صفحات الرأي

الإسلاموفوبيا في الغرب – مجموعة مقالات –

 

 

 

الإسلاموفوبيا والزنجي الباذنجان/ صبحي حديدي

ذات يوم، قبل عقد من الزمان، توصّل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن إلى هذا الاكتشاف العبقري: «إنّ الراديكالية الإسلامية، مثل الأيديولوجيا الشيوعية، تحتوي على تناقضات موروثة تحتّم فشلها. وفي كراهيتها للحرّية، عن طريق فقدان الثقة في الإبداع الإنساني، ومعاقبة التغيير، والتضييق على إسهامات نصف المجتمع، تنسف هذه الأيديولوجيا السمات ذاتها التي تجعل التقدّم الإنساني ممكناً، والمجتمعات الإنسانية ناجحة».

كان بوش يلقي، في «المعهد الوطني للديمقراطية»، خطبة فريدة، مشحونة ومحمومة، طافحة بالرطانة والمصطلحات الملقاة على عواهنها، حتى أنّ أسبوعية «نيوزويك» لم تتردد في وصفها بـ»القنبلة العقائدية». وكانت البرهة لا تقلّ فرادة، في الواقع، لأنها مثّلت واحدة من ذرى تجسّد الخطّ المتشدّد لرهط «المحافظين الجدد»، إزاء الإسلام تحديداً؛ في شخص، ومزاج، رئيس لم يتردد في اعتبار غزو العراق تكملة للحملات الصليبية.

وفي تلك الخطبة، استخدم بوش ـ للمرّة الأولى، بلسان رئيس القوّة الكونية الأعظم ـ تعيبر «الإسلام الفاشي»، ضمن تنويعات أُلقيت، بدورها، على عواهنها: «الأيديولوجيا الإجرامية للإسلاميين الفاشيين هي محكّ القرن الجديد الذي نعيشه. غير أنّ هذه المعركة تشبه، في أوجه كثيرة، الكفاح ضدّ الشيوعية خلال القرن المنصرم. فالراديكالية الإسلامية، تماماً كالأيديولوجيا الشيوعية، تتصف بأنها نخبوية، تقودها طليعة تعيّن ذاتها بذاتها، تنطق باسم الجماهير المسلمة. بن لادن يقول إنّ دوره تعليم المسلمين ما هو خير لهم وما هو ليس بخير. وما يعتبره هذا الرجل، الذي تربى في الرخاء والثراء، خيراً لفقراء المسلمين، ليس سوى أن يصبحوا قتلة وانتحاريين».

طريف، رغم أنه يثير الحزن والأسف أيضاً، أنّ رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، اكتشف بدوره مصطلح «الإسلام الفاشي»؛ مقتفياً خطى بوش، ولكن بفارق عقد من الزمان، وعشرات الآلاف من الضحايا، سقطوا على طرفَيْ معادلة جهنمية: الإرهاب الأعمى الذي تمارسه التنظيمات الجهادية المتطرفة، وإرهاب الدولة العشوائي التي تمارسه أنظمة وجيوش جرارة وقاذفات وصواريخ عابرة للقارّات… بذريعة «الحرب على الإرهاب». المفارقة أن مراكز بحث حكومية أمريكية كانت قد أوصت كبار مسؤوليها، وخاصة الرؤساء، بالامتناع عن استخدام مصطلح «الفاشية الإسلامية»؛ أمّا فالس، رئيس حكومة «اشتراكية» و»يسارية»، فإنه سارع بنفسه إلى السقوط في إغواء مصطلح ـ خاطىء وذميم ومضلِّل وقاصر وبالغ الأذى ـ وكأنه «وجدها» على نحو أرخميدي لا سابق له ولا نظير!

والحال أنّ أخطر خدعة في «حروب» الإسلاموفوبيا هي هذه، بالضبط: سيرورة انتزاع المصطلحات من سياقاتها، بل من كلّ سياق ملموس يقترن بها؛ ثمّ دمجها، قسراً وتعسفاً، في شبكة دلالية مسبقة، أو جاهزة نمطية (كما في المماثلة بين الإسلام والشيوعية)؛ وأخيراً ضخّ هذا المزيج المتنافر، هكذا، اعتباطاً، على عواهنه، في أذهان جاهزة لتلقّف الجاهز، والجاهز وحده تقريباً. وكما أنّ الونجي اسود، والباذنجان أسود، فالزنجي باذنجان، حسب المنطق الأحول والأهبل العتيق؛ كذلك فإنّ الإسلام إرهابي لأنّ الإرهابي مسلم، وحدهما، ولا إرهاب يُنسب إلى سواهما.

غنيّ عن القول أنّ أوّل «زنجي/ باذنجان» فَرِح بهذا الخلط، سعيد به أيما سعادة، مستفيد منه ومتنعم بحماقاته، هو الإرهابي الجهادي المتطرف المتشدد، نفسه، أياً كانت تسمية تنظيمه أو إمارته أو خلافته؛ ما دام يرفل في ثوب «ضحية» تتبارى عشرات الحكومات الغربية في قصفها، بالقاذفات الجبارة المدمرة، ولكن أيضاً بالمنطق المعوّج، وبالمصطلحات الطنانة الرنانة!

القدس العربي

 

 

الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة بين الخوف والتخويف/ عبد الحميد صيام

المشهد الأول الذي يشاهده الأمريكيون : رجل ملثم طويل يلبس الأسود من رأسه إلى أخمص قدميه ولا يظهر منه إلا جزء من عينيه مثل شخصيات «الننجا» يحمل على كتفه كيسا أو حقيبة يبدو أن فيها سكينا حادة، يقف على رأس الصحفي الأمريكي، جيمس فولي، الذي يلبس بدلة برتقالية إستعدادا لذبحه. يقترب منه. يغلق الضحية عينية. يطرح الرجل الطويل المغلف بالسواد ضحيته المسكين أرضا ويتله من الجبين ويبسمل ويذبحه كالشاة. كل أمريكي وأمريكية، دون أن يرى عملية الذبح، يشعر بهزة في البدن وغثاء في الروح وقرف وقهر وحنق. كل ما يعرفه الأمريكي العادي أن هذا القاتل المرعب مسلم وأن المقتول أمريكي. النتيجة التي تعلق في ذهن الأمريكي: الإسلام دين مخيف، مرعب، يجيز الذبح بهذه الطريقة الهمجية، ويربي الناس على الكراهية.

المشهد الثاني الذي يشاهده العرب والمسلمون

يقتحم أمريكي في السادسة والأربعين شقة ثلاثة من العرب المسلمين في بلدة شابل هيل في كارولينا الشمالية ويطلب منهم أن يستلقوا على الأرض ووجوههم إلى الأسفل ويطلق عدة عيارات نارية على مؤخرة رأس ضياء بركات وزوجته يسر وأختها رزان. يعدمهم بدم بارد لأنه لا يجب أشكالهم ولا زوارهم ولا منظر الحجاب الذي تلبسه الفتاتان. يترك الضحايا ينزفون حتى الموت ويذهب بنفسه إلى مغفر الشرطة ويسلم نفسه. المسلمون في الولايات المتحدة يصابون بصدمة عنيفة. ذهول. دموع. غضب. كيف يتجارأ هذا المجرم على قصف أعمار ثلاثة أبرياء يمثلون أروع وأجمل وأنجح ما في الجالية العربية المسلمة. إنه الحقد الأعمى على الإسلام والمسلمين. جريمة ناتجة عن حملات الكراهية التي تبثها الشبكات الإعلامية ليل نهار ضد الإسلام وناتجة عن الخوف من المسلمين – إنها الصورة الأبشع للإسلاموفوبيا.

الإسلاموفوبيا: التعريف بالمصطلح

دخل مصطاح الإسلاموفوبيا عام 1996 لأول مرة بعد أن قام مركز دراسات «رونيميد ترست» الإنجليزي بإعداد تقرير حول ظاهرة الإسلاموفوبيا في بريطانيا بإشراف البروفيسور غوردون كانوي نائب رئيس جامعة سسيكس. ونشر التقرير عام 1997 تحت عنوان «الإسلاموفوبيا تحـدٍ لنا جميعا». وقد عرف التقرير الإسلاموفوبيا بأنها «نظرة عالمية تشمل تخوفا دون سبب منطقي وكراهية للمسلمين ينتج عنها ممارسات تتسم بالإقصاء والتمييز». ويحدد التقرير مظاهر الإسلاموفوبيا في كراهية عامة لكل المسلمين وتمييز ضدهم في العمل والفرص الاقتصادية والحياة العامة. كما يتضمن المصطلح نظرة دونية للإسلام ويعتبره أيديولوجية ينقصها المبادئ والقيم ولا يتساوى مع الحضارة الغربية وهو دين عنيف لأقرب إلى الأيديولوجية السياسية منها إلى الدين.

من أوروبا إلى الولايات المتحدة

كل الدراسات تشير إلى أن الإسلاموفوبيا ظاهرة إنتشرت في أوروبا أولا وخاصة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وذلك لحجم الجاليات المسلمة في تلك البلاد التي تصل إلى 6٪ من مجموع السكان وتأثرها بأحدات الشرق الأوسط نتيجة التقارب الجغرافي والانتماء الحضاري والثقافي وخاصة الوضع الفلسطيني والحرب على العراق. وهناك ثلاثة مظاهر بدأت تميز المسلمين في أوروبا وكأنهم عصيون على الانصهار في المجتمعات الغربية: ظاهرة إنتشار الملابس الإسلامية وخاصة الحجاب، ظاهرة إنتشار المحلات الإسلامية التي تعرض اللحم الحلال ولا تتعاطى بلحم الخنزير أو المشروبات الروحية، وثالثا تبرم المسلمين بحرية التعبير والتي تفاخر دول مثل فرنسا بأنها حجر زاوية في الحضارة الغربية. وبدأت المساجد تبنى والمآذن ترتفع في السماء وصوت الآذان يعلو وصلاة الجمعة تغلق الشوارع. بدأ التذمر والتشكك في هذه المجموعات وكأنها تقوم بعملية سطو جهارا للاستفادة من أجواء الحرية واتساع فرص العمالة في هذه البلاد لدرجة أن الشعب في سويسرا صوت بغالبية 57 ٪ ضد بناء المآذن عام 2009. فمن جهة تستفيد هذه الجاليات المسلمة من نمط الحياة الغربية ومن جهة أخرى بدأت تتقوقع داخل صدفاتها وكأنها تقاوم الاندماج. وبدأت الأحزاب اليمينية تنتشر في فرنسا وألمانيا والنمسا وهولاندا والدنمارك وبلجيكا بل وأمعن بعض الأفراد في هذه الدول بتعمد الإساءة إلى الإسلام ونبي الإسلام وأتباع الإسلام. ومن هنا إتسعت رقعة التوتر المزدوج الإتجاه: توجس غربي من هؤلاء المسلمين الذين يريدون أن يفرضوا حضارتهم ودينهم وتقاليدهم «علينا نحن الغربيين»، وتوجس من المسلمين الذين بدأوا يعانون من التهميش والإقصاء والتمييز والإبعاد والطرد والعنف أحيانا.

أما في الولايات المتحدة فقدت تأخرت ظاهرة الإسلاموفوبيا لسبب بسيط وهو أنها بلاد واسعة وتتسع للجميع، وأن عدد المسلمين قليل نسبة إلى السكان ولا يشكلون أي حجم حقيقي يثير التخوف. لكن سرعان ما انقلبت الأمور بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2011. لقد أفاق الأمريكيون على رؤية البرجين يتهاويان بسبب مجموعة من المسلمين قرروا أن يموتوا ويأخذوا أكبر عدد معهم من الأبرياء. هوجمت المساجد والمراكز الإسلامية وقتل ثلاثة في نفس الأسبوع باكستاني مسلم وسيخ هندي ومصري قبطي باعتبارهم مسلمين فالأمريكي عادة يعتبر كل من يميل إلى السمرة أو يلبس غطاء على الرأس عربيا مسلما.

كان هناك بعض المظاهر العنصرية الفردية ضد المسلمين في الثمانينات والتسعينات لكن الإسلاموفوبيا دخلت الولايات المتحدة بقوة وزخم كبيرين بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001. صحيح أن أمريكا قد مرت في العديد من موجات العنصرية والإقصاء ضد الأقليات كالسود واليهود والألمان والإسبان وغيرهم لكن الضحية الجديدة التي إستحوذت على آخر موجات العنصرية هم العرب والمسلمون.

لقد إنتشرت مظاهر الإسلاموفوبيا في العقد اللاحق لهجمات 11 أيلول/سبتمبر وأخذت عدة مظاهر أهمها:

تشويه صورة الإسلام والمسلمين ونشر الأدبيات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تعبيء الرأي العام ضد المسلمين والتي لا تعتبر الإسلام دينا أو تعتبره دينا قائما على الشر والعنف وأن المسلمين عنيفون بطبعهم ويحاولون أن يسيطروا على أمريكا. ثم تم إنتاج عدد من الأفلام التي تصور المسلمين بهذه الطريقة المشوهة كان آخرها «القناص الأمريكي» ومنها «حالة حصار» و»رحلة رقم 93» و»سبتمبر» و»عدة أيام في سبتمبر» و»الجهاد الثالث» وغيرها كثير. بل ذهب مارك باسيلي، من أصول مصرية، بعمل فيلم ردئ أثار الدنيا كلها: «براءة المسلمين» أساء فيه للرسول الكريم بطريقة حقيرة.

كما أصبحت الإساءة للمسلمين أمرا عاديا يتسابق فيه كثير من الفاشلين وطالبي الشهرة أو المال بالخروج علنا بتصريح أو مقابلة يسب فيها الإسلام والمسلمين ليصبح نجما يشار إليه بالبنان مثل ظاهرة «وفاء سلطان» التي أصبحت ضيفة على كل محطة تريد أن تسب الإسلام وتسيء للمسلمين، وكذلك الراهب تيري جونز الذي أراد أن يحرق نسخا من القرآن علنا. ووصلت هذه الظاهرة إلى المرشحين السياسيين الذي بدأوا يتسابقون على الإساءة للإسلام وتقديم الوعود للناخبين بتمرير العديد من القوانين للرقابة والتحقق من الذين لا يؤمنون بالحضارة الغربية والطريقة الأمريكية في الحياة.

ومما عزز هذا الشعور بالخوف من المسلمين واعتبارهم مجبولين على العنف مجموعة الحوادث التي هزت المجتمع الأمريكي من جذوره خاصة وأن وسائل الإعلام لعبت دورا أساسيا في تضخيم تلك الحوادث. ونذكر منها عينات فقط:

– محاولة الباكستاني فيصل شاهزاد (من مواليد 1979) في الأول من أيار/مايو 2010 تفجير سيارة في ميدان «تايمزسكوير» الشهير في قلب منهاتن ساعة خروج الموظفين من العمل لإلحاق أكبر أذى بالمارة.

– قام نضال حسن (من مواليد 1970) وهو طبيب في الجيش الأمريكي من أصول فلسطينية بفتح النار يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2009 على زملائه في قاعدة فورت هود بتكساس فقتل 13 وجرح 32.

– قرر نجيب الله زازي (من مواليد 1985 في أفغانستان) أن يقوم بتفجير داخل قطارات الأنفاق في مدينة نيويورك ساعة الإزدحام حيث قاد سيارة الجيب من كولورادو مسافة 1800 ميل وهو يحمل كل أنواع المواد التي تساهم في صناعة المتفجرات. كان زازي يخضع للمراقبة المتواصلة وتم اعتقاله يوم 19 أيلول/سبتمبر 2009.

من الأفراد إلى المؤسسات

لم تقتصر مظاهر الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة بعد العقد الأول من أحداث 11 أيلول/سبتمبر على ممارسات الأفراد بل تعدتها إلى إنتشار المؤسسات المهنية المنظمة والممولة في كافة الولايات لمواجهة الإسلام والمسلمين والتحذير من خطرهم وعدم الثقة بهم والعمل على طردهم أو تهميشهم أو إلحاق أذى بهم. وتنقسم هذه المنظمات إلى قسمين: المنظمات الأساسية والمنظمات المساندة. وسنذكر عينة منه ونترك الأسماء باللغة الإنجليزية لسهولة البحث لمن يريد الاستزادة:

Act For America

وقد بلغ عدد أعضائئها 175.000 وعدد فروعها 635 ويتابعها على صفحتها في الفيس بوك 4000 عضو. وقد نجحت في تمرير قوانين في أريزونا وتنيسي ضد الإسلام كما قامت بتوزيع كتيبات تحت إسم «قوانين الشريعة لغير المسلمين». وقد أنشاتها بريجيت غابرييل التي عملت في لبنان وإسرائيل ومن أقوالها المشهورة «إن كل مسلم يمارس شعائر الإسلام هو راديكالي» وقالت في مؤتمر في واشنطن «ان الغرب قادم على هزيمة لا محالة إلا إذا حدد من هو العدو. العدو الآن هو الإسلام».

– أوقفوا أسلمة أمريكا

Stop the Islamization of America

هذا المشروع تابع لجماعة أسستها باميلا غيلر وروبرت سبنسر من أنصار إسرائيل ويقومون بوضع يافطات في الأماكن العامة تقول: «أيدوا إسرائيل- إهزموا الجهاد».

American Islamic Forum for Democracy (AIFD), Dr. Zuhdi Jasser

لمنتدى الأمريكي الإسلامي للديمقراطية ومؤسسه زهدي جاسر والذي يعتبر أن الإسلام ليس دينا مسالما ويعمل المنتدى على حماية الديمقراطية والحرية والدستور الأمريكي.

Center for the Study of Political Islam

مركز دراسات الإسلام السياسي ويهدف إلى تثقيف الجمهور الأمريكي حول «الإســـلام ومحــمد وإله محمد».

Center for Security Policy

مركز دراسات السياسة الأمنية ومؤسسه فرانك غافني من أكثر المعادين للإسلام في الولايات المتحدة. يؤمن بأن الإسلام يعمل على السيطرة على الولايات المتحدة ويعتقد غافني أن الرئيس أوباما مسلم.

هذه عينة من عشرات المنظمات المنتشرة في طول البلاد وعرضها والتي تعمل على تشويه الإسلام وتخويف الأمريكيين من الإسلام والمسلمين. وللإستزادة نتمنى زيارة موقع مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية.

وكما يقول السيد نهاد عوض، الرئيس التنفيذي لمنظمة كير، «ليس غريبا أن معظم رؤساء هذه الجمعيات هم من أنصار إسرائيل». ألا يحمل هذا التأكيد أكبر إجابة عن سبب إنتشار الإسلاموفوبيا على مستوى المؤسسات لا الأفراد فقط.

نهاد عوض لـ«القدس العربي» : هناك تحالف منظم وممول لتعميم الإسلاموفبيا

في مقابلة مع «القدس العربي» أعلن السيد نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، أن هناك من يعمل ليل نهار على ترهيب الشعب الأمريكي من الإسلام وخطر الإسلام على نمط الحياة الغربية وعلى الحضارة الغربية بشكل عام. وهذه أهم النقاط الواردة في المقابلة:

حول مأسسة الإسلاموفوبيا

لم يعد التمييز ضد الإسلام واالمسلمين نابعا من بعض الأفراد بل تعدى ذلك إلى المؤسسات. هناك جماعات متخصصة بميزانيات ضخمة تعمل على نشر ثقافة الخوف والترهيب من الإسلام والمسلمين ووصف المسلمين بأنهم جماعت أشرار لا يؤتمن جانبهم. لقد وصلت ميزانية شبكة الإسلاموفوبيا إلى 119 مليون دولار بين عامي 2008 و 2012 فقط ويشرف عليها جماعات متخصصة وخبراء «تشويه» وأعضاء في الكونغرس يساندهم جيش من الإعلاميين ووسائل الإعلام ويقف فوكس نيوز على رأس الحملة الإعلامية المغرضة التي تريد أن تعمم وتعمق الخوف من الإسلام. لقد إكتشفنا أيضا أن الكثير من أعضاء هذه الشبكة هم من أنصار إسرائيل الملتزمين بالدفاع عن السياسات المتطرفة لإسرائيل يساندهم مجموعات من اليمين الأمريكي والمحافظين الجدد. لقد حاول هؤلاء أن يمرروا على مستوى الولايات نحو 80 قانونا كلها معادية للإسلام والمسلمين. وقد نجحنا في وقف بعض هذه القوانين بالطرق القانونية لأنها تتعارض مع حرية الأديان التي يكفلها الدستور الأمريكي. وكادت ولاية أوكلاهوما أن تكون الأولى في إعتماد قانون يحرم ممارسة الإسلام داخلها لكننا لجأنا إلى المحاكم وأفشلناه.

لقد كشفنا مخططات شبكة الإسلاموفوبيا بالتعاون مع المنظمات الأمريكية الصديقة واستطعنا أن نوقف إستغلالهم للأموال الفدرالية التي تأتي من عرق جبين دافع الضرائب الأمريكي واستطعنا وقف هذه الانتهاكات. وتجري الآن عمليات تحقيق مع من إنتهكوا القانون باستغلال الأموال الحكومية لنشر ثقافة الخوف والترهيب من الإسلام والمسلمين.

وعي الجالية المسلمة بالتحدي

أولا أؤكد لك أن منظمة «كير» تطلع بالمسؤولية الريادية في هذا المجال وهي المؤسسة المركزية لكافة الأنشطة المتعلقة بالتصدي للإسلاموفوبيا على مستوى الولايات المتحدة. لدينا 30 فرعا في البلاد ولدينا عدد كبير من المتفرغين المهنيين الذين يعملون على مدار الساعة لرصد كل ما من شأنه أن يلحق الأذى بالمسلمين. لدينا محامون وأنصار ومتطوعون من كل الأجناس والأعراق والديانات لأن التمييز آفة يقف ضدها كل إنسان شريف وعقلاني وواع. إن «كير» عبارة عن خلية نحل لا تنام وتسهر على مصالح ملايين المسلمين في هذه البلاد وحمايتهم من العنصرية. نحن في مواقعنا الشبكية نتصدى لهم بنفس الأسلوب ونستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لكشف الحقائق وما على القارئ إلا أن يزور موقعنا الشبكي ليرى بعينيه مدى المهنية العالية في توثيق حالات العنصرية والعنف والتمييز ضد المسلمين.

النقطة الثانية أن هناك الآن جيلا من الشباب العربي المسلم الذي ولد في هذه البلاد ويتمثل أسالبيها وعقليتها ولا يخشى شيئا ما دام ملتزما بالقانون. هؤلاء الشباب المثقفون الذين يتقنون فن الاتصالات وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبطريقة مبدعة هم السند الثاني الكبير لجهود «كير» هؤلاء هم عيوننا وآذاننا في المدن والبلدات والجامعات والمؤسسات الذين يرصدون كل إسفتزازات اليمين الكاره للعرب والمسلمين ويلفتون إنتباهنا فورا لحالات التمييز والعنف والإساءة والاعتداءات فنتحرك فورا. إن تطور الوعي لدى الجالية العربية المسلمة في الولايات المتحدة ناتج جزئيا عن التمييز ضدهم بدون سبب.

المسلمون الذين يسيئون للإسلام

أكثر ما يلحق بنا الأذى تلك التصرفات الرعناء والهمجية التي يقوم بها من يدعون إنتماءهم للإسلام. إن ما تقوم به الجماعات الإرهابية مثل «داعش» وأخواتها يسيء للإسلام والمسلمين. إنها تعطي المادة الدسمة لأعداء الإسلام كي يشنوا حربا على المسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا. إنهم بأفعالهم المشينة تلك كذبح الأبرياء يصبون في خانة أعداء الإسلام والمسلمين ويقدمون هدايا مجانية لفوكس نيوز كي يدور هذه الأخبار ويبالغ في تكرارها حتى تصبح ثقافة عامة. نحن نعرف أن الشعب الأمريكي طيب وغير عنصري إذ إنهم من المهاجرين مثلنا ولكن وسائل الإعلام هي التي تقدم لهم الأطباق الجاهزة لغسل دماغهم وتعبئتهم بطريقة تحريضية. وأنت تعرف القانون الطبيعي فعندما تشيطن جهة ما يصبح الاعتداء عليها أمرا عاديا بل يعتقد بعضهم أنه ضرورة وواجب.

القدس العربي

 

 

العوامل السياسية والتاريخية التي تجعل اسبانيا البلد الأوروبي الأقل إسلاموفوبيا/ د.حسين مجدوبي

في أعقاب العمليات الإرهابية التي تعرضت لها مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية وما خلفه ذلك من توتر وسط الرأي العام الغربي وأساسا الأوروبي ومنها ارتفاع ظاهرة «اسلاموفوبيا»، قال رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي «ليس هناك خطر الإسلاموفوبيا في اسبانيا»، تصريح يعكس الواقع بحكم اختلاف رؤية الإسبان للإسلام عن باقي الدول الأوروبية وإن كانت العقدة التاريخية هي «موروفوبيا»، أي الخوف التاريخي من الساكن في الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق.

ويطابق تصريح ماريانو راخوي الواقع السياسي في اسبانيا، فهذا البلد الأوروبي من الدول القليلة التي لا تسجل اعتداءات مباشرة وصريحة ضد المسلمين عكس ما يحدث في دول أخرى. وحاولت مجموعات صغيرة التظاهر ضد المسلمين بعد أحداث شارلي إيبدو، ولم تسجل أكثر من عشرة أشخاص. ولعل أهم مقياس هو غياب رد فعل ضد المسلمين عندما تعرضت العاصمة مدريد يوم 11 مارس 2004 الى أكبر عمل إرهابي خلال العقود الأخيرة، عندما قامت عناصر مقربة من تنظيم القاعدة بتفجير أربعة قطارات وخلفت مقتل 191 شخصا وقرابة ألف جريح. واتهم الرأي العام الإسباني وقتها الحزب الشعبي الحاكم بالتسبب في التفجيرات بسبب تأييده للحرب الأمريكية-البريطانية ضد العراق، وعاقبه بالتصويت على الحزب الاشتراكي الذي فاز بزعامة خوسي لويس رودريغيث سبتيرو في الانتخابات التي جرت ثلاثة أيام بعد ذلك.

وعمليا، لا يمكن نفي وجود إسلاموفوبيا في اسبانيا، ولكنها تبقى محدودة وغير بارزة ولم تشكل بعد موضوع جدل سياسي وفكري وسط المجتمع الإسباني بشكل ملفت عكس ما يجري في الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا وهولندا والنمسا بل وحتى اليونان التي تعتبر دولة متوسطية وذات تاريخ مشترك مع العرب بينما الحزب الثالث في البرلمان هو حزب نازي. وتوجد عوامل متعددة تبرز ضعف إسلاموفوبيا في اسبانيا وهي:

– الهجرة العربية والإسلامية حديثة في اسبانيا تعود الى الثمانينات فقط، وبالتالي هي محدودة رقميا مقارنة مع دول مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا، فعدد المسلمين لا يتجاوز مليونا، بينما في الدول الأخرى يتجاوز الأربعة ملايين. وهذا ساعد على عدم تطور مشاعر الكراهية تجاه المسلمين مؤقتا أو تطورت بشكل محدود فقط.

– غياب خطاب إسلامي متطرف لجمعيات إسلامية وأسماء بارزة في اسبانيا تلفت النظر وتخلق الجدل مما يسبب في ارتفاع الخوف من المسلمين. وإذا كانت دول مثل بريطانيا وفرنسا وهولندا بل وحتى الدانمرك مؤخرا تشهد أسماء وشخصيات تبادر بالدفاع عن الحركات المتطرفة بل وتبرر بعض الاعتداءات، ففي حالة اسبانيا لا توجد هذه الظاهرة وسط الجالية المسلمة.

– فشل مختلف مبادرات اليمين القومي المتطرف في تأسيس حزب سياسي مناهض للمسلمين والهجرة في اسبانيا طيلة العقدين الأخيرين. وتوجد أحزاب سياسية متطرفة، لكنها لا تمتلك أي وزن في المشهد السياسي الإسباني. وشاركت هذه الأحزاب في مختلف الانتخابات، وحصدت بضع مئات من الأصوات على المستوى الوطني، وتوجد في مناطق محددة دون الامتداد الى مناطق أخرى. بينما نجح حزب وحيد في البروز نسبيا وعلى مستوى إقليم كتالونيا وهو «بلاتفورما من أجل كتالونيا» يعارض بقوة الهجرة، ولا يركز فقط على الهجرة المسلمة بل كذلك من أوروبا الشرقية لأنه يعتبرها خطرا على هوية كتالونيا.

-ويعود فشل الأحزاب المتطرفة الى قوة الحزب الشعبي الحاكم الذي يضم تيارات مختلفة من عائلة اليمين من المحافظ جدا الى اليمين الليبرالي المنفتح، الأمر الذي يجعله يأخذ بكل الحساسيات في خطابه نحو الهجرة. كما يقترب الحزب الشعبي في منظوره للهجرة من الرؤية الأنجلوسكسونية للإسلام وليس الأوروبية اللاتينية الضيقة.

-في الوقت ذاته، أجندة اليمين المتطرف التي تحاول إيجاد فضاء لها في المشهد السياسي، تركز على موضوع آخر شائك للغاية وهو الوحدة الوطنية لإسبانيا في مواجهة الانفصال. فهي ترى في الانفصال خطر ا أكبر بكثير من وجود جالية إسلامية في البلاد، بينما الحركات المتطرفة في هولندا أو فرنسا مع حزب الجبهة الوطنية تركز على الهوية وتعتبر المسلمين خطرا في هذا الشأن.

– وفكريا، لم تبرز أسماء في اسبانيا تعمل على تعزيز الفكر المناهض للإسلاموفوبيا، عكس دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا مع الصحفية والكاتبة أوريانا فلشياني التي تزعمت «فكر إسلاموفوبيا» منذ التفجيرات الإرهابية 11 سبتمبر، التي ألفت كتب مثل «قوة المنطق» تحذر فيه الغرب مما تعتبره «سرطان التسرب الإسلامي» من خلال منح المهاجرين المسلمين التصويت والإستجابة لمطالبهم. وفي حالة فرنسا، يوجد المفكر المثير للجدل إريك زيمور الذي يحمل المسلمين جزءا من تدهور فرنسا في كتابه «الانتحار الفرنسي» الصادر خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

في غضون ذلك، توجد ظاهرة مختلفة في اسبانيا عن باقي الدول الأوروبية وهي «موروفوبيا»، الخوف من «المورو». و»المورو» كلمة أصلها لاتيني تطلق على سكان شمال إفريقيا وتعني العربي، وتحمل أحيانا مفهوما قدحيا. وبحكم التواجد الإسلامي لقرابة عشرة قرون في اسبانيا، من الفتح سنة 92 هجرية حتى طرد الموريسكيين سنة 1609، توجس الإسبان من عودة المسلمين الى اسبانيا، الأمر الذي جعلهم ينظرون بنوع من التوجس والحذر الى المغاربة.

وتطور الأمر الى عنصر من عناصر المخيلة الشعبية الإسبانية. وهذا العنصر يحضر بين الفينة والأخرى ولكن في تجليات مختلفة وهي اقتصادية، مثل معارضة المنتوجات المغربية، واجتماعية، مثل معارضة قوارب الهجرة. في الوقت ذاته، تحضر موروفوبيا في المجال الفكري والتاريخي من خلال التأكيد على الدور العربي والإسلامي في الحضارة الإسبانية أو رفض هذا الدور، مما يجعلنا أمام «موروفوبيا فكرية وثقافية» بامتياز. وتوجد كتب كثيرة ضمن «الموروفوبيا» وبدأت تنحو نحو «الإسلاموفوبيا» إلا أن لا تأثير لها في الوسط السياسي والاجتماعي.

وفي تصريحات لجريدة «القدس العربي» حول تقييم الإسلاموفوبيا في اسبانيا، يقول عبد الحميد البجوقي الذي شغل ما بين 2008-2013منصب ممثل اسبانيا في لجنة مناهضة العنصرية ومعاداة الأجانب التابعة للمجلس الأوروبي: «كانت اسبانيا في المركز الأخير في كل التقارير التي أنجزتها اللجنة حول الإسلاموفوبيا في دول الاتحاد الأوروبي، ووراء فرنسا وبلجيكا وهولندا والنمسا بمسافة هامة. فالإسلاموفوبيا ضعيفة في اسبانيا ولم تتبلور بالقدر المقلق، ولكن يجب الحذر فهي تنمو وتتصاعد تدريجيا في اسبانيا بسبب معالجة وسائل الاعلام لملف الإسلام والإرهاب بطريقة غير مناسبة تصل أحيانا الى تجييش المواطنين. والاعلام يلعب دورا أكثر من الحركات السياسية المتطرفة في اسبانيا».

ويستطرد قائلا «توجد استطلاعات رأي ومقالات تتحدث عن الإسلاموفوبيا في اسبانيا وتقدم نسب مرتفعة، هي في الواقع خاطئة وترغب في التهويل بل وبعضها يريد الالتحاق بموضة اسبانيا كدولة تشترك مع باقي الدول الأوروبية في الإسلاموفوبيا. بعض استطلاعات الرأي التي تنجز مباشرة بعد وقوع عمل إرهابي تهدف الى صنع رأي والمساهمة في بلورة موقف، وبالتالي لسنا أمام استطلاع للرأي بل أمام عمل تحريضي».

ويشترك البجوقي وهو مغربي مقيم في اسبانيا منذ أكثر من ثلاثة عقود أن الدراسات الحقيقية حول ظاهرة مقلقة مثل الإسلاموفوبيا يجب أن تنجز عندما لا يكون أي حدث قد يؤثر بشكل كبير على الرأي العام، مثلما حدث في الاعتداء على شارلي إيبدو بل في وقت الهدوء السياسي حتى نرصد الواقع الحقيقي لهذه الظاهرة.

القدس العربي

 

 

عن الإسلاموفوبيا: الإسلام في الغرب وحالة حصار/ إبراهيم درويش

كان عنوان افتتاحية صحيفة «الغارديان» (16 شباط/فبراير 2015) من «كوبنهاجن إلى نورث كارولينا: التهديد نفسه للحرية» وكانت الصحيفة تعلق على مقتل ثلاثة شبان مسلمين أمريكيين على يد «ملحد متطرف» وعلى الهجوم الذي نفذه شاب مسلم على مقهى اجتمع فيه مثقفون في ذكرى إصدار آية الله الخميني الفتوى الشهيرة ضد الروائي البريطاني من أصل هندي، سلمان رشدي وروايته «آيات شيطانية» التي تهجم فيها على النبي وأهل بيته. وقد ركزت الصحيفة على بعد «الحرية» التي رأت أنها مهددة من المتطرفين سواء كانوا مسلمين أم ملحدين. حرية العبادة وحرية التعبير وهما مظهران من مظاهر الحرية التي تراها مهمة وضرورية ولا نقاش عليها في مجتمعات الديمقراطية.

لا يهتمون

كان القاتل في أمريكا كريغ ستيفن هيكس (46 عاما)، وفي الهجوم الدانماركي عمر الحسين، شاب بتاريخ مضطرب خرج من السجن حديثا. ورغم دفاع الصحيفة عن الحرية كقيمة لا تقدر بثمن إلا أنها لفتت الإنتباه لتردد مكتب التحقيق الفيدرالي (أف بي أي) في التعامل مع جريمة تشابل هيل كجريمة كراهية. فقد سارع الإعلام للتركيز على أن الجريمة مرتبطة بخلاف حول مواقف السيارات. وهو ما أثار غضب المسلمين الأمريكيين الذين تحركوا وبدأوا حملات عبر وسائل التواصل الإجتماعي للإحتجاج والتعريف بمستوى الكراهية. اضطر لاحقا الرئيس باراك أوباما لشجب الجريمة إلا أن عملا بشعا كهذا غاب عن معظم الصحف الكبرى الأمريكية وأصابت العدوى رصيفاتها الصحف البريطانية التي لم تظهر اهتماما واضحا مقارنة مع التغطية الواسعة التي أعطيت لحادث كوبنهاجن، وهذا واضح في تعامل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مع القضية، وكيف لا وهناك ضحايا يهود تماما كما تم التعامل مع هجمات تشارلي إيبدو في الشهر الماضي. وبدلا من التركيز على القتلى المسلمين انتشرت تغطيات حول تصاعد موجات العداء للسامية ودعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى هجرة جماعية لليهود لإسرائيل.

في ظل هذا لم يقل أحد أو يتجرأ على القول أن هجوم تشابل هيل هو تعبير عن موجة كراهية «إسلاموفوبيا» ضد مسلمي أمريكا، بالطريقة نفسها التي يتأثر فيها المسلمون الأوروبيون بحس الحصار بعد كل هجوم إرهابي يتبين أن فاعله «مسلم»، ويتم تجريم كل مسلم وتحميله وزر الفاعل وكل هذا تعبير عن حالة من الرهاب من المسلمين ودرجة عالية من الكراهية والعنصرية ضد المسلمين يعاني منها المسلمون منذ أن أصبحوا مواطنين في أوروبا.

أن تكون مختلفا

لكن دعونا لا ننسى لعبة الدلالات في الهجومين، فكوبنهاجن كانت احتفاء برشدي والثاني كان هجوما على حرية العبادة والإختيار أو كما قالت «الغارديان» حرية أن تكون مختلفا. فكل التخويف من الإسلام على ضفتي الأطلنطي يقوم على فكرة رفض الإسلام باعتباره مختلفا وهذا هو جوهر «الإسلاموفوبيا». فمنذ صدور تقرير « رانيميد تراست»، المعنون «إسلاموفوبيا تحد لنا» (1997) وتحدث عن مأسسة العداء والكراهية للمسلمين في الخطاب العام أيا كان، يحاول المسلمون الضغط باتجاه اصدار تشريعات تحميهم كمسلمين أسوة بما حصل عليه السيخ واليهود والآن السود، خاصة في إطار التعددية الثقافية وبدون جدوى، والسبب أنهم ليسوا عرقا أو مجموعة بشرية. فلا يظهر الإعلام حساسية للهجمات على المسلمين بالقدر نفسه الذي يظهره عندما يتعلق الأمر باليهود وبدرجة متفاوتة بالسود.

ومن هنا ظل المسلمون باختلافهم عرضة للتمييز والهجمات التي تتخذ عدة أشكال، هجمات على المساجد والمراكز الدينية والتحذير من محاولات سيطرة المسلمين وفرضهم الشريعة على كل أوروبا وهذا هو جوهر دعوات السياسي المتطرف الهولندي غيرت ويلدرز، ودعوات حركة «وطنيون اوروبيون ضد أسلمة اوروبا» (بيغيدا) وخطاب الجبهة الوطنية الفرنسية، وأحزاب اليمين الشعبية مثل حزب الإستقلال البريطاني، طبعا هناك تباين في الخطاب ودرجات تطرفه لكن الجوهر هو العداء للمهاجرين ومحاولة شيطنة المسلمين.

ما بعد 9/11

وظل الخطاب المتطرف المعادي للمسلمين حالة أوروبية حتى هجمات أيلول/سبتمبر 2011 عندما تداعى اليمين الأمريكي المتطرف والمحافظ واستخدم الهجمات كذريعة لشن حروب في العراق وآفغانستان أو ما عرف باسم «الحرب على الإرهاب». ويلحظ أن الحرب على الإرهاب أدت لصناعة اسمها «مكافحة الإرهاب»، حيث أصبح ما يطلق عليهم «خبراء الإسلام» ومسؤولو الأمن القومي والمعلقون الصحافيين من اليمين المحافظ واللوبيات المؤيدة لإسرائيل هم من يصنعون «ثقافة التخويف « و»شيطنة» المسلمين. وكما كشف أرون كونداناني في كتابه «المسلمون قادمون» (2014) عن الطريقة التي تداخلت فيها الإسلاموفوبيا، التطرف والحرب الداخلية على الإرهاب، وانتج كل هذا صناعة قادتها مراكز أبحاث أسهمت في رفد الهوس بكل ما هو إسلامي ومسلم وشكلت بالتالي رؤية الرأي العام الغربي عن المسلمين. ويتفق كل الكارهين للإسلام في الغرب على مجموعة من النمطيات ترفد منطقهم من نظريات المؤامرة حول «الهلال الإسلامي» و»الشريعة» التي يريد المسلمون فرضها على المجتمعات الغربية، التحيز ضد حقوق المسلمين وتجريم المسلمين خاصة في نظر مؤسسات تطبيق القانون والنظام كما في البرامج والإستراتيجيات التي استخدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) فيما عرف بجمع معلومات عن المسلمين الأمريكيين. وكشفت دراسة مسحية أعدها «مركز التقدم الأمريكي» حول صناعة الكراهية ضد المسلمين «خوف إنك 2.0: شبكة الإسلاموفوبيا لتضيع الكراهية في أمريكا» (2011/2014) وقدمت الدراسة الشخصيات ومراكز الأبحاث والنواب المحافظون في الكونغرس ممن يثيرون غبار المعارك ضد المسلمين. وقال التقرير إن شبكة الإسلاموفوبيا حصلت على 57 مليون دولار لشيطنة المسلمين. وكتب مؤلفو التقرير ماثيو وياسمين تائب وكين غود وكين سوفير في مقدمته «تتخذ الإسلاموفوبيا شكلا من الخوف العام ومن الغضب تجاه المسلمين الأمريكيين كما شوهدت في سياق السرد حول «جهاد الحضارات» وخطاب الحقوق الدينية والإعلام المتحيزوتغطية ماراثون بوسطن». وقالوا إن تصنيع الكراهية نابع من «جهود سياسيين للإستثمار والإستفادة من مناخ الخوف كما شوهد في مشاريع القرارات التي تقدمت بها الولايات ضد الشريعة والتي صدرت في معظم أنحاء البلاد، ومزايدات السياسيين اليمنيين المتطرفين. وتعبر عن نفسها، ربما بخطورة من خلال السياسات الممأسسة التي تنظر للمسلمين باعتبارهم تهديدا كما يظهر في أدلة إرشادات مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) لتدريب الشرطة والتي تقدم الإسلام على أنه دين عنف». ويقول التقرير إن «ناشري الذعر يقومون بتأييد شبكة إسلاموفوبيا وترتبط عادة بمحاولات مأسسة العنصرية ضد المسلمين.

المسلمون يشاركون

تتغذي الإسلاموفوبيا من العداء والتغطيات الصحافية التي تؤكد على الإسلام باعتباره دينا وتهديدا على الديمقراطية، ويشارك مسلمون ومتأسلمون وملحدون مسلمون و»معتدلون» بتأجيج مشاعر الكراهية كما يظهر في الأصوات التي سرعان ما يتبناها اليمين مثل الصومالية- الهولندية أعيان حرسي وندى سلطان في أمريكا. وقد حللت الباحثة المصرية- الأمريكية ليلى أحمد أدبيات هذه الحركة في كتابها المهم «ثورة هادئة» (2011). وهناك «انتهازيون» يستخدمون فكرة الكراهية ضد المسلمين كوسيلة لتحقيق المال، فقد ذكر تقرير مركز التقدم شخصاً اسمه وليد شويبات أصبح مسيحيا ومستشارا بالضرورة لأف بي أي وكتب وقدم محاضرات تقول للأمريكيين أن الإسلام هو العدو الأكبر. وحقق من مبيعات كتاب له نصف مليون دولار وهناك سام خروبة، وهو مسيحي أردني. وتجد مثل هذه العينات بين المسلمين في بريطانيا مثل ماجد نواز وإد حسين ولكن على قدر أقل حيث تحولوا إلى متحدثين باسم الإسلام «المعتدل» وتبنتهم مراكز البحث الأمريكية المحافظة. وصارت الحكومات تشجع على خلق أصوات متعددة تنطق باسم الإسلام.

ففي بريطانيا اليوم هناك العديد من الأصوات التي تتحدث إليها الحكومة باعتبارها ممثلة للإسلام بعد فشل تعاونها مع المجلس الإسلامي البريطاني الذي أصبح واحدا من كل رغم أن الغرض منه كان بناء صوت موحد للمسلمين في بريطانيا. وتظهر هذه الأصوات عندما يطلب منهم الساسة شجب أفعال تطرف وإرهاب. وفي هذا السياق تعتبر الحرب في سوريا وصعود ما تنظيم الدولة الإسلامية تغذي بطريقة أو بأخرى مشاعر العداء للمسلمين خاصة بعد ذبح التنظيم هذا للرهائن الأجانب وتفننه في القتل والحرق. ولا غرو فالجهاديون اليوم يعتمدون على العنف لاستفزاز حرب مع الغرب وتأكيد أنه في حرب مع الإسلام.

لسنا في حرب مع الإسلام

مع أن الساسة في الغرب وأمريكا يسارعون لنفي فكرة أنهم في حرب مع الإسلام بل ومع المتطرفين. وهي لعبة معاني، ففي الوقت الذي يتجنب فيه أوباما وصف تنظيم الدولة بالإسلامي تواصل طائراته بدون طيار قتل الناشطين ومعهم مدنيين أبرياء. وعلق في هذا السياق روجر كوهين في «نيويورك تايمز» على «اللازمة» التي يكررها السياسيون الغربيون من أنهم ليسوا في حرب مع الإسلام وأنها «أصبحت مستهلكة ولا يصدقها المسلمون في جميع البلاد الإسلامية فهي ليست ذات جدوى»، ويشير إلى قول رئيسة وزراء الدنمارك بعد مقتل مخرج الأفلام الدنماركي وحارس المعبد اليهودي حيث قالت: «نحن لسنا في معركة بين الإسلام والغرب. إنها ليست حرب بين المسلمين وغير المسلمين إنها حرب بين القيم المبنية على حرية الفرد وعقيدة مظلمة». وهي تصريحات لا تختلف عن تصريحات أوباما، فرانسوا أولاند وديفيد كاميرون

وفي وقت يخوض فيه الغرب معركة ضد حركات إسلامية «ظلامية» تقتل وتدمر وعندها لا يجدي كما يقول كوهين أن يتدرب الزعماء الغربيون على تصريحات كهذه في الوقت الذي يرى المسلمون عكس ما يقولونه. ويتساءل كوهين عن سبب العنف الجهادي، ويشير إلى مدرستين. الأولى تقول بأن الغرب هو الملام بسبب دعمه لإسرائيل والحروب (العراق) والوحشية (غوانتانامو وأبو غريب) وقتله للمدنيين (الطائرات بدون طيار) ونفاقه المدفوع بحب النفط. أما الثاني فهو الأنظمة العربية ومجتمعاتها المحرومة التي تعاني من الديكتاتورية المنهمكة في محاربة الإسلام السياسي والقمع والمؤسسات المتهالكة والطائفية واستبعاد مشاركة المواطنين ونظريات المؤامرة وعدم التمكن من توفير الوظائف أو الأمل لشبابها. وهو وإن رأى أن غياب الديمقراطية السبب، فإن صعود تنظيم الدولة وحرب أوباما الجديدة هما نتائج مباشر لفشل الربيع العربي والذي حمل الأمل لخروج المجتمعات العربية من أزمتها وتهميش الفكر الجهادي. وكعادة كل المثقفين والساسة في الغرب فالحل يأتي من العرب فهم القادرون على إيجاد الحل «ولكن التاريخ لن يرحم أوباما ايضا لفشله في دعم حركة التحرر القوية التي نشأت في تونس وليبيا ومصر وسوريا وغيرها، فعدم التفاعل هو أيضا سياسة وعدم التدخل هو ما أنتج الحال الذي نراه في سوريا اليوم».

عقيدة ظلامية

قد يكون في كلام كوهين قدر من الصواب لكنه لا يلغي خطر الإسلاموفوبيا فهي مثل عقيدة الجهاديين تقوم على قدر من الفكر الظلامي والشيطنة. وفي تحليل لخالد ابو الفضل قدمه في كتابه الجديد «الجدال مع الله» (2014) رؤية مهمة وجديرة بالإهتمام عن خطر الكراهية التي تقف أمام العقل. فهو يربط العداء للإسلام في تمظهره الأخير بالتقاليد الغنية في التاريخ الغربي والتي طورت كوسيلة للدفاع عن النفس وتغذت من الثيولوجيا المسيحية والسياسات المتعصبة. وتبدو نبرة أبو الفضل متشائمة محذرا من خطورة إسلاموفوبيا على العالم وليس على المسلمين. ويؤكد تحليله أن العداء للمسلمين لا يقتصر على التمييز في الحقوق والواجبات لمواطني أوروبا المسلمين بل وعلى صعيد الفكر. ويشير إلى أن اعتماد صناع السياسات على من يسمون بـ «خبراء الإسلام» يعتبر ردة فكرية وكأن الإنسانية لم تتعلم من دروس الذبح. ويرى ان ذبح الصرب للمسلمين تغذى من مشاعر العداء هذه. ولكنه يشعر بالراحة لأن هذه الإسلاموفوبيا لم تخترق مراكز البحث الأمريكي الجامعية الرصينة والتي لا تزال تصدر دراسات وأبحاث مهمة عن الإسلام. ومع ذلك فلا بد من الخوف، لأن حدثا كونيا مثل 9/11 ستتردد أصداؤه حتى القرن المقبل.

القدس العربي

 

 

الخوف من الإسلاميين يلقي بظلاله على الدولة الألمانية/ علاء جمعة

برلين – «القدس العربي»: القرار الذي أصدره عمدة مدينة براونشفايغ الالمانية أولريش ماركورت في مقاطعة سكسونيا السفلى بالغاء موكب الكرنفال في الروزن مونتاغ (أثنين الورود)، والذي يعد من أكبر الكرنفالات في شمال ألمانيا ويعرف باسم «شودوفل» خشية من هجمات ارهابية محتملة، رافقه اعلان حركة «وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب» والمعروفة باسم «بيغيدا» عن قرارها باستئناف المظاهرات ضد الاجانب وضد أسلمة ألمانيا، رغم الانقسامات التي شهدتها الحركة مؤخرا.

وبدلا من اختفاء الحركة مع تراجع مؤيديها، وهيمنة اليمين المتطرف عليها، انطلقت الاصوات المعادية لوجود الاجانب في المانيا بتنظيم حراكات شعبية المانية متطرفة جديدة باسم نيغيدا في مدينة نورنبرج و»ليجيدا» في مدينة لايبزغ.

وبالرغم من التطمينات الحكومية التي أصدرتها الدولة الالمانية، بأن المسلمين لهم حقوقهم وبأن الاسلام أصبح جزءا لا يتجزأ من ثقافة المانيا، وهو ما صرح به الرئيس الالماني يواخيم غاوك والذي أقرته المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل وأكدت عليه في أكثر من مناسبة، نجد أن الدعوات ضد الاسلام والمسلمين لا زالت تصدر باسم شخصيات الحكومة ذاتها، وبأن ربط الاسلام بالارهاب تعدى قاعدة اليمين المتطرف والحركات الالمانية المتطرفة الاخرى مثل بغيدا و»ليغيدا» وغيرها بل أصبح يصدر من ساسة ألمان يبدوا أنهم يريدون قطف الثمار السياسية على حساب تخويف المجتمع الغربي من خطر الاسلام المقبل.

لذلك قد يكون من الواضح فهم تصريحات رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي بولاية بافاريا هورست زيهوفر الذي يصف إرهاب الإسلاميين بأنه أكبر إعلان حرب على العالم الغربي منذ عقود، وقال زيهوفر أثناء احتفالية «أربعاء الرماد» التي ينظمها الحزب في مدينة باساو والذي يعتبر حزبه شريك مع حزب ميركل وهو الحزب المسيحي الديمقراطي أن «إرهاب الإسلاميين هو أكبر إعلان حرب على العالم الغربي منذ عقود، وان ذلك لا يمثل معركة للحضارات، بل أنه يعد بمثابة معركة للحضارة في مواجهة البربرية، وأن علينا مواجهة ذلك بحزم». وأكد أنه لهذا السبب هناك حاجة لمزيد من أفراد الشرطة وموظفي جهاز حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) وقال «أنه دون حرية لن يكون هناك أمن، ولكن أيضا لن تكون هناك حرية دون أمن». ويكون حزب زيهوفر مع حزب ميركل ما يسمى بالاتحاد المسيحي، والذي يشكل مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الائتلاف الحاكم في المانيا.

ولم تقف تصريحات زيهوفر على «الارهاب الاسلامي» فحسب، بل تعداه ليهاجم سياسة اللجوء التي اتبعتها المانيا، والتي سمحت بدخول أعداد كبيرة من اللاجئين لا سيما من سوريا، وقال أنه «ليس هناك مكان للاجئين الذين يهربون من الفقر، في ألمانيا، وإننا لسنا هيئة شؤون اجتماعية للعالم بأسره»، وأعرب مجددا عن رفضه لإصدار قانون هجرة لألمانيا، وقال: «عندما تستقبل دولة مليون مهاجر سنويا، فإننا لسنا بحاجة حينئذ لقانون هجرة، ومن يرغب في العيش لدينا، يتعين عليه العيش معنا وليس بجانبنا، وليس ضدنا بالطبع».

قد تبدوا المانيا اليوم واقفة على مفترق خطير، عليها أن تختار بين الحرية والسياسات الامنية، والتي يخشى البعض من تغول السلطات الامنية، في ظل ما يسمى بسياسة مكافحة الأرهاب.

المسلمون مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى باتباع سياسات اعلامية واضحة، تدعو الى إعتبارهم جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الذي يعيشون فيه، ويجب عليهم وضع آليات واضحة لمكافحة موجات العداء للإسلام، ولا يتأتى ذلك الا من خلال تعاون اسلامي مسيحي لتفويت الفرصة على الحركات المتطرفة من اتخاذ ستار الدين غطاء لعنصريتهم، كما يجب على المنظمات الاسلامية أيضا التنسيق مع المفكرين والاعلاميين والباحثين الذين أنصفوا الاسلام في أوروبا، ودعوا الى فصل واضح بين المشاكل التي تعيشها أوروبا وبين وجود المسلمين فيها.

الباحث في شؤون الارهاب في المانيا ميشائيل لوردز أعرب في حديث تلفزيوني أجرته معه محطة N24 الاخبارية الالمانية أن حركات متطرفة مثل حركة «بيغيدا» وغيرها قد تحاول استغلال الحادث الارهبي في فرنسا لتكثيف نشاطاتها الداعية لمحاربة المسلمين. وقال أنه «بالرغم من أن المشاكل الاقتصادية التي نحياها يتأثر بها المسلمون الالمان ايضا، الا أن هذه الحركات تريد تحميل المسلمين المسؤولية وكأنهم هم من يقررون سياسات المانيا الاقتصادية والسياسية». وقال الخبير الالماني «تريد هذه الحركات والعديد ممن لف لفهم، انتقاد البطالة، والمخصصات القليلة، والضرائب، وارتفاع الاسعار، الا أنهم لا يتجرأون على ذلك، وبدلا منها يحاولون إقناع انفسهم وإقناع الاخرين بأن المسلمين هم السبب لكل المشاكل الذين يواجهونها، وبأن الحل يكمن في مهاجمتهم».

قد يكون من المفيد اعلاميا التركيز على حادثة شابيل هيل، في ولاية كارولينا الشمالية والتي راح ضحيتها ثلاثة من المسلمين على يد أمريكي أبيض عنصري، وذلك في كانون الثاني/ يناير الماضي، أو جريمة قتل الطيار الاردني معاذ الكساسبة وغيرها من الامور الشبيهة، وذلك لتبيان ان الارهاب عندما يضرب لا يفرق بين مسلم ومسيحي وبين عربي وأوروبي وأن الاعلام الغربي غير محايد ابدا عندما تكون الضحية من المسلمين.

وكانت دراسة أوروبية حديثة أجراها مكتب الشرطة الأوروبية (يوربول)، حول الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، قد كشف أن 99.6٪ من المتورطين في أعمال إرهابية من الجماعات اليسارية والانفصالية المتطرفة وليسو مسلمين.

وبحسب الدراسة فأنه في عام 2009 تعرضت ست من دول الاتحاد الأوروبي لـ294 عملية إرهابية، سواء كانت ناجحة أو فاشلة، فيما سجلت بريطانيا 124 هجمة إرهابية أخرى في شمال ايرلندا، مشيرة إلى أن 13 دولة أوروبية قبضت في العام نفسه على 587 شخصاً للاشتباه في انتمائهم إلى جماعات إرهابية، أو التخطيط والترويج والتمويل لعمليات تخريبية.

وتابعت الدراسة أن أغلبية المعتقلين المشتبه في انتمائهم لجماعات إسلامية متطرفة، قبض عليهم للاشتباه في تمويل عمليات إرهابية، لافتة إلى أن النساء مثلن نسبة 15٪ من إجمالي المقبوض عليهم عام 2009 بانخفاض عن عام 2008 بنسبة 15٪، ونسبة 10٪ عن عام 2007 وانتمت أغلبية النساء اللاتي اعتقلن إلى جماعات انفصالية وليست إسلامية.

وأفادت الدراسة بأن أغلبية الأحكام التي أصدرتها المحاكم الأوروبية في قضايا الإرهاب خلال عام 2009 كانت ضد انفصاليين، على النقيض من عام 2008 الذي تصدرته أحكام ضد إسلاميين متطرفين.

وجاء في التقرير السنوي لمنظمة الشرطة الأوروبية أن مؤشر ضبط المشتبه في انتمائهم إلى جماعات إرهابية إسلامية مستمر في الانخفاض، لافتة إلى أنه تراجع بنسبة 41٪ خلال عام ،2009 وبواقع 110 مشتبهين، مقارنة بـ187 مشتبهاً في عام ،2008 و2001 في ،2007 مبينة أن تهديد تلك الجماعات يتأثر بشكل مباشر بتطورات مناطق الصراع في الشرق الأوسط، مثل العراق وأفغانستان والصومال واليمن.

صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا

القدس العربي

 

 

إسلاموفوبيا في أوروبا تتوازى مع حظر العنصرية/ محمد حافظ يعقوب

أطلقت الأحداث الأخيرة طقماً كاملاً من الإجراءات والتعليقات التي كان جلّها في حالة كمون. فقد تحرر الميل إلى تكثيف الردع وتقييد الحريات. وتحرر معه رُهاب الإسلام، أو “الإسلاموفوبيا” من كل حرج، غير أن القضايا متراكبة كما نعلم. إنها تتصل بالاجتماع الحديث وبالتدامج فيه، بمركز المجتمع وهوامشه وأطرافه، بالديمقراطية والحرية، وبغير ذلك من القضايا التي تمسّ عصرنا اليوم. ولكن، كيف يمكن مقاربة ظاهرة (رُهاب الإسلام) بموضوعية؟ وهل من الممكن سَبْر ظاهرة الإسلاموفوبيا (ووجهها الآخر التطرف الديني التكفيري)، كما ينبغي للسبر الموضوعي أن يكون؟

ليس السؤال من زوائد الأمور، فقد صار القول إن الإسلام يشكّل تهديداً وجودياً لأوروبا من نوافل الكلام. وغدا الشك بالمسلمين وتوجيه الاتهام لهم من “طبائع” الأشياء. ألم يحذّر مؤسس أسبوعية “لونوفيل أوبزرفاتور” العجوز، جان دانييل، في افتتاحيته بتاريخ 24/12/1014 من أنه يلاحظ، “بخوف ورعب”، كيف أن اللاسامية يجري استعواضها شيئاً فشيئاً بالإسلاموفوبيا. لم يحتج أحد، مثلاً، على أن مجلة كورييه انترناسيونال الفرنسية لم تجد حرجاً مهنياً، أو أخلاقياً، في أن تتوّج منذ السبت في 14 فبراير/شباط (أي قبل وقت طويل من كشف السلطات الدنماركية عن اسم مرتكب عملية كوبنهاغن الإرهابية) صفحتها الإلكترونية بأن “الإرهابيين الإسلاميين يضربون كوبنهاغن”. ولم يتردد سياسيون مرموقون في فرنسا عن التصريح بكلماتٍ لا لبس فيها بأن الإسلام وحده من بين الديانات الأخرى الذي يشكّل مشكلة في فرنسا. ويكرر مسؤولون كبار القولَ إن حرباً عدوانية، تشنّها الهمجية أو الفاشية الإسلامية على الحضارة الغربية، وإنه لا مفر أمام “الحضارة” من خوضِ الحرب، دفاعاً عن قيمها ومبادئها ونمط حياتها.

رُهابُ الإسلام وثقافة الحصن

بساطة المقاربات هذه لا تعني بساطة التعقيدات الناجمة عنها، فقبول تعميم التهمة ضد المسلمين يعني أنه يُطلبُ من كلٍ منهم إثباتُ أنه يختلف عن الصورة النمطية عنه. وهو طلب تكاد تلبيته تكون مستحيلة من أية مجموعة بشرية على الإطلاق. فأنت نتاج صورة الآخرين عنك،

“لم يتردد سياسيون مرموقون في فرنسا عن التصريح بكلماتٍ لا لبس فيها بأن الإسلام وحده من بين الديانات الأخرى الذي يشكل مشكلة في فرنسا”

وتنعكس ملامحك في مرآتهم. ولا تتغير هذه الملامحُ، إن لم تتبخّر صورتك النمطية وكفّت عن الوجود. والقول بصراع الحضارات يطل في كل مرة يصارُ إلى وضع ناس الشرق وجماعاته في خانة التفحّص. عشية مقتلة “شارلي إيبدو” ثم كوبنهاغن، صرّح رئيس فرنسي سابق بأن حرباً ضروساً أُعلنت ضد “حضارتنا ونمط عيشنا”، وإنها لحرب بين الهمجية والحضارة، وتحدث غيره عن ثقافة مغايرة معادية للحضارة، ديدنها العنف والدم.

ليست فرنسا بلداً عنصرياً من حيث هو كذلك، فالدستور والقانون الفرنسيان يحظران كل أشكال التمييز على أساس الجنس أو الدين أو اللغة أو اللون أو الأصل الإثني، غير أن فرنسيين كثيرين عنصريون، ويتصرفون كذلك، من غير رادع حقيقي، منهم السياسي والفيلسوف والإداري والمواطن العادي، وليست فرنسا بلداً معادياً للإسلام. فالدستور الفرنسي يعرّف فرنسا على أنها جمهورية لائكية، أي ضامنة للحريات الدينية والمعتقدية مهما كانت، غير أن كثيرين من الفرنسيين يتلبسهم رُهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا)، والكتب التي تهاجم الإسلام وتحدّده خطراً داهماً على فرنسا والغرب والحضارة في قمة الرواج. والواقع أن رُهاب الإسلام يتمظهر على صورة خوف حقيقي، يغذيه ساسة انتهازيون وفلاسفة مأفونون وجيش كامل من صغار الكتبة والصحافيين الذين يملأون الفضاء لغطاً وهستيريا.

يندرج رُهاب الإسلام في سياق ما أدعوه “سُعار الهوِّيات”، أي بانتشار الفرضيات التي ترى في الجماعات البشرية هُوِّيات راسخة وإنّيات متنابذة ومتقاتلة في الزمان، أي لا تتوقف ولن تتوقف أبداً عن الاحتراب. ولا يحتاج المرء سبراً كثيراً ليعرف أن رُهاب الإسلام هو، في عمقه، موقف من الذات، أي إنه في أسه مسألة هُويّة؛ ويعبّر، بالتأكيد، عن هوية ملتبسةٍ، أو عن موقف ملتبس من هذه الهوية.

أقولُ موقفاً من الذات، لأنه موقف من الهشاشة التي تستوطن النفوس، ومن الضعف الذي نعرف جميعنا إنه فينا. إنه موقف من الأنا، لأنه خوف من الأنا. إنه نتاج ما كنت سميته في كتابي عن الفلاشا، الصادر قبل أكثر من عقدين، ثقافة الحصن، أي ثقافة الهشاشة المحصنة

“يندرج رُهاب الإسلام في سياق ما أدعوه “سُعار الهوِّيات”، أي بانتشار الفرضيات التي ترى في الجماعات البشرية هُوِّيات راسخة وإنّيات متنابذة ومتقاتلة في الزمان، أي لا تتوقف ولن تتوقف أبداً عن الاحتراب”

 

بالأسوار. فأنت تعرف أنك ضعيف وتعرف فيك مواطن ضعفك، لكنك تغطيها بتحصين نفسك من الاختراق. تعتمد الدفاعات في الحصن على كثافة الأسوار ومتانتها. ولهذا، يمعن أهله في التحصين، ويحرصون على التسوير، ويسارعون إلى سد أية ثغرة قد تنتج أو يُهيأ أنها نتجت، وعن تشديد الدفاعات في مواجهة نقاط الضعف البارزة. ثقافة الحصن هي ثقافة إخفاء الضعف الذي يتعذر إخفاؤه من حيث هو كذلك. وهي، بهذا المعنى، تضرب جذورها عميقة في الاجتماع، وفي آليات تجدده كاجتماع.

هكذا يمكن القول إن (رُهاب الإسلام) يترابط بقوة بجملة المظاهر التي تسم الاجتماع اليوم، أي الاجتماع الذي يستوطن التناقضات التي تخلقها عمليات التحول المتسارعة نحو عالمٍ، فشلت فيه الأطر السياسية والثقافية السائدة عن مواكبة منجزات الثورة التقنية والعلمية، إن لم نقل إنها صارت تشكل عائقاً في وجهها. إن العنصرية وكراهية الأجانب (الإسلاموفوبيا من أشكالها وتعبيراتها) والميل إلى التحصين وإغلاق الحدود، هي، في العمق، مؤشر جليّ على هذا الفشل الذي نشير إليه.

في زمن التكتلات الاقتصادية، تبدو الهويات الثقافية كما لو كانت تواجه وحيدةً صخب العولمة وعواصفها الجارفة. ذلك أن العولمة تعني، في ما يخصنا هنا، أمرين. أولهما زيادة حجم الاعتماد المتبادل والنمو المتسارع للمعارف العلمية والتقنية. وثانيهما اندفاع الدول المطّرد نحو التحصن في تكتلات، أو مجموعات ذات أهداف اقتصادية و/ أو سياسية. أما المجتمعات فتجد نفسها عزلاء قبالة أشكال متنوعة من الهيمنة، ترتكز على العقول، وعلى التحكم بالمرجعيات والرموز الثقافية. هذا يفسّر، ولو جزئياً، الضعف البادي في ثنايا الخطاب الأصولي، القومي أو الديني، ودوره المزعوم في الدفاع عن الهُوِّية المضيّعة، أو الدّين المهدد.

وأميل، شخصياً، إلى القول إن تراجع فكرة التغيير الثوري في العالم، ومعها انهيار فكرة التقدم ووحدة الكائن البشري ووحدة تاريخه، والدخول في حقبة ما سميت، يومها، نهاية الأيديولوجيات، عبّدت عملياً ونفسياً طريق الأصوليات، ومهّدت لبروز فرضيات صراع الحضارات ونهاية التاريخ ولذيوعها السريع. ولن أكرر ما يقوله بعضهم إن استعادة الخطاب القومي عقب الحرب الباردة مهدت الطريق لسُعار الأصوليات الذي نكابد منه اليوم.

هستيريا جماعية؟

منذ سنوات، يحذر مفكرون وسياسيون فرنسيون عديدون من مغبة التركيز الكثيف على الأمن، بالمعنى البوليسي للكلمة، وإهمال الأبعاد الأخرى، التربوية والاجتماعية والثقافية والسياسية للأمن. وتحدث كثيرون عن سلبيات التركيز المفرط على البعد البوليسي للأمن، ومدى تأثيره على السلم الأهلي ككل.

تبدو الأمور، اليوم، كما لو أن مسّاً أصاب العقول، وأفضى إلى ما يطلق عليه بعضهم اسم الهستيريا الجماعية، فقد صار ممكناً، مثلاً، أن يحكم قاضٍ على مختلٍ عقلياً، بتهمة ترويج الإرهاب، أو أن يُحققَ مع أطفال لا يدركون حتى معنى الإرهاب بتهمة ترويجه. والواقع أن القضية صارت تبدو كما لو كانت تنتمي إلى كوكب آخر، أو إلى واحدة من تلك الحكايا الخرافية التي تستعصي على التصديق، فقد أحال مدير المدرسة الابتدائية قضية التلميذ ذي السنوات الثماني إلى الشرطة، بدعوى أنه تمرد على الإجماع العام، وقال إنه ليس شارلي، وأصرّ على قوله. وإذ لا يعرف الطفل ما الذي تعنيه كلمة إرهاب أو إرهابي، فإن مفوض الشرطة بيّن أن الغرض من استدعاء الطفل التعرف على المصدر الذي أتى منه بهذه “العبارات الإرهابية”. لكن، القصة لا تتوقف هنا. فهي لا تكتمل من غير معرفة أن عضو البرلمان عن المنطقة صرح بأنه يدعم كلية مدير المدرسة الذي وشى بالطفل، وأثار القضية باعتبارها تنتمي إلى (مكافحة الإرهاب). بل إن وزيرة التربية نفسها، إزاء اللغط الشديد الذي أثارته هذه القضية في الصحافة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، صرحت بأنها تتضامن مع مدير المدرسة، وتثمّن موقفه، أي إنها تؤيد دوره في تحويل القضية من تربوية إلى جنائية.

تنتمي القصة، كما يقول محامي الطفل، إلى هستيريا جماعية، أعقبت مقتلة شارلي إيبدو. بدليل أن الصحافة كشفت، بعد أيامٍ قليلة، عن ثلاثة أطفال آخرين، أعمارهم بين ثماني وتسع سنوات، في مناطق مختلفة في فرنسا، أحيلوا من المدرسة إلى الشرطة، للتحقيق بتهمة ترويج الإرهاب. وبدليل أن عشرات، بل مئات العمليات، جرى فيها استهداف مسلمين عاديين منذ عملية شارلي إيبدو. ألا يمكن القول إن رهاب الإسلام يكمن في صلب كل هذه الأجواء المثقلة بالأحكام المسبقة، وبالشكوك، وبالنيات غير الطيبة، على الأرجح.

كيف تحولت المدرسة من التربية إلى الوشاية؟ هذا سؤال يبدو أنه صار في منأى عن الطرح، ما دام المناخ السائد لا يحث عليه. ذلك أننا لسنا وحدنا على سطح هذه المعمورة ممن يتصرفون كما يظهر بطرقٍ خرقاء تشرحها عيوب استوطنت في مجتمعاتنا، جراء الهزائم والإحباط والفقر والقمع والإذلال. ولكن، كيف يمكن أن نتفهم سلوك أولئك الناس الذين لا يعرفون فقرنا، ولا خبروا ذلّنا، ولم يعانوا صلف حكامنا وقسوتهم، ويقولون إنهم عقلانيون مستنيرون. لكنهم، مع ذلك، يكررون الأفعال والأقوال التي خبروها، وعرفوا فشلها وكارثية نتائجها؟ تماماً مثل ما نفعل.

توظيفات؟

لكلّ زمان أسئلته، إذن. وأسئلة اليوم هي المتعلقة بالهوّيات والصراعات التي تتصل بها، وحثت عليها استراتيجيات (الحرب على الإرهاب) ونظريات صراع الحضارات، وكل الشغل

“ما يهدد عالمنا ليس أزمة روحية، كما يقول بعضهم. فهذه ربما كانت نتيجة مباشرة من نتائج أزمة اجتماعية واقتصادية وثقافية أعمق: أزمة خَواء ضلت المعاني فيه طريقها، وفقدت الأشياء وضوحها الذي كان لها”

الاستراتيجي الذي عملت عليه القوى والدول الكبرى والصغرى، منذ سبعينيات القرن الماضي، لمواجهة الشيوعية بالدين، إن في أوروبا الشرقية أو في أفغانستان وآسيا الوسطى وبلاد العرب. ونحن نعرف الكثير، اليوم، عن كيف أن الغرب (وإسرائيل منه) شجع (ولا أقول خلق وأنشأ) على التكفيرية الدينية المسماة خطأ بالجهادية. ولا يخفى أن تنظيم القاعدة شكل فرصة انتهزها شارون بدعم من إدارة بوش الابن للإجهاز على عملية السلام، ومنع ولادة الدولة الفلسطينية. ويغذّي وريثه نتنياهو رُهابَ الإسلام، بغرض القول إن الصراع العربي الإسرائيلي صار دينياً صرفاً. وهو لا يتوانى، لهذا الغرض، عن تشجيع المتطرفين اليهود على انتهاك المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة، من ناحية، وعلى النفخ بصور اللاسامية في العالم للغرض نفسه، من ناحية ثانية.

****

ما يهدد عالمنا ليس أزمة روحية، كما يقول بعضهم. فهذه ربما كانت نتيجة مباشرة من نتائج أزمة اجتماعية واقتصادية وثقافية أعمق: أزمة خَواء ضلت المعاني فيه طريقها، وفقدت الأشياء وضوحها الذي كان لها. إننا نعيش، أو نعبر، مرحلة انسد فيها الأفق، أو تبدو كما لو أنها من غير أفق. تكفي نظرة واحدة إلى ما يكمن خلف التعليقات، ويثوي في عمق الكتابات، حتى نكتشف من غير كثير عناء أن كراهية الذات هي عنوان المرحلة، وأن التشاؤم يملأ الفضاء والنفوس. وإلا من أين يأتي كل هذا الكلام عن غدٍ أشد سوءاً من حاضر كريه؟ ونحن نعرف أن كره الذات ليس أشد بؤساً من عشق الذات، لأن الأخير يشف دائماً عن دونيةٍ مقيمة في الأعماق، تعجز العنجهية الاستعراضية عن إخفائها.

غير أن هذا قضية أخرى. فما يتوجب ذكره والتذكير به هو وضع الأمور في سياقها الذي ينتجها ويُظهرها ويجعل سبْرها ووضعها في دائرة الضوء، بالتالي، ممكناً.

العربي الجديد

 

 

من كندا إلى ليبيا عبر الدنمارك: إرهاب واحد/ مصطفى كركوتي

إنها حرب الإرهاب المفتوحة على الجميع تلك التي يشنها «الإسلام» المتطرف بأشكال صادمة في بشاعتها، أكان في الدنمارك أو ليبيا أو فرنسا أو كندا أو سورية والعراق أو حتى أستراليا. فهذه الجرائم تستنسخ وحشيتها من مكان إلى آخر، وما هو متوافر من معلومات يشير إلى أن مرتكب جريمة كوبنهاغن نسخة دنماركية عن مرتكبي جريمتي باريس والجرائم الأخرى: شاب يائس له سوابق، تعرض في السجن لعملية غسل دماغ جعلته يعتقد أن تحوله «مقاتلاً في سبيل الله» عمل بطولي يعطيه مكانة مرموقة بين أقرانه. هذا النوع من الشباب لا يختلف كثيراً عمن ارتكبوا جريمة ليبيا بذبح 21 شخصاً من عمال مصر الأقباط، ولا عن أصحاب جريمة حرق 45 عراقياً من الطائفة الشيعية، ولا عن عشرات الآلاف من مسلمي أوروبا الناذرين أنفسهم لهذه الحرب «المقدسة» في «أرض الرسل والأنبياء»، كما تقول بعض أدبيات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» (داعش).

فقد بات «إسلام أوروبا» أو «أسلمة أوروبا» كما تسميها هذه الأدبيات منذ ظهور هذه الجرائم على رادار الأحداث، مسألة تتعدى مناقشتها المنابر السياسية أو البحثية الأكاديمية أو الثقافية، بل اتسعت إلى فضاءات فنية، بعيدة من السياسة، تعبيراً عن قلق سائد يتسع ويتعمق وسط فئات مختلفة من المجتمع الأوروبي. مهرجان برلين الدولي للسينما (برلينالي) الـ65 خصّ جمهوره في الأسبوع الفائت بندوة نقاشية حول الموضوع، إذ بان كيف أن ثمة مخاوف من تبعات هذه الأحداث على ركائز التفكير الحر في أوروبا. للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية أصبحت أوروبا تواجه، بسرعة تراكمية غير مسبوقة، جملة تحديات تبحث عن إجابات وحلول لقضية التطرف الديني في بيئة من سماتها الرئيسية التسامح وحرية التعبير. ألمانيا مثلاً، ذات الماضي النازي البغيض، تقف في صدارة الدول الأوروبية في مواجهة هذه التحديات المهددة لاستقرارها ونسيجها الاجتماعي في ضوء تصاعد مشاعر اليمين المتطرف عقب أحداث باريس وكوبنهاغن.

وفي الواقع، كانت هذه المشاعر قائمة في كثير من عواصم أوروبا ومدنها حتى ما قبل تلك الأحداث، لا سيما هولندا وبلجيكا وبلدان إسكندنافيا فضلاً طبعاً عن فرنسا وألمانيا، ولكنها تطرح الآن أسئلة مختلفة تلامس أثر التطرف على نسيج هذه المجتمعات.

فالهجمات ضد جاليات من أصول عربية ومسلمة لم تعد موجهة ضد الوافدين الجدد، بل هي موجهة أيضاً ضد المهاجرين القدامى وأبنائهم الذين ولدوا واستقروا في أوطانهم الجديدة منذ عقود. فالمرء يستمع لروايات عدد من هؤلاء المهاجرين أو من أبنائهم تتحدث عن أن بعضهم لا يزال يتلقى رسائل هاتفية تذكِّرهم بالمصير الأسود، على غرار «المسلم الجيد هو المسلم الميت» أو «نحن بانتظارك، دورك آتٍ». وهذا الواقع، مهما كان موجعاً، يجب ألا يكون غريباً عن المهاجرين في ألمانيا خصوصاً، إذ هي ثاني أكبر جهة مرغوبة للهجرة بعد الولايات المتحدة. ولا شك في أن هذا يضع نسيج ألمانيا المجتمعي وعدداً آخر من الدول الأوروبية أمام اختبار مستمر، كما حصل في كانون الأول (ديسمبر) الماضي في مدينة درسدين التي كانت جزءاً من ألمانيا الشرقية سابقاً ولا يكاد يوجد فيها مهاجرون، بخروج تظاهرة احتجاجية كبيرة ضد الهجرة، نظّمها تجمع جديد أطلق على نفسه بالألمانية اسم «الوطنيون الأوروبيون ضد أسلمة الغرب» (بيغيدا)، نيابة عن الغرب وليس أوروبا أو ألمانيا فحسب. وقد أثار هذا الخروج تظاهرة احتجاجية مضادة نظمتها الأحزاب الرئيسية في ألمانيا، دافعت عن التسامح والتنوع كما ألقت المستشارة الألمانية أنغيلا مركيل خطاباً كشفت فيه عن خطر هذا التيار اليميني على المجتمع الأوروبي والألماني ووصفت دعاته بأصحاب «القلوب الباردة المليئة بالكراهية». كما قامت شخصيات ألمانية بارزة بنشر رسالة احتجاجية في جريدة «بيلد» ضد اليمين الصاعد في ألمانيا، بينهم المستشار السابق هيلموت شمدت ولاعب كرة القدم المتقاعد أوليفر بيرهوف.

اللافت للانتباه في الأحداث الأخيرة أنها تحمل في طياتها احتمالات غامضة وقلقة على مستقبل السلم الأهلي في أوروبا. ففي ألمانيا مثلاً، ومنذ أفول الحكم النازي، يتصدر السياسيون الألمان الصف الأول بين المسؤولين الأوروبيين في معارضة اليمين والتطرف ودعم التسامح والتنوع عندما تُطرح مسألة الهجرة والمهاجرين. ولكن في المقابل، فانتشار العنف وتكرار الهجمات الإرهابية في أوروبا أو خارجها يقدم للأفراد والمنظمات والأحزاب العنصرية في دولها الحوافز الكافية لتوسيع مدى الاعتداء وحجمه على المهاجرين في مجتمعات تشكل العنصرية بعضاً من سماتها، حتى قبل جرائم أوروبا الأخيرة. فثمة دراسة حديثة في أوروبا أظهرت أن 57 في المئة من الألمان غير المسلمين يعتبرون الإسلام مصدر تهديد لهم.

هناك حقائق على الأرض لا يمكن تجاهلها ناجمة عن الكم المتزايد للمهاجرين إلى ألمانيا، إذ ارتفع عدد طالبي اللجوء من 127000 نسمة عام 2013، إلى 180000 عام 2014. ومعروف أن الجالية التركية وحدها تشكل أكبر تجمع مهاجر بعدد يزيد عن ثلاثة ملايين، الغالبية العظمى منهم من المسلمين الذين يعيشون منذ أجيال في ألمانيا التي باتت وطناً آخر لأسرهم. إلا أن الوافدين الجدد من سورية والعراق يضيفون أعداداً كبيرة وعبئاً أكبر إلى المهاجرين الموجودين أصلاً وطالبي اللجوء الجدد من مهاجري الشيشان وأفغانستان. ووفقاً لأرقام المفوضية الأوروبية، تقدم نحو 435760 مهاجراً بطلبات لجوء إلى الاتحاد الأوروبي في 2013، أي بزيادة 30 في المئة عن طلبات 2012، وكانت حصة ألمانيا من هذا المجموع هي الأكبر فبلغت ربع إجمالي المهاجرين الذين كانت غالبيتهم من سورية المدمرة. وهذا جانب واحد من المشكلة إذ الجانب الآخر، وهو في هذه الحالة المهاجرون قدامى كانوا أو جدداً، غائب عن المشهد، لا يُسمع صوتٌ لهم في المناقشة الدائرة حول الإرهاب والتشكيلات الديموغرافية الجديدة إذ يخشَوْن، وبعضهم يقاوم، اختبارات الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة ويفضلون التقوقع. فغياب أصوات الأقليات العرقية في المناقشة يثير شكوكاً كان يمكن تبديدها، إلا أنها خطيرة، بين الأوروبيين.

الحياة

الخوف من الجار (غير) المسلم في الولايات المتحدة/ حسن منيمنة

كريغ هيكس، الرجل الذي اعترف بقتل ثلاثة من جيرانه في مدينة تشابل هيل في ولاية كارولاينا الشمالية مطلع هذا الشهر، وهم طبيب الأسنان المتدرب ضياء بركات وزوجته يسر وشقيقتها رزان أبو صالحة، قد يكون بالفعل ما يتفق الإعلام وجمهور المعلقين في الولايات المتحدة على توصيفه به، أي رجلاً متناطحاً يتجاوز حقوق الجميع من دون تمييز، ارتكب جريمته في فورة من الغضب. وهذا التوصيف يريد منه العديدون في الولايات المتحدة أن يطمئن الجالية المســـلمة من خلال افتراض تفنيد استهدافها للاعتداء، على رغم أن الضحايا من المسلمين، بل كذلك انتقاد التعليقات التي صدرت عن ناشطين في المنظمات الإسلامية الأميركية والتي اعتبرت الحادثة نتيجة لكراهية المسلمين، وإسقاط هذه التعليقات على أنها انتهازية.

والواقع أن المتابعة الدقيقة لسجل حضور هيكس في وسائل التواصل الاجتماعي، تكشف بالفعل عن صورة مركبّة لناشط إلحادي يثابر على الطعن بالأديان، ويخصص معظم إساءاته للتهجم على المسيحية، بل يلجأ وإن سجالياً بين الحين والآخر إلى التنديد بالمواقف النفاقية للجهات المسيحية في تضييقها على الإسلام والمسلمين. أي أن كريغ هيكس ليس نموذجاً فاضحاً للمجموعة غير النادرة من المعلقين الذين يستهدفون الإسلام والمسلمين بتعليقاتهم النابية والتمييزية. ولكن بدلاً من أن يطمئن ذلك القلقين من المسلمين، فإنه في حال جرى تطبيق المعادلة التي يعتمدها الكثير من الإعلام الأميركي وإن ضمناً في إثارة المخاوف من «الجار» المسلم، على هذه الحادثة، فإن ثمة دواعي جدية للقلق في الوسط الإسلامي.

فثمة من يرى، في الولايات المتحدة، أن الخوف من جميع المسلمين يبرره خطر أن ينحدر الجار المسلم، والذي يبدو ظاهرياً مشابهاً لعامة المواطنين في نمط حياته، ليمسي إرهابياً من خلال انحدار غير ملحوظ نحو التشدد، فيُنزل الألم والموت والدمار بمجتمعه. وقد لا يكون هذا الطرح شائعاً في العلن، إلا أن انتشاره في الثقافة الشعبية أصبح قائماً، بل إنه الخلفية التي تعتمدها التغطية الإعلامية كلما جرى اتهام أحد المسلمين بالإرهاب. فيبدو أن الإعلام في الولايات المتحدة، انطلاقاً من معايير اللياقة القائمة، يتجنب الإفصاح ويفضل الإشارات غير المباشرة إلى قناعة تترسخ تدريجياً في كافة الأوساط وتعتبر أن المواجهة في نهاية المطاف هي بالفعل مع الإسلام.

والإعلام يذخر بالخبراء المزعومين، وجلّ خبرات هؤلاء في اقتطاع تسطيحي للنصوص لأغراض سجالية، ما حضّر الأرضية الصالحة لتسويق وهم التناقض المبدئي بين المعتقد الإسلامي والديموقراطية، بما ينسجم في واقع الحال مع جهود الإسلاميين القطعيين المتشددين في السعي إلى تأصيل هذا التناقض. وتطفح الثقافة الأميركية كذلك بقراءات تصف نفسها بالجديدة والشجاعة في مراجعاتها للتاريخ والسياسة، تدعو إلى كشف النقاب عن جرائم المسلمين عبر التاريخ والتخلي عن الأصدقاء – الأعداء منهم اليوم. ومن هذه القراءات ما يطنب في تحليله الأهوائي للعقل العربي، ومنها ما يعيد تصوير التاريخ فيجعل منه مواجهة مستمرة بين الغرب والإسلام.

وفي حين أن هذه القراءات بمجموعها لا تأتي بجديد من الناحية العلمية، إلا أنها ساهمت فعلياً في التضييق على المسلمين وفي تطبيع الإساءة إليهم. فمن المستحيل أن يتجرأ أحد في الولايات المتحدة اليوم على منع دخول السود أو اليهود مثلاً إلى مؤسسته أو متجره، من دون أن يتعرض للإدانة الشاملة أو أن يلاحق قانونياً، غير أن منع دخول المسلمين لا يحظى بالدرجة نفسها من الشجب، بل تصدح بعض الأصوات المتعاطفة مع من يجاهر به.

فإذا كان يعقل أن يخاف المواطن الأميركي من أن يفتتن جاره المسلم بالتيارات الإرهابية فيصبح خطراً عليه، فهل يصبح من المعقول كذلك أن يخشى المسلم أن يتحول جاره غير المسلم، نتيجة انهمار التوصيفات الجارحة في الإعلام، إلى القيام بأعمال تجسد الحاجة المزعومة إلى اجتثاث العدو الكامن في الداخل؟ يتحمل كريغ هيكس طبعاً كامل المسؤولية عن تغييبه لثلاث نفوس واعدة. غير أنه كما تجري دعوة المسلمين، في أعقاب أية عملية إرهابية تجري باسم الإسلام إلى التبرؤ والتنصل والاعتذار والتلطيم، هل المطلوب اليوم من جميع الأميركيين أن يبادروا بالمثل، بعد أن ساهمت ثقافتهم، بغض النظر عن درجة تشويهها، بقتل الأبرياء؟

والأصح اعتبار أن المسؤولية الجماعية، وما يترتب عنها من اعتذارات متوجبة، ليست متحققة لا في حالة الأميركيين إزاء جريمة كريغ هيكس (ولا غيرها من الحوادث المتكررة من قتل للأبرياء في حروب الولايات المتحدة)، ولا هي متحققة كذلك في حالة المسلمين إزاء الإرهاب المرتكب باسم الدين. غير أن مسؤولية الشرائح الفكرية، وهي قاصرة ومتأخرة في أدائها في العالم الإسلامي، ومطالَبة بأداء أفضل لا تحققه في الولايات المتحدة، لرفع الحوار العام وتبديد خطر العصبيات المتعامية عن مصاب الآخرين والتي غالباً ما تكون المعيار في تقييم المظلومية.

ومعظم ردود الفعل حول حادثة تشابل هيل كانت في إطار تأكيد المظلمية الجماعية لطرف والتبرؤ من المسؤولية الثقافية لطرف آخر، وصولاً إلى رسم خطوط التماس بين سرديتين، إحداهما تشدد على الثراء التعددي داخل الموروث الإسلامي وتدين التسطيح الغربي له، والأخرى تمعن في إظهار السلبيات داخل هذا الموروث وتعتز بالتفوق المعنوي والأخلاقي للغرب.

وفي السرديتين ميل واضح إلى الركون إلى مقولة استحالة التوافق، ما يعمّي التناقضات الداخلية في كل منهما بين مزاعم الاستثنائية والإقرار بالقيم الإنسانية المشتركة، ويفعّل الخوف من الجار المختلف، مسلماً كان أو غير مسلم. وكلا الجانبين يعلن رفضه واستهجانه أي طرح يجعل منه مكافئاً للجانب الآخر، إلا أن الجانبين يشتركان من دون شك في رفع مستوى العصبيات التي تتأصل بالتساوي بينهما. أما أن كل حياة ثمينة، سواء كان صاحبها مسلماً أم غير مسلم، أميركياً أو غير أميركي، غربياً أو غير غربي، فهي حقيقة بسيطة تكاد تكون غائبة في زمن العصبيات.

الحياة

 

 

ما يدمي القلوب و… العقول أيضاً/ نهلة الشهال

تصاب أوروبا بالذعر لوجود «داعش» على تلك المسافة القريبة منها: 300 كلم بين شواطئ ليبيا وجزيرة صقلية الإيطالية! مرمى حجر. ما يمكن اجتيازه في زوارق صيد بدائية. لذا تقارب الهيئات السياسية الدولية بحذر المعالجة «الفضلى» لهذه المصيبة التي خرجت إلى العلن في شكل لم يعد يمكن إنكاره بعد ذبح الـ21 مصرياً على شاطئ البحر المتوسط الذي اصطبغت مياهه بلون الدم الأحمر، فعلاً وليس مجازاً.

ترى هل تَقصَّد «داعش»، الذي يعتني دوماً بالإخراج ويهتم برمزية أفعاله، أن يكون الذبح عند خط تلك المياه المشتركة؟ لا سيما وأن المذبوحين مسيحيون أقباط، يعتبرهم «داعش» «صليبيين» وفق بيانه، و»الصليبية» هنا تشير في آن إلى أوروبا التي جَردت حملات صليبية (كما أسمتها هي نفسها) على منطقتنا (ولو منذ أكثر من عشرة قرون!) وإلى الرمز الديني «المشترك» (افتراضياً) بينها وبين هؤلاء العمال المساكين.

هنا لم تتبرع فرنسا ولا سواها بدعوة المسيحيين المصريين إلى الهجرة إليها بخلاف ما وُجه إلى المسيحيين العراقيين مثلاً. لعل السبب هو ضخامة عدد الأقباط والبؤس الهائل لمعظمهم، فلاحين بلا أرض، أو أشباه متبطلين في عشوائيات المدن المصرية الكبرى.

زوارق الصيد لم تكفّ منذ سنوات عن اجتياز تلك المسافة، من نقاط على امتداد الشاطئ الليبي الطويل تحديداً، باتجاه صقلية التي اشتهر منها ميناء لامبيدوزا حتى صار اسمه صنو الهجرة البائسة إلى الجنة الأوروبية. الشواطئ التونسية أقرب قليلاً ولكن العقيد القذافي كان يغض الطرف عن تلك الهجرات، إن لم يبحها كما «هدد» علناً أحياناً، لابتزاز إيطاليا وأوروبا، ولتمتين علاقاته بسلطات أفريقيا السوداء التي يأتي منها جل المهاجرين، وهو حامل لقب «ملك ملوكـ»ـها، بينما لعبها نظام بن علي بطريقة أكثر تحفظاً.

وإن كان المهاجرون هؤلاء لم يُذبحوا، فقد غرقوا بعشرات الألوف، وأعطوا البحر المشترك ذاك تسمية «المقبرة الأكبر في العالم».

لذا فاكتشاف قرب المسافة ليس جديداً حقاً، لكن عنوان المخاطر تغيَّر، وتغير معه ذلك الافتراض بأن «داعش» البشع بعيد، يرتكب أفعاله في أراض وعلى شعوب يُحسَب عدد ضحاياها بالجملة، أو لا يُحسب أصلاً إلا شكلياً.

وكان الغرب قد اكتشف منذ «11 سبتمبر» أن التقدم التقني يسمح بهجمات طائرة وخاطفة. ولكنها كانت خارجية أولاً، وكان التحصين ضدها ممكناً ثانياً، بفعل تدابير أمنية ذات طابع تقني هي الأخرى، أكثر بكثير من النتائج البائسة للحروب المهولة التي شنت باسم «الحرب على الإرهاب»، والرد وتلقين الدروس، وهي تسميات مهذبة لمفاهيم الثأر والانتقام و»شفاء الصدور».

كانت تلك خصائص حقبة «القاعدة»، التي ولد «داعش» من رحمها، مستهدفاً الأقربين بوصفهم «الأولى بالمعروف»، من دون إسقاط حلم المسرح الدولي الذي رعته القاعدة.

أميركا بعيدة ومسيجة بمحيطين هائلين وبتدابير مستقاة من تلك التجربة المريرة (ما لا يلغي المخاطر والمفاجآت)، أما أوروبا فعلاوة على حقيقة مرمى الحجر ذاك، موطن ملايين المتحدرين من الهجرات إليها من أبناء مستعمراتها السابقة خصوصاً. وإلى ذكريات مآسي الحقبة الاستعمارية أضيف ذلك الشعور بالضيم الذي لم يتوقف للحظة عن التعاظم، بسبب شقاء الأجداد والآباء الذين جاؤوا للعمل في المناجم والمصانع والبناء، مدفوعين بالعوز في بلدانهم المنهوبة من المستعمِر، راضين بأجور زهيدة ومتخلين عن أي حقوق أو ضمانات، فأفنوا أعمارهم بصمت في الأشغال الشاقة، ليجد أحفادهم أنفسهم متكدسين في ضواحي المدن الكبرى، يسكنون في عمارات بائسة ويواجهون بطالة تصل إلى ضعف النسب الوطنية العامة، وتمييزاً بسبب لون البشرة والدين، إن لم يُقل اسمه صراحة، فآلاف الاختبارات والاستقصاءات رصدته وسجلته وأعلنت عن وجوده. بل هو بات يقولها صراحة مع صعود اليمين الفاشي وشبه الفاشي، وانتشار إيديولوجيته الكارهة للغرباء في أوساط اليمين التقليدي وأطراف اليسار نفسه.

شغلت أوروبا بداية ظواهر فردية ما زال الشك بوجود افتعال في بعضها قائماً، كما في حالة محمد مراح الذي قَتل أفراداً من الشرطة وضحايا في مدرسة يهودية في ضاحية مدينة بوردو الفرنسية عام 2012، ليُقتل برصاص قوات النخبة، وصولاً إلى حوادث شارلي إيبدو والمتجر اليهودي في باريس مطلع هذا العام، وما يشابهها في بلدان أوروبية أخرى، ولو بضجيج أقل وعلى نطاق أضيق. ثم كان القلق حيال تكاثر أعداد الشبان والشابات الهاربين للالتحاق بـ «الجهاد» في سورية (ما كان قد بدأ مع احتلال العراق عام 2003)، ومنهم من لم يكن متحدراً من آباء مهاجرين، بل متأسلماً مستجداً استهواه «داعش» وأشباهه.

كان القلق يخص ما يمكن أن يرتكبه هؤلاء لو «عادوا»، على رغم النقاش حول الأسباب التي دفعت شباناً ولدوا في أوروبا إلى هذا «الانفصام»، كما لو كان الأمر جينياً! وهي النظرية التي يقولها اليمين المتطرف، فيما يتكلم الأكثر اعتدالاً بتهذيب عن الأثر الثقافي للمنبت، والفارق بين التصورين ضئيل.

ولمحاسن الصدف، وفيما يجري تقليب كل ذلك، انفجرت في باريس منذ يومين فضيحة طرد «الشيباني» من أحد مآويهم التي يستأجرونها، بحجة تداعيه. وهو كذلك منذ عشرات السنين، تسرح فيه الجرذان والصراصير ويتهدده الحريق. «الشيباني» ليست كلمة فرنسية أصيلة وإنما متبناة، تعني من غطى الشيب رأسه. هؤلاء عملوا في المناجم والمصانع وبعضهم يقيم في هذا المأوى منذ خمسين عاماً. هؤلاء خضعوا لعقود عمل مجحفة ولم يُمنحوا الجنسية الفرنسية على رغم خدماتهم وطول إقامتهم. نُقل المطرودون إلى مآوي أخرى بالطبع، إذ تابعت جمعيات متخصصة قصتهم، ناعية العنف المجاني الذي صاحب طردهم، وراوية بالمناسبة قسوة مسيرة حيواتهم التي تفطر القلب: عمال سابقون، جرى استغلالهم ببشاعة وهم اليوم في فقر مدقع، ومعظمهم مريض ووحيد، ويتجاوز عددهم الـ800 ألف في فرنسا وحدها. بعض التلفازات وكل الصحف نقلت مشهد هؤلاء «الشيبان» وهم زائغو الأبصار من الدهشة، فيما قوات الشرطة الخاصة! تخرجهم من غرفهم المزرية قبل انبلاج ضوء النهار، وترمي بأمتعتهم في شاحنة وتضع أقفالاً على الأبواب.

هل فكر أحد في ربط المشهد بما سلف من جنوح بعض الأحفاد للالتحاق بالإرهاب؟ من المؤكد أن الرابط غير كافٍ ولكنه جزء (أساسي) من كل!

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى