رستم محمودصفحات سورية

الاتحاد الوطني الكردستاني إذ يستعيد سياسة التسعينات/ رستم محمود

 

 

 

منذ تحقيقه نتائج نوعية في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، يبدو الاتحاد الوطني الكردستاني كأنه يستعيد توازنه، وقد تعزز ذلك بانتخاب القيادي فؤاد معصوم رئيساً للعراق، وعودة المام جلال الطالباني الى مدينة السليمانية. يحدث ذلك بُعيد فشل الحزب الذريع في تحقيق نتيجة مهمة في الانتخابات التشريعية المحلية، حيث خسر جزءاً مهماً من هيمنته في المناطق الشرقية من الإقليم مقابل تقدم حركة التغيير المعارضة، ما أدى إلى تنسيق متصاعد بين هذه الأخيرة والحزب الديموقراطي الكردستاني، حيث اعتبر ذلك تهميشاً لنفوذ الإتحاد الوطني في الإقليم. وقتذاك، وإبان غياب الطالباني، كانت الخلافات السياسية والحساسيات الشخصية تعصف بقيادة الإتحاد.

يستعيد الإتحاد الوطني ذلك، عبر ثلاثة خيارات سياسية يعتبرها استراتيجية في رؤيته المرحلية. على المستوى الكردستاني، يدخل الاتحاد في تحالف وثيق مع حزب العمال الكردستاني، وبالذات مع امتداده الكردي السوري، حزب الإتحاد الديموقراطي الكردي PYD، عبر الاعتراف بالمؤسسات السياسية لهذا الحزب، والضغط على رئاسة إقليم كردستان العراق لتقديم الدعم لإداراته بأي ثمن، وتجاوز خطوط التوازن التي يريد رئيس الإقليم مسعود البرزاني تأسيسها بين التيارات الكردية السورية المختلفة.

عراقياً، يسعى الإتحاد الى تقوية تحالفه مع القوى الشيعية، متجاوزاً الطموح الكردي بتشكيل رؤية كردية موحدة تجاه القضايا العالقة بين الإقليم والمركز. يفعل الاتحاد ذلك تماهياً مع تحالفه المكين مع النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة. أما محليا في الإقليم، فما زال الاتحاد يميل الى سلوك سياسي وعسكري خاص به تجاه التحديات التي تواجه الإقليم، خصوصاً في صراعه مع «داعش».

مجموع تلك السياسات «التصعيدية» مشابه تماماً لما كان الاتحاد الوطني قد خطه أوائل التسعينات، بُعيد خروج الإقليم من سيطرة السلطة المركزية مباشرة. سياسات الاتحاد تمثلت وقتذاك بالتحالف مع إيران والالتزام الاستراتيجي بسياساتها في العراق والمنطقة، وكذلك بدعم وثيق لحزب العمال الكردستاني (الحزب الكردي غير العراقي) للضغط على الديموقراطي الكردستاني، النظير المحلي اللدود للاتحاد الوطني. وأخيراً عبر اعتماد رؤية غير مشتركة في ما خص التعامل مع السلطة العراقية المركزية. وتلك السياسات مجتمعة أدت الى اندلاع الحرب الأهلية في الإقليم، حيث قُسم الى أكثر من إدارة محلية، وما زالت شروخه حاضرة حتى الوقت الراهن.

ما يدفع الاتحاد الوطني راهناً الى تلك الخيارات «الحادة»، ثلاثة عوامل غير مرئية بوضوح في بنية العمل السياسي الكردي العراقي: فالاتحاد يريد التغطية على هشاشة المؤسسات ووحدة الصف في بنيته القيادية، حيث كان تململ القاعدة الشعبية في مناطق نفوذه التقليدية بالغ الوضوح في الانتخابات التشريعية الأخيرة في الإقليم. انه يريد التغطية على ذلك عبر نفوذه الاستثنائي في المناطق المتنازع عليها، خصوصاً مدينة كركوك ومحيطها. فالاتحاد يريد نفوذاً سياسياً وسيطرة اقتصادية وبيروقراطية تفوق حضوره النسبي المتواضع في محافظات الإقليم الثلاث، وذلك بحساب نفوذه في المناطق المتنازع عليها. وفي سبيل ذلك، فإنه لن يوفر أي شكل للضغط على القوتين السياسيتين الرئيسيتين في الإقليم، الديموقراطي الكردستاني وحركة التغيير.

الدافع الآخر كامن في تساهل الإتحاد وتحالفه مع العمال الكردستاني وامتداداته، فالأخير لا يزاحم الاتحاد في مناطق نفوذه، بل ينافس فقط في مناطق نفوذ الديموقراطي الكردستاني في كل من سورية والعراق. كما أن دعم الاتحاد لهذا التنظيم لن يجلب عليه ضغطاً تركياً، بل سيطاول الديموقراطي الكردستاني وسياسات رئيسه مسعود البارزاني في سدة حُكم الإقليم، لذا لا ضير لدى الإتحاد الوطني من تقديم كل أشكال الدعم والتحالف مع العمال الكردستاني، خصوصاً أن هذا الأخير ليس على خصام مع إيران، حليفة الإتحاد الوطني الكردستاني التقليدية.

أخيراً، فالاتحاد لا يرى في تحالفه مع القوى العراقية الشيعية المحلية، وتماهيه مع السياسات الإقليمية لإيران، أي معضلة. فمناطق نفوذه في محافظتي كركوك وديالى ملاصقة لمناطق نفوذ إيران والقوى العراقية الشيعية، بينما المناطق الكردية الغربية في محافظتي نينوى وصلاح الدين هما اللتان تشكلان حيّزاً قلقاً للعلاقة الكردية – العربية السُنية، وتملك حساسية خاصة لـ «التحالف» الكردي – الشعي العراقي. وهي مناطق نفوذ للديموقراطي الكردستاني. ففي الجوهر تبدو السياسات «التصعيدية» للاتحاد تصديراً لأزمته الداخلية، وتجاوزاً لانحدار شعبيته في مناطق نفوذه التقليدية، لكنها في المحصلة لن تجلب سوى أشكال معقدة وغير منضبطة في تصارعها، شبيهة بتلك التي طاولت المجتمع الكردي العراقي طوال التسعينات. وهو تصارع عنيف سمي وقتها بـ «حرب الأخوة الأعداء».

* كاتب سوري

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى