صفحات العالم

الادارة الدولية للقتل !

    راجح الخوري

بدا التراشق بالتصريحات بين معاذ الخطيب وواشنطن اسرع من صواريخ “باتريوت”، التي تطالب بها المعارضة السورية لحماية المدنيين في المناطق المحررة، لكن الاستنتاج ان “هناك ارادة دولية بألا تنتصر الثورة” لا يشكل اكتشافاً جديداً يا شيخ معاذ، فبعد عامين ونيف من القتال وسقوط اكثر من 90 الف قتيل في تلك المذبحة المفتوحة، بات من الواضح ان هناك “ادارة دولية للقتل” تحرص على استمرار النزف، الذي يفترض ان ينسف النظام السوري وان يجعل من سوريا ساحة إعدام مفتوحة لمزيد من عناصر التطرف.

عناصر التطرف؟

لم يكن هناك من عناصر متطرفة في سوريا، فعلى امتداد ستة اشهر بعد كسر اصابع الاطفال في درعا تظاهر السوريون تحت النار صارخين “سلمية سلمية”، لكن مروحة من المصالح الاقليمية والدولية تقاطعت فوق الازمة وفرضت روزنامة الدم وما فيها من المذابح والترويع وهو ما ألهب مشاعر المتشددين في الخارج ولم يلبث ان جعل من سوريا ساحة للجهاد !

عملياً ادى تقاطع المصالح هنا وتعارضها هناك الى اتفاق غير مكتوب بين روسيا واميركا من جهة وبين ايران واسرائيل من جهة ثانية، حرص دائماً على “ادارة” القتال في سوريا وعلى سوريا، بطريقة تلائم الحسابات المعقدة والمتداخلة لكل من هؤلاء، وخصوصاً لجهة تحديد الخريطة السياسية للاقليم.

وهكذا يبدو الخلاف بين واشنطن وموسكو على بقاء النظام او انهياره مرادفاً للاتفاق بينهما على تحوّل سوريا مصيدة للمتطرفين. اذاً ليكن “الفيتو” الروسي المتكرر والممهور بالصمت الاميركي بمثابة تأشيرة دخول تستجلب الاسلاميين المتحمسين من الخارج الى المسلخ السوري، فالنظام مزود أحدث الاسلحة الروسية ومدعوم بالمال والرجال من ايران، واذاً ليكن الحرص على عدم تزويد المعارضة ما يساعدها على الحسم مدخلاً الى ابقاء الساحة عارية امام الطيران والصواريخ وربما غداً امام الاسلحة الكيميائية، وفي النهاية يبرز عار السياسة الدولية: دعوا فخّار النظام يكسّر فخّار المعارضة ومَنْ تسلل الى صفوفها من الاسلاميين.

لقد تلازم وصول شحنات الاسلحة الروسية والايرانية الى النظام دائماً مع حرص اميركا على عدم حصول المعارضة على “اسلحة فتاكة”، بينما كان الفتك يرفع جثث السوريين الى السماء، ولقد سهرت “الادارة الدولية للقتل” على تقسيم صفوف المعارضة سياسياً من خلال الاستماتة الاميركية في العمل على دفع تيار “الاخوان المسلمين” الى الواجهة كما حصل في اسطنبول، وعسكرياً من خلال “الصراع” بين “جبهة النصرة” و”كتائب الفاروق” على هامش المعركة ضد النظام، اضافة الى التنافس مع “الجيش السوري الحر”.

نعم هناك ارادة دولية بألا تنتصر الثورة قبل ان تتدمر سوريا وتفيض مصيدتها بمزيد من الضحايا فتطرب موسكو وواشنطن ويتعمّق وادي المذهبية السحيق في هذه المنطقة السعيدة !

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى