صفحات الرأي

الإسلام السياسي والديموقراطية: تناقض يبحث عن حل/ سامي حسن

 

يقول البعض إن وضع الإسلام السياسي في خانة أعداء الديموقراطية وتعميم هذا الحكم على كافة تياراته، هو افتراء يقوم به خصومه الفكريون والسياسيون بهدف تشويهه وإخافة الناس منه. وفي سياق نفيهم وجود تناقض بين الإسلام السياسي والديموقراطية، يستحضرون تجارب حزب العدالة والتنمية في تركيا وإخوان مصر ونهضة تونس إلخ…

لكن شواهد عدة، بما فيها تلك التي يسوقها الإسلاميون للبرهنة على ديموقراطيتهم، تؤكد أن علاقة الحركات الإسلامية بالديموقراطية علاقة نفعية لا مبدئية، وأنها تنادي بالديموقراطية طالما أنها خارج السلطة، لكن ما إن تظفر بها حتى تنقلب إلى عدو لها. في 1979 قامت في إيران ثورة شعبية أطاحت نظام الشاه. وسرعان ما بدأت السلطة الإسلامية الوليدة بسلسلة إجراءات قمعية وتصفيات جسدية طاولت اليساريين والعلمانيين الذين شاركوا بفاعلية في الثورة. وبتنا أمام نظام ديكتاتوري جديد حكم إيران، وما زال، بالحديد والنار.

في غزة، وبعد وصول حماس إلى السلطة، عام 2007 بدأت ممارساتها الاستبدادية، من اعتقال ومصادرة للحريات إلى التدخل في تفاصيل الحياة الشخصية للغزيين، وفرض قوانين الشريعة بالقوة. أما في سورية، التي ما زلنا نعيش تداعيات ثورتها التي اندلعت أواسط آذار (مارس) 2011، فإن أول ما قامت به الحركات الإسلامية التي تحولت إلى سلطة أمر واقع في المناطق التي خرجت من سيطرة النظام، هو تشكيل الأجهزة الأمنية والمحاكم الشرعية، التي راحت تعتقل وتكفر وتعذب وتقتل كل من يخالفها الرأي.

لكن في المقابل، وكما أشرنا سابقاً، يرى المدافعون عن الإسلام السياسي أن هناك تجارب تدحض ما نقول وتثبت عكسه. فبعد ثورة 25 يناير، ونتيجة انتخابات ديموقراطية، تمكن إخوان مصر من الوصول إلى السلطة حيث انتخب محمد مرسي رئيساً في 24 حزيران (يونيو) 2012. لكنهم، لم يتحولوا إلى سلطة قمعية، أو ينقلبوا على الديموقراطية، كما نزعم. بل إن ما حصل معهم هو العكس إذ أطيحت سلطتهم والرئيس المنتخب بانقلاب عسكري في 30 حزيران 2013. وتعرضوا لشتى أنواع القمع والاعتقال والقتل والتعذيب. وما زال الرئيس المخلوع محمد مرسي يقبع في السجن حتى اليوم. كذلك الأمر بالنسبة إلى حركة النهضة. ففي أعقاب ثورة 17 كانون الأول (ديسمبر)، أوصلت الانتخابات الديموقراطية التي جرت في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 حركة النهضة إلى الحكم. وفي 26 تشرين الأول 2014 تقبلت هذه الحركة بمنتهى الروح الرياضة هزيمتها الانتخابية وخسارتها السلطة.

ما قيل صحيح، لكنه، كما أظن، يقول نصف الحقيقة، أما نصفها الآخر، فهو أن فترة الحكم القصيرة، للحركتين، التي لم تمكنهما من الإمساك بمفاصل السلطة، لا سيما الجيش، تفتح المجال للقول بأن المستقبل لا يحمل بالضرورة تأكيداً على أن كلا الحركتين، لا سيما إخوان مصر، كانتا ستحترمان اللعبة الديموقراطية، في حال تبين لهما أنها قد تطيح سلطتيهما. وإنه لمن المؤسف حقاً، ولعله كارثي، أنه لم يتح المجال لاختبار حسن نيات إخوان مصر ونهضة تونس في ما خص الديموقراطية. لكن ماذا عن حزب العدالة والتمية التركي، الذي وصل إلى السلطة عام 2002؟ كان يمكن لتجربة هذا الحزب أن تكون مثالاً واضحاً على خطأ ما يذهب إليه هذا المقال من اتهام للإسلام السياسي باللامبدئية في علاقته بالديموقراطية. لكن الاعتقالات التي شهدتها تركيا في الفترة الأخيرة، والتضييق على الصحافة والصحافيين، والاستفتاء على تعديل الدستور، الذي يثير الشكوك حول أهدافه البعيدة ونياته، والمزمع إجراؤه في نيسان (أبريل) المقبل والذي سيؤدي، في حال صوّت الأتراك لمصلحته، إلى الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، مع احتمال بقاء أردوغان في السلطة حتى 2029، كل ذلك يضعف حجج المدافعين عن هذه التجربة، وعن ديموقراطية الإسلام السياسي.

لكن، إذا كان الإسلام السياسي، كما ندعي، يتعارض مع النظام الديموقراطي، الذي بدوره يؤكد على حق الجميع، بما في ذلك الحركات الإسلامية، في ممارسة اللعبة الديموقراطية، فكيف بالإمكان حل هذا التناقض؟ ربما لا يتسع المجال هنا للاستفاضة في محاولة الإجابة عن هذا السؤال، لكن نكتفي بالاشارة إلى ما أثبتته التجارب بالفعل، من أن حظر نشاط التيارات الإسلامية، ناهيك عن تعارضه مع اسس النظام الديموقراطي، غالباً ما أدى إلى تقويتها بدلاً من اضعافها، وجنوحها نحو التطرف والعنف، على حد ما ذهب إليه تحقيق الأستاذين حازم صاغيّة وحازم الأمين (الحياة، 4 آذار 2017). لذلك، يكاد ينحصر حل ذلك التناقض، بيد الإسلاميين أنفسهم، بقيامهم بمراجعة نقدية لتجاربهم وأفكارهم وبرامجهم، والاستفادة من دروس التاريخ بهدف إنجاز تحولهم إلى أحزاب تؤمن بالنظام الديموقراطي، قولاً وعملاً، وتدافع بداهة عن الحريات المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فهل يفعلونها؟

* كاتب فلسطيني سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى