صفحات الثقافة

الإرهاب مخيالاً أدبياً/ رلى راشد

 هل يمكن للكاتب الإنصراف الى تحليل الوقائع الأمنية- السياسية من دون المجازفة في جعل كلامه جزءا من تصور روائي؟ هل يفهم دواعي العنف الكامن في البشر ويحللها ليصفها، فيما تكذبه الحقيقة وتستدرجه الى أرض غريبة عنه حيث يجد نفسه دخيلا؟ وهل يصير الشخص الأمثل لفهم الواقع الفردي ثم الإجتماعي المتردّي والمؤدي الى سبيل الهلاك الشخصي، أم يثبّت على نقيض ذلك، سذاجته، والشقاق بين الرؤية التأليفية والمعيشة؟

راودني كثير من هذه الاسئلة لدى قراءتي مقال الكاتب الإسباني المقيم في المغرب، خوان غويتيسولو، بعنوان “دوستويفسكي والذئاب الوحيدة”، في صحيفة “ايل باييس” الإسبانية قبل أيام، حيث بدا مندفعا لفهم ما دار في أذهان مفجّري تولوز وبوسطن ولندن لحظة غيروا  سمات وجوههم بأخرى لا تتراءى انها تخصهم. استخدم الإسباني الصوت المجرّب والذي يقارب الأدب كشيء نادر منصّة “ايل باييس” ليستفهم عن هؤلاء المتحوّلين الى قنابل بشرية، مباشرة أو مواربة، والمختلفين عن نمط أعضاء المجموعات الجهادية العالمية. يشير إليهم “ذئابا وحيدة” منزوية، ما صعّب على أجهزة الإستخبارات المتخصّصة كشفهم.

 يصرّ الكاتب خوان غويتيسولو على وضع الإصبع على الجرح، على فقء الدملة التي جعلت الشباب ينزلقون الى العنف، ويستدعي لهذه الغاية زميل الحرفة التأليفية دوستويفسكي. يسأل في أحوال هؤلاء المتآلفين ظاهريا مع المجتمع الغربي حيث يقيمون، وينتعلون الأحذية الرياضية ويخرجون مع الفتيات ويرتادون الحانات. ليكتب: “مثلما يشير دوستويفسكي في روايته “الأخوة كارامازوف”، لا يدرك الشباب أن من السهل في احيان كثيرة أن يضحي المرء بحياته، في حين ان التضحية الأرفع، تلك التي تتخطاه، تتمثل في تخصيص خمسة أو ستة أعوام من عمره للدراسة والعلوم”. ويضيف ان سكان روسيا القيصرية كانوا على هذه الحال التي تتماهى وحال حفنة من المهاجرين من أصول مسلمة يقطنون اوروبا أو أميركا الشمالية. جريمتهم العيش برغد في بيئة يعاينوها متوترين. مرادفة للشر. يذهب غويتيسولو في رأيه الى جعل الأدب، وعناوين دوستويفسكي تحديدا، مصدر الهام لفهم مهمشي العصر الراهن الذين يستسلمون الى العنف الإرهابي. اذ يكتب: “من أجل ان نعي لماذا يسمّون “الذئاب الوحيدة”، من الأفضل العودة الى صفحات “الجريمة والعقاب” و”حكايات منزل الموتى” و”الممسوسون”، فهل نطلب الكثير اذا سألنا خبراءنا في مكافحة الارهاب تخصيص بعض الوقت لهذه القراءات المفيدة؟”.

 في منطق غويتيسولو استبقَ الكاتب الروسي الجميع، كتاب الإفتتاحيات والمحللين السياسيين في وعي هذا النسق الجديد من الإرهاب، حيث ان وجوهه العلنية شخوص يتأرجحون بين الإيمان الديني والعدمية. لأكثر من سبب تبدو مقاربة غويتيسولو للمجريات السياسية أسيرة الإفتتان بالمعلمين الأدباء، فيما قدم البيروفياني الحاصل على “نوبل” الآداب ماريو فاغارس يوسا في 2010 وفي الصحيفة الإسبانية عينها، مقاربة مفرطة في التبسيط، عندما حلل العنف المسشتري في مقال سماه “الإنتحاري الإرهابي”. ها هنا وجد الكاتب، ان من السهل محاربة الإنتحاري الإرهابي في مجتمع منفتح يحترم القوانين وحقوق الإنسان وحيث يجري التعبير عن النقد والعقائد والأفكار في حرية.

عانت فرنسا القرن التاسع عشر من اعتداءات الفوضويين واستحوذت على الكتّاب فاقترح البعض تفسيرات لها ليجعلوا المخرّب الفوضوي نموذجا أدبيا وصلت أصداؤه إلينا. قدم الكاتب الباكستاني- البريطاني حنيف قريشي مثلا، في “إبني الأصولي” مثالين متناقضين: أحدهما برويز الراغب في أن يؤمن العيش الكريم لأسرته والذي يرى بريطانيا ملاذا. ثانيهما ابنه علي، الإسلامي المتشدد الذي يعاين بريطانيا “حفرة الفساد بلا قعر”.

 بين حلم الحياة المثالية وكابوس الحياة الواقعية رؤيتان للحاجة الى تغذية الوهم. إيجابا أو سلبا. تفاؤلا أو فتكا حتى.

  المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى