صفحات المستقبل

“الإخوان”: تخوين ونصرة

رند صباغ

بالتزامن مع بروز نجم “القاعدة” في المشهد السوري، ولو قبيل التطورات الأخيرة بأيام، تظهر حالة من الهجوم المعلن والصريح على جماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا، حيث تسمي القيادة المشتركة للجيش الحر في بيانٍ لها الجماعة ب”الطائفية”، معتبرةً أنها تشكل المكون الطائفي “الوحيد” في البلاد.

 وليس الأمر بالدفاع عن “الإخوان” طبعاً، لكن صفة “الوحيد” لم تعد مناسبةً في هذا الوقت، وسط ما وصلت إليه البلاد، فالمكونات الطائفية تنتشر في كل مكان، بدءاً من جبهة النصرة التي بايعت أيمن الظواهري، مروراً بتسميات الكتائب، وحتى التي تنتقي أسماءً تناسب بعض الأقليات فتختار شخصياتٍ ذات قدسيةٍ منها لتثبت عدم طائفيتها.

 يتهم الجيش الحر الإخوان المسلمين بتسلطهم على المشهد السياسي، معلناً ضرورة وضع حدٍ لهيمنة الجماعة وصولاً إلى اتهامها بمحاولة سرقة الثورة و”استعداداتها امتطاء الدولة السورية ومؤسساتها بعد سقوط النظام”، وبالرغم من محاولات شباب الثورة وبالأخص القاعدة المدنية والعلمانية على اختلاف مشاربها تسليط الضوء منذ البدء على التوغل الإخواني، إلا أن الأمر لم يستدع من أي فصيلٍ مسلحٍ أم سياسي أخذ خطوةٍ ولو من خلال بيانٍ أو تصريح للحد من هذا التوغل، فكان الجميع ينظرون للأمر بعين التهاون، أو حتى يدافعون عن حق الجماعة في سيطرتها على بعض المكونات وأهمها المجلس الوطني السوري، والذي طالب بيان الجيش الحر بحله “وتوسيع قاعدة الائتلاف لتضم كل القوى التي تؤمن بأهداف ومبادئ وأخلاق الثورة السورية”، ويصل الاتهام إلى الإشارة بمحاولة الأخوان تهميش وإقصاء القوى الوطنية والثورية والديموقراطية وإقصاءها.

 الخطير في الأمر ما تم ذكره في البيان حول اتهام الجماعة بتخزين السلاح في الداخل السوري “آلاف الأطنان من السلاح والذخائر لمرحلة ما بعد سقوط الأسد ومنعه عن القوى العسكرية”، و”السطو على أموال المساعدات والإغاثة وتجييرها لتصبح أموالاً سياسية”، الأمر الذي يحتاج إلى عرض الدلائل ووضع الإثباتات أمام الرأي العام الثوري لفضح مثل هذه الممارسات وليس بمجرد الاكتفاء بالإشارة إليها.

 من الواضح أن القطيعة السياسية بدأت تتبلور ما بين الفرقاء على الأرض وبالأخص المجلس العسكري وما بين الجماعة، التي لها ما لا يستهان به من نفوذٍ على الأرض في عددٍ من المناطق عسكرياً وسياسياً أو حتى شعبياً، في الوقت الذي يرتفع فيه رصيد جبهة النصرة، فيخرج بيان إدانة مبايعتها الظواهري بأسلوبٍ محابٍ قد ينطوي إما على خوف التجمعات الثورية من تنسيقياتٍ أو قوىً سياسية او عسكرية، بدورِ الناقد الذي يذكرنا بشكل خطابات المعارضة (الوطنية) التي صنعها النظام، والتي لا تستطيع إعلان رفضها بشكلٍ حازم، وإن دل الأمر على شيء فهو يدل على توغل النصرة وأخواتها في الشارع، ووصولهم إلى قاعدةٍ عسكريةٍ وربما جماهيرية، أو تعويل قوى المعارضة المسلحة التي تعاني من العجز الواضح في التنظيم وإيجاد قياداتٍ مركزيةٍ حقيقية تسمح لها بالتقدم على الأرض، على مقدرات جبهة النصرة والقاعدة المتمثلة بإمكانيات المقاتلين وتنظيمهم واستراتيجياتهم.

 فيظهر بيان الائتلاف هزيلاً وخجولاً من مبايعة الظواهري، مكتفياً بالإشارة إلى أن من واجبه التنبيه إلى خطورة ما تضمنته تلك الرسائل والبيانات من نقاط “متمنياً من كتائب جبهة النصرة أن تحافظ على مكانها في الصف الوطني السوري”، ومذكراً برفض أعضائه قرار وضع جبهة النصرة على لائحة الإرهاب الأميركية واعتبارها “جزءاً من الجانب المسلح الذي فرضته وحشية النظام على الثورة السلمية”، كذلك الأمر بالنسبة إلى بيان اتحاد التنسيقيات الذي استهل حديثه ب”فخره بأخوانه” في جبهة النصرة، قبل الإشارة إلى رفض مبايعتها الظواهري بحجة “رفض تمديد جوانب الصراع على أرض سوريا في غير صالح الثورة السورية”، وكون “شريحة واسعة من السوريين يرون بالظواهري وفكر القاعدة خروجاً عن حقيقة الشرع الإسلامي الصحيح، خاصةً بسهولة استحلال دماء الأبرياء”، مؤكدين على أن شكل الدولة هو رهن بالسوريين وخياراتهم، ولا يمكن على أحد فرضه عليهم.

 يظهر هنا التساؤل: لمَ يتم رفض الأخوان المسلمين بحجة أنهم مكون طائفي، وامتلاكهم للسلاح والمال على الأرض، في الوقت الذي لا يتم خلاله رفض جماعةٍ تكفيريةٍ تعلن فكرها الخطر جهاراً ولها تاريخها الحافل بالعنف والدموية بالأسلوب عينه؟ بل حتى أنها تبنت في فصيلها “السوري” عدداً من العمليات التي راح ضحيتها مدنيون دون إدانةٍ كافيةٍ من أي طرف.

  لماذا كل هذه المحاباة السياسية لجبهة النصرة وأتباع القاعدة؟ وهل سنعلن في سوريا بعد ثورة عامين اسم طاغيةٍ جديد، خلع بذلته العلمانية وربطة عنقه، وأحل مكانها عباءةً وعمامة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى