سمير سليمانصفحات مميزة

الإتلاف الوطني : طفل الأنابيب: سمير سليمان

 

سمير سليمان

        تحمل دعوة وزير الخارجية الأمريكية الجديد ” جون كيري ” للإئتلاف الوطني ولرئيسه السيد ” معاذ الخطيب ” لحضور مؤتمر روما , أملا بتقدم الموقف الدولي , الأمريكي خصوصا , باتجاه بلورة حل سياسي للصراع في سورية . ويمكن أن يفهم أيضا , أنه نوع من الضغط السياسي والديبلوماسي عليه , لإشراكه بهذا الحل الذي نفترضه دون مبرر . وأيا كان الأمر فإنه يستدعي السؤال : هل بدأت الثورة السورية تشكل ضغطا حقيقيا على الأطراف الدولية ؟ ضغطا يجعلها تبدأ التفكير بضرورة حل سياسي كان مؤجلا حتى اللحظة ؟

        لايملك أحد الجواب سوى أصحاب القرار المؤتمرين في روما . ولكن إذا لم يأت الحل السياسي الآن فسيأتي لاحقا , فالحل السياسي للصراع في سورية لابد منه , وخصوصا عندما يقتنع الروس أن النظام السوري بدأ بالترنّح . فالروس لايرون واقع الصراع كما يراه السوريون . وعندما يرون أن نظام الأسد بدأ بالإنهيار , سيهرعون لإعطاء إتفاق جنيف تفسيرا يتوافق مع التفسير الأمريكي له . وعندها سيطلب من الإئتلاف المشاركة بالحل السياسي التوافقي بعد إعطائه مزيدا من الإعتراف والدعم السياسي والديبلوماسي , كممثل شرعي ووحيد للمعارضة السورية . فهل جهّز الإئتلاف الوطني نفسه لملاقاة هذا الحل المرتقب ؟ .

        لايزال الإئتلاف الوطني معتمدا على دعم مجموعة دول أصدقاء سوريا في تقديم نفسه وتسويقها للسوريين , وللثورة السورية . وإذا لم يغير من أدائه السياسي وبنيته التنظيمية لتأهيل نفسه لقيادة المعارضة السياسية والعسكرية في سوريا , فسوف يواجه مهمات معقدة فوق طاقته في قيادة أي حل سياسي قادم .

        ونؤكد , في البداية , أن لاحظ لأي حل سياسي بالحياة إذا لم يتضمن رحيل الأسد كشرط لابد منه لهذا الحل . ولكن ذلك لايعني أن هذا الشرط وحده كافيا لنجاح الحل السياسي . فهناك شروط أخرى ضرورية لنجاح أي حل . وفي مقدمة تلك الشروط , توفر قيادة سياسية جامعة تتولى تنفيذ مهمات ” اليوم التالي ” لرحيل الأسد . وخصوصا إذا كان هذا الرحيل بشكل انهيار مفاجيء للنظام , وهو الإحتمال الأرجح . فهل الإئتلاف الوطني جاهز أو مؤهل فعليا للتعامل مع ” جنيف معدّل ” قد يصبح واقعيا إذا بدأ النظام في التداعي ؟ . بل أكثر من ذلك , هل سيبقى الإئتلاف متماسكا بهيكليته التنظيمية وتوازنه السياسي في مواجهة تشكل سلطة جديدة على أنقاض سلطة الأسد ؟ نشك في ذلك , لمعرفتنا بالحجم الوازن للمجلس الوطني داخل الإئتلاف , وبالحجم الوازن للإخوان المسلمين داخل المجلس الوطني .

      لهذه الأسباب , ولتفادي العجز الذي سيواجهه الإئتلاف الوطني , يترتب عليه مواجهة مهمات لابد من تنفيذها الآن . فهي مهمات كانت ضرورية دائما , ولكنها لم تعد تحتمل التأجيل .

      بعد الإعلان عن نفسه أواخر العام الماضي في القاهرة , أوصد الإئتلاف الوطني الأبواب على نفسه , معلنا إكتفاءه بذاته كممثل للشعب السوري والمعارضة . ويعرف الجميع أن هذا ضحك على الذقون . فهذا غير صحيح , والإئتلاف لايقود القوى الثائرة في الداخل . لاالنشطاء السياسيين , ولا الكتائب المسلحة التي تقاتل النظام , ولا الزعماء المحليين , ولا رموز النظام الذين انشقوا عنه . والإعتراف الذي حظي به من قبل مجموعة دول أصدقاء سوريا لم تجعل منه قيادة فعلية شاملة لقوى الثورة في الداخل . ولذلك فالمطلوب منه تصحيح هذا الخلل , وفتح نفسه على تلك القوى , والتواصل الدائم والمستمر معها , وتمثيلها بوضوح في بنيته التنظيمية والسياسية . فهذا مايزيد من قدرته التفاوضية مع الأطراف الخارجية جميعها , المتحالفة مع النظام والمتعاطفة مع الثورة , ومع ممثلي النظام أيضا . كما يزيد من حجم الإهتمام الدولي به . ويزيد بالتالي من تخفيف ارتهانه لتلك الأطراف , والتخفف من ضغوطها السياسية . كما يزيد من مساحة حركته في المناورة , والتخلص أكثر من تأثير الكتل السياسية في بنيته , وخصوصا الإخوان المسلمين , وشروطهم وأجنداتهم ودسائسهم .

     يقتضي ذلك أن يعمل الإئتلاف على تحويل نفسه لمؤسسة . يجب عليه توسيع كادره السياسي والتنظيمي والإداري والمالي , فهذا يساعده على اتساع وشمول نشاطه لمساحات أوسع , وتمثيلا أكثر مصداقية , وتصويبا سياسيا وبرنامجيا ,ويصبح أكثر إلتصاقا بواقع الثورة , وبيئتها , ومزاجها .

      كما يجب عليه أن يعمل على تطهير نفسه من الفساد السياسي والمالي , والتخلص من التخبط في أدائه السياسي والإعلامي والتنظيمي , وهذا لايتم إلا بتحوله باتجاه العمل المؤسساتي في هياكله وأدائه . عليه أن يقر أنه لن يتطور بدون الشكل المؤسساتي في أداء دوره كمعارضة تريد قيادة دولة في المستقبل القريب . فالمعارضة التي تدعي أنها تريد تطهير البلاد من استبداد فاسد , عليها أن تطهر نفسها الفساد أولا , وهذا يقتضي العمل المؤسساتي , العلني والشفاف والمراقب والمحاسب . فهو مايزيد من مصداقية الإئتلاف عند عند قوى الثورة في الداخل , وعند الأطراف الداعمة لها في الخارج . ويزيد أيضا من إطمئنان الفئات المترددة والمشككة في المعارضة وقيادتها السياسية . ويستبعد من صفوفها أصحاب المطامح الشخصية التي برزت بشكل فاضح منذ البداية .

    أيضا , يجب على الإئتلاف وضع رؤية واضحة , وبرنامج عمل شامل , يتناول عما سيكون ” اليوم التالي ” لسقوط الأسد . برنامج يتوجه إلى جميع السوريين , كل في موقعه . إذ يجب مخاطبة شريحة كبيرة من المجتمع السوري لاتزال تنضوي في مؤسسات الدولة , ويتساءل أفرادها ببساطة عما سيكون مصيرهم ومصير مؤسساتهم . وينطبق الأمر على شرائح في الجيش , وحزب البعث , والنقابات , والإتحادات … الخ . كما يجب مخاطبة مجتمع المدن الذي لم ينخرط بكليته في الثورة من خلال برنامج إقتصادي وإجتماعي واضح المعالم . كل هذا يأتي ضمن برنامج سياسي هادف لتفكيك النظام عبر تقسيم صفوفه وعزله عن سنده الإجتماعي , وعزل الدولة ومؤسساتها عنه .

   وإضافة لذلك , يجب ربط كل ماذكر سابقا بالتأكيد الدائم على ديموقراطية الثورة , وعدالتها الإجتماعية والسياسية والقانونية , عبر تكريس قناعة لدى الفئات التي كانت مؤيدة للنظام دون أشتراكها في جرائمه , أن عدالة الثورة ستشملهم ضمن أصول محاكمات منضبطة , بحيث لايطال العقاب سوى من يستحقه . بمعنى آخر يجب على الإئتلاف أن يكون واضحا أمام جميع السوريين عندما يقول بتطهير البلاد .

   تلك باختصار , المهمات المترتبة الآن على الإئتلاف الوطني , ويجب عليه العمل عليها قبل أن يتشظى أمام الإختبار القادم . إختبار السلطة الجديدة بعد انهيار النظام الأسدي المرتقب .

  يطيب للبعض أن يشبه الإئتلاف بطفل الأنابيب , في إشارة إلى دور الدول الخارجية في تشكيله , نقول : قد يكون ذلك , ولكن لاشيء يمنع طفل الأنابيب من النمو بشكل طبيعي . فهل سيخرج الإئتلاف الوطني من أنبوب ولادته ؟ .

28 / 2 / 2013

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى