سميرة المسالمةصفحات سورية

الائتلاف السوري والنهوض الصعب/ سميرة المسالمة

 

خاض كثيرون من الكتاب والسياسيين السوريين في مسالة تقييم عمل الائتلاف، وكيفية تفعيله، ونقد مسيرته، ومشروعية بقائه من عدمها، على مدار السنوات السابقة، بيد أن هذه الانتقادات تعاظمت خلال السنة الأخيرة تبعاً لانحسار دوره، وتراجع مكانته، وحجم الخلافات التي دبّت بين مكوناته، والتي غاب عنها تمثيلها الكياني المرجعي وبقيت كحالة مصلحية انتخابية فردية، داخل الائتلاف، تعيق حركته، وتقيّد خطواته الإصلاحية، ما خيّب الآمال التي عقدت عليه من قبل السوريين.

ومع الانتخابات الأخيرة التي نتج عنها انتخاب رياض سيف رئيساً له عاد الائتلاف إلى واجهة النقد من جهة، والأمل الحذر من جهة أخرى، مروراً بكتابات المديح والهجاء على مبدأ شعراء الولاة أو أعدائهم، في ظل حالة صمت يعيشها هذا الكيان، ربما لأنه يستعد لأمر طالما تحدث عنه “سيف” وبه وعد. وكان الرئيس المنتخب قبل تبوئه المنصب، من دعاة إصلاح الائتلاف، الذي بدا عاجزاً عن أداء مهامه السياسية التي نشأ من أجلها، وبعيداً عن مهامه الخدمية التي أقحم نفسه بها، لإبعاد شبح انعكاسات الاعتراف بالكيانات الخدمية التي نشأت خلال سنوات الثورة، بعيداً عن مركزيته التي أرادتها بعض قياداته لتمر الموارد المالية من خلالها، وهو الأمر الذي باعد بينه وبين السوريين لسببين:

أولهما أن الائتلاف المتنطّح لأعمال خدمية غير خبير بإدارتها مما أفسح المجال للشكّ في طريقة التعاطي مع هذا الملف إدارياً ومالياً، ناهيك عن عدم قدرته ككيان معارض على توفير الحد الأدنى من الخدمات المطلوبة.

ثانيهما غياب الشفافية في الإعلان عن الموارد المالية ومطارح الانفاق وآليات المحاسبة المالية والعقابية، ما سبب حالة من انعدام الثقة بمن يتولى المهام القيادية من قبل السواد الأعظم من السوريين.

اما ما يتعلق بفشله أو عجزه على الصعيد السياسي فذلك يعود أيضاً لأسباب بنيوية، وتنظيمية، حيث لم تستطع قياداته المتعاقبة أن تطابق بين الدور الموكل اليها، وبين حالة التحاصص غير الوظيفية، مما أدى إلى حروب تحت الرماد، مارست كل الأطراف فيه عامل المعطّل، او الدافع إلى الهاوية، من خلال التفرّد في القرارات تارة، أو مجاملة الأطراف الأخرى على حساب المصلحة الوطنية، ولحسابات مصلحية ذاتية ضيّقة وأحيانا مؤقتة.

من هنا تتحدد مسؤولية قيادته الجديدة، سواء جاءت بانتخابات نزيهة، سببها إدراك الهيئة العامة الناخبة لخطورة اللحظة التي يمر بها الائتلاف، أو نتيجة صفقة محاصصات وتبادل نفوذ ستظهر لاحقاً، وذلك بإعادة الاعتبار للأشخاص الذين مارسوا فساداً مبطناً، وتوزيع مناصب وهمية لاستمرار فسادهم.. أو أن هذه القيادة تعرف أنها أمام مهام عاجلة لمعالجة هذا الواقع المؤلم لكيان سياسي، عجز عن تعزيز مكانته بين السوريين، في الداخل والخارج، ولم يستطع استيعاب المكونات السياسية التي نشأت خلال سنوات الثورة، لأنه جعل من نفسه كياناً مغلقاً، ما يؤكد على وجود منافع شخصية لبعض أعضائه من القياديين ، الذين تقوقعوا داخله، دون فتح الأبواب لشركاء لهم في الوطن، للعمل من خلال منصّة الائتلاف المعترف بها من أكثر من مئة دولة وحكومة.

ربما يجدر السؤال هنا عن جدوى إصلاح الائتلاف، فإذا كان قد تعذّر ذلك خلال السنوات السابقة فلماذا يصبح ممكناً الآن؟ وهل تملك قيادته ما لم تتمتع به قيادات سابقة له؟ وهل أن الآمال المعقودة سببها أن الائتلاف عادت ملكيته للهيئة العامة الناخبة، التي أرادت أن تمنح الفرصة، لمن حمل خلال سنوات عديدة برامج إصلاحية ذهبت في مهب الريح، مع انخراط قياداته في العملية الانتخابية التي كانت تتجدد كل ستة أشهر، مما يجعلها عبئاً ثقيلا على الكيان كجهة فاعلة، أو على الكتل المتنافسة المنفعلة لكسب مناصب هنا أو مواقع تأثير هناك، مما يدفع الى القول أن العملية الانتخابية التي كانت سائدة، تسعى لإزاحة الآخر وليس للتنافس معه؟ وهل يعني كل ذلك ضرورة تضمن الإصلاح إجراء تعديلات، أو تغييرات داخل منظومة اللوائح التي تحكم الائتلاف، سيما أن الانتخابات أصبحت تجري كل عام، مما يفسح المجال امام المنتخبين للتقدم ببرامج عمل وفق خطط زمنية، يمكن للهيئة العامة أن تراقب تنفيذها، وتحدد مكامن مصلحة الائتلاف كمؤسسة ثورية منها؟

أسئلة كثيرة تطرح، ولا نريد أن نحمّل كل المسؤولية للرئيس الجديد المنتخب، لأن الأمر أكثر تعقيدا، في واقع ضعف كيانات الثورة، السياسية والعسكرية والمدنية، وبحكم ضعف الموارد، والاعتماد على الخارج أو الارتهان له، مع هذا فليس لنا إلا أن نراهن على ذلك، ولكن ليس لكل الوقت كما يظن بعض من يجلس على كراسي السلطة، فالأيام هنا تعني سنوات ودماء تهدر، ومن يريد أن يتحاصصها لفوائد مالية فهي متاحة له بحكم تملكه المنصب لعام قادم، ومن يريد العمل فهذه الأيام المعدودة كافية، مع التأكيد على مسؤولية الجميع في تحمل مسؤولياتهم، والنهوض بهذا الائتلاف ـ مدركين أنه النهوض الصعب في ظل صفقات الواقع السياسي المؤلم ـ لتطوير وتوسيع بنيته، والارتقاء بدوره، مع ابقائه في دائرة النقد، قبل ترحيله إلى مستودع الذكريات كسابقه “المجلس الوطني”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى