرحلة استبدادية بل لأنها أوثان ووجودها غير مرغوب شرعاً، على الرغم من تبرير ناشطين وتسطيح ما يجري على أرض الواقع على أنه حالة ثورية، إلا أن ذلك غير صحيح، فيروي العديد من الناشطين أصحاب “الضمير” وهم قلة، أن شمال سوريا لا تسيطر عليه كتائب سورية بل إسلاميين من شتات العالم تحت إمرتهم بعض السوريين.

وكما الحكايات الشعبية تحتاج إلى “حكواتية”، كذلك في العصر الحديث كان الاعلام “حكواتي” تلك القصص وكل وسيلة تضع بهاراتها على قصتها وأبطالها، وساهمت أيضاً شبكات التواصل الإجتماعي كالفيسبوك  أيضاً في انتشار المرويات بسرعة البرق في أزقته وفي وصول بعض رواته إلى مرتبة “الحكواتية” البارزين والمتعارف عليهم بالناشطين الفيسبوكيين، الذين تحولوا أيضاً إلى أيقونات، تجز الرقاب وتأكل تمر ألوهية أبطالها، فمازال الخيال يلعب لعبته في ضمير هؤلاء وما زال كل واحد منهم يعتقد أنه من خلال  صفحته على الفيسبوك سوف  يحرك ضمير العالم، بينما الواقع يتحدث بلغة أخرى لا علاقة لها بالأيقوانات الواقعية ولا الإفتراضية، أمام وطن أكلته فكرة الرمز وديمومته، أكله أبنائه بشراهة، لم يعد وبعد خمس سنوات يعني المواطن على أرض الواقع سوى ملاذ آمن وحياة كريمة بعيدة عن تصارع المتقاتلين.

وإلى ذلك الحين يظل السوري رهن صناعة الأبطال الذين من هشاشتهم باتوا كورقة في مهب الريح.

طوبى للسوريين الذين لم تدنسهم تخاريف وهم أبطال الحروب في كل زمان ومكان.

روزنة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى