صفحات الرأي

الاتجار بالبشر”: ضحايا في الظل

 

ديانا سكيني

في العالم العربي تتراجع أهمية قضية كالإتجار بالبشر لمصلحة قضايا أكثر الحاحاً في جوانبها الامنية والسياسية والإجتماعية. لكن هذا التراجع يبدو شكليا او يرتبط بالمسميات فقط، فحين تكون مفاهيم كالاستغلال والاجبار والاستضعاف اساساً لتعريف الامم المتحدة لجريمة الاتجار بالبشر، سيتبيّن ان هذه القضية جزءا من القضايا الامنية والسياسية والاجتماعية المتفجرة عربياً.

هل تناهى الى مسامعنا ما يحدث في مخيمات اللاجئين السوريين، على سبيل المثال، من تزويج للقاصرات بهدف “سترهن” وبشكل قسري من ذويهن؟ الظاهرة منتشرة واعداد المستغلات تزداد يوميا. لكن التقارير العربية المتصلة تبدو غائبة او مغيّبة. الامم المتحدة التي تركز جهودها حاليا على اعمال الاغاثة، لا تعير اهمية كبيرة لمواكبة هذه القضية، لكن مفوضية شؤون اللاجئين شرعت في اعداد تقرير عن هذه القضية عبر دراسة تجرى في مخيمات اللاجئين في تركيا، ومخيم الزعتري في الاردن، كما يقول مسؤول في المفوضية، شارك في منتدى الدوحة الثالث لمكافحة الاتجار بالبشر في 22-23 الجاري.

في المنتدى نفسه الذي نظمته “المؤسسة القطرية لمكافحة الاتجار بالبشر” بالتنسيق مع “مكتب الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات”، وجامعة الدول العربية، كشفت سارة كلاغس، من منظمة الهجرة الدولية، معطيات من دراسة تجريها المنظمة عن الهجرة غير الشرعية من الدول العربية، لتبيّن ان ازديادا لافتا في اعداد المهاجرين غير الشرعيين قد سُجِّل في بلدان “الربيع العربي”.

كلاغس تقول انه ليس بامكانها الآن التصريح عن اعداد نهائية للمهاجرين الذين يركبون سفن الموت والمجهول الى بلدان مقصد يتم استغلالهم فيها، مشيرة الى أن انهيار منظومات الامن والفوضى التي عمت في البلدان العربية التي شهدت ثورات على انظمة الحكم السابقة شكلت مناخا مناسبا لازدياد مضطرد في الجرائم المنظمة كالاتجار بالبشر.

الى تزويج القاصرات القسري، واستغلال المهاجرين غير الشرعيين، تبرز عربيا قضايا متصلة بالاتجار بالبشر كتجنيد الصغار في الحروب، وسرقة الاطفال لبيعهم لمنظمات التبني الدولية، وخطف الاشخاص بهدف سرقة اعضائهم، واخرى شائكة في نواحيها القانونية والانسانية كالعمالة العربية والاجنبية في الدول العربية.  وتشير تقديرات الامم المتحدة الى ان نحو مليونين ونصف مليون شخص في العالم يقعون سنويا ضحايا جريمة الاتجار بالبشر. هذا الرقم يشكل مثالا حيا على العبودية المستمرة في عصرنا حيث جميع هؤلاء الاشخاص وجدوا انفسهم مرغمين على العمل القسري والعبودية المنزلية او الاستغلال الجنسي. غالبية الضحايا هم من الاطفال والنساء الذين يشكلون المادة الاولية لجريمة دولية قدرت الامم المتحدة تجارتها بـ36 مليار دولار سنويا لتحتل المرتبة الثالثة في قائمة الجرائم العالمية الاكثر ربحية بعد تجارتي المخدرات والاسلحة.

واستٌعرضت خلال المنتدى نتائج تقرير الأمم المتحدة السنوي الصادر الشهر الماضي عن الاتجار بالاشخاص عن مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. ويبين التقرير ان 27 % من ضحايا الاتجار بالبشر عالميا بين عامي 2007 و2012 هم من الاطفال. وتظهر في التقرير اختلافات اقليمية في توزيع نسب الضحايا، ففي حين ان نسبة الاطفال الضحايا تقدر بـ 68% في افريقيا والشرق الاوسط، و39% في جنوب آسيا وشرق آسيا والمحيط الهادىء، فهذه النسبة تتناقص الى 27% في الاميركتين و16% في اوروبا ووسط آسيا.

الغالبية العظمى من الاشخاص المتاجر بهم من النساء، وهو ما يمثل 55% الى 60% من الضحايا المكتشفة عالميا.  ويظهر التقرير انه في افريقيا وآسيا عموماً تكثر حالات الإتجار بالبشر لغرض العمل القسري في حين ان حالات الإستغلال الجنسي تكثر في اوروبا والأميركيتين.

وتغيب دراسة عربية احصائية ناجزة عن قضية الاتجار بالبشر. لكن ممثل الجامعة العربية الذي حضر منتدى الدوحة تحدث عن بدء العمل لانجاز تقرير دوري شامل يستند الى المعلومات المستقاة من المراجع الرسمية وهيئات المجتمع المدني، وبالتعاون مع منظمات مختصة كالمؤسسة القطرية لمكافحة الاتجار بالبشر التي لعبت دورا بارزا في اطلاق المبادرة العربية لبناء القدرات الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر. توصيات المنتدى طلبت زيادة التنسيق الامني والقضائي والقانوني بين الدول العربية لمكافحة هذه الظاهرة، التي بدا جليا خلال المنتدى الاخفاق المستمر في تقديم تعريف محدد ومحصور لها. خصوصاً في عالم عربي ما زال يتطلع نحو تكريس شذرات من حقوق الانسان، ويخفق في احيان كثيرة.

الدوحة

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى