صفحات المستقبل

الإنتفاضة السوريّة: ما لها وما عليها

 


أسعد ذبيان

في التسمية:

“لا طبعا لم تكن ثورة، لأن الثورة من المفترض أن يكون لها برنامج وهدف هو تغيير كامل للوضع وإحلال طبقة مكان طبقة وما الى ذلك. ولكن ما حدث هو إنتفاضة شعبية ضد النظام القائم ومطلبها الأساسي هو تغييره” إن كان هذا الكلام للأديب صنع الله ابراهيم في وصف ما حدث في مصر، فإنني لا أجد أفضل منه لوصف ما يجري في كل الدول العربيّة. فالوصف الأليق لما يجري هو انتفاضة شعبيّة وليس محاولة إنقلابيّة عسكريّة ولا ثورة يقوم بها الناس بتصوّر معيّن وفق إيديولوجيا وأجندة سياسيّة معيّنة.

في المضمون:

دخلت الإنتفاضة السوريّة أسبوعها العاشر والأرقام الناتجة عنها كلها إلى ارتفاع: عدد القتلى والجرحى، عدد النازحين، أسعار المواد الأوليّة، المواقف الدوليّة الشاجبة، المقالات الصحافيّة والأقلام المأجورة من الطرفين (مدح النظام السوري أو هجائه إرضاءً لمصالح خارجيّة)، المستنكفين في حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، المظاهرات في عواصم العالم، دموع الأمهات من أهالي شهداء الشعب والجيش السوري.. والأهم النفاق الحاصل في الشوارع العربيّة عند معظم الأنظمة وبعض الشعوب في التحريم والتحليل (أحياناً تحليل الدم خدمةً لأيديولوجيات معيّنة – سواء من منطلق طائفي مناصر لقتل أفراد الجيش، أو “ممانع” مناصر لقتل “العملاء والخونة”)..الرقم الوحيد المتدني هو القيم الإنسانيّة التي تناساها العديدين (ونعم أنت معني بها أيّها الناشط اللبناني الذي تأخر عن مآزرة شقيقه وشقيقته في سوريا بسبب حسابات البيدر – يا حيف).

في ما يضر (الإنتفاضة):

لا شكّ في أنّ من مصلحة العديدين رؤية نظام عاند في السياسة (من فوق الطاولة أقلها)، وشكّل في المعادلات الدوليّة محوراً معيناً إلى جانب البعض وضد البعض الآخر.. وعلى رأس هؤلاء المنتفعين من سقوط النظام الأسدي البعثي (لا يصح تسميته سوى بذلك – حيث أنّ الممانعة كثيرة عليه والعلوي مهينة بحق طائفة معيّة وتستثني فلّة منتفعة من طوائف أخرى) الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا – وأذيالهم العرب. ولا بذرة تصدر عن هؤلاء يمكن أن تحمل ثمار خير للشعب السوري لأنّ حسابات بيدرهم لا تتضمن سد جوع المواطن السوري وتوقه للحرية والديمقراطيّة! ومن ضمن سلّة الغذاء الفاسدة التي يمدها هذا المحور: دعوات من مؤسسات حقوقيّة رفيعة المستوى تحرر بيانات سياسيّة من مكاتب في بيروت في تعدي سافر على صلاحياتها ونطاق عملها لتطلب من مجلس الأمن إصدار قرارات تدين “الجرائم بحق الإنسانيّة”.. وهي المؤسسات نفسها التي لم تطلب يوماً إدانة إسرائيل على جرائم مماثلة أو الإحتلال الأميركي في العراق وأفغانستان وغيرها.. ثمرة أخرى مغلفة بالشهد ولبها مسمم هي التصريحات السياسيّة الدوليّة الداعية لإسقاط النظام في الشام، وهي الأصوات نفسها التي حضنت هذا النظام ومدّته بما يلزم ليضبط الساحتين الفلسطينيّة واللبنانيّة من أيام اتفاق الأب – كيسنجر – اسرائيل. هذا في ما يخص الثمار المستوردة، أمّا الثمار الوطنيّة المسيئة لهذه الإنتفاضة فهي أصوات بعض الخطباء الذين يعتلون المنابر فيتشدقون بالطائفيّة ويغطسون كلامهم بسمن الحقد الأعمى والتحريض المذهبي.

في ما ينفع (الإنتفاضة):

لن نستفيض بتعداد الأسباب الأهم التي تنفع هذه الإنتفاضة ومنها انطلاقتها من الغبن من نظام حرم شعبه حريّة التعبير عن الرأي (وللتذكير موقع فايسبوك ويوتيوب رفع عنهما الحجب منذ أقل من ثلاثة أشهر).. وعبقريّة المتظاهر السوري في قدرته على الرد على كل الأقاويل والإشاعات، فعندما يتهم المتظاهرين بالطائفيّة يرفعون شعار “شيعي – سني – درزي – مسيحي – علوي – كردي.. لا فرق – كلنا مع إسقاط النظام”. وعندما يتهم الإعلام بأنّه يعرض صور أرشيف، يعلن مصوّر الفيديو اسم المنطقة وتاريخ اليوم على شاشة تملأها الحشود الناطقة بـ “ما منحبك – ما منحبك”. ما ينفع الإنتفاضة هو غباء النظام الذي يواجههم وإصراره على لعبة “البروباغندا” وتضليل الرأي العام وفبركة “المؤامرة”.. منذ يومين، خرج أحد “المدسوسين” ليعترف بأنّ المموّلين من لبنان.. وتركيّا! لو صادف أنّ المقابلة معه جرت منذ أسبوع، هل كان يعقل بأن يقول اسم تركيّا؟ هي ردّة الفعل الغبيّة على مواقف أردوغان الأخيرة. غباء النظام يتجلّى في فتح جبهة الجولان على حساب الدم الفلسطيني، نتج عنه “ميني-انتفاضة” في المخيمات على أذياله أمثال الجبهة الشعبية – القيادة العامة. وما ينفع الإنتفاضة زيادة البطش والعنف التي لن تنتج سوى تحدي وإصرار وقناعة بأنّ المهادنة مع هذا النظام وبقاء رموزه لا يعني سوى مزيد من الإعتقالات والتعذيب إن استتبّ الأمر لآل الأسد مجدداً.

http://beirutiyat.wordpress.com

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى