باسل العوداتصفحات سورية

الائتلاف السوري والحصان الأعرج/ باسل العودات

 

 

بكثير من الثقة، يمكن القول إن مصيبة السوريين هي نظامهم، دون الحاجة للاستفاضة بشرح أبعاد هذا التوصيف، لأن سياسات هذا النظام وأخلاقه وعنفه وأفعاله كافية لتوضيح حجم هذه المصيبة التي ابتلى بها السوريون منذ خمسة عقود، لكن في الوقت نفسه، يمكن القول بكثير من الثقة أيضاً إن أزمة السوريين هي معارضتهم السياسية، فهي وخلال خمس سنوات لم تستطع أن تُقدّم صورة مختلفة جذرياً عن صورة النظام، ولم تُثبت أنها جديرة بأن تكون حاملة لواحدة من أهم الثورات السياسية الاجتماعية في العصر الحديث.

هذا النقد يخصّ أهم تيارات المعارضة السورية ومكوّناتها، وهي وفق تسلسل تشكيلها الزمني: المجلس الوطني ثم ائتلاف قوى الثورة وأخيراً الهيئة العليا للمفاوضات، وهي في واقع الأمر قوى المعارضة السياسية الأساسية التي بنى السوريون عليها آمالاً كثيرة، وما عداهم من تيارات معارضة هي تيارات هامشية بعضها مغمور وبعضها لا حول له ولا قوّة وبعضها مُلتبس في انتماءاته.

يعرف جميع السوريين التسلسل الزمني لتشكيل هذه التيارات وأسباب صعودها وهبوطها، بل ويعرفون خفاياها وسلبياتها وإيجابياتها (على قلتها)، ويعرفون شخوصها والخلافات بينهم، وأي الأفعال كانت تقصيراً وفساداً وشخصنة، وأيها كان عملاً وطنياً بحتاً.

تحت ضغط اللحظة الثورية، اجتمع في سبتمبر عام 2011 ستون من الأخوان والشيوعيين والقوميين والليبراليين على عجل لتشكيل المجلس الوطني، دون اتفاق مسبق على برنامج أو أسلوب عمل أو منهج نضال، ولم يكن له تنظيمات حقيقية في الداخل أو صلات منهجية وجدية، وحاول إقناع الداعمين العرب والأجانب بأنه هو الممثل الوحيد للشعب السوري، وطلب مساعدات ملأت صناديقه، وتصرفوا كهواة، وطرحوا شعارات الحد الأقصى، وأوهموا السوريين بأن التدخل العسكري الخارجي على الأبواب، ورفضوا التفاوض مع النظام والحل السياسي، ومنحوا النظام كثيراً من المبررات ليُمارس ما يبرع به، فزاد عنفه وقمعه وقتله للسوريين,

بعد عام تبيّن لأصدقاء سورية أن المجلس كيان مريض كالنظام، فاشل ومتهافت وغير جدير بقيادة المعارضة ولا جدوى من استمراره، فدعموا تأسيس الائتلاف الوطني كبديل عنه، وحشدوا له موافقة 104 دول لتُطلق عليه صفة الممثل الشرعي للشعب السوري، والغريب في الأمر أن أكثر من ثلثي أعضاء الائتلاف الـ 114 قفزوا إليه من المجلس الوطني بقدرة قادر، مع أن مشكلة المجلس كانت بقياداته وأشخاصه الذين حملوا نفس أمراض النظام من فساد وقلة خبرة وانتهازية.

ولد الائتلاف عملياً من رحم المجلس الوطني، وورث كل أمراضه، وتعامل على أنه ممثل وحيد للشعب السوري دون أن يفوضه الشعب بذلك، وواصل طرح شعارات متشددة بعيدة عن الواقع وعن إمكانية التحقيق، ولم يستطع توحيد صوت المعارضات، ولا توحيد قواها العسكرية، وحصل على مساعدات مالية من دون حدود، وارتهن بالتالي للدول الداعمة والمُمولة، وتنازع أعضائه على الامتيازات، وضاعت بعضاً من ملايين المساعدات في ردهاته، وقَلبَ الأولويات وغرِق في المؤتمرات والندوات والتصريحات الإعلامية، وأطلق اتهامات كاذبة ضد التيارات المعارضة الأخرى ليبقى وحده في الميدان، وأهمل قوة الحراك الجماهيري، وتنافس قياديوه على ضرورة إصلاحه، وتبيّن لاحقاً أن الإصلاح بالنسبة لهم هو تغيير للمستفيدين لا تغيير للسياسات.

نهاية العام الماضي، اكتشف أصدقاء سورية من جديد أن الائتلاف لم يعد يصلح، وأصبح عبئاً على السوريين وعلى الدول الداعمة، وأخطائه هائلة ومشاكله كبيرة لا يمكن ترقيعها، وبات رجلاً مريضاً لا أمل من شفائه، فقرروا التحوّل لدعم كيان آخر هو الهيئة العليا للمفاوضات، التي سرعان ما أُعلن عن تأسيسها على عجل بناء على محاصصات بين هذا الطرف وذاك، والغريب أن قسماً كبيراً من أعضائها هم من الائتلاف والمجلس الوطني أنفسهم، الذين كانوا السبب في فساد وإفساد هذه الكتل السابقة، وسرعان ما هَمّشت هذه الهيئة إلى حد كبير الائتلاف وغيره من القوى السياسية المعارضة وباتت (كالعادة) الممثل الشرعي للشعب السوري.

صارت العلاقات الدولية محصورة تقريباً بالهيئة العليا للمفاوضات، وانصب اهتمام الدبلوماسيين العرب الغربيين عليها، ولم تعد وسائل الإعلام تبدي كثير اهتمام للائتلاف وقيادييه، وأعلنت غالبية القوى الثورية والعسكرية السورية المعارضة الموافقة ضمناً على الحل السياسي تأييدها للهيئة العليا للمفاوضات، وفوضتها (مرحلياً) مسألة التفاوض مع النظام، وهو تفويض مرحلي لأن أي تشدد غير مدروس أو وهن غير مبرر، أو محاولة لبيع الوهم للشعب، أو استغلال المنصب، ستؤدي في وقت قريب لمصير لا يختلف عن مصير المجلس الوطني والائتلاف.

على الرغم من أن الائتلاف غاب الآن عن المشهد السياسي كلياً، لكن هذا لم يُقنع أصحابه بأنهم يملكون حصاناً أعرج لا يفيد حتى بحمل الحطب، ولا حل معه إلا بإطلاق النار عليه، ويخوضون اليوم بحماسة معركة انتخابات، في وقت لم يعد فيه لهم أية أهمية على صعيد القرار السياسي أو التأثير الشعبي، ويُصرّ أعضائه على (إحياء العظام وهي رميم)، ويرفضون فكرة حلّه أو تحويله لهيئة عمل مدني أو جمعية أهلية تعنى بشؤون محددة يمكن أن تفيد السوريين، ولا مبرر لإصرارهم إلا وجود رغبة لديهم للحفاظ على الامتيازات الشخصية والنفوذ.

يعتقد كثير من السوريين أن على الائتلاف اتخاذ موقف وطني وإعلان حلّه، أو على الأقل الإعلان عن تحويله لمؤسسة أهلية أو منبر إعلامي فقط، وتتحول جميع (دكاكينه) إلى جمعيات تُشرف عليها جهات مشهود لها، ويَعترف بأن أفعاله أدت لانهياره وخسارته الشعبية التي حظي بها في الأشهر الأولى من تأسيسه.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى