صفحات العالم

الاجتثاث السوري


ساطع نور الدين

لم يكن مشهد العراك بين المعارضين السوريين أمام مقر الجامعة العربية في القاهرة امس الاول الاربعاء مطمئنا. لعله كان أشد خطرا من اشتباك مسلح، وأكثر إيلاما من المعارك الدائرة حاليا في الداخل السوري، حيث تسفك الدماء بغزارة، بلا حساب وبلا عقل، وبدافع تصفية الاخر واستئصاله لمنعه من المطالبة بحقوقه أو التعبير عن رأيه.

سبق للقاهرة، وتحديدا للشارع الممتد الى مقر الجامعة والقريب من ميدان تحرير مصر من العار، ان شهد اشتباكات سورية عديدة، واحيانا بإيقاع أسبوعي أو حتى يومي، استدعت تدخل الامن المصري لفض تظاهرات كانت الغلبة فيها ولا تزال للمعارضين السوريين على حساب القلة من المؤيدين للنظام السوري، كما هو الحال في مختلف تظاهرات الجاليات السورية سواء في العواصم العربية او الاجنبية بما فيها موسكو التي لا تزال السند الدولي الرئيسي للنظام.

هذه المرة، حصل العراك الاول من نوعه بين أبناء الصف الواحد المعارض، مع العلم انه سبق للمعارضين السوريين ان تدافعوا وتباعدوا في مؤتمرات اسطنبول وانطاليا وغيرها، ولاسباب تنظيمية او إجرائية، او بالاحرى تنافسية، تعزى الى الاجتهادات المختلفة اكثر مما تنسب الى الخلافات السياسية الجوهرية، والاهم من ذلك انها لم تعطل التفاهم بين تيارات المعارضة الخارجية على قيام المجلس الوطني السوري وتوزيع مسؤولياته ومهامه.. وان كانت قد احتفظت بمسافة واضحة ومحددة مع معارضة الداخل، جرى التوافق عليها في اجتماعات باريس الاخيرة الشهر الماضي، بحيث لا يزعم أهل الخارج احتكار المعارضة ولا يتعرض أهل الداخل للخطر الكامن لهم على ابواب منازلهم، لاسيما تحت عنوان الحماية الدولية الذي يورط المعارضين جميعا في جدل عقيم مع النظام حول التدخل الدولي الذي لا يزال يقع تحت باب المحرمات، على الاقل الى حين اعلان وفاة الخطة العربية الميتة اصلا .

حصل العراك المعارض عند هذه الزاوية بالتحديد، امام مقر الجامعة وخلف خطتها التي كان يمكن ان تحرج المعارضين جميعا لو ان النظام نفذها والتزم بوقف العنف واطلاق المعتقلين ونشر المراقبين العرب. لم يكن مجرد خلاف حول سبل التعاطي مع الخطة العربية جرى التعبير عنه بالهتافات او اللافتات المتبادلة. كان هناك تضارب بالايدي وصل الى حد منع المعارضين الاتين من جبهة المواجهة المباشرة مع النظام، من الدخول الى المقر لمقابلة الامين العام نبيل العربي، باستثناء رئيس الوفد الدكتور حسن عبد العظيم الذي نجح بالتسلل الى مبنى الجامعة وعقد اللقاء المقرر.

لم تكن المفاجأة ان المعارضين اشتبكوا في ما بينهم على مرأى ومسمع من النظام الذي لا يدع مجالا للشك في عنفه وتطرفه وفي غلبته الامنية حتى الان. كانت الغرابة في ان يقرر معارضون يفترض ان يكونوا بديلا للاستبداد، وان يفكروا منذ الان في التأسيس لمصالحة وطنية تتجنب ثقافة الاجتثاث، حتى للبعث وفرقه وتوابعه، ان الوقت يسمح بمثل هذا التحدي للاخر المعارض، وللجامعة العربية وخطتها التي يمكن تحويلها الى غطاء للتغيير المنشود في سوريا.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى