صفحات الحوار

الإعلامية السورية فرح أتاسي: ثورة الشباب العربي تجبر العالم على احترام شعوبنا

 


فاطمة عطفة : القدس العربي

مثال شبابي متألق من الوعي والنشاط والأمل بالمستقبل. حين كانت تحدثني بطلاقة وهي ترصد الواقع العربي وتستشرف آفاق المستقبل، كنت أراها رمزا حيويا جميلا مشرقا لهؤلاء الشباب الذين أضاء أمامهم دروب الثورة والحرية الشهيد محمد البوعزيزي.

فانطلقت جماهير الشباب من تونس إلى مصر إلى ليبيا واليمن، وها هي ثورة الحرية والكرامة تقدم مئات الشهداء في مدن سورية، وطن ضيفتنا التي تفضلت مشكورة بهذا الحديث. إنها الباحثة والمستشارة الإعلامية والسياسية فرح الأتاسي، بنت هذه الأسرة ذات التاريخ الوطني المشهود والتراث النضالي والفكري المستنير، وهي التي أسست المركز العربي للترجمة والأبحاث والإعلام ACT في واشنطن. ويطيب لي أن أدعوها لتواصل حديثها ورؤيتها لما يجري في المنطقة، وطنها الأم من بشائر التغيير.

* تقيمين في الولايات المتحدة وتعملين بمركز الترجمة، ولهذا المركز دوره في الفترة الزمنية التي عملتم بها على استقطاب القراء والمراجعين للمركز، هل حققتم نجاحا حسب الاستراتيجية التي وضعت لعمل المركز؟

* ‘الحقيقة المركز العربي للترجمة والأبحاث ومركز المعلومات والمصادر العربي هو عملة ذو وجهين، الوجه الأول هو موجه للعالم العربي والوطن العربي، موجه للقارئ العربي، من صناع القرار من أعلى إلى أسفل الهرم، أي باحث أي أكاديمي، أي زائر هدفه هو رصد العلاقات العربية الأمريكية بشكل عام والسياسات الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي من منظور أمريكي، نحاول أن نكون مرآة تعكس قدر توجهات النخبة السياسية الفكرية الإعلامية الأكاديمية حول قضايا تخص العالم العربي. أما الوجه الآخر للمركز فهو موجه، بالعكس، للرأي العام الأمريكي من صناع القرار إلى الطالب والباحث والزائر، إلى رجل الأعمال والأكاديمي، إلى المرأة وإلى الشباب الأمريكي، ونحاول أن نكون مرآة تعكس الراهن العربي، أن نكون جسرا يمد الأمريكيين بمعلومات عن واقع وحال العالم العربي، من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحراك الشعبي. هدف المركز أن نكون جسرا وهدفنا هو استيراد وتصدير المعلومات وتوسيع دائرة المعرفة، هدفنا صناعة الفكر وإيصال وجهات النظر العربية حول قضايانا. لا نريد لسفير أمريكي سابق أن يتحدث باسم العرب لمجرد أنه خدم في بعض الدول العربية، لا نريد لمستشرق أو خبير أمريكي أن يدلي برأيه بقضايا تمس صميم الأمة العربية والشارع العربي، قضايا نشعر نحن فقط بها، ما هو تعريفنا للديمقراطية، للحريات، ووضع المرأة، والوضع التعليمي، كل هذه الأمور الداخلية التي تحصل نتيجة صراع ومخاض داخلي، نحاول أن ننقلها للرأي العام الأمريكي لكي يسمع ويفهم وجهات النظر العربية. وبنفس الوقت نحن نحاول أن نكون مرصدا فكريا، نرصد ما هي توجهات النخبة السياسية والفكرية والإعلامية، بشكل خاص في الولايات المتحدة عن العالمين العربي والإسلامي، والهدف هو سد فراغ المعلومات، الهدف أن تكون المعلومة الصحيحة غير النمطية وغير المنقوصة لتصل إلى الطرفين بطريقة جد مهنية وحيادية عبر سلسلة من التقارير والنشرات والترجمات التي يصدرها المركز منذ أكثر من اثني عشر عاما باللغة الإنكليزية والعربية، وتوزع على جميع المهتمين والخبراء والمطلعين وصناع القرار الذين يعنون بالقضايا العربية والإسلامية’.

* من خلال هذا المركز، ووجودك في أمريكا هل كان لديكم إشارات عما بدأ في تونس، وهل اعتبرتم أن الاستخبارات الأمريكية تأخرت في أن تحصل على إشارات لهذه الثورة أو كانت فعلا مفاجئة؟ وهل كان عندكم رصد لما سيحصل؟

* ‘أنا ذكرت ذلك في الإعلام، فعلا أنا مستغربة مما حدث، الحقيقة في علم السياسة هو مثل علم الأرصاد الجوية، لا نستطيع أن نعرف متى سيقع الزلزال، نستطيع أن نستشف أن هناك ريحا وإعصارا قادمين. في عصر العولمة الآن ونحن موجودون كانت هناك إشارات عديدة تأتي من الوطن العربي عن هذا التململ، عن هذا الغضب الداخلي، هذا الاحتقان والمرارة، عن هذا الشباب العربي الغاضب اليائس المحبط المقهور، كانت التقارير الصادرة حتى من داخل المراكز البحثية، مثلا من مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية، المراكز البحثية في بيروت والقاهرة، تقرير التنمية البشرية العربي، على المواقع حتى حول الحراك الثقافي، كانت كلها تعطي أرقاما وتعكس وجهات نظر متردية ويائسة ومحبطة، أين يذهب كل هذا الغضب برأيك؟ هذا الاحتقان الداخلي لا بد أن ينفجر بطريقة أو بأخرى، ربما كانت المفاجأة للمراقبين أن تكون البداية في تونس، لأن التقارير الواردة من تونس دائما كانت وردية، نحن توقعنا بداية الانفجار، ربما أن تكون في مصر، أو في اليمن، أو في مناطق أخرى، ولكن كانت هناك دلائل تشير إلى أن هذا الانفجار الشبابي سيحصل عاجلا أو آجلا، لا يجب أن نقع بعنصر المفاجأة إلى هذه الدرجة، وأنا أستغرب أننا نقول نحن العرب دائما نحرك نلعب في الوقت الضائع، عندما بلغ السيل الزبى، نأتي الآن ونفكر ما هي ردة الفعل وكيف يجب أن تكون على هذا الحراك؟ لماذا لم نخطط ونفكر؟ لماذا لم نضع سيناريوهات، لماذا؟ لم يكن هناك حوار صريح وشفاف بين القيادات وبين الشعب حول هذه الاحتقانات، محاولة تنفيسها، محاولة استيعابها واحتوائها بدلا من أن نقع في مجاهل أو مخاض غير معروف ما هي نهايته، ما هي الأطراف التي ستستغله. كان هناك صراخ حقيقي نابع من المحيط إلى الخليج، هذا الشباب يقول أنا جائع، أنا محبط، أنا مقهور، الحقيقة أنا شبهتها برواية إرنست هيمنغواي ‘لمن تقرع الأجراس’. كانت هناك أجراس تقرع من المحيط إلى الخليج، ولكن أين هي الآذان التي تسمع؟’.

* بدأنا بتونس، ومصر هي الثقل العربي في المنطقة، والآن في اليمن وتحركات في سورية، وجمود في لبنان، وأنت السورية بنت عمك واجهت الاعتقال، وكتم الصوت في إبداء الرأي، كيف تنظرون أنتم في المركز، وبشكل خاص أنت فرح الأتاسي، إلى هذه الانتفاضة؟ هل حكم العائلات سينتهي بهذه الانتفاضة؟ هل هذا الحكم العائلي سينتهي أو سوف يستمر مع عمل إصلاح حقيقي، بأن تعود هذه السلطة إلى رشدها وتحتضن شعبها وتقوم بالإصلاح الشامل؟

* ‘أبرز ما يميز المركز هو الاستقلالية والموضوعية والمهنية، ولذلك نجح المركز لأكثر من 12 سنة في استقطاب كافة الآراء والتوجهات المختلفة، نحن دائما نقول: ان مبدأ ‘ناقل الكفر ليس بكافر’، نحن لا نمثل مجموعة أو حزبا أو سياسة أو دولة أو أي فصيل، أنا شخصيا ضد أي انتماءات، سواء كانت طائفية أو مذهبية أو حزبية، وأرفض جميع الشعارات، شعاري الأول هو الوطن أولا، الوطن ثانيا، من يعمل مع مصلحة الوطن نحن نعمل معه ومن يعمل ضد مصلحة الوطن نعمل ضده. فالحقيقة المركز ليس لديه برنامج سياسي، نحن لدينا مركز فكري، لدينا جمع المعلومات والأفكار، جمع الطروحات وتقديمها، سواء لصناع القرار أو لأي جهة بحثية أو غير رسمية تستفيد من هذه المعلومات والطروحات وتستخلص منها برنامج عمل، ربما قابل للتطبيق والتحقيق. يجب أن تكون جميع القيادات في الوطن العربي واعية إلى أن هذه الشرارة ستنتقل، لأني لا أعتقد أن أي شخص حتى لو كان يعيش في العصر الحجري ويقول لا لن تمسني هذه الشرارة، نحن لاحظنا أن بعض الدول بدأت إجراءات لتنفيس احتقان الشارع، لأنها تعلم أن شرارة التغيير من هذا التسونامي الذي ضرب المنطقة كلها سوف تكون له ارتدادات. ربما بعض الدول تكون ارتداداتها أقوى من ارتدادات خفيفة في دول أخرى، لكن هذه الارتدادات ستصل إلى الجميع، وأعتقد أن على جميع القيادات السياسية وصناع القرار أن يستجيبوا لها. وأنا خوفي أن لا يتم استثمار ثورة الشباب العربي وهذه الفورة التي جاءت بوحي عربي. إن هذه الثورات التي بدأت من تونس هي صناعة محلية بامتياز، لا إملاءات خارجية، فقط شعار وعلم الوطن هو الذي يرفرف، لا ترفرف أعلام حزبية، لا أعلام طائفية، لا ترفرف أعلام مجموعات، فقط علم الوطن هو الذي يرفرف فوق الجميع، ومصلحة الوطن قبل كل شيء، لا إملاءات خارجية إطلاقا، طلب الحرية لم يأت على ظهور الدبابات، هذه الثورات لها خصوصية الشعبية جدا واضحة، أتمنى أن لا تستثمر هذا الثورات من قبل الأحزاب السياسية، وتجار السياسة، وتجار الدين، وتجار السلطة الذين يتاجرون بهذه الأمور، أن يستغلوا هذه الثورات الشعبية لقيام دول فاشلة غير قابلة للحياة. وأنا أقول: على جميع القيادات السياسية وصناع القرار، وكل من بيده زمام المبادرة، أن يقوم بإجراء تغيير فوري شامل وليس تجميليا، نحن لا نريد إصلاحات تجميلية، نحن نريد إصلاحات جذرية ملموسة، تحقق فعلا التغيير المنشود. أنا أقترح، مثلا: أن معتقلي الرأي ومن لديهم أفكار أو رأي أن يكونوا مجلسا استشاريا يقدم عريضة من المطالب والمقترحات والأفكار القابلة للتنفيذ، وربما تدرس القيادات كيفية تنفيذ هذه القرارات القادمة من مجلس استشاري، يعني تحويل المعارضين وضمهم إلى هذا الصف والاستماع إلى آرائهم وأفكارهم والتوجه بالقول الطيب لهم: أنتم معتقلو الفكر والرأي ومنكم بعض الشخصيات المعروفة بوطنيتها والتي ليس وراءها أطراف خارجية، المعروفة بولائها وانتمائها للوطن وحراكها داخلي، مثلا: كونوا مجلسا استشاريا من أربعة أو خمسة أشخاص وقدموا لنا عريضة بما هي أفكاركم ربما تكون قابلة للتنفيذ بعد شهور. لأن التسونامي قادم، وعلى القيادات أن تدرك أن التغيير قادم لا محالة، وأن الشعب كسر حاجز الخوف قبل ثورة تونس. وبعد ثورة تونس ومصر تغيرت الأوضاع، لم يعد من الممكن العودة إلى ما قبل ذلك. هذه الصفحة طواها الشعب العربي، وطواها الشباب العربي، وهو ينظر قدما نحو مستقبل جديد يكون شريكا فيه بصناعة القرار. إن لم تكن القيادات السياسية أو أي قيادة بيدها زمام الأمور أن تحتضن هذه الأفكار والاحتقان، وأن تضع خطة برنامج عمل مدروسة، تحقق إرادة الشعب وأن يكون الشباب شريكا في الثروات وشريكا في التغيير والإرادة السياسية، وشريكا في حماية الوطن، ووضع الأسس الاقتصادية لمستقبل جديد، وإلا لن تكون هناك أي نتائج لإصلاحات تجميلية، في سورية يجب أن تكون مشاركة حقيقية ديمقراطية تضم كل الفئات، ومنهم الشباب هم الأحق ويجب أن تتحقق مطالبهم’.

* الرئيس الذي بيده القرار ومراكز القوى المحيطة به، هل يمكن أن يقدم إصلاحات جذرية بعد أن أصبح الدم يسفك في أغلب المدن السورية؟

* ‘أعتقد بالنسبة لبلدي سورية لن تتوقف الثورة مهما وضعوا من السدود الأمنية أمام الثوار. هذه القوى الأمنية التي تقتل كل من يقف ويطالب بالحرية، أقول هذا النهر الشبابي ماشي، ماء النهر لن يعود إلى الوراء، كما قال الشاعر الدمشقي نزار قباني.

* لماذا برأيك لم تتحرك العاصمة دمشق وكذلك حلب؟

* ‘لأن هناك زواج السلطة بالمال! هذا هو السبب للسكوت، كما أن هناك أغلبية صامتة ليس فقط على النظام، لكن على ما بعد النظام لترى ما يناسب مصالحها وهؤلاء هم من سلطة المال والسياسة وغيرها…’.

* من منظور آخر، هل يمكن لعدوى التسونامي أن تنتقل إلى داخل فلسطين المحتلة بحيث نرى الشباب الإسرائيلي يتمردون على قرار قيادتهم بشن حروب مستمرة؟

* ‘أكيد إسرائيل أول دولة يجب أن تنظر إلى ما يحدث، على إسرائيل والولايات المتحدة التي تدعمها أن تعيد قراءة الخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوطن العربي، وتدرك أنه عندما تكون هناك إرادة شعبية سوف تتفاجأ بشرق أوسط جديد، ستتفاجأ بوطن عربي جديد، وعالم عربي جديد. القاسم المشترك ربما كان ملف الصراع العربي الإسرائيلي، هو أحد أهم الملفات التي غذت هذا الغضب والإحباط العربي، مع عوامل أخرى داخلية منها: الفقر، الجوع، البطالة، تردي الحالة الاقتصادية والثقافية، وضع المرأة.. إلخ. لكن، بشكل عام، عدم حل مشكلة الفلسطينيين والحروب المتوالية التي شنتها إسرائيل في غزة وفي جنوب لبنان، هذا التعنت الإسرائيلي ضد كل المطالب العربية المشروعة، هذه إفرازات ظلت تتراكم بهذا الجيل الشباب وأنا من هذا الجيل. في 73 أنا ولدت مع جيل السبعينات ولم أشهد من إسرائيل إلا كل الممارسات العدوانية والتعسفية، فهذا الاحتقان وهذه التراكمات هي حركة التسونامي في التغيير العربي، هي ثورة أيضا على هذه الاحباطات الخارجية التي لم تتمكن القيادات العربية المترهلة من معالجتها ومعرفة التعامل معها. لذلك كانت هي سببا في ترسيخ هذا الإحباط بدلا من حله حتى فقدت الشعوب العربية الأمل في أي اجتماع لقمة عربية أو عمل الجامعة العربية حول موضوع الصراع العربي الإسرائيلي. إسرائيل اليوم ستجد خارطة شبابية سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة تماما عن الخارطة التي ألفتها، وستسمع أصواتا ووجهات نظر مغايرة جدا بالخطاب، سواء العلني أو الذي يمر من وراء الكواليس الذي كانت تسمعه من قيادات عربية سابقة. ربما هذه القيادات كانت هي صمام الأمان لإسرائيل. اليوم فقدت إسرائيل صمام الأمان بزوال هذه القيادات العربية المترهلة، التي كانت ربما هي السبب الرئيسي في هذا الإحباط والاحتقان من الوضع المتردي الذي آلت إليه الأمة العربية، سواء داخليا أو خارجيا أمام العالم’.

* أنت تعيشين في أمريكا، برأيك الآن كم ستتغير نظرة شعوب العالم والدول المتقدمة للشعوب العربية؟

* ‘هذه نقطة مهمة يجب أن نركز عليها لأن لا أحد يتحدث عنها. في نظرة العالم الآن إلى العالم العربي، سقطت الصور النمطية، كسرت التابلوهات القديمة، هذا الخوف من الإسلام السياسي (البعبع) الذي كان الغرب يحاول ترويجه: إما الاستقرار وإما الفوضى، سقطت هذه النظريات التي كان الغرب يحاول أن يروجها ويشيعها، لضمان بقاء وتثبيت الأنظمة الحاكمة، بحجة الاستقرار وعدم إشاعة الفوضى. كما قلت الشباب العربي رفع راية الوطن، لم يرفع شعار الدين، لم يرفع شعار الحزب، لم يرفع شعار الطائفة، لم يرفع شعار المذهب، رفع علم الوطن. بكل الأطياف وكل المذاهب وكل الانتماءات وكل الأديان، هذه الثورة الجديدة غيرت مفاهيم كثيرة في ذهن الغرب، وستعيد تشكيل علاقة جديدة بين العالم العربي الجديد، أو الشرق الأوسط الجديد العربي الصنع، ليس الغربي الصنع، الوطن العربي الجديد بصناعة عربية محلية داخلية، مقابل وجهة نظر جديدة، الآن يحتضنها هذا الغرب، مغايرة تماما لما كان يعرفه قبل2011. من الآن تغيرت نظرة العالم لنا. عندما نتابع أغلفة المجلات العلمية في أوروبا وأمريكا، حتى في أمريكا اللاتينية تجدين دور المرأة العربية والشباب العربي في هذه الثورات. من الآن تحطمت الصور النمطية عن العالم العربي والإسلامي، بذهن الكثير من الغرب، وسنجد صورا مختلفة بعد أن نبدأ بمرحلة التعمير بعد التغيير. من الواجب لأي قيادة سياسية قادمة جديدة أن تنظر إلى استثمار هذا التغيير بالمفهوم الغربي، والأمريكي عن المنطقة العربية، لأنهم أدركوا في العالم الغربي اليوم أن بناء الجسور الشعبية هي أمتن وتصب في مصلحة الشعوب والأمم أكثر من القنوات الرسمية، لأن الأنظمة مهما طالت تزول. لكن الشعوب باقية، والأوطان باقية وهي تتسع للجميع. فهذا الغرب الآن بدأ يدرك أن برامج التواصل الشعبي وفتح القنوات الشعبية، مع القنوات الرسمية وأن لا يكون الاعتماد كليا عليها وعلى التعاون العسكري والاستخباري. هنالك قنوات شعبية يجب أن يفتحها هذا الغرب وأن ينظر ويستمع لهذا الشباب العربي، كما رأيت الشباب المصري في ساحة التحرير رفض أن يستقبل وزيرة الخارجية الأمريكية ليقول لها رسالة إن هذه (ثورة صناعة محلية)، لا تسرقوا ثورتنا، هذه ثورة الشباب العربي. أعتقد أن الغرب فهم الرسالة، وأعتقد أن المطبخ الغربي الآن يشتغل ليلا ونهارا لإعادة قراءة الخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة ويعيد التحالفات، وأهم تحالف سيكون مع الشعوب، لأن الشعوب تبقى والأنظمة تزول’.

* مواكبة الإعلام العربي والعالمي لهذه الثورات، هل كان له تأثير في نجاحاتها؟

* ‘أكيد الإعلام كان له دور، لكن الدور الأكبر جاء من الإعلام الاجتماعي، منها وسائل متعددة أهمها الفيسبوك، ثورة مصر سميت بثورة الفيسبوك، وحتى في تونس، وفي سورية الشباب الذين يرسلون الأخبار لعدم وجود مراسلين يرصدون ما يحدث، الإعلام أحدث هزة كانت غير متوقعة، أي قيادة عربية أو أنظمة كانت مستعدة بالجيوش وبعناصر الاستخبارات، كانت مستعدة برزمة من الإغراءات الاقتصادية، ولكنها لم تكن مستعدة لثورة الفيسبوك. لا يمكن أن تضعي جيوشا وعناصر أمن تدخل إلى كل مكان، بينما ثورة الإعلام والتكنولوجيا دخلت. والحقيقة أن أكثر الفضائيات العربية، أيضا الإعلام المكتوب، الذي كان يبث عبر الفيسبوك والإنترنت، الحقيقة كلها ساهمت كثيرا في تنظيم هذا الشباب، وفي نقل الخبر، وساعدت في رصد العديد من المفاهيم الأخرى التي كانت مزروعة حول دور الإعلام. منابر الرأي تحولت أيضا إلى جبهة حرب، فعلا إنها ثورة فكرية إعلامية بالدرجة الأولى، بدل أن تكون ثورة انقلاب عسكري أو تدخل خارجي أو حرب. هذه ثورة فكرية، مخاض لتكنولوجيا، زائد اقتصاد، زائد اجتماع، زائد سياسة وقليل من الدين، كل هذه العوامل أفرزت هذه الثورة التي يعود فيها الفضل الكبير إلى وعي الشباب وثورة المعلومات والتكنولوجيا والصناعة الإعلامية’

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى