صفحات العالم

الإصلاح الذي يطمح إليه السوريون

 


حامد الحمود

ذكر الرئيس السوري في خطابه الأربعاء الماضي أنه عمد إلى تأخير هذا الخطاب لكي “تتضح الصورة”. فما تضمنه الخطاب، كان لا بد أن يعكس تقلبات الأحداث في سوريا وما حولها. ولا شك في أن مضمونه كان  اكثر تأثرا بالتظاهرات  المؤيده التي خرجت من دمشق والتي رفعت صوره وهتف المتظاهرون بحياته منه بالتظاهرات المناوئة. فكان الخطاب أشبه بتأكيد على المسار السياسي الذي تبنته القيادة السورية منذ توليه الرئاسة أكثر منه استجابة لمطالب المتظاهرين الذين خرجوا في درعا واللاذقية ومدن أخرى مطالبين بإصلاحات جذرية توفر مزيدا من الحريات للشعب السوري. لقد تحدث الرئيس السوري عن الإصلاح، واعترف بتأخره وأنه إذا جاء هذا الإصلاح، فهذا لا يعني أن النظام قد خضع لتقديمه. لكنه لم يوضح لمستمعيه من أعضاء مجلس الشعب، الذين استمروا بمقاطعته بالتصفيق والهتاف، ماهية أو كنه هذا الإصلاح؟

وقد رأى كثيرون أن الإصلاح يبدأ برفع قانون الطوارئ الذي فرض على سوريا منذ حوالى خمسين عاما. لكني أرى أن الأجهزة الأمنية في سوريا ستجد الوسائل المتاحة لإدخال الخوف في قلوب المواطنين حتى بعد رفع قانون الطوارئ. فهناك تفريعات لهذا القانون تسمح باستمرار هيمنته حتى بعد رفعه. ثم يجب أن لا نتوقع من أجهزة أمنية أطلقت أيديها لإرهاب المواطنين على مدى خمسين سنة، أن تصبح فجأة حارسة لقانون يحمي الحريات. فالطبع سيغلب التطبع. وتبقى هناك أولويات حماية النظام السياسي فوق كل شيء. لذا من الصعب أن نتخيل حالة سياسية يجتمع فيها نظام الحزب الواحد القائد للدولة مع نظام قانوني يوفر الحرية للمواطنين. فالمادة رقم (8) من الدستور والتي تنص على أن حزب البعث قائد للدولة ومهيمن على السلطة، ستظل عائقا يستحيل تجاوزه أمام أي إصلاح حقيقي في سوريا. وقد ثبت هذا بالتجربة التاريخية من مراجعة ما شهده الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية وبعض دول العالم الثالث.

فقيادة هذا الحزب تكون دائما مضطرة إلى بناء طبقات من الأجهزة الأمنية ليس لحماية الدولة، بل لفرض فكرة الحزب الواحد على المواطنين.

وفي دول العالم الثالث، تكون الغربة عادة شاسعة بين شعارات الحزب الواحد وهموم المواطنين. لذا تحتاج الأجهزة الامنية لزرع مزيد من الغربة والخوف لتحقيق “الاستقرار”.

ويصل الشك و عدم الاطمئنان الى النظام نفسه مما يضطره إلى تكوين حزب من المقربين داخل الحزب نفسه وإلى بناء أجهزة أمنية داخل الأجهزة الأمنية نفسها من الموالين. لذا فإن التجارب القريبة والبعيدة تخبرنا أنه لا يمكن تحقيق إصلاح حقيقي مع هيمنة للحزب الواحد على السلطة. فهناك متطلبات لاستمراريته في السلطة مناقضة لمبدأ الاصلاح نفسه، أهمها زرع الخوف في قلوب المواطنين.

لقد تحدث الرئيس السوري عن خيوط مؤامرة، تمتد الى دول قريبة وبعيدة لزعزعة النظام. وذكر أن سوريا كانت دائما مستهدفة من قوى خارجية لأنها بقيت السد المنيع الذي لم يقدم التنازلات في شأن القضايا المركزية العربية.

هذا في الوقت الذي أدرك فيه العالم أن هذه الانتفاضات الشعبية التي هوت بأنظمة عربية، وتهوي بأنظمة أخرى، لم تتحدث عن قضية مركزية لا فلسطينية ولا غيرها، وإنما انصبت همومها في تحقيق مزيد من الحريات من أجل قضايا عربية. فالمعركة هي من أجل الحرية وليس لصد عدوان خارجي.

قد يؤخر الرئيس السوري الإصلاحات منتظرا “اتضاح الصورة” مثلما اختار تأخير خطابه. لكن تبقى الإصلاحات هامشية عندما لا تبدأ بإصلاحات دستورية تقضي على تفرد الحزب الواحد بالسلطة، سامحة بتشكيل أحزاب، ومفضية إلى انتخابات حرة لمجلس نيابي لا يكون الهم الأول لأعضائه إلقاء الشعر في مديح الرئيس أثناء خطابه.

(كاتب ورجل أعمال كويتي)

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى